الأخ جمال: هل يوجد كتاب يناقش هذه المسألة الحساسة، أرجو أن تفيدني بذلك.
قلت: نعم، هنالك كتاب "نظرية عدالة الصحابة" لأحمد حسين يعقوب، وكتاب "ليالي بيشاور"، وهما من الكتب الهامة.
الأخ جمال: لقد اكتملت لدي دلائل الحق، ولكن بقي هناك أسئلة أحاول البحث عن إجابتها من كتب أو محاضرات.
قلت: سوف أزوّدك بكلّ ماتحتاجه، فلكلّ شبهة لك حول الفكر الشيعي جواب ودليل، وما عليك سوى أن تقرأ الكتب المهتمة بهذا المجال، وسوف أساعدك قدر المستطاع.
ولم تمضِ أشهر قليلة تخللتها عدّة زيارات حتى أعلن ولاءه لأهل البيت (عليهم السلام).
____________
(1) التوبة: 40.
الحوار مع الشيخ محمود الحوت:
سمعتُ يوماً من أحد أبناء "حلب" أن هناك شيخاً خطيباً فصيحاً يخطب في كل يوم جمعة بالناس، والناس تتسابق إلى مسجده لتسمع خطبته، فأحببت سماع إحدى خطبه.
وللصدفة كانت خطبته تتكلم عن صحابي من الصحابة، حيث أخذ الخطيب على عاتقة أن يتحدث كلّ يوم جمعة عن واحد من الصحابة، وصحابي اليوم هو معاوية بن أبي سفيان، فبدأ بسرد قصة إسلام معاوية، وأنّه كان من كتّاب الوحي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد بشره بالجنة وبالخلافة والملك، وبدأ يعد مناقب مختلفة كثيرة وأنه من الصحابة المجتهدين، وتكلم عن فقهه وعن حربه، وإن كان حارب الإمام علي (عليه السلام)فهو اجتهد وأخطأ، وله أجر لأنّ الله سبحان لا يضيع أجر العاملين.
كلّ هذا وأنا جالس أستمع إليه وأعد الدقائق لانتهاء خطبته العصماء كي أجد فرصة من لقائه، وانتهت الخطبة وقام للصلاة ووقفت جانباً حتى انتهوا، وبدأ المخلصون له بتقبيل يده.
قلت: شيخنا، لقد تحدثتم واستفضتم حول الصحابي معاوية بن أبي سفيان، ولكن أنا لم أقتنع بكلامكم هذا لسببين:
أوّلهما: إنني لم أر فضيلة تذكر له وأن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يروِ له حديث منقبة.
ثانياً: إنّ الأحاديث التي ذكرتها كل الرواة فيها تابعون ومشكوك بأمرهم وصدقهم، وكلهم يتحدثون وينقلون الأحاديث من بعض، ولم يذكروا رواية من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يعد اختلاق فضائل له وهو ليس أهلاً لها.
الشيخ الحوت: ما هذا الذي تقوله، إنّ ابن المبارك قال: "لغبار دخل أنف فرس معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز"، وابن المبارك مشهود له بصدقه.
قلت:
أولا: ابن المبارك هذا تابع التابعين.
ثانياً: الفضيلة جاءت لفرس معاوية وليس لمعاوية، فما هو وجه التفاضل فيها؟
الشيخ الحوت: أنت جئت لتجادل، لم أحسب هذا أبداً.
قلت: ليس الموضوع موضوع جدال، فأنت تذكر أشياء لا يقبلها العقل والناس يستمعون إليك ويأخذون كلامك بجدية، فأنت مسؤول أمام الله تعالى على كل كلمة تقولها، لأن الناس ستتبع قولك.
أنت تعرف أن معاوية يعدّ من مسلمة الفتح، وهو آخر من أسلم حتى بعد أبيه خوفاً من القتل، وقد سموا بالطلقاء، فمن أين أتت كل هذه الفضائل له؟! وماكان يوماً كاتباً للوحي، كيف يؤتمن على كتابة الوحي؟! فكل ماكتبه هو رسالة لأحد الولاة في عصر النبوة!
