ولنا ملاحظات حول الرواية الواردة على لسان ابن عمرو هي ما يلي:
إن قوله " فنهتني قريش " يشير إلى أن الناهين هم طائفة المهاجرين.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو لماذا لم تنهه الأنصار أيضا..؟ ولماذا أخذ بقول قريش فقط..؟ وهل كانت هناك طائفية في المدينة، كل طائفة لها موقف ووجهة مختلفة في قضايا الدين..؟
وإذا كانت قريش هي القائلة: " ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا ".. فهل كانت الأنصار تقول بغير ذلك..؟
وهل يعني قول قريش هذا ترسيخ اعتقاد أهل السنة في عصمة النبي ورؤيتهم العامة في شخصيته..؟
وهل يشير هذا إلى أن عقيدة أهل السنة تقوم على أساس رؤية قريش دون رؤية الأنصار..؟ (2).
ثم ماذا يفيد قول الرسول صلى الله عليه وآله لابن عمرو وهو يشير إلى فيه: " اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ". هل يعني تحدي قريش التي تشكك في أقوال الرسول، وأنه من الممكن أن يتكلم في الغضب كلاما غير كلامه في
____________
<=
الأمرين الإباحة. ويقولون إن الرسول صلى الله عليه وآله صرح بالكتابة لأناس معينين. فمن هم هؤلاء..؟
(1) أنظر معالم السنن للخطابي: ج 4 / 184.
(2) هناك دلائل تاريخية تفيد أن حزب قريش كانت له وجهة وموقف تجاه الرسول صلى الله عليه وآله ورواياته تختلف
عن وجهة وموقف الأنصار خاصة فيما يتعلق بقضية الإمامة وآل البيت. وقد برز هذا الموقف بعد
وفاة الرسول واجتماع السقيفة. ومن الملاحظ أن أغلب شيعة الإمام علي عليه السلام في عهد الرسول من
الأنصار والمهاجرين من غير قريش. انظر لنا السيف والسياسة.
ألا يتناقض هذا مع قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى..) النجم / 3 - 4.
قال عبد الله بن الزبير. قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يحدث فلان وفلان. قال: أما إني لم أفارقه. ولكني سمعته يقول:
" من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار " (1).
وروى أنس بن مالك.. قال: إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثا كثيرا أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " من تعمد علي كذبا فليتبوأ مقعده من النار " (2).
وهذا الموقف من الرواية عن الرسول ليكن ينحصر في الزبير ومالك، إنما موقف كثير من الصحابة.. (3).
ومثل هذا الروايات إنما تشير إلى أن حملة الكذب على الرسول كانت تقوم بنشاطها في حياته وهي قد نشطت بعد مماته. فلا يعقل أن يحذر الرسول من شئ غير ممكن الوقوع. وهذا الكذب بالطبع لا بد من أن يبدأ على لسان قوم ممن احتكوا بالرسول. فلا يدعي أحد أنه سمع رسول الله يقول.. دون أن يكون المتلقي منه يعلم أنه قد عاصره..
وبصورة واضحة محددة فإن الرسول صلى الله عليه وآله كان يحذر من الكذب لعلمه أن هناك من يكذبون عليه من أصحابه، وهم سوف يستمرون في الكذب عليه بعد وفاته، وأن التابعين سوف يتلقون هذا الكذب بالقبول لكونه صادرا عن أناس ثقات عاصروا الرسول.. (4).
____________
(1) البخاري: ج 1 / 200 بهامش فتح الباري وأبو داوود: ج 4 / 63.
(2) المرجع السابق..
(3) روي عن أبي قتادة الأنصاري نفس الرواية، وهو يتبنى نفس الموقف، وكذلك المقداد وطلحة وابن عوف. وتأمل عدد الرويات على لسان أبي بكر في البخاري مثلا..
(4) قضية الكذب كانت واردة في عصر الصحابة، وهناك الكثير من الرويات التي تشير إلى ذلك، إلا
=>
إلا أن أهل السنة لا يرون تمييزا بين صحابي وآخر.. ومن ثم فهم لا يجيزون تجريح الصحابي ويقولون: من ثبتت صحبته ثبتت عدالته. فجميع الصحابة عندهم عدول لا استثناء.. (2).
وهذا يقودنا إلى قضية جديدة تتعلق بموضوعنا وهي قضية المتن والسند.
أما المتن فيقصد به نص الحديث الوارد على لسان الرسول.. وأما السند فيقصد به سلسلة الرواة الذين أسندوه للصحابي الذي رواه عن الرسول.
وفيما يتعلق بالمتن فإنهم لا يجيزون نقده ولا إعمال العقل فيه حتى ولو كان يخالف القرآن. فإنه يوفق بين نص الحديث ونص القرآن من غير نفي أو إنكار لنص الحديث ما دامت طرقه صحيحة عندهم، حتى أنهم يقولون بجواز نسخ القرآن بالحديث.. (3).
