وليس من المعقول أن يتم التنازل عن قضية تعضدها النصوص ويتم تبني قضية اخترعتها السياسة وخلقتها مخيلة الرجال من أجل تحقيق التقارب والوحدة.
فإن تحقيق الوحدة والتقارب لا يكون أبدا على حساب النصوص..
من هنا تصبح مسألة الخلاف بين السنة والشيعة مسألة شائكة جدا وليس هناك من وسيلة وسيلة لحسمها سوى عذر كل طرف للآخر..
إلا أن التاريخ يحدثنا أن السنة لم تعذر الشيعة ورفضت على الدوام التعايش معها وقادت حملات الهجوم والطعن والتشويه والتشكيك في مواجهتها بينما التزمت الشيعة أمامها موقف الدفاع.. (2).
____________
(1) التأويل والتبرير سلاح أهل السنة الدائم في مواجهة الخصوم الذين يشهرون في وجوههم النصوص. فهم قد برروا أفعال عائشة وعثمان ومعاوية وابن العاص والمغيرة بن شعبة واعتبروهم مجتهدين مثابين. ومن جهة أخرى قاموا بتأويل النصوص الواردة في آل البيت والتي أثبتت لهم خصوصية ومكانة تقتضي من المسلمين أن يتبعوهم ويوالوهم ويقروا لهم بالإمامة.. ومن هذه النصوص قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا..) الأحزاب. وقول الرسول صلى الله عليه وآله: (تركت فيكم ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي..) رواه مسلم..
ويمكن مراجعة النصوص بتوسع في كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين وكتاب خصائص الإمام علي للنسائي. وكتاب فضائل الإمام علي للشيخ محمد جواد مغنية وكتابنا موسوعة آل البيت..
وبالنسبة لقضية التأويل التبرير راجع كتاب العواصم من القواصم وتأمل كيف أنهم يريدون تحويل آرائهم لمعتقدات. وانظر لنا كتاب أهل السنة شعب الله المختار..
(2) لم تتح للشيعة فرصة البروز الرسمي كما أتيحت للسنة. فقد كان أهل السنة محل رضا الحكام وقبولهم. ولم تستمتع الشيعة بنعمة الأمن كما استمتعوا. فقد كانت تواجه على الدوام بالحديد والنار وتواجه كل صور البطش والكيد والتنكيل من قبل الحكام الذين كان يحرضهم أهل السنة تارة ويحرضون هم أهل السنة تارة أخرى. والتراث السني مكتظ بعشرات الكتب التي تهاجم
=>
وطائفة مثل هذه تقوم عقائدها وأفكارها على أساس الشك في أفكار وعقائد الآخرين واعتقاد سوء النية مقدم عندها كيف لها أن تتحد مع الآخرين وتتفاعل معهم..؟
أن المقارنة التي سوف نبدأ عرضها هنا سوف تكشف الكثير من الحقائق حول معتقدات السنة والشيعة. ومن خلال هذه الحقائق سوف تتبين لنا إمكانية اللقاء بين الطرفين..
وعلينا أن نحدد بداية مجموع القضايا التي سوف يتم المقارنة بينها وهي تنحصر في الآتي:
- التوحيد..
- النبوة..
- الإمامة..
- الرجال..
- آل البيت..
____________
<=
الشيعة وتطعن في عقائدهم والتي هي محل تداول بين المسلمين اليوم كما أن التراث الشيعي يكتظ
بعشرات الكتب التي تدافع عن الشيعة والتي اعتبرها السنة تهاجمهم..
ومن كتب السنة التي تهاجم الشيعة: كتب الفرق والصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي. وكتب
العقائد وكتاب منهاج السنة لابن تيمية الذي يرد فيه على كتاب منهاج الكرامة للعلامة الحلي أحد
فقهاء الشيعة المعاصرين له..
ومن كتب الشيعة التي تدافع: كتاب نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي. وكتاب الايضاح
لابن شاذان - ط. إيران..
ومن الكتب المعاصرة: هوية التشيع للشيخ الوائلي وأصل الشيعة وأصولها والمراجعات وشبهات
حول الشيعة وفي ظلال التشيع وروح التشيع.. ط. بيروت..
2 - تاريخ السنة والشيعة
السنة حاضرة والشيعة غائبة..
هذه الجملة تلخص لنا حركة التاريخ الخاص بالسنة والشيعة..
السنة كانت دائمة الحضور وقد منحت الفرصة كاملة للبروز والانتشار..
والشيعة كانت دائمة الغياب بفعل الحصار والبطش والارهاب..
لأن السنة كانت على وئام مع الحكام وتدين لهم بالسمع والطاعة برهم وفاجرهم فقد منحت حرية الدعوة وشرعية التواجد..
ولأن الشيعة تحمل راية أهل البيت الذين يخشاهم الحكام وتدين بالطاعة والولاء لائمتهم الأطهار لم تنل رضا الحكام وأخرجت من دائرة الإسلام فغابت عن الأنام..
