" نعم، بما بزقت في وجهي ". وفي لفظ الطبري: " بكفرك وفجورك وعتوك على الله ورسوله ". فأمر عليا فضرب عنقه فأنزل الله فيه: (ويوم يعض الظالم على يديه). إلى قوله تعالى: (وكان الشيطان للإنسان خذولا).
وقال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجع بزاقه على وجهه لعنه الله تعالى، ولم يصل حيث أراد فأحرق خديه وبقي أثر ذلك فيهما حتى ذهب إلى النار.
وفي لفظ: كان عقبة يكثر مجالسة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واتخذ ضيافة فدعا إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأبى أن يأكل من طعامه حتى ينطق بالشهادتين ففعل، وكان أبي بن خلف صديقه فعاتبه وقال: صبأت يا عقبة، قال: لا ولكن آلى أن لا يأكل من طعامي وهو في بيتي فاستحييت منه فشهدت له، والشهادة ليست في نفسي، فقال: وجهي من وجهك حرام إن لقيت محمدا فلم تطأ قفاه وتبزق وجهه وتلطم عينه. فوجده ساجدا في دار الندوة ففعل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لا ألقاك خارجا من مكة إلا علوت رأسك بالسيف " الحديث.
____________
(1) في الدر المنثور: وحل به جمله في جدد من الأرض.
وروي عن ابن عباس أنه قال: كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فزجره عقبة بن أبي معيط فنزل (ويوم يعض الظالم على يديه) إلى آخره. قال: الظالم: عقبة وفلان: أبي. وروي مثله عن الشعبي وقتادة وعثمان ومجاهد.
أخرج نزول الآيات الكريمة (ويوم يعض الظالم) إلى قوله:
(خذولا). في عقبة، وأن الظالم هو: ابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل (1)، وابن المنذر، وعبد الرزاق في المصنف (2)، وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم والفريابي، وعبد بن حميد، وسعيد بن منصور، وابن جرير.
راجع: تفسير الطبري (3)، تفسير البيضاوي (4)، تفسير القرطبي (5)، تفسير الزمخشري (6)، تفسير ابن كثير (7)، تفسير
____________
(1) دلائل النبوة: 2 / 606 ح 401.
(2) المصنف: 5 / 357 ح 9731.
(3) جامع البيان: مج 11 / ج 9 / 7 - 8.
(4) تفسير البيضاوي: 2 / 139 - 140.
(5) الجامع لأحكام القرآن: 13 / 19.
(6) الكشاف: 3 / 276.
(7) تفسير ابن كثير: 3 / 317.
ولادة الوليد
ولادة الوليد موضع خلاف بين المؤرخين، فمنهم من يقول إنه ولد قبل الفتح ومنهم من يقول إنه ولد بعد الفتح.
عن الوليد - نفسه - قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة، جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم، فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم بالبركة، فأتي بي إليه وأنا مخلق فلم يمسني من أجل الخلوق (10).
____________
(1) تفسير غرائب القرآن: 5 / 234.
(2) التفسير الكبير: 24 / 75.
(3) تفسير الكلبي: 24 / 77.
(4) إمتاع الأسماع: ص 61، 90.
(5) الدر المنثور: 6 / 250 - 253.
(6) تفسير الخازن: 3 / 347.
(7) تفسير النسفي: 3 / 164.
(8) فتح القدير: 4 / 74.
(9) تفسير الآلوسي: 19 / 11، وهنا انتهى نص الغدير.
(10) الإصابة: 5 / 415، سنن أبي داود كتاب الترجل باب في الخلوق للرجال.
فولادة الوليد إذا كانت قبل فتح مكة، وهذا ما يذهب إليه ابن عبد البر في استيعابه (2).
إسلامه
أسلم الوليد يوم فتح مكة مع من أسلموا، أسلم هو وأخوه خالد بن عقبة، قال ابن عبد البر: " أظنه لما أسلم كان قد ناهز الاحتلام " (3) وروى الوليد حديثين (4)، أحدهما الرواية السابقة عن ولادته.
