ثانيا.. (الاسقاط العمدى) لبعض النصوص كهذه التى وردت عن الامام الحسين(ع) اثناء مواجهه جبابره بنى اميه، او تلك الوارده عن الامام الحسن(ع) تفتح باب التساول عن المصلحه الكامنه وراء هذا، فلا يمكن ان يتعلل اصحاب السنن بعله ضعف الاسانيد مثلا، فلا يعقل ان حادثا جليلا بهذا الشكل مر على الامه مرور الكرام من دون ان تسجل فيه خطبه من خطب الامام الحسين او استناد منه الى كتاب اللّه وسنه رسوله فى هذه المواقف المصيريه الفارقه بين الحق والباطل.
ثالثا.. الاثبات المنحاز لبعض النصوص، فعلى فرض صحتها فانها لا ترقى الى مستوى النص الشرعى الملزم لجمهور المسلمين، وخير شاهد اثبات بيعه عبداللّه بن عمر لعبد الملك بن مروان او انكاره لخروج اهل المدينه من صحابه رسول اللّه(ص) من المهاجرين والانصار على يزيد السكير، ووصفه لهم بالغدر والخيانه.
رابعا.. افتقاد النصوص المطروحه للتناسق والوضوح، يقطع بان هناك حلقه مفقوده لا بد من البحث عنها واثباتها.
خامسا.. انقطاع العلاقه بين بعض النصوص المطروحه وبين التصور القرآنى لدور الامه الاسلاميه، وخاصه ذلك التناقض الغريب بين محاوله اسباغ الشرعيه على سلاطين الجور الغاصبين للخلافه وبين طبيعه الرساله الاسلاميه وحرصها على اقامه العدل ومحاربه الاستكبار ونصره المستضعفين (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا فى الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين) «القصص/5».
سادسا.. افتقاد الترابط بين بعض النصوص المطروحه فى كتب السنه وقانون الاصطفاء الالهى كما ذكرنا فى الصفحات السابقه من هذا الكتيب.
قضيه الامامه فى كتب السنه
قلنا، من قبل، اننا سنقدم ما نعتقد انه الصوره الحقيقيه لقضيه الامامه.
ولكى نتمكن من تقديم هذا التصور، كان علينا الا نقيد انفسنا بما اورده اصحاب السنن فى فصل الامامه، والا نتقيد بمصدر واحد، وانما علينا ان نفتش فى مصادر السنه المختلفه المتاحه لدينا.
وقلنا ايضا اننا سنلتزم بالقواعد القرآنيه المحكمه التى لا ياتيها الباطل، وخاصه قاعده الاصطفاء الالهى وان حمل امانه الدين والدنيا محصور فى ذريه الانبياء وآلهم لا غيرهم، الا اذا قام لدينا دليل قاطع يقول غير هذا الكلام، ولا نظن ان روايه مكذوبه منسوبه الى الرسول الاكرم تصلح لان ترد صريح القرآن.
وهناك ايضا ملاحظه هامه، وهى اننا لن نتعرض لاسانيد الاحاديث، ورجالها، ورواتها، فمعظم الاحاديث التى سنوردها قد فرغ فيها القول وحققت واصبحت اسانيدها مقطوع بصحتها.
كما لن نحرص على استقصاء جميع الروايات المتعلقه بالمساله فان هذا الامر يطول، وانما سنركز على عدد قليل من الروايات التى ذكرتها كتب اهل السنه وصحاحهم، تقودنا الى ما نريد.
1 - حديث الغدير
اخرج اصحاب السنن، واللفظه لابن المغازلى عن زيد بن ارقم قال: (اقبل نبى اللّه من مكه فى حجه الوداع حتى نزل بغدير الجحفه بين مكه والمدينه، فامر بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك، ثم نادى الصلاه جامعه، فخرجنا الى رسول اللّه(ص) فى يوم شديد الحر وان منا لمن يضع رداءه على راسه وبعضه على قدميه من شده الرمضاء حتى انتهينا الى رسول اللّه(ص)، فصلى بنا الظهر ثم انصرف الينا فقال: الحمد للّه نحمده ونستعينه ونومن به ونتوكل عليه ونعوذ باللّه من شرور انفسنا ومن سيئات اعمالنا، الذى لا هادى لمن اضل ولا مضل لمن هدى، واشهد ان لا اله الا اللّه وان محمدا عبده ورسوله.
