الصفحة 39

وروى مسلم في صحيحه وحدثنا قتيبة بن سعيد. حدثنا وكيع عن إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شرب النبيذ منكم، فليشربه زبيبا فردا. أو تمرا فردا. أو بسرا فردا).‏

وروى مسلم في صحيحه حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري. حدثنا أبي. حدثنا شعبة عن يحيى بن عبيد، أبي عمر البهراني، قال: سمعت ابن عباس يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له في أول الليل، فيشربه، إذا أصبح، يومه ذلك، والليلة التي تجيء، والغد والليلة الأخرى، والغد إلى العصر. فإن بقي شيء، سقاه الخادم؛ أو أمر به فصب.‏

وروى مسلم في صحيحه حدثنا محمد بن بشار. حدثنا محمد بن جعفر. حدثنا شعبة عن يحيى البهراني. قال: ذكروا النبيذ عند ابن عباس فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتبذ له في سقاء. قال شعبة: من ليلة الاثنين، فيشربه يوم الإثنين والثلاثاء إلى العصر. فإن فضل منه شيء، سقاه الخادم أو صبه.‏

وروى مسلم في صحيحه وحدثني محمد بن أحمد بن أبي خلف. حدثنا زكرياء بن عدي. حدثنا عبيد الله عن زيد، عن يحيى، أبي عمر النخعي. قال: سأل قوم ابن عباس عن بيع الخمر وشرائها والتجارة فيها؟ فقال: أمسلمون أنتم؟ قالوا: نعم. قال: فإنه لا يصلح بيعها ولا شراؤها ولا التجارة فيها. قال: فسألوه عن النبيذ؟ فقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر. ثم رجع وقد نبذ ناس من أصحابه في حناتم ونقير ودباء. فأمر به فأهريق. ثم أمر بسقاء فجعل فيه زبيب وماء. فجعل من الليل فأصبح. فشرب منه يومه ذلك وليلته المستقبلة. ومن الغد حتى أمسى. فشرب وسقى. فلما أصبح أمر بما بقي منه فأهريق.‏

وروى مسلم في صحيحه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب. قالا: حدثنا عفان. حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت، عن أنس. قال: لقد سقيت رسول الله، بقدحي هذا، الشراب كله. العسل والنبيذ والماء واللبن.‏

وروى مسلم في صحيحه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب (واللفظ لأبي كريب). قالا: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر ابن عبد الله. قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى. فقال رجل: يا رسول الله! إلا نسقيك النبيذ؟ فقال (بلى) قال فخرج الرجل يسعى. فجاء بقدح فيه نبيذ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إلا خمرته ولو تعرض عليه عودا!) قال فشرب.‏

وروي في شرح معاني الآثار حدثنا ربيع المؤذن قال ثنا أسد بن موسى قال ثنا مسلم بن خالد قال حدثني زيد بن أسلم عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأل عنه فإن أسقانا شرابا فليشرب منه ولا يسأل عنه فإن خشي منه فليكسره بشيء.


الصفحة 40
وروى النسائي في سننه أخبرنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: أنبأنا العوام عن عبد الملك بن نافع قال: قال ابن عمر: -رأيت رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن، ودفع إليه القدح فرفعه إلى فيه فوجده شديدا فرده على صاحبه، فقال له رجل من القوم: يا رسول الله، أحرام هو؟ فقال: علي بالرجل، فأتي به فأخذ منه القدح ثم دعا بماء فصبه فيه فرفعه إلى فيه فقطب، ثم دعا بماء أيضا فصبه فيه، ثم قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء.

وروى البيهقي في سننه الكبرى عن عائشة رضي الله عنها قالت ثم كنت إذا أشتد نبيذ النبي صلى الله عليه وسلم جعلت فيه زبيبا يلتقط حموضته.

وأخرج أبو داود عن عائشة: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يُنبذ له بنبيذ يُلقى فيه تمر فيلقى فيه زبيب.

