الصفحة 516

3 - سأله رجل عن السنة والبدعة والفرقة والجماعة. فقال (عليه السلام): أما السنة فسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأما البدعة فما خالفها. وأما الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا وأما الجماعة فأهل الحق وإن قلوا.

4 - كل وعاء يضيق بما جعل فيه إلا وعاء العلم فإنه يتسع.

5 - إعجبوا لهذا الإنسان، ينظر بشحم، ويتكلم بلحم، ويسمع بعظم، ويتنفس من خرم.

6 - إعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل.

7 - روي أن الإمام عليا (عليه السلام) نظر إلى الماء ينزل من الأعلى إلى الأسفل فقال: لو شئت لجعلت من هذا الماء نورا.

والمقصود بالنور هنا الكهرباء! وهذا من مخزون علم النبوة.

8 - كان (عليه السلام) مع بعض أصحابه في منطقة الظهران في الحجاز. فوقف في مكان فيه الرمل، فجعل يجر الرمل وينحيه وينظر في الأرض ما تحت الرمل.

فقال له بعض أصحابه: لماذا تفعل ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال (عليه السلام): إن في هذا المكان عينا من النفط. قيل: وما هو النفط؟ قال (عليه السلام): عين تشبه الزيت، لو أخرجتها من هذا المكان لأغنيت جميع العرب منها.


الصفحة 517

الإمام الحسن بن علي (المجتبى) عليه السلام
(3 هـ‍ - 50 هـ‍)

أبوه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمه فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وجده سيد الخلق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخوه الحسين، وهو الإمام الثاني من الأئمة الاثني عشر، وفضله أشهر من أن يذكر.

كانت صحيفة آل البيت والتي تحوي السنة النبوية عند الحسن بن علي. قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: " سألت الحسن بن علي عن قول علي في الخيار، فدعا بربعة، فأخرج منها صحيفة صفراء مكتوب فيها قول علي في الخيار " (1).

خطب الحسن (عليه السلام) بالناس بعد وفاة أبيه فقال: " نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسوله الأقربون، وأهل بيته الطيبون الطاهرون، وأحد الثقلين اللذين خلفهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمته، فقال: " إني تارك فيكم كتاب الله وعترتي ". والتالي كتاب الله، فيه تفصيل كل شئ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمعول علينا في تفسيره، لا نتظنى تأويله بل نتيقن حقائقه. فأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله عز وجل ورسوله مقرونة ".

وقال: " أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل بيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا " (2).

____________

1 - دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، محمد الأعظمي.

2 - منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل، عباس القمي: 1 / 427. المستدرك، الحاكم: 3 / 172. مقاتل الطالبيين: ص 34 - 35. إعلام الورى: ص 208. تحف العقول: ص 232.

الصفحة 518
كتب الحسن بن أبي الحسن البصري إلى أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام): أما بعد فإنكم معشر بني هاشم، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، والأعلام النيرة الشاهرة، أو كسفينة نوح (عليه السلام) التي نزلها المؤمنون ونجا فيها المسلمون. كتبت إليك يابن رسول الله، عند اختلافنا في القدر، وحيرتنا في الاستطاعة، فأخبرنا بالذي عليه رأيك ورأي آبائك (عليهم السلام)، فإن من علم الله علمكم، وأنتم شهداء على الناس، والله الشاهد عليكم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

فأجابه الحسن (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم وصل إلي كتابك، ولولا ما ذكرته من حيرتك وحيرة من مضى قبلك إذن ما أخبرتك، أما بعد فمن لم يؤمن بالقدر خيره وشره أن الله يعلمه، فقد كفر. ومن أحال المعاصي على الله فقد فجر. إن الله لم يطع مكرها، ولم يعص مغلوبا... " (1).