____________
<=
أن أهل السنة يؤولون الكذب الوارد فيها على أنه الخطأ.
وهل الكذب ليس بخطأ. انظر لسان العرب مادة " كذب " ويروي مسلم. ج 3 / 1441 قول النبي صلى الله عليه وآله:
كذب من قال ذلك. أي أخطأ م قال ذلك من الصحابة. انظر شرح النووي وقصة غزوة خيبر.
وكذلك قول ابن عباس: كذب نوف حين ادعى أن صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل. انظر
البخاري: ج 9 / 240.
(1) تأمل قول عمر للأشعري حين سمعه يروي حديثا لم يعرفه: فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين
بمن يشهد لك على هذا. انظر مسلم: ج 3 / 1696. وموطأ مالك: ج 2 / 964. وكان عمر قد هدد
أبا هريرة لكثرة رواياته، وكذلك عائشة. انظر أضواء على ألسنة المحمدية وأبو هريرة شيخ المضيرة
لأبي رية..
(2) أنظر فصل الرجال من هذا الكتاب.. وهذا التعريف يتناقض مع أحاديث الحوض المروية في
البخاري والتي تشير إلى ردة الصحابة من بعد الرسول..
(3) أنظر كتب علوم القرآن، وكتاب تفسير السنية. ويذكر أن نقد المتن عند أهل السنة إنما ينحصر في
دائرة الموضوعات الواضحة والتي تدخل ضمن الأحاديث الموضوعة. لكنهم لا يتجهون بالنقد إلى
=>
وهذا أمر جعلوا له علما قائما بذاته أسموه علم الجرح والتعديل وهدفه الوصول إلى صدق وأمانة الرواي حتى تقبل روايته.. (1).
ويعرف أهل السنة عدالة الرواي بأحد أمرين:
الأول: أن يشتهر حال الراوي بالعدالة والتقوى بين الناس حتى لا يغيب ذلك عن جمهور الأمة.. ومن ذلك رواه تاج الدين السبكي في كتابه (من ثبتت إمامته وعدالته. وكثر مادحوه ومزكوه. وندر جارحوه. وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب لمذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة).
الثاني: تزكية النقاد العارفين.. فإذا شهد للراوي عدد من العلماء أو واحد على الأقل بأنه عدل فإن ينتقل من دائرة الجهالة إلى دائرة العدالة.. (2).
وقال ابن أبي حاتم: ووجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى. وإذا قيل للواحد: إنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه. وإذا قيل له: إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه.
وهي المنزلة الثانية. وإذا قيل شيخ، فهو بالمنزلة الثالثة، يكتب حديثه وينظر فيه، إلا أنه دون الثانية، وإذا قيل صالح الحديث فإنه يكتب حديثه للاعتبار.
____________
<=
الأحاديث التي تثبت صحتها بطرقهم رغم تناقضها مع القرآن والعقل..
(1) أنظر تقريب التهذيب لابن حجر، وقاعدة في الجرح والتعديل للسبكي، والجرح والتعديل لابن أبي
حاتم.
(2) قاعدة في الجرح والتعديل. وعلى هذا الأساس اعتمد أهل السنة رواية من اشتركوا في مذبحة
كربلاء كعمر بن سعد. واعتمدوا شاعر الخوارج عمران بن حطان الذي مدح قاتل الإمام علي.
والجرائم الأخلاقية فجرحوا على أساس الأخلاق ولم يجرحوا على أساس السياسة..
وإذا قالوا ليس بقوي، فهو بمنزلة الأول كتبه إلا أنه دونه. وإذا قالوا ضعيف الحديث فهو دون الثاني. لا يطرح حديثه بل يعتبر به. وإذا قالوا: متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب فهو ساقط الحديث لا يكتب حديثه وهي المنزلة الثالثة.. (1).
وقال ابن حجر ما يشبه ذلك في كتابه " تقريب التهذيب "، حيث قسم مراتب الجرح والتعديل إلى اثنتي عشرة مرتبة.. (2).
وقد انقسم فقهاء السنة حول نص الحديث.. هل هو لفظ رسول الله صلى الله عليه وآله أو هو معنى اللفظ، وذهب البعض إلى اشتراط تحري لفظ المحدث أن يؤدي الحديث كما سمعه بالمحافظة على حروفه وكلماته دون تغيير، ولا إبدال كلمة من موضع كلمة..
وذهب آخرون إلى جواز الرواية بالمعنى دون التقيد بالكلمات التي سمعها بل يبدل كلمة بكلمة في معناها. ويأتي بما في الحديث من حكم وأمر ونهي.. (3).
