إن شيخ السلفية في " منهاجه السني " قد عقد العزم على تحريف الحقائق التاريخية، وتزوير الوقائع، دفاعا عن إيمان بني أمية وفضلهم. والحط على أهل بيت النبي (ص). فهو يرفض الأحاديث الصحيحة في فضل أهل البيت ويشكك في سندها أو يؤول متنها، بينما يتشبث بأوهى الروايات وأضعفها انتصارا لمعاوية وابنه يزيد.
يقول الباحث المصري صالح الورداني: " بقدر ما كنت أجل هذا الرجل المدعو ابن تيمية وأكن له احتراما عظيما طوال فترة نشأتي الإسلامية، بقدر ما أصبحت أبغضه وأحط من قدره بعد تبين موقفه من يزيد الملعون.... ولقد تمادى ابن تيمية في موقفه المتحالف مع بني أمية حتى أنه خطأ الحسين وانتقده
____________
= فقال جدي " ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود " (ص 290 - 291) يقول ابن العماد الحنبلي:
قال التفتزاني في (شرح العقائد النسفية): " اتفقوا على جواز اللعن على من قتل الحسين، أو أمر به، أو أجازه، أو رضي به، والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وأهانته أهل بيت رسول الله (ص) مما تواتر معناه وإن كان تفصيله آحاد، فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في كفره وإيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه " أنظر شذرات الذهب.
ج 1 ص 68 - 69. عن صائب عبد الحميد. م س، ص 386.
(67) يقول سبط ابن الجوزي في قتلة الإمام الحسين: " قال الزهري: ما بقي منهم أحد إلا عوقب في الدنيا، إما بالقتل أو العمى أو سواد الوجه أو زوال الملك في مدة يسيرة. وقال جدي أبو الفرج في المنتظم عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى محمد (ص) إني قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وإني قاتل بابن فاطمة سبعين ألفا وسبعين ألفا " تذكرة الخواص، مكتبة نينوى الحديثة طهران، ص 280.
إن من يريد من أبناء الصحوة الإسلامية أن يعرف هذه الحقائق، ويعرف كذلك مدى الكذب السلفي وتحريف التراث، عليه أن يراجع كتب التاريخ المختلفة، ثم بعدها فليقرأ منهاج السنة. وله بعد ذلك أن يتخذ الموقف المناسب من شيخ الإسلام ومن أتباعه اليوم.
أتباع ابن تيمية يسلكون نهجه:
وبعد هل ابن تيمية وحده الذي يكذب ويفتري على التاريخ والحقيقة ؟ ! إن أتباعه ومحبيه قد استنوا بسنته. وقد هالني وأنا أقرأ كتاب " مناظرات ابن تيمية مع فقهاء عصره " للدكتور سيد الجميلي، ما وجدته من مغالطات فظيعة. فقد أورد هذا الدكتور مناظرة بين ابن تيمية وابن المطهر الحلي عالم الشيعة. وهي مناظرة طويلة في 36 ص. يورد فيها قول ابن المطهر ثم يأتي رد ابن تيمية. وأنا أسأل الدكتور الجميلي. أين التقى ابن تيمية ابن المطهر الحلي ؟. لقد عاش الأول في دمشق ومات بها، وأخذ إلى مصر حيث سجن بها. أما ابن المطهر فعاش في العراق وهو من منطقة الحلة وتوفي بها. ولا وجود لتاريخ يقول بأنه سافر إلى الشام أو دمشق. كما أن أحدا لم يقل بأن ابن تيمية قد سافر إلى العراق ؟ !. فأين التقي الرجلان ؟ ! وأين تناظرا ؟ !.
السيد الجميلي يقول أنه نقل هذه المناظرة عن كتيب صغير لمحمد مال الله تحت عنوان مطارق النور تبدد أوهام الشيعة. في سلسلة ما أنا عليه وأصحابي، طبع. دار الأنصار بالقاهرة. ويقول إنها مختارة من كتاب (المنتقى) للحافظ الذهبي. ونحن نقول للجميع نريد أن يحدد لنا هؤلاء السلفية مكان وتاريخ التقاء ابن تيمية بابن المطهر ؟ ؟ حتى تسنى لهما أن يتناظرا ؟ !.
____________
(68) الخدعة، رحلتي من السنة إلى الشيعة، دار النخيل للطباعة والنشر، بيروت، ط 1 1995 م، ص 69.
والغريب في الأمر إن عالم الشيعة لا يناقش الشيخ أو يرد عليه، بإيراد الأدلة النقلية أو العقلية ؟ ! ثم ينتقل الحلي إلى سؤال جديد دون أي اعتراض على ما قاله شيخ الإسلام. وبعد 36 صفحة من الحوار المزعوم يحقق ابن تيمية انتصارا مطلقا على الحلي، ويظهر هذا الأخير كمحاور لا يملك إلا الشبهات المكذوبة والتافهة ؟ !.
أما من يقرأ هذه المناظرة فإنه سينتهي إلى أن الشيعة الإمامية فرقة ليس لها حض من العلم ولا يرتكز مذهبها إلا على المغالطات والكذب.
هذا في الوقت الذي كان فيه الحلي زعيم الأصوليين في عصره، وقد شهد له علماء السنة بذلك. ويكفيه كتبه وما خطه يراعه. وما بال كتابه (الألفين) الذي أورد فيه ألف دليل على إمامة علي بن أبي طالب، وألف دليل على إبطال شبه الطاعنين يقول الحلي: " وأوردت فيه من الأدلة على باقي الأئمة عليهم السلام ما فيه كفاية للمسترشدين ". لقد كان الحلي من كبار الفلاسفة والأصوليين في عصره، ولم يكن ابن تيمية ليقف ندا له أو مناظرا، إنما هو الانتصار بالكذب، انتصارات وهمية على الورق ليس إلا.