أما قضية صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية، فلا تسعها هذه الأسطر، وما نود قوله هو: إن الإمام اضطر إلى الصلح اضطرارا، فأغلب جيشه كانوا من الخوارج وأهل النفاق والطامعين والأعراب... واستطاع معاوية ان يشتري الكثير منهم. فلم يبق مع الإمام إلا قلة قليلة. فكان الإمام أمام خيارين إما أن يصالح أو يقاتل. ولو اختار القتال لما بقي لآل البيت وشيعته وجود، قال (عليه السلام): " والله، ما سلمت الأمر إلى معاوية، إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري، حتى يحكم الله بيني وبينه " (2).

وقد اشترط الحسن (عليه السلام) في الصلح، أن تعود الخلافة له إذا مات معاوية، وإذا مات الحسن تعود للحسين (عليه السلام).

____________

1 - تحف العقول: ص 231.

2 - الاحتجاج وراجع صلح الإمام الحسن في كتب الإمامية.

الصفحة 519

من أقوال الإمام:

1 - من اتكل على حسن الاختيار من الله له، لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له.

2 - ما صدنا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنما كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في مسيركم إلى صفين دينكم أمام دنياكم، فأصبحتم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنا لكم كما كنا، ولستم كما كنتم لنا.

3 - إعلموا أن الحكمة زين، والوقار مروءة، والصلة نعمة، والإكثار صلف، والعجلة سفه، والسفه ضعف، والفلق ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شين، ومجالسة أهل الفسوق ريبه.

4 - بالعقل تدرك الداران جميعا، ومن حرم العقل حرمهما جميعا.


الصفحة 520

الحسين بن علي (الشهيد) عليه السلام
(4 هـ‍ - 61 هـ‍)

" السيد الإمام أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) ابن بنت رسول الله، وريحانته، وابن أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ونشأة بيت النبوة له أشرف نسب، وأكمل نفس، جمع الفضائل ومكارم الأخلاق،...

وكان إذا أقام بالمدينة أو غيرها مفيدا بعلمه، مهذبا بكريم أخلاقه، مؤدبا ببليغ بيانه، سخيا بماله، متواضعا للفقراء...

لقد كان الحسين في وقت علم المهتدين، ونور الأرض، فأخبار حياته فيها هدى للمسترشدين بأنوار محاسنه، المقتفين آثار فضله " (1).

وقال العقاد في الحسين (عليه السلام): " وقد تعلم في صباه خير ما يتعلمه أبناء زمانه من فنون العلم والأدب والفروسية، وإليه يرفع كثير من المتصوفة وحكماء الدين نصوصهم التي يعولون عليها ويردونها إلى علي بن أبي طالب (رضي الله عنه).

وقد أوتي ملكة الخطابة من طلاقة لسان، وحسن بيان، وغنة صوت، وجمال إيماء...

وقد أخذ نفسه بسمت الوقار في رعاية أسرته ورعاية الناس عامة.. فهابه الناس، وعرف معاوية عنه هذه المهابة، فوصفه لرجل من قريش ذاهب إلى المدينة

____________

1 - هذا كلام السيد علي جلال المصري راجع الشيعة في الميزان: ص 222 عن الأعيان. وهناك لطيفه لأبي يعقوب السجستاني الإسماعيلي. قال عن أبي بكر وعمر إن الحسن والحسين (عليهما السلام): " سيديهم شاءا أم أبيا، ولأن السيد هو المطاع لا المطيع فوجب أن تلزمهم طاعة الحسن والحسين ولا تلزم الحسن والحسين طاعتهم لأنهما إمامان وسيدا شباب أهل الجنة " أنظر كتابه الافتخار: ص 72، تحقيق مصطفى غالب.

الصفحة 521
فقال: اذا دخلت مسجد رسول الله فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رؤوسهم الطير، فتلك حلقة أبي عبد الله، مؤتزرا إلى أنصاف ساقيه...

أما عاداته في معيشته، فكان ملاكها لطف الحسن، وجمال الذوق، والقصد في تناول كل مباح. كان يحب الطيب والبخور، ويأنق للزهر والريحان..

وروى أنس بن مالك أنه كان عنده، فدخلت عليه جارية بيدها طاقة من ريحان، فحيته بها. فقال لها: " أنت حرة لوجه الله تعالى " فسأله أنس متعجبا: جارية تجيئك بطاقة ريحان فتعتقها؟ قال: " كذا أدبنا الله.. قال تبارك وتعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) (1).. وكان أحسن منها عتقها "..