بدأ الشيخ الحوت يتململ ويحاول الخروج، ونهض أحد الحاضرين مخاطباً لي ـ وهو شاب يبدو من تلامذته ـ: أنت كيف تخاطب الشيخ بهذه الطريقة، أرجو أن تعتذر منه وتصحح طريقة كلامك معه.
قلت: عفواً يا أخي أنا لم أسيء الأدب لشخص الشيخ، وهو يعلم تماماً ذلك، كل ماهنالك هو نقاش فقط.
قلت: أنا لا أقول أنني أعلم منه، ولكن أحاول أن أذكره أموراً قد يكون نسيها، نظراً للمعلومات الكثيرة التي تمر عليه، ثم إنّ الشيخ أشهر من نار على علم ولا حاجه لكم أن تعرفونني عليه.
الشيخ الحوت: يابني، أرجو أن تكون أقوالك أكثر عقلانية، فأنت تسيء لصحابي مجتهد وله باع طويل في العلم.
قلت: أيّ إجتهاد هذا ياشيخنا الذي تتحدث عنه؟ إنهم لم يعرفوا معنى الاجتهاد لقد سفكت الدماء وأبيحت، وغصبت الفروج وانتهكت المحارم، وغيّرت الأحكام من جرأته وبدّلت سنن!
فالاجتهاد له شروط وأنت عالم بها، وهي أن يكون المجتهد عالماً عارفاً بمدارك الأحكام الشرعية وأقسامها، وطرق إثباتها ووجوه دلالاتها، وأن يعرف الناسخ من المنسوخ وأسباب النزول.
فأين يكون له هذا، وهو لم يدخل الاسلام إلاّ متأخراً، ولم يعاشر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)إلاّ فترة قصيرة جداً، ثم بدأ بتخطيط لدولته وكيانه بعد وفاة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
أي إسلام أو اجتهاد يقول له: إن عاهدت شخصاً عليك بإسقاط عهدك معه، وخروجك على إمام الزمان، ألم يكن الإمام علي (عليه السلام)إمام زمانه بإجماع الناس كلهم، فخرج عليه وعبأ الجيوش لقتاله من
أيّ اجتهاد مأجور عليه أن يسب الإمام وابنيه ثمانين عاماً على المنابر بأمره، ويعاهد الإمام الحسن ثم ينقض العهد معه؟!
أحد الحاضرين: أيّها الشاب عليك بالصمت، كفى، من أين هذه الافتراءات التي تقولها على أمير...؟
قلت: اسألوا شيخكم فهو يعلم من أين هذه الروايات، وأنا لا أفتري على أحد، وإذا كان شيخكم لا يعرف وأنا لا أظن ذلك، فها هي كتب السير والتاريخ والصحاح موجودة، ومن الكتب في هذا المجال التي تعد هامة "ميزان الاعتدال" للذهبي، فهو يتحدث عن رواة الفضائل وكذبهم، كما عليكم قراءة كتاب "مروج الذهب" للمسعودي، و"الكامل في التاريخ" لابن الأثير.
أحد الحاضرين: لقد قام معاوية بفتوحات عظيمة سأذكرها لك.
قلت: لا داعي لذكرها، فقد بدأ بفتوحاته بقتل الصحابة وتشريدهم وإيذاء أهل البيت (عليهم السلام)!
أحد الحاضرين: إنّ الخليفة معاوية كان زاهداً عالماً بالسنن ورعاً، ونظر إلى الشيخ ليؤكد له صدقه.
قلت: أي زهد وورع دفعه لقتل ومنع الماء عن الناس؟ وأيّ ورع والخمور تباع وتسقى في عهده؟ وبدأ باعطاء الامارات والولايات
وقد قيل للنسائي: مالك لا تحدث عن فضائل معاوية؟ فقال: "إنّي لا أجد له فضيلة سوى: لا أشبع الله بطنك" فكيف سأحدث عنه!
فضيلة الشيخ، ألا تعلم أن معاوية حين سار بجيشه إلى صفين يوم الأربعاء صلّى بالناس الجمعة في هذا اليوم!!
