الصفحة 121
الخلفاء إليه في الأحكام دليل على أنهم هم أيضا في حاجة إلى توجيهه وإرشاده.

وكل ما تتطلبه مسؤولية الخلافة، كان متوفرا في شخص الإمام علي (ع). فالفقه والقضاء اللذان شكلا روح الدولة الإسلامية. كانتا ميزتين للإمام علي (ع) وبعد ذلك لم يكن هناك قطاع أهم في مجتمع الإسلام من القطاع العسكري، والإمام علي (ع) لا شك، كان أكبر، وأعلى رجل عسكري في دولة الإسلام.

ولم يثبت التاريخ أن أحدا من الصحابة أو غيرهم كان أشجع منه وأقوى! ولا يمكن قياس أبي بكر أو عمر أو عثمان أو أي كان بالقدرة العسكرية للإمام علي (ع).

لقد اكتملت كل مؤهلات الخلافة لدى الإمام علي (ع) والذين يحرصون على نجاح مشروع الأمة، هم أولئك الذين اختاروا لها عليا (ع) لأنه الوحيد الذي يستطيع تطوير هذا المشروع والذهاب به بعيدا في خط التقدم. ولكن، لا بد أن نتذكر العوامل الأخرى، التي يمكنها أن تعرقل مشروع الإمامة. وهي ذاتها التي كانت عقبة في وجه مشروع النبوة. إنه العامل (القبلي) الذي بقي راسخا في نفوس الأغلبية الساحقة. فرفضت على علي (ع) (الإمامة) مثلما رفضت على محمد صلى الله عليه وآله النبوة، لا لشئ إلا لأنهما من (بني هاشم) وكل ذلك رؤية قبلية محضة لقضايا إسلامية مجردة!.

وبذلك يكون الرسول صلى الله عليه وآله قد أثبت للإمام علي (ع) الوصية. فمن كان راضيا بولاية الرسول صلى الله عليه وآله وجب عليه القبول بولاية الإمام علي (ع).

وأكمل الله دينه يوم تمت الرسالة واكتملت بالولاية. وهي آخر ما نزل من القرآن.

وظل النفاق يختمر في النفوس، ينتظر الفرصة كي تسنح، ليقلب للرسالة المجن فتولي نفوس أدبارها باتجاه الضلالة من جديد. ويفتح الملف المثقل بكل الحسابات القديمة. فاليوم يوم الحساب وآن لبني هاشم أن يدفعوا ثمن الانتصار المحمدي. ولترفع ثياب المشركين المقتولين بسيف علي (ع) في نفوس المنافقين، فيتربصوا الدوائر بعترة محمد الطاهرة (ع).


الصفحة 122
ستأتي الرزية، ويبدأ المنعطف، ويبدأ أول مؤتمر في تاريخ (البدو) حيث يزاح الإسلام، وتطرح قشوره، بحثا عن المنافع الشخصية. وسيبدأ التاريخ المفضوح من جدول أعمال السقيفة، ليكون ما بعدها أتراما وأتراما على آل البيت النبوي.

ولذلك تتبلور الصفة المتميزة للإمام علي (ع) أيام النبي صلى الله عليه وآله ويدل هذا أيضا على أن الإمام عليا (ع) اختير لمؤازرة الوحي، بينما غيره كان موضوعا للرسالة والوحي. أي أن الوحي كان ينقل بواسطة محمد صلى الله عليه وآله وبمؤازرة علي (ع) لينتهي إلى العامة من الناس الذين من بينهم عناصر معينة اختصت بصحبة النبي (21).

وصحبته ليست سوى حالة من التمحور حول الرسول صلى الله عليه وآله وتلقي الوحي عنه من دون أن تكون ملزمة لعصمتهم بمعنى عدم تبدلهم وتراجعهم عنه! ولم تكن الصحبة تعني بالضرورة (الخلافة) أو فيها ما يؤشر إلى ذلك. بعكس ما يبعث به مفهوما (الوصية) و (الوزارة) اللذان أختص بهما الإمام علي (ع) وبذلك تكون كل الخصال متحققة في شخص علي (ع) سوى (الوصية) وفعلا لقد أوصى صلى الله عليه وآله بالإمامة لعلي من بعده بحيث بلغ حد التواتر، وحضره جمع غفير من الصحابة، وسمعوه ووعوه، وعلقوا عليه ب‍ (بخ بخ لك) أو ما شابهها من العبارات. وكان هذا الحديث هو ورقة المعارضة منذ أن أحيلت الخلافة إلى (الرأي)!.

لم يغادر الرسول صلى الله عليه وآله الحياة، حتى وقف تلك الوقفة التاريخية الكبرى بحجة الوداع، ليعلن بصريح النص (إن عليا ولي للمؤمنين) بعده وقصة الخبر كالتالي: (22)

____________

(21) ولهذا يجب أن نميز عليا (ع) عن الصحبة. فهو ليس صحابيا فحسب. إذ له ألف وألف رابطة ووظيفة في هذا الدين، وكلها كانت تجري بعين الوحي!.

(22) - استطاع أحمد الأميني النجفي في كتابه العملاق: الغدير. إحصاء رواة الحديث من الصحابة والتابعين والعلماء، فكان أن أثبت بالأسانيد الموثقة أن: =

الصفحة 123
كان يوم الثامن عشر من ذي الحجة في سنة عشرة من الهجرة، حيث وصل الرسول صلى الله عليه وآله من حجة الوداع. وكان اسم المكان (غدير خم) يقع على مقربة من الجحفة بناحية رابغ بين مكة والمدينة وذكر اليعقوبي في تاريخه، إنه صلى الله عليه وآله قام خطيبا (بغدير خم) وأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فمن كنت مولاه، فعلي مولاه.

اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

ثم قال: أيها الناس إني فرطكم وأنتم واردي على الحوض، وإني سائلكم حين تردون علي، عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما. وقالوا: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله، سبب طرفه بيد الله، وطرف بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلوا، ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي (23).

وذكر ابن كثير في تاريخه، قال الحافظ أبو يعلى الموصلي والحسن بن سفيان بن هدبة بن حماد بن سلمة عن علي بن زيد وأبي هارون عن عدي بن ثابت عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع فلما أتينا على غدير خم فسح لرسول الله صلى الله عليه وآله تحت شجرتين ونودي في الناس الصلاة جامعة ودعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وأخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال ألست أولى بكل امرئ من نفسه قالوا بلى قال هذا مولى من أنا مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. فلقيه عمر بن الخطاب فقال هنيئا لك أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة).

