الصفحة 297

معاوية يأكل الربا

عن عطاء بن يسار: إن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال أبو الدرداء (رضي الله عنه): سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل. فقال له معاوية: ما أرى بمثل هذا بأسا.

فقال أبو الدرداء (رضي الله عنه): من يعذرني من معاوية؟ أنا أخبره عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويخبرني عن رأيه!! لا أساكنك بأرض أنت بها... " (1).

هذا معاوية الذي يتغنى بذكره أهل السنة، يأكل الربا، ويرد على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) " لا أرى بهذا بأسا "!! أما نحن نترك حكمه لله ولرسوله.

عن جابر قال: " لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه " (2).

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " اجتنبوا السبع الموبقات... وأكل الربا " (3). عن أبي هريرة مرفوعا: " أربعة حق على الله أن لا يدخلهم الجنة ولا يذيقهم نعيمها... وآكل الربا " (4).

وقال الله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وامره الى الله ومن عاد فاولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) (5).

____________

1 - اختلاف الحديث للشافعي بهامش كتاب الأم: 7 / 23. سنن النسائي: 7 / 279، 5 / 280، وانظر صحيح مسلم: 5 / 43 فإن فيه ما يزيد يقينك!

2 - صحيح مسلم: كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا ومؤكله.

3 - المصدر السابق: كتاب الإيمان، باب الكبائر وأكبرها.

4 - المستدرك على الصحيحين: 1 / 37.

5 - البقرة: 275.

الصفحة 298

معاوية يستلحق زيادا!

ولد زياد بن أبيه على فراش عبيد مولى ثقيف، ومع ذلك استلحقه معاوية معه خلافا للإسلام. يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): " الولد للفراش، وللعاهر الحجر " (1) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

" من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه، فالجنة عليه حرام " (2).

قال السكنواري: " أول قضية ردت من قضايا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علانية دعوة معاوية زيادا، وكان أبو سفيان تبرأ منه وادعى انه ليس من أولاده وقضى بقطع نسبه ".

" وكان قد تبرأ من زياد أبو سفيان ومنع حقه من ميراث الإسلام بحضرة الصحابة (3) فلا زال طريدا حتى دعاه معاوية وقربه وامره ورد القضية، وهي أول قضية من قضايا الإسلام ردت " (4).

وقال سعيد بن المسيب: " أول قضية ردت من قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علانية دعوة قضاء فلان - أي معاوية - في زياد " (5).

ويهتف أهل السنة لمعاوية، ويباركون له أعماله، مع ما فيه فعل معاوية هذا من استهانة بأحكام الإسلام، ورد صريح على رسول الله، إذ إنه عوتب على هذا الفعل المحرم، ولكنه أصر على فعله (6).

فإذا اردت أن تعرف كيف كان السلف يضربون النصوص عرض الحائط، فانظر إلى معاوية!

____________

1 - صحيح البخاري: كتاب البيوع، رقم الحديث 1912.

2 - مسند أحمد: 5 / 46.

3 - الغدير عن محاضرة الأوائل: ص 136، 246.

4 - تاريخ ابن عساكر: 5 / 412. تاريخ الخلفاء: ص 131.

5 - راجع مروج الذهب: 3 / 6 وما بعدها. أنساب الأشراف. الإتحاف بحب الأشراف: ص 67 وراجع قضية الاستلحاق في الاستيعاب: 1 / 195. تاريخ دمشق: 5 / 410. الغدير: 10 / 219.

الصفحة 299

معاوية يقاتل عليا:

حين قتل عثمان كان معاوية متأمرا على الشام. وفي المدينة بايع الناس عليا، إلا معاوية فقد رفض البيعة، بالإضافة الى أنه اتهم عليا بقتل عثمان، وجعل من هذه التهمة سلما ليصل به إلى مآربه. وأخذ يحرض الناس على علي.

وبعد أن هزم علي أهل الجمل، التقى مع معاوية وجيشه في صفين، وقتل من الفريقين مائة ألف نفس!! بسبب معاوية!

وبعد أن استولى معاوية على الحكم بطرقه الملتوية، لم يقم بالانتقام من قتلة عثمان. وهذا يدلك على ان قصده هو الخلافة فقط.

أهل السنة يعتبرون معاوية خليفة شرعيا، ومجتهدا بخروجه على الإمام علي، ولكن ما هو حكم معاوية عند الله ورسوله؟

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهم جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان " (1). هذا حكم الله ورسوله على معاوية، فكيف أصبح خليفة شرعيا؟!

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما " (2) والآخر هنا هو معاوية.

فكيف يعد خليفة، من حكمه عند الله القتل؟

وعن أبي ذر قال، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " (3).

____________

1 - صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع.

2 - المصدر السابق، باب إذا بويع لخليفتين.

3 - مستدرك الحاكم: 1 / 117.

الصفحة 300
وقد نعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معاوية وحزبه بالقاسطين، فعن أبي أيوب الأنصاري قال: " أمر رسول الله علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين " (1).