ولأن السنة كانت ظاهرة فقد أصبحت معروفة..
ولأن الشيعة كانت غائبة قفد أصبحت مجهولة..
ولكون الشيعة خصم للسنة غائب عن الأنظار فقد كثرت من حوله الشائعات ولفت له شتى الاتهامات التي تحولت بمرور الزمن إلى حقائق بنيت على أساسها مواقف ودانت بها مذاهب وصاحب الحق غائب..
هكذا يجسم لنا التاريخ قضية السنة والشيعة وكيف تحولت إلى لعبة سياسية في أيدي حكام بني أمية وبني العباس وسائر الحكام..
وسوف تستمر السنة أداة الحكام على مر الزمان في مواجهة الشيعة وبدونها لن يجدوا الشرعية التي تبرر استمرارهم في الحكم..
والسنة يدورها سوف تظل تتحصن بالحكام وتستمد منهم القدرة والدعم على مواجهة الشيعة والاستمرار في الصدارة..
والضحية هي الشيعة..
من هنا يبدأ تاريخ السنة والشيعة، وهنا ينتهي..
كيف نشأت فرقة أهل السنة؟:
كان المسلمون في العصر الأول لا يخوضون في الآيات المتشابهة ويعتنقدون بها كما هي من دون تساؤلات أو استفسارات عن المراد منها أو ما ترمي إليه، وقد امتد هذا العصر حتى مطلع القرن الثالث من الهجرة..
وحتى هذه الفترة لا نستطيع القول إنه كانت هناك عقيدة مدونة..
إلا أن الأمر اختلف بعد عصر الترجمات وانفتاح الأمة على تراث اليونان.
عند ذلك بدأ الصدام الفكري بين المسلمين حول الآيات المتشابهات. وهناك قطاع من الفقهاء توقف عن الخوض في هذه الآيات مثل مالك.. (1).
ولقد جنت هذه الترجمات على الأمة وعلى عقيدتها وعلى عقول المسلمين حيث كان الغالبية من المترجمين من اليهود والنصارى وشابت هذه الترجمات الأخطاء والتناقضات والتحريفات.
في ظل هذا الجو نشأ ما سمي علم الكلام وهو علم خاص بالعقيدة وقد نشأ كرد فعل لخوض الفلاسفة والمتكلمين في الآيات المتشابهات.. إلا أنه لم يحظ بتأييد أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم..
وإذا كانت هناك ثلاثة اتجاهات في الساحة الإسلامية هي اتجاه الشيعة واتجاه الخوارج ثم الاتجاه الرسمي الحكومي قبا عصر الترجمات وظهور علم الكلام - فقد ظهر على الساحة بعد عصر الترجمات عشرات الاتجاهات المتناحرة فيما بينها وفي مقدمتها المشبهة والمعطلة..
____________
(1) انظر فصل التوحيد عند أهل السنة، وانظر كتب الفرق..
وهنا برزت الحاجة إلى ظهور اتجاه حديد يواجه هذه الاتجاهات ويحد من انتشارها ويعزل الجماهير عنها. فكان أن ظهر اتجاه أهل السنة في البداية على يد أحمد بن حنبل والحنابلة من بعده ثم تطور بعد ذلك على يد الأشعري الذي انشق عن المعتزلة بعد أن قضى أربعين عاما يدعو لاتجاههم... (2).
ثم ظهر في نقس الفترة اتجاه الماتريدي ليشكل مع الأشعري جناحا أهل السنة في العصر العباسي الملئ بالصراعات الفكرية والعقائدية وليصبح هذا الاتجاه هو الاتجاه السائد، اتجاه الأغلبية من المسلمين. بينما أصبحت الاتجاهات الأخرى محصورة في زاوية مظلمة من زوايا المجتمع يتبعها الأقلية من الناس..
ولعل مثل هذه الطفرة أو القفزة الفكرية لأهل السنة فوق الاتجاهات الأخرى تفرض سؤالا هاما هو كيف لاتجاه ناشئ جديد أن يسود وينتشر على حساب اتجاهات ذات وجود وعمق تاريخي مثل الشيعة والمعتزلة وفي فترة قياسية..
____________
(1) كان كثيرا ما يلجأ الحكام لعلماء السنة طلبا للفتوى وإصدار الردود على مثل هذه الاتجاهات خاصة اتجاه آل البيت. انظر العواصم من القواصم لأبي بكر العربي وهو كتاب كتب خصيصا بتوجيه الحكام لمنع الخوض في خلافات الصحابة وانحرافاتهم وانظر تاريخ الخلفاء للسيوطي وانظر كتب الأشعري وردود ابن تيمية على خصومه وتحريضه الحكام على الخالفين لأهل السنة وتحريض الحكام له على المخالفين. راجع الفتاوى الكبرى له. وانظر كتب التاريخ، وانظر الحروب الفكرية التي كانت سائدة بين أهل السنة وخصومهم وكيف استثمرها الحكام، وكيف دعم الحكام التيار الأشعري.
