كي لا يضيع المسلمون إن أبوا!
أمام رفض دولة البطون الاعتراف بشرعية مرجعية أهل بيت النبوة وإصرارها وأوليائها على اختراع آلاف المرجعيات البديلة، وقرن مرجعية أهل بيت النبوة مع هذه المرجعيات ومساواتها بها وحرصاً على مصلحة الإسلام وإنقاذاً لما يمكن إنقاذه من دين الإسلام وضع أئمة أهل بيت النبوة وأولياؤهم سلسلة من القواعد التي ترشد ما أمكن إلى طريق الصواب منها:
1 - عرض الحديث على كتاب الله فما وافق كتاب الله فهو حديث صحيح وما خالف كتاب الله فهو حديث كذب.
2 - إن كل حديث قد ورد في أي كتاب من كتب الحديث مهما تكن وثاقة أصحابها يجب أن يخضعه العلماء للتحقيق والإثبات للتأكيد من وثاقة الرواي وصدقة.
3 - لا ينبغي على العلماء أن يقبلوا الرواية إلا إذا رواها راو منصف، يتصف بالورع والصدق ومهما يكن مذهبه.
4 - ليس في منهج أهل بيت النبوة وشيعتهم ما يوجب تبني كتاب حديث صحيح بأكمله أو رفضه بأكمله، بل تخضع مفرداته للتحقيق والإثبات العلمي.
سعي دولة البطون إلى إجهاض جهود الأئمة
التميز والتفرد العلمي، وأهلية أئمة أهل بيت النبوة لتقديم الأحكام الشرعية للناس، كما بينها الرسول، لم تعد خافية على أحد من المسلمين. صحيح أن دولة البطون وأولياءها لا يعترفون بذلك ويقاومونه، ولكن هذه الأمور: التميز والتفرد والأهلية، صارت من قبيل الحقائق الواقعية التي يتعذر على الدولة عدم رؤيتها، ويتعذر عليها طمسها. لذلك اتخذت سلسلة من الإجراءات في محاولة مكشوفة منها لطمس الحقائق. ومن هذه الإجراءات:
1 - التعتيم المطلق، في كل زمان، على كل إمام من أئمة أهل بيت النبوة، واعتباره في أحسن الأحوال مجرد مسلم أو عالم لا يختلف أمره عن ملايين المسلمين وآلاف العلماء مع غمزه ولمزه والتنفير منه بوسائل الدولة الكثيرة.
3 - دس عيون الدولة وجواسيسها من حول الإمام وتكليفهم بالظهور بمظهر شيعته وأوليائه ليحصوا عليه أنفاسه، ويعرفوا حركاته وأساليبه في الاتصال بشيعته وأوليائه. ويظهر هؤلاء العيون والجواسيس بمظهر شيعة الإمام وأوليائه، حتى إذا اشتهر ذلك بين الناس تولوا مهمة الكذب والتقول عليه واختلاق الأحاديث على لسانه ونسبة الآراء المتطرفة إليه، وذلك لتشكيك الناس به، وتنفيرهم من حولهم، و تكريههم به، طمعاً بتشويه سمعته وسمعة أوليائه، وتنفير الناس منهم للحيلولة بين إمام أهل بيت النبوة وبين هداية الناس إلى الطريق القويم، واطلاعهم على الحكم الشرعي في كل مسألة.
فقد يدعي الجواسيس والعيون أن الإمام يدعي أنه (إله) أو غير ذلك من الادعاءات الكاذبة التي لا هدف لها إلا تنفير المسلمين من أئمة أهل بيت النبوة.
ودعمت دولة البطون أكاذيب جواسيسها واختلاقاتهم بمختلف وسائل الإعلام، وألقت في روع العامة أن هؤلاء الجواسيس شيعة للإمام وهم ينقلون قوله، وبالتالي فإن كفر الإمام وشيعته لا يحتاج إلى إيضاح!
رد أئمة أهل بيت النبوة
لعن الأئمة الكرام أولئك الجواسيس والعيون الذين جندتهم دولة البطون وكلفتهم بأن يظهروا بمظهر شيعة أهل بيت النبوة لغايات الاختلاق والكذب. فقد لعن الإمام جعفر الصادق أبا الخطاب بن أبي زينب الأجدع وتبرأ منه ومن القائلين بأقواله وتقولاته الكاذبة، ولعن حمزة البربري، ولعن صائد النهدي، ولعن أبا الجارود ووصفه بأنه أعمى القلب وأعمى البصر، ولعن أبا منصور العجلي، ولعن يزيع بن موسى الحائك ولعن أتباعهم. وأعلن إمام أهل بيت النبوة، في كل زمان، أن أولئك الجواسيس والعيون ليسوا شيعة وليسوا أولياء لأهل بيت النبوة، إنما هم أعداء.
قوم يقولون فينا ما لا نقوله في أنفسنا، فليس أولئك منا ولسنا منهم، ويلحق بكم التالي، فقال قائل: وما التالي؟ قال: المرتاد يريد الخير ويؤجر عليه).
ولما بلغ الإمام جعفر الصادق قول أبي الخطاب، أرسل دمعة، وهو يقول:
(يا رب برئت إليك مما ادعى في الأجدع، خشع لك شعري وبشري، عبد لك ابن عبد لك، خاضع ذليل أجل أجل عبد خاضع، خاشع ذليل لربه، صاغر، راغم من ربه، خائف وجل، لي والله رب أعبده، ولا أشرك به شيئا).. وقيل لأبي عبد الله:
إن قوماً يزعمون أنكم آلهة! فقال أبو عبد الله: (سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء وبرئ الله منهم، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم)..