لقد عرض رد ابن تيمية على ابن المطهر، فرآه مفتتحا بالشتائم والسباب، مشحونا بالحشو والمغالطات، فماذا كان جوابه ؟ ! قال ابن حجر العسقلاني:
كان ابن المطهر مشتهر الذكر حسن الأخلاق، ولما بلغه كتاب ابن تيمية قال:
لو كان يفهم ما أقول أجبته (69).
____________
(69) صائب عبد الحميد، ص 219، أنظر لسان الميزان، ج 2، ص 317، ونقل الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي في الرد الوافر عن الحلي أنه قال ردا على ابن تيمية: =
لا شك أن مصداقيته كانت ستتزعزع في أعين أتباع بني أمية ومحبيهم، وذكر إمامة علي بن أبي طالب بدأ يغزو الساحة، ويجد من ينتصر له عقلا ونقلا.
لذلك تحرك الشيخ وكتب منهاج السنة فجاء كما أراده بنو أمية، كل شئ فيه، الكذب والخداع والتمويه وتحريف تراث المسلمين، لكنه خلا من الحقيقة، وابتعدت عن رحابه الموضوعية، فهنيئا لأتباع الشيخ السلفي به، وبما تضمنه من تبرير لسفك دماء أهل بيت النبوة.
وقد جاء في الحديث عن يوم القيامة إن الرجل يجد في صحيفته بأنه قتل فلانا، فيهرع قائلا يا رب أنا لم أقتل فلانا، لكن الجواب يأتيه، ألم تقل كذا وكذا ؟ ! إن قولك هذا سفك به دم فلان ؟ ! لقد دافع ابن تيمية عن بني أمية وبرر قتلهم لأبناء فاطمة وعلي بن أبي طالب، وغدا سيكون جدهم (ص) خصمه فليهيئ جوابا.
لقد حصدت فتاوى ابن تيمية رؤوس الآلاف من الشيعة في بلاد الشام خاصة، وإن كان أغلبهم من الشيعة الإسماعيلية. لكن شرارة النار الملتهبة والمنبعثة من فتاوى الشيخ قد أصابت الشيعة الإمامية كذلك وأحرقت كثيرا من أرواحهم وأموالهم. فقد تعرض الإمامية لمذابح جماعية بعد ابن تيمية، في العراق وبلاد الشام، وراحوا ضحية الصراعات السياسية المتلبسة بالتعصب المذهبي، واستفاد خصوم الشيعة من تراث فكري ووقائعي ملئ بالكراهية والحقد شرعه بنو أمية
____________
=
لكن جهلت فقلت إن جميع من * يهوى خلاف هواك ليس بعالم
إن هذا التراث الدموي اللاإنساني سترثه الدولة العثمانية من بين ما ورثت من ملك وسياسة في العالم الإسلامي. وستنطلق حفلات الدم من جديد، وكأن الأرض لم تشبع من هذا الدم الشيعي بعد. وعندما تبحث عن الأسباب والخلفيات تجد فقهاء يدعون الدفاع عن السنة والإسلام، متمركزين في مناصب، ويحتلون مقاعد، لا يمكنهم الاستمرار فيها إلا بإراقة الدم الشيعي البرئ. وقد كان ذلك وفي أغلب الأحيان يصادف هوى في صدر الحكام وأمراء الجيش، وعندما يجتمع الاستبداد السياسي بالاستبداد الديني تكون الطامة على المجتمع وعلى فئاته الفكرية والدينية المختلفة.
يقول سماحة آية الله الخالصي من علماء العراق: " كانت الحكومة لا تتحرج من استئصال الشيعة وقتلهم تحت كل حجر ومدر، وذكر في تاريخ السلطان سليم العثماني أنه كان لا يهتم بشئ أكثر من اهتمامه باستئصال الشيعة وإبادتهم، وأنه قتل بين سامراء وبغداد في العراق في يوم واحد خمسة وعشرين ألف رجل من غير ذنب سوى أنهم شيعة، وذكرت مؤلفات تركيا الحديثة: إن من أقوى أسباب زوال الدولة العثمانية عداءهم للشيعة وحربهم معهم. وصرح كتاب ألف حديثا باسم (شيعتك أباد ولده حركاتي) بأمور كانت خافية، تبين أن عوامل التخريب في الدولة العثمانية كادت تكون منحصرة في تعصب الدولة لأهل السنة ضد الشيعة، حتى أنها لم تكن تعترف لهم كمواطنين في البلاد. وكانت تقتل من تظهر له مرتبة علمية من الشيعة كالشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي، والشهيد الثاني زين الدين وأمثالهما.. " (70).
____________
(70) رسالة الإسلام، السنة السادسة العدد الأول يناير 1954 م، ص 54 - 55. موضوع بعنوان الطوائف الإسلامية في العراق.
الشيعة في المنطقة الشرقية:
انطلقت الحركة الوهابية من نجد وتمكنت بحد السيف من السيطرة على مجمل وسط الجزيرة العربية، وبدأت في نشر الفكر الحنبلي وإحياء التراث الحشوي في العقائد. وفي توسعها الجغرافي اصطدمت بأهل السنة في الحجاز. وبالشيعة الإمامية في المنطقة الشرقية والخليج. وإذا كان الحكم بالشرك قد أباح قتل أهل السنة ومن ثم القضاء عليهم والحلول محلهم، فإن الصراع مع شيعة المنطقة الشرقية سيأخذ أبعادا أكثر تعقيدا.
فلو رجعنا إلى يوميات الاحتلال الوهابي لمناطق الشيعة فسترى أن الهمجية بلغت مداها، يقول محمد عبد المجيد: " وفي خريف 1793 م توجه سعود مع قوات كبيرة إلى الأحساء ونهبت قواته البدوية كل ما صادفته في طريقها وقتلت دون رحمة كل من أبدى مقاومة، ودمرت بساتين النخيل واستأثرت بمحاصيل التمور ورعت الماشية في الحقول.