فالناكثون، أصحاب الجمل، والقاسطون، معاوية وحزبه، والمارقون، الخوارج (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) (2)! (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) (3)؟!

وبالإضافة الى ذلك نأخذ قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " حرب علي حربي، وسلم علي سلمي " (4)، وقوله " عدو علي عدوي " (5)، وقوله: " من آذى عليا فقد

____________

1 - راجع ترجمة الإمام من تاريخ دمشق، ابن عساكر: 3 / 168. المناقب، الخوارزمي الحنفي: ص 110 و 122 و 125. ميزان الاعتدال، الذهبي: 1 / 271 و 584. مجمع الزوائد: 5 / 186 و 6 / 135 و 7 / 138. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: 3 / 245. ينابيع المودة، القندوزي الحنفي: ص 128. النهاية، ابن الأثير الجزري: 4 / 60. لسان العرب، ابن منظور: 3 / 18 و 9 / 253.

تاج العروس، الزبيدي: 1 / 651 و 5 / 206. كفاية الطالب، الكنجي الشافعي: ص 169. أسد الغابة: 4 / 33. منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: 5 / 435 و 437 و 451. كنز العمال: 15 / 98.

الاستيعاب بهامش الإصابة: 3 / 53. فرائد السمطين، الحمويني: 1 / 150 و 279 و 281 - 283 و 285 و 332، وذكره في إحقاق الحق: 6 / 60 عن تنزيه الشريعة المرفوعة، الكناني: 1 / 387. مفتاح النجا، البدخشي: ص 68 مخطوط. أرجح المطالب، الشيخ عبيدالله الحنفي: ص 602 - 624. تاريخ بغداد: 8 / 340 و 13 / 186. موضح أوهام الجمع والتفريق، الخطيب البغدادي: 1 / 386.

شرح المقاصد، التفتازاني: 2 / 217. شرح ديوان أمير المؤمنين، المبيدي: ص 209 (مخطوط)، الروض الأزهر: ص 389، ونقله في الغدير عن تاريخ ابن كثير: 7 / 306. الخصائص للسيوطي: 2 / 138، راجع ملحق المراجعات: ص 397.

2 - الجن: 15.

3 - المائدة: 50.

4 و 5 - سبق تخريجهما.

الصفحة 301
آذاني " (1).

أفلا تكفينا هذه النصوص لنعرف موقع معاوية في الإسلام؟ فما مصير من يحارب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وما هو حال من يؤذي النبي ويعاديه؟! فلماذا نتجاوز هذه النصوص إلى بحر التأويلات والاجتهاد؟ إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلامه لا ينطق عن الهوى، فمتى سنصغي لهذه الهتافات النبوية؟

معاوية يلعن عليا:

كان معاوية يلعن عليا، ويقنت بذلك في صلاته، واتخذ لعنه سنة في الجمع والأعياد. وبقي شيعة معاوية يلعنون عليا نحو ستين عاما، حتى منع ذلك عمر بن عبد العزيز.

يقول ابن أبي الحديد:

لعنته الشام ستين عاما * لعن الله كهلها وفتاها

أخرج مسلم من طريق عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: " أمر معاوية ابن أبي سفيان سعدا فقال: ما منعك أن تسب أبا التراب، فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلن اسبه، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم... " (2).

____________

1 - المستدرك للحاكم: 3 / 122 وصححه وكذا الذهبي. مسند أحمد بن حنبل: 3 / 483. ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق، ابن عساكر: 1 / 389. شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني الحنفي: 2 / 98. كفاية الطالب، الكنجي الشافعي: ص 276. مناقب علي بن أبي طالب، ابن المغازلي الشافعي: ص 52.

المناقب، الخوارزمي الحنفي: ص 92. مجمع الزوائد: 9 / 129. نور الأبصار، الشبلنجي: ص 73.

الاستيعاب بهامش الإصابة: 3 / 37. الإصابة: 2 / 543. الصواعق المحرقة: 73 / 74. أنساب الأشراف: 2 / 146. كنوز الحقائق، المناوي: ص 144. كنز العمال: 15 / 125. منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: 5 / 30. الجامع الصغير، السيوطي: 2 / 135. تذكرة الخواص: ص 44. الرياض النضرة: 2 / 218... ملحق المراجعات: ص 391 - 392.

2 - صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب. سنن الترمذي: 5 / 638.

الصفحة 302
يقول الحجوي - في ترجمة معاوية -: " ومن اقبح ما يذكر في تاريخه سبه لعلي - كرم الله وجهه -، ولولا أنه في (صحيح مسلم) ماصدقت بوقوعه منه، ما أدري ما وجه اجتهاده فيه حتى كان سنة من بعده، والله يغفر له، وليست العصمة إلا للأنبياء " (1).

صحيح، إن العصمة للأنبياء، ولكن هذا الأمر لا يحتاج إلى عصمة. فسب المسلم محرم وهذا يعرفه القاصي والداني!