وذكره النسائي في خصائصه (24) حيث قال: أخبرنا محمد بن المثنى قال: حدثنا يحيى بن حماد. قال: أخبرنا أبو عوانة عن سليمان (الأعشر) قال: حدثنا

____________

= عدد رواة الحديث من الصحابة (110).

- عدد رواته من التابعين (84).

- عدد رواته من العلماء (359).

(23) تاريخ اليعقوبي (المجلد الثاني ص 109) دار صادر.

(24) النسائي - الخصائص (ص 150) تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر المحمودي الطبعة الأولى (1403 - 1983 م).

الصفحة 124
حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل (عامر بن وائلة) عن زيد بن أرقم قال: لما رجع النبي صلى الله عليه وآله من حجة الوداع ونزل (غدير خم) أمر بدوحات فقصمن ثم قال: كأني دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن. ثم إنه أخذ بيد علي (رض) فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) (25) ولم يجد خصوم (الولاية) دليلا قوي العود، ليسندوا به خصومتهم وبعضهم ممن عرف بنقص الحياء لجأ إلى التحايل على النص، و (الشطح) في تأويله بما يعرقب أطرافه. ظانين أنهم أمام أميين لا يعلمون الكتاب. فذكر ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة: (لا نسلم أن معنى الولي ما ذكروه، بل معناه الناصر، لأنه مشترك بين معان كالمعتق والعتيق، والمتصرف في الأمر، والناصر والمحبوب، وهو حقيقة في كل منها، وتعيين بعض معاني المشترك من غير دليل يقتضيه تحكم لا يعتد به، وتعميمه في مفاهيم كلها لا يسوغ) (26).

وقد تلقف هذه بعض المهرجين (ورددوها من دون استحياء ولم أكن لأتصور كيف أن الرسول صلى الله عليه وآله يوقف المسلمين بغدير خم، ويقول لهم (ألست أولى بكم من أنفسكم) ثم يقول ما قال، فتنزل الآية: (اليوم أكملت لكم دينكم) كل هذا فقط، ليقول للمسلمين، إن عليا قريبكم، أو غيرها من المعاني التي نعتوها.

____________

(25) نفس الحديث رواه النسائي بأسانيد وطرق مختلفة، وكذلك رواه جمع غفير من المحدثين كابن حنبل في المسند والحاكم في المستدرك، والحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب. والطبري في مؤلفه الخاص، والطبراني في المعجم الأوسط والسيوطي في الدر المنثور وغيرها من كتب الحديث. ورجاله رجال الصحاح على شرط البخاري ومسلم على حد قول (الحاكم) وغيرها من الموثقات التي يضيق بها المقام.

(26) مثل هذه (الجهالات) استنسخها صاحب الرد على أباطيل المراجعات بجهل أوسع ونصب كثير!.

الصفحة 125

السقيفة

كنا قد عرفنا إن الرسول صلى الله عليه وآله لم يكن حاشاه غافلا عن قيمة الخلافة والاستخلاف. وكانت خطبة الوداع، برنامجا لهم، يقيهم عثرات المستقبل.

وأكد فيها على آل بيته (ع) وولى فيها الإمام عليا (ع) بقوله (ألا من كنت مولاه، فهذا علي مولاه) كررها ثلاث مرات. (27) وحذرهم من مغبة التجاوز للنص، ابتغاء الرأي والباطل. كما حذرهم من مغبة التضليل الافتتان والردة والافتان. ذكر اليعقوبي في تاريخه: (لا ترجعوا بعدي كفارا مضللين يملك بعضكم رقاب بعض إني خلفت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ثم أمر الناس بالالتزام بما أعلنه وأودعه فيهم قائلا: (إنكم مسؤولون فليبلغ الشاهد الغائب) (28) وكان الإمام علي (ع) هو المرشح، لولاية المسلمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وبعد أن تبين أمر الولاية. نزلت الآية الكريمة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) (29) وحيث إن الوضع يومئذ لا يسمح بالمعارضة. فإن المجموعة المنافقة لم تعلق - باستثناء بعض الحالات واستمرت في صمتها تترقب الفرصة. وفي وفاة النبي صلى الله عليه وآله بدأت المؤامرة تتبلور، وتنعكس على أرض الواقع الإسلامي.

____________

(27) وفي لفظ أحمد بن حنبل (كررها أربع مرات).

(28) - تاريخ اليعقوبي (903 - 93).

(29) - المائدة. وذكر السيوطي في الدر المنثور والخطيب البغدادي في التاريخ، نزولها في الغدير.

الصفحة 126

الصفحة 127

الوفاة وملابساتها

هناك أمران أساسيان في تناولنا لوفاة النبي صلى الله عليه وآله والأجواء التي أحاطت بهذا النبأ التاريخي العظيم.

الأول: - إن محمدا صلى الله عليه وآله الذات، البشري، الذي يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.. (شئ).

الثاني: - إن محمدا صلى الله عليه وآله بما هو همزة الوصل بين السماء والأرض وبما هو الرسول المرسل.. (شئ آخر).

والنبي صلى الله عليه وآله كذات، كبشر. ترك أثرا بالغا في نفوس الكثير من الناس.

إثر موت قريب بشري. وهؤلاء هم الذين ارتبطوا بشخصية الرسول صلى الله عليه وآله كبطل، وكعبقري. فتشكل وجدانهم على غرار هذا الاعجاب بالرسول صلى الله عليه وآله وعليه، فإنهم لا يرون الأهمية الجوهرية التي كانت تميز شخصية الرسول صلى الله عليه وآله وكان صلى الله عليه وآله هو لها وليست هي له. لذلك تراهم، سرعان ما فكروا في مستقبل حياتهم وطرق التكيف مع الأوضاع الجديدة. حيث غاب الرسول صلى الله عليه وآله وبالتالي غاب معه الوحي.

وفي نفس الأثناء، كانت هناك فئة تؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله النبي، بما هو رسول الوحي. وبما هو الرسالة. فهل ذهاب محمد صلى الله عليه وآله الذات، يعني بالضرورة

الصفحة 128
ذهاب الرسالة؟ فهؤلاء هم الذين والوا عليا (ع) امتداد طبيعي في شخصية الإمام (ع) بما هو الشخص المرشح لمواصلة المسيرة بحكم ما يملكه من مؤهلات الإمامة، وما أورثه إياه الرسول صلى الله عليه وآله من علم ضروري للقيام بهذه المهمة الرسالية. وقد رد الله سبحانه في القرآن عن أولئك الذين يحيدون، عن أوامر الرسالة، فور اعتقادهم، بوفاة النبي صلى الله عليه وآله فقال: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا).