ويبدو أن الفتن والصدامات التي وقعت بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله بين الصحابة، خاصة ما وقع بين عائشة والإمام علي وبين الإمام ومعاوية، هذه الفتن قد ألقت بظلالها على الأحاديث، وبدأت تبرز عملية الدس والكذب على الرسول..
والظاهر أن هذا الدس والكذب كان على الجانب الآخر المواجه للإمام، فلا خلاف أن موقف الإمام هو الموقف الشرعي وأن الحق بجانبه. وهذه حقيقة يعترف بها أهل السنة بصعوبة، فهم على الرغم من اعترافهم بالإمام علي، وأنه رابع الخلفاء الراشدين، هم يعترفون بمعاوية ويساوونه بالإمام.. (4).
____________
(1) الفكر المنهجي عند المحدثين، د. همام سعيد. كتاب الأمة ط. قطر..
(2) الجرح والتعديل..
(3) أنظر تقريب التهذيب: ج 1 / 4. وكيف تحفظ السنة طوال هذه القرون باللفظ، إنها بهذه الصورة تتساوى بالقرآن..
(4) أنظر العواصم من القواصم. والفصل في الملل والنحل..
وحتى يبرر أهل السنة موقفهم هذا تحصنوا بالنصوص القرآنية التي تزكي الصحابة ورفضوا الاعتراف بأن الفتن أثرت في الأحاديث..
يروي مسلم عن مجاهد قوله: جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل ابن عباس يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه. فقال: يا ابن عباس، ما لي أراك تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول قال رسول الله ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا. فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا بما نعرف.. (2).
وقال ابن سيرين: لم يكونوا يسألون عن الإسناد. فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم. فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم. وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم (3).
ورواية ابن عباس والتابعي ابن سيرين وغيرهما من الرويات التي تنطق بنفس المعنى إنما تؤكد ظهور ونمو حركة الوضع والكذب على الرسول لصالح أطراف مهزوزة شرعيا وتحتاج إلى مساندة النصوص (4).
ومثل هذا الاتجاه المهزوز شرعا ما كان لينجح في دعم موقفه بهذه النصوص المخترعة ومن دعم حركة الوضع دون أن تكون في يده أداة نفوذ وقوة وسلطان. فهو اتجاه يريد أن يسود وأن يهيمن ولا بد من إضفاء الشرعية عليه..
____________
(1) قال إسحاق بن راهويه أستاذ البخاري: لم تصح في معاوية منقبة. انظر باب ذكر معاوية بالبخاري، وتعليق ابن حجر في فتح الباري ج 7، وانظر ما روي في فضائل عائشة في مسلم..
(2) مسلم: ج 1 / 13.
(3) مسلم: المقدمة، ص 15.
(4) أنظر لنا فقه الهزيمة فصل السنة.
من هنا برزت السياسة وأصبحت لها بصماتها الواضحة على حركة تدوين الحديث وتأسيس علومه. ومهما حاول أهل السنة سترها فإنها تطل ما بين الحين والآخر من خلال أحاديث كثيرة ومن خلال علم الحديث ذاته ومن خلال كتب السنن..
فالبخاري روى لكثير من الرجال المتهمين، ولم يرو لأبناء الرسول من آل البيت الذين الذين رووا عن الإمام جعفر الصادق.. (1).
ومسلم صنع بابا أسماه فضائل أبو سفيان، وهو لا يحوي أية فضيلة له، ولم يرو سواه في هذا الباب.. (2).
وعلم الجرح والتعديل استثنى الصحابة، وبنى على أساس أخلاقي في شخصية الراوي، ولم يهتم بجوانبها الأخرى خاصة الجانب السياسي منها، فهو قد ركز على مسألة الصدق والأمانة وتغاضى عن علاقة الراوي بحكام زمانه مثلا. كما تغاضوا عن جرائمه في حق المسلمين بحجة أنه فعلها متأولا.. (3).
____________
(1) أنظر هدى الساري مقدمة شرح البخاري لابن حجر، وبها إحصائيات بكم الأحاديث التي رواها الصحابة وأمهات المؤمنين. وتقف السياسة وراء هذا الموقف الذي دفع بجامعي الأحاديث إلى البحث عن رواة في مشارق الأرض ومغاربها بينهم وبين الرسول عشرات الأشخاص ويتركون أبناء الرسول صلى الله عليه وآله.
(2) تأمل حديث أبو سفيان، وكيف أنه يطلب الفضل لنفسه من الرسول، فهو يطلب منه أن يقاتل المشركين كما كان يقاتل المسلمين. ومن المعروف أن أبا سفيان لم يشهر سيفا في حياة الرسول ولا بعد مماته. ويطلب جعل ولده معاوية كاتبا للوحي وهو أمر لم يصح. ويطلب من الرسول أن يتزوج ابتنه أم حبيبة، ومن المعروف أن الرسول تزوج أم حبيبة قبل الهجرة. تأمل..