وأحب أن ألفت نظر القارئ العزيز إلى أن معنى النبيذ في اللغة والعرف والشرع هو الخمر، وسأذكر لك بعض الأحاديث والأشعار والمعاني اللغوية من القواميس العربية والتي تؤكد على هذا المعنى، كما وأذكر أن شرب النبيذ كان مستفحلا بين الناس بعد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، فلقد روي عن العديد من الصحابة المنافقين أنهم لم يتركوا شرب الخمر بعد تحريمه، فمعلوم ما جرى مع والي عثمان على الكوفة الصحابي الوليد بن عقبه عندما صلى الفجر بالناس أربعا وكان سكرانا، وكذلك الحكام الأمويين والعباسيين اشتهرت عنهم روايات المجون والخمر، ولقد اقتدوا بمن أباح لهم ذلك من الصحابة، ونبين التفاصيل إن شاء الله في بحث الانقلاب والتغيير بعد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

روى الحاكم في مستدركه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: لا أشرب نبيذ الجر بعد إذ أتي النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بنشوان. فقال: يا رسول الله، ما شربت خمرا، لكني شربت نبيذ زبيب وتمر في دباء. فأمر به، فنهز بالأيدي، وخفق بالنعال.

مذهب أبي حنيفة والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب، وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر، وإنما يسمى نبيذا؛ وقال الشاعر:


تركت النبيذ لأهل النبيذوصرت حليفا لمن عابه
شراب يدنس عرض الفتىويـفـتـح للشر أبوابه‏

وقال القرطبي في الجامع لإحكام القرآن وحكى الفراء عن العرب: طين لاتب بمعنى لازم. واللاتب الثابت؛ تقول منه: لتب يلتب لتبا ولتوبا، مثل لزب يزب بالضم لزوبا؛ وأنشد أبو الجراح في اللاتب:


فإن يك هذا من نبيذ شربتهفإني من شرب النبيذ لتائب


الصفحة 41

صداع وتوصيم العظام وفترةوغم مع الإشراق في الجوف لاتب

وذكر في تحفة الأحوذي شرح الترمذي يقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر قاله ابن الأثير في النهاية‏.

وفي لسان العرب نبيذ، ويقال للخمر المعتصَرة من العنب: نبيذ، كما يقال للنَّبيذ: خمر.

جعلوا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يعرف من أمر الدنيا شيئا

روى مسلم في صحيحه عن أنس؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون. فقال "لو لم تفعلوا لصلح" قال فخرج شيصا. فمر بهم فقال "ما لنخلكم؟ " قالوا: قلت كذا وكذا. قال "أنتم أعلم بأمر دنياكم".

وروى احمد في مسنده عن طلحة قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوماً يلقحون نخلاً فقال ما تصنعون؟ قالوا كنا نضعه، قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً، فتركوه فنقصت ثمرته، فقال إنما أنا بشر مثلكم وإن الظن يخطىء ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله فلن أكذب على الله.

جعلوا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يأكل الحرام

روى البخاري في صحيحه حدثني محمد بن أبي بكر: حدثنا فضيل بن سليمان: حدثنا موسى بن عقبة: حدثنا سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، قبل أن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه. وأن زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم، ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله. إنكارا لذلك وإعظاما له.

جعلوا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يخالف أمر الله ويصلي على المنافقين

وأيضا ما نسبه أهل السنة بشأن آية النهي عن الصلاة على المنافقين بأنها نزلت مؤيدة لموقف عمر بعد أن أصر الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على الصلاة على ابن أبي المنافق،

روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر أنه قال: " لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى رسول الله (ص) فقال: يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له. فأعطاه قميصه وقال له: إذا فرغت منه فإذنا، فلما فرغ إذنه به فجاء ليصلي عليه فجذبه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال: (استغفر لهم أو لا


الصفحة 42
تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) - فنزلت - (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره). فترك الصلاة عليهم ".

وفي رواية أخرى عن عمر نفسه قال: "... فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله (ص) ".

ولا يستفاد من هذه الحادثة سوى خطأ عمر وشدة اعتراضه على الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وكما اعترف عمر نفسه بذلك عن الشعبي أن عمر بن الخطاب قال‏:‏ لقد أصبت في الإسلام هفوة ما أصبت مثلها قط، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على عبد الله بن أبي فأخذت بثوبه، فقلت‏:‏ والله ما أمرك الله بهذا لقد قال الله‏:‏ ‏استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد خيرني ربي، فقال‏:‏ ‏استغفر لهم أو لا تستغفر لهم‏‏.

