والمراد بالتخيير أن للمكلف في مقام الامتثال اختيار واحد من الواجبات المخيرة ابتداء بدون اعتبار العجز عن الأخر والمراد بالترتيب عدم انتقال المكلف واحد منها إلا بعد العجز عن الذي قبلة.
قالت الإمامية والمالكية: فالمكلف في مقام الامتثال يختار واحدا منها أما العتق أو الصيام أو الاطعام (1).
ولكن يرى مالك استحباب اختيار الاطعام على العتق والصيام على ما نقل عنه ابن القاسم (2).
وذهبت الشافعية والحنابلة والأحناف إلى الترتيب الأول العتق فإن لم يتمكن منه فصيام شهرين متتاليين وإن لم يتمكن منه فإطعام ستين مسكينا.
واستدل للقول الأول بما رواه مالك: من أن رجلا أفطر في شهر رمضان فأمره رسول الله (ص) أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتاليين أو يطعم ستين مسكينا. لدلالته على التخير إذ لفظ (أو) في لسان العرب يقاضي التخير ولكن لم نجد دليلا على استحباب الابتداء بالطعام (3).
واستدل للقول الثاني: بقياسه بكفارة الظاهرة الظاهرة تارة وبكرة اليمين أخرى (4).
ولكن الإمامية ذهبت إلى وجوب الجمع بينهما فيما إذا أفطر على محرم كما لو أكل مغصوبا أو شرب خمرا أو زنى وذلك للروايات المروية عن طريقهم.
وأما لو جامع نسيانا فهل يجب عليه القضاء والكفارة أم لا؟ ففي ذلك أقوال:
____________
(1 و 2 و 3 و 4) بداية المجتهد: ج 1، ص 305.
الثاني: ما ذهب إليه مالك من أن عليه القضاء دون الكفارة (2).
الثالث: ما ذهب إليه أحمد بن حنبل من أن عليه القضاء والكفارة (3).
واستدل للقول الأول: بعموم قول النبي (ص) رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) (4).
وحديث أبي هريرة عن النبي (ص) أنه قال: من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمة الله وسقاه (5).
واستدل للقول الثاني: أما بالنسبة إلى القضاء فيتشبه تأسي الصوم بناسي الصلاة فكما يجب قضاء الصلاة بالنسبة إلى ناسيها بالنص فكذلك بالنسبة إلى ناسي الصوم.
وأما بالنسبة للكفارة فبعموم ما دل على ثبوت الكفارة لو جامع امرأته في شهر رمضان.
واستدل للقول الثالث: بقياس المحل المفروض بمن نسي الصلاء فكما يجب القضاء على من نسي الصلاة كذلك الصوم.
وينبغي هنا الإشارة إلى أمور:
الأول: المعروف أن الجماع سواء كان في قبل أو دبر من آدمي أو بهيمة.
____________
(1) الأم: ج 2، ص 97، المنهل العذب: ج 1، ص 9، واللباب: ج 1، ص 165.
(2) الموطأ: ج 1، ص 306.
(3) الشرح الكبير: ج 3، ص 57، والمغني: ج 3، ص 60.
(4) من لا يحضره الفقيه: ج 11، ص 36، وسنن ابن ماجة: ج 1، ص 659.
(5) بداية المجتهد: ج 1، ص 303.
وخالف فيه أبو حنيفة لأنه قال: لا يوجب الكفارة في الوطئ بالدبر (1).
الثاني: الانزال بمجامعة دون الفرج أو بمباشرة أو قبله ففيه القضاء عند الجمع وأما ثبوت الكفارة ففيه خلاف قال بثبوتها فيه أحمد بن حنبل. راجع كتاب المذاهب الأربعة باب الصوم.
وقالت الإمامية: بثبوتها فيه أيضا. قال الطوسي: إذا باشر امرأته فيما دون الوطئ لزمته الكفارة سواء كان قبلة أو ملامسة أو أي شئ كان (2).
وقال به مالك بن أنس الأصبحي أيضا (3).
وقال أبو حنيفة والشافعي بعد ثبوتها عليه (4).