وانظر الحرب العقائدية بين الدولة العباسية السنية والدولة الفاطمية الشيعية وكيف استثمر العباسيون فقهاء السنة في هذه الحرب. راجع لنا: الشيعة في مصر وانظر دور المتوكل العباسي في دعم أهل السنة والبطش بالمخالفين. وانظر لنا أهل السنة شعب الله المختار.
(2) انظر تاريخ الفرق عند أهل السنة. وانظر دراسات في العقيدة الإسلامية لمحمد جعفر شمس الدين..
أولا: اندماج هذا الاتجاه في إطار المذاهب الأربعة المنتشرة بين المسلمين وتحركه من خلالها وتحت لافتتها.. (1).
ثانيا: دعم الحكام لهدا الاتجاه وتيسير السبل أمامه.. (2). ثالثا: ضرب الاتجاهات الأخرى وإجهاضها.. (3).
ورغم قوة ونفوذ أصحاب المذاهب الأربعة الذين أعلنوا خلافهم مع الأشعري إلا أنهم لم يحولوا دون انتشار هذا الاتجاه ولم يعرقلوا مسيرته مما يثير علامات حول هذا الموقف..
أما عن طبيعة الخلاف بين فقهاء المذاهب الأربعة وبين الأشعري فهذا ما سوف نستعرضه عند الحديث عن التوحيد عند أهل السنة..
ويبدو أن اتجاه الماتريدي قد حاز رضى وقبول فقهاء عصره أكثر من اتجاه الأشعري لكونه أكثر اقترابا من النقل وأبعد عن العقل بينما اتجاه الأشعري يقوم على العقل والنقل وتارة يغلب العقل على النقل وتارة يغلب النقل على العقل، والظاهر من تتبع حركة نشأة فرقة السنة أنها لم تظهر على هيئة كيان واحد وفي فترة زمنية محددة كما هو حال الشيعة والمعتزلة والخوارج. إنما ظهرت تارة على يد أحمد بن حنبل في القرن الثالث. وتارة على يد الأشعري والماتريدي في القرن الرابع. وتارة على يد ابن تيمية في القرن الثامن..
التيار الأول تيار ابن حنبل كان يتوقف عن الخوض في هذه المسائل وقد نبذ علم الكلام.
____________
(1) تبنى كثير من الفقهاء مذهب الأشعري كالغزالي والجويني والباقلاني والرازي والبغدادي.
(2) أنظر كتب الفرق ودراسات في العقيدة الإسلامية، وكتب التاريخ (3) أنظر المراجع السابقة، وانظر لنا الكلمة والسيف.
أما تيار ابن تيمية قفد حاول التحرر من الأطر السابقة فوقع في التشبيه والتجسيم.
ثم ظهر بعد ذلك التيار الصوفي وتبنى نهجا مخالفا لهذه التيارات..
وهذه التيارات الأربعة المختلفة فيما بينها تحمل شعار أهل السنة وتزكي كتب الفقه والعقائد الصادرة عن هذه التيارات مفهوم الفرق بينها.. (1).
ويحاول البغدادي الخروج من هذا التناقض محاولا شرح عقيدة أهل السنة معددا أصنافهم بقوله:
أولا: من أحاطوا العلم بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد والثواب والعقاب وشروط الاجتهاد والإمامة والزعامة وسلكوا في هذا النوع من العلم طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرأوا من التشبيه والتعطيل ومن بدع الرافضة والخوارج وسائر أهل الأهواء الضالة..
ثانيا: أئمة الفقه من أهل الرأي والحديث الذين تبرأوا من القدر والاعتزال.
وأثبتوا رؤية الله بالأبصار من غير تشبيه ولا تعطيل وسائر العقائد في الخلفاء وطاعة الأمراء والمسح على الخفين وتحريم المتعة ووقوع الطلاق الثلاث..
ثالثا: الذين أحاطوا عما بطرق الأخبار والسنن المأثورة عن النبي صلى الله عليه وآله وميزوا بين الصحيح والسقيم منها وعرفوا أسباب الجرح والتعديل ولم يخلطوا علمهم ذلك بشئ من بدع أهل الأهواء الضالة..
رابعا: الذين أحاطوا علما بأكثر أبواب الأدب والنحو والتصريف ولم يخلطوا علمهم بشئ من يدع القدرية أو الرافضة أو الخوارج..
____________
(1) أنظر فصل التوحيد..
سادسا: الزهاد والصوفية ودينهم التوحيد ونفي التشبيه ومذهبهم التفويض إلى الله تعالى والتوكل عليه والإعراض عن الاعتراض عليه..
سابعا: المرابطون في ثغور المسلمين يحمون الوطن الإسلامي ويظهرون في ثغورهم مذهب أهل السنة والجماعة.. (1).