وقد حدث ذلك في معركة (أحد) حيث فر جميع الصحابة باستثناء علي (ع) وأفراد معدودين. ووضع الفارون سيوفهم في الأغماد لما سمعوا إن محمدا صلى الله عليه وآله قد مات. حتى نزل عليهم التوبيخ الإلهي.

هذان التصوران كانا سائدين في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وبعده. وقد تجلت صورتهما لما رفع عمر بن الخطاب سيفه، يهدد من قال بموت رسول الله صلى الله عليه وآله.

ورأى أنه حي، وسوف (يرجع) كما رجع موسى (ع) وأعتقد به الكثير منهم.

وذلك دليل على أن هذا التصور موجود عند البعض، حتى ورد من قال: إن محمدا قد مات.

هذان التصوران هما أساس الاختلاف في زمن الوفاة، ووقائعها كالتالي: بعد قدومه إلى المدينة بأيام قلائل. جهز الرسول صلى الله عليه وآله جيشا لفتح تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، على حد تعبير ابن الأثير. وعقد في ذلك لأسامة بن زيد على هذا الجيش الذي اجتمع فيه المهاجرون والأنصار. وكان فيهم أبو بكر وعمر.. كما ذكر اليعقوبي. وكان قد ابتدأ الرسول صلى الله عليه وآله المرض في أواخر صفر (30) وكان أسامة يوم اشتكى الرسول صلى الله عليه وآله مرضه (بالجرف) فتأخر، مما أغضب الرسول صلى الله عليه وآله وجعله يحث على المسيرة. (31) لقد توفي الرسول صلى الله عليه وآله

____________

(30) - التاريخ الكامل لابن الأثير (ص 317 المجلد الثاني).

(31) لنا مع أسامة وجيشه جولة خاصة!.

الصفحة 129
يوم الاثنين (12 من ربيع الأول، (32) ودفن من الغد نصف النهار، (33) وذكر اليعقوبي (إن وفاته صلى الله عليه وآله كان طالع سنتها الجدي ثماني عشر درجة) (34).

وفي أثناء مرضه واحتضاره صلى الله عليه وآله كما بعد وفاته، جرت أحداث خلفت وراءها محنا سياسية واجتماعية رهيبة. ولكي نفهم مشكلة الخلافة وملابساتها، لا بد من استحضار هذه المشاهد. واستنطاق الفواصل الحساسة فيها، من أجل الخروج بمخطط فكري وسياسي، يمكننا فهم الحالة الإسلامية بعد الرسول (ص).

لقد ابتدأ على الرسول صلى الله عليه وآله المرض، وهو قد جهز جيش أسامة بن زيد، وكان من المنطقي - حسب النظرة التي نحملها نحن الآن عن الصحابة الكبار وميزاتهم كأبي بكر وعمر وعثمان. أن يعقد الرسول صلى الله عليه وآله لأحد كبار الصحابة.

لكنه عقد لأسامة، وهو يومها فتى صغيرا. وكثر الطعن في ذلك، وتكلم بعض الصحابة في إمارة أسامة، وقالوا كلاما يمجه منطق الصحبة والإيمان.

ذكر ابن سعد في الطبقات، إن سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أهل (ابني) وهي أرض السرات ناحية البلقاء. وقال (فلما كان يوم الأربعاء بدء برسول الله صلى الله عليه وآله المرض، فحم وصدع فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال: اغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وغيرهم، فتكلم قوم وقالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضبا شديدا فخرج وقد عصب على رأسه عصابة فصعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال (أما بعد، أيها الناس، فما مقالة بلغني عن بعضكم في إمارة أسامة. ولئن طعنتم في إمارة أسامة لقد طعنتم

____________

(32 - 33) - ابن الأثير: (323) وحسب التقويم الإسلامي الشيعي، إن الرسول صلى الله عليه وآله توفي في 28 من صفر.

(34) - اليعقوبي - التاريخ - (ج 3 ص 113).

الصفحة 130
في أمارة أبيه من قبله وأيم الله إنه كان للإمارة خليق وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة ثم نزل فدخل بيته وذلك يوم السبت لعشرة خلون من ربيع الأول. وثقل رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل يقول انفذوا بعث أسامة.

وفي الملل والنحل (جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه) (35). وعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وآله حرص على تجهيز الجيش. وتبين من خلال إصراره صلى الله عليه وآله على بعثه. فإن الصحابة لم يطيعوا ورجعوا بعد أن وصلوا إلى الجرف. وهناك لفتة يجب الوقوف على أطلالها. نحن في البداية نختار لأنفسنا منهجا برهانيا علميا. لنجعله برهانا غير مباشر. سنفترض أن الخلافة لعلي (ع) ونحلل على أساس هذا الغرض. فإذا أوقفنا تناقض أوقفنا (الدور) وكان افتراضنا خاطئ. واختيارنا لهذا البرهان لا يعني إنه لا برهان له بطرق أخرى.

دائما لأن هذا النمط من الاستدلال هو أقرب إلى الوجدان، وأكثر انسجاما مع العقل العلمي.

لقد سبق أن قلنا إن وجود الخلاف بعد الرسول صلى الله عليه وآله حول (الخلافة) يقتضي أن يكون أحد الفريقين على خطأ. أو بتعبير أدق، أن يكون أحد الفريقين (مدعيا) حقا ليس له أو أن الفريق الآخر (مغتصبا) لحق ليس له أيضا.

لنفترض طبقا - لأسلوبنا البرهاني المتقدم، إن الإمامة ثبتت وإن المسألة محض اغتصاب (36) وعلى هذا الأساس ننطلق.

الأجواء التي أحاطت بالصحابة والمسلمين عند وفاة الرسول صلى الله عليه وآله كانت تتخللها بعض نقاط الاستفهام. تشكل لغزا فيما لو ربطناها بما جرى بعد ذلك من أحداث.

فالرسول صلى الله عليه وآله قد علم منذ حجة الوداع - أنه سيستقبل الآخرة. وهو يعلم بذلك كما تثبت الروايات الصحيحة. فكيف يجهز جيش أسامة، وبتلك الطريقة

____________

(35) - المقدمة الرابعة (من الملل والنحل) الشهرستاني (36) - اقترحت هذه الطريقة من البرهان -؟؟ وإلا فلو افترضت (الادعاء) فليس بيني وبين النتيجة السلبية سوى نص أو نصين صريحين ينهيان المسألة من الأساس.

الصفحة 131
التي استنكرها عليه بعض الصحابة. في الوقت الذي احتفظ فيه بالإمام علي (ع) وهو رمز الجيش الإسلامي. إن للتاريخ ثغرات يمكن أن تتسلل منها الفضائح وتنكشف!.

