الصفحة 384

سوابق لأبي موسى الأشعري

تبين لنا من قصة التحكيم فساد نيات أبي موسى، وتواطئه على خلع الخليفة الشرعي دون وجه حق، وهو الذي يفترض فيه أنه قد ذهب حكماً عنه لا عليه، والرائد لا يكذب أهله، ولكنه خان الذين ائتمنوه. وصمّ سمعه عن نصائح المخلصين من الصحابة. ولعل من المستغرب أن يحظى هذا الرجل بكل هذا التكريم والتبجيل من المؤلفين ذوي الاتجاه المعروف، حتى وصفه ابن العربي بتلك الصفات التي أسلفنا، ولكن البحث عن ماضي هذا الرجل يكشف عن خفايا رهيبة تصطك لها المسامع، فقد قال ابن عبد البر في ترجمته:

كان أبو موسى الأشعري منحرفاً عن علي (عليه السلام)، لأنه عزله ولم يستعمله، وكان لحذيفة قبل ذلك فيه كلام!!(1).

ترى ما هو الكلام الذي ذكره حذيفة - صاحب سرّ رسول الله- في أبي موسى، وأضمره ابن عبدالبر ولم يذكره؟!

قال حذيفة -وقد ذُكر عنده أبو موسى بالدّين-: أما أنتم فتقولون ذلك، وأمّا أنا فأشهد أنه عدوّ لله ولرسوله، وحرب لهما في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار!

وكان حذيفة عارفاً بالمنافقين، أسرّ إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرهم وأعلمه أسماءهم. وروي أن عمّاراً سُئل عن أبي موسى، فقال: لقد سمعت فيه من حذيفة قولا عظيماً، سمعته يقول: صاحب البرنس الأسود، ثم كلح كلوحاً

____________

1- الاستيعاب 4: 326.


الصفحة 385
علمت منه أنه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط!(1).

فأبو موسى ـ حسب هذه الروايه ـ هو أحد المتآمرين لاغتيال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلة العقبة!! وخلاصة قصتها، أن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد أن عاد من غزوة تبوك، فلما كان ببعض الطريق "مكر به اُناس من المنافقين وائتمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق. فلما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) تلك العقبة، أرادوا أن يسلكوها معه، فاُخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) خبرهم، فقال للناس: اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع. فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) العقبة، وأمر عمار بن ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها، وأمر حذيفة بن اليمان يسوق من خلفه. فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسير في العقبة، إذ سمع حسّ القوم قد غشوه، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمر حذيفة أن يردهم، فرجع حذيفة إليهم وقد رأوا غضب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده، وظن القوم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد اطلع على مكرهم، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فساق به.

فلما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من العقبة نزل الناس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا حذيفة، هل عرفت أحداً من الركب الذين رددتهم؟ قال: يا رسول الله، عرفتُ راحلة فلان وفلان، وكان القوم متلثمين فلم أبصرهم من أجل ظلمة الليل...

كان أهل العقبة الذين أرادوا بالنبي (صلى الله عليه وآله) ثلاثة عشر رجلا، قد سمّاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحذيفة وعمار رحمهما الله...(2)

وقد أخرج المحدثون قصة العقبة، فروى الإمام مسلم عن أبي الطفيل قال:

كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس،

____________

1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 13: 314.

2- مغازي الواقدي 3: 1042.


الصفحة 386
فقال: أنشدك بالله، كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك. قال: كنا نُخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنتَ منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة. قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا علمنا بما أراد القوم. وقد كان في حرة، فمشى فقال: "إن الماء قليل، فلا يسبقني إليه أحد". فوجد قوماً قد سبقوه، فلعنهم يومئذ.

وأخرج عن قيس قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا الذي صنعتم في أمر علي، أرأياً رأيتموه أو شيئاً عهده إليكم رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً لم يعهده الى الناس كافة، ولكن حذيفة أخبرني عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): "في أصحابي إثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية منهم تكفيكهم الدُّبيلة، وأربعة..." لم أحفظ ما قال شعبة فيهم(1).

ولقد أكّد معاوية بن أبي سفيان على دور أبي موسى الأشعري في نصرته وخيانة علي بن أبي طالب، فقد روى الطبري عن أحمد (ابن زهير) بسنده قال: قدم أبو موسى على معاوية، فدخل عليه في برنس أسود، فقال: السلام عليك يا أمين الله! قال: وعليك السلام.