وقد عاش سبعا وخمسين سنة بالحساب الهجري، وله من الأعداء من يصدقون ويكذبون... فلم يعبه أحد منهم بمعابة ولم يملك أحد منهم أن ينكر ماذاع من فضله، حتى حار معاوية بعيبه حين استعظم جلساؤه خطاب الحسين له " (2).

وقبل خروج الحسين (عليه السلام) ثائرا ضد يزيد، أوصى أخاه محمد بن الحنفية فقال:

"... وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين " (3).

وخطب الحسين (عليه السلام) حين خرج إلى العراق فقال: " خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى الله رضانا

____________

1 - النساء: 86.

2 - راجع المجموعة الكاملة لعباس محمود العقاد، المجلد الثاني، الحسين أبو الشهداء: ص 191 - 196.

3 - نفس المهموم: ص 25.

الصفحة 522
أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجر الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته، وهي مجموعة في حظيرة القدس، تقر بهم عينه، وينجز بهم وعده. من كان باذلا فينا مهجته، وموطنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا " (1).

ويصل الحسين (عليه السلام) كربلاء، فيلتقي أهل الحق مع أهل الباطل، الخط الرسالي مع الخط الطاغوتي. وتسيل الدماء الزاكيات، دماء أهل بيت النبوة، وتختلط بتربة كربلاء لتسقي شجرة الإسلام فتبعث فيها الحياة، بعد أن كاد يقتلها الجرثوم الأموي. وتتحول هذه الدماء مع مرور الزمن إلى مشعل ومزود للأحرار، فيمرون على كربلاء ويتعلمون منها روح التضحية والفداء، ويستلهمون منها الدروس والعبر. ما أكثر الشهداء على مر التاريخ، ولكنهم أحياء عند ربهم يرزقون، أما الحسين فحي في الدارين.

من أقوال الإمام:

1 - قال لأصحابه ليلة العاشر من محرم:... إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل، ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل فاتخذوه جملا، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فإن القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني للهوا عن طلب غيري.

2 - قال يوم العاشر: ألا وإن الدعي - يزيد - ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وانوف حمية، ونفوس أبية، وأن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.

3 - الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درت معائشهم، فإذا محصوا بالبلاء، قل الديانون.

4 - موت في عز، خير من حياة في ذل.

5 - من دلائل العالم انتقاده لحديثه، وعلمه بحقائق فنون النظر.

____________

1 - نفس المهموم: ص 100.

الصفحة 523

الإمام علي بن الحسين (السجاد) عليه السلام
(38 هـ‍ - 95 هـ‍)

الإمام الرابع من أئمة آل البيت، شهد كربلاء، لكنه كان مريضا فحفظ الله به نسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وبقيت مأساة كربلاء تعيش مع الإمام (عليه السلام). عن جعفر بن محمد: سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه، فقال: لا تلوموني، فإن يعقوب فقد سبطا من ولده، فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم أنه مات، ونظرت أنا إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي ذبحوا في غداة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا (1)؟

وفي طبقات ابن سعد بسنده إلى المنهال قال: دخلت على علي بن الحسين، فقلت:

كيف أصبحت أصلحك الله؟ فقال: ما كنت أرى شيخا من أهل المصر مثلك، لا يدري كيف أصبحنا، فأما إذ لم تدر أو تعلم فأنا أخبرك: أصبحنا في قومنا بمنزلة بني أسرائيل في آل فرعون!! إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأصبح شيخنا وسيدنا يتقرب إلى عدونا بشتمه أو سبه على المنابر، وأصبحت قريش تعد أن لها الفضل على العرب، لأن محمدا منها لا يعد لها فضل إلا به، وأصبحت العرب مقرة لهم بذلك، فلئن كانت العرب صدقت أن لها الفضل على العجم، وصدقت قريش أن لها الفضل على العرب لأن محمدا منها، إن لنا أهل البيت الفضل على قريش لأن محمدا منا، فأصبحوا يأخذون بحقنا ولا يأخذون لنا حقا، فهكذا أصبحنا إذا لم تعلم كيف أصبحنا! قال: فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت " (2).