وقال إمام أهل بيت النبوة (... والله ما معنا براءة وما بيننا وبين الله قرابة، ولا لنا على الله حجة، ولا يتقرب إلى الله إلا بالطاعة، فمن كان منكم مطيعاً نفعته ولا يتنا، ومن كان منكم عاصياً لم تنفعه ولا يتنا).
ولمواجهة اختلاق الأحاديث، بين الإمام الحقيقة، وأوصى المسلمين قائلاً: (لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة). وقال الإمام علي بن موسى الرضا: (لا تقبلوا عني خلاف القرآن، فإنا إن حدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة، ما عند الله عند رسوله نحدث..).
وعلى الرغم من التعتيم الذي فرضته دولة البطون على أقوال الأئمة وتصريحاتهم إلا أنها وصلت إلى أسماع المسلمين، ولم يعد بوسع عاقل أن يصدق اختلاقات عيون دولة البطون وأكاذيب جواسيسها الذين ادعوا التشيع لغايات هدم التشيع وإطفاء نور أهل بيت النبوة.
ومع أن دولة البطون هي التي تولت قيادة موجة الافتراء على الأئمة وتنفير المسلمين منهم وتجذير الخلاف والاختلاف بين أتباعها من جهة، وبين أتباع الأئمة من جهة أخرى، ومع أنها تعرف أن الحق مع الأئمة إلا أنها سخرت
في هذا المناخ تم الاختلاف الفقهي
كان الأيسر لدولة البطون وأتباعها وللمسلمين، لو تم أخذ الأحكام الشرعية من مصدرها الصافي اليقيني، المتمثل بأهل بيت النبوة الذين أهلهم الله وأعدهم للأمور الآتية:
1 - قيادة الأمة.
2 - حفظ سنة الرسول بفروعها الثلاثة.
3 - بيان القرآن بياناً قائماً على الجزم واليقين في كل زمان. ولو فعلوا ذلك، كما أمرهم الله على لسان رسول، لما احتاجوا لأي شئ آخر، ولأخذوا حكم كل شئ من كتاب الله وسنة رسوله بشكل محدد وجازم.
لكن، لو فعلت دولة البطون وأعوانها ذلك لأقروا على أنفسهم بأنهم غاصبون للسلطة، وأن أهل بيت النبوة هم أصحاب الحق الشرعي، والشخص أي شخص يفر مما يدينه، لذلك اختارت الدولة وأولياؤها طريق العسر والحرج لها وللمسلمين. ولأن الدولة لا تعرف مواقع الحكم الشرعي في كتاب الله أو في سنة رسوله، اخترعت مصادر جديدة كالرأي، والقياس والاستحسان، والمصالح المرسلة، والإجماع. مع أن الحكم الشرعي موجود في القرآن والسنة، ولكنه خاف على الدولة وأعوانها، ولأنها بحاجة للأحكام لمعالجة ما استجد من وقائع لذلك لجأت إلى هذه المصادر لتلبية حاجاتها من الأحكام. وبعد أن حصلت على حاجاتها من الأحكام من تلك المصادر ألبستها ثوب الإسلام وادعت بأنها شرعية وإسلامية تماماً! مع أنه في الحق والحقيقة لا يوجد في الإسلام سوى مصدرين:
النقطة الأولى: وهكذا كان الخلاف في اعتماد المصادر التي ينبغي أن تؤخذ منها الأحكام، أول خلاف فقهي بين شيعة خلفاء دولة البطون بين شيعة أهل بيت النبوة فالأول يأخذون الحكم من أي مصدر من المصادر بينما الآخرون لا يأخذون إلا الحكم الشرعي ومن كتاب الله وسنة رسوله. والإجماع عند شيعة أهل البيت ليس منشئاً للحكم إنما هو كاشف له. ولا قيمة للإجماع المنشئ للحكم، لأن الحكم الشرعي سابق للحكم الذي أوجده الإجماع بمفهوم شيعة خلفاء البطون، ولأن الحكم الشرعي لم يرق لخلفاء البطون وشيعتهم فقد اخترعوا حكماً بديلاً، وحاولوا إضفاء الشرعية على الحكم البديل سنداً لإجماع غير شرعي، غايته المحددة إبطال الحكم الإلهي الشرعي!
والنقطة الثانية:
إن دولة البطون وشيعتها فرضوا حضراً على رواية أحاديث رسول الله وكتابتها طوال 95 عاماً، بين حضر كلي وحضر جزئي، وعندما جاء معاوية قاد بنفسه وولاته حملة وضع الأحاديث على رسول الله في النواحي
وقد وضع أولياء دولة البطون مجموعة من القواعد والضوابط لمعرفة الحديث الصحيح من الحديث المكذوب، وقسموا الحديث نفسه إلى مراتب، وكل طائفة وضعت قواعدها وشروطها الخاصة وتولد عن ذلك الاختلاف في تقدير المرويات، فما يكون منها صحيحاً عند طائفة قد يكون غير صحيح عند الطائفة الأخرى، وقد يكون من الرواة موضع ثقة عند طائفة فقد لا يكون ثقة عند الطائفة الأخرى. وتعددت مراتب التقدير بتعدد الطوائف والمرجعيات، وزادت الأوراق اختلاطاً. وفي هذا المناخ جرى تخريج الأحكام من المصادر الصحيحة وغير الصحيحة وتم الاختلاف في المصادر مثلما تم الاختلاف في قبول الروايات.