فلما خرج قال معاوية: قدم الشيخ لاُولّيه! ولا والله لا اُولّيه.

وروى أيضاً عن عبدالله بن أحمد بسنده إلى أبي بردة(2).

قال: دخلت على معاوية حيث أصابته قرحته، فقال: هلم يا ابن أخي

____________

1- صحيح مسلم 4: 2143، 2144، باب صفات المنافقين، وانظر مسند أحمد 5: 390، 453، مجمع الزوائد 1: 110، الدر المنثور للسيوطي 3: 258 آية 72 من سورة التوبة.

2- هو ابن أبي موسى الأشعري.


الصفحة 387
نحوي فانظر، فنظرت فإذا هي قد سبُرت، فقلت: ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين. فدخل يزيد فقال معاوية: إن وليت من أمر الناس شيئاً فاستوصِ بهذا، فإن أباه كان لي خليلا -أو نحو ذلك من القول- غير أني رأيت في القتال ما لم يره(1).

فمعاوية قد اعتبر أبا موسى خليله، ومثل هذا اللفظ لا يقال إلاّ في حق الأعوان المقربين المخلصين، وكان أبو موسى يطمع في الولاية -كما يتبين من كلام معاوية- ولكن معاوية كافأه على خدماته بحرمانه من الولاية، ربما لعدم ثقته باخلاص هذا الرجل!

عمرو بن العاص

كنت أعتقد أن الكلام على عمرو بن العاص قد يعتبر ترفاً لا حاجة إليه، ولكنني وكما أوضحت، فإن الاتجاه المحافظ الذي بقي وفياً لأساليب الدعاية الاُموية على مرّ العصور، لم يغادر شيئاً دون أن يلمسه بريشة التزييف، ومن تلك الأساليب في التزييف، قلب الحقائق حول الشخصيات التي أثّرت في مجريات الاُمور في تلك الفترة التي تحدثنا عنها، باظهار المحق مبطلا والمبطل محقاً! ومن تلك الشخصيات التي تناولتها أقلام المؤلفين -أصحاب الاتجاه المحافظ- شخصية لعبت أدواراً خطيرة استطاعت أن تؤثر بها على مجريات الأحداث في تلك الحقبة، وتقلب كثيراً من الأوضاع، ألا وهو عمرو ابن العاص، وزير معاوية وساعده الأيمن. فمن تلك المحاولات التجميلية ما قام به القاضي ابن العربي، حيث نقل عن الدارقطني قال:

____________

1- تاريخ الطبري 5: 332 حوادث سنة 60، أنساب الأشراف 5: 24، 50.


الصفحة 388
وذكر سنداً عدلا (وساق الحديث): ربعي عن أبي موسى، أن عمرو بن العاص قال: والله لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال وهو يحلّ لهما منه شيء لقد غُبِنا ونقص رأيهما! وأيم الله ما كانا مغبونين ولا ناقصي الرأي، ولئن كانا امرأين يحرم عليهما هذا المال الذي أصبناه بعدهما، لقد هلكنا، وأيم الله ما جاء الوهم إلاّ من قبلنا(1).

قال أحد محققي الكتاب:

أورد المؤلف هذا الخبر للدلالة على ورع عمرو ومحاسبته لنفسه وتذكيره بسير السلف!(2).

كما وعلّق الاستانبولي على الخبر أيضاً بقوله:

قال النبي (صلى الله عليه وآله) في الثناء على عمرو بن العاص(رضي الله عنه): "أسلم الناس وآمن عمرو ابن العاص"(3).

قال شيخنا محدّث الديار الشامية في المصدر السابق: وفي هذا الحد قال: فناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد: اتق الله يا عثمان، فإنك قد ركبت نهابير وركبناها معك، فتُب الى الله نَتُب. قال: فناداه عثمان وإنك هناك يا ابن النابغة! قملت والله جُبّتك منذ تركتك من العمل! قال: فنودي من ناحية اُخرى: تُب الى الله وأظهر التوبة يكف الناس عنك. قال: فرفع عثمان يديه مدّاً واستقبل القبلة فقال: اللهم إني أول تائب إليك.

ورجع الى منزله، وخرج عمرو بن العاص حتى نزل منزله بفلسطين، فكان يقول: والله إن كنت لألقى الراعي فأحرّضه عليه!(1).