____________

1 - حلية الأولياء: 3 / 138. تهذيب الكمال في أسماء الرجال الحافظ المزي: 20 / 399.

2 - هذه صورة واضحة عن حال أبناء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خير القرون!! فراجع كلامه في طبقات ابن سعد:

5 / 113. تهذيب الكمال: 20 / 399 - 400.

الصفحة 524
وروي " أن علي بن الحسين (عليه السلام) كان يذكر حال من مسخهم الله قردة من بني إسرائيل ويحكي قصتهم، فلما بلغ آخرها قال: إن الله تعالى مسخ أولئك القوم لاصطيادهم السمك، فكيف ترى عند الله عزوجل يكون حال من قتل أولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهتك حريمه؟! إن الله تعالى وإن لم يمسخهم في الدنيا فإن المعد لهم من عذاب الآخرة أضعاف أضعاف من عذاب المسخ " (1).

لقد كان علي بن الحسين (عليه السلام) إمام زمانه، وكانت وصايا الإمامة عنده. ورد عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): " إن الحسين لما سار إلى العراق استودع أم سلمة (2) الكتب والوصية فلما رجع علي بن الحسين دفعتها إليه " (3).

وشهادات علماء الإسلام لزين العابدين كثيرة ونحن نورد بعضا منها.

" عن العيزار بن حريث قال: كنت عند ابن عباس وأتاه علي بن الحسين فقال:

مرحبا بالحبيب ابن الحبيب " (4).

قال ابن سعد فيه: " وكان ثقة مأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا ورعا. قال ابن عيينة، عن الزهري: ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين " (5).

وقال ابن عيينة، عن الزهري أيضا: ما رأيت أحدا كان أفقه منه. وقال ابن وهب عن مالك: لم يكن في أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل علي بن الحسين (6).

ويروى أن سعيد بن المسيب قال: ما رأيت أورع منه. وقال العجلي: مدني، تابعي، ثقة (7).

____________

1 - الاحتجاج: 2 / 40.

2 - إعلام الورى: ص 252. مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب الجزء الثالث.

3 - طبقات ابن سعد: 5 / 109.

4 - تهذيب التهذيب: 7 / 269. طبقات الحفاظ، السيوطي: ص 37.

5 - تهذيب التهذيب: 7 / 269. صفوة الصفوة: 2 / 99.

6 - المصدر السابق.

الصفحة 525
وقال مصعب الزبيري، عن مالك: ولقد أحرم علي بن الحسين فلما أراد أن يقول لبيك قالها فأغمي عليه حتى سقط من ناقته فهشم. ولقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات. وكان يسمى زين العابدين لعبادته (1).

وقال عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه: ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين ولا أفقه منه (2).

وقال له نافع بن جبير: إنك سيد الناس وأفضلهم (3).

قال جرير بن عبد الحميد عن عمرو بن ثابت: لما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثرا، فسألوا عنه، فقالوا: هذا ما كان ينقل الجرب بالليل على ظهره إلى منازل الأرامل (4).

وقال جرير أيضا عن شيبة بن نعامة: كان علي بن الحسين يبخل، فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت بالمدينة (5).

وقال فيه الشافعي: هو أفقه أهل المدينة.

وقال الواقدي: كان من أورع الناس، وأعبدهم، واتقاهم لله عز وجل، وكان إذا مشى لا يخطر بيديه (6).

سأل عمر بن عبد العزيز وقد قام عنده علي بن الحسين (عليه السلام): من أشرف الناس؟

فقالوا له: أنتم. فقال: كلا، فإن أشرف الناس هذا القائم من عندي آنفا، من أحب الناس أن يكونوا منه، ولم يحب أن يكون من أحد.

____________

1 - تهذيب التهذيب: 7 / 269. صفوة الصفوة: 2 / 99.

2 - تهذيب الكمال: 2 / 387. تذكرة الخواص: ص 186.

3 - صفوة الصفوة: 2 / 98. كشف الغمة: ص 199.

4 - تهذيب الكمال: 20 / 392.

5 - المصدر السابق.

6 - البداية والنهاية: 9 / 104.

الصفحة 526
ولما أخبر عمر بن عبد العزيز بوفاة زين العابدين قال: ذهب سراج الدين، وجمال الإسلام، وزين العابدين.

وقال عنه الفقيه ابن حجر: هذا هو الذي خلف أباه علما وزهدا وعبادة (1).

وقال فيه ابن الصباغ المالكي المكي: وأما لقبه (عليه السلام) فله ألقاب كثيرة كلها تطلق عليه، أشهرها: زين العابدين (عليه السلام)، وسيد الساجدين (عليه السلام)، والزكي، والأمين، وذو الثفنات...

أما مناقبه (عليه السلام) فكثيرة ومزاياه شهيرة (2).

وقال فيه الشيخ أبو زهرة: وقد كان زين العابدين فقيها كما كان محدثا، وكان له شبه بجده علي بن أبي طالب في قدرته على الإحاطة بالمسألة الفقهية من كل جوانبها والتفريع عليها (3).

وقال فيه الأستاذ عبد العزيز سيد الأهل: " وزين العابدين علي بن الحسين السجاد ليس في حاجة لأن أجلوه للناس أو - على الأقل - للعارفين به أكثر من معرفتي به، ولكن الذي كان في حاجة لأن يمجد، وأن يستعلي، إنما هو قلمي ودفتري، ومدادي، من حيث أخذت بهذه الأدوات أنظم في سيرة هذا البطل نظما جديدا، ربما أعجب عصرنا، وانساق في تياره، ولئن حق لشئ أن يفخر، فقد حق للقلم الذي ينظم سيرته أن يمجد ويستعلي وأن يعتز على المداد والأقلام " (4).

وقد قال فيه الفرزدق قصيدة رائعة في محضر هشام بن عبد الملك نختار منها بعض الأبيات:

____________

1 - الصواعق المحرقة: 2 / 582.

2 - الفصول المهمة في معرفة الأئمة.

3 - الإمام زيد: ص 31.

4 - الإمام زين العابدين: ص 4.

الصفحة 527

هذا ابن خير عباد الله كلهم * هذا التقي النقي الطاهر العلم
مشتقة من رسول الله نبعته * طابت عناصرها والخيم والشيم
يستدفع السوء والبلوى بحبهم * ويستزاد به الإحسان والنعم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم * في كل حكم ومختوم به الكلم
إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
من يعرف الله يعرف أولية ذا * فالدين من بيت هذا ناله الأمم
ما قال لا قط إلا في تشهده * لولا التشهد كانت لاؤه نعم (1)

وقد ترك لنا السجاد (عليه السلام) رسالة تعرف ب‍ (رسالة الحقوق) كما ترك لنا ثروة روحية عظيمة في صحيفته السجادية من خلال الأدعية والمناجات وسنذكر شيئا منها في أقواله.

من أقوال الإمام:

1 - يا أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح حبكم حتى صار علينا عارا وفي رواية: حتى بغضتمونا إلى الناس (2).

2 - قيل لعلي بن الحسين: إن فلانا ينسبك إلى أنك ضال مبتدع فقال له: ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أديت حقي حيث ابلغتني عن أخي ما

____________

1 - قال أبو زهرة: " لقد روت كتب التاريخ والسير والأدب هذه القصيدة منسوبة إلى الفرزدق الشاعر، ولم يتشكك الرواة والمؤرخون في نسبتها إليه، وأكثر كتب الأدب لم تثر عجاجة شك حولها " الإمام زيد.

وراجعها في تهذيب الكمال: 20 / 400 - 402. حلية الأولياء: 3 / 139. الأغاني، أبي الفرج:

15 / 325. ديوان الفرزدق.