(3) أنظر علاقة الزهري جامع السنة بعبد الملك بن مروان في كتب تاريخ السنة. وانظر لنا فقه الهزيمة فصل السنة. وكتابنا النص والسياسة وأضواء على السنة المحمدية للشيخ أبي رية.
وأهل السنة عرفوا الصحابي تعريفا سياسيا بعيدا كل البعد عن اللغة وعن الشرع. فهم اعتبروا كل من لقي رسول الله ولو ساعة أو رآه أو ولد في عصره صحابيا، وبهذا دخل ضمن هذا التعريف كم كبير من الناس لم يعايشوا عصر الرسالة وصاحبها.
وهذا التعريف يخالف اللغة والعرف، وعلى الرغم من ذلك اعتمده الفقهاء وأجمعوا عليه، ثم أضفوا على الجميع العدالة، ووضعوهم في مرتبة خاصة مميزة وتناولوا الحديث من جميعهم بلا تمييز أو استثناء.. (2).
وإذا كان القرآن قد زكى الصحابة، فهو لم يزكهم على وجه العموم، إنما زكى طوائف منهم وذم طوائف أخرى. لكن القوم أضفوا العدالة والملائكية على الجميع لأسباب سياسية حتى يعطى الجميع صلاحية التحديث باسم الرسول.
وحتى يجد الخط الأموي بقيادة معاوية شرعية يستمدها من خلال صحابة الرسول.. (3).
ولو كان تعريف الصحابة يقتصر على القرآن واللغة لما وجد معاوية وأنصاره من يقف إلى جوارهم إذ أن الصحابي الحقيقي الذي حدده القرآن وحددته اللغة لم يقف في صف معاوية وليس من السهل أن يحتوى من قبل الخط الأموي.
____________
(1) أنظر السابقة وهدى الساري دفاع ابن عن البخاري.
(2) أنظر فصل الرجال من هذا الكتاب.
(3) أنظر لنا السيف والسياسة..
وجاء القوم من بعد ذلك فاعتمدوا هؤلاء الناس كصحابة، واعتمدوا رواياتهم، واعتبروا أن المساس بهم خروجا عن العقيدة.
النبوة عند الشيعة
يعتقد الشيعة أن الرسول صلى الله عليه وآله معصوم عصمة كلية من ولادته وحتى مماته، فلا تجوز عليه الكبيرة ولا الصغيرة لا بالعمد ولا بالسهو ولا بالتأويل ولا بالنسيان..
ودليلهم على ذلك أنه لو عهد منه خطيئة لتنفرت العقول من متابعته فتبطل فائدة البعثة.. (1).
وتتجلى عصمة الرسول في مراحل ثلاث:
- مرحلة تلقي الوحي وحفظه وأدائه إلى الأمة.
- مرحلة القول والفعل، وعلى ذلك فهو من عباده المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون..
- مرحلة تطبيق الشريعة وغيرها من الأمور المربوطة بحياته صلى الله عليه وآله لا يسهو ولا يخطئ في حياته الفردية والاجتماعية.. (2).
ويقول الشيخ محمد جواد مغنية: الأنبياء معصومون عن الذنوب، كبيرها وصغيرها، قبل النبوة وبعدها. لا يصدر عنهم ما يشين لا عمدا ولا سهوا.
وأنهم منزهون عن دناءة الآباء وعهر الأمهات، وعن الفظاظة والغلظة، وعن الأمراض المنفرة كالبرص والجذام، بل وعن كثير من الأعمال المباحة المنافية للتعظيم والتوقير كالأكل في الطريق ونحوه (3).
وقد اشتغل علماء الإمامية بالنصوص القرآنية التي توهم مناقضتها للعصمة الكلية والتي استند إليها أهل السنة في موقفهم منها. وقاموا بشرحها ومناقشة
____________
(1) النكت الاعتقادية.
(2) معالم النبوة في القرآن للشيخ جعفر السبحاني - ط. بيروت.
(3) معالم الفلسفة الإسلامية.
يقول السيد شبر: والعصمة عبارة عن قوة العقل من حيث لا يغلب مع كونه قادرا على المعاصي كلها. كجائز الخطأ. وليس معنى العصمة أن الله يجبره على ترك المعصية، بل يفعل به ألطافا يترك معها المعصية باختياره مع قدرته عليها. كقوة العقل وكمال الفطنة والذكاء ونهاية صفاء النفس وكمال الاعتناء بطاعة الله تعالى: ولو لم يكن قادرا على المعاصي بل كان مجبورا على الطاعات لكان منافيا للتكليف وعدم الإكراه في الدين. والنبي أول من كلف، حيث قال: فأنا أول العابدين وأنا أول المسلمين، وقال تعالى: (فاعبد ربك حتى يأتيك اليقين) الحجر / 99. ولأنه لو لم يكن قادرا على المعصية لكان أدنى مرتبة من صلحاء المؤمنين القادرين على المعاصي التاركين لها (2).