ويصف مؤرخ الدولة السعودية ابن بشر إخضاع الأحساء ويقول: " فلما أصبح الصباح رحل سعود بعد صلاة الصبح فلما استووا (أي القوات) على ركائبهم وساروا ثوروا بنادقهم دفعة واحدة فاظلمت السماء وأرجفت الأرض وتأرجح الدخان في الجو وأسقط كثير من النساء الحوامل في الأحساء، ثم نزل سعود وظهر عليه جميع أهل الأحساء على إحسانه وإساءته وأمرهم
وحينما سيطر عبد العزيز آل سعود على الأحساء والقطيف عين عبد الله بن جلوي الإرهابي المعروف، حاكما على الأحساء. وبدأ المذكور بالتنكيل بالشيعة ومارس معهم أبشع الجرائم دون رحمة. وتحدثنا كتب التاريخ السعودي إن كتب الشيعة ومؤلفات علمائهم أحرقت أبان السيطرة السعودية الثالثة على المنطقة، وأن مساجدهم قد دمرت وأطلقوا عليها لفظ الكنائس وقد أجبر الشيعة على الرضوخ إلى مذهب السلطة فعينت السلطة قضاة يقضون بين الغالبية الشيعية على مذهبها، وعينت أئمة للجماعة ليؤموا الشيعة وأجبرتهم على الصلاة خلفهم. ومنعت عليهم بكل السبل والوسائل أحياء شعائر مذهبهم رغم أن رجالات الشيعة قد اتفقوا مع عبد العزيز بن مسعود عام (1913 م) على احترام حقوقهم المذهبية وعدم التعرض لهم في معتقداتهم ودينهم، لكن الملك نقض عهده، وراح يمارس الأمور ذاتها التي كان يقوم بها آباؤه وأجداده بل بصورة أشد شراسة، فقد أرسل الملك مشايخه وعلماءه للشيعة في المنطقة الشرقية ليجددوا إسلامهم، ولكي يؤدوا الصلاة خلفهم قهرا. وقد أفتى علماؤه في عام (1345 ه) بأن يجبر الشيعة على تغيير مذهبهم بالقوة أو ينفوا من البلاد، وأن تدمر مساجدهم وحسينياتهم، ويتم بالقوة تعليمهم مذهب السلطة ومعتقداتها. ولقد جاء في الفتوى: " وأما رافضة القطيف فيلزم الإمام أيده الله الشيخ ابن بشر أن يسافر إليهم ويلزمهم بما ذكرنا... " (71).
هذه إحدى حلقات الإكراه المذهبي والديني، يرغمون الشيعة على اعتناق
____________
(71) التمييز الطائفي في السعودية رابطة عموم الشيعة في السعودية، ص 58 - 59.
وإذا أضفنا إلى ذلك مجزرة كربلاء حين هجم (12 ألف وهابي) فجأة على ضريح الإمام الحسين، وبعد أن استولوا على الغنائم الهائلة التي لم تحمل لهم مثلها أكبر الانتصارات، تركوا ما تبقى للنار والسيف... وهلك العجزة والأطفال والنساء جميعا بسيوف هؤلاء البرابرة.
وبعد النهب والقتل دمروا كذلك ضريح الإمام وحولوه إلى كومة من الأقذار والدماء. وحطموا خصوصا المنابر والقباب لأنهم يعتقدون بأن الطابوق الذي بنيت منه مصبوب من ذهب (72).
إن التاريخ الوقائعي لعلاقة الشيعة الإمامية بالوهابية داخل المملكة السلفية مثقل بالجروح والآلام، فمن القتل والنفي في الماضي، إلى التمييز الطائفي الحالي، حيث تعذر على الحكومة ومؤسساتها الدينية القضاء على الشيعة بفضل صمودهم، وبفضل المدنية الغربية التي فجرت النفط في مناطقهم واستخدمت الشيعة في صناعة النفط (73) وآمنت بإنسانيتهم. فتعذر على الحكومة إبادتهم، إرضاء لشهوة البدو في تملك أراضيهم ومناطقهم الفلاحية المتميزة.
لكنهم محاصرون اجتماعيا واقتصاديا ودينيا. ويمارس عليهم أقصى أنواع التمييز الطائفي الذي لا يوجد له مثيل في العالم بأسره. فهم لا يدخلون الجيش إلا بصورة نادرة، سلاح الطيران إلا بصورة نادرة، سلاح البحرية إلا بصورة نادرة أيضا، لا يحق لهم الارتقاء الوظيفي إلى مستوى وزراء.. وهذا
____________
(72) أنظر أرشيف السياسة الخارجية لروسيا، 18030، الإضبارة 2235، ص 38 - 40. عن تاريخ العربية السعودية لفاسيليف، ص 116 - 117.
(73) تقول إذاعة لندن أن الشيعة " يشكلون نصف القوة العاملة في شركة أرامكو " لندن القسم العربي برنامج بين السائل والمجيب الساعة 45 , 1 دقيقة، مساء يوم الثلاثاء 26 / 12 / 1995 م.
وبعد هل هذا هو الإسلام السلفي، الذي يطرح نفسه كبديل ومنقذ للبشرية ؟ ! ماذا سيفعل السلفيون مثلا لو استطاعوا أن يحكموا بلدا كلبنان، فيه أكثر من ثماني عشر طائفة ؟ ! هل سيرمون غالبية الشعب في البحر باسم الإسلام ؟ ! ثم يستوردون البدو من الجزيرة ليعمروا البلد الفارغ من أهله ؟ !.
إن ما يقوم به الوهابية اليوم في حق الشيعة الإمامية لا يقره لا الإسلام السلفي، ولا الإسلام الخلفي، ولا تقره جميع المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. والإسلام برئ من أعمال وأفعال هؤلاء البدو ف * (لا إكراه في الدين) *.
إن الذي يقرأ ما كتبه بعض الكتاب الشيعة من هذه المنطقة حول ما يتعرض له مجتمعهم من اضطهاد ومضايقة، لا يسعه إلا أن يصرخ عاليا، ويعلن رفضه لهذه الممارسات اللاإنسانية، التي تسحق كرامة الإنسان، وتعتدي على أهم حق من حقوقه ألا وهو حق الاختيار العقائدي والديني ! !.
