الرجعة (العودة الى الحياة)
هذه المسألة مما أختصت الشيعة بالقول بها، وأنا بحثت في كتب السنة فلم أجد لها أثر يذكر.وهم يعتمدون في ذلك على أخبار وروايات رووها عن الأئمة الأطهار سلام الله عليهم في أن الله سبحانه وتعالى سيحيي بعض المؤمنين وبعض المجرمين المفسدين لينتقم المؤمنون من أعدائهم أعداء الله في الدنيا قبل الآخرة.
ولو صحت هذه الروايات وهي صحيحة ومتواترة عند الشيعة فلا تلزم أهل السنة والجماعة إذا لم يثقوا بصحتها، ومن ثم فإنهم غير ملزمين بوجوب الإعتقاد بها، لأن أئمة أهل البيت حدثوا بها عن جدهم صلى الله عليه وآله وسلم ! كلا لأنا ألزمنا أنفسنا بالإنصاف بالبحث وعدم التعصب، فلا نكلفهم إلا ما ألزموا به أنفسهم وأخرجوه في صحاحهم، ولأن روايات الرجعة لم ترد عندهم، فهم أحرارا في عدم الأخذ بها، ورفضها هذا في صورة ما إذا أراد أحد الشيعة أن يفرض عليهم تلك الروايات.
أما وأن الشيعة لم يفرضوا على أحد أن يقول بالرجعة ولا إنهم يقولون بكفر من يكذبها، فلا داعي لكل هذا التشنيع والتهويل على الشيعة سيما وأنهم
فقد جاء في تفسير القمي عن إبن أبي عمير عن حماد عن أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام قال: ما يقول الناس في هذه الأية ويوم نحشر من كل إمة فوجا ؟ قلت: يقولون إنه في يوم القيامة: قال: ليس كما يقولون إنها في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجا ويدع الباقين ؟ إنما آية القيامة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا (2) .
كما جاء بكتاب عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر قوله: أن الذي تذهب اليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام إن الله تعالى يعيد قوما من الأموات إلى الدينا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقا ويذل فريقا آخر ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.
ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد، ثم يصيرون من بعد ذلك إلى الموت، ومن بعده الى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالإرتجاع فنالوا مقت الله، أن يخرجو ثالثا لعلهم يصلحون: قالوا ربنا أمتنا إثنتين وأحييتنا إثنتين وإعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل (سورة المؤمن آية 11)(3) .
أقول إذا كان أهل السنة والجماعة لا يؤمنون بالرجعة فلهم كامل الحق: ولكن ليس من حقهم أن يشنعوا على من يقول بها، لثبوت النصوص عنده. فليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم ولا حجة للجاهل على العالم وليس عدم
____________
(1) سورة النمل آية 83.
(2) سورة الكهف آية 47.
(3)كتاب عقائد الإمامية للمظفر ص 80 (العقيدة الثانية والثلاثون).
وكم من إعتقادات وروايات عند أهل السنة والجماعة بخصوص الأولياء والصالحين وأصحاب الطرق الصوفية تبدوا مستحيلة ومنكرة ولكن لا تستدعي التشنيع والتهويل على عقيدة أهل السنة والجماعة.
وإذا كانت الرجعة لها سند في القرآن والسنة النبوية وهي ليست مستحيلة على الله الذي ضرب لنا أمثلة منها في القرآن الكريم كقوله تعالى:
أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، قال: أنى يحى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه (1) .
أو كقوله سبحانه وتعالى:
ألم تر إلى الذين خرجو من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم (2) .
وقد أمات الله قوما من بني إسرائيل ثم أحياهم قال تعالى.
وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون، ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون (3) .
وقال في أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم موتى أكثر من ثلاثمائة عام ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً (4) .
فهذا كتاب الله يحكي أن الرجعة وقعت في الأمم السابقة فلا يستحيل وقوعها في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وخصوصا إذا روى ذلك أئمة أهل
____________
(1) سورة البقرة آية 259.
(2) سورة البقرة آية 243.
(3)سورة البقرة آية 56.
(4)سورة الكهف آية 12.