اما بعد،
ايها الناس فانه لم يكن لنبى من العمر الا نصف عمر من قبله وان عيسى بن مريم لبث فى قومه اربعين سنه وانى قد اسرعت فى العشرين، الا وانى اوشك ان افارقكم، الا وانى مسوول وانتم مسوولون فهل بلغتكم فماذا انتم قائلون؟ فقام من كل ناحيه من القوم مجيب يقولون: نشهد انك عبداللّه ورسوله قد بلغت رسالته وجاهدت فى سبيله وصدعت بامره وعبدته حتى اتاك اليقين، جزاك اللّه عنا خير ما جازى نبيا عن امته.
فقال: الستم تشهدون ان لا اله الا اللّه لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان الجنه حق وان النار حق وتومنون بالكتاب كله؟.
قالوا: بلى.
قال: فانى اشهد ان صدقتكم وصدقتمونى الا وانى فرطكم وانكم تبعى توشكون ان تردوا على الحوض فاسالكم حتى تلقونى عن ثقلى كيف خلفتمونى فيهما.
فاعيل علينا ما ندرى ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين قال: بابى انت وامى يا نبى اللّه ما الثقلان؟.
فقال(ص): الاكبر منهما كتاب اللّه تعالى سبب طرفه بيد اللّه وطرف بايديكم فتمسكوا به ولا تضلوا، والاصغر منهما عترتى من استقبل قبلتى واجاب دعوتى فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم فانى قد سالت لهم اللطيف الخبير فاعطانى ناصرهما لى ناصر، وخاذلهما لى خاذل، ووليهما لى ولى، وعدوهما لى عدو، الا وانها لم تهلك امه قبلكم حتى تتدين باهوائها تتظاهر على نبوتها وتقتل من قام بالقسط.
ثم اخذ بيد على بن ابى طالب فرفعها ثم قال: من كنت مولاه فهذا مولاه ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.
قالها ثلاثا).
2 - خطبه حجه الوداع
روى الترمذى، فى الباب(32)، تحت عنوان (مناقب اهل بيت النبى(ص))، حديث رقم (3786)، بسنده عن جابر بن عبداللّه الانصارى: (رايت رسول اللّه(ص) فى حجته يوم عرفه وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: ايها الناس انى تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا: كتاب اللّه، وعترتى اهل بيتى).
وفى حديث رقم (3788) للترمذى ايضا عن زيد بن ارقم قال:
(قال رسول اللّه(ص): انى تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدى احدهما اعظم من الاخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء الى الارض.
وعترتى اهل بيتى ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلونى فيهما).
3 - حديث المنزله
روى البخارى وغيره من اصحاب السنن عن رسول اللّه(ص)، انه قال لعلى بن ابى طالب: (انت منى بمنزله هارون من موسى غير انه لا نبى بعدى).
4 - حديث انا مدينه العلم وعلى بابها
روى ابن المغازلى الشافعى عن جابر بن عبداللّه قال: (اخذ النبى(ص) بعض على فقال: هذا امير البرره وقاتل الكفره منصور من نصره، مخذول من خذله.
ثم مد بها صوته فقال: انا مدينه العلم وعلى بابها فمن اراد العلم فليات الباب).
واخرجه الحاكم بهذا السند فى مستدركه على الصحيحين: (انا مدينه العلم وعلى بابها فمن اراد العلم فليات الباب).
كما روى ابن المغازلى الشافعى عن جرير عن على قال: (قال رسول اللّه(ص): انا مدينه العلم وعلى بابها ولا توتى البيوت الا من ابوابها).
5 - حديث براءه
روى ابن كثير، فى تفسيره: (تفسير القرآن العظيم)، عن الامام احمد عن انس بن مالك: (ان رسول اللّه(ص) بعثه ببراءه مع ابى بكر فلما بلغ ذا الحليفه قال: لا يبلغها الا انا او رجل من اهل بيتى فبعثها مع على بن ابى طالب).