وقال ابن عساكر: " كان أول عمل عمله معاوية - بعد ان استولى على الحكم - أن كتب لعماله في جميع الآفاق بأن يلعنوا عليا على المنابر " (2).

" ولما مات الحسن بن علي (عليهما السلام) حج معاوية فدخل المدينة وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل له: إن ههنا سعد بن أبي وقاص ولا نراه يرضى بهذا (3)، فابعث إليه وخذ رأيه، فأرسل إليه وذكر ذلك فقال: إن فعلت لأخرجن من المسجد ثم لا أعود إليه، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد، فلما مات، لعنه على المنبر، وكتب إلى عماله أن يلعنوه على المنابر، ففعلوا... " (4).

وروى ابن الأثير عن شهر بن حوشب أنه قال: " أقام - أي معاوية - خطباء

____________

1 - الفكر السامي: 1 / 276 نقلناه عن تاريخ التشريع للفضلي: ص 85.

2 - تاريخ ابن عساكر: 2 / 47، وراجع المستدرك للحاكم: 1 / 385 و 1 / 358. تاريخ الطبري: 4 / 188 - 168. الكامل في التاريخ، ابن الأثير: 3 / 413. تاريخ الخلفاء، السيوطي: ص 190. شرح النهج، ابن أبي الحديد: 1 / 356 و 361. العقد الفريد: 4 / 365، ونقله في الغدير: 26410 عن إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري للقسطلاني: 4 / 368. تحفة الباري في شرح صحيح البخاري، الأنصاري (مطبوع) بذيل إرشاد الساري.

3 - العجب من أهل القرون الأولى كيف يوافقون معاوية في لعنه عليا (عليه السلام)؟ ولماذا لم ينهوه؟ وأين هم من قول الله * (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) *؟!

سورة آل عمران 110.

4 - العقد الفريد: 2 / 301 و 2 / 144. المستطرف: 1 / 54.

الصفحة 303
يشتمون عليا رضي الله عنه وأرضاه، ويقعون فيه... " (1).

وسمع عامر بن عبد الله بن الزبير ابنه ينال من علي (عليه السلام)، " فقال: يا بني إياك وذكر علي (رضي الله عنه) فإن بني أمية تنقصته ستين عاما، فما زاده الله بذلك إلا رفعة " (2).

قال ابن حجر عن علي (عليه السلام): " واتخذوا لعنه على المنابر سنة " (3).

وقال العقاد: " وإذا لم يرجح من أخبار هذه الفترة، إلا الخبر الراجح عن لعن علي على المنابر بأمر من معاوية، لكان فيه الكفاية لإثبات ما عداه، ما يتم به الترجيح بين كفتي الميزان " (4).

إننا نترك الحكم لله ورسوله - قارئنا العزيز - ولعلماء أهل السنة هذه المرة!

مر ابن عباس بقوم يسبون عليا (عليه السلام) فقال لقائده: أما سمعت هؤلاء ما يقولون؟

قال: سبوا عليا. قال: فردني إليهم. فرده فقال: أيكم الساب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قالوا:

سبحان الله، من سب رسول الله فقد كفر!! فقال: أيكم الساب لعلي؟ قالوا: أما هذا فقد كان قال ابن عباس: فأنا أشهد بالله لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله (5) اكبه الله على منخريه في النار " (6).

____________

1 - أسد الغابة: 1 / 134، وانظر الإصابة: 1 / 77.

2 - المحاسن والمساوي، البيهقي: 1 / 40، وراجع لعن معاوية عليا وأمره بذلك في صحيح الترمذي: 5 / 301. المستدرك على الصحيحين: 3 / 109. ترجمة الإمام من تاريخ دمشق: 1 / 206.

خصائص أمير المؤمنين، النسائي: ص 48 و 81. السنة: ابن أبي عاصم، 2 / 588. نظم درر السمطين: ص 107. كفاية الطالب، الكنجي الشافعي: ص 84 - 86، المناقب، الخوارزمي الحنفي: ص 59، وقعة صفين، نصر بن مزاحم: ص 92 و 82، شرح النهج، ابن أبي الحديد: 1 / 256 و 361. تذكرة الخواص: ص 63... ملحق المراجعات: 423.

3 - فضائل الصحابة من فتح الباري، تحقيق عبدالفتاح شيل: ص 142.

4 - معاوية في الميزان. وراجع شيخ المضيرة: ص 180، والغدير ج 10.

5 - خصائص النسائي: ص 24. الرياض النضرة: 2 / 219. وانظر المستدرك: 3 / 121 - 122. مسند أحمد: 6 / 323 وقد سبق لنا تخريج مثل هذا اللفظ.

الصفحة 304
إذن فهذه هي النتيجة: معاوية سب عليا، وسب علي يعني سب الرسول، وسب الرسول يعني سب الله، وسب الله يعني.. اسأل النص!! ومن أرعد وأبرق فليحاسب النص أو يسلم له!