أما قول بعض المتطفلين بأن القول بالرجعة هو القول بالتناسخ الذي يقول به بعض الملحدين.
فهو قول ظاهر الفساد والبطلان، ويقصدون من ورائه التشنيع والتهويل على الشيعة.
إذ إن القائلين بالتناسخ لا يقولون بأن الإنسان يرجع الى الدنيا بجسمه وروحه وصورته وكنهه.
إنما يقولون بأن الروح تنتقل من إنسان مات إلى جسد إنسان آخر يولد من جديد أو حتى إلى حيوان.
وهذا كما نعلم بعبد كل البعد عن عقيدة المسلمين القائلين بأن الله يبعث من في القبور بأجسامهم وأرواحهم.
فليست الرجعة من التناسخ في شيء وهو قول الجهلة الذين لا يفقهون أو المغرضين غير الورعين.
الغلو (في حب الأئمة)
لانقصد بالغلو هنا هو الخروج عن الحق وإتباع الهوى حتى يصبح المحبوب هو الآله المعبود فهذا كفر وشرك لا يقول به أي مسلم يعتقد برسالة الأسلام ونبوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.وقد وضع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم حدودا لهذا الحب عندما قال للإمام علي عليه السلام:
«هلك فيك إثنان محب غال ومبغض غال».
وقوله صلّى الله عليه وآله وسلم:
«ياعلي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمة، وأحبه النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها»(1) .
____________
(1) مستدرك الحاكم 3 /123 تاريخ دمشق لإبن عساكر 2 /234.
التاريح الكبير للبخاري 2 /281 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 173.
خصائص النسائي ص 27 ذخائر العقبى ص 92 ـ الصواعق المحرقة لإبن بحر ص 74.
والشيعة في حب علي والأئمة من ولده لم يغالوا بل أنزلوهم المنزلة المعقولة التي بوأهم فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي إنهم أوصياء النبي وخلفاؤه ولم يقل أحد بنبوتهم فضلا عن ألوهيتهم، ودع عنك قول المشاغبين الذين يدعون بأن الشيعة ألهوا عليا وقالوا بربوبيته فهؤلاء إن صح الخبر لم يكونوا فرقة ولا مذهبا ولا شيعة ولا خوارج.
فما هو ذنب الشيعة إذا كان رب العزة والجلالة يقول: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى والمودة كما هو معلوم أكبر من الحب وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإن المودة تفرض عليك أن تحرم نفسك من شيء لتود به غيرك».
وما هو ذنب الشيعة إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول:
«ياعلي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني وحبيبك حبيب الله وبغيضك بغيض الله والويل لمن أبغضك»(1) .
ويقول أيضاً:
«حب عليٌّ إيمان وبغضه نفاق»(2) .
ويقول:
«من مات على حب آل محمد مات شهيدا، إلا ومن مات على حب
____________
(1) مستدرك الحاكم 3 /128 قال حديث صحيح على شرط الشيخين نور الأبصار للشبلنجي ص 73 ينابيع المودة ص 205 الرياض النضرة 2 /165.
(2) صحيح مسلم 1 /48 ـ الصواعق المحرقة ص 73 كنز العمال 15 /105.
وما هو ذنب الشيعة إذا كانوا يحبون رجلا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«غداً لأعطين رايتي إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»(2) .
فيجيب علي هو حبيب الله ورسوله وهو مؤمن وبغيض علي هو بغيض الله ورسوله وهو منافق.
وقد قال الإمام الشافعي في حبه.
يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم الفضل إنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له وقد قال فيهم وفي حبهم الفرزدق في ميميته المشهورة.
من معشر حبهم دين وبغضهمكفر وقربهم منجى ومعتصم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهمأو قيل من خير أهل الأرض قيل هم فالشيعة أحبوا الله ورسوله، وحبهم لله ورسوله هو الذي فرض حب أهل البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين والأحاديث في هذه المعنى كثيرة لا تحصى وقد أخرجها علماء أهل السنة والجماعة في صحاحهم وقد ذكرنا البعض منها دوما للإختصار.