ورواه الترمذى فى التفسير، وقال عبداللّه بن احمد بن حنبل عن على: (لما نزلت عشر آيات من براءه على النبى(ص)، دعا ابا بكر فبعثه بها ليقراها على اهل مكه ثم دعانى فقال: ادرك ابا بكر فحيثما لحقته فخذ الكتاب منه فاذهب الى اهل مكه فاقراه عليهم.
فلحقته بالجحفه فاخذت الكتاب منه ورجع ابو بكر الى النبى(ص) فقال: يا رسول اللّه نزل فى شىء؟.
فقال: لا، ولكن جبريل جاءنى فقال: لن يودى عنك الا انت او رجل من منك).
وروى عبداللّه ايضا عن على: (ان رسول اللّه(ص) قال لى: لا بد ان اذهب بها انا او تذهب بها انت.
فقال: فان كان ولا بد فساذهب بها انا.
قال: انطلق فان اللّه يثبت لسانك ويهدى قلبك.
قال: ثم وضع يده على فيه).
وروى ابن كثير ايضا عن اسرائيل عن زيد بن يثيغ: (لما رجع ابو بكر قال: نزل فى شى؟.
قال: لا ولكن امرت ان ابلغها انا او رجل من اهل بيتى).
وروى ايضا: (لما نزلت براءه قال رسول اللّه(ص): لا يودى عنى الا رجل من اهل بيتى).
(ان اللّه تعالى عهد الى عهدا فى على فقلت يا رب بينه لى، فقال: اسمع، فقلت: سمعت، فقال: ان عليا رايه الهدى، وامام اوليائى، ونور من اطاعنى، وهو الكلمه التى الزمتها المتقين، من احبه احبنى، ومن ابغضه ابغضنى.
فبشره بذلك.
فجاء على فبشرته.
فقال: يا رسول اللّه انا عبداللّه، وفى قبضته فان يعذبنى فبذنبى، وان يتم لى الذى بشرتنى به فاللّه اولى بى.
قال: قلت:
اللهم اجل قلبه واجعل ربيعه الايمان، فقال اللّه: قد فعلت به ذلك، ثم انه رفع الى انه سيخصه من البلاء بشىء لم يخص به احدا من اصحابى.
فقلت: يا رب اخى وصاحبى.
فقال: ان هذا شىء قد سبق انه مبتلى ومبتلى به).
6 - احاديث اخرى
حديث.. (من سره ان يحيا حياتى ويموت ميتتى ويتمسك بالقضيبه من الياقوته التى خلقها اللّه تعالى بيده، ثم قال لها:
كونى فكانت، فليتمسك بولاء على بن ابى طالب).
رواه الحافظ ابو نعيم الاصفهانى ورواه احمد بن حنبل فى المسند.
حديث.. (والذى نفسى بيده، لولا ان تقول طوائف من امتى فيك ما قالت النصارى فى ابن مريم لقلت فيك مقالا لا تمر بملا من المسلمين الا اخذوا التراب من تحت قدميك للبركه).
رواه احمد فى المسند.
حديث.. قال رسول اللّه(ص): (يا انس اسكب لى وضوءا، ثم قام فصلى ركعتين.
ثم قال: يا انس اول من يدخل عليك من هذا الباب امير المومنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين.
قال انس: قلت: اللهم اجعله رجلا من الانصار وكتمته، اذ جاء على فقال(ص): من هذا يا انس؟.
فقلت: على.
فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ويمسح عرق على بوجهه.
قال على: يا رسول اللّه لقد رايتك تصنع شيئا ما صنعت بى من قبل؟ قال: وما يمنعنى وانت تودى عنى، وتسمعهم صوتى وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدى).
حديث.. (من سره ان يحيا حياتى ويموت ميتتى ويسكن جنه عدن التى غرسها ربى فليوال عليا من بعدى، وليوال وليه وليقتد بالائمه من بعدى فانهم عترتى خلقوا من طينتى ورزقوا فهما وعلما، فويل للمكذبين من امتى القاطعين فيهم صلتى لا انالهم اللّه شفاعتى).
مناقشه الاحاديث السابقه
حديث الغدير.. اشهر من ان يعرف، رواه معظم اصحاب السنن ان لم نقل كلهم وصححوه، ولقد ذكرنا فى الصفحات السابقه موارد ذكر هذا الحديث فى صحاح اهل السنه.
وواقعه (غدير خم) معروفه الزمان والمكان، حدثت اثناء عوده المسلمين من حج بيت اللّه الحرام فيما عرف بحجه الوداع قبيل موت رسول اللّه(ص) بقليل، اى فى العام العاشر للهجره الموافق 631 ميلادى.
فاذا كانت الحجه عرفت بانها حجه الوداع فكلمات رسول اللّه(ص) كانت وصيه الوداع من رسول وصفه القرآن:
(لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/128»، انها كلمات تحمل اقصى درجه من الاهميه والخطوره بالنسبه لمصير الامه ومستقبلها، هذه الوصيه كانت بامر اللّه سبحانه وتعالى وقد جاء فى اسباب النزول للنيسابورى وغيره من المفسرين ان قوله تعالى: (يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته واللّه يعصمك من الناس) «المائده/67»، انها نزلت يوم غدير خم، وان هذا التبليغ كان امرا حيويا متمما ومكملا للرساله الاسلاميه ككل، والا لما قال القرآن (وان لم تفعل فما بلغت رسالته).
ما هذا الجزء الذى يكمل الكل فيجعله تاما؟.
توضح كلمات الخطبه هذه المعانى فتقول (الا وانى اوشك ان افارقكم وانى مسوول).
اذن فالرساله فى غايه الاهميه، انها المسووليه امام اللّه عن الثقلين كيف خلفتمونى فيهما؟ اول الثقلين او الثقل الاكبر هو كتاب اللّه، اذن القضيه قضيه منهج وليست قضيه عاطفه، انه نبى يوشك ان يفارق امته فيوصيهم لا بالاولاد كما يفعل عوام الناس، ولا بتنميه ماله، ولكن يوصيهم بالحفاظ على المنهج، بل ويحدد لهم وسيله الحفاظ على هذا المنهج، ان هذا لا يكون الا بمتابعه الثقلين: الكتاب والعتره، اتباع منهج، وقياده، لا على سبيل العاطفه او الموده فحسب.
فناصر الكتاب واهل البيت ناصر الرسول، وخاذل الكتاب والعتره خاذل للرسول، انها وصيه مركزه ومحدده تحدد المنهج، وهو الكتاب او النص وتحدد القياده وهى قياده اهل البيت الاقدر على فهم النص وتطبيقه، ومطابقه السلوك مع المنهج، فكيف اذن يمر الناس على هذا الحديث المتواتر مرور الكرام؟! واذا اضطروا لاثبات الفهم لجووا الى تمييع الافهام فيقولون: (ولا ننكر الوصاه بهم) وهل كان رسول اللّه(ص) فى حاجه الى ان يجمع المسلمين فى هذا الموضع ليوصيهم بذريته وحسب؟، لا نظن هذا.
ثم يلجا الرسول الاكرم(ص) الى مزيد من التحديد حينما يطرح ولايه امير المومنين(ع) بصوره واضحه ومحدده فيقول: (من كنت وليه فهذا وليه).
يقول بعض الباحثين: ان هذا الكلام لا يعنى ولايه الامر او قياده الامه وانما يعنى النصره والمحبه، وهذا كلام عجيب، فماذا كانت تعنى ولايه رسول اللّه للامه؟.
الم تكن ولايه التشريع والقياده (من كنت مولاه فهذا مولاه)، انها ولايه من ولايه، انها من نفس الجنس والنوع والمعنى، وليس هناك اى دليل او قرينه لغويه تفصل بين الولايتين، بل على العكس انها قضيه الامتداد تطرح فى وقتها الملائم (انى اوشك ان افارقكم - من كنت مولاه فعلى مولاه).
بقى ان نقول ان هناك معنى عظيما فى هذا الحديث، وهو قوله عليه الصلاه والسلام: (وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض)، هذا المعنى هو ان هذه القياده وان غيبت، فانها لا تغيب بل وستبقى حاضره فى دين المسلمين، انها حاضره حضور الكتاب فى دنيا الناس حتى آخر الدنيا، ثم ان هذه القياده تحتفظ بصوابيه الكتاب الكريم نفسها، اذ العتره عدل الكتاب ورفيقته فى طريق الحق، وحاشا لكليهما من الزيغ والضلال.
ومن عجب ان روايه الترمذى عن خطبه رسول اللّه(ص) فى حجه الوداع، وهى روايه تفرد بها تحمل المعنى نفسه بل النص والوصيه نفسيهما (تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا، كتاب اللّه وعترتى اهل بيتى)، لقد كان رسول اللّه(ص) حريصا على ان يكرر الوصيه نفسها فى مسافه زمنيه متقاربه وفى وسط اكبر عدد من جموع المسلمين اجتمعت فى حجه الوداع، ثم كان حديثه فى (غدير الجحفه) تفصيلا وتاكيدا لوصيته يوم عرفه، ثم انها فوق كل هذا وصيه مودع وصيه (رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رووف رحيم) «التوبه/128».
اما (حديث المنزله) وقد قاله رسول اللّه(ص)، قبيل مغادرته المدينه الى غزوه تبوك فى رجب من العام التاسع للهجره، 630 ميلادى، وتبوك موضع فى شمالى جزيره العرب، ولما انطلق النبى(ص) الى الغزو، استخلف عليا(ع) على المدينه فكانت هذه الكلمات: (اما ترضى ان تكون منى بمنزله هارون من موسى غير انه لا نبى بعدى)، فماذا كانت منزله هارون من موسى؟، فلنقرا القرآن: (وواعدنا موسى ثلاثين ليله واتممناها بعشر فتم ميقات ربه اربعين ليله وقال موسى لاخيه هارون اخلفنى فى قومى واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) «الاعراف/142».
اذا لقد كانت منزله هارون من موسى هى منزله الخلافه على الامه (اخلفنى فى قومى).
ثم نص القرآن على واجبات الخلافه (واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين).
وهل كان اختيار رسول اللّه(ص) للامام على(ع) لحمل آيات البراءه مجرد مصادفه خاصه، وانه(ص) كان قد ارسل غيره حاملا للرساله ثم نزعها منه واعطاها للامام؟، لقد كانت رساله البراءه كما يلى: (ايها الناس، انه لا يدخل الجنه كافر، ولا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان له عهد عند رسول اللّه(ص) فهو الى مدته).
ان هذه المهمه التى ارسل فيها امير المومنين على(ع) هى من مهام (القياده العليا) بالتعبير السياسى الحديث، مهمه ابرام المعاهدات او نقضها، مهمه وضع سياده الدوله الاسلاميه فى اطارها النهائى، ومن ثم كان اختيار الامام على لهذه المهمه متلائما مع دوره المقبل فى قياده الامه الاسلاميه فى المرحله المقبله، وانه فى هذه اللحظه كان يمثل ما تعارف عليه الناس بمصطلح (النائب الاول)، وهذا المعنى واضح فى كلمات الرسول(ص): (لا يودى عنى الا انا او رجل من اهل بيتى).
اما حديث السفينه فهو يحمل المعنى نفسه الوارد فى حديث الثقلين، انه يربط بين النجاه وبين التمسك بمنهج اهل البيت(ع) وولايتهم: (مثل اهل بيتى فيكم كمثل سفينه نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)، وهل كان ركوب سفينه نوح متاحا للمومن والكافر ام انه كان متاحا للمومنين من الصابرين دون غيرهم من المعاندين؟.
انها كانت هديه اللّه لمن آمنوا وصدقوا (حتى اذا جاء امرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين واهلك الا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه الا قليل× وقال اركبوا فيها بسم اللّه مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم) «هود/40 - 41»، انها سفينه النجاه تسير بامر اللّه مجراها ومرساها لا باهواء الناس ولا بضحاله علمهم (وهى تجرى بهم فى موج كالجبال) «هود/42»، ثم هى بعد ذلك الوسيله الوحيده للنجاه من مهالك الدنيا والاخره.
ويبقى، بعد هذا، حديث مدينه العلم، هذا الحديث الذى شبه فيه الرسول(ص) علمه بالمدينه التى لا توتى الا من بابها، وبابها هو امير المومنين على(ع)، ولطالما استعصى على فهم قوله تعالى: (وليس البر بان تاتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى واتوا البيوت من ابوابها) «البقره/189»، هل نزلت هذه الايه لتعالج مشكله تسلق اسوار البيوت فحسب؟!، ربما، ولكنى لا اظن ان مثل هذه الظاهره تكفى وحدها لتعطينا مدلولا قاطعا مانعا يمنع انطباق مدلول هذه الايه على ايه قضيه اخرى.