ونشأت حالة من التعارض عجيبة، وحدث فيض بالأحكام مما مكن دولة البطون من ترجيح الأحكام التي تتلاءم مع ميولها وهواها.
ومحاولة منها للسيطرة على مقاليد الأمور اختارت أربعة من العلماء واعتبرتهم أصحاب مذاهبها الرسمية، وحرمت على أي مواطن من رعاياها أن يتمذهب بغير هذه المذاهب، حتى أنها لم تقبل رسمياً شهادة أي مسلم إن لم يكن متمذهباً بأحد المذاهب الأربعة. وقضت هذه الدولة بقرارها هذا على كافة أصحاب المذاهب والتوجهات الفقهية أو حجمتهم عملياً، وسمي كل مذهب من المذاهب التي اعتمدتها الدولة باسم صاحبه، فقيل مذهب الأحناف نسبة إلى أبي حنيفة ومذهب الشافعية نسبة إلى الشافعي.. الخ. لم تعر الدولة أي اهتمام لمذهب أهل بيت النبوة الذي سمي بالمذهب الجعفري نسبة إلى الإمام جعفر الصادق الذي عاصر هذه التحولات والتسميات، وكان من الممكن أن يتلاشى هذا المذهب كما تلاشت مئات المذاهب أمام قرار دولة البطون، ولكنه بقي ثابتاً.
وحديثاً، ومع تنور بعض العقول من أتباع خلفاء دولة البطون جرت محاولات جريئة للتشكيك بشرعية إجراءات دولة البطون فقد سئل شيخ الأزهر، المرحوم محمود شلتوت، إن كان واجباً على المسلم أن يقلد أحد المذاهب الأربعة، وإن كان حراماً تقليد مذهب الشيعة الإمامية (الجعفري) أو المذهب الزيدي (الشيعة الزيدية).
فأجاب شيع الأزهر: (إن الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه مذهباً معيناً بل نقول: إن لكل مسلم الحق في أن يقلد، بادئ ذي بدء، أي مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً، والمدونة أحكامها في كتبها الخاصة. ولمن قلد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره، ولا حرج عليه في شئ من ذلك).
وأضاف شيخ الأزهر: (ومذهب الجعفرية، المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشر، مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحق لمذاهب معينة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب، أو مقصورة على مذهب فالكل مجتهدون، مقبولون عند الله، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات).
وجاء شيخ الأزهر محمد محمد الفحام ونوه بفتوى شيخ الأزهر السابق محمود شلتوت، وعبر عن ذلك بقوله: (ورحم الله الشيخ شلتوت الذي التفت إلى هذا المعنى الكريم فخلد في فتواه الصريحة الشجاعة). وقد أصاب الغمام بقوله:
(فخلد في فتواه الشجاعة) لأنه لم يكن بإمكان أي مسلم أن يجرؤ على إعلان ما
ومع خطورة هذه الفتوى وعقلانيتها وصدقها وقدرتها الخارقة على الوصول إلى القلوب عمد أولياء دولة البطون إلى التعتيم عليها والتعامل معها كأنها غير موجودة وغير صادرة عن شيخ الأزهر. وطالبوا بفتح باب الاجتهاد الذي لم يغلقه الله ولا رسوله إنما أغلقه خلفاء دولة البطون وأولياؤهم ولكنه اجتهاد على شاكلة الاجتهاد الذي سلكه الخلفاء وأولياؤهم والذي يخدم تاريخهم وغاياتهم من اختلاق مصطلح الاجتهاد.
الفصل الثالث
نماذج من الخلاف والاختلاف بين المسلمين
1 - الاختلاف السياسي
أجمع خلفاء دولة البطون وشيعتهم (أهل السنة) على أن رسول الله انتقل إلى جوار ربه، وترك أمته ولا راعي لها من بعده، فهو لم يستخلف، ولم يحدد من سيخلفه، ولم يصدر عنه أي نص لتحديد خليفته من بعده! وأنه صلى الله عليه وآله وسلم، قد خلى على الناس أمرهم!
وأجمع أهل بيت النبوة وشيعتهم والباحثون المحايدون من المسلمين على أن رسول الله استخلف علياً بن أبي طالب، وعينه بأمر من ربه إماماً وولياً وخليفة من بعده ومرجعاً للمسلمين، ولكن بطون قريش ال 23 التي اتحدت ضد النبي وقاومته و أجبرته على الهجرة ثم حاربته حتى هزمها عادت واتحدت ضد أهل بيت النبوة. والهاشميين بعامة وضد علي بن أبي طالب وذريته بخاصة لتحول بينهم وبين حقهم في خلافة النبي (1)!!
معنى الولي
أجمع خلفاء دولة البطون وشيعتهم (أهل السنة) وأجمع أهل بيت النبوة وشيعتهم على أن رسول الله قد قال لعلي بن أبي طالب حال حياته (أنت وليي في الدنيا والآخرة، وأنت ولي كل مؤمن ومؤمنة، وأنت ولي المؤمنين من بعدي، ومن كنت وليه فهذا علي وليه، ومن كنت مولاه فهذا علي مولاه، وخاطب المسلمين قائلاً:
إنه وليكم من بعدي، ولكنهم اختلفوا من بعد هذا الإجماع في المراد من (الولي):
1 - قال خلفاء دولة البطون وشيعتهم (أهل السنة) إن الرسول لم يقصد من كلمة الولي الحاكم أو الإمام أو الخليفة أو المرجع، إنما قصد بهذه الكلمة المحب أو الناصر!