وإذا كان حب علي وأهل البيت بصفة عامة هو حب لرسول الله صلى الله
____________
(1) تفسير الثعلبي «الكبير» في آية المودة وكذلك تفسير الزمخشري «الكشاف» تفسير الفخر الرازي 7 /405 ـ إحقاق الحق للتستري 9 /486.
(2) صحيح البخاري 4 /20 و5 /76.
(3) صحيح مسلم 7 /120 (فضائل علي بن أبي طالب).
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»(1) .
وعلى هذا الأساس فلا بد أن يحب المسلم عليا وأولاده الأئمة الطاهرين أكثر من الناس أجمعين بما في ذلك الأهل والاولاد ولا يتم الإيمان إلا بذلك لأن رسول الله قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه … الحديث.
فالشيعة أذن لا يغالون وإنما يعطون كل ذي حق حقه وقد أمرهم رسول الله أن ينزلوا عليا بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العينين من الرأس فهل هناك من الناس من تنازل عن عينيه أو عن رأسه ؟
ولكن في المقابل هناك مغالاة عند أهل السنة والجماعة في حب الصحابة وتقديسهم في غير محله وإنما يبدوا إنها رد فعل على الشيعة الذين لم يقولوا بعدالة الصحابة أجمعين وكان الأمويون يرفعون من شأن الصحابة ويحطون من قيمة وشأن أهل البيت النبوي حتى إذا صلوا على محمد وآله أضافوا إليهم، وعلى أصحابه أجمعين لأن في الصلة على أهل البيت فضل لم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق فأرادوا أن يرفعوا الصحابة الى تلك الدرجة العلية وغفلوا عن أن الله سبحانه أمر المسلمين وعلى رأسهم الصحابة أجمعين أن يصلوا على محمد وعلي وفاطمة والحسنين ومن لم يصل عليهم فصلاته مردودة لا يقبلها الله إذا إقتصرت على محمد وحده كما هو ثابت في صحيح البخاري ومسلم.
وإذا قلنا بأنه غلو في الصحابة ذلك لأن أهل السنة يتعدون حدود المنطق
____________
(1) صحيح البخاري 1 /9 (باب حب الرسول من الإيمان).
صحيح مسلم 1 /49 (باب وجوب محبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين) وكذلك في صحيح الترمذي.
والغلو ظاهر عندما يقولون بأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يخطيء ويصوبه صحابي. أو أن الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبي ولكنه يهرب من عمر، والغلو واضح في قولهم لو أصاب الله المسلمين بمصيبة بما فيهم رسول الله، لم يكون ينج منها إلا أبن الخطاب، والغلوا أوضح في إلغائهم لسنة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وإتباع سنة الصحابة وبالخصوص الخلفاء الراشدين وقد أوقفناك على البعض من ذلك وإذا أردت المزيد فعليك بالبحث والتأمل للوقوف على مزيد من هذه المفارقات.
المهدي المنتظر
وهو أيضاً من المواضيع التي يشنع بها أهل السنة والجماعة على الشيعة وذهب البعض منهم إلى حد السخرية والإستهزاء، إذ إنهم يستبعدون أو قل يعتقدون إستحالة أن يبقى بشر طيلة إثني عشر قرناً حياً وخفياً عن أنظار الناس حتى قال بعض الكتاب المعاصرين «بأن الشيعة إختلقوا فكرة الإمام الغائب الذي سينقذذهم وذلك مالاقوه من ظلم الحكام وجورهم على مر الأزمان، فسلوا أنفسهم بأمنية المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا وينتقم لهم من أعدائهم».وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة وبعد إنتصار الثورة الإسلامية في إيران عن المهدي المنتظر فأصبح المسلمون وبالخصوص الشباب المثقف في كل مكان يتساءلون عن حقيقة المهدي، وهل هي حقيقة ولها وجود في العقائد الإسلامية أم هو من مختلقات الشيعة ؟
ورغم ماكتبه علماء الشيعة قديماً وحديثاً(1) بخصوص المهدي من موسوعات وأبحاث، ورغم إتصال كثير من السنيين بإخوانهم من الشيعة في مؤتمرات عديدة ومحادثات في شتى المواضيع العقائدية، يبقى هذا الموضوع من
____________
(1) كالشهيد محمد باقر الصدر في كتابه «بحث حول المهدي».