على أنني لا أظن أن هذه الحادثة حصلت على الوجه المذكور، لأنه ثبت أن عمر جذب ثوب النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لكن بقية القصة لفقت حتى يحول خطأ عمر إلى منقبة مقابل مخالفة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لأمر الله، وفي ذلك تنقيص من شأن النبي الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وطعن في عصمته وهذا مما لا يقبله عقل ولا شرع.

جعلوا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يخالف أمر الله في الأسرى

ومثل ذلك ما يروى عن أخذ الفداء من الأسرى يوم بدر، وأن الآية (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم "

نزلت - على حسب رأي أهل السنة - عتابا للرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بسبب أخذه الفداء من أسرى بدر وعدم قتله لهم، في نفس الوقت الذي كان فيه عمر بن الخطاب يريد قتلهم جميعا، فنزلت الآية مؤيدة لرأي عمر، ورووا ما يؤيد رأيهم قولا وضعوه من عندهم، ونسبوه إلى الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بشأن معنى الآية السابقة الذي يتضمن تهديدا بالعذاب الشديد ولكن لمن ذلك التهديد؟ فهل كان النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في الآية يريد عرض الدنيا؟، حاشاه صلى الله عليه وآله وسلم فإنني أعتقد أن هذا الأمر لا يجوز إن يعتقد به أحد، ولكن أهل السنة اعتقدوا به وأن الرسول كان ممن يريدون عرض الدنيا.

فيروي أهل السنة أن الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان يبكي مع أبو بكر حيث قال: " إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب ".

فقد أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال "اختلف الناس في أسارى بدر، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر


الصفحة 43
رضي الله عنهما، فقال أبو بكر رضي الله عنه: فادهم. وقال عمر رضي الله عنه: اقتلهم. قال قائل: أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهدم الإسلام ويأمره أبو بكر بالفداء...!وقال قائل: لو كان فيهم أبو عمر أو أخوه ما أمره بقتلهم...!فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أبي بكر ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله {ولولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، ولو نزل العذاب ما أفلت إلا عمر".

اتهموا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بأنه لم يجمع القرآن الكريم

اتهموه بأنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم توفي ولم يجمع القرآن وهذه من القضايا الخطيرة والتي تبناها أهل السنة واتهموا بها رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وطعنوا في عصمته ونبوته ورسالته، وجعلوا منها فضائل لأبي بكر وعمر وعثمان، إلا وهي قضية جمع القرآن، وأن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم توفي ولم يهتم بالقرآن الكريم ولم يجمعه وكانت آياته متفرقة بين الناس.

والله سبحانه وتعالى يقول في سورة القيامة. الآية: 16 { إن علينا جمعه وقرآنه}ووردت الأحاديث عند السنة أن جبريل كان يراجع رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالقرآن كل سنة مره وآخر سنه من حياته الشريفة راجعه فيها مرتين وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرض القراءة على جبريل عليه السلام في كل عام مرة، وقد أخبر بذلك (في قوله: إن جبريل كان يراجعني بالقرآن في كل عام مرة، وإنه راجعني هذا العام مرتين وما أراه إلا حضر أجلي.

كذلك ذكرت الأحاديث أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان مهتما بكل صغيرة وكبيرة فيما يتعلق بالقرآن الكريم من ناحية الترتيب والرعاية والحفظ فكان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كثيرا ما يقول ضعوا آية كذا في مكان كذا.

روى في الإتقان في علوم القرآن: قال ابن الحصار‏:‏ ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏: ضعوا آية كذا في ‏ موضع كذا وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومما أجمع الصحابة على وضعه في المصحف‏.‏

ومما يؤكد خطأ اعتقاد أهل السنة، ألحث المستمر والدائم من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على حفظ القرآن الكريم وأيضا كان دائما يأمر بكتابته.

روى السيوطي في الدر المنثور أخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن عبد الله بن عمرو "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أن أحدا أعطي أفضل مما أعطي فقد عظم ما صغر الله وصغر ما عظم الله، وليس ينبغي لصاحب القرآن أن يجد مع من وجد ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله".


الصفحة 44
وروي في مسند أحمد وحياة الصحابة ومستدرك الحاكم قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم (من قرأ القرآن حتى يستظهره ويحفظه، أدخله الله الجنة وشفعه في عشرة من أهل بيته...).

وكذلك كان محفوظا مجموعا كاملا عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله تعالى عليه وعند عدد من الصحابة، مما يؤكد أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لم يترك هذه الدنيا إلا وكان مطمئنا على معجزته الخالدة مجموعة كاملة. "

روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: فما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، ولا يقتل مسلم بكافر.