____________
(1) وقد وثقنا ذلك في كتبنا وفصلناه: نظرية عدالة الصحابة والمواجهة، والخطط السياسية.
ويفهم هذا من النصوص الأخرى كقوله لعلي: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى)، وقوله: (إن هذا أخي وخليفتي ووصيي فيكم من بعدي)، وقوله: (هذا أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين).. الخ.
وقد أجمع أهل بيت النبوة وشيعتهم على صحة هذه الأحاديث، وأجمع على صحتها الباحثون المحايدون من شيعة الخلفاء، وروى الكثير منها أصحاب الصحاح. ومن استعراض التاريخ الجهادي لعلي بن أبي طالب ودوره البارز في مقاومة الشرك ومحاربته، ومن استعراض قدرات الإمام علي ومواهبه العلمية الخارقة لا يبقى أدنى شك بقصد الرسول من كلمة ولي (1).
وشهدوا على أنفسهم
إذا كان الرسول لم يستخلف، فلم استخلف خلفاء البطون؟ ولماذا لم يقتدوا بالرسول الأعظم؟ أليس فعل الرسول سنة؟ ومن يدلني على خليفة واحد قد مات من دون أن يعهد بالخلافة لمن يأتي بعده؟!
لقد وصف عبد الله بن عمر لأبيه عمر بن الخطاب موت الخليفة من دون تعيين من يخلفه بأنه تفريط وتضييع للإمامة! ووصفت السيدة عائشة هذه الحالة بأنها همالة، ووصفها معاوية بأنها كمن يترك نعاجه ولا راعي لها.
وأجمع الخلفاء على أن الحكمة من العهد تتمثل في تجنيب الأمة الخلاف والاختلاف، وهي رحمة بالمؤمنين وإضفاء الاستقرار على مؤسسة الخلافة! فهل يكون الخلفاء والنساء والعامة من الناس أبعد نظراً وأرحم بالأمة، وأقدر على
____________
(1) وقد وثقنا ذلك في كتابينا المواجهة، ونظرية عدالة الصحابة.
أليس التنازع على رئاسة المسلمين هو منبع كل خلاف واختلاف؟ وهل يعقل أن يبين الرسول للناس كيف يتبولون، ويبين لهم كل شئ، ويتركهم على المحجة البيضاء ويفغل أهم شئ وهو رئاسة المسلمين من بعده؟ لو سلم شيعة الخلفاء بذلك، لأقروا وشهدوا على أنفسهم بأن الخلفاء قد أخطأوا حتماً، وفعلوا ما لا ينبغي لهم فعله وعقول شيعة الخلفاء تستبعد عن الخلفاء كل خطأ ونقيصة.
والبديل الآخر هو الاستمرار بالتستر واختلاق الأعذار ولو على حساب الدين والحقيقة الشرعية والعقلية، ولسان حالهم يقول: (لينهدم الإسلام على رؤوس معتنقيه وليبقى الخلفاء معصومين بحرز الله، وماذا يبقى من الدين إذا كان فعل الخلفاء خطأ. تلك أمانيهم! (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) [ البقرة / 79 ].
الشيعة يصدقون أهل بيت محمد
وبقدرة قادر صار شيعة أهل بيت النبوة فئة مجرمة! لأنهم صدقوا أهل بيت محمد وآمنوا بوجود نص على من يخلف النبي بعد موته، ولأنهم آمنوا بأن أهل بيت النبوة هم الأولى بالنبي، ولأنهم أحبوا أهل بيت النبوة ووالوهم ولم يوالوا خليفة بطون قريش، ولأنهم فسروا مصطلح (الولي) بأنه يعني الإمام أو القائد، أو المرجع أو الخليفة من بعد النبي، ولأنهم الشيعة استوعبوا حجة أهل بين النبوة، ولم يستوعبوا حجة خليفة البطون.
لكل هذه الأسباب جن جنون خلفاء البطون وشيعتهم، واعتبروا هذا الموقف المناقض لموقفهم عملاً عدائياً موجهاً ضدهم، ومحاولة مكشوفة لتفريق كلمة المسلمين وإجماعهم الذي انعقد على خلفاء البطون، ونقضاً للأعراف والسوابق الدستورية التي اخترعها هؤلاء وشيعتهم، والتي استقرت بنفوذ الدولة، وشعر المسلمون أنها قدر لا مفر منه. لكل هذا عد شيعة أهل بيت النبوة فئة مجرمة
وقد غالت شيعة خلفاء البطون مغالاة كبيرة، وتطرفت في معاملتها لأهل بيت النبوة وشيعتهم، فاستحلوا دماءهم لأتفه الأسباب وصادروا أموالهم، وجردوهم من حقوقهم المدنية والسياسية، وحرموا تزويجهم أو الزواج منهم، وحرموا إطعامهم أو أكل طعامهم، وعاملوهم بمنتهى الهمجية والقسوة، بشكل لا يجوز أن يعامل به الكفرة وهم يتلون كتاب الله، ويؤمنون بالله، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وبالآخرة هم موقنون. وقد فعلت شيعة الخلفاء كل ذلك بإخوانهم المسلمين من شيعة أهل بيت النبوة في الوقت الذي يفتح فيه الخلفاء وشيعتهم صدورهم وقصورهم وبيوتهم لليهود والنصارى والمجوس، تحت شعار أهل الذمة وسماحة الإسلام! مع أن الخلاف بين مسلمي شيعة الخلفاء (أهل السنة) ومسلمي شيعة أهل بيت النبوة (الشيعة) ليس في ظاهره وباطنه أكثر من خلاف في فهم الأحكام الشرعية! ولا يسوغ هذا الخلاف ذلك الحجم الهائل من الضغوط والمعاناة التي أو جدتها دولة البطون لأهل بيت النبوة وشيعتهم.