لقد علم عمر بن الخطاب أن الرسول صلى الله عليه وآله سيموت لا محالة (37) وبأنه كان مصرا على الحضور بعيد وفاته، ليعرف كيف وإلى أين ستؤول الأوضاع. إنه سمع من الرسول صلى الله عليه وآله في حجة الوداع. وبغدير خم إن ولي المسلمين هو (علي بن أبي طالب) وكان قد تقدم إليه بالتهنئة قائلا (بخ بخ لك يا أمير المؤمنين) ولكنه أصر أن لا تؤول إليه. وأن ذلك رهين بحضوره المستمر. ولهذا أبي أن يجهز جيش أسامة، إن تردد عمر بن الخطاب، وتقنعه بالروح. وكان لإمارة الرسول صلى الله عليه وآله وعقده لأسامة درس للصحابة، كي يعلموا أن الإمارة بالنص لا بالرأي. وبأن تشددهم برأيهم لم يقنع الرسول صلى الله عليه وآله بتغيير وجهة نظره. وفي ذلك ردع لكل من يتطلع لخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وإحباط معنوي كي لا تطمع نفوس بها. ولذلك حرصت هذه النفوس على الحفاظ على معنوياتها وأفشلت مسيرة جيش أسامة وتقولت فيه.

وهنالك رأي كسير، يحتاج إلى جواب يجبره. هو أن بعض (مبررة) الخيانات التاريخية، رأوا في ذلك دليلا على تعلق عمر ابن الخطاب وأبي بكر، بالنبي صلى الله عليه وآله وأنهما فضلا البقاء إلى جوار الرسول صلى الله عليه وآله وعلى مقربة منه ليطمئنوا عليه.

وكسر هذا التبرير، يمكن جبره: بثلاث مسائل:

أولا: لقد سبق أن ذكرنا الطريقتين اللتين كان يتعامل بهما الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وآله ولعل هؤلاء من الصنف الأول، الذين اهتموا بشخص الرسول صلى الله عليه وآله ولم يهتموا برسالته. ولولا ذلك لكان عليهم الاستجابة لداعي الجهاد. خصوصا وأن الرسول صلى الله عليه وآله لعن من تخلف عن جيش أسامة. ثم إن

____________

(37) الروايات السنية تثبت أن عمر وغيره من الصحابة بكوا في حجة الوداع وعيانهم بقرب وفاته!.

الصفحة 132
هؤلاء كانوا قد طعنوا ابتداء في إمارة أسامة وليس حبا في الرسول صلى الله عليه وآله.

ثانيا: إن عمر بن الخطاب رفض تجهيز جيش أسامة على وجه الاطلاق وإنه رفض أن يكون أسامة على رأس الجيش. ليس ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وآله بل حتى بعده. وقد ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه (38)، أن عمر بن الخطاب طلب من أبي بكر عزل أسامة ابن زيد في خلافته، فوثب بلحية عمر قائلا: (ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب، استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وتأمرني أن أنزعه).

فعمر بن الخطاب، كان له موقف ثابت من إمارة أسامة وبقي ثابتا على هذا ؟ الموقف حتى بعد الرسول صلى الله عليه وآله.

ثالثا: إن تعامل الرجلين مع الرسول صلى الله عليه وآله في مرضه، لا يدل على تعلقهما ؟ الشديد به. بل الواضح إنهما كانا مصدر إزعاج له في مرضه، ونهى الرسول صلى الله عليه وآله عمر أكثر من مرة. ففي تخلفه وتقوله في جيش أسامة، خرج الرسول صلى الله عليه وآله معصب الرأس غاضبا (لعن الله من تخلف عن جيش أسامة).

ثم إن أبا بكر لم يكن حاضرا عند وفاة الرسول صلى الله عليه وآله ذكر ابن الأثير في تاريخه (ولما توفي صلى الله عليه وآله كان أبو بكر بمنزله بالسنح) (39).

أما عمر بن الخطاب، فقد وقف موقفا قمعيا، إذ حال بين الرسول صلى الله عليه وآله في مرضه والكتابة. وهي أكبر لغز في تاريخ الإسلام، ما تزال (المبررة) تغض الطرف عنه، ولا تمعن فيه النظر. وهو ما سمي (برزية يوم الخميس) حيث أخرج مسلم في كتابه الوصية من الصحيح قال: عن سعيد بن جبير من طريق آخر عن ابن عباس، قال: يوم الخميس وما يوم الخميس، ثم جعل تسيل دموعه حتى رؤيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة، أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا،

____________

(38) - وكذلك الدحلاني في السيرة والحلبي وغيرهما.

(39) - التاريخ الكامل لابن الأثير (ج 2 ص 323).

الصفحة 133
فقالوا: إن رسول الله يهجر) (40).

وأخرجه الطبراني في الأوسط بهذا اللفظ لما مرض النبي صلى الله عليه وآله وقال: إئتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فقال النسوة من وراء الستر: ألا تسمعون ما يقول رسول الله صلى الله عليه وآله قال، قال عمر: فقلت إنكن صويحبات يوسف (41) إذا مرض رسول الله عصرتن أعينكن، وإذا صح ركبتن عنقه! قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (دعوهن فإنهن خير منكم) (42).

و (يهجر) هذه التي استخدمها عمر، ليست أدبا يليق بمقام النبوة وعمر يعلم أن من راحة النبي صلى الله عليه وآله أن يقدم له ما يطلب. ولم يؤذن لعمر بن الخطاب أن يفتي في حضرة الرسول صلى الله عليه وآله وبأنه (حسابنا كتاب الله) والأحاديث تؤكد بأن الرسول صلى الله عليه وآله غضب لذلك غضبا شديدا وهو ما يفيد قولنا، بأن حضور عمر بن الخطاب، كان له هدف مرسوم وغاية محددة. ولو كان أطاع

____________

(40) - ذكره أحمد بهذا اللفظ ومسلم في صحيحه: (ص 75 ج 3) دار المعرفة بيروت.

(41) - ترى من هن صويحبات يوسف. هل هي (زليخة) التي عشقت فتى غير زوجها وراودته عن نفسه. أم زائراتها اللائي قطعن أيديهن وسلمن (لزليخة) في رغبتها في (يوسف) أهكذا (عمر) شبه نساء النبي صلى الله عليه وآله فهل سلمان رشدي أتى بجديد؟.