كما وأخرج المؤرخون والحفاظ أخبار عمرو بن العاص وكيفية التحاقه بمعاوية، قالوا - واللفظ للطبري أيضاً عن الواقدي- قال:

لما بلغ عمراً قتل عثمان(رضي الله عنه) قال: أنا أبو عبدالله، قتلته وأنا بوادي السباع! من يلي هذا الأمر من بعده؟ إن يلهِ طلحة فهو فتى العرب سَيباً، وإن يلهِ ابن أبي طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحق، وهو أكره من يليه إليَّ! فبلغه أن علياً قد بويع له، فاشتدّ عليه، وتربص أياماً ينظر ما يصنع الناس، فبلغه مسير طلحة والزبير وعائشة، وقال: أستأني وأنظر ما يصنعون فأتاه الخبر أن طلحة والزبير قد قُتلا; فاُرتج عليه أمره، فقال له قائل: إن معاوية بالشام لا يريد أن يبايع

____________

1- الطبري 4: 360، أنساب الأشراف 6: 192، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 143، الكامل في التاريخ 2: 283، الفائق للزمخشري 4: 35، البداية والنهاية 7: 196، تاريخ ابن خلدون 2: 597.


الصفحة 393
لعلي، فلو قاربت معاوية. فكان معاوية أحب إليه من علي بن أبي طالب! وقيل له: إن معاوية يُعظم شأن قتل عثمان بن عفان، ويحرّض على الطلب بدمه. فقال عمرو: ادعوا لي محمداً وعبدالله، فدعيا له، فقال: قد كان ما قد بلغكما من قتل عثمان(رضي الله عنه)، وبيعة الناس لعلي، وما يرصد معاوية من مخالفة علي، وقال: ما تريان؟ أما علي فلا خير عنده! وهو رجل يُدلّف بسابقته، وهو غير مشركي في شيء من أمره.

فقال عبدالله بن عمرو: توفي النبي (صلى الله عليه وآله) وهو عنك راض، وتوفي أبوبكر(رضي الله عنه)وهو عنك راض، وتوفي عمر(رضي الله عنه) وهو عنك راض، أرى أن تكف يدك وتجلس في بيتك حتى يجتمع الناس على إمام فبايعته.

وقال محمد بن عمرو: أنت نابٌ من أنياب العرب، فلا أرى أن يجتمع هذا الأمر وليس لك فيه صوت ولا ذكر.

قال عمرو: أما أنت يا عبدالله فأمرتني بالذي هو خير لي في آخرتي وأسلم في ديني، وأما أنت يا محمد فأمرتني بالذي أنبه علي في دنياي وشرٌ لي في آخرتي.

ثم خرج عمرو بن العاص ومعه ابناه حتى قدم على معاوية، فوجد أهل الشام يحضّون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو بن العاص: أنتم على الحق، اطلبوا بدم الخليفة المظلوم!! -ومعاوية لا يلتفت الى قول عمرو- فقال ابنا عمرو لعمرو: ألا ترى الى معاوية لا يلتفت الى قولك! انصرف الى غيره. فدخل عمرو على معاوية فقال: والله لعجب لك، إني أرفدك بما أرفدك وأنت معرض عني، أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة، إن في النفس من ذلك ما فيها! حيث نقاتل من تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنا إنما أردنا

الصفحة 394
هذه الدنيا!

فصالحه معاوية وعطف عليه(1).

فمن هذه النصوص وغيرها نعلم أن عمراً كان أبعد من يحق له من الناس أن يدعي الطلب بدم عثمان، بل إنه هو أحد المطلوبين لهذا الدم، لأن التحريض على القتل قد يكون سبباً ودافعاً إليه، فيكون المحرّض كالقاتل سواء بسواء، ولم يكن معاوية غافلا عن ذلك، ولو أنه كان صادقاً في دعواه بالطلب بدم عثمان، لكان ينبغي عليه أن يحاسب عمراً قبل غيره وهو في قبضته، ولكن معاوية كان يرمي لأهداف اُخرى، ولم يكن عمرو بن العاص ساذجاً لتخفى عليه نوايا معاوية الحقيقية، ولقد عبّر عن رأيه صراحة أمام معاوية حين قال له: أما والله إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة، إن في النفس من ذلك ما فيها... ولكنا إنما أردنا هذه الدنيا.