وينبغي هنا بيان أمور:
الأول: وقع الخلاف بين فقهاء العامة في مقدار الاطعام.
قالت الأحناف: لا يجزي أقل من مدين بمد النبي (ص) وذلك نصف صاع لكل مسكين (5).
وفي قول لهم بالتفصيل: وهو أن كفر بالتمر والشعير فعليه لكل مسكين نصف صاع وإن كان من البر فنصف صاع (6).
____________
(1) القوانين الفقهية: ص 81.
(2) الخلاف: ج 2، ص 190.
(3) بلغة السالك: ج 1، ص 244.
(4) الأم: ج 2، ص 100، اللباب: ج 1، ص 167، والهداية: ج 1، ص 125.
(5) بداية المجتهد: ج 1، ص 305.
(6) اللباب: ج 1، ص 168.
ومنشأ الخلاف هو في الاستظهار من الأدلة.
الثاني: إذا كان معسرا عن الاطعام في وقت الوجوب ثم صار موسرا فهل يجب عليه إذا أيسر أم لا.
صرح بعض فقهاء الإمامية بوجوبه وتردد فيه الشافعي وحكم بعدم وجوبه بعد أيساره الأوزاعي (2).
واستدل للوجوب من علماء العامة بكونه من قبيل الدين فيحكم بأداء الدين بعد إيساره. ونقل عن الشافعي قولان:
أحدهما: مثل ما قال به الأوزاعي.
وثانيهما: وجوبه بعد إيساره وهو الذي اختاره أصحاب الشافعي (3).
وللثاني بعدم بيانه في كلمات النبي (ص).
الثالث: أنه هل تتكرر الكفارة بتكرر الافطار أم لا.
اتفق الجميع على أن من وطأ في يوم رمضان ثم كفر ثم وطأ في يوم آخر فإن عليه كفارة أخرى وأما من وطأ مرارا في يوم واحد فقد اتفقت المذاهب الأربعة على أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة.
وأما الإمامية قالت: إنه يوجب فيه تكرار الكفارة. وأما إذا أكل أو شرب مرارا في يوم واحد فعليه كفارة واحدة.
وإنما وقع الخلاف بينهم أيضا في من وطأ في يوم من رمضان ولم يكفر
____________
(1 و 2) بداية المجتهد: ج 1، ص 36.
(3) الأم: ج 2، ص 99، والسراج الوهاج: ص 146، وفتح القدير: ج 6، ص 454، كفاية الأخيار: ج 1، ص 130.
(4) المجموع: ج 6، ص 337.
قالت الإمامية: عليه كفارة سواء كفر عن الجماع الأول أم لا.
وقالت الأحناف: عليه كفارة واحدة ما لم يكفر عن الجماع الأول (1).
وقال مالك والشافعي: عليه لكل يوم كفارة (2).
واستدل من العامة للقول الأول بكون مفروض المقام من قبيل الحد، وكما يكفي في الحد على الزاني مرة واحدة ولو زنى مرات فيما إذا لم يحد لواحدة منها فكذلك في مفروض المقام.
واستدل من العامة للقول الثاني بعدم كون المقام من قبيل الحد ولما هتك الصوم في كل يوم فحكم بوجوب الكفارة عن كل يوم.
الرابع: هل الكفارة تثبت على المرأة إذا طاوعته على الجماع أم لا؟
قالت الإمامية: بثبوت الكفارة عليهما أيضا كما إنه قالت بثبوتها على المرأة الحنفية والمالكية (3).
وقال الشافعي: بعدم ثبوت كفارة في البين إلا واحدة قال به في القديم وعليه أصحابه (4).
واستدل بالقول الأول: بقياسها بالرجل فكما تكون الكفارة ثابتة على الرجل فكذلك تكون ثابتة على المرأة لكون كليهما مكلفا.
واستدل للقول الثاني: بأنه (ص) لم يأمر المرأة في الحديث بكفارة (5).
____________
(1) المبسوط: ج 3، ص 74، وبدائع الصنائع: ج 3، ص 201.