ويبدو من طرح البغدادي أنه زاد الموضوع تعقيدا وأسهم في تشتيت أهل السنة وتأكيد الفرقة بينهم. كما يبدو التخبط في طرحه من إدخال الأدب والنحو والصرف في العقائد ومحاولة الربط بينهما.. ولست أدري ما هي صلة النحو والصرف والأدب بالقدرية والخوارج والرافضة..؟ هل يريد القول أنه لا يجوز أخذ هذه العلوم الثلاثة من المنتمين لهذه الفرق..؟ ثم ما هو سبب الربط بين المرابطين في الثغور وبين مذهب أهل السنة والجماعة.. هل يريد القول أنه لا يجوز جهاد الذين لا يلتزمون بمذهب أهل السنة؟ أم أن المرابطين يمثلون اتجاها من اتجاهات أهل السنة..؟
ثم إذا كان البغدادي يقول لنا إن هذه الاتجاهات جميعها هي أهل السنة والجماعة فكيف تم جمع هذه الاتجاهات في إطار واحد على الرغم من تباينها..؟
إن البغدادي لم يجب على هذا السؤال. كما لم يجبنا لماذا ظهر الأشعري على هذه الاتجاهات جميعا وأصبحت له السيادة في دائرة أهل السنة..؟ والاجابة على السؤال الثاني هي نفس الإجابة على السؤال التالي: لماذا ظهر تيار ابن تيمية دون تيارات السنة في العصر الحديث واخترق الحركات الإسلامية وبدا وكأن المسلمين في كل مكان ينطقون بلسانه.. (2)؟
____________
(1) الفرق بين الفرق، ط. القاهرة.
(2) دور الحكام في عقيدة الأشعري واضح في كتب التاريخ. كما هو واضح دعم حكام آل سعود اليوم لعقيدة ابن تيمية..
=>
متى ظهرت الشيعة..؟
بدأ التشيع في أول بداياته في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وكانت هناك مجموعة من الصحابة تشايع الإمام علي من أشهرهم أبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر وجابر بن عبد الله وحذيفة بن اليمان وبلال بن أبي رباح وغيرهم.. (1).
وليس صحيحا أن حركة التشيع بدأت بعد وقعة صفين فإذا لم يكن للشيعة وجود قبل صفين فمن الذي كان يقاتل في صف علي وقد كان معه عدد كبير من الصحابة؟
والذين يطرحون مثل هذا التصور إنما يريدون أن يبرهنوا على أن التشيع نشأ بدوافع سياسية وليست دينية وهذا قول تدحضه النصوص الكثيرة التي وردت من الإمام علي خاصة وفي آل البيت يشكل عام..
____________
<=
وكان الحكام يستخدمون عقيدة الأشعري في ضرب اتجاه المعتزلة، وقد أصبح اتجاه الأشعري هو
الاتجاه السائد في العالم الإسلامي بفضل دعم العباسيين فرغم هجوم الحنابلة على الأشعرية حيث
اعتبروا استخدامهم للحجج العقلية بدعة منكرة ورغم المعارضة الشديدة من قبل الماتريدية
والمعتزلة والشيعة، انتشر المذهب الأشعري وساد.. وقد نصر السلاجقة الأشاعرة حيث تلقوا
العون الرسمي من الوزير نظام الملك وفي مقابل ذلك تحالف الأشاعرة مع السلاجقة ضد
الفاطميين.. كما نصر الأيوبيون الأشاعرة على سائر الاتجاهات الأخرى بعد إسقاطهم الدولة
الفاطمية في مصر. انظر الشيعة في مصر.. وأهل السنة شعب الله المختار.
(1) أنظر سيرة هؤلاء من طبقات ابن سعد وكتب التاريخ وسوف يتبين لك تميزهم عن بقية الصحابة
وعلاقتهم الخاصة بالرسول صلى الله عليه وآله وبالإمام علي.
وقد روى جابر بن عبد الله عن مسند أحمد: كنا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله بصلاة
العتمة - أي صلاة العشاء والفجر وكان المنافقون يتخلفون عنها - وبغض علي. وروى مسلم من كتاب
فضل الأنصار عن علي قوله: عهد إلي النبي صلى الله عليه وآله الأمر: إذهب يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا
يبغضك إلا منافق هذا وغيره يؤكد أن هناك من كان يشايع الإمام علي ويحبه وهناك من كان يخالفه
ويبغضه من الذين حول الرسول. وكون حب علي من الإيمان وبغضه من النفاق يعني أنه مقياس
الحق ومشايعته والارتباط به ضرورة شرعية. انظر تاريخ الشيعة الإمامية وأسلافهم من الشيعة
للدكتور فياض. وهوية التشيع للوائلي ومتى وجدت الشيعة وفي ظلال التشيع وغيرها من المراجع
التي تؤكد ولادة الشيعة على يد النبي صلى الله عليه وآله.
