وقال الدكتور عطية الزهراني: إسناده صحيح(1).
ومن خلال هذا اتّضح أنّه لم يكن عند الجمهور معيار صحيح وميزان ثابت لمعرفة الأشخاص والحكمِ عليهم بالجرح والتعديل. واتّضح أنّ كثيراً من أحكامهم على الرواة كان في غير محلّه، بل إذا تفحصت المسألة بدقّة ستفهم أنّ كثيراً من الأحكام بالجرح كان منشأه هوى النفس والحسد تجاه الشخص، ولأجل ذلك لم ينج من الجرح حتى الأئمّة الأربعة.
أما أبو حنيفة فقد ذكره كلّ من البخاري وابن عدي والعقيلي وابن الجارود والنسائي وابن شاهين وأبي نعيم وابن الجوزي والذهبي في [ الضعفاء ]، ورُوي عن ابن عيينة
____________
1 - السنة للخلال 3 / 510 م: 820. وقد أوردنا رواياتٍ كثيرةً من هذا القبيل في كتابنا [ عليّ ميزان الحقّ ].
وأمّا الإمام مالك؛ فقد اتّهمه الدارقطني بالتدليس، وتكلّم فيه ابن أبي ذئيب وإبراهيم بن أبي يحيى وعبدُ العزيز بن أبي سلمة وعبدُ الرحمن بن زيد بن أسلم وابنُ
____________
1 - الضعفاء الكبير: 4 / 268 - 285 م: 1875، الكامل لابن عديّ: 8 / 235 - 245 م: 1954، الانتقاء: 149 - 152، تاريخ بغداد: 13 / 323 - 454 م: 7297، أسماء الضعفاء والكذّابين لابن شاهين: 184 م: 645، الضعفاء لأبي نعيم: 154 م: 255، الطيوريات لأبي طاهر: 500 - 501 م: 894، 895، الضعفاء للنسائي: 233 م: 614، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي: 2 / 163 م: 3539، ديوان الضعفاء للذهبي: 2 / 404 م: 4389.
وأمّا الإمام الشافعي؛ فلم يحتجّ به البخاري ومسلم في صحيحيهما، واتّهمه ابن معين والعجلي وابن النديم بالرفض، وقال ابن معين وأبو عوانة: ليس بثقة، وقال الذّهبي: كان ابن معين وأبو عبيد سيّئي الرأي فيه. وذكر الذهبي اتّهام إسحاق بن أبي إسرائيل لأحمد بن حنبل، ثمّ قال: فمن سلم من الكلام بعد أحمد؟!(2).
وكذلك الشيخان؛ البخاري ومسلم، فإنّهما قد نالا حظّهما من ذلك أيضاً. حيث اتّهمهما ابن منده
____________
1 - جامع بيان العلم وفضله، باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض: 2 / 1115 م: 2184، طبقات المدلّسين: 37 - 38 م: 22.
2 - الرّواة الثقات المتكلم فيهم: 3، 28 - 32، 56، من تكلم فيه وهو موثّق: 39 م: 22، جامع بيان العلم: 2 / 1114 م: 2179، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 2 / 186، 240، 241، 243، 250، 252.
____________
1 - تاريخ بغداد: 2 / 29 - 31 م: 422، 13 / 101 - 104 م: 7089، سير أعلام النبلاء: 12 / 281 - 285 م: 104 / 453 - 462 م: 171 / 571 م: 217، فيض القدير: 1 / 24، المغني في الضعفاء: 2 / 268 م: 5312، ديوان الضعفاء: 2 / 283 م: 3605. كتاب المدلّسين: 82 م: 52، طبقات المدلّسين: 38، 41 م: 23، 28.
مبغضو عليّ (عليه السلام) وأعداءه
ثم إنّ الأهمّ من جميع ما تقدّم هو الاجتناب عن مرويات مبغضي عليّ (عليه السلام) وأعدائه في المسائل الخلافية بين الأمة، فإن الله تبارك وتعالى حكم بنفاق هذا الصنف وعداوتهم لله تعالى كما جاء في أحاديث قطعيةٍ من طرق الشيعة والسنة معاً.