2 - تهذيب الكمال: 20 / 387. حلية الأولياء: 3 / 136. ابن سعد: 5 / 214. سير أعلام النبلاء: 4 / 389.

الصفحة 528
لست أعلمه. إن الموت يعمنا، والبعث يحشرنا، والقيامة موعدنا، والله يحكم بيننا.. إياك والغيبة، فإنها إدام كلاب النار.

3 - قيل لعلي بن الحسين: من أعظم الناس خطرا؟ قال: من لم ير الدنيا لنفسه خطرا (1).

4 - وله من دعاء أبي حمزة الثمالي: "... فوعزتك يا سيدي لو انتهرتني ما برحت من بابك، ولا كففت عن تملقك، لما انتهى إلي من المعرفة بجودك... يا غفار، بنورك اهتدينا وبفضلك استغنينا، وبنعمتك أصبحنا وأمسينا، ذنوبنا بين يديك، نستغفرك اللهم منها ونتوب إليك، تتحبب إلينا بالنعم ونعارضك بالذنوب، خيرك إلينا نازل وشرنا إليك صاعد...

أنت إلهي أوسع فضلا وأعظم حلما من أن تقايسني بفعلي وخطيئتي، فالعفو العفو العفو، سيدي سيدي سيدي... فما لي لا أبكي، أبكي لخروج نفسي، أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إياي، أبكي لخروجي من قبري عريانا ذليلا حاملا ثقلي على ظهري...

إلهي ارحمني إذا انقطعت حجتي، وكل عن جوابك لساني، وطاش عند سؤالك إياي لبي، فيا عظيم رجائي لا تخيبني إذا اشتدت فاقتي...

وارحمني صريعا على الفراش تقلبني أيدي أحبتي، وتفضل علي ممدودا على المغتسل يقلبني صالح جيرتي، وتحنن علي محمولا قد تناول الأقرباء أطراف جنازتي، وجد علي منقولا قد نزلت بك وحيدا في حفرتي، وارحم في ذلك البيت الجديد غربتي، حتى لا أستأنس بغيرك... " (2).

____________

1 - تهذيب الكمال: 20 / 398. عيون الأخبار، ابن قتيبة: 1 / 331.

2 - مفاتيح الجنان، عباس القمي والدعاء من ص 250 - 263 ومثله الكثير!

الصفحة 529

الإمام محمد بن علي (الباقر) عليه السلام
(57 هـ‍ - 114 هـ‍)

الإمام الخامس من الأئمة الاثني عشر، تسلم مقاليد الإمامة بعد أبيه. " كانت لديه كتب، وهي التي كانت في حوزة ابنه جعفر فيما بعد " (1).

وهكذا تنقل الكتب التي كانت بحوزة آل البيت (عليهم السلام) من إمام إلى إمام. وكفى هذا الإمام فخرا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث له سلاما مع جابر بن عبد الله الأنصاري.

يقول ابن حجر عن زين العابدين: " وارثه منهم - أبناءه - عبادة وعلما وزهادة (أبو جعفر الباقر) سمي بذلك: من بقر الأرض أي شقها وأثار مخبآتها ومكامنها، فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه: هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه. صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة، وكفاه شرفا أن ابن المديني روى عن جابر أنه قال له وهو صغير: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسلم عليك. فقيل له وكيف ذاك قال: كنت جالسا عنده والحسين في حجره وهو يداعبه، فقال: " يا جابر يولد له مولود اسمه محمد... فإن أدركته يا جابر فأقرئه مني السلام " (2).

____________

1 - التهذيب: 2 / 104.

2 - الصواعق المحرقة: 2 / 585 - 586، وذكر سلام النبي على الباقر ابن قتيبة في عيون الأخبار: 1 / 212، ابن عساكر: 15 / 352. الذهبي في السير: 4 / 404. اليعقوبي في تاريخه: 3 / 61. سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 347. ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة: 193. الشبلنجي في نور الأبصار: 143.

الصفحة 530
وفي روايات الإمامية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لجابر: " يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا لي من الحسين يقال له محمد يبقر علم الدين بقرا، فإذا لقيته فأقرئه مني السلام " (1).