لأعطين الراية لرجل يحب الله ورسوله وأعطاها لعلي وقوله أنا مدينة العلم وعلي بابها. وغير ذلك من النصوص التي تكتظ بها كتب السنن والتي تشير وتؤكد أن للإمام علي مكانة دينية وخاصية قيادية توجب على المسلمين التشيع له.. (1).
وهناك من يدعي أن ظهور الشيعة كان على يد جعفر الصادق حيث تنسب له الشيعة وتتسمى باسمه حتى اليوم..
وهذا ادعاء فيه مغالطة وقلة وعي بتاريخ الشيعة وحركتها إذ أن الشيعة كانت قائمة ولها وجودها قبل جعفر الصادق الذي تسلم إمامة الشيعة عن أبيه الباقر الذي تسلمها عن أبيه علي بن الحسين الذي تسلمها من الحسين فهي سلسلة من الأئمة تنتهي بالإمام علي وتدل على أن حركة التشيع كانت قائمة طوال عهود الأئمة الذين سبقوا عفر الصادق.. (2).
وسبب هذا الالتباس في الفهم يكمن في حقيقة تاريخية وهي أن الإمام جعفر الصادق استثمر المناخ السياسي الانفتاحي في عصره وبرز بعلوم آل البيت على ساحة العلن وفتح مدرسة آل البيت لجميع المسلمين وفد مر عليها الكثير من فقهاء السنة مثل مالك والشافعي وأبو حنيفة. وبدأت حركة تدوين علوم الشيعة نشطة وتجوب الآفاق مما أوحى للبعض وكأن مذهب الشيعة قد تم تقنينه وإعداده في هذه الفترة.. (3).
____________
(1) أنظر البخاري ومسلم كتاب الفضائل باب فضل الإمام علي وكتب السنن الأخرى وانظر مستدرك الحاكم باب فضل علي والترمذي وأبو داوود.
(2) أنظر سيرة الإمام علي وولده الحسن عليه السلام وموقفهما من معاوية. وانظر ثورة الإمام الحسين عليه السلام ضد يزيد بن معاوية. وانظر سيرة الإمام محمد الباقر ودوره العلمي ونشره لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله ليتبين لك أن حركة التشيع تسبق جعفر الصادق عليه السلام.
(3) أنظر سيرة الإمام جعفر الصادق عليه السلام من كتب التاريخ. وانظر جعفر الصادق للشيخ أبو زهرة.
والمستشار عبد الحليم الجندي ط. القاهرة.
ويقول الشيخ المظفر: لا غرو لو قلنا إن الدعوة إلى التشيع ابتدأت من اليوم الذي هتف فيه المنقذ الأعظم صلى الله عليه وآله صارخا بكلمة لا إله إلا الله في شعاب مكة وجبالها إلى أن يقول: فكانت الدعوة إلى التشيع لأبي الحسن (الإمام علي) من صاحب الرسالة تمشي منه جنبا لجنب مع الدعوة للشهادتين.. (2).
وقد ادعى كتاب الفرق من السلف أن أول من أظهر التشيع هو عبد الله بن سبأ ولا يزال خصوم الشيعة من المعاصرين يرددون هذا القول وهذا قول مردود فعلى قرض التسليم بوجود ابن سبأ فإن الشيعة يتبرأون منه ومن أعماله وأقواله وهذا واضح في كتبهم أما وأن الثابت أن أين سبأ هذا شخصية وهمية اخترعت لضرب الشيعة والطعن في معتقداتها.. (3).
أما الذين يقولون بأن الشيعة نشأت لعد اجتماع السقيفة عندما تحالفت فئة من الصحابة مع علي ورفضت بيعة أبي بكر فهم يريدون بهذا القول أن يفرغوا التشيع من محتواه ويظهروه وكأنه نشأ كرد فعل لاغتصاب الخلافة..
. إذا كان من تحالف مع علي من الصحابة في تلك الفترة فهل هذا الموقف اتخذ من فراغ أم أن له جذوره التي تسبق فترة السقيفة..؟
والذين يقولون بفارسية التشيع وأن أصوله فارسية يلتقون مع الذين يقولون أن أصوله يهودية فهؤلاء وهؤلاء يريدون أن يجتثوا شجرة التشيع من الجذور وأن ينسفوها نسفا.. وليست هذه الآراء إلا مغرضة لا تقوم على برهان صحيح..
____________
(1) أصل الشيعة وأصولها.
(2) عقائد الإمامية.
(3) أنظر عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى لمرتضى العسكري. وانظر هوية التشيع..
وعلى رأس هذه المصادر البخاري الذي ينتمي لمدينة بخارى ومسلم النيسابوري. والنسائي الذي ينتمي إلى مدينة نسا وأبو داوود والترمذي وابن ماجة فكل هؤلاء كانوا ينتمون لبلاد فارس حسب التقسيم الجغرافي آنذاك..