2 - الاختلاف في العبادات
1 - الوضوء: أجمع المسلمون على غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس، واختلفوا على الرجلين.
أ - شيعة الخلفاء (أهل السنة)، بما فيهم المذاهب الأربعة، يرون أن غسل الرجلين واجب مفروض على التعيين، وبعضهم كالحسن البصري وابن جرير الطبري يرى أن المكلف مخير بين الغسل والمسح.
ب - أما الشيعة الإمامية التي تمثل التشيع في أنقى صوره فهي ترى أن مسح الرجلين فرض معين.
الرجوع إلى الشرع مجدداً
أ - القرآن الكريم: قال تعالى، في سورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين..) [ المائدة / 6 ].
فالوجوه والأيدي منصوبة ولا خلاف على وجوب غسلها، و (الرؤوس) مجرورة ولا خلاف على مسحها. والخلاف ينحصر بالأرجل.
ظاهر القرآن وقراءاته
قال الرازي: قرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمر وعاصم (وأرجلكم) بالجر، فالأرجل معطوفة على الرؤوس حسب هذه القراءة. وقال أيضاً: وقرأ نافع وابن عامر وعاصم (وأرجلكم) بالنصب. فجر كلمة (وأرجلكم) قراءة معتمدة ونصب كلمة (أرجلكم) قراءة معتمدة أيضاً. وجر الأرجل عطفاً على الرؤوس أولى من عطفها على الوجوه والأيدي لأن بين الأرجل والوجوه والأيدي كلمة (برؤوسكم)، وهي حائلة ومانعة للعطف، ومن غير المعقول لغة ومنطقاً القفز عن الرؤوس المجرورة بالإجماع وعطف الأرجل على الوجوه والأيدي! إذ لو جاز ذلك لكانت الرؤوس أولى بالنصب لقربها من الأيدي والأرجل! فظاهر القرآن المسح على الرجلين لا غسلهما، سواء أقرئت على الجر أو على النصب.
ومن المسلم به أن الرسول كان يسكن في جانب من المسجد، ويسكن معه في منزله علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين عليهم السلام، وقد جرت العادة أن يتوضأ الرسول في بيته ويذهب إلى المسجد طاهراً وجاهزاً للصلاة وكان أهل البيت يتوضؤون معه ويصلون معه لأنه كان يوقظهم لأداء الصلاة. فمعنى ذلك أن أهل البيت النبوة كانوا يشاهدون النبي وهو يتوضأ خمس مرات في اليوم الواحد أو مرة واحدة على الأقل يومياً طوال حياتهم مع النبي وحتى انتقل إلى جوار ربه وهذه مدة كافية ليستوعب أناس في قمة الوعي الديني كعلي والحسن والحسين أحكام الوضوء! فأيهما أولى بالتصديق أهل بيت النبوة الذين سكنوا مع النبي طوال حياته وشاهدوه يومياً وهو يتوضأ أم أي شخص آخر رأى الرسول مرة أو مرتين أو ثلاثة وهو يتوضأ؟ ما لكم كيف تحكمون؟ فإذا أضفنا إلى هذا أن أهل بيت النبوة هم أحد الثقلين وأن الهدى لا يدرك إلا بهما، والضلالة لا يمكن تجنبهما إلا بالتمسك بهما معاً، وأنهم قد مضوا على المسح على الرجلين لا غسلهما، لن يبقى أدني شك في أن الحكم الشرعي هو مسح الرجلين لا غسلهما، ومثل هذا يقال في الصلاة وغيرها من أحكام العبادات. والأحاديث التي وردت بغسل الرجلين أحاديث لا يمكن الركون إلى تخصيص ظاهر القرآن بها.