يقول بعض الطلبة الشيعة: إن السلفيين يؤلفون الكتب التي تطعن في
____________
(74) التمييز الطائفي في السعودية، ص 84 - 85، وأنظر للمزيد من التفاصيل في هذا المجال الشيعة في المملكة العربية السعودية، حمزة الحسن إنه لوضع عجيب غريب يتنافى مع مبادئ الإسلام وميثاق حقوق الإنسان، ولا يكاد يصدق العقل حدوثه في ظل حكومة ترفع شعارات الإسلام وتتبنى خدمة الحرمين الشريفين. راجع الشيعة في السعودية الواقع الصعب والتطلعات المشروعة، نشر رابطة عموم الشيعة في السعودية.
إن سياجا من القوانين والمعاملات الطائفية يحيط بالشيعة الإمامية من كل جانب، ليمنعهم من التمدد أو التوسع، وقد أزداد هذا السياج قوة مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، التي أثارت الرعب في جميع دول المنطقة، وعلى رأسها مملكة السلفيين، هذا الرعب الذي أشعل نار الحرب العراقية / الإيرانية والتي دامت ثمانية أعوام، أحرقت اليابس والأخضر، وابتلعت الألوف من الأرواح، والملايين من الدولارات. وراح ضحيتها ملايين من الأبرياء بين قتيل وسجين أو مشرد هنا وهناك.
إعلان الحرب على الثورة الإسلامية:
إن هذه الحرب الدموية المسلحة التي قادها طاغية أهوج، واستخدم فيها كل الأسلحة المحرمة دوليا. واكبتها حرب أخرى أشد ضراوة وأخطر وقعا، لأن آثارها ستتجاوز الحدود الجغرافية للصراع المسلح، لتشمل العالم الإسلامي بأسره. إنها الحرب التي يشنها الكتاب المرتزقة على الشيعة والتشيع انطلاقا من المملكة السلفية، وبدعم من مؤسستها الدينية. كرديف للحرب المسلحة وخلفية فكرية ودينية تدعم هذه الحرب، وتجد لها المبررات العقائدية، كي يموه على العالم الإسلامي، فلا يتعاطف مع المظلوم ولا يشجب الظالم.
لقد كتب المرتزقة عن الثورة الإسلامية في إيران بأنها ثورة مجوسية تريد أن تكتسح المنطقة وتقضي على الإسلام. لذلك صنعوا لها قادسية عربية،
وغير ذلك من الأكاذيب والافتراءات التي صنعها الإعلام العربي الموجه من طرف الدول الخائفة من الثورة الإسلامية، ورغم ما قيل من كذب وما حرف وزور من حقائق، إلا أن الحق أبي إلا أن ينطق على لسانهم. فالإعلام الذي كان بالأمس يصف الجيش العراقي بأنه جيش إسلامي يقف أمام المد الفارسي المجوسي، ويدافع عن بوابة العرب الشرقية، وأن قتلاه شهداء عند ربهم يرزقون. سينقلب على هذا الجيش وعلى حاكمه، بعد ما حول جهاده لغزو الدول الخائفة من الغزو " الفارسي المجوسي " ؟ !.
لقد انقلبت الموازين رأسا على عقب، وأصبح صدام كافرا ومجرم حرب، وجيشه أداة إجرامية قذرة. وأعلن السلفيون الجهاد ضد هذا الكافر وجيشه، وكشفت الأوراق التي أريد لها أن تحرف وتزور. وكان مما استفادته الشعوب في المنطقة والعالم الإسلامي بأسره، أن بدأت الحكومات تكشف أسرارها.
فدول الخليج أعلنت صراحة بأنها كانت تدعم العراق بالمال والسلاح أثناء حربه ضد الثورة الإسلامية. والعراق لم يبق مكتوف الأيدي وهذه الدول تستدعي الجيوش الغربية لحربه، بل كشف مجموعة من أسرار الدول الخائفة.
وهكذا كانت الشعوب على موعد مع الحقيقة، في لحظة اختلطت فيها الحسابات بين الإخوة الأعداء.
فغنمت الشعوب بعضا من الحقائق التي يمكن أن تتخذ كأمثلة للتأمل وأخذ العبرة. والطريف في الأمر هو الموقف الجديد من الثورة الإسلامية، فقد تقدم زعماء الدول الخائفة بالاعتذار للدولة والثورة التي أصبحت إسلامية. بين عشية وضحاها ! وتسابق القوم لإقامة علاقات ودية مع الثورة الإسلامية. أما الإعلام السلفي ومرتزقته فقد أسكتتهم المصالح السياسية وذهبت حقائقهم مع الريح الجديد. ووضعوا في الثلاجة إلى حين الاحتياج إليهم من جديد.
أكاذيب سلفية
الهجمة الإعلامية الشرسة على الجمهورية الإسلامية:
لقد ظهرت إبان الحرب العراقية الإيرانية كتب كثيرة، تطعن في الشيعة وعقائدهم، وتصفهم بالمجوس واليهود، وتنبه المسلمين من خطرهم على الإسلام. يقول عبد الله الغريب: " فمنذ أكثر من عشرين عاما وأنا أتتبع أنشطة الرافضة ومخططاتهم في عالمنا الإسلامي... أتتبع ما يلجأون إليه من وسائل وطرق في نشر دعوتهم في المناطق الآهلة بالسنة، وأجمع الأرقام والإحصائيات عن عدد القبائل والأفراد الذين تشيعوا خلال قرن من الزمن في كل من إيران والخليج والعراق ولبنان (75).
وبعد ذلك يملأ كتابه بالكذب المحض والافتراءات الرخيصة، ولا شك أن هذا الكتاب صناعة مخابراتية لأنه مشحون بالأرقام والتقارير، كما أن قوله أجمع الأرقام والإحصائيات عن المتشيعين يثير الشكوك في شخصه.