أما الدنيا بالنسبة لعمرو فقد كانت ولاية مصر، نعم مصر التي انتزعه عثمان عنها فبقيت في نفسه بعد أن ذاق حلاوتها، فقد روى الزبير بن بكار قال:

لما قلّد عمر عمرو بن العاص مصراً، بلغه أنه قد صار له مال عظيم من ناطق وصامت، فكتب إليه: أما بعد، فقد ظهر لي من مالك ما لم يكن في رزقك ولا كان لك مال قبل أن استعملك، فأنّى لك هذا؟! فوالله لو لم يهمني في ذات الله إلاّ من اختان في مال الله، لكثر همّي وانتثر أمري، ولقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك، ولكني قلدتك رجاءَ غنائك، فاكتب إليّ من أين لك هذا المال، وعجّل!

____________

1- الطبري 4: 560، الاستيعاب 3: 266، الاصابة 3: 381.


الصفحة 395
فكتب إليه عمرو: أما بعد، فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين. فأما ما ظهر لي من مال، فإنّا قدمنا بلاداً رخيصة الأسعار، كثيرة الغزو، فجعلنا ما أصابنا في الفضول التي اتصل بأمير المؤمنين نبؤها، ووالله لو كانت خيانتك حلالا ما خنتك وقد ائتمنتني، فإن لنا أحساباً إذا رجعنا إليها أغنتنا عن خيانتك، وذكرت أن عندك من المهاجرين من هو خير مني، فإذا كان ذاك، فوالله ما دققتُ لك يا أمير المؤمنين باباً، ولا فتحت لك قفلا.

فكتب إليه عمر: أما بعد، فإني لستُ من تسطيرك الكتاب وتشقيقك الكلام في شيء، ولكنكم معشر الاُمراء قعدتم على عيون الأموال، ولن تعدموا غدراً، وإنما تأكلون النار وتتعجلون العار، وقد وجّهت إليك محمد بن مسلمة، فسلّم إليه شطر مالك...(1)

فعمر بن الخطاب يتّهم عمراً بالخيانة صراحة، ولم تنفع اعذار عمرو في اقناع الخليفة ولا عدوله عن رأيه في مشاطرة عمرو أمواله، ولقد ظلت هذه الحسرات على فوات مصر وثرواتها من يد عمرو تنغّص عليه عيشه، وتدفعه للتأليب على عثمان الذي حرمه منها، فلما جاءت الفرصة على يد معاوية، خفَّ عمرو إليه وكلّه أمل في عودة مصر إليه، "ويكفي أن نشير الى حجم هذه الصفقة بين الرجلين، في انتقال ابن العاص المثير من موقع الساخط المتمرد على الخليفة السابق - معبراً عن ذلك بعد خروجه من الحجاز بقوله: كنت لألقى الراعي فاُحرّضه على عثمان- الى مطالب بدمه ومدافع عن قضيته تحت اللواء الاُموي في الشام!"(2).

لقد علم معاوية أن الأمر لا يتم له إن لم يبايعه عمرو، فقال له: يا عمرو

____________

1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 174.

2- من دولة عمر...: 127.


الصفحة 396
اتّبعني. قال: لماذا، للآخرة! فوالله ما معك آخرة، أم للدنيا؟ فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها! قال: فأنت شريكي فيها. قال: فاكتب لي مصر وكورها. فكتب له مصر وكورها، وكتب في آخر الكتاب: وعلى عمرو السمع والطاعة.

قال عمرو: واكتب أن السمع والطاعة لا ينقصان من شرطه شيئاً. قال معاوية: لا ينظر الناس الى هذا. قال عمرو: حتى تكتب. قال: فكتب، ووالله ما يجد بداً من كتابتها.

ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلم عمرو في مصر، وعمرو يقول له: إنما اُبايعك بها ديني!! فقال عتبة: ائتمن الرجل بدينه، فإنه صاحب من أصحاب محمد. وكتب عمرو الى معاوية:


معاويَ لا اُعطيك ديني ولم أنلبه منك دنيا فانظرن كيف تصنعُ
وما الدين والدنيا سواء وإننيلآخذ ما تعطي ورأسي مقنّعُ
فإن تعطني مصراً فأربحُ صفقةأخذتَ بها شيخاً يضرّ وينفعُ(1)