وقد عظم علماء الإسلام الباقر أي تعظيم. يقول عنه عبد الله بن عطاء المكي - أحد أعلام التابعين - " ما رأيت العلماء عند أحد قط، أصغر منهم عند أبي جعفر محمد ابن علي ابن الحسين، ولقد رأيت الحكم بن عتيبة - مع جلالته في القوم - بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه! " (2).

قال محمد بن المنكدر: " ما رأيت أحدا يفضل على علي بن الحسين، حتى رأيت ابنه محمدا، أردت يوما أن أعظه فوعظني " (3)!

قال أبو نعيم: " ومنهم الحاضر الذاكر، الخاشع الصابر، أبو جعفر محمد بن علي الباقر، كان من سلالة النبوة، وممن جمع حسب الدين والأبوة، وتكلم في العوارض والخطرات، وسفح الدموع والعبرات، ونهى عن المراء والخصومات " (4).

وقال ابن سعد في طبقاته: " انه كان عالما عابدا، ثقة، روى عنه أبو حنيفة وغيره من أعلام الأمة. وقال أبو يوسف: قلت لأبي حنيفة: لقيت محمد بن علي؟ قال: نعم، وسألته يوما فقلت له: أراد الله المعاصي؟ فقال: أفيعصى الله قهرا؟ قال أبو حنيفة: فما رأيت جوابا أفحم منه ".

وجاء في تهذيب التهذيب: " روى - الباقر - عن أبيه، وجديه الحسن والحسين، وجد أبيه علي بن أبي طالب مرسلا. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال العجلي:

مدني، تابعي، ثقة. وقال ابن البرقي: كان فقيها فاضلا. وذكره النسائي في فقهاء أهل

____________

1 - الإرشاد، الشيخ المفيد: 2 / 159.

2 - المصدر السابق: ص 160. حلية الأولياء: 3 / 186. مختصر تاريخ دمشق: 23 / 79.

3 - تهذيب التهذيب: 9 / 313.

4 - الحلية: 3 / 180، وراجع البداية والنهاية، ابن كثير: 9 / 309.

الصفحة 531
المدينة من التابعين " (1).

وقال النووي فيه: " وهو تابعي جليل، إمام بارع، مجمع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم " (2).

وقال فيه ابن العماد الحنبلي: " كان من فقهاء أهل المدينة، وقيل له الباقر، لأنه بقر العلم، أي شقه وعرف أصله وتوسع فيه... وله كلام نافع في الحكم والمواعظ " (3).

قال محمد بن طلحة الشافعي: " هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، ومتفوق دره وراضعه، ومنمق درره وراصعه. صفا قلبه، وزكا عمله، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه، وظهرت عليه سمات الازدلاف وطهارة الاجتباء، فالمناقب تسبق إليه، والصفات تشرف به " (4).

قال ابن خلكان: " كان الباقر عالما سيدا كبيرا، وإنما قيل له الباقر لأنه تبقر في العلم " (5).

قال الصبان الشافعي: " وأما محمد الباقر (رضي الله عنه) فهو صاحب المعارف واللطائف، ظهرت كراماته، وكثرت في السلوك إشاراته " (6).

قال المناوي: " وله من الرسوخ في مقام العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف يعجز عن حكايتها الواصف. فمن كلامه:

الصواعق تصيب المؤمن وغيره، ولا تصيب ذاكر الله عز وجل. وقال: ما دخل قلب امرئ شئ من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله منه أو أكثر...

____________

1 - تهذيب التهذيب: 9 / 312.

2 - تهذيب الأسماء واللغات: 1 / 87.

3 - أسد حيدر، نقلا عن شذرات الذهب: 1 / 49.

4 - المصدر السابق عن مطالب السؤول: 2 / 50.

5 - وفيات الأعيان: 4 / 174.

6 - إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص 250.