روى المتقي الهندي في كنز العمال عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر فقال: أكرهت إمارتي؟ قال: لا، ولكن آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن، قال فزعموا أنه كتبه، على تنزيل قال محمد: فلو أصبت ذلك الكتاب كان فيه علم ورواه ابن سعد في الطبقات.‏

وروى السيوطي في الإتقان إن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كان عنده القرآن الكريم مرتبا على حسب التنزيل.

روى البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه: جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أربعة، كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ بن جبل، وأبو زيد، وزيد بن ثابت. قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي.

روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال: ونحن ورثناه.

روى مسلم في صحيحه عن قتادة. قال: سمعت أنسا يقول: جمع القرآن، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أربعة. كلهم من الأنصار: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قال قتادة: قلت لأنس: من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي.‏

ذكر مالك في الموطأ النجاري المدني أبو سعيد، وقيل: أبو خارجة، كاتب الوحي أحد من جمع القرآن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مات سنة 45 هـ وقيل: سنة 48 هـ، وقيل: سنة 51 هـ، كذا في "الإِسعاف".

وروى الترمذي في سننه عَن أنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: "جَمَعَ القُرآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةٌ كُلّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ أبي بنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ، قُلْتُ لأِنَسٍ مَنْ أبو زَيْدٍ؟ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي".قال أبو عيسى: هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.‏


الصفحة 45
وروى المتقي الهندي في كنز العمال عن الشعبي قال: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر من الأنصار: أبي بن كعب، وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وسعيد بن عبيد، وأبو زيد، وكان مجمع ابن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة. (ابن سعد والطبري والحاكم.

وروى المتقي الهندي في كنز العمال عن محمد بن كعب القرظي قال: جمع القرآن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة نفر من الأنصار: معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت، وأبي بن كعب، وأبو الدرداء، وأبو أيوب.

وروى احمد في مسنده علي بن رباح اللخمي يقول سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: -كنا جلوسا في المسجد نقرأ القرآن فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم علينا فرددنا عليه السلام ثم قال تعلموا كتاب الله واقتنوه

وكان في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم العشرات من الصحابة الحفاظ الذي يحفظون القرآن الكريم غيبا وكفاك أن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان هو معلمهم الأول.

هذا هو الواقع الذي كان سائدا في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

ثم أنه لا يعقل أن يترك نبينا صلَّى الله عليه وآله وسلَّم معجزته الخالدة وقرآنه العظيم، ويتوفى دون أن يهتم به أو يجمعه في مصحف واحد. كيف لا وهو دستور الأمة ومنهج حياتها وسلوكها. ولا أظن أن هناك أي إنسان عادي ليس بمستوى النبوة والرسالة لو كان ألَّفَ كتاباً معينا فإنه لا يمكن أن يتركه متناثراً عند هذا وذاك دون أن يجمعه في مؤلف واحد، هذا أمر طبيعي نظري وعملي.

لقد أظهر علماء السنة بأن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ترك القرآن مفرقا من غير جمع ورعاية، وهذا فيه طعن خطير لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم طعن في عصمته وطعن في إهتمامه بالمهمة الرئيسة التي أرسله الله من أجلها، لكنهم أي أهل السنة قبلوا ذلك، وأجمعوا عليه، وأظهروا للأمة أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا أكثر اهتماما من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالقرآن الكريم، وأثبتوا في الأحاديث مناقب وفضائل لأولئك الصحابة الذين جعلوهم في كل شيء أفضل وأكمل من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأكثر اهتماما بالشريعة وأكثر حرصا على الدين والصلاة والأحكام، وكذلك القرآن الكريم.

إن هذا الأمر خطير جدا ولا يجوز لأي إنسان عاقل أن يعتقد به لأن طعن خطير في رسالة ونبوة وعصمة النبي المصطفى صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

ثم إن الوقائع التاريخية والأحداث أثبتت وجود المصحف الشريف مجموعا كاملا عند علي بن أبي طالب سلام الله تعالى عليه ومجموعة كبيرة من الصحابة، وذلك بأمر من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وقد جمعهُ أمير المؤمنين علي عليه السلام كاملا وتوفي رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وهو مجموع كاملا كما أسلفنا في الروايات السابقة وهذه كانت منقبة عظيمة لأمير المؤمنين عليه


الصفحة 46
السلام، وكلنا قد قرأ الحديث الذي يقول ـ علي مع القرآن والقرآن مع علي " وكذلك حديث تركت فيكم.... كتاب الله وعترتي.