الوليد في القرآن
نزل في الوليد عدة آيات قرآنية منها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (5).
وسبب نزول هذه الآية: " أن رسول الله بعث الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق فعاد فأخبر عنهم أنهم ارتدوا ومنعوا
____________
(1) ستأتي القصة قريبا.
(2) الإستيعاب بهامش الإصابة: 3 / 633.
(3) المصدر السابق.
(4) أسماء الصحابة الرواة، ابن حزم، تحقيق سيد كسروي حسن ص: 291.
(5) الحجرات: 6.
وقال ابن كثير: " ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة " (3).
وقد أكد الله فسق الوليد في آية أخرى وهي قوله تعالى: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون * أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوي نزلا بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) (4).
أخرج (5) الطبري في تفسيره (6) بإسناده عن عطاء بن يسار، قال:
____________
(1) تفسير ابن كثير: 4 / 208.
(2) الإستيعاب بهامش الإصابة: 3 / 633.
(3) تفسير ابن كثير: 4 / 208.
(4) السجدة: 18 - 20.
(5) الغدير: 2 / 83.
(6) جامع البيان: مج 11 / ج 21 / 107.
وفي الأغاني (1)، وتفسير الخازن (2): كان بين علي والوليد تنازع وكلام في شئ فقال الوليد لعلي: أسكت فإنك صبي وأنا شيخ، والله إني أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأشجع منك جنانا، وأملأ منك حشوا في الكتيبة. فقال له علي: " أسكت فإنك فاسق ". فأنزل الله هذه الآية.
وأخرج الواحدي بإسناده من طريق ابن عباس في أسباب النزول (3)، ومحب الدين الطبري في الرياض (4) عن ابن عباس وقتادة من طريق الحافظين السلفي والواحدي، وفي ذخائر العقبى (5)، والخوارزمي في المناقب (6)، والكنجي في الكفاية (7)، والنيسابوري في تفسيره (8)، وابن كثير في تفسيره قال: ذكر عطاء بن يسار والسدي
____________
(1) الأغاني: 5 / 153.
(2) تفسير الخازن: 3 / 447.
(3) أسباب النزول: ص 235.
(4) الرياض النضرة: 3 / 156.
(5) ذخائر العقبى: 88.
(6) المناقب: ص 279 ح 271.
(7) كفاية الطالب: ص 140 باب 31.
(8) غرائب القرآن: مج 10 / ج 21 / 72.
وذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج (2) وحكى عن شيخه: إنه من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به، وإطباق الناس عليه.
وأخرجه السيوطي في الدر المنثور (3) وقال: أخرج أبو الفرج في الأغاني، والواحدي، وابن عدي، وابن مردويه، والخطيب، وابن عساكر (4)، من طريق عن ابن أبي حاتم عن السدي عليه السلام مثله، وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن أبي ليلى عليه السلام. وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عن ابن عباس، وذكره الحلبي في السيرة (5).
وفي هذه الحادثة يقول حسان بن ثابت:
____________
(1) نظم درر السمطين: ص 92.
(2) شرح نهج البلاغة: 4 / 80 خطبة 56، 6 / 292 خطبة 83.
(3) الدر المنثور: 6 / 553.
(4) تاريخ مدينة دمشق: 17 / 876، وفي مختصر تاريخ دمشق: 26 / 340.
(5) السيرة الحلبية: 2 / 76.
ذكر هذه الأبيات أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته (1)، والكنجي الشافعي، في كفايته (2)، وابن طلحة الشافعي، في مطالب السؤول (3) وقال: فشت هذه الأبيات من قول حسان، وتناقلها سمع عن سمع ولسان عن لسان ورواها له ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (4) وفيه بعد البيت الثالث:
____________
(1) تذكرة الخواص: 202.
(2) كفاية الطالب: ص 141 باب 31.
(3) مطالب السؤول: ص 20.
(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 293 خطبة 83.