والكتاب من أوله إلى آخره يريد أن يظهر للمسلمين السنة إن الثورة الإسلامية في إيران هي دعوة مجوسية يسعى أصحابها كما يقول إلى " إعادة مجد كسرى ونار مزدا " (76). وهذا الكلام لا يحتاج إلى رد لأن الحمق لا يناقش، ولأن الغرض من هذا الكذب الرخيص هو إبعاد أبناء الصحوة الإسلامية عن التأثر بالثورة، لأن ذلك يشكل خطرا عن أنظمة وحكومات لا شرعية لها.
____________
(75) وجاء دور المجوس الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإسلامية، الدكتور عبد الله محمد الغريب، 1981 م، ص 3 - 4.
(76) المرجع السابق، ص 9.
وهذا الاتفاق بين الحركات الإسلامية والثورة الإيرانية هو الذي يؤرق أجهزت الأمن في العالم الإسلامي. وهذه الحركات فيها العلماء والفقهاء، وزعماء الحركات الإسلامية الكبرى، وقد أجمعوا على إسلامية هذه الثورة ووجوب الوقوف بجانبها في حربها ضد الإمبريالية وأذنابها في المنطقة. فهذا أبو الأعلى المودودي زعيم الجماعة الإسلامية في باكستان يرد على سؤال مجلة الدعوة القاهرية عدد 29 أغسطس (آب) 1979 م، حول الثورة الإسلامية في إيران. أجاب العالم المجتهد الذي أجمعت الحركة الإسلامية أنه واحد من أبرز روادها في هذا القرن: " وثورة الخميني ثورة إسلامية والقائمون عليها هم جماعة إسلامية وشباب تلقوا التربية في الحركات الإسلامية وعلى جميع المسلمين عامة والحركات الإسلامية خاصة أن تؤيد هذه الثورة وتتعاون معها في جميع المجالات " (78).
ويستعرض الأستاذ فتحي يكن مؤامرات الاستعمار والقوى الدولية ضد الإسلام فيقول في كتابه (أبجديات التصور الحركي للعمل الإسلامي، ص 48): " وفي التاريخ القريب شاهد على ما نقول ألا وهو تجربة الثورة الإسلامية في إيران هذه التجربة التي هبت لمحاربتها وإجهاضها كل قوى الأرض الكافرة ولا تزال، بسبب أنها إسلامية وأنها لا شرقية ولا
____________
(77) المرجع السابق، ص 8.
(78) السنة والشيعة ضجة مفتعلة، الدكتور عز الدين إبراهيم. منظمة الإعلام الإسلامي، 1405 ه، ص 33 - 34.
وعليه ففي الوقت الذي يشهد زعماء الحركات الإسلامية قاطبة للثورة الإيرانية بالإسلام. يقول مرتزقة السلفية إن هذه الثورة مجوسية جاءت لتعيد ملك كسرى ونار مزدا ؟ !.
يقول الدكتور عز الدين إبراهيم وهو مفكر وزعيم حركي في فلسطين المحتلة: " بدأ بعضهم يشن حملة مشبوهة ومفاجئة ضد الثورة الإسلامية التي اكتشفوا أخيرا أنها ثورة شيعية، وأن الشيعة فرقة ضالة أو كافرة وأن آية الله الخميني الذي قالوا إنه هز العروش وهو يجلس فوق سجادته أصبح أيضا ضالا كافرا ! وبدأ يتكرر أمامنا مشهد الشباب المسلم (!) الذي يحمل كتابا سعوديا مليئا بالمغالطات والافتراءات. يحمله من مسجد إلى مسجد يشرحه للناس ويبشر بما فيه من أضاليل...
أدرك أن بعض هؤلاء الشباب يتحرك بحسن نية متوهما أنه يعمل لله، تماما كما أدرك إن الطريق إلى جهنم ملئ بمثل هذه النوايا الحسنة. فمتى يكتشف مثل هذا الشباب أنهم وبحسن نية ينفذون مخططا استعماريا، وإن عليهم أن ينقذوا أنفسهم قبل فوات الأوان ؟...
ويضيف الدكتور قائلا: إنني أفهم جيدا إن موقف بعض قواعد الحركة الإسلامية المعادي للثورة والمثير للضجة المفتعلة حول السنة والشيعة ليس موقفا جذريا أصيلا، ولكنه موقف طارئ فرضه آخرون (!) على هذا الشباب
____________
(79) المرجع نفسه، ص 34. أيد أغلب رؤساء الحركات الإسلامية الثورة الإسلامية في إيران واعترفوا بها. منهم الأستاذ عصام العطار الذي أعلن تأييده للثورة وقامت مجلته " الرائد " بشرح مواقف الثورة ودعمها. وفي السودان زار زعيم الحركة الإسلامية هناك الدكتور حسن الترابي إيران وأيد الثورة وزعيمها. وفي تونس كتب الأستاذ راشد الغنوشي في مجلة المعرفة، مرشحا الإمام الخميني لإمامة المسلمين مما أدى إلى أغلاق المجلة. وفي الأردن أعلن الأستاذ محمد عبد الرحمان خليفة المراقب العام للأخوان المسلمين تأييده للثورة قبل وبعد زيارته لإيران. أما في مصر فقد وقفت مجلة " الدعوة " و " الإعتصام " و " المختار الإسلامي " إلى جانب الثورة مؤكدة إسلاميتها ومؤيدة لها ولزعيمها أنظر المرجع السابق.