وقد أخرج المؤرخون والحفّاظ هذه القصة بتفصيلات أكثر، ولكنني أعرضت عنها روماً للاختصار، إذ أن هذه الشواهد تكفي لكي تكشف عن النوايا الحقيقية لكل من معاوية وعمرو بن العاص، وعن الصفقة الدنيوية التي باع بها عمرو دينه، ولقد كان الصحابة يعرفون بعضهم أفضل مما نعرف نحن أو ابن العربي أو ابن كثير وغيرهم، فهذا عمار بن ياسر، السبّاق المبشّر بالجنة، الموعود بالقتل بأيدي الفئة الباغية الداعية الى النار -كما أخبر النبي- يدنو من عمرو بن العاص فيقول له:(2)

____________

1- العقد الفريد لابن عبد ربه 4: 144.

2- وهو الكلام الذي حذفه ابن كثير.


الصفحة 397
يا عمرو بعت دينك بمصر، تباً لك! طالما بغيت في الاسلام عوجاً...(1)

كما وأخرج الطبري عن موسى بن عبدالرحمان المسروقي بسنده قال: سمعت عمار بن ياسر بصفين وهو يقول لعمرو بن العاص: لقد قاتلتُ صاحب هذه الراية ثلاثاً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهذه الرابعة، ما هي بأبرّ ولا أنقى(2).

أما علي بن أبي طالب، فقد أبدى رأيه في كل من معاوية ووزيره عمراً، في جواب الكتاب الذي بعثه إليه محمد بن أبي بكر. من تهديد معاوية له وإرساله عمراً بجيش كبير الى مصر لانتزاعها منه، فكان مما كتب إليه:

... وقد قرأتُ كتاب الفاجر ابن الفاجر معاوية، والفاجر ابن الكافر عمرو، المتحابّين في عمل المعصية، والمتوافقين المرتشيين في الحكومة، المنكرَين في الدنيا، قد استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من قبلهم بخلاقهم...(3)

كما وأشار علي بن أبي طالب - في كتاب له الى أهل العراق- الى هذه الصفقة بين معاوية وعمرو. فكان مما قال فيه: لقد اُنهي إليّ أن ابن النابغة لم يبايع معاوية حتى أعطاه، وشرط عليه أن يعطيه إتاوة هي أعظم مما في يديه من سلطانه، ألا صفرت يد هذا البائع دينه بالدنيا، وتربت يد هذا المشتري نصرة غادر فاسق بأموال المسلمين...(4)

هذه بعض من سيرة عمرو بن العاص كما أوردها الأئمة الأعلام من المؤرخين والحفّاظ، ولقد تجنبت ذكر المثالب والمطاعن فيه من جهة نسبه

____________

1- الطبري 5: 39، صفين: 337، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 8: 21، تذكرة الخواص:92.

2- الطبري 5: 40.

3- الطبري 5: 102، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 84.

4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 6: 99.


الصفحة 398
أو غير ذلك، لاعتقادي بأن تلك الاُمور ليست بذات أهمية بالقياس الى السيرة الذاتية للمرء، خاصة وأن عمرو قد التحق بمعاوية في أواخر عمره، وبعد أن صار على أعتاب قبره، إلاّ أن حب الدنيا قد ظل مغروساً في أعماقه، وبدلا من أن يقضي ما تبقى من عمره في العبادة والاستغفار بعد أن أكرمه الله تعالى بالاسلام وصحبة نبيّه (صلى الله عليه وآله)، نراه يعرض عن كل ذلك ويستقبل الدنيا من جديد مؤثراً مرافقة البغاة وصحبتهم على صحبة من هم خير منهم وأقرب للتقوى، ولو أن عمرو بن العاص قد شكّ في معرفة الحقيقة أفلا اعتزل الأمر كما فعل غيره من الصحابة -وذلك أضعف الإيمان- ولكنه أبى إلاّ النباهة في الدنيا والخسران في الآخرة.

لقد أوردت هذا الشيء اليسير من سيرة عمرو بن العاص رداً على ادعاءات أصحاب الاتجاه المعروف، الذين يضفون عليه سيما التقوى والورع ومحاسبة النفس في اعترافه بأكل أموال المسلمين بغير حق، وقد تبين لكل ذي بصيرة أن عمرو بن العاص قد باع دينه - معترفاً بنفسه على نفسه بذلك- في مقابل ولاية مصر، فهل يبقى بعد ذلك كلام لعاذر!