ان المدلول الاخطر والاهم هو تنظيم الهيئه الاجتماعيه، ووضع القياده العلميه للامه فى موضعها الصحيح، وهو موضع الباب، وعلى كل من يريد الدخول ان يمر عبر الطريق الطبيعى وهو الباب، فاذا لم يكن للمدينه اسوار واصبح الدخول مفتوحا لكل من هب ودب، فان هذا عين الفوضى الاجتماعيه والعلميه والاخلاقيه، ثم وجدت ضالتى فى كلمات الامام على(ع):
(نحن الشعار والاصحاب، والخزنه والابواب، ولا توتى البيوت الا من ابوابها، فمن اتاها من غير ابوابها سمى سارقا).
الامامه فى قريش
1 - روى البخارى ومسلم: (الناس تبع لقريش فى هذا الشان مسلمهم لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم)، (الناس تبع لقريش فى الخير والشر)، (لا يزال هذا الامر فى قريش ما بقى من الناس اثنان).
وروى البخارى عن معاويه بن ابى سفيان، عندما بلغه ان عبداللّه بن عمرو يحدث انه سيكون ملك من قحطان فقال: (بلغنى ان رجالا منكم يحدثون احاديث ليست فى كتاب اللّه ولا توثر عن رسول اللّه، فانى سمعت رسول اللّه(ص) يقول: ان هذا الامر فى قريش لا يعاديهم احد الا كبه اللّه على وجهه ما اقاموا الدين).
2 - الائمه اثنا عشر كلهم من قريش.. روى البخارى ومسلم:
(ان هذا الامر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفه كلهم من قريش)، (لا يزال الاسلام عزيزا الى اثنى عشر خليفه كلهم من قريش).
3 - هلاك الامه على يدى ائمه قريشيين.. روى البخارى فى باب الفتن عن عمرو بن سعيد قال: (اخبرنى جدى قال: كنت جالسا مع ابى هريره فى مسجد النبى(ص) بالمدينه ومعنا مروان بن الحكم، قال ابو هريره: سمعت الصادق الصدوق يقول:
هلكت امتى على يدى غلمه من قريش.
فقال مروان: لعنه اللّه عليهم من غلمه.
فقال ابو هريره: لو شئت ان اقول بنى فلان وبنى فلان لفعلت.
فكنت اخرج مع جدى الى بنى مروان حين ملكوا الشام فاذا رآهم غلمانا احداثا قال لنا: عسى هولاء ان يكونوا منهم.
قلنا: انت اعلم).
هذه الروايات وردت فى اهم كتب الحديث المعتمده لدى اهل السنه، بعد كتاب اللّه، ويستفاد منها عده معان:
ا - ان الامامه محصوره فى قريش.. امامه الابرار للابرار وامامه الفجار للفجار.
ب -ان الائمه الابرار عددهم اثنا عشر قرشيا.
ج -ان الامامه الحق ليست مباحه لكل قريش، بل هى محرمه على الظالمين منهم، لانه لا يعقل ان تعطى الامامه لمن يهلكون الامه، والروايه الثالثه تحذر منهم.
ان هذه الروايات تحتاج الى دراسه هادئه واعيه، فليس من المعقول ان تكون معرفه هولاء الائمه الابرار متروكه للتجربه، واحتمال الصواب والخطا مع ما يترتب على ترك هذا الامر غامضا من آثار مدمره وضاره جدا بمجموع المسلمين، فلو كان الناس على يقين من ضلال بعضهم لوجب عليهم عدم توليتهم من الاصل.
الامر الاخر المثير للريبه هو صمت ابى هريره عن تسميه ائمه الضلال فيقول: (لو شئت لفعلت) ويعلق السندى شارح البخارى على هذه العباره بقوله: (كان يعرف اسماءهم، وكان ذلك من الجراب الذى لم يبثه).
ومعلوم ان القوم يقولون: ان ابا هريره حفظ عن رسول اللّه(ص) جرابين من العلم، بث احدهما وكتم الاخر وقال: (لو بحت به لقطع هذا البلعوم)، وهذا اعتراف صريح بان ابا هريره قد كتم لمصلحه يراها، وهذه المصلحه معروفه على اى حال، انها مصلحه بنى اميه الذين استخدموه واعطوه من وظائفهم، ومن اموال المسلمين ما جعله يرى مصلحته هى مصلحه الناس جميعا.