لماذا هزم بيان أهل بيت النبوة وانتصر بيان الخلفاء؟
في الوضوء، في هيئة الصلاة، في صلاة الجنازة، في الأذان في غيرها من الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات، وجد الخلفاء أنفسهم أمام أهل بيت النبوة كمرجع يقيني لكافة الأحكام الشرعية، فإذا سلم خلفاء البطون بكل ما يقوله هؤلاء فإنهم يقرون ضمناً بمرجعيتهم، عندئذ يشهدون على أنفسهم ضمناً بأنهم قد غصبوهم حقهم، ويثبتون أنهم مراجع مثلهم وزيادة. وليرغموا أنوف أئمة أهل بيت النبوة وشيعتهم اخترعوا أو إن شئت فقل اجتهدوا، أحكاماً من عندهم وقدروا أن الرسول لو كان حياً لأقرها، وبعد أن أوجدوا هذه الاجتهادات فرضوها بسلطة
3 - الاختلاف في الاقتصاد السياسي
هنالك خلافات في الاقتصاد السياسي بين أهل بيت النبوة وشيعتهم من جهة وبين خلفاء البطون وشيعتهم (أهل السنة) من جهة أخرى نذكر منها، على سبيل المثال:
أ - التسوية والتمييز في العطاء المالي: الرسول لا ينطق عن الهوى، ويتبع ما يوحى إليه، وطوال حياته المباركة وهو يقسم المال بين الناس بالسوية لا فرق بين مولى وصريح، لأن الله تعالى أمره بذلك، ولأن التسوية بالعطاء هي الأصوب فحاجات الناس الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونكاح متشابهة، ولأنها خطوة على طريق تذويب الفوارق الاقتصادية بين الناس، وتجنب نشوء الطبقات. وقد مضى الرسول على سنته طوال حياته، وجاء الخليفة الأول فاتبع سنة الرسول، وعند ما جاء الخليفة الثاني اتبع سنة الرسول آونة وجيزة من حكمه، ثم خطر له أن التسوية بالعطاء عمل غير مناسب، وغير عادل والأفضل حسب رأيه أن يعطى الناس حسب منازلهم، فمن غير العدل حسب رأيه أن يعطي رجلاً من قريش المبلغ نفسه الذي يعطيه لرجل من الموالي! ومن غير المعقول برأيه أن يعطي عثمان بن عفان أو طلحة أو الزبير المقدار نفسه الذي يعطيه لرجل من عامة
ومضى الرجل في خطته وهو يعتقد أنها خير من خطة رسول الله! وصفقت له جموع المسلمين، أو هكذا تظاهرت، ولم تمض سنوات معدودة على تنفيذ هذه الخطة العجيبة حتى وجد النظام الطبقي في أبشع صورة، فطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم من خاصة الخليفة صاروا من أصحاب الملايين!
والملايين من فقراء المسلمين لا يجدون حتى ثمن رغيف الخبز. وأدرك الخليفة النتائج المدمرة لخطته التي حسبها بالأمس أفضل من سنة رسول الله فقال: (لئن عشت مقبلاً لأتبعن سنة رسول الله وصاحبه) (1) ومات الرجل ولم يعش مقبلاً واندثرت سنة الرسول وعاش رأي الخليفة وأصبح السنة البديلة لسنة الرسول!
والخلاف ينحصر في ما يأتي:
1 - أهل بيت النبوة وشيعتهم يتمسكون بسنة الرسول التي تساوي بين الناس بالعطاء، ويؤمنون بأن الخليفة الثاني أخطأ يوم عطل سنة الرسول وأحل رأيه الشخصي محلها.
2 - والخلفاء وشيعتهم (أهل السنة) يأخذون على أهل البيت وشيعتهم فضاضتهم بالقول إن الخليفة قد أخطأ لأن الخليفة صحابي، وأمير المؤمنين، وهو أجل وأرفع من أن يتعمد الخطأ، وهو في الحقيقة مجتهد ومأجور على مخالفته لسنة رسول الله، ومن واجب الرعية المسلمة أن تبقى وفية لاجتهاده لأنه انتقل إلى جوار ربه ولم يلغ اجتهاده! وعلى هذا الأساس استمر خلفاء دولة البطون باتباع رأي الخليفة والتصرف بالمال العام حسب رأيهم وتقديراتهم الخاصة بأن الخليفة يعطيهم الحرية باستغلال المال العام لتأليف القلوب حولهم، واصطناع الأوفياء لدولتهم!
____________
(1) وقد وثقنا ذلك كتابناً المواجهة وفصلناه.
ب - الخمس المخصص لذوي القربى: في آية محكمة جعل الله لأقرباء النبي نصيباً دائماً من الأنفال، وبين النبي هذا النصيب فأعطاه لذوي قرباه كما أمره الله طوال حياته المباركة كإمام رئيس للدولة النبوية الإيمانية. أما لماذا خصص الله هذا النصيب لذوي قربى نبيه فعلمه عند الله يفعل ما يشاء وما تقتضي حكمته، والجواب عن هذا السؤال هو الجواب نفسه عن السؤال التالي: لماذا اختار محمداً للنبوة والرسالة ولم يختر عمراً أو زيداً من الناس؟ وبالاستقراء نجد أنه تعالى قد حرم الصدقة على أهل بيت النبوة، فهذا حرام عليهم لا يجوز لهم أن يأخذوها، وعلى ذلك أجمعت الأمة، والصدقة حلال لكل أفراد الأمة بمن فيهم خلفاء البطون، ولأن أهل البيت ثقل والقرآن ثقل آخر ولتجذير التميز الشرعي لقيادة الأمة المتمثلة بأهل بيت النبوة وليكفيهم حاجاتهم الحياتية ويصونهم عن تحكم الفئة المتغلبة جعل الله لهم حقاً دينياً ومورداً ثابتاً يعتاشون منه طوال الحياة هم وذرياتهم. وعلى ذلك مضت سنة الرسول. ولما استولت البطون على منصب الخلافة من بعد وفاة النبي، ورأى أركان دولتها معارضة أهل بيت النبوة لخلافتها، وجهرهم بالقول بأنهم الأحق بالنبي حياً وميتاً، عندئذ أصدر الخليفة الأول بعد التشاور مع أركانه سلسلة من القرارات الاقتصادية، صادر بموجبها كافة المنح التي أعطاها رسول الله لأهل البيت حال حياته، وحرم أهل البيت من تركة الرسول، وفوق ذلك قرر عدم إعطاء أهل البيت حقهم بالخمس الوارد في آية محكمة.