ولقد أحسن ابن عباس القول لعمرو في مرضه الذي مات فيه، فقال له:

كيف أصبحت يا أبا عبدالله؟ قال: أصلحت من دنياي قليلا وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان الذي أصحلتُ هو الذي أفسدت، والذي أفسدت هو الذي أصلحت لفزتُ، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبتُ، ولو كان ينجيني أن أهرب هربت، فصرتُ كالمنجنيق بين السماء والأرض، لا أرقى بيدين، ولا أهبط برجلين، فعظني بعظة انتفع بها يا ابن أخي.

فقال له ابن عباس: هيهات يا أبا عبدالله! صار ابن أخيك أخاك. ولا تشاء

الصفحة 399
أن أبكي إلا بكيت، كيف يؤمن برحيل من هو مقيم!

فقال عمرو: على حينها من حين ابن بضع وثمانين سنة تقنّطني من رحمة ربي! اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك، فخُذ مني حتى ترضى. قال ابن عباس: هيهات يا أبا عبدالله! أخذتَ جديداً وتعطي خلقاً! فقال عمرو: مالي ولك يا ابن عباس، ما أرسل كلمة إلاّ أرسلت نقيضها!(1).

فعمرو بن العاص قد ظل سادراً في غيّه، حتى إذا داهمه الموت واقتربت منيّته، صار يتمنى على الله الأماني، بعد أن انقطع رجاؤه من الدنيا، وأدرك أنها قد فاتته، وقد أذن موعد الرحيل عنها، ولات ساعة ندم.

____________

1- الاستيعاب في معرفة الاصحاب 3: 269.


الصفحة 400

الصفحة 401


الفصل الثامن

معاوية بن أبي سفيان





الصفحة 402

الصفحة 403

معاوية بن أبي سفيان


قال ابن أبي الحديد المعتزلي:

ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا رحمهم الله، يرمى بالزندقة(1).

وقال أيضاً:

وقد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية، ولم يقتصروا على تفسيقه، وقالوا عنه إنه كان ملحداً لا يعتقد بالنبوة، ونقلوا عنه في فلتات كلامه وسقطات ألفاظه ما يدل على ذلك.

وروى الزبير بن بكار في (الموفقيات) -وهو غير متهم على معاوية، ولا منسوب الى اعتقاد الشيعة، لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي (عليه السلام)، والانحراف عنه-: قال المطرّف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية، وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي، فيذكر معاوية وعقله، ويُعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: ما لي أراك مغتماً منذ الليلة؟ فقال: يا بني جئتُ من عند أكفر الناس وأخبثهم قلت: وما ذاك؟! قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا وبسطت خيراً، فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت

____________

1- شرح نهج البلاغة 1: 340.


الصفحة 404
أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شي تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه. فقال: هيهات هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه! مَلكَ أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة ليُصاح به كل يوم خمس مرات "أشهد أن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأيُّ عمل يبقى وأيُّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك، لا والله إلاّ دفناً دفناً!!"(1).

وأما أفعاله المجانبة للعدالة الظاهرة، من لبسه الحرير وشربه في آنية الذهب والفضة، حتى أنكر عليه أبو الدرداء، فقال له: إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: "إن الشارب فيهما ليجرجر في جوفه نار جهنم"، وقال معاوية: أما أنا فلا أرى بذلك بأساً فقال أبو الدرداء: من عذيري من معاوية أنا اُخبره عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وهو يخبرني عن رأيه لا اُساكنك بأرض أبداً.

نقل هذا الخبر المحدّثون والفقهاء في كتبهم(2) في باب الاحتجاج على أن خبر الواحد معمول به في الشرع، وهذا الخبر يقدح في عدالته، كما يقدح أيضاً في عقيدته، لأن من قال في مقابلة خبر قد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): أما أنا فلا أرى بأساً فيما حرّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ليس بصحيح العقيدة، ومن المعلوم أيضاً من حالة استئثاره بمال الفيء، وضربه من لا حدّ عليه، واسقاط الحد عمن يستحق إقامة الحد عليه، وحكمه برأيه في الرعية وفي دين الله، واستلحاقه

____________

1- الموفقيات: 577.

2- صحيح مسلم: كتاب الأشربة، فتح الباري 9: 456، صحيح ابن حبان 12: 161، اصلاح غلط المحدثين للخطابي البستي: 161، الفايق في غريب الحديث للزمخشري 1: 175، فيض القدير للمناوي 6: 411، فتح العزيز لعبدالكريم الرافعي 1: 301.