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما يروي أهل السنة أنفسهم -: " من سب أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " (1).

إن عليا صحابي بالإضافة إلى أن معاوية قد سب هذا الصحابي يعني.. الحكم هو النص!

قال يحيى بن معين: " كل من شتم عثمان أو طلحة أو احدا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دجال!! لا يكتب عنه!! وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين!! " (2).

وقال القاضي أبو يعلى: " الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة، إن كان مستحلا لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلا فسق.. وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة بقتل من سب الصحابة!! ".

إذن كيف ترضون عن معاوية بعد أن سب سيد الصحابة؟!

وقال الذهبي: " فمن طعن فيهم - الصحابة - أو سبهم فقد خرج من الدين، ومرق من ملة المسلمين!!! " (3).

وقال ابن حجر: " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب الرسول، فاعلم انه زنديق!! " (4).

____________

1 - الكبائر، الذهبي: ص 235.

2 - تهذيب التهذيب: 1 / 509.

3 - الكبائر: ص 233.

4 - الإصابة: ص 17 و 18.

الصفحة 305

مجموعة جرائم لمعاوية:

كان معاوية يلبس الذهب والحرير (1)، ضاربا بذلك أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تحريمهما عرض الجدار. ولما مات علي (عليه السلام) قال معاوية: " الحمد لله الذي أمات عليا " (2). وكأن معاوية لم يسمع قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي " لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق " (3).

ودس معاوية السم للحسن بن علي (4)، والحسن سبط الرسول، وهو والحسين سيدا شباب أهل الجنة. " ولما بلغ معاوية موت الحسن خر ساجدا لله " (5).

وقتل كثيرا من الصحابة الأخيار مثل: عمرو بن الحمق الخزاعي، وحجر بن عدي، ومالك الأشتر (6).

ولما قتل محمد بن أبي بكر رضوان الله عليه، " ألقاه في جيفة حمار ثم أحرقه بالنار، فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا، وقنتت عليه في دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو " (7).

وقبل أن يموت معاوية، استخلف ابنه يزيد - وما أدراك ما يزيد هذا -، شارب الخمور، استخلفه على أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى كبار الصحابة، فقتل الحسين، ورمى الكعبة بالمنجنيق، واستباح المدينة لجيشه!!

____________

1 - سنن أبي داود: 2 / 186.

2 - البداية والنهاية.

3 - قريب منه في صحيح مسلم كتاب الإيمان، باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي من الإيمان.

4 - الاستيعاب: 1 / 141. تاريخ ابن عساكر: 4 / 229. طبقات ابن سعد.

5 - العقد الفريد: 2 / 298.

6 - عيون الأخبار، ابن قتيبة: 1 / 201. تاريخ الطبري: 6 / 54.

7 - تاريخ الطبري: 6 / 58 - 61. الكامل في التاريخ: 3 / 154. تاريخ ابن كثير: 7 / 313.

الصفحة 306

شهادات في معاوية:

رأى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا سفيان مقبلا على حمار ومعاوية يقود به، ويزيد ابنه يسوق، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " لعن الله القائد والراكب والسائق " (1) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " يطلع عليكم من هذا الفج رجل من أمتي، يحشر على غير ملتي " فطلع معاوية (2).

وهكذا كان يضع النبي علامات الاستفهام على هذا الخط الأموي بقيادة معاوية، ولتبقى أبد الآبدين منارا للباحثين.

وعن الحسن البصري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إذا رأيتم معاوية على منبري، فاقتلوه " فتركوا أمره، فلم يفلحوا ولم ينجحوا (3).

وقال الأسود بن يزيد: " قلت لعائشة: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخلافة؟ فقالت: وما تعجب من ذلك؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر، وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة، وكذلك غيره من الكفار " (4).

ومن كلام لعمار بن ياسر يوم صفين: " يا أهل الإسلام؟ أتريدون أن تنظروا إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما، وبغى على المسلمين، وظاهر المشركين، فلما أراد الله أن يظهر دينه وينصر رسوله اتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو والله فيما يرى راهب غير راغب، وقبض الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنا والله لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المحرم؟ ألا إنه معاوية،

____________

1 - و (5) تاريخ الطبري: 1 / 357.

3 - رواه البلاذري في تاريخه الكبير ورجاله رجال الصحاح. وأخرجه ابن حجر في تهذيب التهذيب:

7 / 324 بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري بطريق رجاله كلهم ثقات فراجع الغدير: 10 / 142. وروى هذا الحديث الطبري في تاريخه: 11 / 357. تاريخ الخطيب: 12 / 181. كنوز الحقائق، المناوي: ص 10.

شرح النهج: 1 / 348.

4 - تاريخ ابن كثير: 8 / 131 قال: أخرجه أبو داود الطيالسي وابن عساكر.

الصفحة 307
فالعنوه لعنه الله، وقاتلوه فإنه ممن يطفئ نور الله، ويظاهر أعداء الله " (1).