(42) - لا أريد الإطالة في عرض الحديث وأسانيده وطرقه المختلفة التي اكتضت بها كتب الصحاح الستة وتواريخهم ومن بين أولئك البخاري في صحيحه في باب مرض الرسول وفي كتاب العلم. كما أخرجه مسلم في باب الوصية، وأحمد والطبراني في الأوسط وكنز العمال الجزء الثالث، ومن المؤرخين ذكره الطبري في التاريخ، وسعد في الطبقات بسنده عن سعيد بن جبير عن بن عباس - وذكر البخاري في باب جواز. الوفد من كتاب الجهاد والسيرة من صحيحه: حدثنا بن عينية عن سلمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال يوم الخميس وما يوم الخميس إلى أن قال) فقالوا: هجر رسول الله.

قال صلى الله عليه وآله: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه. وأوصى عند موته بثلاث: اخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم قال ونسيت الثالثة.

قلت: وليس هذه (نسيت الثالثة) سوى الرديف الطبيعي ل‍ (كذا وكذا) التي سبق أن رأيناها عند الطبري في بحث حديث (الدار) وكأن المؤرخين والمحدثين فطروا على نسيان (الرزايا) التي تعتبر بؤرة لفهم ما حصل ولماذا! وحديث (الدواة) أشهر من نار على علم لدى كل المحدثين وهو بحق، أعظم رزية على حد قول بن عباس.

الصفحة 134
النبي صلى الله عليه وآله في السير مع جيش أسامة لكان خيرا له، وأقرب للتقوى كما يجب أن يتحلى بها صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وحماة العقيدة وأفضل له من قذف الرسول صلى الله عليه وآله بالهجران (43).

أولا: - لأنه تخلف عن جيش أسامة ولم يجب أمر الرسول.

وثانيا: - لأن الرسول صلى الله عليه وآله لما رآه حاضرا طلب فورا. الدوات والقرطاس، لأنه يعلم أن وجود عمر في المقام يهدف كسب الخلافة لصالح مخططه. والدليل على ذلك، أنه هو نفسه الذي عارض طلب الرسول صلى الله عليه وآله بحجة أن الرسول صلى الله عليه وآله يهجر. بمعنى يهذي. أي أن النبي صلى الله عليه وآله فقد صلاحية النبوة في تلك اللحظة، وهو لا يزال بين أظهرهم. وأعطى منذ ذلك الوقت، عمر بن الخطاب نفسه، صلاحية الاجتهاد والتقدير!.

وعمر هذا كان يدرك ماذا يمكن أن يكتب الرسول صلى الله عليه وآله في ذلك القرطاس، ولم يكن ابن عباس ولا الآخرين يجهلون حقيقة الموقف لما قال:

الرزية كل الرزية لما حيل بين الرسول والكتابة. فهي رزية، لأن دليلها تجلى في أحداث السقيفة وما بعدها. ويورد ابن أبي الحديد في شرح النهج عن ابن عباس قال: خرجت مع عمر إلى الشام في إحدى خرجاته. فانفرد يوما يسير على بعيره فقال لي: يا ابن عباس. أشكو إليك ابن عمك - أي الإمام علي (ع) سألته أن يخرج معي فلم يفعل ولا أزال أراه واجدا، فما تظن موجدته؟ قلت: يا أمير المؤمنين إنك لتعلم، قال: أظنه لا يزال كئيبا لفوت الخلافة. قلت: هو ذلك، إنه يزعم أن رسول الله أراد الأمر له. قال: يا ابن عباس وأراد رسول الله الأمر فكان ماذا إذا لم يرد الله تعالى ذلك. إن رسول الله أراد أمرا وأراد الله غيره فنفذ

____________

(43) - (الهجر) في اللغة، هو القوم السئ وفي لسان العرب لابن منظور، الهجر برفع الهاء - القبيح من الكلام. والهجر أيضا بمعنى الهذيان. والهجر، بالضم الاسم من الاهجاء وهو الافحاش. وكذلك إذا كثر الكلام فيما لا ينبغي. وهجر في مرضه، بمعنى هذى. وكان هذا ما أراده عمر بن الخطاب من كلمته مما زاد الرسول صلى الله عليه وآله ألما ووجعا.. وأمرنا لله!.

الصفحة 135
أمر الله ولم ينفذ مراد رسول الله أو كلما أراد رسول الله كان أراده الله) وهذه الكلمة التي أقل (قسوة) من (يهجر) تدل على مدى معرفة عمر بن الخطاب بمجريات الأمور، ومدركا لكل الأبعاد. وأبى إلا أن يوقف الرسول صلى الله عليه وآله وعنده حده. ويقوم بقمع آل البيت حتى لا يحضروا له الدواة.

إن الحؤول دون (نص) جديد في تأكيد المسألة، هو ما دفع عمر بن الخطاب لمنع الإتيان بالدواة والقلم. ولقد ألف عمر ابن الخطاب مخالفة الرسول صلى الله عليه وآله في حياته وخلف له متاعب كثيرة، كتلك التي في صلح الحديبية، وكرفضه إمارة أسامة. ولقد مات الرسول صلى الله عليه وآله غاضبا وهو يعلم أن القوم حريصون على (إمارة) المسلمين، وعلم بكل ما سيقع. فكان همه، أن يسر إلى علي (ع) بما ينبغي أن يقوم به في الأحوال التي سيواجهها في المستقبل. وبقي معه، حتى فاضت روحه الطاهرة وهو يتوسد صدر الإمام علي (ع) (44).

وما أن فاضت روحه الطاهرة. حتى تفرقت الصفوف من حول الرسول صلى الله عليه وآله ولم يبق حوله إلا علي (ع) وآل بيته.

لم يرو التاريخ عن أن عمر بن الخطاب. هذا الذي أبى السير مع أسامة، حبا

____________

(44) من المفارقات العجيبة التي تروى لدى العامة، أن الرسول صلى الله عليه وآله مات مستندا إلى عائشة. وهذا تلفيق تاريخي. اصطنعوه. فالظاهر من التاريخ إن الذي اهتم بمرضه ودفنه. هو الإمام علي (ع) وأورد بن سعد في الطبقات أكثر من رواية تقول بأنه توفي في حجر علي بن أبي طالب.

وروى الحاكم في المستدرك عن أحمد بن حنبل بسنده عن أم سلمة قالت: والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وآله إلى أن قالت: فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل يساره ويناجيه، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وآله من يومه ذلك فكان علي أقرب الناس عهدا به. وذكر من ذلك بن سعد، وكذلك صاحب الكنز أنه قيل لابن عباس: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله توفي ورأسه في حجر أحد؟ قال: نعم توفي وإنه لمستند إلى صدر علي، فقيل له: إن عروة يحدث عن عائشة أنها قالت:

توفي بين سحري ونحري، فأنكر بن عباس ذلك، قائلا للسائل: أتعقل؟ والله لتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وإنه لمستند إلى صدر علي وهو الذي غسله.. وذكر ذلك الحاكم في مستدركه وعلق على سنده قائلا: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه (أي البخاري ومسلم)، وصححه الذهبي.