والحقيقة أن هذه الكتب إنما تخدم هذا الهدف. لقد تبين للدول الخائفة من الثورة الإسلامية أن الجيش العراقي لن يصد رياح الثورة، وأن أبناء الصحوة الإسلامية يتابعون يوميات هذه الثورة ويتشوقون لمعرفة أخبارها، خصوصا بعد ما تبين لهم إن الجيش الصدامي يمارس حربا عدوانية، الغرض منها القضاء على هذه الثورة. لذلك استدعى خبراء الأمن، الكتاب المرتزقة وبدأوا في تأليف الأكاذيب والأضاليل، لمحاصرة الثورة إعلاميا وفكريا ودينيا، مستندين على تراث حشوية الحنابلة، الذين وجدوا الفرصة مناسبة، لتوزيع الكذب والخرافات، وتحقيق الانتصارات المذهبية الوهمية.
والحقيقة أن هذا الكذب السلفي قد وجد آذانا صاغية داخل قطاعات واسعة من أبناء الصحوة الإسلامية، لأن أغلبهم لا طاقة لهم بمعرفة المكر السياسي وأحابيل الصراع المذهبي، وهم قبل ذلك يخافون من الكفر والشرك ويبحثون عن الحق والتوحيد. وقد امتلأت كتب هؤلاء السلفية بوصم الشيعة بالكفر والشرك ومخالفة قواعد الإسلام والإيمان، فالشيعة يسبون الصحابة، ويدعون تحريف القرآن الكريم، ولهم قرآن آخر غير الذي بيد المسلمين ؟ !.
وهم يفضلون أئمتهم على الرسول والأنبياء، إلى غير ذلك من الهرطقات.
كل ذلك في سبيل إبعاد أبناء الصحوة عن التأثر بالثورة الإسلامية، لأن في هذا التأثر نهاية صروح عالية تمتص دماء المسلمين، وتعبث بتاريخهم ودينهم وثرواتهم الطبيعية ؟ !.
____________
(80) المرجع السابق، ص 12 - 13.
الحمق لا يناقش:
من هذه الكتب التي ظهرت ونشرت على نطاق واسع، كتاب " تبديد الظلام وتنبيه النيام إلى خطر التشيع على المسلمين والإسلام لإبراهيم سليمان الجبهان، وهذا الرجل كتب كلاما غريبا عن الشيعة، فهو يقول بعد ما ذكر فرق الشيعة: " الأصل بين جميع هذه الطوائف واحد.. وهو الإلحاد المتستر ببدعة التشيع " (81) ؟ ! !.
ويقول في أوجه الشبه والاختلاف بين التشيع والشيوعية: " كلاهما يجمع الأحرف الأولى من الشؤم والهدم واليأس والعناء، كلاهما من صنع يهودي.
وكلاهما يهدف إلى الخراب والتدمير.. ما تبنيه الإنسانية يهدمه التشيع بلا عقل، وتهدمه الشيوعية بلا ضمير.. ائتني بشيعي صغير أخرج لك منه شيوعيا كبيرا وائتني بشيوعي صغير أخرج منه يهوديا كبيرا، وائتني بيهودي صغير أثبت لك أن الشيطان واحد من عملائه...
يقطع الشيعي الشجرة التي تظله، ويقطع الشيوعي الغصن الذي يجلس عليه (82).
ويبلغ به الغلو في الكذب فيقول: " إن طائفة الشيعة الإمامية يا سادتي يتدينون بدين لا يمت إلى الإسلام إلا بصلة واهية هي أشبه ما تكون بخيط العنكبوت. لا بل إنه دين يقف مع الإسلام على طرفي نقيض (83) ؟ ! ولا يكفيه أن يخرج فئة عريضة من الإسلام بجرة قلم بل يذهب إلى رد سنة الرسول (ص)، فعل شيخهم ابن تيمية الذي سن لهم هذا الطريق.
يقول هذا الجبهان: زعموا أي الشيعة الإمامية. أن النبي (ص) قال: تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي (84). وهذا الحديث الذي يقول
____________
(81) تبديد الظلام، ط 3 1988 م، ص 11.
(82) المرجع نفسه، ص 215 - 216.
(83) المرجع السابق، ص 491.
(84) المرجع السابق، ص 501.
إننا لن نستطيع أن نرد على كل ما جاء في الكتاب أو نورده هنا، لأنه من الصعب على العاقل أن يناقش الجنون، جنون الحقد الأعمى. إن أفضل رد وأحسنه، هو أن ندعو أبناء الصحوة الإسلامية لقراءة كتب الشيعة، وأن يضعوا بجانبهم هذه الكتب السلفية وليقارنوا بعد ذلك.
أما إحسان إلهي ظهير المفكر السلفي الباكستاني، الذي انتدبته المؤسسة الدينية السلفية للرد على الشيعة، فقد أتى في كتبه بما يحير العقول وتشيب له الأطفال من الكذب والتحريف والتزوير للحقائق. أنظر إليه وهو يعرف الشيعة الإمامية يقول: " ويسمون أيضا الرافضة أو الروافض لرفضهم مناصرة أئمتهم ومتابعتهم، وغدرهم بهم وعدم وفائهم لهم كما وصفهم علي رضي الله عنه " (85).
وليسارع القارئ إلى كتب الفرق الإسلامية ليبحث عن مثل هكذا تعريف للشيعة الإمامية ؟ ! لكننا نحن ننصح القارئ بألا يضيع وقته في البحث عن شئ لا وجود له إلا في عقول وأوهام كتاب السلفية. ويكفي إحسان إلهي ظهير أنه أشعل فتنة طائفية بين أفراد الشعب الباكستاني الذين كانوا
____________
(85) الشيعة والتشيع فرق وتاريخ. الناشر إدارة ترجمان السنة. لاهور، باكستان، ط 4، 1984 م، ص 270.
ويستمر مسلسل القتل في باكستان والهند وتحرق المساجد إرضاء للإسلام السلفي وأتباعه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
إن هذه الكتب السلفية التي تنشرها المملكة السلفية للطعن في عقائد الشيعة، تساهم من جانب آخر في نشر التشيع، لأنه يكفي أن يطلع أبناء الصحوة على عقائد الشيعة في كتبهم ومجلاتهم وعند المقارنة تنهدم صروح الكذب السلفي بسرعة، ويتحول أبناء الصحوة بعد اكتشاف الحقيقة إلى أعداء للدعوة السلفية ومبادئها، ويعتنقون التشيع زرافات، وهذا ما يقع حاليا.