ووجه محمد بن أبي بكر رسالة إلى معاوية ومما جاء فيها: "... وأنت اللعين ابن اللعين لم تزل انت وابوك تبغيان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الغوائل، وتجهدان في إطفاء نور الله، تجمعان على ذلك الجموع، وتبذلان فيه المال، وتؤلبان عليه القبائل، وعلى ذلك مات أبوك، وعليه خلفته " (2).

وقال الحسن البصري: " أربع خصال كن في معاوية، لو لم تكن فيه منهن إلا واحدة، لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء، حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه من بعده، سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " الولد للفراش وللعاهر الحجر "، وقتله حجرا، ويلا له من حجر وأصحاب حجر. قالها مرتين " (3).

وروي عن الشافعي " أنه أسر إلى الربيع أن لا تقبل شهادة أربعة من الصحابة وهم: معاوية... " (4).

أما (فضائل) معاوية فكلها من أكاذيب المتزلفين الضالين. هذا إسحاق بن راهويه الذي يقول عنه البخاري: " ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند إسحاق " يقول: " لا يصح عن النبي في فضل معاوية شئ " (5).

وقد سئل النسائي عن فضائل معاوية فقال: لا أعلم له فضيلة إلا " لا أشبع الله

____________

1 - تاريخ الطبري: 6 / 7. الكامل في التاريخ: 3 / 136 - كتاب صفين، راجع الغدير: 2 / 163.

2 - مروج الذهب: 3 / 11.

3 - تاريخ ابن عساكر: 2 / 381. تاريخ الطبري: 6 / 157. الكامل في التاريخ: 4 / 209. تاريخ ابن كثير: 8 / 130. محاضرات الراغب: 2 / 214. النجوم الزاهرة: 1 / 141.

4 - تاريخ الطبري - حوادث سنة 51. ابن الأثير: 2023 - 209. ابن عساكر: 2 / 379.

5 - الموضوعات، ابن الجوزي. سير أعلام النبلاء: 3 / 132.

الصفحة 308
بطنه "، فقتله أهل دمشق لهذا (1).

وقال الشوكاني في فضائل معاوية: " وفيها تحقق على أنه لم يصح في فضائل معاوية حديث " (2).

معاوية مبلغ عن الله!!

هذا هو معاوية يعتبر من جملة الصحابة الذين يريد السلفية منا أن نتبعهم ونحبهم!

يشرب الخمر، يأكل الربا، يلبس الذهب والحرير، يلعن عليا (عليه السلام) ويقنت بذلك في صلاته وقد حمل الناس على لعنه، وسم الحسن بن علي (عليهما السلام) ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وخرج على الإمام الشرعي فتسبب بقتل مائة ألف إنسان... و... و...

فبأي شئ من سيرته نقتدي؟! أبشرب الخمر أم أكل الربا، أم قتل الأبرياء، أم سم الأولياء؟!!

ومع كل هذا نرى السلفية يترضون عنه، ويعدلونه، فنسأل الله ان يمتعنا بعقولنا.

إن الإنسان يقف حائرا أمام موقفهم هذا. فمتى حصل أن شرب العادل الخمر أو أكل الربا أو لبس الذهب والحرير أو سب أولياء الله أو سفك دماء الأبرياء؟! متى حدث ذلك وفي أي زمن وعلى أي كوكب؟!!

وعليك أن تصدق - عزيزي القارئ - بأن أهل السنة يأخذون الإسلام عن معاوية (3)؟! فهل نصدق بأن الله اختار معاوية - كما يزعمون - ليبلغ سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) للناس؟!

هل يختار الله شارب الخمر؟! هل يختار الله آكل الربا؟! هل يختار الله زعيم الفئة

____________

1 - سير أعلام النبلاء: 14 / 132.

2 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة.

3 - وصل إلينا عن معاوية 163 حديثا، راجع أسماء الصحابة الرواة: ص 55.

الصفحة 309
الباغية التي أمر بقتالها في قرآنه؟! هل يختار الله من يسبه ويسب رسوله؟! هل يختار الله من يلبس الذهب والحرير؟! هل يختار الله لحمل سنة نبيه من يقتل الأبرياء ويسم سيد شباب أهل الجنة؟ وهل... وهل... (1)؟! إني أعجب والله من الإنسان الذي يريد أن يفكر ليجيب عن هذه الأسئلة؟ أتحتاج هذه الأسئلة لجواب عند المسلم؟ ومع كل ذلك، من قال إن الله انتدب معاوية ليكون سفيرا له، وهذا من غير المعقول فإنا لله وإنا إليه راجعون!!

ولنقف قليلا عند هذه الأسئلة لنحدد مرجعيتنا بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). هذه أحاديث معاوية، منتشرة في كتب السنن، ويعمل بها. إذن فلنترك أحاديث معاوية والوليد والمغيرة وخالد وابن عمر... ونأخذ أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من منبعها الصحيح كما أمرنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك.