فما هي حقيقة المهدي المنتظر في العقائد الإسلامية ؟ والبحث في هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين: ـ
القسم الأول يتعلق بالبحث عن المهدي من خلال الكتاب والسنة.
والقسم الثاني يتعلق بالبحث عن حياته وغيبته وظهوره.
أما في البحث الأول: فالشيعة والسنة متفقون على أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بشر به وأعلم أصحابه بأنه سيظهره الله سبحانه وتعالى في آخر الزمان، وقد أخرج أحاديث المهدي عليه السلام كل من الشيعة والسنة وفي صحاحهم ومسانيدهم.
وأنا بدوري وكالعادة حسبما تعهدت به في كل أبحاث الكتاب لا أستدل إلا بما هو ثابت وصحيح عن أهل السنة والجماعة.
فقد جاء في سنن أبي داود(1) .
قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:
(لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطىء إسمه إسمي، وإسم إبيه إسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا».
وجاء في سنن إبن ماجة(2) :
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
«إنا أهل بيت إختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديدا، وتطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات
____________
(1) سنن أبي داود 2 /422.
(2) سنن إبن ماجه ج2 رقم الحديث 4082 و 4087.
وقال إبن ماجه في سننه:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«المهدي منا أهل البيت، المهدي من ولد فاطمة».
وقال صلى الله عليه وآله وسلم:
«يكون في أمتي المهدي، إن قصر فسبع، وإلا فتسع تنعم فيها أمتي نعمة لن تنعم مثلها قط تأتي أكلها، ولا تدخر منه شيئاً والمال يومئذ كدوس، فيقوم الرجل فيقول: يامهدي أعطيني فيقول: خذ»(1) .
وجاء في صحيح الترمذي(2) :
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
«يلي رجل من أهل بيتي يواطىء أسمه إسمي، ولم لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتّى يلي».
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء أسمه أسمي».
وأخرج الإمام البخاري في صحيحه(3)
قال: حدثنا بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن إبن شهاب عن نافع
____________
(1) سنن إبن ماجة ج 2 رقم الحديث 4086.
(2) الجامع افلصحيح للترمذي 9 /74 ـ 75.
(3)صحيح البخاري 4 /143 (باب نزول عيسى بن مريم).
وقال صاحب غاية المأمول: إشتهر بين العلماء سلفا وخلفا إنه لا بد من ظهور رجل من أهل البيت في آخر الزمان يسمى المهدي، وقد روي أحاديث المهدي جماعة من خيارالصحابة وأخرجها أكابر المحدثين: كأبي داود، والترمذي، وإبن ماجة والطبراني وأبي يعلى، والبزاز، والإمام أحمد بن حنبل، والحاكم رضي الله عنهما أجمعين، ولقد أخطأ من ضعف أحاديث المهدي كلها.
قال الحافظ في فتح الباري: تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأئمة وإن عيسى إبن مريم سينزل ويصلي خلفه»(1)
وقال إبن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة متواترة(2) .
وقال الشوكاني في رسالتة المسماة «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح» وبعد سرده أحاديث المهدي قال: «وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل إطلاع».
وقال الشيخ عبدالحق في اللمعات:
«قد تظافرت الأحاديث البالغة حد التواتر في كون المهدي من أهل البيت من أولاد فاطمة»(3) .
وقال الصبان في كتابه إسعاف الراغبين:
«وقد تواترت الأخبار عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بخروجه وإنه من
____________
(1) فتح الباري 5 /362.
(2) الصواعق المحرقة لإبن حجر 2 /211.
(3)حاشية صحيح الترمذي 2 / 46.
وقال السويدي في كتابه المسمى «سبائك الذهب»:
«الذي إتفق عليه العلماء إن المهدي هو القائم في آخر الوقت وإنه يملأ الأرض عدلا، والأحاديث في ظهوره كثيرة»(2) .
وقال إبن خلدون في مقدمته:
«إعلم إن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار إنه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويسمى بالمهدي»(3) .