(5) في التذكرة: (هناك) بدل بذلك، في الموضعين. (المؤلف)
وذكرها له نقلا عن شرح النهج الأستاذ أحمد زكي صفوت في جمهرة الخطب (2).
وبعد نزول الآية السابقة صار الوليد لا يعرف إلا بالوليد الفاسق (3).
الاستهانة بقول الرسول
كان الوليد يستهين بأوامر الرسول ويعصيه علنا حتى دعا عليه نبي الله.
عن علي عليه السلام: أن امرأة الوليد بن عقبة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تشتكي إليه الوليد، وقالت: إنه يضربها، فقال لها:
ارجعي إليه وقولي له: إن رسول الله قد أجارني، فانطلقت، فمكث ساعة، ثم رجعت فقالت: إنه ما أقلع عني، فقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدبة من ثوبه وقال: اذهبي بها إليه وقولي له:
إن رسول الله قد أجارني، فانطلقت فمكثت ساعة ثم رجعت
____________
(1) أبان: هو أبو معيط جد الوليد. والتبان: سراويل صغيرة مقدار شبر يستر العورة فقط، كان يخص بالملاحين. (المؤلف)
(2) جمهرة خطب العرب: 2 / 29 رقم 18، انتهى نص الغدير: 2 / 82.
(3) شرح النهج: 4 / 8.
اللهم عليك بالوليد مرتين أو ثلاثا (1).
من للصبية
لما أخذ عقبة والد الوليد ليضرب عنقه قال: من للصبية يا محمد؟ فقال: " النار، اضربوا عنقه ".
فبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أبناء عقبة في النار، وقد كان الوليد في بدر صبيا.
بغض الوليد لآل البيت
جاء في شرح النهج: " أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط كان يبغض عليا ويشتمه...
وكان الوليد مذموما معيبا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهمله ويعرض عنه، وكان الوليد يبغض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويشنؤه وأبوه عقبة بن أبي معيط هو العدو الأزرق بمكة، والذي كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه وأهله، وأخباره في ذلك مشهورة، فلما ظفر به يوم بدر ضرب عنقه، وورث ابنه الوليد الشنآن والبغض لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهله، فلم يزل عليهما إلى أن مات...
____________
(1) الأغاني: 4 / 183، شرح النهج: 17 / 240.
وقال الوليد لعقيل بن أبي طالب في مجلس معاوية "...
وإن أخاك - يقصد عليا - لأشد هذه الأمة عذابا " (2)!!
إن من أسباب بغض الوليد لعلي هو ضربه إياه الحد في ولاية عثمان وقتله أباه. أجل بقي على بغض علي عليه السلام، والنبي يقول: " يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق " (3).
إمارة الكوفة
قلنا إن عثمان قرب بني أمية وخاصة أقرباءه، وأغدق عليهم الأموال، وقسم عليهم الولايات الإسلامية، وكان نصيب الوليد الكوفة، حيث عزل عثمان سعد بن أبي وقاص وولى مكانه الوليد.
____________
(1) شرح النهج: 4 / 80 - 82.
(2) المصدر السابق: 4 / 93.
(3) صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب.
وكانت ولاية الوليد علي الكوفة سنة خمس وعشرين للهجرة، وكان فيها ما كان مما سنذكر بعضه.
هبة الخليفة عثمان للوليد من مال المسلمين (2)
أعطى الوليد بن عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية أخا الخليفة من أمه ما استقرض عبد الله بن مسعود من بين مال المسلمين ووهبه له. قال البلاذري في الأنساب (3): لما قدم الوليد الكوفة ألفى ابن مسعود على بيت المال فاستقرضه مالا وقد كانت الولاة تفعل ذلك ثم ترد ما تأخذ، فأقرضه عبد الله ما سأله، ثم إنه اقتضاه إياه، فكتب الوليد في ذلك إلى عثمان، فكتب عثمان إلى عبد الله بن مسعود: إنما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما أخذ من المال. فطرح ابن مسعود المفاتيح وقال: كنت أظن أني خازن للمسلمين، فأما إذا كنت خازنا لكم فلا حاجة لي في ذلك، وأقام بالكوفة بعد إلقائه مفاتيح بيت المال.