____________

1 - من أراد المزيد عن سيرة معاوية فليراجع كتاب الغدير الجزء العاشر فإن فيه الكثير مما يدهش المرء!

الصفحة 310

الصفحة 311

الفصل الثامن
أدلة أهل السنة على عدالة الصحابة


الصفحة 312

الصفحة 313
قال ابن حجر نقلا عن الكفاية للخطيب: " عدالة الصحابة معلومة، بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم. فمن ذلك قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وقوله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) وقوله: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم)، وقوله: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي عنهم ورضوا عنه) وقوله: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) وقوله: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم واموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) إلى قوله: (إنك رؤوف رحيم) وفي آيات كثيرة يطول ذكرها، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها " (1).

نظرة مجملة:

ونحن إذا نظرنا إلى هذه الآيات بموضوعية، لوجدنا أنها لا تفيد معنى ما ذكره ابن حجر عن عدالة الصحابة. فهناك الكثير من الآيات التي تتوعد الصحابة وتوبخهم.

فالاستدلال على عدالتهم بهذه الآيات مع التغافل عن تلك الآيات الذامة لهم، هو من قبيل الإيمان ببعض الكتاب (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) (2).

فالصحيح، هو: أن يدرس موضوع الصحابة في القرآن دراسة تتناول جميع الآيات التي تعرضت للصحابة، مدحتهم أو ذمتهم، ثم يتم الحكم عليهم.

____________

1 - الإصابة: 1 / 105.

2 - البقرة: 85.

الصفحة 314
وهنا نستطيع أن نقول: إن الآيات التي استدل بها ابن حجر على عدالة الصحابة، لا تدل على عدالتهم جميعا، فهو ينسب تعديل الصحابة إلى الله، مع ان الله ينقض هذه النظرية في قرآنه، وما أوحى إلى نبيه كحديث الحوض. وبالرغم من هذا: سنقف مع الآيات التي ذكرها آية آية.

أدلتهم من القرآن

1 - قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) (1).

نلاحظ أن قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) مقرون بما بعده (تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، فالأمة تكون خير أمة أخرجت للناس إذا أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، فإذا توقفت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنها تكون قد أسقطت نفسها عن موقعها " خير أمة "...

يقول العلامة محمد تقي الحكيم: " إن إثبات الأفضلية لهم على سائر الأمم كما هو مفاد أفعل التفضيل في كلمة (خير أمة) لا تستلزم الاستقامة لكل فرد منهم على كل حال، بل تكفي الاستقامة النسبية لأفرادها " (2).

وقال: " إن التفضيل الوارد فيها إنما هو بلحاظ المجموع - ككل - لا بلحاظ تفضيل كل فرد منها على كل فرد من غيرها لنلتزم لهم بالاستقامة على كل حال " و " أن مجرد العدالة لا يوجب كون كل ما يصدر عنهم من السنة، وإلا لعممنا الحكم إلى كل عادل سواء كان صحابيا أم غير صحابي لورود الحكم على العنوان كما هو الفرض " (3).

هناك أمر مهم في الآية وهو: إنها ليست مقتصرة على الصحابة، بل هي لجميع أمة

____________

1 - آل عمران: 110.

2 - الاصول العامة للفقه المقارن: ص 136.

3 - الاصول العامة للفقه المقارن: ص 136 - 137.

الصفحة 315
محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا كانت دالة على عدالة كل الصحابة، فيلزم منا القول على أنها تعني عدالة جميع أمة محمد! ولأن هذا غير حاصل في أمة محمد، فكذا في الصحابة!!

2 - قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (1).

لا أدري ما وجه الاستدلال بهذه الآية على عدالة الصحابة؟ ومع هذا نقول: إن الخطاب في الآية لأمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كلها بما فيها الصحابة. فإذا كانت الآية دالة على عدالة الصحابة، فهي أيضا دالة على عدالة جميع أفراد أمة محمد! وعدم دلالتها على عدالة جميع أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دليل على عدم عدالة جميع الصحابة!!

3 - قال تعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم) (2).

" وهذه الآية نزلت يوم صلح الحديبية، ولم يكن - آنذاك - كثير من الصحابة الذين يجلهم المسلمون اليوم - كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وأبي سفيان وكثير أمثالهم - قد دخلوا الإسلام بعد، بل كانوا في حرب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). فكيف تكون الآية دليلا على عدالة جميع الصحابة؟؟! " (3).

وكلمة " المؤمنين " في الآية تلك: حددت المرضي عنهم، فأخرجت كل من ليس بمؤمن، ممن حضر كعبدالله بن أبي، ومن على شاكلته.

وقد فهم من أوجب عدالة كل الصحابة من هذه الآية وغيرها من الآيات التي جاءت تترضى عن الصحابة المؤمنين، فهم منها: أن الله رضي عنهم أبد الآبدين - مهما عملوا -، ويبدو هذا: سببا من أسباب امتناع أهل السنة عن البحث في تاريخ الصحابة وتحليل شخصياتهم.