كما أخرج أحاديث المهدي من المعاصرين مفتي الإخوان المسلمين السيد سابق في كتابه «العقائد الإسلامية» وإعتبر أن فكرة المهدي من العقائد الإسلامية التي يجب التصديق بها.
وكتب الشيعة أيضاً أخرجت أحاديث المهدي على كثرتها حتى قيل إنه لم يَرو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر مما روي عنه في أحاديث المهدي.
وقد إستخرج الباحث لطف الله الصافي في موسوعته «منتخب الأثر» أحاديث المهدي عليه السلام من أكثر من ستين مصدرا من كتب أهل السنة والجماعة من ضمنها الصحاح الستة وأكثر من تسعين مصدرا من كتب الشيعة من ضمنها الكتب الأربعة.
أما بخصوص البحث الثاني والذي يتعلق بولادة المهدي وحياته وغيبته وعدم وفاته عليه السلام فهذا القسم أيضا لم ينكره بعض علماء أهل السنة الذين لا يستهان بهم، والذين يعتقدون بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري
____________
(1) إسعاف الراغبين 2 /140
(2) سبائك الذهب ص 78.
(3)مقدمة إبن خلدون ص 367.
2 ـ سبط إبن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص.
3 ـ عبدالوهاب الشعراني في كتابه عقائد الأكابر.
4 ـ إبن الخشاب في كتابه واريخ مواليد الأئمة ووفياتهم.
5 ـ محمد البخاري الحنفي في كتابه فصل الخطاب.
6 ـ أحمد بن إبراهيم البلاذري في كتابه الحديث المتسلسل.
7 ـ إبن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة.
8 ـ العارف عبدالرحمن في كتابه مرآة الأسرار.
9 ـ كما الدين بن طلحة في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول.
10 ـ القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة.
ولو تتبع الباحث لوجد في علماء السنة والجماعة أضعاف من ذكرنا يقولون بولادة المهدي وبقائه حياً حتى يظهره الله تعالى.
وبعد هذا لم يبق معنا من أهل السنة والجماعة إلا المنكرون بولادته وبقائه حياً، بعد إعترافهم بصحة الأحاديث.وهؤلاء ليسوا حجة على غيرهم من القائلين بها.
والقرآن الكريم لا ينفي مثل هذا الإفتراض، وكم ضرب الله من مثل على ذلك لأهل العقول الجامدة لكي يتحرروا ويطلقوا العنان لأفكارهم وعقولهم حتى تستيقن وتسلم بأن الله سبحانه قادر على كل شيء.
لذا فإن المسلم الذي يملأ الإيمان قلبه فلا يستغرب أن يميت الله عزيزا مائة عام، ثم يبعثه فينظر الى طعامه وشرابه لم يتسنه، وإلى حماره كيف ينشز الله عظامه ويكسوها لحما فيرجع كما كان بعد أن كانت عظامه رميما فلما تبين له قال:
والمسلم الذي يصدق القرآن الكريم لا يستغرب أن يقطع سيدنا إبراهيم الطير ويبعثر أجزاءه وأشلاءه على الجبال ثم يدعوهن فيأتينه سعيا.
والمسلم لايستغرب أن تصبح النار باردة فلا تحرق ولا تؤذي سيدنا إبراهيم عندما ألقي فيها فقال لها الله يانار كوني بردا وسلاما
والمسلم لايستغرب بأن سيدنا عيسى ولد من غير نطفة الذكر أي من غير أب. وإنه حي لم يمت وسيعود إلى الأرض.
والمسلم لا يستغرب بأن سيدنا عيسى كان يحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص والأعمى ولا يستغرب أن ينغلق البحر لسيدنا موسى ولبني إسرائيل فيمشوا فيه بدون بلم وتنقلب عصاه ثعبانا ويحول ماء النيل إلى دم.
كذلك فإن المسلم لا يستغرب أن سيدنا سليمان كان يتكلم مع الطير ومع الجن ومع النمل ويحمل عرشه على بساط الريح ويستقيم عرش بلقيس في لحظات.
ولا يستغرب بأن الله أمات أصحاب الكهف ثلاثة قرون وإزداوا تسعا ثم بعثهم فكان حفيد الحفيد أكبر سنا من جد الجد.