فأما من طرق السنّة، فقد ثبت عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال لعليّ (عليه السلام): " لايحبّك إلاّ مؤمن، ولا يبغضك إلاّ منافق ".
فقد ورد هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، منهم:
1 - أمير المؤمنين (عليه السلام).
2 - أم سلمة.
3 - عمران بن الحصين.
4 - أبو سعيد الخدري.
5 - عبد الله بن عبّاس.
7 - عبد الله بن حنطب، وغيرهم.
وقال أبو نعيم: هذا حديث صحيح متّفق عليه(1).
فهذا الحديث نصّ قطعيّ في أنّ مبغضي عليّ (عليه السلام) من المنافقين. وقد طبّق جماعة من الصحابة هذا الحكم الصادر عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فكانوا يعرفون المنافقين ببغضهم عليّاً (عليه السلام).
وثبت عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً أنّه قال: " من آذى علياً فقد آذاني".
وفي بعض الروايات بزيادة: " ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فعليه لعنة الله ".
وقد ورد هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، منهم:
____________
1 - صحيح مسلم: 1 / 84 ح: 131، سنن النسائي: 8 / 115 - 117، سنن ابن ماجة: 1 / 54 ح: 114، سنن الترمذي: 6 / 94 ح: 3736، مسند أحمد 1 / 84، 95، 128، حلية الأولياء: 4 / 185. وإذا أردتم الوقوف على تفصيل الكلام على الحديث وذكر المصادر فعليكم بمراجعة الفصل الأوّل من كتابنا: [علي ميزان الحقّ ].
2 - عمرو بن شاس الأسلمي.
3 - سعد بن أبي وقاص.
4 - عبد الله بن عباس.
5 - جابر بن عبد الله الأنصاري.
6 - أم سلمة، وغيرهم.
وحكم كلّ من الحاكم والذهبي والهيثمي والمناوي والألباني وغيرهم بصحّة هذا الحديث(1).
وبضمّ هذا الحديث إلى قوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَاْلآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً)(2)، نستفيد أنّ الّذين يؤذون عليّاً كانوا ملعونين من قبل الله، وكانوا من أهل العذاب.
____________
1 - مسند أحمد: 3 / 483، المستدرك: 3 / 122، صحيح ابن حبان: 15 / 365 ح: 6923، مسند أبي يعلى: 2 / ح: 770، الآحادث المختارة: 3 / 266 ح: 1070، 1071، سلسلة الآحاديث الصحيحة: 5 / 373 ح: 2295. وقد فصلّنا الكلام على هذا الحديث في الفصل الثالث من كتاب: [علي ميزان الحق ].
2 - سورة الأحزاب: 57.
وقد ورد هذا الحديث عن جماعة كبيرة من الصحابة، منهم:
1 - أمير المؤمنين (عليه السلام).
2 - زيد بن أرقم.
3 - عبد الله بن عبّاس.
4 - البراء بن عازب.
5 - جابر بن عبد الله.
6 - أبو هريرة.
7 - سعد بن أبي وقاص.
8 - أبو سعيد الخدري.
9 - حذيفة بن أسيد.
10 - حبشي بن جنادة.
11 - أنس بن مالك، وغيرهم(1).
____________
1 - مسند أحمد 1 / 119، 4 / 370، وصحيح ابن حبان: 15 / 375 ح: 6931، البداية والنهاية: 5 / 231 و 7 / 383، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 4 / 331، مسند ابي يعلى: 1 / 429 ح: 567، الأحادث المختارة: 2 / 106 ح: 481، السنن الكبرى للنسائي: 5 / 130 ح: 8464، المستدرك للحاكم: 3 / 109. وقد تعرضنا للكلام على الحديث وذكر مصادره بصورة مفصلة في الفصل الثالث من كتاب [ عليّ ميزان الحقّ ].
وكذلك صحّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: " من أحبّ عليّاً فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله ".