وهم الذين دونوا السنة وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله التي يعتمد عليها أهل السنة في بناء عقيدتهم وتأسيس أحكامهم..
وإذا كان أبو حنيفة النعمان فارسيا وهو صاحب المذهب المشهور فهل يمكن القول إن مذهب الأحناف أصوله فارسية..؟ (1).
____________
(1) يستمد الشيعة دينهم وفقههم من آل البيت وأبناء الرسول صلى الله عليه وآله الذين هم أشراف قريش. فأي الفريقين أحق بتهمة الفارسية؟
الفصل الأول
التوحيد
تمهيد
لن نناقش هنا قضية الإيمان بالله ووجوده لدى أهل السنة والشيعة فهي قضية مفروغ منها وليست محل خلاف بين الطرفين أو غيرهما من طوائف المسلمين.
إنما مرتكز البحث هنا هو موقف أهل السنة والشيعة من مسألة الوحدانية وتصورهما حولها استنادا للمراجع المعتمدة لدى كل من الاتجاهين..
وسوف نعرض لرؤية أهل السنة من خلال ثلاثة اتجاهات:
- اتجاه السلف..
- اتجاه الخلف..
- اتجاه ابن تيمية..
والسلف هم من كانوا قبل الخمسمائة. وقيل القرون الثلاثة الأولى.
الصحابة والتابعون وتابعوا التابعون. وهؤلاء ينقل عنهم أهل السنة أن لهم رؤية في الأسماء والصفات هي التي تمثل العقيدة الصحيحة الواجب الالتزام بها واتباعها..
أما الخلف فهم من كانوا بعد الخمسمائة وقيل بعد القرون الثلاثة، وهم اثنين خاضوا في الأسماء والصفات وأولوها بما ينفي التشبيه والتجسيم. فإذا ورد في القرآن والسنة. ما يشعر بإثبات الجهة أو الجسمية أو الصورة أو الجوارح عملوا على تأويل ذلك لوجوب تنزيهه تعالى عما دل عليه ما ذكر بحسب ظاهره..
أما اتجاه ابن تيمية فهو اتجاه شذ عن السلف والخلف وإن كان قد ألصق نفسه بالسلف ودعى سيره على نهجهم. وهو الاتجاه الذي تبنته الحركة الوهابية وقامت ببعثه بعد أن لفظه فقهاء السنة وحاكموه وكفروه على ما سوف نبين..
وقد ركزنا في هذا الباب على عقيدة ابن تيمية ووضعها عند أهل السنة.
لما لهذه العقيدة ولصاحبها من دور وتأثير على مسلمي اليوم الرين تشبعوا بهذه العقيدة تحت ضغط المد الوهابي السعودي الذي اخترق التجمعات الإسلامية في كل مكان..
وبالنسبة للشيعة فإن قضية التوحيد عندهم تنبع من مصدر واحد وهو الأئمة وعلى رأسهم إلمام علي عليه السلام. فمن ثم لا يوجد في دائرة الشيعة ذلك الخلاف والتناحر حول المسائل العقائدية المتعلقة بأسماء الله وصفاته ومكانه واسستوائه سبحانه..
التوحيد عند أهل السنة
التوحيد عند السلف:
يقول القرطبي:.. كان السلف الأول لا يقولون بني الجهة ولا ينطقون بذلك. لا نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله.
ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة. وخص العرش بذلك لأنه أعظم مخلوقاته. وإنما جهلوا كيفية الاستواء فإنه لا تعلم حقيقته.
قال مالك: الاستواء معلوم - يعني اللغة - والكيف مجهول. والسؤال عنه بدعة. وكذا قالت أم سلمة.. (1).
ويقول الغزالي: إعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف. أعني الصحابة والتابعين. وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه. فأقول: حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه سبعة أمور: التقديس والتصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الامساك ثم الكف ثم التسليم لأهل المعرفة.. أما التقديس فأعني به تقديس الرب سبحانه وتعالى عن الجسمية وتوابعها..
وأما التصديق فهو اليمان بما قاله صلى الله عليه وآله وأن ما ذكره حق وهو فيما قال صادق وأنه على الوجه الذي قاله وأراده..
وأما الاعتراف بالعجز فهو أن يقر بأن مراده ليست على قدر طاقته وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته..
وأما السكوت فإنه لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم أن سؤاله عنه بدعة وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه. أنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر..
____________
(1) الجامع لأحكام القرآن..
وأما الكف فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه..
وأما التسليم لأهله فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي على رسول الله صلى الله عليه وآله أو على الأنبياء أو على الصديقين والأولياء..
فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على العوام لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شئ منها.. (1).
وسئل الشافعي عن الاستواء فقال: آمنت بلا تشبيه وصدقت بلا تمثيل..
واتهمت نفسي في الإدراك. أمسكت عن الخوض فيه كل الامساك.. (2).