ولايستغرب بأن سيدنا الخضر عليه السلام حي لم يمت وقد إلتقى مع سيدنا موسى عليه السلام.
ولا يستغرب بأن إبليس لعنه اله حي لم يمت وهو مخلوق قبل آدم عليه السلام، وما زال يواكب مسيرة البشر من أول خلقته إلى يوم فنائه، ومع ذلك فهو مخفي لم ولن يراه أحد رغم أعماله الشنيعة وأفعاله الذميمة، وهو يرى كل الناس.
فكل ماذكره القرآن وهو أضعاف ماذكرنا في هذه العجالة ليس هو مما جرت به العادة ولا هو معهود إلى الناس ولا يقدرون عليه ولو إجتمعوا له.
وإنما هو من صنع الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ويصدق به المسلمون بأنهم آمنوا بكل ماجاء في القرآن الكريم وبدون إستثناء وبدون تحفظ.
على أن الشيعة هم أدرى بأمور المهدي عليه السلام لأنه إمامهم وقد عاصروه وعاشوا معه ومع آبائه، وأهل مكة أدرى بشعابها.
والشيعة يحترمون أئمتهم ويعظمونهم وقد إتخذوا الأئمة أهل البيت قبورا شيدوها وإلتزموا بزيارتها والتبرك بها، فلو كان الإمام الثاني عشر وهو المهدي سلام الله عليه قد توفي لكان له قبر معروف، ولأمكنهم أن يقولوا بجواز بعثه بعد الموت ما دام هذا الأمر ممكنا كما ذكره القرآن الكريم وخاصة إنهم يقولون «بالرجعة».
بل تراهم يصرون على أن المهدي سلام الله عليه حي يرزق وهو مخفي لحمة أرادها الله سبحانه وتعالى قد يعرفها الراسخون في العلم وأولياءهم.
وهم يدعون في صلواتهم أن يعجل الله فرجه الشريف لأن في ظهوره عز المسلمين وسعادتهم وإنتصارهم ولأن به يتم الله نوره ولو كره الكافرون.
على أن الخلاف بين السنة والشيعة في أمر المهدي عليه السلام ليس هو خلاف جوهري ماداموا يعتقدون بظهوره في آخر الزمان، وإن عيسى عليه السلام يصلي خلفه، وإنه سيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ويملك المسلمون الأرض كلها في زمانه ويعم الرجاء حتى لا يبقى فقير.
ويبقى الخلاف فقط في قول الشيعة بولادته وفي قول السنة بأنه سيولد،
فليتوحد السنة والشيعة على كلمة الحق وعلى جمع شمل الأمة الممزقة ولم شتاتها وليدعوا الله جميع المخلصين في دعائهم وفي كل صلواته بأن يعجل ظهوره لأن في ظهوره الفرج والنصر لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
محمد التيجاني السماوي
المصادر
كتب التفسيــــــــــــــــر
1 ـ القرآن الكريم
2 ـ تفسير الطبري
3 ـ تفسير إبن كثير
4 ـ تفسير القرطبي
5 ـ تفسير الجلالين
6 ـ التفسير الكبير للفخر الرازي
7 ـ تفسير المنار محمد عبده
8 ـ تفسير النّسفي
9 ـ تفسير الخازن
10 ـ تفسير الكشاف للزمخشري
11 ـ تفسير الحاكم الحسكاني
12 ـ تفسير النيسابوري
13 ـ الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي
14 ـ زاد المسير في علم التفسير لإبن الجوزي
15 ـ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني
16 ـ تفسير الفتح القدير للشوكاني
18 ـ أسباب النزول للإمام الواحدي
19 ـ أحكام القرآن للجصاص
20 ـ التفسير الكبير للثعلبي
21 ـ نزول القرآن للحافظ أبو نعيم
22 ـ مانزل من القرآن في علي أبو نعيم الأصبهاني