الصفحة 532

من أخبار الإمام:

في حلية الأولياء: " أن رجلا سأل ابن عمر عن مسألة فلم يدر ما يجيبه، فقال:

إذهب إلى ذلك الغلام - وأشار إلى الباقر - فسله، وأعلمني بما يجيبك. فسأله، وأجابه، فأخبر ابن عمر، فقال: إنهم أهل بيت مفهمون " (1).

دخل على الإمام الباقر رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر، أي شئ تعبد؟

فقال (عليه السلام): الله. قال الرجل: رأيته؟ قال: بلى، لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، لا يعرف بالقياس، ولا يدرك بالحواس، ولا يشبه الناس، موصوف بالآيات، معروف بالدلالات، لا يجور في حكمه، ذلك الله لا إله إلا هو. فخرج الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته (2).

وسأل نافع بن الأزرق أبا جعفر (عليه السلام) قال: أخبرني عن الله عز وجل متى كان؟

قال: متى لم يكن حتى أخبرك متى كان؟! سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا (3).

وعن أبي حمزة الثمالي قال: أتى الحسن البصري أبا جعفر (عليه السلام) فقال: جئتك لأسألك عن أشياء من كتاب الله. فقال أبو جعفر: ألست فقيه أهل البصرة؟ قال: قد يقال ذلك. فقال له أبو جعفر (عليه السلام): هل بالبصرة أحد تأخذ عنه؟ قال: لا. قال فجميع أهل البصرة يأخذون عنك؟ قال نعم. فقال أبو جعفر: سبحان الله لقد تقلدت عظيما من الأمر... أرأيت من قال الله له في كتابه: إنك آمن، هل عليه خوف بعد هذا القول منه؟

فقال الحسن لا. فقال أبو جعفر (عليه السلام): إني أعرض عليك آية وانهي إليك خطابا، ولا

____________

1 - تاريخ التشريع الإسلامي، الدكتور الفضلي: ص 98 - 99. الإمام جعفر الصادق، المستشار عبدالحليم الجندي: ص 141.

2 - الاحتجاج: 2 / 166 - 167. التوحيد، الصدوق: ص 96.

3 - الاحتجاج: 2 / 166.

الصفحة 533
أحسبك إلا وقد فسرته على غير وجهه، فإن كنت فعلت ذلك فقد هلكت وأهلكت.

فقال له: ما هو؟ قال: أرأيت حيث يقول: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) (1) يا حسن بلغني أنك أفتيت الناس فقلت: هي مكة. فقال أبو جعفر (عليه السلام): فهل يقطع على من حج مكة وهل يخاف أهل مكة، وهل تذهب أموالهم؟ قال: بلى. قال: فمتى يكونون آمنين؟... بل فينا ضرب الله الأمثال في القرآن، فنحن القرى التي بارك الله فيها، وذلك قول الله عز وجل... " (2).

من أقوال الإمام:

1 - " شيعتنا من أطاع الله عز وجل "، و " إن الله تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرعب، فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا كان الرجل أجرأ من ليث " (3).

2 - قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يقال لكم، فالله يبغض اللعان السباب الطعان على المؤمنين.

3 - قيل له: من أشد الناس زهدا، قال: من لا يبالي بالدنيا في يد من كانت.

وقيل له: من أخسر الناس صفقة؟ قال: من باع الباقي بالفاني.

4 - عن جابر الجعفي قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): " يا جابر يكتفي من اتخذ التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع، والتخشع، وأداء الأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة والبر بالوالدين، والتعهد للجيران من الفقراء، وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء.

____________

1 - سبأ: 18.

2 - الاحتجاج: 2 / 182 - 183.

3 - حلية الأولياء: 3 / 184.

الصفحة 534
قال جابر: يابن رسول الله ما نعرف أحدا بهذه الصفة، فقال لي: يا جابر لا تذهبن بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول أحب عليا صلوات الله عليه وأتولاه، فلو قال إني أحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسول الله خير من علي، ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئا، فاتقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته، يا جابر ما يتقرب العبد إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، ما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد منكم حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، ولا تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع " (1).

____________

1 - صفات الشيعة، الشيخ الصدوق: ص 18 - 19.