وقال أبو حنيفة: من قال لا أعرف الله في السماء هو أم في الأرض هو، فقد كفر لأن هذا يوهم أن لله مكانا ومن توهم أن لله مكانا فهو مشبه.. (3).
ويقول ابن خلدون:.. ثم وردت في القرآن آي أخرى قليلة توهم التشبيه مرة في الذات وأخرى في الصفات.
أما السلف فغلبوا أدلة التنزيه لكثرتها ووضوح دلالتها وعلموا استحالة التشبيه وقضوا بأن الآيات من كلام الله فآمنوا بها ولم يتعرضوا لمعناها ببحث ولا تأويل..
لجواز أن تكون ابتلاء فيجب الوقف والاذعان له.. (4).
____________
(1) إلجام العوام عن علم الكلام. الرسالة الربعة من رسائل الغزالي المطبوعة تحت عنوان القصور العوالي من رسائل الإمام الغزالي ط. القاهرة.
(2) حل الرموز أو زيد خلاصة التصوف للعز بن عبد السلام.
(3) المرجع السابق وسئل ابن حنبل عن الاستواء، فقال: استوى كما أخبر لا كما يخطر للبشر..
(4) مقدمة ابن خلدون..
ويقول التفتزاني في معرض كلامه عن تنزيه الله عز وجل عن مشابهته للحوادث: إن ذلك وهم محض وحكم على غير المحسوس بأحكام المحسوس والأدلة القطعية قائمة على التنزيهات. فيجب أن يفوض علم النصوص إلى الله تعالى على ما هو دأب السلف إيثارا للطريق الأسلم. أو تؤول بتأويلات صحيحة على ما اختاره المتأخرون دفعا لمطاعن الجاهلين وجذبا لطبع القاصرين سلوكا للسبيل الأحكم.. (2).
وسئل يحيى بن معاذ الرازي: أخبرنا هن الله تعالى..؟
قال: إله واحد..
فقيل كيف هو..؟
قال: إله قادر..
قيل: أين هو..؟
قال: بالمرصاد..
قيل: لم نسألك عن هذا..
قال: ما كان هذا صفة المخلوقين. فإما صفة الخالق فالذي أخبرته عنه.. (3).
ويقول ابن قائد الجندي: مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله تعالى بما وصف به نفسه. وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. فيثبتون له ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات
____________
(1) أساس التقديس..
(2) شرح العقائد للنسفي.
(3) حل الرموز..
وقال بعضهم: المعطل يعبد عدما. والمشبه يعبد صنما. والموحد يعبد إلها واحدا صمدا.. (2).
وحديث الجارية المشهور عند أهل السنة التي سألها الرسول صلى الله عليه وآله: أين الله؟ قالت في السماء.. يستدل به أهل السنة على أن الله في السماء. لكنهم يستدركون أن هذا لا يعني أن الله في جوف السماء وأن السماوات تحصره وتحويه. فإن هذا لم يقله أحد من سلف الأمة وأئمتها. بل هم متفقون أن الله فوق سمواته على عرشه بائن عن خلقه. ليس في مخلوقاته شئ من ذاته ولا في ذاته شئ من مخلوقاته. وقد قال مالك: إن الله في السماء وعلمه في كل مكان.. (3).
ويتفق أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم أن الله لم يزل متكلما كيف شاء وإذا شاء بلا كيف يأمر بما شاء ويحكم.. (4).
وينقل عن الشافعي قوله: آمنت بما جاء عن الله على مراد الله. وبما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وآله على مراد رسول الله.. (5).
ويقول البيهقي: أما وحدانيته في ذاته سبحانه فمعناها أن ذاته العلية لا تتركب من أشياء مادية ولا عقلية ولا من أصول غير مادية فلا تحوم حول حماها المقادير والمساحات والأشكال ونحوها وقد برهنه القرآن ببيان أن له سبحانه الغنى الأكمل ووجوب الوجود لتركب في الذات واتصافها بالمقدار ولوازمه يستلزمان الحاجة إلى الغير والافتقار إلى السوي وينافيان وجوب الوجود
____________
(1) نجاة الخلف في عقائد السلف. ط. القاهرة..
(2) المرجع السابق.
(3) المرجع السابق.
(4) المرجع السابق.
(5) أنظر الفتوى الحموية والرسالة المدينة لابن تيمية والشافعي لمحمد أبي زهرة..
بين السلف والخلف:
سوف نورد هنا عددا من النصوص القرآنية والنبوية ونبين موقف السلف والخلف منها فمما الجهة قوله تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم)..
السلف يقولون فوقية لا نعلمها..
والخلف يقولون المراد بالفوقية التعالي في العظمة..
وقوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى)..
السلف يقولون استواء لا نعلمه..
والخلف يقولون المراد به الاستيلاء والملك..
ومما يوهم الجسمية قوله تعالى: (وجاء ربك)..