إن شخصية الرسول عند الشيعة الإمامية هي شخصية متكاملة متجانسة مع روح الإسلام وطبيعة الوحي، وليست شخصية مهزوزة متقلبة ضعيفة الجذور متلونة أخلاقيا..
من هنا فإن الشيعة يرفضون وبقوة أي مساس بشخص الرسول كالسحر والخطأ والنسيان وتعرية حياته الشخصية ومشاركة بعض الصحابة له في شؤون الوحي ونسبة الكفر إلى والديه وعمه.. (3).
____________
(1) أنظر عصمة الأنبياء. وكتب التفسير الخاصة بالشيعة مثل الميزان ومجمع البيان. وكتب العقائد الشيعية وتنزيه الأنبياء للشريف المرتضى - ط. بيروت.
(2) حق اليقين، ج 1.
(3) هناك الكثير من الأحاديث عند أهل السنة تؤكد نظريتهم في شخص الرسول وكونه يسحر ويخطئ وينسى. كما أن هناك أحاديث تفضح الحياة الخاصة للرسول. انظر حديث الغرانيق في مجمع الزوائد، ج 7. والدر المنثور للسيوطي ج 4. وفيه اتهام صريح للرسول بالسهو في القرآن حتى أنه قرأ في سورة النجم: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى.. بعد قوله تعالى: (أفرأيتم اللات
=>
ورووا الرويات في ذلك من طرق العامة والخاصة ولقوله تعالى: (إن الذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا) الأنفال / 74. وقد اتفق المخالف والموالف أن أول من أوى النبي صلى الله عليه وآله ونصره أبو طالب (1).
الشيعة والقرآن..
يشاع عن الشيعة أن لديهم قرآنا سريا. كما يدعى عليهم أنهم يقولون بالنقيصة في القرآن، وأن إحراق عثمان للمصاحف أدى ألى ضياع سور من القرآن نزلت في علي. وغير ذلك مما يقال بهدف إثارة الشبهات حول عقائدهم.. والحق أن مثل هذه الادعاءات لا أساس لها من الصحة. ولا يوجد
____________
<=
والعزى * ومناة الثالثة الأخرى). ويروي مسلم والبخاري أن الرسول صلى الله عليه وآله صلى بالناس صلاة العصر
ركعتين ودخل حجرته، ثم خرج فذكره بعض فأتمها.. وانظر حديث سحر الرسول في البخاري
حتى كان لا يدري ما يقول ويأتي النساء ولا يأتيها. وانظر حديث الكسل في مسلم باب الطهارة حين
سئل الرسول عن رجل يجامع امرأته ولا ينزل وهل يوجب ذلك الغسل وإجابة الرسول بالنفي قائلا:
لا وأنا أفعل ذلك مع عائشة. وعائشة إلى جواره، وكذلك أحاديث شغف الرسول بنسائه، في فترة
الحيض وأنه أوتي قوة عشرين رجلا في الجماع، وفي رواية سبعين، انظر البخاري كتاب الغسل
وكتاب الحيض ومسلم وطبقات ابن سعد.
وانظر توجيه عمر للرسول في شأن الوحي وتنبيهه له بقوله: ألا تحجب نساءك، فينزل القرآن مؤيدا
لعمر بآية الحجاب. وبدا وكأن عمر يذكر الرسول بحكم شرعي هو في غفلة عنه وعن تطبيقه حتى
على أهل بيته. انظر البخاري، وهناك الكثير من آيات القرآن التي يعتقد أهل السنة أنها نزلت بتوجيه
من عمر. انظر كتب أسباب النزول وكتب التفسير عند السنة.
ومن البديهي أن ينسب أهل السنة الكفر إلى والدي الرسول وعمه ما داموا يعتقدون بعدم عصمته قبل
البعثة، وأنه يجوز عليه ارتكاب الكبائر قبل بعثته، فلا تناقض عندهم أن يكون الرسول من أبوين
كافرين أو فاسقين.
انظر لنا فقه الهزيمة فصل شخصية الرسول. وانظر أهل السنة شعب الله المختار..
(1) حق اليقين، ج 1. وانظر إيمان أبي طالب - ط. بيروت. ونهج الحق وكشف الصدق.
غير أن الشيعة تختلف مع أهل السنة حول القرآن في عدة أمور:
الأول: جمع القرآن: حيث تعتقد أن الرسول ترك القرآن مجموعا ومنسوخا وأن هذا العمل من أول واجباته كرسول يودع أمته.