الصفحة 136
وتعلقا بالرسول صلى الله عليه وآله لم يرو عنه إنه اهتم بجنازة الرسول صلى الله عليه وآله وكل ما في الأمر أنه بدأ يقول كلاما غريبا عن منطق العقل، لا سند له من الكتاب، مفاده إن الرسول صلى الله عليه وآله لم يمت!.

وبقي الرسول صلى الله عليه وآله جثة هامدة بين يدي آل البيت، يغسلونه، في الوقت الذي راح الآخرون يتطاحنون على حق محسوم بالنص واستغلالا للظرف. وركوبا لفرصة (غياب) الإمام علي (ع) وآل البيت.

وإنني ما زلت إلى اليوم أتسأل - لا عن زهد عمر وأبي بكر وغيرهم في جنازة الرسول صلى الله عليه وآله بسبب التسابق إلى السقيفة - بل أتسأل عن أولئك الذين لا يزالون يبررون التاريخ المفضوح، كيف لا يفهمون (اللعبة) التاريخية. وحال دونهم والحقيقة، أنهم أعيد تركيبهم تاريخيا، ليصبحوا أكثر أهمية من الرسول صلى الله عليه وآله والأمة. ذكر ابن سعد في الطبقات، إنه غسل الرسول صلى الله عليه وآله علي ابن أبي طالب، والفضل ابن العباس، وأسامة ابن زيد.

وفي رواية ابن الأثير في التاريخ الكامل (ولما توفي صلى الله عليه وآله كان أبو بكر بمنزله بالسنخ، وعمر حاضر، فلما توفي قام عمر فقال: إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله توفي وإنه والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى ابن عمران، والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وآله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه مات. وأقبل أبو بكر وعمر يكلم الناس. إلى أن قال) فأقبل أبو بكر على الناس، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه وتركوا عمر.

الحديث) وهذا الحديث وثيقة قابلة للنقد، والسؤال الذي يجب توجيهه لهذه الوثيقة: لماذا وبأي دليل، يكون الرسول صلى الله عليه وآله ليس ميتا في ذهن عمر؟ وما هو الانسجام في قياس النبي صلى الله عليه وآله بموسى ابن عمران (ع). إذ أن الثاني ذهب بروحه وجسده. بينما الرسول صلى الله عليه وآله بقيت جثته هامدة أمامهم!؟.

ثم كيف تتحول وجهة النظر هذه إلى قمع وإرهاب واتهام بالنفاق وتهديد بالقتل الذي حرمه الله إلا بالحق؟.

ولماذا نجد عمر الذي فقد وعيه وبدأ يقول الغرائب. ولم يستطع أحد الاقتراب

الصفحة 137
منه، كيف يهدأ ويسلس ويحضر له الضمير والعقل لما جاء أبو بكر وقال ما قال؟!.

هذا لغز تاريخي يجب إخضاعه للحفر المنهجي، وإزالة الملابسات التبريرية عنه، لإظهار وجه الحقيقة من خلاله، فلا عمر بن الخطاب كان يجهل (وفاة) الرسول صلى الله عليه وآله كيف ذلك وهو من أتهمه (بالهجران) واعترف بأنه افتقد الوعي، وحسابنا كتاب الله! ولم يكن عمر يجهل الآية التي تلاها عليه أبو بكر:

(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل. أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم. فلقد كان يعرفها وهو الذي سمع الرسول صلى الله عليه وآله ينعى نفسه إليهم.

وإنما أمر آخر كان يشغل بال عمر. هو أن يصرف الناس عن التفكير فيما بعد (الوفاة). حتى يربح الوقت لكي يأتي أبو بكر، وتتم العملية. وما أن جاء أبو بكر حتى سمعوا بأمر الأنصار واجتماعهم في السقيفة، فالتحقوا بهم مسرعين، وانتهى محمد صلى الله عليه وآله ولم يبقى إلا أمر السقيفة. حيث يدخلها عمر بن الخطاب بكل قوة وتحضير من دون أن تتخلله رقة، من أثر وفاة الرسول صلى الله عليه وآله.

دخل عمر السقيفة ليطرح رأيه، ويلغي رأي الجميع. متذرعا بأن أبا بكر هو الوحيد الذي يصلح للأمة. وكأن محمد صلى الله عليه وآله لم يتمكن خلال هذه السنين الطوال. أن يصنع من هذ أصلح للأمة، سوى أبي بكر. وبدأ أبو بكر مضطربا، يريد الخلافة ولا يريدها!.

وكان عمر بن الخطاب، يتشدد في تشجيع أبي بكر. لقد تركوا الرسول صلى الله عليه وآله طريح فراشه. وانشغلوا بأمر الخلافة. يقول ابن كثير:

(توفي صلى الله عليه وآله يوم الاثنين وذلك ضحى فاشتغل الناس ببيعة أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة ثم في المسجد البيعة العامة في بقية يوم الاثنين وصبيحة الثلاثاء كما تقدم ذلك بطوله ثم أخذوا في غسل رسول صلى الله عليه وآله وتكفينه والصلاة عليه صلى الله عليه وآله تسليما بقية يوم الثلاثاء ودفنوه ليلة الأربعاء (45).

____________

(45) - البداية والنهاية لابن كثير ص 305 5 - 6) دار الكتب العلمية بيروت.

الصفحة 138
وكان عمر وأبو بكر قد سمعا باجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة. فلحقوا بهم حتى لا يفوتا عليهما الفرصة. ومال جماعة من الأنصار إلى سعد ابن عبادة زعيم الخزرج، وكان مريضا وفي تاريخ اليعقوبي: وبلغ أبا بكر وعمر وأبا عبيدة ابن الجراح الخبر فقالوا: يا معشر الأنصار، منا رسول الله صلى الله عليه وآله، وفي (الإمامة والسياسية) (47) فأجابوا جميعا (أي أجاب الأنصار سعد ابن عبادة) أن قد وفقت في الرأي، وأصبت في القول. ولن نعدو ما رأيت توليانك هذا الأمر.

فأنت مقنع ولصالح المؤمنين رضا. قال فأتى الخبر إلى أبي بكر ففزع أشد الفزع.

فقام معه عمر فخرجا مسرعين إلى سقيفة بني ساعدة).