وقول الرسول صلى الله عليه وآله: ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا.. (2).
السلف يقولون مجئ ونزول لا نعلمه..
والخلف يقولون المراد من الآية: وجاء عذاب ربك أو وجاء أمر ربك الشامل للعذاب والمراد ومن الحديث ينزل ملك ربنا فيقول عن ربنا..
ومما يوهم الصورة قول الرسول صلى الله عليه وآله:.. إن الله خلق آدم على صورته.. (3).
السلف يقولون صورة لا نعلمها..
والخلف يقولون المراد بالصورة الصفة من سمع ويصر وعلم وحياة..
ومما يوهم الجوارح قوله تعالى: (ويبقى وجه ربك..) " الرحمن / 55 ".
____________
(1) أنظر الأسماء والصفات للبيهقي..
(2) أنظر شرح البيجوري على الجوهرة المسمى تحفة المريد على جوهرة التوحيد..
(3) المرجع السابق.
وقول الرسول صلى الله عليه وآله: إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن..).
فالسلف يقولون لله وجه ويد وإصبع لا نعلمها..
والخلف يقولون المراد من الوجه الذات ومن اليد القدرة والمراد من قوله بين إصبعين من أصابع الرحمن بين صفتين من صفاته وهاتان الصفتان القدرة والادارة..
ومما يوهم الرؤية لله تعالى قوله: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة).
وقول الرسول صلى الله عليه وآله: إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر).. (1).
فالسلف مجمعون على رؤية الله يوم القيامة..
والخلف يقولون: إن النظر في الآية هو الانتظار..
واتجاه الخلف أو أصحاب التأويل شن عليهم ابن تيمية هجوما شديدا واضطر في مواجهتهم إلى إنكار المجاز في القرآن واعتبر اللغة حقيقة فقط مدعيا أن تقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز، بدعة على ما سوف نبين عند استعراض اتجاه ابن تيمية.. ويبدو أن هذا الموقف من قبل ابن تيمية محاولة منه لتفويت الفرصة على خصومه من أهل التأويل الذين يبنون موقفهم من آيات الأسماء والصفات على أساس المجاز كما هو واضح من خلال المقارنات السابقة..
ومن جانب آخر شن خصوم ابن تيمية عليه هجوما شديدا واتهموه بفساد العقيدة وتحريمه بعض المباح ومخالفته للأئمة الأربعة والتحدث بلسان السلف ونسبة الجهة والتجسيم والتشبيه لهم.. (2).
____________
(1) المرجع السابق.
(2) أنظر ابن تيمية سلفيا ط. القاهرة عام 70. والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر ج 1 ص 147. أنه نودي في دمشق اعتقد ابن تيمية حل دمه وماله. وانظر أيضا الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي ص 86 وفيها تصريح الفقهاء أن ابن تيمية عند خذله الله وأضله وأعماه
=>
وكذلك الأمر بالنسبة للماتريدي وهو من الاتجاهات البارزة أيضا في دائرة أهل السنة ويتبنى اتجاها وسطا بين الأشاعرة والمعتزلة والبعض يرى أن الخلاف بينه وبين الأشعري خلاف لفظي.. (2).
وقيل أن الأشعري تارة يميل إلى العقل وتارة يميل إلى النقل، أما الماتريدي فيجري في جميع أحواله على نهج واحد يعتمد على العقل والنقل لا يغلب أحدهما على الآخر.. وقد أطلق لقب " أهل السنة " على جماعة الأشاعرة والماتريدية، ثم دخل بعد ذلك ضمن هذا التعريف أصحاب المذاهب الأربعة والأوزاعي والثوري وأهل الرأي والإجماع والقياس وغيرهم..
أما ابن تيمية ومن سار على نهجه فقد اختلف مع هذه الاتجاهات جميعا في كثير من القضايا التي تتعلق بالتوحيد والمعاملات..
أهل السنة والفرق الأخرى:
إن علامة الاستفهام التي تثيرها كتب الفرق أن هذا الكتب تضع فرقة أهل السنة في موضع القيمومة على الفرق الأخرى..
وتتعمد هذه الكتب إظهار أهل السنة بمظهر أهل الحق والفرقة الناجية التي خولت صلاحيات تعطيها الحق في محاكمة الفرق الأخرى وإصدار الحكم عليها..
____________
<=
وأصمه وأذله. وبذلك صرح الأئمة الذين بينوا فساد أحواله وكذب أقواله وانظر براءة الأشعريين من
عقائد المخالفين فصل عقيدة ابن تيمية التي خالف بها جماعة المسلمين. وانظر لنا محاكمة ابن
تيمية..
(1) أنظر العقيدة الواسطية الفتوى الحموية لابن تيمية وكتب الفرق التي تعرض لعقيدة الأشعري
والابانة في أصول الديانة ومقالات الاسلاميين للأشعري..