فنهض الشيخ مزمجراً: أنت تقول شيء غير صحيح، ويبدو أنك من هؤلاء.
قاطعته قائلا: هذه الرواية موجودة في "مروج الذهب" (1)، ثم مَن قصدك هؤلاء؟
الشيخ: أرجو أن تنصرف قبل أن يحلّ غضبي عليك.
قلت: سأنصرف، ولكن عليك أن تقول كلمة الحق وتذكر الأمور كلّها، لا أن تلفق وتأتي بأحاديث الكاذبين والوضاعين للحديث وتجعله سنداً لأقوالك.
أحد الحاضرين: يبدو أنك من هؤلاء الشيعة الذين لا يحترمون الصحابة؟
قلت: نعم أنا منهم والحمد لله، أوالي أهل بيت أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، الذين لا تقبل صلاة لنا إلاّ بالصلاة عليهم،
____________
(1) مروج الذهب: 2/72.
عليك أن تراجع كتب السير لترى موبقات معاوية هذا ولا تكتفي بحديث قال شيخي.
إنّ من أهم موبقات معاوية هو تنصيبه ابنه يزيد الذي جعل عباد الله خولا وماله دولا، وقام بختم الصحابة من أعناقهم على أن يصبحوا عبيداً.
ومن موبقات معاوية قتله للإمام الحسن بدس السمّ له عن طريق زوجته جعدة بنت الأشعث، وقد أغراها بالمال وأن يزوجها ابنه يزيد، وعندما فعلت جاءته لتستوفي حقها فأعطاها المال، فقالت له: زوجني يزيد كما وعدتني، قال لها: لم تكوني أمينة على ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكيف أئتمنك على ولدي؟!
الشيخ محمود: يبدو أنك من الذين خرجوا من السنة والجماعة؟
أحد الحاضرين: أيّها الشاب أرجو أن تخرج حتى لا تفسد جلستنا.
قلت: أودّ تنبيهكم لأمر، وهو أن أوّل لفظ لهذه العبارة (السنة والجماعة) كان في عهد معاوية بن أبي سفيان، فرغم الحروب السابقة وعهد أبو بكر وعمر وعثمان لم تلفظ هذه العبارة إلاّ بعد أن
ولكن معاوية نقض العهد وخطب بالناس قائلا:
"أني والله ماقاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، ألا كلّ شيء أعطيته الحسن بن علي (عليه السلام) فتحت قدمي هاتين" (1).
ثم أطلق على ذلك العام (عام السنّة والجماعة).
روى أبو الحسن علي بن محمد أبو سيف المدائني في كتابه "الأحداث" قال: "كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله: "أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته" (2)، فقام الخطباء في كل كورة ومنبر يلعنون الإمام علي (عليه السلام)ويبرأون منه ويشتمون أهل البيت، ومن يومها انقسمت الأمة إلى فرق كثيرة، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وعمر بن عبد العزيز هو أوّل من أسقط هذا الشتم وأنزل مكانه:
إنّ الله يأمر بالعدل وبالاحسان وايتاء ذي القربى حقه والأمر
____________
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد: 16/15.
(2) شرح النهج لابن أبي الحديد 11/44، أخبار الدول العباسية: 47.
فهل السنة والجماعة تفسيق الناس وتكفيرهم، قولوا لي بالله عليكم؟!
الشيخ محمود: كفى وأطلب الانصراف الآن.
قلت: سأخرج، لكن ستتحمل المسؤولية (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ) (2)، وخرجت من المسجد.
____________
(1) الكامل لابن الأثير، مروج الذهب.
(2) الشعراء: 88.