هذا اللفظ لحديث أمّ سلمة أخرجه المخلص في [ الفوائد المنتقاة ] بسند صحيح - كما قال الألباني - وأخرجه الطبراني في [ الكبير ] بسند حسن، كما قال الهيثمي والهيتمي.
وقد روي في ذلك عن جماعة من الصحابة، منهم:
1 - أمير المؤمنين (عليه السلام).
2 - عبد الله بن عباس.
3 - سلمان الفارسي.
4 - أبو رافع.
5 - يعلى بن مرّة.
6 - عمّار بن ياسر.
7 - عبد الله بن مسعود.
والحاصل من جميع ذلك: أنّ الحكم بعدم الوثاقة في حقّ أعداء عليّ (عليه السلام) ومبغضيه قد صدر من قِبَل الله عزّوجلّ على لسان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا من قِبَل يحيى بن معين، ولا من قبل أحمد ابن حنبل، ولا من قبل غيرهما من أبناء البشر غير المعصومين، حتى يتطرّق إليه احتمال الخطأ، والأحاديث المذكورة وثيقة قطعية على ذلك؛ حيث جاء فيها التصريح بنفاق أعداء عليّ (عليه السلام) ومبغضيه، وبعداوتهم لله (عز وجل)، وبكونهم من الملعونين من قِبَله، والمبغضين له ولرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن أهل العذاب.
وفيما رواه البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري دلالة على أنّ أعداء عليّ (عليه السلام) ليسوا من أهل النار
____________
1 - فضائل الصحابة لأحمد: 2 / 642 ح 1092، المستدرك: 3 / 127 - 128، 130، 140، 142، 143، المعجم الكبير: 23 / 380 ح: 901، مجمع الزوائد: 9 / 132 - 133، الصواعق المحرقة: 2 / 360، سلسلة الأحاديث الصحيحة: 3 / 287 - 288 ح: 1299.
فكان علينا قبل كلّ شيء أن نعرف أعداء عليّ(عليه السلام) ومبغضيه كي نحذرهم على ديننا ونجتنب عن رواياتهم، وإذا فعلنا ذلك؛ بأن أخرجنا مروياتهم من صحاحنا، وتركنا العمل بها فستنحل المشكلة بإذن الله، وسنصل إلى الحقيقة بحول الله وقوته.
وقد كان في زماننا هذا أناس يدّعون محبّة عليّ (عليه السلام)، وفي الواقع هم من أشدّ أعداءه، وهم لا يشعرون. وعلامة هؤلاء هو أنّهم كلّما واجهوا حديثاً في فضله (عليه السلام) بادروا إلى إنكاره وردّه، ويسعون قصارى جهودهم ليقفوا في إسناد ذلك على راوٍ تكلّم بعضُهم في حقّه بجرح، ليطرحوا الحديث من ناحيته، وإن كان ذلك الراوي أفضل بكثير من الجارح علماً وعملاً.
____________
1 - صحيح البخاري: 1 / 161 ح: 447 و 2 / 309 ح: 2812، صحيح ابن حبان: 15 / 553 - 555 ح: 7079، مسند أحمد 3 / 90.
الطريق الأقصر للوصول إلى الحقّ
وقد كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أرشدنا إلى طريق أسهل وأقصر للوصول إلى الحقّ، وبيّن لنا بأننا لا نضلّ إذا سلكناه، ولا نزيغ إذا اتّبعناه؛ حيث قال: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ... " الحديث.
وهذا الحديث صحّحه الحاكم، ووافقه الذهبي(1).
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): " إنّي قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا؛ كتاب الله،
____________
1 - مسند أحمد: 4 / 126، سنن أبي داود: 2 / 611 ح: 4607، سنن الترمذي: 4 / 408 ح: 2676 سنن ابن ماجة: 1 / 29 ح: 42، 43، المستدرك: 1 / 95 - 97.
وفي رواية: " إنّي تارك فيكم خليفتين؛ كتاب الله (عز وجل) وأهل بيتي، وأنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ".
وقد ورد هذا الحديث عن جماعة كبيرة من الصحابة، منهم:
1 - أمير المؤمنين (عليه السلام).