يقول الحجة البلاغي: من المعلوم عند الشيعة أن عليا أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله لم يرتد برداء إلا للصلاة حتى جمع القرآن على ترتيب نزوله وتقدم منسوخه على ناسخه.. (2).
- الثاني: في القراءات: لا تعترف الشيعة بالقراءات السبع، وما روي من أن القرآن أنزل على سبعة أحرف. فالقرآن تواتر بين عامة الناس جيلا بعد جيل واستمرت مادته وصورته وقراءته المتداولة على نحو واحد فلم يؤثر شئ على مادته وصورته (3).
- الثالث: في النسخ: لا ترى الشيعة أنه يمكن نسخ القرآن بالحديث، فالحديث في الأصل يجب أن يعرض على القرآن ويوافقه حتى يمكن قبوله.
فكيف يمكن القول بأن الحديث ينسخ القرآن..؟ كذلك الأمر بالنسبة إلى مسألة نسخ التلاوة على ما سوف نبين..
- الرابع: إن الشيعة يعتقدون أن معاني القرآن تعرضت للتحريف بسبب السياسة، من هذا فهم يختلفون مع أهل السنة حول مدلول الكثير من الآيات القرآنية. خاصة تلك التي تتعلق بعصمة الرسول وآل البيت.. (4).
____________
(1) أنظر البيان في تفسير القرآن للخوئي. ومجمع البيان للطبرسي، وأكذوبة تحريف القرآن بين الشيعة والسنة. ط. طهران.
(2) آلاء الرحمن في تفسير القرآن.
(3) المرجع السابق، والبيان في تفسير القرآن، ومجمع البيان.
(4) انظر باب الرجال بهذا الكتاب ليتبين لك كيف أخضعت نصوص القرآن المتعلقة بآل البيت
=>
1 - نقل الشئ عن موضعه وتحويله إلى غيره ومنه قوله تعالى:
(من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه) النساء / 46.
ولا خلاف بين المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب الله. فإن كل من فسر القرآن بغير حقيقته، وحمله على غير معناه فقد حرفه. وترى كثيرا من أهل البدع والمذاهب الفاسدة قد حرفوا القرآن بتأويلهم آياته على آرائهم وأهوائهم..
وقد ورد المنع عن التحريف بهذا المعنى وذم فاعله في عدة من الرويات منها قول الإمام الباقر عليه السلام في رسالته إلى سعد الخير: " وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده. فهم يروونه ولا يرعونه. والجهال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية " (1).
2 - النقص أو الزيادة في الحروف أو في الحركات مع حفظ القرآن وعدم ضياعه وإن لم يكن متميزا في الخارج عن غيره..
والتحريف بهذا المعنى واقع في القرآن قطعا، بمعنى أن القرآن المنزل إنما هو مطابق لإحدى القراءات، وأما غيرها فهو إما زيادة في القرآن وإما نقيصة فيه..
3 - النقص أو الزيادة بكلمة أو كلمتين مع التحفظ على نفس القرآن المنزل..
____________
<=
للسياسة. وكيف استغلت النصوص التي تثني على بعض الصحابة في التغطية على مساوئ الآخرين
منهم. وانظر كيف طوع ابن كثير قوله تعالى: (من قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا) لصالح
معاوية، وإضفاء المشروعية على قتاله للإمام بحكم أن معاوية ولي عثمان.. تفسير القرآن العظيم،
سورة الإسراء، آية: 33.
(1) الكافي، كتاب الصلاة.
وقد ضبط جماعة من العلماء موارد الاختلاف بين المصاحف منهم عبد الله بن أبي داود السجستاني. وقد سمى كتابه هذا بكتاب المصاحف.. وأن ما جمعه عثمان كان هو القرآن المعروف بين المسلمين الذي تداولوه عن النبي صلى الله عليه وآله يدا بيد، فالتحريف بالزيادة والنقيصة إنما وقع في تلك المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان. وأما القرآن الموجود الآن فليس فيه زيادة ولا نقيصة..
4 - التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع التحفظ على القرآن المنزل والتسالم على قراءة النبي صلى الله عليه وآله إياها.
والتحريف بهذا المعنى أيضا واقع في القرآن قطعا. فالبسملة - مثلا - قد وقع الخلاف في كونها من القرآن بين علماء أهل السنة، واختار جمع أنها ليست من القرآن.
وأما الشيعة فهم متسالمون على جزئية البسملة من كل سورة غير سورة التوبة.
5 - التحريف بالزيادة، بمعنى أن بعض المصاحف الذي بين أيدينا لا يشتمل على جميع القرآن الذي نزل من السماء، فقد ضاع بعضه على الناس..