والخلاف ينحصر في ما يأتي:
1 - أهل بيت النبوة وشيعتهم يؤمنون بأن حق أهل البيت بالخمس حق إلهي مخصص لهم في آية محكمة، وقد جرت سنة النبي على تثبيت هذا الحق وبيانه، ولا يملك أي إنسان على الإطلاق أن يصادره، ومصادرته بغي وعدوان وانتهاك لحرمة أهل بيت النبوة.
____________
(1) وقد وثقت كل ذلك بشهادات علماء أهل السنة الأكابر في كتابنا المواجهة فارجع إليه إن شئت.
4 - الاختلاف في الميراث النبوي
أ - أهل بيت النبوة وشيعتهم يرون أن أهل البيت أحق بميراث النبي، لأن النبي إنسان مسلم على الأقل، له ورثة شرعيون وعندما يموت المسلم تنتقل تركته إلى ورثته وتقسم بينهم حسب الشرع المفصل في القرآن الكريم (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) [ الأنفال / 75 ] ولا تملك أية سلطة في الأرض حق مصادرة تركة النبي وممتلكاته الشخصية بعد وفاته لأنها حق خالص للورثة، خاصة وأن الميت والورثة على دين واحد!
ب - خلفاء البطون وشيعتهم (أهل السنة) يرون أن أبا بكر، الخليفة الأول، هو الأولى بتركة النبي وهو وارثه الوحيد، لأنه صديقه الشخصي، ونسيبه، فزوج الرسول عائشة هي ابنة أبي بكر ولأنه الخليفة من بعد النبي، ثم إنه من غير الممكن أن تسمح دولة البطون بأن تؤول أموال الرسول إلى ورثته لأنهم سيعملون على استغلال هذه الأموال في تأليف قلوب الناس حولهم، ويزعزعون استقرار دولة البطون، فمن باب سد الذرائع فلا حرج على الخليفة لو صادر تركة الرسول وحرم الورثة منها! خاصة وأن الخليفة قد أبدى استعداده ليقدم الطعام والملبس لأهل بيت النبوة!! ثم إن الخليفة مجتهد ومأجور لأنه صادر تركة الرسول وحرم الورثة منها!
لأن الخليفة أمير المؤمنين وله الحق - برأيهم - بالتصرف على الوجه الذي يراه مناسباً (1)!
____________
(1) وقد وثقنا ذلك كله في كتابنا المواجهة فارجع إليه.
فالخليفة يقرر قراراً، أي قرار، أو يجتهد اجتهاداً، أي اجتهاد، فيأتي أهل بيت النبوة ويقولون للخليفة، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن قبيل القيام بمسؤوليتهم الدينية: (إن الحكم الشرعي واضح وهو كذا، واجتهادك أيها الخليفة مناقض للشرع! فاتق الله والتزم بشرعه) فيجيب الخليفة. إن الشرع ما أمرت وقلت وليس ما ذكرتم، ويأمر بوضع قراره أو اجتهاده موضع التطبيق، ويصبح هذا القرار أو الاجتهاد نافذاً بقوة الدولة ونفوذها شاء الناس أم أبوا، وافق الشرع أم خالف فهو مدعوم بقوة الدولة. عندئذ، وبقوة الدولة ونفوذها، أو بحكم العادة والأرث، تقول شيعة الخلفاء: صدق الخليفة! وتسلط مختلف وسائل الإعلام التي تملكها الدولة لإبراز محاسن هذا القرار والتعتيم على بيان أهل بيت النبوة وتصديق شيعتهم لهم، أو تشويهه، وإظهاره بمظهر المحاولة المكشوفة لزعزعة استقرار الدولة وإثارة الفتنة، وتفريق كلمة المسلمين التي اتحدت في ظلال حكم الخليفة، وهدم الإسلام، إلى آخره من تلك التهم الخطيرة التي تشير العامة وتجندهم تحت إمرة الخليفة وأعوانه، وتغرس في قلوبهم الحقد والكراهية لشيعة أهل بيت النبوة، باعتبارها الفئة الموجهة لها تلك التهم الخطيرة!
ومع سقوط دولة الخلافة، ورثت العامة التهم، وبقدرة قادر حولت االعامة التهم إلى أحكام وعاملت الشيعة على أساس أنها محكومة بحكم مبرم.
الائتلاف بالرغم من الخلاف
نتيجة طبيعية لموقف البطون من أهل بيت النبوة وشيعتهم تكون عملياً قانون نافذ وغير معلن مفاده أن الخلفاء وشيعتهم يتبنون بالضرورة حكماً يناقض الحكم الذي تبناه أهل بيت النبوة وشيعتهم، لأن الخلفاء وأعوانهم رأوا في ذلك ما يرغم أنوف أهل البيت وأعوانهم ويعذلهم ويجتث من نفوسهم الطمع بقيادة الأمة! هذا الطمع الذي يعكر على الخلفاء صفو حكمهم ويهدد استمراره.
1 - قالت الشافعية والحنابلة: (والشيعة الإمامية): من قدر على الاكتساب لا تحل له الزكاة، وقالت الحنفية، والمالكية: بل تحل له وتدفع!
2 - وفي المبيت بالمزدلفة، في أثناء أداء فريضة الحج، قالت الشيعة الإمامية وقال، المالكية: لا يجب المبيت ولكنه الأفضل. بينما قال الحنفية والشافعية والحنابلة بوجوب المبيت ومن تركه فعليه دم (ذبيحة)!