(2) الأم: ج 2، ص 99، والمدونة الكبرى: ج 1، ص 318.
(3) المدونة الكبرى: ج 1، ص 218، وبدايع الصنايع: ج 2، 98.
(4) الأم: ج 2، ص 100، والوجيز: ج 1، ص 104.
(5) بداية المجتهد: ج 1، ص 309.
الأمر الثالث: الاستمناء:
اتفق الجميع على أنه مفسد للصوم إذا حصل منه بالاختيار بل ذهبت الحنابلة إلى فساد صومه إذا أمذى أي نزل مذي بسبب تكرار النظر ونحوه.
وإنما اختلفوا في أنه هل يوجب القضاء والكفارة معا أو لا يوجب شيئا منها أو يفصل بين القضاء والكفارة في وجوب الأول دون الثاني:
ذهب معظم الإمامية إلى الأول وذلك للأخبار.
وذهبت الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى الثالث على ما هو المحكي عنهم.
الأمر الرابع: القئ متعمدا يفسد الصوم:
وهذا مما اتفقوا عليه كما إنهم اتفقوا على أنه إذا كان قهرا لا يوجب فساد الصوم. ولكن الحنفية فالت: من تعمد القئ لا يفطر إلا إذا كان القئ ملأ الفم. وعن أحمد بن حنبل فيه روايتان على ما حكي عنه.
وأما وجوب القضاء: فذهبت إليه الإمامية وتبعتهم المالكية والحنفية والشافعية والحنابلة والثورية وغيرهم من المذاهب. واستدل لذلك بقوله (ص): (من ذرعة القئ وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض) (1).
كما إن مقتضاة أن من استقاء فقاء صار مفطرا.
الأمر الخامس: الحجامة:
وقع الخلاف بين الفقهاء فيها على أقوال:
____________
(1) أخرجه الترمذي والنسائي في سننهم.
الثاني: أنها مفطرة ووجوب الامساك عنها وبه قال أحمد بن حنبل وداود الظاهري والأوزاعي وإسحاق بن راهويه (2).
الثالث: أنها ليست بمفطرة ولكنها مكروهة للصائم وبه قالت الإمامية ومالك والشافعي والثوري (3).
واستدل للقول الأول من علماء السنة بحديث ابن عباس أن رسول الله (ص) احتجم وهو صائم (4).
واستدل للثاني: بما رواه رافع بن خديج أنه (ص) قال: أفطر الحاجم والمحجوم (5).
واستدل للثالث: بحمل ما دل على النهي عن الحجامة على الكراهية بقرينة ما دل من الأخبار على الجواز.
واستدل للقول الرابع بعدم الكراهية بتعارض الأخبار وتساقطها والرجوع إلى البراءة الأصلية.
الأمر السادس: الحقنة بالمائع:
فإنها موجبة لفساد الصوم والقضاء وبه قال جميع فقهاء المذاهب الإسلامية (6).
وقال بعض الإمامية: بأنها توجب الكفارة أيضا إذا كان لغير ضرورة.
____________
(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 291.
(2 و 3) بداية المجتهد: ج 1، ص 290.
(4 و 5) بداية المجتهد: ج 1، ص 291.
(6) المبسوط: ج 3، ص 67، اللباب: ج 1، ص 169.
الأمر السابع: الغبار الغليظ الواصل إلى الحلق:
فإذا وصل الغبار الغليظ إلى الحلق ومنه إلى الجوف كالدقيق ونحوه فسد الصوم لأنه أبلغ من الحقنة ومن الدخان الذي اعتاده الناس وللأخبار هذا عند الإمامية.
وأما بقية المذاهب فلا يوجب فساد الصوم والقضا (1).
الأمر الثامن: الاكتحال:
قالت المالكية: بشرط أن يكتحل بالنهار ويجد طعم الكحل في حلقه (2).
ولكن عند بقية المذاهب ليس موجبا لفساد الصوم وإن وجد طعم الكحل لأن العين ليست بجوف ولا منفذ لها إلى الجوف وقد صرح بعض علماء الإمامية بكراهيته.