لكن هذا الفهم يرده القرآن، فرضا الله عنهم - حين بايعوا النبي - لايستلزم إطلاق

____________

1 - البقرة: 143.

2 - الفتح: 18.

3 - أبو هريرة في التيار، عبد الله السبيتي.

الصفحة 316
الرضا، فهذاالرضا عنهم مشروط على الاستقامة والوفاء بالبيعة. فحين قال الله تعالى:

(إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) (1)، عقب بقوله: (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) (2).

وهذا يدل على أن هناك من سوف ينكث بيعته، فالله يرضى عن عبده ويغضب عليه: حسب عمله، والصحابة لايخرجون من هذا القانون.

4 - (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) (3).

" وهذه الآية الكريمة لا تدل على عموم الصحابة، وإنما تدل على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وتدل على التابعين لهم " بإحسان "، وكان من حق الآية أن تكون هكذا " والذين اتبعوهم رضي الله عنهم " إلى آخره. فلفظة " بإحسان " تدل على أن هناك من يتبعهم لكن بغير إحسان، وهي مقيدة للإطلاق " (4).

5 - قال تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) (5).

إن المدح في هذه الآية للمؤمنين الذين اتبعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهي لا تعم جميع الصحابة حتى نقول بعد التهم، فماذا نفعل بالصحابة المنافقين؟ وماذا نفعل بالصحابة المرتدين؟ وماذا نفعل بالأعراب الذين بلغوا ثلاثين ألفا؟ فالله نفى عنهم صفة الإيمان (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا)، فأكثرهم غير مؤمنين فكيف نشركهم بالآية؟ وماذا نفعل بالصحابة الذين يساقون إلى النار ولا يبقى منهم إلا مثل همل النعم؟ فلو كانوا مؤمنين لما دخلوا النار، وهمل النعم هم المقصودون في الآية، لأن الله لا يمدح أهل النار!

____________

1 - و (2) الفتح: 10.

3 - التوبة: 100.

4 - أبو هريرة في التيار.

5 - الأنفال: 64.

الصفحة 317
6 - قال تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) (1).

هذه الآية والتي بعدها تعرضت للمهاجرين والأنصار فقط، والصحابة هم مائة وأربعة عشر ألف!! فهي - اذن - لا تدل على عدالتهم كلهم، فقد أخرجت الآية عددا هائلا من الصحابة، فكيف نستدل بها على عدالة جميع الصحابة؟!

تنبيه:

إن هذه الآيات التي مدحت الصحابة، وتلك التي يطول ذكرها - على حد تعبير ابن حجر - تشمل الصحابة الذين لم يحدثوا ويبدلوا. فكل الآيات والأحاديث التي أرصدها أهل السنة لإثبات عدالة الصحابة، مخصصة بحديث الحوض المتواتر، هذا الحديث الذي رواه جميع المحدثين ومنهم البخاري ومسلم: ينص على أن الصحابة يساقون إلى النار، ولا يخلص منهم إلا مثل همل النعم.

فيجب دراسة تلك الأدلة مع هذا الحديث، لأن الكتاب والسنة بناء واحد، وإذا أردنا أن نعرف شيئا بعد قطع جزء منه - حديث الحوض - فمعرفتنا هذه مبتورة، وستكون رؤيته غير واضحة، وسيكون على النتيجة غبار!!

أدلتهم من السنة

يستدل البعض على عدالة الصحابة بما يروون عن الرسول أنه قال: " أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم ".

وهذا الحديث لا يصح عند أهل السنة أنفسهم. يقول ابن تيمية: " وحديث أصحابي كالنجوم، ضعفه أئمة الحديث، فلا حجة فيه " (2).

____________

1 - الحشر: 8.

2 - المنتقى، الذهبي: ص 551.

الصفحة 318
وقال الألباني فيه: " موضوع "، وقال ابن عبد البر عن إسناده " هذا إسناد لا تقوم به حجة "، وقال ابن حزم: " هذه رواية ساقطة.. "، وقال أحمد: " لا يصح هذا الحديث " كما في المنتخب لابن قدامة 10 / 199 ح 2 " (1). وقال الألباني في موضع آخر عنه: " بل هو حديث باطل " (2). ويقول ابن حزم أيضا: " فقد ظهر أن هذه الرواية لا تثبت أصلا، بلا شك إنها مكذوبة " (3). وقال الشوكاني فيه: " فهذا مما لم يثبت قط " (4).

ومتن الحديث يدل على أنه موضوع. فكيف يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أصحابي كالنجوم... فيأمر أصحابه بالاقتداء بأصحابه؟!

واستدلوا على عدالة الصحابة بقول الرسول: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ ".

ولو صح صدور هذا القول منه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لكان الخلفاء الراشدون معصومين، لأن النص يأمرنا بمتابعتهم على الإطلاق.