فالرسول يؤكد للمسلمين أن القرآن مع علي ويؤكد أيضا أنه ترك الكتاب والعترة، فلو لم يكن مجموعا كاملا لما قال تركت فيكم أو إني تارك فيكم كما في حديث الثقلين.

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إني تارك فيكم أمرين، إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، وأحدهما أفضل من الآخر، كتاب الله، هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، وأهل بيتي عترتي، إلا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا على الحوض.

ولكن عزيزي القارىء كما لاحظت من خلال هذا البحث أنه كانت دائما هناك طعنات في عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وكذلك رفض وطمس وإخفاء لفضائل أمير المؤمنين علي عليه السلام. فكذلك فعلوا في مسألة جمع القرآن، لم يقبلوا أن يقدم لهم أمير المؤمنين المصحف كاملا مجموعا، فعندما ادعى أبو بكر وعمر أنهما يريدان جمع القرآن جاء إليهما أمير المؤمنين وقدم لهما المصحف المجموع في حياة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وبأمر منه لكنهم رفضوا ذلك وقال عمر بن الخطاب صراحة لا حاجة لنا به "

وأظن هذا الرفض لنسخة أمير المؤمنين سلام الله عليه من أبي بكر وعمر بالإضافة إلى الأحقاد والضغائن كان انتقاما منه عليه السلام يوم نزلت سورة براءة وانتزعها رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من أبي بكر وأعطاها أمير المؤمنين علي لكي يبلغها وقال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني "

ولذلك لم يجعلوا لأمير المؤمنين أي وجود، ولم يشاوروه في أي شيء يتعلق بالقرآن الكريم وعينوا زيد بن ثابت الشاب الصغير لتنفيذ فكرة أبو بكر وعمر.

فالقضية إذن ليست قضية جمع للقرآن أو اهتمام به بل هي طعن في عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وإقصاء لأمير المؤمنين علي عليه السلام عن الساحة الإسلامية، مقابل رفع منزلة ومكانة أبي بكر وعمر الذي يروى عنه أنه لم يستطع طيلة حياته أن يحفظ سورة البقرة.

وعمر الذي أكد للمسلمين عدة مرات أنه كانت هناك سورة في القرآن أكبر من سورة البقرة ولكنه لا يدري ماذا حل بها.

روى احمد والحاكم والسيوطي والبيهقي وغيرهم: رُوي عن عمر: "أنّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم.

وعمر الذي أكد أنه كان مما يقرأ على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم آية الرجم فنسيها


الصفحة 47
روى البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: " إنّ الله بعث محمداً بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله. ثم أنا كنّا نقرأ ـ فيما نقرأ من كتاب الله ـ: أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو: إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم.."

وعمر الذي اتهم رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بأنه توفي ولم يعلمه حكم الكلالة مع أنها آخر آية في سورة النساء.

روى القرطبي وغيره قال عمر: إني والله لا أدع شيئا أهم إلي من أمر الكلالة، وقد سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فما أغلظ لي في شيء ما أغلظ لي فيها، حتى طعن بإصبعه في جنبي أو في صدري ثم قال: (يا عمر إلا تكفيك آية الصيف التي أنزلت في آخر سورة النساء). وعنه

روى ابن ماجة عن عمر انه قال: ثلاث لأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهن أحب إلي من الدنيا وما فيها: الكلالة والربا والخلافة.

وعمر هو الذي كان لا يعرف أن هناك آية للتيمم في القرآن الكريم. ودونك الروايات في صحيحي البخاري ومسلم فراجعها. ولذلك كان يفتي من أجنب ولم يجد الماء سقطت عنه الصلاة.

ومن كل ما سبق يتبين لك أنهم هم الذين لم يهتموا بالقرآن الكريم، وليس رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، لكنهم برزوا وظهروا بما أظهرهم به الرواة من أنهم هم المنقذين للإسلام والقرآن والدين وأن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لم يكن يهتم بشيء سوى رغباته وشهواته.وعظموا أنفسهم أمام الناس حتى أن الناس اليوم يذكرون أبا بكر وعمر وعثمان أكثر من ذكرهم لرسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، ولكن الله سبحانه وتعالى ليس بغافل عما يفعل الظالمون وهو الخبير بما في الصدور.