لقد فزع أبا بكر لما رأى الأنصار مجتمعين في السقيفة. وما فزع لوفاة الرسول صلى الله عليه وآله ولم يحزن كما حزن آل البيت (ع) المنشغلون بتجهيز الرسول صلى الله عليه وآله لقد توفي الرسول صلى الله عليه وآله وأبو بكر، في منزله بالسنخ مع أهله.

لقد ذكر ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق: لما كان يوم الاثنين خرج رسول الله صلى الله عليه وآله عاصبا رأسه (إلى أن قال) قال: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله من كلامه. قال أبو بكر، يا نبي الله إني أراك قد أصبحت ابنعمة من الله وفضل كما تحب، واليوم يوم ابنت خارجة، أفأتيها؟ قال: نعم: ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنخ) (48) (أخرجه الطبري).

ولم يفزعه أمر (الوفاة) مثل ما أفزعه أمر (السقيفة). وما أن رأى الأنصار أبا بكر وعمر، وعلموا مدى حرصهما على الفوز بالخلافة حتى قالوا: منا أمير ومنكم أمير! ولم يستطع أبا بكر إقناعهم. فتقدم عمر بن الخطاب وقال:

(خشيت أن يقصر أبو بكر عن بعض الكلام. فلما تيسر عمر للكلام، تجهز أبو بكر وقال له: على رسلك. فستكفى الكلام، فتشهد أبو بكر، وانتصب له

____________

(46) - تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 123) دار صادر.

(47) - تاريخ الخلفاء أو الإمامة والسياسة (ابن قتيبة) (1 - 2 ص 5) مؤسسة الوفاء بيروت لبنان.

(48) - سيرة بن هاشم المجلد 4 ص 305) دار الكتاب العربي أقول: وأولى له أن يسير مع جيش أسامة بدل الذهاب إلى (بنت خارجة).

الصفحة 139
الناس، (إلى أن قال) والله ما زلتم مؤثرين إخوانكم من المهاجرين، وأنتم أحق الناس ألا يكون هذا الأمر واختلافه على أيديكم، وأبعد أن لا تحسدوا إخوانكم على خير ساقه الله تعالى إليهم وإنما أدعوكم إلى أبي عبيدة أو عمر. وكلاهما قد رضيت لكم ولهذا الأمر، وكلاهما له أهل. فقال عمر وأبو عبيدة: ما ينبغي لأحد من الناس أن يكون فوقك يا أبا بكر) (49).

كان المخطط الذي رسمه أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، وهم في طريقهم إلى السقيفة، متكاملا. ولم يفصل لنا التاريخ فيما قيل بين الثلاثة وهم في طريقهم إلى الأنصار وليس من المنطق، أن يسيروا كل هذه المسافة، دون أن يتحدثوا في موضوع السقيفة. المخطط هو أن تكون الخلافة - لهؤلاء الثلاثة. على أن يؤازر بعضهم بعضا، ويثني بعضهم على الآخر. وما دام أبو بكر هو المقرب في الحلف. قدموه على أن تكون الخلافة دولة بينهم، فأقبل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة. فقالوا: (يا معشر الأنصار! منا رسول الله، فنحن أحق بمقامه. وقالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير! فقال أبو بكر: منا الأمراء وأنتم الوزراء. فقام ثابت ابن قيس ابن شماس، وهو خطيب الأنصار. فتكلم وذكر فضلهم. فقال أبو بكر، ما ندفعهم عن الفضل، وما ذكرتم من الفضل فأنتم له أهل. ولكن قريشا أولى بمحمد منكم. وهذا عمر بن الخطاب الذي قال رسول الله: (اللهم أعز الدين به. وهذا أبو عبيدة الذي قال رسول الله فيه: أمير هذه الأمة، فبايعوا أيهما شئتم! فأبيا عليه وقالا: والله ما كنا لنتقدمك، وأنت صاحب رسول الله وثاني اثنين فضرب أبو عبيدة على يد أبي بكر، وثنى عمر، ثم بايع من كان معه من قريش) (50).

ولم يقتنع أغلبية الحاضرين بهذه (اللعبة) المكشوفة. فقد قام الحباب ابن المنذر وقال: (يا معشر الأنصار املكوا على أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا

____________

(49) - ابن قتيبة (الإمامة والسياسة) (ص 5 - 6) مؤسسة الوفاء بيروت.

(50) - تاريخ اليعقوبي.

الصفحة 140
وأصحابه فيذهبوا أبنصيبكم من هذا الأمر) (51).

والذين بايعوا أبا بكر جريا على رأي عمر بن الخطاب من الأوس، إنما فعلوا ذلك لأن حدة الصراع التاريخي بين الأوس والخزرج لا تزال حية في كثير من النفوس. وإنهم بايعوا أبا بكر فقط، ليمنعوا الخزرج من هذا الامتياز. ذكر ابن الأثير: (ولما رأت الأوس ما صنع بشير وما تطلب الخزرج من تأمير سعد. قال بعضهم لبعض، وفيهم أسيد ابن حضير، وكان نقيبا، والله لئن وليتها الخزرج مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ولا جعلوا لكم فيها نصيبا أبدا. فقوموا فبايعوا أبا بكر. فبايعوه. فانكسر على سعد والخزرج ما أجمعوا عليه، وأقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب).

غير أن سعد بن عبادة، لم ينكسر أمام هيمنة أبي بكر وعمر. وأبى أن يبايع وأدرك بعض الأنصار طبيعة اللعبة، وأحاطوا بأطرافها وعلموا أنها بداية لمسيرة طويلة، وأنها ستحول إلى (دولة) بين أبي بكر وعمر. وفي تلك اللحظة قال أبو بكر للحباب: أمنا تخاف يا حباب؟ قال: ليس منك أخاف، ولكن ممن يجئ بعدك. قال أبو بكر فإذا كان ذلك كذلك، فالأمر إليك وإلى أصحابك. ليس لنا عليكم طاعة، قال الحباب: هيهات يا أبا بكر، إذا ذهبت أنا وأنت جاءنا بعدك من يسومنا الضيم) (52).

إن معارضة (سعد بن عبادة (رض) لبيعة أبي بكر، تركت تحديا كبيرا لتيار (الرأي) وتشدده في الرفض لم يكن حبا في الإمارة، بقدر ما هو رفض لأبي بكر وعمر بن الخطاب. وللطريقة التي ركبوها في إلغاء رأي الآخرين. وتثبيت أنفسهم. فقال يومها سعد ابن عبادة: أما والله لو أن لي ما أقدر به على النهوض، لسمعتم مني في أقطارها زئيرا يخرجك أنت وأصحابك، ولألحقنك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع. خاملا غير عزيز. فبايعه الناس جميعا، حتى

____________

(51) - ابن الأثير (التاريخ الكامل) (ص 330).

(52) - الإمامة والسياسة (بن قتيبة ص 9) مؤسسة الوفاء بيروت.

الصفحة 141
كادوا يطئون سعدا. فقال سعد: قتلتموني. فقيل (وفي رواية أخرى قال عمر (53). اقتلوه قتله الله. فقال سعد: احملوني من هذا المكان فحملوه داره وترك أياما، ثم بعث إليه أبو بكر: أن أقبل فبايع، فقد بايع الناس وقومك، فقال: أما والله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي. وأخصب منكم سناني ورمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي، ولا والله لو أن الجن اجتمعت مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم حسابي) (54) وكان من المفترض أن يقتل سعد بن عبادة لتوها، لولا أن عوامل كثيرة حالت دونه وعمر. والثابت في التاريخ، والظاهر من الأحداث، أن عمر ابن الخطاب هو الذي دبر عملية اغتيال سعد. وبتنفيذ هذه العملية يكون عمر بن الخطاب، أول مشرع للاغتيال السياسي، وأسلوب تصفية المعارضة جسديا في الإسلام. لقد كان رأي عمر بن الخطاب يرمي إلى إجبار سعد بن عبادة بالقوة إلى مبايعة أبي بكر. غير أن الأمر قد يسبب له خطورة. قال عمر لأبي بكر: لا تدعه حتى يبايعك، فقال لهم بشير ابن سعد: إنه قد أبى ولج وليس يبايعك حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل ولده معه، وأهل بيته وعشيرته، ولن تقتلوهم حتى تقتل الخزرج، ولن تقتل الخزرج حتى تقتل الأوس، فلا تفسدوا على أنفسكم أمرا قد استقام لكم، فاتركوه فليس تركه بضاركم، وإنما هو رجل واحد. فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد. وكان سعد لا يصلي بصلاتهم، ولا يجتمع بجمعتهم ولا يفيض بإفاضتهم ولو يجد عليهم أعوانا لصال بهم، ولو يبايعه أحد على قتالهم لقاتلهم. فلم يزل كذلك حتى توفي أبا بكر وولي عمر، فخرج إلى الشام، فمات بها، ولم يبايع لأحد) (55).

ويذكر التاريخ أن سعد بن عبادة، مات مقتولا. وأثناء ذهابه إلى (حوران وبينما هو خارج ليلا، إذا بسم يطلق على ظهره فقتله. وثبت لدى المؤرخين أن

____________

(53) - كاليعقوبي مثلا.

(54) - الإمامة والسياسة (ابن قتيبة).

(55) - الإمامة والسياسة بن قتيبة.

الصفحة 142
المغيرة بن شعبة هو الذي قتله. ونحن نتسأل، لماذا يقتل سعد بن عبادة، وما الفائدة أن يقتله إنسان مجهول؟ لقد جاء غسالو صحون (البلاطات) ليثبتوا حقيقة (فكاهية) مفادها أن سعد بن عبادة قتله الجن) (56) ذلك لأنه بال في الماء الراكد. وقد أوردوا أبياتا كان قد قالها الجني الذي رماه بالسيف:

قد قتلنا سيد الخزرج * سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين * فلن تخط فؤاده

ويبدو لي إن الذي قتل سعدا، كان من الجن السياسين. لأنه يفتخر بقتل (سعد بن عبادة) سيد الخزرج. ولأول مرة تفيض (عبقرة) الجان السياسي في أرض العرب. والظاهر أن الجني، هو عميل عمر بن الخطاب وهو " جنب بلا شك، " ما دام أنه متلبسا ومختفيا في جنح الظلام.

ولست أدري لماذا يقتل (سعد بن عبادة) لأنه رفض البيعة. إذا كان أمر البيعة في منطق السقيفة شورى!.

ولم تكن هذه هي الثغرة الوحيدة في أحداث السقيفة وما بعدها فلقد عارض لعبة السقيفة، غفير من رموز الصحابة الكبار. الذين أشغلهم الخطب بوفاة الرسول صلى الله عليه وآله وعلى قمة المعارضين الإمام علي (ع).

لقد ذكر المؤرخون إن عليا (ع) وبني هاشم وجماعة من الصحابة، امتنعوا عن البيعة، واعتصموا في بيت فاطمة.

(وتخلف قوم غفير عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار. ومالوا مع علي بن أبي طالب. منهم: العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام بن العاص، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب، فأرسل أبو بكر إلى عمر بن الخطاب وأبي عبيدة والمغيرة ابن شعبة

____________

(56) - إحياء علوم الدين الغزالي أبو حامد.

الصفحة 143
فقال.. الخ) وذكر ابن الأثير: قال الزهري: بقي علي وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة (رض) فبايعوه.

لم يكن عمر ليستريح وهو يرى عليا (ع) وبني هاشم وجماعة الصحابة معتصمين ببيت فاطمة. فأنطلق عمر وجماعة معه. وحثهم على الخروج. فأبوا أن يذعنوا. ويذكر بن قتيبة (فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده: لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له يا أبا حفص: إن فيها فاطمة؟ فقال وإن، فخرجوا فبايعوا إلا عليا، فإنه زعم أنه قال: حلفت أن لا أخرج ولا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن فوقفت فاطمة (رض) على بابها، فقالت، لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله جنازة في أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقا.. الخ) (57) وكان لهذا الموقف الذي وقفه عمر بن الخطاب، أثر على بني هاشم وعلى أتباعهم. وخصوصا ذلك الموقف الذي وقفه عمر بن الخطاب يوم أراد أن يحرق على فاطمة الزهراء (ع) دارها، حيث يتمثله شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدته الشهيرة:

وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص بقائلها * أمام فارس عدنان وحاميها

وبقي علي (ع) رافضا لمبايعتهم. رغم كل المحاولات وفي رواية للطبري:

تزلف علي والزبير واخترط الزبير سيفه وقال لا أغمده حتى يبايع علي فقال عمر خذوا سيف الزبير فاضربوا به الحجر فانطلق عليهم عمر فجاء بهما تعبا وقال لتبايعان وأنتما طائعان أو لتبايعان وأنتما كارهان. فبايعا.

____________

(57) - بن قتيبة الإمامة والسياسة (ص 12). وحديث حرق دار فاطمة، مجمع على وقوعه ومن رواته بن عبد ربه في العقد الفريد، والإمامة والسياسة.