والخلفاء الأربعة خالف بعضهم بعضا، ومعنى هذا: أن النص يأمرنا بالتعبد بالمتناقضين، فالإمام علي حين عرضوا عليه الخلافة بشرط أن يسير بسيرة الشيخين، رفض ذلك، وقبل عثمان هذا الشرط، لكنه خالفه، فثار الناس عليه وقتلوه، وحين بايعوا الإمام عليا خالف عثمان في سيرته.

وكذلك ساوى أبو بكر في العطاء، وخالفه عمر. وأبو بكر يرى أن خالدا متأول، لا يقام عليه الحد وإن قتل وزنى، وخالفه عمر. وعمر منع المتعتين، ولم يمنعهما أبو بكر ولا علي... فلو صح الحديث، لوجب علينا أن نقيم الحد على الزاني وندفعه عنه في

____________

1 - سلسلة الأحاديث الضعيفة: 1 / 78 - 79 ح 61.

2 - شرح العقيدة الطحاوية: ص 530.

3 - الإحكام: 6 / 244.

4 - إرشاد الفحول: ص 243.

الصفحة 319
الوقت نفسه، و... نعطيه أجرا!! ولوجب أن نتم الصلاة في السفر اقتداءا بعثمان، ونقصر اقتداءا بغيره!!

ومع كل هذا فالنص محدد بالخلفاء الأربعة، ولا يمكن تعميمه على مائة وأربعة عشر ألف صحابي، ولذلك، فهو لا يسعفنا في إثبات عدالة كل الصحابة؟!

واستدلوا بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): " خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ".

" إن الخيرية باعتبار المجموع، وليس باعتبار الأفراد، فليس معنى قولنا: العرب حملوا رسالة الإسلام، أن كل واحد منهم حملها، بل إن هناك من وقف في وجهها وحاربها وقتل المؤمنين بها. فكذلك قوله: خير الناس قرني، ليس نصا في الأفراد، حتى نجمد عليه " (1).

وذهب ابن عبد البر إلى أن الخيرية ثابتة لمجموع المسلمين في تلك العصور الثلاثة، أما الأفراد فقد لا تنطبق الخيرية على بعض منهم، بل قد يأتي فيمن بعدهم من هو أفضل منهم (2).

والخيرية هنا كالخيرية في قول الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). فالخيرية في الحديث مقرونة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقرآن والسنة يفسر بعضهما بعضا.

وكما أمر أهل القرون الأولى بالمعروف ونهوا عن المنكر فقد أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف، ولا ينكر هذا إلا معاند.

فالدعوة للخروج على الإمام الشرعي العادل، دعوة للمنكر. وسن سب الإمام علي، واستمرار ذلك نحو ستين سنة بمرأى ومسمع من أهل القرون الأولى لهو المنكر.

____________

1 - شبهات حول الشيعة، عباس الموسوي: ص 116.

2 - فتح الباري: 7 / 4.

الصفحة 320
ولو أردنا أن نستوعب هنا تسجيل المنكرات والرزايا التي حدثت في القرن الأول، لاحتجنا في ذلك إلى تأليف مجلدات، ولكننا نوجز بعضها.

بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ارتد قسم كبير من الصحابة، وقتل مالك بن نويرة وقومه المسلمون، وفي هذا القرن تم اغتيال عمر بن الخطاب، وقامت فتنة بين عثمان والصحابة أدت إلى قتله بأيديهم. وما أن قام علي (عليه السلام) بالأمر حتى نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون. فقتل في حرب الجمل ثلاثون ألف نفس - في خير القرون -! وقتل في صفين مائة ألف - في خير القرون -! ثم كانت النهروان فقتل الآلاف فيها - في خير القرون -! وكل هذه الحروب بين أهل القرن المشهود لهم بالخيرية!! وفي هذا القرن قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وسم ابنه الحسن (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقتل الكثير من الصحابة الأجلاء (1) على يد معاوية. وكل هذا الشر المتدفق، كان في خير القرون!!

وفي خير القرون كانت المصيبة العظمى، ألا وهي قتل الحسين (عليه السلام) وأهل بيته في كربلاء، حتى أن الرضع حصلوا على نصيب من هذه الخيرية المزعومة!! فكان نصيب رضيع الحسين سهما في نحره. بعد ذلك يحمل رأس الحسين على رمح من كربلاء إلى الشام.

" ذكر غير واحد انهم لما ساروا بالرأس الشريف إلى يزيد بن معاوية، نزلوا في الطريق بدير ليقيلوا به، فوجدوا مكتوبا على بعض جدرانه:

أترجو أمة قتلت حسينا * شفاعة جده يوم الحساب

وفي الخطط للمقريزي ما نصه: لما قتل الحسين بكت السماء وبكاؤها حمرتها " (2).

وتقاد نساء بيت النبوة وموضع الرسالة، أسارى. وكأن ما جرى لأهل بيت النبوة هو أجر الرسالة (قل لا اسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (3)!

____________

1 - راجع نور الأبصار: الشبلنجي الشافعي، ص 147.

2 - الشورى: 23.