معاناتي في طلب العمل:
كنت أعمل في هذه الفترة في إحدى الشركات الخاصة والتي تعتمد إحدى وكالات شركة أجنبية بلجيكية، وكان سبب معرفتي بهذه الشركة أنني تقدمت لفرصة عمل في السعودية في إحدى الشركات للتكييف والتبريد، وبعد فترة جاء مدير الشركة السعودية وطلب مقابلتي واختباري وتقدمت بكل الأوارق المطلوبة، وطال الوقت مدّة ثمانية أشهر وجاء العقد مع الموافقة وحصلت على تذكرة الطائرة، ولكن تنقصني ورقة رسمية من الوزارة الخارجية السعودية، وبعد تردّدي إلى سفارة المملكة السعودية بدمشق جاءت ورقة عدم الموافقة، فاتصلت بالشركة السعودية للاستفسار عن السبب؟
فقالوا: إنّهم وجدوا ختماً على ملف العمل (ممنوع لكونه فلسطيني الجنسية) فتأملوا!
كنت أعقد الأمل على هذه الفرصة، وخاصة أنه تم قبولي فنياً، ولكن عنصرية البعض أصابتني في قلبي، عدت إلى المنزل وبقيت في غرفتي ثلاثة أيام انتهت إلى إصابة في عيني اليمنى بتمزق
وكان من ضمن المتقدمين لهذا العمل شاب مهندس تعرفت عليه أثناء مراجعاتي للمكتب، ولم يذهب إلى العمل في الشركة مع أنه قُبل ووصلت له تذكرة طائرة، ولكنه حدث أمر طارىء منعه من الذهاب، وهذا الشاب اسمه وائل الصباغ، تبادلنا أرقام الهواتف وتكرّرت الاتصالات بيننا إلى أن نوّه إليّ أنه سيدخلني معه إلى الشركة التي يعمل فيها، بعد أن علم أن حالتي الصحية ليست جيدة وبحاجة لإجراء عملية جراحية في المستقبل، وهذه الشركة التي ذكرتها سابقاً تعمل في مجال استقدام آلات صناعية إلى الشركات المحلية وهي تحمل عدداً من الوكالات الأجنبية، فرحت بذلك وخاصة أن الأجر جيد نوعاً ما، وبدا لي أنه طيب الخلق، وعلمت أنه معيد في جامعة حلب ومثقف، وقد سافر إلى العديد من البلدان العربية والأجنبية وتعرف على العديد من الناس والتقاليد، يعني أنه يعتبر نفسه إنساناً متحضراً بامتياز.
وأثناء العمل حصل نوع من الودّ والألفة، لدرجة أنه أبلغني يوماً بأنه سوف يساعدني في إجراء العملية من حيث الأجرة، فخاله طبيب ممتاز بحلب وهو صاحب مستشفى كبير وله سمعة طيبة، ومن
المهم كثرت دعوتي له إلى المنزل حتى يتعرف على والدي، لكنه رفض بسبب التزماته الكثيرة، وحقيقة هو لم يعرف عن فكري ومنهجي، وأنا لم أفاتحه بذلك، لأنني وجدت عدم ضرورة في ذلك، فالعمل عمل لا يجب خلط الأمور ببعضها وجاءت فرصة.
مجيء مدير الشركة إلى بيتنا:
وفي يوم وبعد مرور عام على عملي مع هذا المهندس، كان مديراً للشركة وكنت أعتبره صديقاً، طلب مني بعض الأوراق بشأن الحالة الصحية لدي، وقال لي: سوف أحضر إلى منزلك لآخذها وعرضها على أحد الأطباء، سررت بذلك وقلت له: على الرحب والسعة.
وفعلاً بالموعد المحدّد حضر ودخل غرفه الاستقبال، وكانت فيها مكتبتي، فذهب إليها وبدأ ينظر إلى الكتب ويقرأ العناوين ثم جلس مع والدي، وبينما كنت أحضر الشاي وقبل دخولي إليهما سمعته يقول لوالدي: يبدو إنّ ابنك يسير باتجاه خاطئ عليك تحذيره.
ثم تقدمت وأعطيته كوب الشاي ونظرت إلى عينيه وجدت بهما نظرات تأنيب مع استخفاف، لم أتكلم معه وخرجت قصداً حتى أدعه يتكلم أكثر، فعاد وقال لوالدي: إنّ ابنك هذا سوف يضيّع نفسه في خوضه لهذا التيار الخاطىء، ثم استأذن وسلم علينا وخرج دون
وفي اليوم الثاني حضرت إلى العمل، بعد سهر ليلة كاملة بين النقاش مع والدي الذي بدأ يؤنبني أيضاً لاعتقاده أن الرجل صادق وبين تفكيري بكلام هذا الصديق المثقف جداً، دخلت إلى المكتب وطرحت السلام عليه وأجاب بجفاف، ومضى اليوم الأوّل وعدّة أيام دون أن يفاتحني بشيء أو أن يتكلم معي سوى بخصوص العمل مع نبرة تكبر.
مرّت أيام كثيرة، فخطر على بالي أن أسأله عن موضوع العملية، فقلت: هل ستساعدني في شأن العملية الجراحية كما وعدتني، أم الأمر مازال مبكراً؟!
فأجابني وهو ينتفض وبصوت عال جداً لم اعتاده منه سابقاً: ولماذا أساعدك، هل أنت من جماعتنا حتى أساعدك، كما أن الجمعية لا تساعد أمثالك!
وأحسست يومها أنه أطلق رصاصة على جريح ينتفض لا أمل له بالنجاة، وذابت كلّ معاني الصداقة والإنسانية في قلبي، وأنا إلى الآن أعاني من جرح هذه الكلمة والله على ما أقول شهيد، لم أكن أتصور من شاب مهندس ومعيد ومثقف بدرجة عالية أن ينطق هذا الكلام!
ومن يومها بدأ يكيل لي الاتهامات والأقاويل، وأنا أتحمل، ويسب ويشتم ويلعن.
فقال لي: وهل تعرف أنت الاسلام؟!
بالله عليكم ماذا أجيبه، وماذا أقول له، أو ماذا تتوقعون قولي له؟
لا شيء سوى طلب الهداية له، ثم دمعت عيناي، نعم دمعت عيناي أمامه، فضحك وظنّ أنني استعطفه، لا! بل أنني تذكرت مظلومية الزهراء (عليها السلام) وأولادها، وتذكرت مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام) وقلت في نفسي: ما أمري إلاّ هين أمام تلك المظلومية.
وقلت أيضاً في نفسي: كم قلوبهم قاسية أولئك الذين أسّسوا الظلم على أهل البيت (عليهم السلام)؟
وقلت مرّة في نفسي: أنا لم أناقشه بشيء فلماذا هذا الحقد ظهر فجأه؟! فعدت وقلت لنفسي: هذا الحقد عمره أربعة عشر قرناً، هذا هو نتاج التعتيم والتضليل، هذا التعصب القبلي بعينه، لعن الله الجاهلية ولعن الله الظالمين.
لم تمض سوى ثلاثة أشهر حتى تم تسريحي من العمل، لماذا؟ لأسباب أجهلها، وعندما راجعت مدير عام الشركة، قال لي: نحتفظ بالأسباب لأنفسنا. ونرجو لك مستقبلاً أفضل!
أيها القارىء العزيز أترك لك الحكم والقرار، وأنا مازلت حياً والرجل مازال حياً والشركة مازالت قائمة "وحسبي الله ونعم الوكيل".
كرامة إلهية حصلت أمامي:
بعد معاناة دامت شهراً أو أكثر، بقيت وحيداً في البيت لا أخرج منه ولا أقرأ سـوى أنني أدخن كثيراً وأشـرب القهوة باستمرار، حتى جاءني صـديق طيب يدعى هشام كنت قد تعرفت عليه من قبل أحد الأخوة، ومن الزيارة الأولى له أحسست باتجاه روح الأخوة الصـادقة، وهو أيضـاً أحس بذلك، زارني في منـزلي ليـروّح عني قليلا، ولفت نظري إلى الذهاب إلى مشـهد رأس الإمـام الحسين (عليه السلام)وزيارة الإمام والصلاة بالمسجد والدعاء هناك للفرج.
قبلت الفكرة على شرط حتى أستعيد قوتي بعد يومين أو أكثر، ومضى بعض الوقت وجاء شهر محرم الحرام وأحسست بقوة في نفسي، ورأيت أن من الواجب في هذا الشـهر زيارة المشهد وحضور مجالس العزاء فيه، وبدأت بالذهاب إلى أن جاء يوم العاشـر من محرم، ذهبت باكراً جداً للصلاة والدعاء قبل حضور الناس، وقارىء العزاء السـيد أحمد قرآني حيث اعتاد أن يقرأ في
وقفت أمام الشباك المحيط بالصخرة التي تبارك برأس الإمام الحسين (عليه السلام)ونقاط دمه الطاهرة التي سالت عليها، بدأت أتذكر الواقعة ومسير السبايا ووصولهم إلى حلب، حتى جاءتني حالة من البكاء الشديد والدعاء بصوت عال: يا حسين يا شهيد، يا سيداه يا مولاي، تحنن على عبدك، ليتني كنت معكم سادتي لأقتل بين يديكم، لعن الله من تجرأ عليكم واستباح دمكم وحرمكم وأولادكم وأصحابكم....
وإذا بنقطة دم تلمع وتبرق على الصخرة وأنا أنظر إليها، فركت عيني لأتأكد وبدأت نقطة الدم تكبر وتلمع وتبرق كأنها قطعة ألماس، حتى بلغت بحجم الدرهم، زادت حالة البكاء لديّ حتى أن بعض الحاضرين بدأ يتسأل ما سبب هزي للشباك؟
قلت له: تعال وأنظر هذه الصخرة المباركة لو أنني أستطيع الدخول ولمسها والتبرك بها، قال لي الرجل: اهدأ وصلّ على محمد وآل محمد.
وفعلا إنّ هذه الكرامة لن أنساها أبداً ماحييت، وسأذكرها لكّل قريب وبعيد، وها أنا أكتبها للعبرة لأقول للظالمين ولأتباعهم: أين
حوار حول مؤتمر الوحدة الإسلامية:
عقدت سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مؤتمراً حول الوحدة الإسلامية في "حلب" معهد التراث العربي في إطار بحوث ودراسات من أجل التقريب بين المذاهب، وقد تلقيت دعوة لحضور المؤتمر مع عدد من الأخوة الكرام، وكان المحاضرون فيه علماء المذاهب الإسلامية ومفكريهم، وكانت لفتة كريمة من السفارة الإيرانية لهذا المؤتمر، حيث أنه أعطى طابعاً مميزاً، وصرف بعض الإشكالات التي تدور حول عقيدة الشيعة الإمامية.
حضرت اليوم الأول وهو الافتتاح وإلقاء الكلمات الافتتاحية، وبدأ تسلسل المحاضرات والمناقشات، وكان الحضور ملفتاً للنظر، حيث حضر فيه الكثير من العلماء من إيران وسوريا وفلسطين وقطر ومصر واليمن، وعندما أنهى المؤتمر يومه الأول خرج المحاضرون والمستمعون إلى ساحة المعهد وتم التعارف بين العديد من الشباب، ورأيت أحد الشبان من أبناء المنطقة التي أقيم بها في حلب ومعه شيخ معمم، فتوجهت إليهم وتبادلنا السلام، وعرّفني ذاك الشاب بصديقه قائلا لي: الشيخ زكريا جاويش خطيب أحد مساجد قرية
قال الشاب لي: سمعنا أنّ هناك مؤتمراً تقيمه الشيعة فحضرنا لنرى ماسيقولون؟
الشيخ زكريا: كنا نظن شيئاً، ولكن بالنهاية تبين لنا العكس تماماً.
قلت: فما رأيك في المؤتمر ياصديقي؟ وماذا كنت تظن أيها الشيخ الفاضل؟!
الشاب: كما قال الشيخ كنا نتصوّر أن المؤتمر أقاموه للدفاع عن مذهبهم ورمي التهم على الناس و...، ولكن ما سمعته في هذا اليوم أزال الكثير من الشكوك التي كانت تدور في ذهني، ولكن...!.
الشيخ زكريا مقاطعاً: الوجه العام للمؤتمر لابأس به، لكن الجماعة لديهم بعض الأمور التي لا يستطيعون التصريح بها علناً، وبمرور الزمن سنحاول أن نجعلهم يعدلوا عن رأيهم ونبيّن لهم طالما هذه المؤتمرات واللقاءات قائمة.
قلت: ماهي الأمور التي لا يستطيعون التصريح بها، أرجو أن تفيدني، ربّما هناك أمراً أجهله؟!
الشيخ زكريا: هم يطعنون بالصحابة، وتصل بهم الأمور إلى شتم
قلت: بما أننا سندخل في نقاش، مارأيكم بالذهاب إلى منزلي لنتناول الشاي ونبحث معاً الأمر.
الشاب: لابأس، ونحن نسكن في حي واحد، لكن الشيخ مكانه بعيد، لا بأس سيقيم الليلة عندي حتى الصباح.
الشيخ زكريا: أرجو أن تعذروني فالمكان بعيد والمواصلات صعبة ليلا.
قلت: طالما أن صديقك رحب بالفكرة وتقدم بالترحيب على نومك عنده هذه الليلة فلا مناص، وذهبنا سوية إلى منزلي.
الصحابة عند أهل السنة:
وصلنا إلى المنزل، وبعد جلوسنا بدأت بالسؤال التالي، وكان موجهاً للشيخ زكريا:
قلت: لفت نظري أنك قلت في الطريق أننا نحن المسلمون نقول: إنّ الصحابة عدول، وهم يطعنون بهم، هل معنى قولك أن الشيعة ليسوا بمسلمين؟!
الشيخ زكريا: ليس هذا المقصود تماماً، لكن هناك تحفظ عليهم في هذا الأمر، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم
قلت: أعتقد أن كلامك فيه بعض اللبس، فالشيعة أوّلا مسلمون وبنصّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)حيث قال: "كل من أقر لله بالوحدانية وصدق أنبياءه ورسله وملائكته وشهد الشهادتين وصلّى وصام وحج وأدى الزكاة هو مسلم"، والشيعة يؤمنون بذلك قولا وعملا، فالقبلة التي نتوجه إليها في الصلاة واحدة والفروض واحدة وكتاب الله واحد.
لكن هناك شيء أبينه من قول الله عزّ وجلّ: (قَالَتِ الاَْعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا) (1)، فالإسلام شيء والإيمان شيء آخر، وكل ماذكرناه سابقاً يندرج تحت عنوان الإسلام، أما الإيمان فهو التصديق بكل ماجاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)قولاً وعملا.
وأمّا بشأن حديث أصحابي كالنجوم، فهو منسوب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)واشتهر على لسان العامة ولا يوجد له أثر في الصحاح المعتبرة عندهم، بل ذكره العجلوني في "كشف الخفاء" نقلا عن سنن البيهقي، وهذا لا حجة فيه.
وبهذا الحديث وضعوا للصحابة هالة من القداسة، وذلك لتبرير أمور كثيرة جرت سابقاً، وهذا من أعمال بني أمية، حيث قلبوا الأحاديث رأساً على عقب من أجل إبعاد أهل البيت عن كل فضيلة.
فمثلاً ورد حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) "الحسن والحسين سيدا شباب
____________
(1) الحجرات: 14.
أضف إلى ذلك أن المعروف من كبار الصحابة فضلا عن عامتهم أنهم كانوا يختلفون أحياناً، ولعن بعضهم بعضاً، وحارب بعضهم البعض، وكل هذا مثبت في كتب السير والتاريخ، فهل يجب أن نقتدي بهؤلاء جميعاً؟!
وبعد هذا أقول:
من هو الصحابي:
إنّ كلمة صحابي تطلق على كل الذين أسلموا مع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)وتظاهروا بالإسلام، والدليل على ذلك قول ابن حجر العسقلاني: كل من لقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمناً به، ومات على الإسلام، طالت مجالسته معه أو قصرت، غزا أو لم يغزُ، ومن رآه ولم يجالسه، وأعتبر أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رأى صبي مميز فهو صحابي.
____________
(1) صحيح ابن حبان: 15/412 (6959)، مستدرك الحاكم: 3/376 (4839)، سنن الترمذي: 6/113 (3768).