وعن عبد الله بن سنان قال: خرج علينا ابن مسعود، ونحن في
____________
(1) الإستيعاب بهامش الإصابة: 3 / 633، وراجع: الأغاني: 4 / 176، شرح النهج: 17 / 229.
(2) الغدير: 8 / 383.
(3) أنساب الأشراف: 5 / 30.
الوليد في الكوفة
كانت للوليد أعمال في الكوفة جعلت الناس ينقمون عليه، فحينما قدم الكوفة قدم عليه أبو زبيد - نديمه النصراني - فأنزله دار عقيل بن أبي طالب على باب المسجد، وهي التي تعرف بدار القبطي، فكان مما احتج به عليه أهل الكوفة أن أبا زبيد كان يخرج إليه من داره وهو نصراني يخترق المسجد فيجعله طريقا.
وكان أبو زبيد هذا يسمر عند الوليد ويشرب معه، وقد اقتطع الوليد الحمى - وهي ما بين القصور الحمر من الشام، إلى القصور الحمر من الحيرة والتي كانت بيد مري بن أوس اقتطعها منه وأعطاها لأبي زبيد (2).
وقد اختص الوليد ساحرا يهوديا كان يفن الناس، وكان
____________
(1) العقد الفريد: 4 / 19، انتهى نص الغدير: 8 / 383.
(2) راجع: الأغاني: 4 / 182، شرح النهج: 17 / 236.
فيقول: نعم، فجاء جندب الأزدي مشتملا على سيفه، فقال:
أفرجوا لي، فأفرجوا فضربه حتى قتله، فحبسه الوليد قليلا ثم تركه.
وروي أن جندبا لما قتل الساحر حبسه الوليد، فقال له دينار بن دينار: فيما حبست هذا وقد قتل من أعلن بالسحر في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ ثم مضى إليه فأخرجه من الحبس، فأرسل الوليد إلى دينار بن دينار فقتله (1).
إمام الصلاة سكران!!
أخرج (2) البلاذري في الأنساب (3) من طريق محمد بن سعد، بالإسناد عن أبي إسحاق الهمداني: أن الوليد بن عقبة شرب فسكر فصلى بالناس الغداة ركعتين (4) ثم التفت فقال: أزيدكم؟ فقالوا: لا قد قضينا صلاتنا، ثم دخل عليه بعد ذلك أبو زينب وجندب بن زهير
____________
(1) راجع: الأغاني: 4 / 183، شرح النهج: 17 / 240.
(2) الغدير: 8 / 174.
(3) أنساب الأشراف: 5 / 33.
(4) هكذا في الأنساب وصحيح مسلم: 3 / 539 ح 38 كتاب الحدود، وأما بقية المصادر فكلها مطبقة على أربع ركعات وستوافيك إن شاء الله تعالى.
(المؤلف)
قال أبو إسحاق: وأخبرني مسروق أنه حين صلى لم يرم حتى قاء فخرج في أمره إلى عثمان أربعة نفر: أبو زينب، وجندب بن زهير، وأبو حبيبة الغفاري، والصعب بن جثامة، فأخبروا عثمان خبره، فقال عبد الرحمن بن عوف: ما له؟ أجن؟ قالوا: لا ولكنه سكر. قال:
فأوعدهم عثمان وتهددهم، وقال لجندب: أنت رأيت أخي (1) يشرب الخمر؟ قال. معاذ الله، ولكني أشهد أني رأيته سكران يقلسها من جوفه، وأني أخذت خاتمه من يده وهو سكران لا يعقل.
قال أبو إسحاق: فأتى الشهود عائشة فأخبروها بما جرى بينهم وبين عثمان، وأن عثمان زبرهم، فنادت عائشة: أن عثمان أبطل الحدود وتوعد الشهود.