23 ـ مقدمة أصول التفسير لإبن تيمة
24 ـ تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي
كتب الحديث
1 ـ صحيح البخاري
2 ـ صحيح مسلم
3 ـ صحيح الترمذي
4 ـ صحيح إبن ماجه
5 ـ سنن أبي داود
6 ـ سنن النسائي
7 ـ مسند الإمام أحمد
8 ـ موطأ الإمام مالك
9 ـ مستدرك الحاكم
10 ـ كنز العمال
11 ـ سنن الدارمي
12 ـ سنن البيهقي
13 ـ الجمع بين الصحاح الستة
14 ـ سنن الدار قطني
15 ـ جمع الجوامع للسيوطي
16 ـ منهاج السنة لإبن تيمة
18 ـ كنوز الحقائق للمناوي
19 ـ جامع الأصول لإبن الأثير
20 ـ فتح الباري في شرح البخاري
كتب التاريخ
1 ـ تاريخ الأمم والملوك للطبري
2 ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي
3 ـ تاريخ الكامل لإبن اتلأثير
4 ـ تاريخ دمشق لإبن عساكر
5 ـ تاريخ المسعودي (مروج الذهب)
6 ـ تاريخ اليعقوبي
7 ـ تاريخ الخلفاء للسيوطي
8 ـ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي
9 ـ تاريخ أبي الفداء
10 ـ تاريخ إبن الشحنة
11 ـ تاريخ إبن كثير
12 ـ التاريخ الكبير لمحمد البخاري
13 ـ الإمامة والسياسة لإبن قتيبة
14 ـ العقد الفريد لإبن عبد ربه
15 ـ الطبقات الكبرى لإبن سعد
16 ـ تاريخ إبن خلدون
17 ـ شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد
كتب السيرة
1 ـ سيرة إبن هشام
3 ـ السيرة الحلبية
4 ـ أسد الغابة في مهرفة الصحابة
5 ـ السيرة الدحلانية
6 ـ الرياض النضرة للطبري
7 ـ الإستيعاب
8 ـ حياة محمد لمحمد حسنين هيكل
9 ـ المعارف لإبن قتيبة
10 ـ أنساب الأشراف للبلاذري
11 ـ حلية الأولياء لأبي نعيم
12 ـ الفتنة الكبرى لطه حسين
كتب مختلفة
1 ـ الصواعق المحرقة لإبن حجر
2 ـ الفتوحات المكية لإبن عربي
3 ـ الصلة بين التصوف والتشيع للشيبي
4 ـ عقائد الأكابر للشعواني
5 ـ خصائص أمير المؤمنين للنسائي
6 ـ تواريخ مواليد الأئمة لإبن الخشاب
7 ـ الملل والنحل للشهرستاني
8 ـ فصل الخطاب محمد البخاري
9 ـ دلائل الإمامة للطبري
10 ـ الحديث المتسلسل للبلاذري
11 ـ بلاغات النساء لإبن طيغور
12 ـ مرآة الأسرار العارف عبدالرحمن
13 ـ أعلام النساء لعمر رضا كحالة
15 ـ كفاية الطالب للكنجي الشافعي
16 ـ شرح المواهب للزرقاني
17 ـ الإزدهار فيما عقده الشعراء من الأشعار للسيوطي
18 ـ سير أعلام النبلاء للذهبي
19 ـ الولاية لإبن جرير الطبري
20 ـ سر العالمين لأبي حامد الغزالي
21 ـ تذكرة الخواص لإبن الجوزي
22 ـ إحياء علوم الدين للغزالي
23 ـ تذكرة السبط لإبن الجوزي
24 ـ مطالب السؤول لإبن طلحة الشافعي
25 ـ إرشاد الساري للقسطلاني
26 ـ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي
27 ـ نور الإبصار للشبلنجي
28 ـ فضائل الخمسة من الصحاح الستة
29 ـ ربيع الأبرار للزمخشري
30 ـ الفصول المهمة لإبن الصباغ
31 ـ شرح نهج البلاغة للشيخ محمد عبده
32 ـ التلخيص للذهبي
33 ـ المعجم الصغير والمعجم الكبير للطبراني
34 ـ الجامع الصغير والجامع الكبير للسيوطي
35 ـ البداية والنهاية لإبن كثير
36 ـ إسعاف الراغبين
37 ـ مناقب علي بن أبي طالب لإبن الغزالي