3 - وفي رمي الجمار (من مناسك الحج) قالت المالكية والحنفية والحنابلة والشيعة الإمامية: لا يجوز رمي الجمار قبل الفجر فإذا رماها من عذر وجب عليه إعادة الرمي. بينما رأت الشافعية أنه لا حرج من التقديم!
4 - وفي صلاة الجماعة، قالت الحنابلة إنها واجبة وجوباً عينياً على كل فرد مع القدرة، ولكن إذا تركها وصلى منفرداً أثم وصحت صلاته. بينما قالت الشيعة الإمامية والحنفية والمالكية وأكثر الشافعية: لا تجب عيناً ولا كفاية، وإنما تستحب استحباباً مؤكداً!
فأنت ترى أن الشافعية والحنابلة في المثال الأول، والمالكية في المثال الثاني، والمالكية والحنفية والحنابلة في المثال الثالث والحنفية والمالكية وأكثر الشافعية في المثال الرابع قد التقوا مع الشيعة وتبنوا الحكم نفسه التي تبنته شيعة أهل بيت النبوة، فقد اتفقوا على الحكم الشرعي في تلك المسائل، وائتلفوا بالرغم من الخلاف! ربما لأنها ليست مسائل سياسية! أو لأن دولة البطون تراخت قبضتها ورغبتها في إرغام أنوف أهل البيت وشيعتهم! وربما دولة البطون لا تدري عن ذلك شيئاً، أو لا تشعر بأهميته. وربما لأن فرق شيع الخلفاء التي التقت بالنتيجة الفقهية
جلسة الحوار العاشرة
قال صاحبنا: لقد قرأت، بكل التمعن والإهتمام، كامل أجوبتكم عن تساؤلاتي المتعلقة بالخلاف والاختلاف، وإنني أقدر عالياً كفاءتكم وقدرتكم على تشخيص الداء تشخيصاً شرعياً، وعلى وصف الدواء الشرعي، لقد كان اليوم الذي تعرفت عليك فيه يوماً مباركاً بالفعل.
وأريد أن أوجه لك، الآن، طائفة من التساؤلات المتعلقة بوحدة المسلمين:
فما هي أسباب الخلاف والاختلاف؟ وكيف نكف عن خلط الأوراق، فنفصل الدين عن التاريخ والفهم عن النص؟ وكيف نجعل المسلمين يعرفون القيادة والمرجعية الشرعية؟ وما هي قصة المنهاج التربوي والتعليمي لدولة البطون؟ أليس بالإمكان اعتبار الأكثرية حكماً والأقلية معارضة فيتحرك الجميع ضمن دائرة الاحترام المتبادل، بين الأكثرية المسلمة والأقلية المسلمة؟ ما هو موقف خلفاء البطون من المعارضة الإسلامية؟
وهل يمكنك إعطائي صورة موجزة عن الحكم والمعارضة في أنظمة أخرى؟ ومن الذي يمنع من تقليد هذه الأنظمة؟ ثم أليس للوحدة قواعد؟ وما هو السبب الحقيقي لاستمرار الخلاف والاختلاف؟ ما هي أسباب القدرة العجيبة لإعلام البطون؟
الباب السابع
الدعوة إلى وحدة المسلمين
الفصل الأول
أسباب الخلاف والاختلاف
الخلاف الأول
على ضوء ما ذكرنا، يتبين لنا بشكل جلي أن أول خلاف واختلاف بين المسلمين انصب، في جوهره وتفاصيله، على من ينبغي أن يتولى خلاف النبي، أو الرئاسة العامة للمسلمين بعد موت النبي، فبطون قريش ال 23 ومن والاها من العرب والمرتزقة من الأعراب والمنافقين وقفوا صفاً واحداً، وجحدوا وجود نص من الشرع يحدد بشكل قاطع المسلم الذي ينبغي أن يتولى خلافة النبي أو الرئاسة العامة للمسلمين بعد موت النبي. وإن تعذر على هذا الفريق إنكار نص من النصوص فإن فقهاءه تأولوا هذا النص وأخرجوه عن معناه حتى تكونت قناعة عامة بانعدام وجوده.
وشكل هذا الفريق أكثرية ساحقة في المجتمع الإسلامي. وهو يرمي إلى أن رئيس المسلمين هو الذي يستقيم له الأمر وتقبل به الأكثرية كائناً من كان. وكان رأيهم الأول أن الرئاسة حق لبطون قريش لأنها عشيرة النبي، ولموقعها المتميز عند العرب. وفي ما بعد لم تر بطون قريش حرجاً في أن يتولى الرئاسة العامة أي رجل من هذا الفريق، حتى لو كان من الموالي، فمهندس هذه النظرية عمر بن الخطاب قال بملء فيه: (لو كان سالم مولى أبي حذيفة حياً لوليته واستخلفته). وسالم هذا من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب!! وهذا هو المهندس نفسه الذي قال في سقيفة بني ساعدة: (من ينازعنا سلطان محمد ونحن أهله وعشيرته إلا مدل بباطل)! وفي ما بعد صارت الخلافة أو الرئاسة العامة حقاً خالصاً لمن غلب، مهما كان مستوى دينه أو خلقه أو علمه، فقد يكون طليقاً كمعاوية، أو ملعوناً كمروان بن الحكم أو فاجراً خليعاً مستهتراً كيزيد بن معاوية أو الوليد الذي فرق القرآن علناً!
أما الفريق الثاني من المسلمين فيتكون من أهل بيت النبوة خاصة،
والهاشميين وبني المطلب والقلة التي والتهم عامة، وهو فريق قليل العدد، وقد