وإن كان زعماء الدعوة السلفية اكتشفوا ذلك فبدأوا يصدرون الفتاوى في حرمة قراءة كتب الشيعة، ويطلبون من أتباعهم عدم فتح النقاش مع الشيعة، وألا يقتنون أي كتاب من كتبهم. وذلك لحرمة اقتناء أو قراءة كتب الضلال.
نحن نقول لأبناء الصحوة لا تخافوا من كتب الشيعة، إن المكتبات وأسواق الكتب ممتلئة بكتب سارتر وماركس وداروين ومن هب ودب من فلاسفة الغرب والشرق، من ملحدين وفسقة وضالين، وقد كنا ونحن نواجه من يؤمن ببعض أفكار هؤلاء، نقتني مؤلفاتهم ونقرأها ونستوعب ما تحتويه، ثم نخرج أشد إيمانا بالإسلام، ونرد على من يعتنق مثل هذه الأفكار. إن الإسلام قوي
____________
(86) على دروب التقريب بين المذاهب الإسلامية، م. س، ص 34.
ورحم الله الشريف المرتضى حين قال: " إن المذاهب يجب أن تؤخذ من أفواه قائليها، وأصحابهم المختصين بهم ومن هو مأمون في الحكاية عنهم، ولا يرجع فيها إلى دعاوي الخصوم، فإنه إن يرجع إلى ذلك في المذهب اتسع الخرق، وجل الخطب، ولم تثق بحكاية في مذهب ولا استناد مقالة " (87).
على أبناء الصحوة ألا يخافوا من البحث والقراءة واستخدام العقل في التمحيص والمقارنة. لأن هذا هو السبيل الوحيد، الذي يحفظهم من السقوط في أحابيل المصالح السياسية المختلفة والمتناقضة، والتي لا يعلمون عنها شيئا.
لقد كانت البواخر أو الطائرات تفرغ حمولات ضخمة من كتب ونشرات وكتيبات، توزع في الجزائر وتكفر الشيعة وتبيح دمهم، ولم تكن تحمل توقيعا ولا إشارة لمؤسسة أصدرتها.
لكنها تبتدئ ب " بسم الله الرحمن الرحيم "، وبعد ذلك يأتي تكفير الشيعة وعرض عقائدهم المحرفة والرد عليها. ولم يكن أحد يتساءل من وراء هذه الشحنات الورقية، ومن يطبعها ؟ ! ولماذا توزع في الجزائر ؟ !.
فليس في الجزائر طائفة شيعية مثلا، ولا يشكل الشيعة نسبة مئوية من الشعب الجزائري، حتى يقال بأن هناك صراعا اجتماعيا مذهبيا ؟ !.
لكن السياسة الماكرة كانت تخطط بطريقة استراتيجية. الغرض منها صنع سد منيع بين أبناء الصحوة هناك والتأثر بالثورة الإسلامية في إيران، فكان لها ما أرادت وزيادة، أنظر ماذا يقول أحد الإسلامين الجزائريين: " والجماعة الإسلامية المسلحة سلفية عقيدة ومنهجا وسلوكا وموقفها من الشيعة معروف، وهو الحكم عليهم بالردة والخروج عن شرائع الإسلام " (88) ونحن على يقين
____________
(87) نقلا عن المرجع السابق، ص 144.
(88) جريدة الحياة اللندنية، الأحد 4 أيلول 1994 م.
الخلط والخبط السلفي:
وحرب الشيعة لم يقتصر فيها على الكتاب وإنما هناك كم هائل من الأشرطة والمحاضرات المسجلة والتي توزع على نطاق واسع، وهذه المحاضرات يلقيها دكاترة وشيوخ من داخل المملكة السلفية، يحرفون فيها الحقائق ويشحنون عقول المستمعين لهم بالمغالطات والكذب المحض، وبما أن المستوى التعليمي بسيط جدا هناك، فإن أحدا لا يعترض على ما يقوله هؤلاء، علما أن الشيعة لا يسمح لهم بحضور هذه المحاضرات التي غالبا ما تلقى في المساجد، في نجد والحجاز، ولو حضر شيعي وقدم اعتراضا فإن مصيره سيكون القتل لا محالة، وإذا لم يقتل فإن السلطة استلمته لتزج به في السجن.
بين يدي شريط كاسيت للدكتور ناصر بن عبد الله القفاري الأستاذ في كلية الشريعة وأصول الدين بفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في القصيم، حول " مصدر تلقي العقيدة عند الباطنية "، وهي محاضرة ألقاها في أحد المساجد، سمعت هذا الشريط مرات عدة، وجلست أفكر في المستوى العلمي لهؤلاء الدكاترة، وكيف يحصل أنصاف المتعلمين على درجة الدكتوراه، وقلت في نفسي نحن العرب نمسخ كل ما نستورده من الغرب، الديمقراطية أفرغناها من محتواها وميعنا مبادئها، حتى أصبحت سندا للاستبداد ووسيلة لانتهاك حقوق الإنسان ؟ !. وهذه الدرجة العلمية " الدكتوراه " يحصل عليها الباحث والدارس في جامعات الغرب بعد سنين من البحث والمعاناة، أما نحن فنسلمها لأشخاص لم يتجاوزوا المراحل الأولى في التحصيل العلمي ؟ ! لماذا أقول هذا الكلام ؟ ! لأن هذا الدكتور السلفي سيخلط
يقول في تعريف الباطنية: " مجموعة فرق وطوائف تعمل في الظلام وتنشر مذهبها في الخفاء وتندرج بفريستها عبر مراحل عندهم ودرجات في الدعوة والاحتواء.. لهم كما يقول الشهرستاني اسم في كل مكان ودعوة بكل لسان، فقد يتظاهرون بالتشيع في البيئة التي تغلو في التشيع لأهل البيت وتطعن في صحابة رسول الله (ص). وقد يستخدمون العلمنة والعلمانية...