وقال الواقدي: وقد يقال: إن عثمان ضرب بعض الشهود أسواطا، فأتوا عليا فشكوا ذلك إليه. فأتى عثمان فقال: " عطلت الحدود وضربت قوما شهدوا على أخيك فقلبت الحكم، وقد قال عمر:
لا تحمل بني أمية وآل أبي معيط خاصة على رقاب الناس " قال: فما ترى؟ قال: " أرى أن تعزله ولا توليه شيئا من أمور المسلمين، وأن تسأل عن الشهود فإن لم يكونوا أهل ظنة ولا عداوة أقمت على صاحبك
____________
(1) كان الوليد أخاه لأمه، أمهما أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. (المؤلف).
قال: ويقال: إن عائشة أغلظت لعثمان وأغلظ لها، وقال: وما أنت وهذا؟ إنما أمرت أن تقري في بيتك. فقال قوم مثل قوله: وقال آخرون: ومن أولى بذلك منها، فاضطربوا بالنعال، وكان ذلك أول قتال بين المسلمين بعد البني صلى الله عليه وآله وسلم.
وأخرج من عدة طرق: أن طلحة والزبير أتيا عثمان فقالا له: قد نهيناك عن تولية الوليد شيئا من أمور المسلمين فأبيت وقد شهد عليه بشرب الخمر والسكر فاعزله، وقال له علي: " اعزله وحده إذا شهد الشهود عليه في وجهه ". فولى عثمان سعيد بن العاص الكوفة وأمره بإشخاص الوليد، فلما قدم سعيد الكوفة غسل المنبر ودار الإمامة وأشخص الوليد، فلما شهد عليه في وجهه وأراد عثمان أن يحده ألبسه جبة حبر وأدخله بيتا، فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد: أنشدك الله أن تقطع رحمي وتغضب أمير المؤمنين عليك.
فيكف. فلما رأى ذلك علي بن أبي طالب أخذ السوط ودخل عليه ومعه ابنه الحسن، فقال له الوليد مثل تلك المقالة، فقال له الحسن: صدق يا أبت، فقال علي: ما أنا إذا بمؤمن. وجلده بسوط له شعبتان، وفي لفظ:
فقال علي للحسن ابنه: قم يا بني فاجلده، فقال عثمان: يكفيك ذلك بعض من ترى، فأخذ علي السوط ومشى إليه فجعل يضربه والوليد يسبه، وفي لفظ الأغاني: فقال له الوليد نشدتك بالله وبالقرابة، فقال له علي: " أسكت أبا وهب فإنما هلكت بنو إسرائيل بتعطيلهم
قالوا: وسئل عثمان أن يحلق وقيل له: إن عمر حلق مثله، فقال:
قد كان فعل ذلك ثم تركه.
وقال أبو مخنف وغيره: خرج الوليد بن عقبة لصلاة الصبح وهو يميل فصلى ركعتين ثم التفت إلى الناس فقال: أزيدكم؟ فقال له عتاب بن علائق أحد بني عوافة بن سعد وكان شريفا: لا زادك الله مزيد الخير، ثم تناول حفنة من حصى فضرب بها وجه الوليد وحصبه الناس وقالوا:
والله ما العجب إلا ممن ولاك، وكان عمر بن الخطاب فرض لعتاب هذا مع الأشراف في ألفين وخمسمائة. وذكر بعضهم: أن القئ غلب على الوليد في مكانه، وقال يزيد بن قيس الأرحبي، ومعقل بن قيس الرياحي:
لقد أراد عثمان كرامة أخيه بهوان أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الوليد يقول الحطيئة جرول بن أوس بن مالك العبسي:
____________
(1) في الأغاني: 5 / 138، 140: تمت. بدل نفدت. (المؤلف)
(2) وفي الأغاني: 5 / 140، حول هذه الأبيان رواية لا تخلو عن فائدة. (المؤلف)
ثم قال أبو عمر: وخبر صلاته بهم وهو سكران وقوله: أزيدكم؟
بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من نقل أهل الحديث وأهل الأخبار.
وهكذا جاء في مسند أحمد (3)، سنن البيهقي (4)، تاريخ اليعقوبي (5) وقال: تهوع في المحراب، كامل ابن الأثير (6)، أسد الغابة (7) وقال: قوله لهم: أزيدكم؟ بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من رواية الثقات من أهل الحديث. ثم ذكر حديث الطبري (8) في تعصب
____________
(1) الأغاني: 5 / 139.
(2) الإستيعاب: القسم الرابع / 1555 رقم 2721.
(3) مسند أحمد: 1 / 233 ح 1234 (3) مسند أحمد: 1 / 233 ح 1234.
(4) سنن البيهقي: 8 / 318.
(5) تاريخ اليعقوبي: 2 / 165.
(6) الكامل في التاريخ: 2 / 246 حوادث سنة 30هـ.
(7) أسد الغابة: 5 / 452 رقم 5468.
(8) أخرجه في تاريخه: 4 / 273، من طريق مجمع على بطلانه عن كذاب عن مجهول عن وضاع متهم بالزندقة وهم: السري عن شعيب عن سيف بن عمر. (المؤلف)
تاريخ أبي الفداء (2)، الإصابة (3) وقال: قصة صلاته بالناس الصبح أربعا وهو سكران مشهورة مخرجة، تاريخ الخلفاء للسيوطي (4)، السيرة الحلبية (5) وقال: صلى بأهل الكوفة أربع ركعات وصار يقول في ركوعه وسجوده: إشرب واسقني. ثم قاء في المحراب ثم سلم وقال:
هل أزيدكم؟ فقال له ابن مسعود رضي الله عنه: لا زادك الله خيرا ولا من بعثك إلينا، وأخذ فردة خفه وضرب به وجه الوليد وحصبه الناس، فدخل القصر والحصباء تأخذه وهو مترنح. إلخ.
وحكى أبو الفرج في الأغاني (6) عن أبي عبيد والكلبي والأصمعي: أن الوليد بن عقبة كان زانيا شريب خمر فشرب الخمر، بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد الجامع، فصلى بهم أربع ركعات ثم التفت إليهم وقال لهم: أزيدكم؟ وتقيأ في المحراب وقرأ بهم
____________
(1) الإستيعاب: القسم الرابع / 1556 رقم 2721.
(2) تاريخ أبي الفداء: 1 / 176.
(3) الإصابة: 3 / 638.
(4) تاريخ الخلفاء: ص 144.
(5) السيرة الحلبية: 2 / 284.
(6) الأغاني: 5 / 139.
وذكره نقلا عن عمر بن شبة (1)، وروى من طريق المدائني عن الزهري أنه قال (2): خرج رهط من أهل الكوفة إلى عثمان في أمر الوليد فقال: أكلما غضب رجل منكم على أميره رماه بالباطل؟ لئن أصبحت لكم لأنكلن بكم، فاستجاروا بعائشة وأصبح عثمان فسمع من حجرتها صوتا وكلاما فيه بعض الغلظة، فقال: أما يجد مراق أهل العراق وفساقهم ملجأ إلا بيت عائشة. فسمعت فرفعت نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت: تركت سنة رسول الله صاحب هذا النعل. فتسامع الناس فجاءوا حتى ملأوا المسجد فمن قائل: أحسنت، ومن قائل: ما للنساء ولهذا؟
حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال، ودخل رهط من أصحاب رسول الله على عثمان فقالوا له: إتق الله لا تعطل الحد واعزل أخاك عنهم، فعزله عنهم.
وأخرج من طريق مطر الوراق قال: قدم رجل المدينة فقال لعثمان: إني صليت الغداة خلف الوليد بن عقبة فالتفت إلينا فقال:
أزيدكم؟ إني أجد اليوم نشاطا، وأنا أشم منه رائحة الخمر. فضرب عثمان الرجل، فقال الناس: عطلت الحدود، وضربت الشهود.
____________
(1) الأغاني: 5 / 141.
(2) المصدر السابق: 5 / 143.
وجاء في صحيح البخاري (2) في مناقب عثمان في حديث: قد أكثر الناس فيه. قال ابن حجر في فتح الباري (3) في شرح الجملة المذكورة: ووقع في رواية معمر: وكان أكثر الناس فيما فعل به، أي من تركه إقامة الحد عليه - على الوليد: وإنكارهم عليه عزل سعد بن أبي وقاص (4).
قال ابن عبد البر: " أخباره - الوليد - في شرب الخمر ومنادمته أبا زبيد الطائي مشهورة كثيرة ".
وقال: " وله أخبار فيها نكارة وشناعة تقطع على سوء حاله كذلك (5) ".
قال الأميني (6): الوليد هو هذا الذي تسمع حديثه، تراه يشرب الخمر، ويقئ في محرابه، ويزيد في الصلاة من سورة السكر، وينتزع خاتمه من يده فلا يشعر به من شدة الثمل، وقد عرفه الله تعالى قبل يومه
____________
(1) العقد الفريد: 4 / 119.
(2) صحيح البخاري: 3 / 1351 ح 3493.
(3) فتح الباري: 7 / 56.
(4) انتهى نص الغدير: 8 / 179.
(5) الإستيعاب بهامش الإصابة: 3 / 633.
(6) الغدير: 8 / 180.
فهل من الممكن أن يحوز مثله حنكة الولاية عن إمام المسلمين؟
فيحتنك النفوس ويستحوذ على الأموال، ويستولي على النواميس والأعراض، وتؤخذ منه الأحكام وتلقى إليه أزمة البسط والقبض في حاضرة المسلمين، ويؤمهم على الجمعة والجماعة؟ هل هذا شئ يكون في الشريعة؟ أعزب عني واسأل الخليفة الذي ولاه وزبر الشهود عليه وتوعدهم أو ضربهم بسوطه.
وهب أن الولاية سبقت منه لكن الحد الذي ثبت موجبه وليم على تعطيله ما وجه إرجائه إلى حين إدخال الرجل في البيت مجللا بجبة حبر وقاية له عن ألم السياط؟
ثم من دخل عليه ليحده دافعه المحدود بغضب الخليفة وقطع رحمه، فهل كان الخليفة يعلم بنسبة الغضب إليه على إقامة حد الله وإيثار رحمه على حكم الشريعة؟ فيغض الطرف عنه رضا منه بما يقول، أولا يبلغه؟ وهو خلاف سياق الحديث الذي ينم عن اطلاعه على كل ما هنالك، وكان يتعلل عن إقامة الحد بكل تلكم الأحوال، حتى أنه منع السبط المجتبى الحسن عليه السلام لما علم أنه لا يجنح إلى الباطل بالرقة عليه
____________
(1) السجدة: 18.
(2) الحجرات: 6.
وهل الحد يعطل بعد ثبوت ما يوجبه، حتى يقع عليه الحجاج، ويحتدم الحوار فيعود الجدال جلادا، وتتحول المكالمة ملاكمة، وتعلو النعال والأحذية، ويشكل أول قتال بين المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعقيرة أم المؤمنين مرتفعة: إن عثمان عطل الحدود وتوعد الشهود.
ويوبخه على ذلك سيد العترة - صلوات الله عليه - بقوله: " عطلت الحدود وضربت قوما شهدوا على أخيك " وهل بعد هذه كلها يستأهل مثل هذا الفاسق المهتوك بلسان الكاب العزيز أن يبعث على الأموال؟ كما فعله عثمان وبعث الرجل بعد إقامة الحد عليه على صدقات كلب وبلقين (3)، وهل آصرة الإخاء تستبيح ذلك كله؟
ليست ذمتي رهينة بالجواب عن هذه الأسئلة وإنما علي سرد القصة مشفوعة بالتعليل والتحليل، وأما الجواب فعلى عهدة أنصار
____________
(1) راجع الجزء الثاني من صحيح مسلم: صفحة 3 / 539 ح 38 كتاب الحدود. (المؤلف)
(2) الأغاني: 5 / 142.