2 - زيد بن أرقم.
3 - زيد بن ثابت.
4 - جابر بن عبد الله.
5 - حذيفة بن أسيد.
6 - أبو ذرّ الغفاري.
7 - أبو سعيد الخدري.
8 - حذيفة بن اليمان.
9 - عبد الله بن عبّاس، وغيرهم(1).
ويؤيّد ذلك قول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): " ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة
____________
1 - صحيح مسلم: ح: 2408، مسند أحمد: 4 / 366 البحر الزخار: 3 89 ح: 864، سنن الترمذي: 5 / 634 ح: 3813، المستدرك: 3 / 110 و 148.
وقد ورد هذا الحديث عن ستّة أشخاص من الصحابة، وهم:
1 - أمير المؤمنين (عليه السلام).
2 - أبو ذرّ الغفاري.
3 - عبد الله بن عباس.
4 - عبد الله بن الزبير.
5 - سلمة بن الأكوع.
6 - أنس بن مالك.
وصحّحه الحاكم، وقوّاه ابن حجر الهيتمي(1).
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): " النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأمتي ".
وروى هذا الحديث من الصحابة:
1 - أمير المؤمنين (عليه السلام).
2 - عبد الله بن عبّاس.
3 - سلمة بن الأكوع.
4 - أبو سعيد الخدري.
____________
1 - فضائل الصحابة لأحمد: 2 / 785 ح: 1402، المستدرك: 2 / 343 و 3 / 150 - 151، حلية الأولياء: 4 / 306، مسند الشهاب: 2 / 273 ح: 1342، الصواعق المحرقة: 152 ف: 1، ب: 11.
6 - أنس بن مالك.
7 - أبو موسى الأشعري.
وصحّحه الحاكم في [ المستدرك ](1).
هكذا بيّن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ النجاة من الضلالة والأمن من الغواية مرهونة بالتمسك بسنّة الخلفاء الراشدين من أهل بيته سلام الله عليهم. وفي الحديث الآتي بيّن لنا أنّ تعداد هؤلاء الخلفاء كان إثني عشر؛ حيث قال: " لا يزال الإسلام عزيزاً منيعاً إلى إثني عشر خليفة "(2).
وقد ورد هذا الحديث عن جماعة من الصحابة، منهم:
1 - جابر بن سمرة.
2 - عبد الله بن مسعود.
3 - أبو جحيفة.
4 - أنس بن مالك.
5 - عبد الله بن عباس، وغيرهم.
____________
1 - المستدرك: 2 / 448 و 3 / 149، المعرفة والتاريخ 1 / 538 فضائل الصحابة لأحمد: 2 / 671 ح: 1145، المطالب العالية: 4 / 74، 4002، 4564.
2 - صحيح مسلم ح: 1821، 1822، مسند أحمد: 5 / 89 - 99، المستدرك: 3 / 217.
وأسماء هؤلاء الخلفاء سلام الله عليهم - كما هو ثابت عند الشيعة، وكما جاء في بعض روايات السنة(1) - كما يلي:
1 - عليّ بن أبي طالب (عليه السلام).
2 - الحسن بن عليّ (عليه السلام).
3 - الحسين بن عليّ (عليه السلام).
4 - عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام).
5 - محمّد بن عليّ الباقر (عليه السلام).
6 - جعفربن محمّد الصادق (عليه السلام).
7 - موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام).
8 - عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام).
9 - محمّد بن عليّ الجواد (عليه السلام).
10 - عليّ بن محمّد الهادي (عليه السلام).
11 - الحسن بن عليّ العسكري (عليه السلام).
____________
1 - فرائد السمطين:2 / 136 - 141 ح: 432 - 435، ينابيع المودة: 492 و 493.
وقد تعرّضنا لشرح شيء من أحوال هؤلاء الأئمّة وكراماتهم صلوات الله عليهم في كتابنا [ الهجرة إلى الثقلين ]، ناقلاً إياه عن مصادر أهل السنّة والجماعة، فراجع.
محمّد گوزل الآمدي