والتحريف بهذا المعنى هو الذي وقع فيه الخلاف فأثبته قوم ونفاه آخرون (1).
____________
(1) البيان في تفسير القرآن.
ومسألة نسخ التلاوة إنما ترتبط بموقف أهل السنة من مسألة نسخ القرآن بالحديث، أي نسخ الحكم. فهم كما يرون نسخ التلاوة أي بقاء الحكم الشرعي مع نسخ لفظه من القرآن، يرون أيضا نسخ الحكم مع بقاء التلاوة..
يقول السيد الخوئي: إن نسخ التلاوة هذا إما أن يكون قد وقع من الرسول صلى الله عليه وآله وإما أن يكون ممن تصدى للزعامة من بعده. فإن أراد القائلون بالنسخ وقوعه من الرسول فهو أمر يحتاج إلى إثبات. وقد اتفق العلماء أجمع على عدم جواز نسخ الكتاب بخبر الواحد، بل قطع الشافعي وأكثر أصحابه وأكثر أهل الظاهر بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، بل إن جماعة ممن قال بإمكان نسخ الكتاب بالسنة المتواترة منع وقوعه. وعلى ذلك فكيف تصح نسبة النسخ للنبي صلى الله عليه وآله بأخبار هؤلاء الرواة؟
مع أن نسبة النسخ إلى النبي تتنافى جملة مع الروايات التي تضمنت أن الاسقاط قد وقع بعده. وإن أرادوا أن النسخ قد وقع من الذين تصدوا للزعامة بعد النبي فهو عين القول بالتحريف. وعلى ذلك فيمكن أن يدعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء السنة لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة.. (2).
الشيعة والحديث:
يعتبر الشيعة أن السنة دونت في فترة متقدمة على يد عدد من الصحابة الذين أخذوها عن الإمام علي عليه السلام..
ومن هؤلاء الصحابة ابن عباس وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري وأبو رافع (3).
____________
(1) كان في مصحف ابن عباس وأبي ابن كعب سورتا الخلع والحفد. وكان ابن عباس يقرأ قوله تعالى في سورة النساء (فما استمتعتم به منهن - إلى أجل مسمى - فآتوهن أجورهن) بزيادة إلى أجل مسمى.
(2) البيان في تفسير القرآن.
(3) أعيان الشيعة، ج 1، ق 2.
يقول الذهبي: إن البدعة ضربان كغلو التشيع أو التشيع بلا غلو ولا تحرق فهذا أكثر في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق، فلو ورد حديث هؤلاء لذهبت جملة الآثار النبوية وهذه مفسدة بينة.. (1).
وقد أخذ أبو حنيفة عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام وكذلك مالك وكذلك الشافعي حتى أن أحد شيوخ البخاري كان من الشيعة.. (2) وكتب الحديث المؤلفة والمعتمدة عند الشيعة أربعة:
الأول الكافي لأبي جعفر محمد الكليني. وقد جمعه في ثلاثين سنة، وعدد أحاديثه (16099) حديثا في الأصول والفروع.
الثاني: كتاب من لا يحضره الفقيه لأبي جعفر بن بابويه القمي، وعدد أحاديثه (9044) حديثا..
الثالث: تهذيب الأحكام للشيخ أبي جعفر محمد الطوسي وعدد أحاديثه (13590) حديثا..
الرابع: الاستبصار في الجمع بين تعارض من الأخبار للطوسي أيضا.
وعدد أحاديثه (5511) حديثا.. (3).
وليس كل ما تحويه هذه الكتب الأربعة يعد صحيحا في منظور الشيعة.
وقد ألفت مؤخرا عدة مختصرات لهذه الكتب تحوي الأحاديث الصحيحة منها فقط. ومن هذه الكتب صحيح الكافي، وصحيح من لا يحضره الفقيه.. (4).
____________
(1) ميزان الاعتدال.
(2) أعيان الشيعة، ج 1 ق 2.. واسم شيخ البخاري هو عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي انظر ميزان الاعتدال وتذكرة الحفاظ.
(3) أعيان الشيعة، ج 1، ق 2.
(4) يعتمد خصوم الشيعة اصطياد روايات من الكافي وكتب الأحاديث الأخرى واستغلالها في الطعن
=>
ولرواية الحديث عند الشيعة طرق تختلف عن طرق السنة، وقد أدى هذا الخلاف في طرق الرواية إلى وجود الكثير من الأحاديث عند الشيعة لا وجود لها عند السنة، وهذا لا ينفي وجود نسبة من الأحاديث المشتركة المروية في كتب الجانبين (1).
رواية الصحابي:
لا تأخذ الشيعة برواية أي صحابي، لأن لها رؤيتها في الصحبة تختلف عن رؤية السنة، فليس كل صحابي عند السنة هو صحابي عند الشيعة، بالإضافة إلى أن فكرة عدالة جميع الصحابة في فكرة مرفوضة وغير معترف بها (2).