والمصيبة العظمى بأن السنة بالرغم من كل تلك الحقائق التي لم أذكر منها إلا الشيء اليسير، بالرغم من كل ذلك يكابرون ويتهمون شيعة علي عليه السلام، وأتباع مذهب أهل البيت بأنهم يحرفون القرآن وأن عندهم قرآن آخر ولذلك يتهمونهم بالكفر والزندقة.

ولكن دائما لله الحجة البالغة، فنحن نرى اليوم القرآن الكريم عند الشيعة محفوظا كاملا لا يختلف في حرف واحد، بشهادة جميع علماء المسلمين، وفي كل سنة يزداد حفظة القرآن عددا عند الشيعة، حتى أننا رأينا العديد من الأطفال الشيعة من خلال القنوات التلفزيونية يحفظون القرآن بطريقة عجيبة، غريبة لم يعهدها المسلمون السنة الذين يدعون حفظ القرآن ورعايته.


الصفحة 48
إن في هذا حجة على من يتهم الشيعة بالتحريف والتزوير دون معرفة للحقيقة فهم الذين حفظوا الدين ورعوه وحملوا القرآن واتبعوا أمر الله وأمر رسوله فكانوا هم الفرقة الناجية من التحريف والزيغ والضلال.

والعجب ممن يقتنع بكل تلك الأخطاء والطعنات والافتراءات المنسوبة إلى النبي المعصوم محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم. كيف يرضى المسلم المنصف المخلص والمحب لربه ولرسوله بأن يكون هناك شخص غير معصوم مثل عمر أحرص على عرض رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وعلى الصلاة وعلى الدين أكثر من رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، كيف يرضى المسلم بمثل هذه الافتراءات. ولعله من نافلة القول ان نقول إذا كان رب العزة يعلم بهذا التمكن من شخص مثل عمر فلماذا لم يختر ابن الخطاب نبيا ونعتذر عن مثل هذا الكلام.

ومن أراد المزيد من هذه الافتراءات والتناقضات المخالفة والمناقضة لمقام الرسالة و مرتبة النبوة فليراجع كتب الصحاح كالبخاري ومسلم يجد أن النبي الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان يسهو في صلاته وكان ينام عن صلاة الفجر وكان لا يحفظ القران وكان يؤذي ويسب ويشتم من دون سبب وكان وكان وغير ذلك........

ثم أضف إلى ذلك أنهم اتهموه صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان قبل البعثة يأكل مما ذبح على النصب وأنه كان يقوم عند الكعبة عريانا وقد ذكرت لك عدة روايات تتعلق بهذه التهم في الصفحات السابقة.

ولكن المتعارف عليه عند جميع طوائف المسلمين أن النبي الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان نبيا وآدم بين الماء والطين، وأيضا كان معروفا بمكة أنه الصادق الأمين وحتى أنه روي في صحاح أهل السنة ومسانيدهم قصة شرح صدر النبي وغسل قلبه وهو طفل صغير.

روى الحاكم في مستدركه عن عتبة بن عبد السلمي:أن رجلا سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال: (كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر. فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا، ولم نأخذ معنا زادا. فقلت: يا أخي، اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا. فانطلق أخي، وكنت عند البهم. فأقبل طيران أبيضان، كأنهما نسران. فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال: نعم. فأقبلا يبتدراني. فأخذاني فبطحاني للقفاء، فشقا بطني. ثم استخرجا قلبي، فشقاه. فأخرجا منه علقتين سوداوين. فقال أحدهما لصاحبه: حصه - يعني: خطه - واختتم عليه بخاتم النبوة. فقال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة، واجعل ألفا من أمته في كفة. فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي، أشفق أن يخروا علي. فقالا: لو أن أمته وزنت به لمال بهم. ثم انطلقا وتركاني. وفرقت فرقا شديدا. ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها بالذي رأيت. فأشفقت أن يكون قد التبس بي. فقالت: أعيذك بالله. فرحلت بعيرا لها، فجعلتني على الرحل، وركبت خلفي حتى بلغنا أمي. فقالت: