الصفحة 96

عدا إن مسألة ولادته ونموه المذكورة في الكتاب المقدس تقتضي تناوله الغذاء عبر هذه الطريقة، كما هو معروف في العرف العام.

(6) (الله) المسيح عليه السلام لا يجد لنفسه مسند رأس، فهو فقير ومعوز ومع ذلك خالق الكون ومبدع الوجود ومسكن الناس في قصور وبروج، فقد ورد في إنجيل متى 8: 20: (فقال له يسوع (الله) للثعالب أو جرة ولطيور السماء أو أوكار أما ابن الإنسان (المسيح = الله) فليس له أن يسند رأسه). إن هذا النص يوضح مدى فقر وعوز (الله) بحسب تعريف الثالوث فهل يتقبل العقل أن تكون حال من يبسط الرزق لمن يشاء من عباده هي هذه...

(7) (الله) المسيح عليه السلام يصلي ويتعبد ليلاً ونهاراً... ورد في إنجيل مرقص 1: 35 إن المسيح (الله)

الصفحة 97
كما تعرفه الكنيسة (في الصباح الباكر قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء وكان يصلي هناك فتبعه سمعان والذين معه) وهنا يقتضي العقل أن تطرح عدة أسئلة منها.

إذا كان هو (الله) فلمن كان يصلي؟ وهل يصلي الآلهة المتشابهون الذين يفرضهم الثالوث واحدهم للآخر؟ ولماذا يصلي الآلهة ومن الذي يتقبل صلواتهم ويرفضها؟ وهل يعقل أن يكون هنالك عدة آلهة وبالتالي عدة قرارات قد تتفاوت غالباً؟ إن الإجابة على هذا الكم من الأسئلة المطروحة وغيرها إنما هو مدون في الكتاب المقدس الحقيقي ونترك مسؤولية البحث عن الأجوبة إلى القارئ،

الصفحة 98
وإلى العقل المودع به من الله تعالى كحجة يوم القيامة.

(8) (الله) المسيح عليه السلام يحتاج إلى وسيلة نقل كي يذهب إلى المكان الذي يريده.. إن يوحنا يذكر لنا في إنجيله عن تلك الأداة المستعملة من قبل المسيح عليه السلام (الله) إذ يقول: (ووجد يسوع (الله) جحشا فجلس عليه كما هو مكتوب لا تخافي يا ابنة صهيون هوذا ملكك يأتي جالسا على جحش أتان) يوحنا 12: 14.. وصلت بنا الأمور إلى أن ننسب إلى الله تعالى أنه تنقل بواسطة جحش والعياذ بالله، وهو الذي لا يحد ولا يحصر، فهو في كل مكان وفي أي زمان، ولم يره أحد قط كما يقول الكتاب المقدس في يوحنا 1: 18 (الله لم يره أحد قط) فكيف يكون المسيح عليه السلام هو نفسه الله وقد رأته الملايين

الصفحة 99
من المخلوقات... ولماذا نضع أنفسنا في الهلاك؟ فقط لتثبت إن النظرية الأفلاطونية صائبة وصحيحة...

(9) (الله) المسيح عليه السلام يسأل ويتعلم من المعلمين بإصغاء وشغف.. ورد في إنجيل لوقا 2: 45 (ولما لم يجداه (المسيح) رجعا إلى أورشليم يطلبانه وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم) إلى 52 (وأمد يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس) والسؤال هل يحتاج الله تعالى إلى المعرفة وهو كامل المعرفة؟ وهل كان الله تعالى في تلك الفترة، قليل الحكمة وقصير القامة ومعدوم النعمة، فتنموا لديه شيئا بعد شيء

(10) (الله) المسيح عليه السلام يجرب من إبليس اللعين..

نقرأ في إنجيل مرقص 1: 12 و13 إحدى

الصفحة 100
أغرب الروايات المدونة في الكتاب المقدس، حيث نسب إلى المسيح عليه السلام، أنه جرّب من إبليس اللعين فترة أربعين يوم، وهذا نصها (وللوقت أخرجه الروح إلى البرية وكان هناك في البرية أربعين يوماً يجرّب من الشيطان وكان مع الوحوش وصارت الملائكة تساعده).

فضلاً عن استحالة تطبيق هذا النص على الله عزّوجلّ، فإنه لا يجوز أيضاً أن ينسب للمسيح عليه السلام لعدة أسباب أبرزها..

(أ) كون المسيح عليه السلام نبياً من عند الله، مما يوجب عصمته عن أي خطأ، فلا يعود هنالك من مبرر للتجربة التي تعرض لها.

(ب) كون الله تعالى لا يسمح بتجريب أنبيائه، سيما من إبليس اللعين..

(ج) لأن الشيطان لا يستطيع الاقتراب من عباد

الصفحة 101
الله المخلصين، فما بالك الأنبياء المعصومين..

فقد ورد في القرآن الكريم أن الشيطان توعد وهدد بإغواء جميع البشر باستثناء العباد المؤمنين المخلصين الذين لا يتأثرون بإغواءات الشيطان وأساليبه الماكرة إذ تقرأ في سورة الحجر 40 (... ولأغوينّهم أجمعين (39) إلا عبادك منهم المخلصين (40)) فهل كان قادراً على إغوائهم ولم يرد ذلك؟ كلا على الإطلاق فهو يمثل قوى الشر التي لا تهاب شيئاً سوى قوى الخير والإيمان المزروعة داخل أولئك العباد المؤمنين.

وإذا افترضنا أن المسيح هو الله تعالى كما تزعم الكنيسة، لابد لنا من حذف هذا النص من الكتاب المقدس لأنه يتنافى مع ما ورد في يعقوب 1: 13 حيث يقول: (لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يجرب أحداً) فكيف تستطيع الكنيسة أن تجمع بين

الصفحة 102
النقيضين، وتثبت أن الله تعالى قد جرب من إبليس اللعين الذي هو أصل كل الشرور وإنه في نفس الوقت لا يجرب بالشرور كما ورد أعلاه...

(11) (الله) المسيح عليه السلام يعترف ويندم ويعتمد من يوحنا المعمدان فهل تقبل أخي القارئ بهذا الواقع الذي تفرضه عقيدة التثليث؟

ولعدم الإطالة سوف نذكر المواضع والعناوين الرئيسة دون استعراض محتوى النصوص...

وسوف ننسب الأعمال إلى الله تعالى ناقلين بأمانة ما يدعيه اللاهوتيون.

(الله) ضعيف مسلوب القوة لا إرادة له في تحديد مصيره (لوقا 22: 43) وهو يفرز العرق وكأنه قطرات دم نازلة على الأرض من شدة حاجته (العدد44 من نفس الإصحاح)..


الصفحة 103
(الله) يسعى في خراب الأمم وقد هدف من مجيئه إلى الأرض، إلى التخريب والتفريق وإشعال الفتنة (متى 20: 32) مثل هذا لا يمكن أن ينسب للمسيح أيضا كونه يتعارض مع تعاليه التي كانت تدعو إلى المحبة والتسامح وضبط النفس.

(الله) عنصري وحقود فقد أتى إلى اليهود فقط دون سواهم من الناس، ووصف كل من كانوا في عهده من غير اليهود والعياذ بالله بالكلاب، (متى 15: 26).

(الله) ملك لشعب إسرائيل، وبالتالي إلها لهم فقط وليس رب العالمين.. (متى 2: 2) يوحنا (12: 13) مما يجعل من الله تعالى عنصريا يفضل شعب إسرائيل على سائر الشعوب بينما تجد

الصفحة 104
القرآن الكريم يقول: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) وفي الحديث الشريف (لا فرق بين عربي وعجمي إلا بالتقوى) فلا فرق بين شعب وآخر إلا بالإيمان والتقوى وكل كتاب يدعي التحيز العنصري ليس من الله تعالى...

(الله) يضرب من أحد الخدام ولا يدافع عن نفسه عاجزاً.. (يوحنا 18: 22)..

(الله) يجوع ويعطش، يتعب وينام، ويصوم ليكفر عن ذنوبه وسواها من الصفات البشرية الناشئة عن ضعف الإنسان.. (يوحنا 19: 28 العطش) (متى 4: 2) الجوع) (متى 8: 22 النوم) (لوقا 18: 23 النتعب).

(الله) يحاكم على أيدي البشر، ويحكم عليه بالموت صلباً والأغرب أن الحكم ينفذ (مرقص 15: 37).


الصفحة 105

الخلاصة:

إذا أردنا أن نؤمن بالثالوث لابد لنا أن نرضخ للواقع الذي يفرضه علينا، أي ان الله تعالى له سيرة حياة بشرية عادية، فقد ولد من امرأة صالحة، وكان ينمو ويتقدم في القامة والمعرفة والعلوم، نتاج تلقينه الدروس من قبل الكهنة في حينه، وبقي هكذا حتى بلوغه سن الثلاثين سنة، فكرس وقته وعلمه لهداية الناس وإرشادهم لما فيه الخير والصلاح والسعادة في الدارين الدنيا والآخرة، كان (الله) كالبشر يأكل ويشرب يجوع ويعطش يتعب وينام، والأغرب أنه يصوم ليكفر عن ذنبه، وقد جربه إبليس اللعين أربعين ليلة، وقد أعلن نفسه إلهاً لليهود فقط دون سائر البشر وبالتالي هو إله اليهود وليس رب العالمين، إذ احتقر جميع الأمم غير اليهودية واصفاً إياهم بـ (الكلاب) والعياذ بالله، وبعد هذه التضحيات العظيمة

الصفحة 106
التي قدمها للشعب اليهودي، يقتل صلباً منهم تقديراً لجهوده المبذولة في سبيل إرضائهم ثم يقوم من الموت في اليوم الثالث ويصعد إلى السماء ليعد نفسه للرجوع، هادفاً إبادة أعدائه الذين تفوقوا عليه أول مرة.

وأن القرار يعود إليك أخي القارئ لتحدد ما إذا كان هذا الواقع معقولا لديك، وأما رأي المسيح عليه السلام من هذه العقيدة، فقد أظهره بوضوح عندما قال: (لأني أعطيتكم مثالاً... الحق الحق أقول لكم أنه ليس عبد أعظم من سيده ولا رسول أعظم من مرسله) يوحنا 13: 15 و 17.

وقد أعلن نفسه كرسول من الله عندما قال (لم آتي لأفعل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني) يوحنا 6: 38.. ورأي الله تعالى مدون في القرآن الكريم إذ يقول:

(ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمّه صديقة) سورة المائدة الآية / 75 /.


الصفحة 107

الفصل الثالث
(الخمر في القرآن والكتاب المقدس)

(لمن الويل لمن الشقاوة لمن المخاصمات، لمن الكرب لمن الجروح بلا سبب لمن أزمهرار العينين، للذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج، لا تنظر إلى الخمور إذا أحمرت حين تظهر حبابها في الكأس وساغت مرقرقة، في الآخر تلسع كالحية وتلدغ كالأفعون، عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية، وتكون كالمضطجع في قلب البحر أو كالمضطجع على رأس سارية يقول ضربوني ولم أتوجع لكلوني ولم أعرف متى أستيقظ أعود أطلبها بعد))..

هذا ما جاء في سفر الأمثال من وصف للخمر الشاربيه وقد حرم الخمر وأدين شاربه في الكتاب المقدس والقرآن الكريم، حيث نقرأ في سورة

الصفحة 108
المائدة 90 ـ 91 (يا أيّها الذين ءامنوا انّما الخمر والميسر والانصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون(90) إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتم منتهون (91)).

والسؤال الأبرز لماذا حرم الخمر؟.

إن الله عزّوجلّ أعلم بما ينفع الإنسان وبما يضره، وقد حرم الخمر لأن ضرره يتعدى حدود منفعته، حيث نقرأ في سورة البقرة 219 (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما).

تحريم الخمر في الكتاب المقدس:

ورد في سفر اللاويين 10: 9 (وكلم الرب هارون قائلاً خمراً ومسكراً لا تشرب أنت وبنوك لكي لا تموتوا فرضاًَ دهرياً في أجيالكم وللتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر)..


الصفحة 109
لقد وضع هذا النص الخمر في خانة الشراب المحرم وأنزله منزلة النجس باعتراف الكتاب المقدس كفرض إلهي دائم عندما قال: (فرضنا دهرياً = أبدياً... وللتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر)...

وقد قدم المفعول به على الفعل والفاعل مما يفيد الحصر، ليؤكد على أهمية تركه والابتعاد عنه والملفت أنه حرم في سفر التشريع الأبرز اللاويين: (وهو عائد إلى سبط لاوي أحد الأسباط الاثني عشر، وكانت مهامه محصورة في الهيكل وله امتياز التشريع والتعليم الديني كونه الذي يتلقى التعاليم من الأنبياء ويحفظ تابوت العهد الذي يحوي الوصايا الإلهية التي أنزلها الله تعالى على موسى عليه السلام) ومن النصوص المحرمة في الكتاب المقدس اخترنا ما يلي...

(1) سفر القضاة 13: 14 (وقال ملاك الرب لمنوح من كل ما يخرج من جفنة الخمر لا تأكل وخمراً ومسكراً لا تشرب وكل نجس لا تأكل) إضافة إلى العدد الرابع من نفس

الصفحة 110
الإصحاح حيث ينذر قائلاً: (والآن فاحذري ولا تشربي خمراً ولا مسكراً ولا تأكلي شيئاً نجساً).

(2) ومن نصوص العهد الجديد. افس 5: 18 (ولا تسكروا بالخمر (تحتسوا الخمر بحسب ترجمة العالم الجديد) الذي فيه خلاعة (الخمر) بل امتلئوا بالروح مكملين بعضكم بعضاً).

وهنا يحاول الكتاب المقدس أن يلفت الأنظار إلى مسألة مهمة للغاية، وهي أن الخمر يبعد عن الرقي الروحي ويحجب العابد عن المعبود ويقوده إلى الخلاعة والخطيئة، بينما نجد أن تكليف الله لنا هو الامتثال للروح الإلهية (الرسالة النبوية) لنكمل بعضنا بالإيمان والعمل، ولا تنفعنا هنا حالة اللاوعي التي يورثنا إياها احتساء الخمر لإتمام تكليفنا.

(3) تيموثاوس الأولى 3: 8 (كذلك يجب أن يكون

الصفحة 111
الشمامسة (أهل المسؤولية) ذوي وقار لا ذوي لسانين غير مولعين (طالبين بحسب ترجمة العالم الجديد) بالخمر ولا طامعين بالربح) يظهر هذا النص وجوب الابتعاد عن الخمر من قبل كل عاقل وصاحب مسؤولية كرب المنزل أو أستاذ المدرسة، وغيرهم من المربين المؤمنين لكي يعتبروا متبعين للنهج الإلهي ولله الذي خلقهم ليبرهنوا عن أهليتهم لدخول الجنة من خلال ترك اللذات ونبذ الشهوات، والالتفات إلى العبادة وفعل الخير.

(4) تبطس 1: 7 (لأنه يجب (وجوباً) أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل لله غير معجب بنفسه ولا طالب للخمر ولا ضراب ولا طامح في الربح القبيح بل مضيفا للغرباء محباً للخير متعقلاً باراً ورعاً ضابطاً لنفسه) وقد كلف المعلم والمرشد الروحي بنبذ الخمر والابتعاد عنه، ذلك لأنه يعتبر مثالاً للرعية التي نصب مسؤولاً عنها، ليكون

الصفحة 112
قدوة حسنة للجيل الناشئ، فيخرج المؤمنين الطائعين بدل المجرمين العاصيين، وتتناسب صفة ضبط النفس مع ترك اللذات والمغريات الدنيوية، وينطبق ذلك على النساء المعلمات والمرشدات المكلفات بالتربية الدينية حيث ورد فيهم...

(5) تيطس 2: 3 (كذلك العجائز في سيرة تليق بالقداسة غير ثالبات غير مستعبدات للخمر... معلمات الصلاح لكي ينصحن الحدثات).

ولكن قد يسأل سائل كيف يكون الخمر حلالاً حراماً في آن واحد؟

نقول طالما أن الكنيسة تعتبر بطرس بمثابة الصخرة التي قامت عليها، ومستودع سر المسيح عليه السلام، فاننا نرضخ لقوله مجاراة لها ونستند على رسالة بطرس الأولى 4: 3 - 4 حيث يقول ناصحاً: (لأن زمان الحياة الذي مضى يكفينا لنكون قد علمنا

الصفحة 113
إرادة الأمم سالكين في الدعارة والشهوات وإدمان الخمر والمنادمات وعبادة الأوثان المحرمة)...

والبارز في هذه الكلمات أن بطرس أدرج الخمر مع الدعارة والبطر وعبادة الأوثان ووصفها جميعها بالمحرمة وبالتالي لم يعد لدى المنافقين من مهرب، والملجأ الوحيد هو ترك الخمر والاعتراف بحرمتها.

ولكن قد نسأل لماذا حرم الكتاب المقدس الخمر.

كما سبق وأشرنا سابقاً، فإن الله تعالى أعلم منا بمنافعنا، ولم يحرم الخمر جزافاً، فقد بين مساوئها في الكتاب المقدس في عدة مواضع أبرزها.

(1) إذهاب العقل والضياع حيث نقرأ في سفر الأمثال 20 ـ 1 (الخمر مستهزئة، المسكر عجاج ومن يترنح بهما ليس بحكيم).. وهكذا يفقد الإنسان أسمى نعم الله الحكمة، فيصبح جاهلاً رغم علمه، وقد عبر هوشع عن ذلك قائلاً: (الزنى والخمر والسلافة تخلب القلب). ويعتبر هذا النص محرماً إذا التفتنا إلى

الصفحة 114
التشبيه والجمع بين الخمر والزنى الذي هو حرام قطعاً.

(2) الإدمان وعدم الاستغناء، فقد ورد سفر الأمثال 21: 17: (محب الخمر والدهن لا يستغني) والاستغناء في المقام يؤخذ على محملين..

المحمل الأول:

الافتقار وهو نقيض الاستغناء، وقد يقصد به الفقر المادي...

المحمل الثاني:

الإدمان والتعلق الدائم، أي عدم الاستغناء عن الخمر...

(3) إتلاف الجسد والبنية فقد ورد في سفر الأمثال نهي عن الخمر لهذا السبب حيث نقرأ: (لا تكن بين شريبي الخمر بين المتلفين أجسادهم)...

(4) الفقر المادي والمعنوي، والخمول والتعلق بالنوم الكثير، إذ نقرأ في الكتاب المقدس (لأن السكير والمسرف يفتقران والنوم يكسو الخرق) سفر الأمثال 23: 21.


الصفحة 115
(5) الخمرة تجعل الإنسان ينحرف ويزني ويرتكب المحرمات دون علم أو إدراك حيث نقرأ: (الذين يدمنون الخمر الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج... عيناك تنظران الأجنبيات وقلبك ينطق بأمور ملتوية) الأمثال 23: 33.

(6) تجعل الخمرة من شاربها معتوهاً لا يعقل شيئاً حيث يكمل سليمان الحكيم عليه السلام قائلاً في الأمثال 23: 25 (يقول (شارب الخمر) ضربوني ولم أتوجع لكأوني ولم أعرف).

(7) تعلل الجسد وتذهب بقواه وتفتك بأعضائه الداخلية سيما الكبد إذ نقرأ في سفر الجامعة 2: 3 (افتكرت في قلبي إني أعلل جسدي بالخمر)...

(8) تجعل الإنسان متلهياً بها تاركاً لأهله وعبادته ومصالحه، متبعاً لما يؤذيه ويهلكه متجاهلاً لما فيه خيره وصلاحه، فاقداً في أغلب الأحوال لشرفه،

الصفحة 116
جائعاً رغم غناه قانطاً من رحمة الله، مستعداً للموت في سبيل لذاته حيث ورد في أشعياء 5: 11 - 13.

((ويل للمبكرين صباحاً يتبعون المسكر وللمتأخرين في العتمة تلهيهم الخمر وصار العود والربابة والدف والناي والخمر ولائمهم وإلى فعل الرب لا ينظرون وعمل يديه لا يرون لذلك سبي شعبي لعدم المعرفة وتصير شرفاؤه رجال جوع وعامته يابسين من العطش لذلك وسعت الهاوية نفسها وفغرت فاها بلا حد).

(9) تجعل من متعاطيها مستعداً لبيع شرفه ونسائه وبناته كما ورد في سفر يوئيل 3: 3 (والقوا القرعة وأعطوا الصبي بزانية وباعوا البنت بخمر ليشربوا).. فأي واقع أخطر من هذا، والعواقب الوخيمة المهلكة من ضرر وأذية باتت ظاهرة المعالم على حد تعبير الكتاب المقدس، لدرجة التخلي عن فلذة الكبد في سبيل

الصفحة 117
الحصول على القليل من الخمر.

وهل هناك من مضار أعظم من هذه ليحرم الخمر من أجلها... إنا نترك لك أخي القارئ خيار تحديد الإجابة، مبتعدين عن إلزام الآخرين بتطبيق الأوامر الإلهية، مبينين للحقائق بهدف التذكير لا أكثر.

لقد أثبت العلم الحديث بأن الذين بتعاطون الخمر كهواة بدافع اللذة، ورغم تصميمهم على التقليل من الكمية التي يتعاطونها تجنباً للوقوع في فخ الإدمان، يدمنون عليه مع مرور الزمن دون قصد أحد، ولا يستطيع أحد أن يتحكم برغباته في هذا المضمار لسببين.

الأول:

حيث أن الرواسب التي تتجمع في كبد الإنسان وكليتيه ورغم قلتها تكون مع الوقت

الصفحة 118
كمية لا بأس بها تمتزج تلقائياً مع الدم كالمخدر، مما يجعل المرء في البداية راغباً في تناول المزيد وخطوة تلو الأخرى يصبح مدمناً عليه.

الثاني:

خداع الشركات الموزعة والمعامل المنتجة إذ تدعي أولوية صنف دون سواه بهدف الترغيب والترويج المكثف، وبتعدد النكهات والأثمان استطاعوا أن يجدوا لكل ذوق ما يناسبه وفي الأعياد خصوصا يتبارى أغلب الشاربين بطرح كؤوس مقفاة كنخب لكل شاردة وواردة من الأحداث المثيرة والمميزة في عامهم ذاك، ويريد كل منهم إثبات قدرته على التحمل ولذلك اشتهر أهل البقاع اللبناني ممن يستحلون احتساء الخمر بالقدرة المذهلة على التحمل والصمود في وجه أي شارب آخر من سائر

الصفحة 119
المناطق ومع الأسف تراهم يتفاخرون بذلك في بادئ الأمر كما لو أنهم أبطال، ثم يندمون حيث لا ينفع الندم، وسبب ذلك التفاخر امتلاكهم للكرمة والأعناب، وأعظم المعاصر المنتجة للخمر.

وهكذا يدمن أكثر من 90 بالمائة من شاربين الخمر والسؤال، إذا كان مجرد احتساء الخمر حراما فما هو موقف الكتاب المقدس من السكر؟

راجع الجدول بأماكن تحريم السكر في الكتاب المقدس.


العهد القديم كتية 21: 20 لاويين 10: 9 العهد الجديد لوقا 1: 15 1 كو: 5: 11
بوئيل 1: 5 كتية 14: 26 اشعياء 56: 12 تسالونيكي الأولى 5: 7 لوقا 21: 34 رومية: 13: 13
قضاة 13: 4 أشعياء 24: 9 أشعياء 28: 7 غلاطية 5: 12 يوحنا 2: 10  

ولسائل أن يسأل كيف شرب المسيح الخمر إذا كان هذا الفعل محرماً.


الصفحة 120
نجيب آسفين أن واقع الكتاب المقدس الحالي قد أثبت ان العديد من المدسوسات قد بثت بداخله، وأن الأيادي التي تخدم إبليس قد حرّفته مما جعله متناقضاً في عدّة عقائد منها تحريم الخمر وتحليله ونسب شربه إلى المسيح عليه السلام، وتنزيهه عن ذلك في آن واحد.