(3) تاريخ اليعقوبي: 2 / 165. (المؤلف)
بين الوليد والإمام الحسن عليه السلام (2)
قال الإمام الحسن عليه السلام للوليد في مجلس معاوية:
" وأما أنت يا وليد فوالله ما ألومك على بغض علي وقد جلدك ثمانين في الخمر وقتل أباك بين يدي رسول الله صبرا، وأنت الذي سماه الله الفاسق، وسمى عليا المؤمن حيث تفاخرتما فقلت له: أسكت يا علي فأنا أشجع منك جنانا، وأطول منك لسانا، فقال لك علي: أسكت يا وليد فأنا مؤمن، وأنت فاسق. فأنزل الله تعالى في موافقته قوله: (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون). ثم أنزل فيك على موافقة قوله أيضا: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) ويحك يا وليد مهما نسيت فلا تنس قول الشاعر (3) فيك وفيه:
____________
(1) انتهى نص الغدير: 8 / 181.
(2) الغدير: 8 / 388.
(3) هو حسان بن ثابت. وقد مرت الأبيات.
وما أنت وقريش؟ إنما أنت علج من أهل صفورية، وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد وأسن ممن تدعى إليه ". شرح ابن أبي الحديد (2):
قال الأميني: وإن شئت فسل الخليفة عثمان عن تأهيله إياه للولاية على صدقات بني تغلب ثم للإمارة على الكوفة، وائتمانه على أحكام الدين وأعراض المسلمين، وتهذيب الناس ودعوتهم إلى الدين الحنيف وإسقاط ما عليه من الدين لبيت مال المسلمين وإبراء ذمته عما عليه من مال الفقراء هل في الشريعة الطاهرة تسليط مثل الرجل على ذلك كله؟ أنا لا أعرف لذلك جوابا، ولعلك تجد عند الخليفة ما يبرر عمله، أو تجد عند ابن حجر بعد اعترافه بصحة ما قلناه، وأنه جاء من طريق الثقات جوابا منحوتا لا نعرف المحصل منه.
قال في تهذيب التهذيب (3): قد ثبتت صحبته وله ذنوب أمرها إلى الله تعالى والصواب السكوت. انتهى.
أما نحن فلا نرى السكوت صوابا بعد أن لم يسكت عنه الذكر الحكيم وسماه فاسقا في موضعين، (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا
____________
(1) أبان اسم أبي معيط جد الوليد. (المؤلف)
(2) شرح نهج البلاغة: 6 / 292 - 293 خطبة 83.
(3) تهذيب التهذيب: 11 / 127.
لقد كانت حادثة شرب الوليد الخمر والقئ في المحراب سنة تسع وعشرين وبعدها عزل عن الكوفة وتولى إمارتها سعيد بن العاص، وقد سكن الوليد المدينة ثم نزل الكوفة وبني بها دارا.
مع معاوية
بعد مقتل عثمان، كان الوليد من المطالبين بدمه، وكان يتهم عليا في ذلك، وقيل إنه شهد صفين مع معاوية، وكان يحرض معاوية ضد علي في كتبه وأشعاره، من ذلك أن عليا عليه السلام أرسل جريرا يأمر معاوية بأن يدخل في الطاعة، ويأخذ البيعة على أهل الشام.
فبلغ ذلك الوليد فكتب إلى معاوية من أبيات:
وكتب إليه أيضا من أبيات:
____________
(1) البقرة: 229، انتهى نص الغدير: 8 / 389.
وكان علي عليه السلام إذا صلى الغداة يقنت فيلعن الوليد ومعاوية (2).
موت الوليد
هلك الوليد في خلافة معاوية، وكان قد نزل الرقة، واستقر بها فمات هناك... ومات أبو زبيد - نديمه النصراني - هناك فدفنا جميعا في موضع واحد، فقال في ذلك أشجع السلمي وقد مر بقبريهما:
قيل: هم إخوته، وقيل: ندماؤه (3).
____________
(1) الإصابة: 3 / 638.
(2) تاريخ الطبري: 5 / 71.
(3) راجع الإستيعاب بهامش الإصابة: 3 / 636، الأغاني: 4 / 185، شرح النهج: 17 / 243.