الصفحة 405
زياداً وهو يعلم قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الولد للفراش وللعاهر الحجر"، وقتله حجر ابن عدي وأصحابه ولم يجب عليهم القتل، ومهانته لأبي ذر الغفاري وجبهه وشتمه وإشخاصه الى المدينة على قتب بغير وطاء لإنكاره عليه، ولعنه علياً وحسناً وحسيناً وعبدالله بن عباس على منابر الإسلام، وعهده بالخلافة إلى ابنه يزيد مع ظهور فسقه وشربه المسكر جهاراً، ولعبه بالنرد، ونومه بين القيان المغنيات واصطحابه معهن، ولعبه بالطنبور بينهن، وتطريقه بني اُمية للوثوب على مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وخلافته حتى أفضت الى يزيد بن عبدالملك، والوليد ابن يزيد المفتضحين الفاسقين، صاحب حبّابة وسلاّمة، والآخر رامي المصحف بالسّهام، وصاحب الأشعار في الزندقة والالحاد..(1)

ليس ثمة شك في أن بعض المتأثرين بأقوال المؤلفين من أصحاب الاتجاه المحافظ يعتقدون أن في كلام ابن أبي الحديد، أو الزبير بن بكّار مبالغة دعا إليها التعصب المذهبي أو الخلاف العقدي، وأن الزبير بن بكار قد أورد تلك الرواية - وما فيها من أقوال لمعاوية تثبت زندقته وإلحاده- تقرباً الى الخلفاء العباسيين الذين يسرّهم الطعن في معاوية وبني اُمية، بسبب العداء المستحكم بين الطرفين، ولكن الذي يحقق في التاريخ الاسلامي جيداً سوف يعلم أن هذا الادعاء ليس صحيحاً البتة، وأن موقف العباسيين من معاوية لم يكن كما يظن هؤلاء، ولسوف أذكر موقف العباسيين من معاوية بشكل أكثر تفصيلا في أواخر هذا الفصل، بعد أن نتحقق من كلام ابن أبي الحديد وما أورده من أخبار عن معاوية معتمدين على أقوال العلماء والمحدّثين الذين يعتدّ برأيهم وهم قطعاً ليسوا متّهمين على معاوية، بل على العكس فسوف

____________

1- شرح نهج البلاغة 5: 129.


الصفحة 406
يتبين لنا أن معظم اُولئك العلماء، ورغم اعترافهم بتلك الحقائق التي لا يجدون مناصاً من إثباتها، فإن البعض منهم يحاول تأويلها أو حتى تحريفها - بكل أسف- حفاظاً على كرامة معاوية الصحابي، فأخبار اُولئك العلماء تناقض آراءهم في معاوية، ولكنهم يوردونها معتقدين صحتها مع محاولة التملص منها أو توجيهها وجهة تحفظ لمعاوية ماء وجهه، وهيهات من سبيل الى ذلك.

1 - لبس الحرير وجلود السباع

لا خلاف بين الفقهاء في أن لبس الحرير وجلود السباع محرّم على المسلمين، وقد أخرج المحدّثون العديد من الأحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) في النهي عن ذلك، وعلم بذلك الصحابة، ورأوا معاوية يخالف النهي النبوي، فوعظوه رغم علمهم بأنه يعلم حرمة ذلك، مما يدل على مدى استهتار معاوية بأقوال النبي (صلى الله عليه وآله) ونواهيه، فقد أخرج المحدثون عن خالد، قال:

وفد المقدام بن معديكرب وعمرو بن الأسود ورجل من بني أسد من أهل قنسرين الى معاوية ابن أبي سفيان، فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، فرجّع المقدام، فقال له فلان: أتعدّها مصيبة؟ فقال له: ولم لا أراها مصيبة وقد وضعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجره فقال: "هذا منّي وحسين من علي"، فقال الاسدي: جمرة أطفأها الله، فقال المقدام: أما أنا فلا أبرح اليوم حتى اُغيظك واُسمعك ما تكره، ثم قال: يا معاوية، إن أنا صدقتُ فصدقني، وإن أنا كذبتُ فكذّبني، قال: أفعل. قال: فأنشدك بالله، هل سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ينهي عن لبس الذهب، قال: نعم، قال: فاُنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن لبس الحرير؟ قال: نعم. قال:


الصفحة 407
فأنشدك بالله، هل تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن لبس جلود السباع والركوب عليها؟ قال: نعم. قال: فوالله لقد رأيت هذا كله في بيتك يا معاوية فقال معاوية: قد علمتُ أني لن أنجو منك يا مقدام..(1)

2 - الاستئثار بمال الفيء

جرت العادة منذ عهد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يؤخذ من الغنائم التي يحصل عليها المسلمون في الحرب خمسها لتوزع على الأوجه التي أمر الله سبحانه وتعالى بها، وأما الأربعة أخماس المتبقية فهي حق المقاتلين المسلمين، حيث كانت توزع عليهم. ولكن معاوية خالف أمر الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) في ذلك، عندما أراد أن يستصفي الذهب والفضة من تلك الغنائم لنفسه بغير وجه حق، فقد أخرج الحاكم النيسابوري وغيره من الحفاظ والمؤرخين، عن الحسن، قال: بعث زياد بن الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان، فأصابوا غنائم كثيرة، فكتب إليه زياد: أما بعد، فإن أمير المؤمنين كتب أن يصطفى له البيضاء والصفراء،ولا تقسم بين المسلمين ذهباً ولا فضة.

فكتب اليه الحكم: أما بعد، فإنك كتبت تذكر كتاب أمير المؤمنين، وإني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين، وإني أُقسم بالله لو كانت السماوات والأرض رتقاً على عبد، فاتقى الله، لجعل له من بينهم مخرجاً، والسلام.

أمر الحكم منادياً فنادى: أن اغدوا على فيئكم، فقسمه بينهم، وإن معاوية لما فعل الحكم في قسمة الفيء ما فعل، وجّه إليه من قيّده وحبسه، فمات في

____________

1- سنن أبي داود: ح 4131 باب في جلود النمور والسباع، سنن النسائي ح 2465 مختصراً، مسند أحمد 4: 132 وفيه: فقال له معاوية: أتراها مصيبة!


الصفحة 408
قيوده ودُفن فيها، وقال: إني مخاصم(1).

فمعاوية يريد أن يصطفي كل الذهب والفضة من أموال الغنائم التي هي حق للمقاتلين الذين أصابوها برماحهم وسيوفهم وبذلوا فيها دماءهم، مع العلم أن الخليفة - لو افترضنا صحة خلافته- ليس له الحق في التحكم في غير الخمس، وهذا الخمس ليس حقاً خالصاً له، بل هو لبيت المال، ولإنفاقه على مصالح المسلمين، وكذلك كانت سيرة النبي (صلى الله عليه وآله)، فعن عبدالله بن شقيق، عن رجل من بلقين (عندما سأل رسول الله عن بعض الاُمور حتى قال): قلت: فما تقول في الغنيمة؟ قال: "لله خمسها، وأربعة أخماسها للجيش". قلت: فما أحد أولى به من أحد؟ قال: لا، ولا السهم تستخرجه من جنبك أحق به من أخيك المسلم(2).

فأخذ شيء من أموال الفيء بغير وجه حق يعدّ من الغلول، وقد شدّد النبي (صلى الله عليه وآله) على تحريم ذلك مهما كان هذا الشيء الذي يغلّه المرء بسيطاً، وأن الشهيد الذي يغلّ شيئاً من الغنم لا يعدّ شهيداً، ويدخل النار بسبب ذلك وقد استفاضت الأحاديث النبوية التي تؤكد ذلك، فعن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر، فلم يغنم ذهباً ولا فضة، إلاّ الأموال والثياب والمتاع، فأهدى رجل من بني الضّيب، يقال له رفاعة بن زيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) غلاماً يقال له مِدعَم. فوجّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى وادي القرى، حتى إذا كان بوادي القرى، بينما مدعم يحط رحلا لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذا سهم عائر فقتله، فقال الناس: هنيئاً له

____________

1- المستدرك 3: 442، تاريخ الطبري حوادث سنة 50، الكامل في التاريخ 2: 487 حوادث سنة 50، البداية والنهاية 8: 47، تهذيب التهذيب 2: 392، الاستيعاب 1: 412 ترجمة الحكم، اسد الغابة 1: 51 ترجمة الحكم.

2- سنن النسائي: كتاب قسم الفي والغنيمة.