الأمر التاسع: رمس تمام الرأس في الماء:
فإنه يوجب فساد الصوم والقضاء والكفارة وبه قال فقهاء الإمامية سوى السيد المرتضى على ما نقل عنه في كتاب المختلف من كتاب الصوم سوى مسألة الارتماس. قال السيد المرتضى: لا يجب به القضاء والكفارة واختاره ابن إدريس وهو مذهب أبي عقيل. وأما بقية المذاهب فقالوا إنه لا يوجب فساد الصوم ولا القضاء ولا الكفارة (3).
الأمر العاشر: تعمد البقاء على الجنابة:
البقاء على الجنابة في شهر رمضان إلى أن يطلع الفجر فإنه يفسد الصوم
____________
(1) المجموع: ج 6، ص 328، وفتح القدير: ج 6، ص 286.
(2) راجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: باب الصوم.
(3) السراج الوهاج: ص 145، واللباب: ج 1، ص 168.
واستدلوا لذلك بما روته عائشة وأم سلمة قالتا: كان رسول الله (ص) يصبح جنبا من جماع غير احتلام في شهر رمضان ثم يصوم (2).
والإجماع على أن الاحتلام بالنهار لا يفسد الصوم.
واستدل للأول بما رواه أبو هريرة أنه كان يقول من أصبح جنبا فلا صوم له ما أنا قلته قال محمد ورب الكعبة (3).
وما روي عن إبراهيم بن النخعي وعروة بن الزبير وطاووس أنه إذا تعمد أفسد صومة (4).
الأمر الحادي عشر: تعمد الكذب على الله ورسوله:
تعمد الكذب يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة عند الإمامية وبالغ بعض منهم حيث أوجب على هذا الكذب أن يكفر بالجمع بين عتق الرقبة وصيام شهرين وإطعام ستين مسكينا.
وأما عند بقية المذاهب فلا يضر بصحة صومه ولا شئ عليه (5).
رابعا - صيام يوم الشك:
وقع الخلاف بين فقهاء المسلمين فيما إذا صام يوم الشك ثم تبين أنه من رمضان هل يجزيه ولا يجب القضاء أم لا؟
____________
(1) المبسوط: ج 3، ص 56، ونيل الأوطار: ج 6، ص 291.
(2) البخاري: ج 4، ص 1925، ومسلم: ج 2، كتاب الصيام، ص 153.
(3) سنن ابن ماجة: ج 1، ص 543.
(4) سبل السلام للصنعاني: كتاب الصوم.
(5) اللباب: ج 1، ص 168.
وخالف فيه الشافعي وقال بعدم الإجزاء ووجوب القضاء (2).
وبه قال مالك وابن حنبل.
راجع: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصوم.
وأما إذا أصبح يوم الشك مفطرا أنه كان من رمضان وجب عليه إمساك باقيه. قال به من إمامية الشيخ الطوسي في كتابه الخلاف (ج 2، ص 203).
وقال به أبو حنيفة في كتاب المبسوط (ج 3 ص 62). وقال به الشافعي في مذهبيه القديم والجديد (3).
خامسا - وجوب قضاء صوم شهر رمضان:
ينبغي هنا بيان مسائل:
الأول: اتفق الجميع على وجوب قضاء ما فاته من أيام رمضان في نفس العام الذي فاته فيه وله اختيار الأيام التي يشاؤها للقضاء باستثناء الأيام التي يحرم فيها الصوم ويجب عليه المبادرة إلى القضاء إذا بقي على رمضان بقدر ما فاته من رمضان الأول.
الثاني: إذا ترك القضاء في أثناء السنة متهاونا حتى دخل رمضان الثاني فعليه أن يصوم رمضان الحاضر ثم يقضي عن الفائت ما بعد رمضان وأما الكفارة بمد عن كل يوم فحكم بثبوتها فقهاء جميع المذاهب إلا الحنفية لذهابهم إلى وجوب القضاء دون الكفارة وقال أيضا بعد ثبوت الكفارة عليه
____________
(1) الفتاوي الهندية: ج 1، ص 201.
(2) الأم: ج 2، ص 16.
(3) كتاب فتح القدير: ج 6، ص 436.
الثالث: إذا عجز عن القضاء من فاته صوم رمضان من جهة المرض بحيث استمر به المرض من رمضان الأول إلى رمضان الثاني فهل يجب عليه القضاء والكفارة أم لا؟
ذهبت الإمامية إلى وجوب الكفارة عليه بمد عن كل يوم دون القضاء وذهبت المالكية إلى عدم وجوب الكفارة والقضاء فيه، ووافقهم الأحناف والشافعية والحنابلة على هذا القول أيضا (2).
الرابع: يجوز أن يقضي ما فاته من رمضان متفرقا ولكن التتابع أفضل للأخبار وبه قال الشافعي والمالكي والحنفي والأوزاعي الثوري (3).
وخالف في ذلك النخعي والظاهري وحكموا بوجوب التتابع (4).
الخامس: إذا تمكن من القضاء في أيام السنة ولكن لم يبادر إليه بقصد أن يقضي قبل رمضان الثاني بأيام ثم عرض له عذر شرعي منعه من القضاء حتى دخل رمضان.
ففي هذه المسألة هل يجب عليه القضاء فقط أو يجب عليه القضاء والكفارة؟
والظاهر هو الأول فيلزم عليه القضاء فقط دون الكفارة.
السادس: وقع الخلاف بين فقهاء المسلمين في حكم من أفطر في رمضان لعذر وتمكن بعد رمضان من القضاء ولكنه لم يأت به حتى مات. هذا
____________
(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 299.
(2) اللباب: ج 1، ص 170، وبداية المجتهد: ج 1، ص 299، والمبسوط: ج 3، ص 77.
(3) شرح الموطأ: ج 2 ص 445، والمجموع: ج 6 ص 367، والهداية: ج 1، ص 127.
(4) المحلى: ج 6، ص 361، والمنهل العذب: ج 10، ص 141، والشرح الكبير: ج 3، ص 85.
الثاني: وجوب التصدق عنه كل يوم بمد وبه قالت الأحناف والشوافعة والحنابلة (1).
والثالث: وجوب التصديق عنه على الولي إذا أوصى بالصدفة عنه وإلا فلا يجب شيئ عليه.
السابع: إذا صام بعنوان القضاء في الوقت الذي يكون متسعا فهل يجوز له أن يفطر أم لا؟
ذهبت الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز الافطار له قبل الزوال وبعد وعدم وجوب شئ عليه.
الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصوم.
وذهبت الإمامية إلى جواز الافطار له قبل الزوال لا بعده وإذا خالف وأفطر بعد الزوال حكموا عليه أن يكفر بالطعام عشرة مساكين، وإذا عجز عنه فصيام ثلاثة أيام.
سادسا - ثبوت الهلال:
اتفق الجميع على أن كل من انفرد برؤية الهلال في أول شهر رمضان يلزم عليه أن يعمل بعمله ولو أفطر جميع الناس فإن أفطر فعليه القضاء والكفارة (2).
وخالف في المسألة عطاء بن أبي رياح فإنه قال لا يصوم إلا برؤية غيره معه (3).
____________
(1) اللباب: ج 1، ص 171، والسراج الوهاج: ص 145، ومغني المحتاج: ج 1، ص 441.
(2) القوانين الفقهية: ص 79.
(3) بداية المجتهد: ج 1، ص 285.
راجع: الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصوم.
وقالت الإمامية: أن من انفرد برؤية الهلال في أول شهر شوال يلزم عليه الافطار ولو صام الناس. ولا يفرق في ذلك بين كون الرائي عادلا أو غير عادل ذكرا كان أو أنثى.
وأما بقية المذاهب فاختلفوا في أنه هل يفطر برؤيته وحده أم لا فذهب مالك وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة إلى أنه لا يفطر. وقال الشافعي إنه يفطر.
وبه قال: أبو ثور (1).
وهو الحق: لأن النبي (ص) أوجب الصوم والإفطار للرؤية.
وقال ابن جزي المالكي: فإن رأى وحده هلال شوال لم يفطر عند مالك خوف التهمه وسدا للذريعة وفاقا لابن حنبل وخلافا للشافعي (2).
ومهما يكن من أمر فقد وقع الخلاف بين فقهاء المذاهب في الأمور التالية:
أولا: أنه إذا ثبت رؤية الهلال ببلد فهل يجب على أهل سائر البلاد الافطار أم لا فالت الإمامية والشافعية: إذا رأى أهل البلد ولم يره أهل بلد آخر فإن تقارب البلدان في المطلع كان حكمهما واحدا وإن اختلف المطلع فلكل بلد حكمه الخاص.
وقالت الحنفية والمالكية والحنابلة: متى ثبتت رؤية الهلال بقطر يجب على أهل سائر الأقطار الصوم أيضا من غير فرق بين القريب والبعيد ولا عبرة.
____________
(1) بداية المجتهد: ج 1، ص 285.
(2) القوانين الفقهية: ص 79.
راجع: كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصوم.
وقال ابن جزي المالكي: إذا رآه أهل بلد لزم الحكم غيرهم من أهل البلدان وفاقا للشافعي إلى أن قال ولا يلزم في البلاد البعيدة جدا (1).
ثانيا: إذا رؤي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده في يوم الثلاثين من شعبان فهل يحسب هذا النهار من آخر شعبان حتى لا يجب صومه أو يحسب من أول رمضان حتى يجب صومه؟
ذهبت الإمامية إلى أنه يحسب من آخر شعبان فيجب عليه الصوم في اليوم التالي للرؤية، وتبعهم في ذلك الحنفية والمالكية والشافعية (2).
ولكن ذهب السيد المرتضى من الإمامية إلى أنه إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية، وإن رؤي بعده فهو لليلة المستقبلة (3).
وبه قال القاضي أبو يوسف (4).
وإذا روي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده في اليوم الثلاثين من شهر رمضان فهل يحسب هذا اليوم من آخر رمضان أو من شوال؟
ذهبت الإمامية: إلى أنه يحسب من آخر رمضان فيجب عليه الافطار في اليوم التالي للرؤية وتبعتهم في ذلك الحنفية والمالكية والشافعية.
وقال أبو يوسف القاضي تلميذ أبي حنيفة والثوري وابن حبيب مكن أصحاب مالك إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية وإن رؤي بعد
____________
(1) القوانين الفقهية: ص 79.
(2) القوانين الفقهية: ص 79، والأم: ج 2 ص 95، والموطأ: ج 1 ص 285.
(3) الناصريات: كتاب الصوم مسألة 126.
(4) فتح القدير: ج 6 ص 286.
واستدل للأول: بما رواه الأعمش عن أبي وائل شقيق ابن سلمة قال:
أتانا كتاب عمر ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى يشهد رجلان أنهما رأياه بالأمس (2).
واستدل للثاني: بما رواه الثوري عنه أنه بلغ عمر بن الخطاب أن قوما رأوا الهلال بعد الزوال فأفطروا فكتب إليهم يلومهم وقال: إذا رأيتم الهلال نهارا قبل الزوال فأفطروا وإذا رأيتموه بعد الزوال فلا تفطروا (3).
ثالثا: وقع الخلاف بين فقهاء المسلمين في ثبوت الهلال في غير الرؤية بعد اتفاقهم بثبوته بالرؤية لقوله (ص): صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته)، وقولة: (إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا ((4).
وذهبت الإمامية: إلى ثبوته بالتواتر وبمضي ثلاثين يوما من شعبان وبحكم الحاكم وبشهادة رجلين عدلين كما إنه يثبت بالرؤية ولكن بشرط أن لا تتناقض شهادتهما في وصف الهلال ولا يفرق عندهم في ذلك بين الصحو والغيم ولا بين أن يكون الشاهدان من أهل بلد واحد أو من بلدان متقاربين.
ثم إنه لا يفرق في ثبوت الهلال عندهم بما ذكر بين هلال رمضان أو هلال شوال. وذهبت الحنفية إلى ثبوت هلال رمضان بشهادة رجل واحد إذا كان في السماء مانع يمنع من الرؤية أما إذا كانت السماء صحوا فلا يثبت إلا بشهادة جماعة كثيرة يحصل العلم بخبرهم من غير فرق بين هلال رمضان وهلال شوال (5).
(
____________
(1 و 2 و 3) بداية المجتهد: ج 1، ص 285.
(4) أخرجه البخاري: ج 3، ص 24.
(5) المبسوط: ج 3، ص 139، والهداية: ج 1، ص 121.
ونقل عن الشافعي قول آخر وهو اعتبار الشاهدين في ثبوت الهلال وبه قال ابن حنبل (1).
وذهب المالكية إلى عدم ثبوت الهلال إلا بشهادة عادلين من دون فرق بين هلال رمضان أو غيره وبين الصحو والغيم فإذا شهد برؤية هلال رمضان شاهد واحد فلا يجب به الصوم عندهم كما لا يجوز عندهم الافطار إذا شهد شاهد واحد برؤية هلال شوال وبه قال الأوزاعي والليث بن سعد (2).
وذهبت الحنابلة إلى ثبوت هلال رمضان بشهادة العدل امرأة وعدم ثبوت هلال شوال إلا بشهادة عدلين على ما هو مذكور في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة كتاب الصوم.
رابعا: إذا لم يدع أحد رؤية هلال رمضان من جهة الغيم فهل يجب أن يكمل شعبان ثلاثين يوما ويجب الصوم في اليوم التالي للثلاثين أم لا ذهبت الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى الأول وخالف فيه الحنفية، فإنهم قالوا بوجوب الصوم بعد التاسع والعشرين من شعبان لا بعد الثلاثين. والمالكية إن كانت السماء غائمة أكمل رمضان ثلاثين يوما ووجب بعدها الافطار وإن كانت السماء صحوا وجب الصوم في اليوم التالي للثلاثين
____________
(1) المجموع: ج 6، ص 282، الأم: ج 3، ص 94، وفتح القدير: ج 6، ص 250، والوجيز: ج 1، ص 100، والمغني: ج 3، ص 96.
(2) المجموع ج 6، ص 382، وبلغة السالك: ج 1، ص 240.
وقالت الشافعية: يجب الافطار بعد الثلاثين حتى ولو كان ثبوت رمضان بشاهد واحد من غير فرق بين الصحو والغيم.
وقالت الحنابلة: إذا كان رمضان ثابتا بشهادة عدلين يجب الافطار بعد الثلاثين وإذا كان ثابتا بشهادة عدل واحد فيجب صوم الحادي والثلاثين.
راجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: كتاب الصوم.
وقالت الإمامية: يثبت كل من شهر رمضان وشوال بإكمال ثلاثين من غير فرق بين الصحو والغيم ما داله ثبت بالطريق الصحيح الشرعي.
خلاصة المسألة:
ذهبت الإمامية: إلى وجوب الافطار في السفر.
وقال الفقهاء الأربعة: إن شاء صام وإن شاء أفطر (1).
وقد خالفوا في ذلك النص. قال الله تعالى: (فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) (2).
وهو ينافي جواز الصوم إجماعا. وللأحاديث الآتية:
____________
(1) الفقه على المذاهب الأربعة: ج 1، ص 471.
(2) سورة البقرة: آية 184.
(3) أخرجه البخاري: ج 3، ص 42، الموطأ: ج 1، ص 375، والتاج الجامع للأصول: ج 2 ص 74.
أولئك العصاة أولئك العصاة (2).
وهذا نص في تحريم الصوم.
إلى غير هذا النصوص التي توافق مذهب أهل البيت (ع) والتي توجب الافطار في السفر.
والحمد لله رب العالمين
____________
(1) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند: ج 4، حديث 1892 و 2350 و 2363.
(2) أخرجه مسلم: ج 2، ص 645.
(3) أخرجه أحمد بن حنبل في المسند: ج 1، ص 299.
(4) الدر المنثور: ج 1، ص 191.