ورد في لوقا 1: 15 وصفاً للمسيح عليه السلام على لسان جبرائيل (عليه السلام) إذ نقرأ: (لأنه يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومسكراً لا يشرب ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس ويرد من بني إسرائيل إلى الرب إلههم ويتقدم أمامه روح إيليا وقوته... لكي يهيئ للرب شعباً مستعداً)... والتناقض واضح مقارنة مع لوقا 7: 33 حيث يقول (لأنه جاء يوحنا لا يأكل خبزاً ولا يشرب خمراً فتقولون به شيطان وجاء ابن الإنسان يأكل ويشرب (الخمر) فتقولون هو ذا إنسان أكول وشريب خمر محب للعشارين والخطاة والحكمة تبررت من بينها).

وعليه فلا يجوز نسب فعل الفواحش والمحرمات

الصفحة 121
للمسيح عليه السلام وهو مثال للأمم بحسب بطرس الأولى 1: 22. وقد وردت مثل هذه التناقضات في الكتاب المقدس بكثرة ولسنا الآن في موضع نقاشها.

بات جلياً أمامك أخي القارئ أن الخمر محرّمة لما تحتويه من مخاطر ومضار والله تعالى يعلم خير الإنسان أكثر منه ولا عجب أن ينهاه عن الخمر في جميع الكتب المقدسة وأن لا يقتصر ذلك على القرآن الكريم، هدانا الله جميعاً إلى ما فيه المصلحة والسعادة في الدنيا والآخرة.


والحمد لله رب العالمين


الصفحة 122

الصفحة 123

خاتمة الكلام

بسم الله الرحمن الرحيم

طوبى للذين يخضعون للعقل، ويجرّدون أنفسهم من التعصّب، فيتبعون الحق أينما كان، فقد نالوا رضوان الله تعالى ورحمته.

إن الله تعالى قد فرض على خلقه الطاعة والعبادة، وأودع فيهم أشرف مخلوقاته، العقل الذي يحرر الإنسان من ميول العاطفة وعصيانها، وأرسل الرسل ليبيّنوا إرادته لكل المخلوقين، في كلّ العصور والأزمان.

فكان لموسى عليه السالم دورٌ بارز في نشر الرسالة الإلهيّة، ولكن مع الأسف دمّر اليهود سفينة مما أدّى إلى غراقها وهروب راكبيها من وجه العاصفة آنذاك.

والمنقذ هو المسيح عليه السلام فقد أدرك هذا الشعب سفينة إلهية أخرى تعود بهم الى برّ الأمان، ولكن سرعان

الصفحة 124
ما عملوا على ثقبها بواسطة المدسوسات التي تتناسب ومصالحهم الماديّة الدنيئة.

وأخيراً كان رسول الله صلى الله عليه وآله، حاملاً الإسلام سفينة مصفّحة مما أحبط محاولات اليهود المتكررة لاختراقها فلم يتجرأوا على المساس بها مرّة أخرى.

وهدفنا من هذا الكتيّب، أن نظهر للمؤمنين من الناس موارد الربط بين الرسالات الإلهيّة، في مقابل التشويه والمدسوسات التي أدخلها اليهود الى بعضها، فاستخرجنا التوحيد من الكتب السماويّة الثلاثة وأظهرنا الشرك في مقابل هذا الواقع، ليكون للعقل المجال الواسع للتمييز بين الحق والباطل.

واستخرجنا تحريم الخمر ومسبباته من الكتاب المقدس والقرآن الكريم، مقارنين الحقيقة مع الباطل الذي يزعم حلّية شرب الخمر.


الصفحة 125
والنتيجة هي أن جميع الأديان السماويّة تدعو إلى التوحيد، والى نبذ الخمر والابتعاد عنه، في أصلها الموحى ولكن يد التحريف وصلت إليها وأصابع الزيادة والنقصان لعبت بها مما أدّى إلى الاختلاف في نصوصها والتناقض في عقائدها وهذا ما جعل الشرك عقيدة متّبعة وجعل من الخمر شراباً محللاً.

مما يجعل العائق بين سفينة الإسلام وسفينة المسيحيّة، ذلك التناقض الذي يشكّل ثقباً لا يرممم مما يجعل الهروب الى سفينة الإسلام الحل الوحيد الذي يضمن النجاة.


والحمد لله رب العالمين