كما أنّ أبا سفيان أسلم يوم الفتح ومعاوية ابنه وهما صحابيان.
وكان عبدالله بن أبي سرح يكتب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوحي ثم افترى على الله الكذب وارتد، فأباح الرسول دمه ولو تعلق بأستار الكعبة، لكن عثمان في خلافته أحضره وولاّه ولاية مصر، وهو صحابي شاءوا أم أبوا (1).
وهذا الحكم بن العاص أيضاً طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، طرده إلى مرج قرب الطائف وحرم عليه دخول المدينة، وبعد وفاة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) راجع عثمان أبا بكر في خلافته بارجاعه فرفض، وراجع عمر بعده ليدخله فرفض، وعندما آلت الخلافة إليه أدخله إلى المدينة معززاً مكرماً وأعطاه مائه ألف دينار لأنه صحابي (2)!
الشيخ زكريا: من أين جئت بهذه الروايات، أرجو أن تكون متيقناً؟!
____________
(1) أسباب نزول القرآن للواحدي: 223 (442)، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 3/88.
(2) المعارف لابن قتيبة: 194، الاستيعاب لابن عبد البر: 360، العقد الفريد لابن عبدربه: 5/35.
وأبو سفيان قاتل الإسلام بكل فنون القتال، ويوم الفتح وجد نفسه محاصراً إما القتل أو الإسلام فأسلم، وغيرهم كثيرون نافقوا وتظاهروا بالإسلام.
فالصحبة تشمل كل الذين أسلموا أو تظاهروا بالإسلام في ذلك الوقت، وممكن أن نميزهم بميزتين أو قسمين:
فضلاء الصحابة: وهم الأخيار الذين قامت دولة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)على أكتافهم.
بقية الصحابة: ضعاف الإيمان أو متوسطة فمنهم الصبيان والمنافقون.
وإنّ موجز ماوصل إليه علماء السنة أن ساووا بين أبي بكر وأبي سفيان، وبين معاوية وعمار، وبين عثمان ومروان بن الحكم، كلٌّ صحابة وعدول لا يجوز القدح بهم، فهل هذا يعقل؟
هل يعقل أن يكون أبو بكر مثل عبدالله بن أبي سرح، أو عمر مثل أبي سفيان برأيكم؟
الشاب: لا غير معقول.
الشيخ زكريا: لا يمكن ذلك، ولكن نصّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعشرة
قلت: وهل هذا قانون خاص، إذا اختص هؤلاء العشرة بالجنة معنى أن غيرهم بالنار، أم ماذا، هذا لا يعقل؟!
ثم أنظر للعشرة، تراهم حارب بعضهم الآخر ومع ذلك نقول كلّهم في الجنة! وإذا درسنا تاريخ العشرة نجد بعضهم حاربوا وبغوا على الإمام عليّ (عليه السلام) وهو كاره لذلك، فمن بدأ الحرب بالظلم وتعتيم الأحاديث وتضليلها، ومن بايع وتنصل ونكث ورفع السيف بوجه الإمام، هؤلاء كلهم ضمن العشرة المبشرين!
هذا وقد أجمع علماء الحجاز والعراق من أهل الحديث والرأي، منهم مالك والشافعي والأوزاعي وأبو حنيفة: بأن الإمام عليّ (عليه السلام)كان مصيباً في قتاله لأهل الجمل وأهل صفين وأهل النهروان.
ولو كان هذا الحديث صحيحاً لماذا لم يحتج به أبوبكر يوم السقيفة أمام الأنصار؟ ولماذا لم يحتج به عثمان يوم حصاره بالدار؟ وقد ثبت بالضرورة من دين الإسلام حرمة دماء أهل الجنة.
إنّ هذا الحديث من المحال عقلاً، إذ كيف يبشر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لهم بالجنة وهو لا يعرف خاتمتهم؟!
بل إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبر بعض هؤلاء العشرة بأنه ظالم كالزبير، إذ قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لتقاتل علياً (عليه السلام) وأنت ظالم له" (1)، فكيف
____________
(1) مستدرك الحاكم: 4/81 (5659).