يقول الشيخ العاملي: ما ورد من طرقنا وطرق العامة من الذم العام فهو مخصوص بأصحاب الأحداث المبدلين والمبتدعين قطعا. وإن كانوا هم الأكثر وأهل الصلاح هم الأقل من كل طائفة وفي كل زمان.. (3).
من هنا فإن الشيعة لا تأخذ بروايات صحابة معترف بهم من قبل السنة مثل معاوية وابن عمر وأبي هريرة وابن العاص والمغيرة بن شعبة وأبي بكر وعمر
____________
<=
في عقائدها والتشكيك فيها متناسين أن هذه الكتب فيها الغث والسمين.. أن مثل هذا الأمر ينطبق
على كتب الحديث عند أهل السنة أيضا. والفارق بين السنة والشيعة في هذا الأمر هو أن الشيعة لا
يقرون بصحة جميع الأحاديث الواردة في كتب الأحاديث ويجيزون الطعن في الأحاديث ورفضها
إذا خالفت القرآن والعقل. بينما هذا الأمر غير وارد عند أهل السنة ويرفض بشدة خاصة إذا تعلق
الرفض والتشكيك بأحاديث البخاري ومسلم. وقد شنت حرب شعواء على الذين شككوا في
أحاديث سحر الرسول بالبخاري وكذلك الذين شككوا في حديث الذبابة.
(1) شرعت دار التقريب بين المذاهب في مصر في جميع الأحاديث المشتركة بين السنة والشيعة، لكن
هذا المشروع لم يتم.
(2) أنظر فصل الرجال من هذا الكتاب..
(3) رسالة في معرفة الصحابة. ط. طهران.
ومن الصحابة الذين تجلهم الشيعة وتعتمدهم عمار بن ياسر وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود و عبد الله ومحمد و عبد الرحمن بن بديل وقيس بن سعد بين عبادة وعمرو بن أبي سلمة وابن عباس والعباس وعقبة بن النعمان الأنصاري وجابر بن عبد الله وثعلبة بن عمد وأبو عمرة الأنصاري وبلال بن رباح والبراء بن عازب وإبراهيم أبو رافع ومن النساء أم سلمة وخديجة وفاطمة.. (2).
ولقد انعكس موقف الشيعة من رواة الصحابة هذا على رواة التابعين، حيث اتخذت نفس الموقف من هؤلاء الرواة. فكل تابعي يروي عن هؤلاء يشك في روايته ولا يؤخذ بها..
أما التابعون الذين والوا آل البيت ونصروهم فقد عدلهم الشيعة وأخذوا برواياتهم، وهي روايات نقلت عن طريق أئمة آل البيت. أي الأئمة الاثنا عشر عليهم السلام، فهم الفئة الوحيدة التي تملك التحدث باسم الرسول صلى الله عليه وآله وحدود النقل يجب أن تنحصر في دائرتهم..
ولما كان الكثير من التابعين قد والى بني أمية وناصرهم - على أساس موالاة الصحابة لهم مثل ابن عمر وأنس بن مالك وأبي هريرة وعمرو بن العاص
____________
(1) أنظر فصل الرجال. وانظر لنا السيف والسياسة. وانظر أضواء على السنة المحمدية، وأبو هريرة لأبي رية وعبد الحسين شرف الدين.
(2) أنظر رسالة في معرفة الصحابة ط. طهران وكتب الرجال. والإصابة في تمييز الصحابة وأسد الغابة.
كذلك دعم موقف الشيعة هذا من رواة التابعين دور الحكام، والذي كان واضحا في تلك الفترة في استثمار علاقة كثير من التابعين بالصحابة في اختلاف الروايات على لسان الرسول صلى الله عليه وآله.
من هنا كان الرواة الذين اعتمدهم الشيعة من الموالين لآل البيت غير المعروفين عند أهل السنة، نظرا لكونهم يعيشون في عزلة عن الأوساط العلمية المشروعة والمعلنة. بينما كان الرواة الذين اعتمدهم أهل السنة غير مقبولين عند الشيعة لمباركتهم العصر الأموي والعباسي ومخاصمتهم لآل البيت.
لأجل ذلك اختلفت طرق الفريقين في تناول الأحاديث وروايتها (1).
____________
(1) إن الأصول التي وضعها علماء الحديث والدراية من الشيعة للحديث وأصنافه لا تختلف اختلافا جوهريا عن الأصول وضعها الباحثون في علم الحديث من أهل السنة، إذا استثنينا بعض التفريعات والاصطلاحات.. انظر الموضوعات في الآثار والأخبار. هاشم معروف الحسيني، ط.
بيروت.