وينخرطون في سلكهم لحرب الإسلام والمسلمين. وقد يرفعون شعار البعث للوصول إلى أهدافهم. وقد يرفعون شعار الحداثة للوصول إلى أهدافهم، ولذلك قال الغزالي في فضائح الباطنية إن ظاهر مذهبهم الرفض يعني التشيع لأهل البيت وباطنه الكفر المحض. وأقول إن ظاهر مذهبهم قد يكون الرفض وقد يكون البعث، وقد يكون الحداثة وقد يكون العلمنة وقد يكون وقد يكون... (89).
ماذا يقول الإنسان في هذا الهراء، سنين طويلة ونحن نتصفح كتب الفلسفة وعلم الكلام وكتب التاريخ والفكر ولم نقرأ ولم نسمع أن حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم الآن في العراق وسورية حزب باطني، والعلمانية والحداثة، ما علاقة هذه المفاهيم والأيديلوجيات بالباطنية ؟ ! وهل ظاهر العلمانية والحداثة والبعث، الرفض والتشيع ؟ !.
من قال ذلك ؟ ! ! ما هذا الخلط والخبط يا أتباع السلف الصالح ؟ ! وفي مملكة السلف الكثير ممن يؤمنون بالعلمانية والحداثة والبعث، ومن بينهم أفراد الأسرة الحاكمة. فهل هؤلاء باطنية ؟ ! ؟.
إن نقاش هذا الحمق يجلب الصداع للرأس. وبعد هذا يتابع الدكتور السلفي محاضرته ليبين بأن العلماء عرفوا عقائد هؤلاء الباطنية من خلال
____________
(89) الشريط، تسجيلات ابن الجوزي الإسلامية، الدمام شارع ابن خلدون.
ويختم الدكتور محاضرته بمربط الفرس والهدف من هذا الهراء. ليدعي بأن هؤلاء الباطنية تمثلهم اليوم طائفة الشيعة الاثنا عشرية المتواجدة في المنطقة الشرقية داخل المملكة. وأن هذه الفرقة هي المقصود بالباطنية ! !.
ويخرج البدو السذج من المحاضرة يلهجون بكفر وزندقة ملايين من المسلمين، أخرجهم هذا الدكتور بعبقريته الفذة وعلمه الواسع، من الإسلام ووضعهم ضمن الباطنية التي تسعى على حد قوله للكيد للإسلام والمسلمين.
هذه المحاضرات والكتب هي التي يتغذى عليها أبناء الصحوة الإسلامية، فيحكمون على نصف أبناء الإسلام بالردة والكفر. ويتحينون الفرصة للتقرب إلى الله بدمهم. إنه تصدير الجهل البدوي والسذاجة المعرفية المدعومة بالمكر السياسي ؟ ! ومع الأسف وجد هذا الجهل أرضا خصبة في أماكن من العالم الإسلامي، كالجزائر مثلا، فنما وترعرع وبدأ يعطي ثمارا مرة، أحلاها انتكاسة الصحوة الإسلامية وتشويه الإسلام في أعين المؤمنين به وأعدائه على السواء.
نموذج آخر من نماذج نشر الجهل السلفي، يتمثل هذه المرة في محاضرة سلفي آخر سجلت على شريط وتوزع للمساهمة في " نشر الخير " كما يدعي موزعوها. ألقاها عبد الله السبت تحت عنوان: " يزيد ابن معاوية ". وللسلفيين ولع ببني أمية وحب يفوق الوصف، و نحن نعجب لهذا الحب وكيف أن علماء أهل السنة أغفلوهم وتناسوهم ولم يعتدوا بهم، واعتبروا أغلب ملوكهم - باستثناء عمر بن عبد العزيز - فسقه ومجرمين، أساؤوا للإسلام وأهله.
لنستمع ماذا يقول عبد الله السبت بخصوص هذا الإمام السلفي الزاهد يزيد بن معاوية، يقول: انقسم الناس في يزيد ثلاثة مذاهب منها: " قوم من بقايا مجوس وباطنية ووثنية قد كفروه وعدوه زنديقا وتكلموا في عرضه وفي
وهؤلاء الذين عليهم لعائن الله هم مؤرخو أهل السنة وكبار رجال السلفية المعتمدين عندهم. يقول هذا السلفي عن ابن كثير المؤرخ بأنه سيد المؤرخين، فماذا يقول ابن كثير في يزيد ابن معاوية: " اشتهر يزيد بالمعازف وشرب الخمور، والغناء والصيد، واتخاذ القيان والكلاب، والنطاح بين الأكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلا ويصبح فيه مخمورا. وكان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويلبس القرد قلانس الذهب وكذلك الغلمان، وكان يسابق بين الخيل وكان إذا مات القرد حزن عليه وقيل إن سبب موته إنه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته (91). ويقول ابن كثير إن يزيد " كان فاسقا " (92) فهو القائل:
وقال البلاذري إن سبب وفاة يزيد إنه حمل قردة على الأتان وهو سكران ثم ركض خلفها فسقط فاندقت عنقه أو انقطع في جوفه شئ (93).
يقول نبيل فياض: قرد آخر ليزيد، اسمه أبو خلف، قال عنه البلاذري:
" خرج يزيد يتصيد بحوارين وهو سكران، فركب وبين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردا، وجعل يركض الأتان، ويقول:
لكن أبا سمير هو القرد الذي احتل أرفع مكانة في قلب " أمير المؤمنين " يزيد، إلى درجة أنه حين مات " القرد طبعا " أمر الخليفة " أمير المؤمنين " بغسله
____________
(90) الشريط تسجيلات ابن الجوزي الإسلامية الدمام شارع ابن خلدون.
(91) البداية والنهاية ابن كثير مكتبة المعارف، مكتبة النصر، ج 8، ص 236.
(92) المرجع نفسه، ج 8، ص 226، وما بعد.