والغريب ان المقريزى روى عن ابى هريره فى كتاب (التنازع والتخاصم) تسميه بنى الحكم: (رايت فى النوم بنى الحكم وبنى العاص ينزون على منبرى كما تنزو القرده فما روى رسول اللّه(ص) مستجمعا ضاحكا حتى توفى)، كما روى المقريزى الروايه نفسها عن سعيد بن المسيب: (راى النبى(ص) بنى اميه على منابرهم فساءه ذلك فاوحى اليه انما هى دنيا اعطوها فقرت عينه وهى تفسير قوله تعالى: (وما جعلنا الرويا التى اريناك الا فتنه للناس والشجره الملعونه فى القرآن ونخوفهم فما يزيدهم الا طغيانا كبيرا) «الاسراء/60» اى بنى اميه، وقد روى ايضا ان: (رجلا قام الى الحسن بن على رضى اللّه عنهما فقال: يا مسود وجه المومنين.
فقال: لا تونبنى رحمك اللّه فان رسول اللّه(ص) قد راى بنى اميه يخطبون على منبره رجلا رجلا فساءه ذلك فنزلت (انا اعطيناك الكوثر) «الكوثر/1» ونزلت (اهنا انزلناه فى ليله القدر× وما ادراك ما ليله القدر× ليله القدر خير من الف شهر) «القدر/1 -3».
يعنى مده ملك بنى اميه فحسب ذلك فاذا هو لا يزيد ولا ينقص).
كما روى ايضا عن ابى هريره وابى سعيد الخدرى: (ان رسول اللّه(ص) قال: اذا بلغ بنو العاص اربعين رجلا اتخذوا دين اللّه دخلا وعباد اللّه خولا ومال اللّه دولا).
وعلى الرغم من هذه الروايات جميعها، نجح بنو اميه فى الاستيلاء على السلطه بعد ثلاثين عاما من وفاه رسول اللّه(ص) ، وضربوا بجميع هذه التحذيرات عرض الحائط وطوله.
وفى الوقت الذى يجهد فيه بعض الكتاب والرواه فى تلميع صوره بنى اميه على الرغم من كل ذلك، فاننا نلاحظ اغفالا متعمدا للكثير من سيره آل البيت(ع)، وهنا نود ان نتوقف امام حدثين من احداث التاريخ الاسلامى المهمه وهما:
الاول.. صلح الامام الحسن بن على(ع)، مع معاويه بن ابى سفيان
الثانى.. حادثه استشهاد الامام الحسين بن على(ع) على يد جنود يزيد بن معاويه فى كربلاء سنه (41ه/661م).
اولا.. صلح الامام الحسن بن على(ع) مع معاويه.
روى ابن ابى الحديد فى كتابه (شرح نهج البلاغه) عن ابى الفرج الاصفهانى عن سفيان بن ابى ليلى قال: (اتيت الحسن بن على حين بايع معاويه، فوجدته بفناء داره، وعنده رهط، فقلت: السلام عليك يا مذل المومنين.
قال: عليك السلام يا سفيان.
انزل فنزلت، فعقلت راحلتى ثم اتيته، فجلست اليه، فقال: كيف قلت يا سفيان؟ قلت: السلام عليك يا مذل المومنين.
فقال: ما جر هذا منك الينا؟.
فقلت: انت واللّه - بابى انت وامى - اذللت رقابنا حين اعطيت هذا الطاغيه البيعه، وسلمت الامر الى اللعين ابن اللعين ابن آكله الاكباد، ومعك مائه الف كلهم يموت دونك.
وقد جمع اللّه عليك امر الناس.
فقال: يا سفيان، انا اهل بيت اذا علمنا الحق تمسكنا به، وانى سمعت عليا يقول: سمعت رسول اللّه(ص) يقول: لا تذهب الليالى والايام حتى يجمع امر هذه الامه على رجل واسع السرم ضخم البلعوم، ياكل ولا يشبع لا ينظر اللّه اليه، ولا يموت حتى لا يكون له فى السماء عاذر، ولا فى الارض ناصر، وانه لمعاويه وانى عرفت ان اللّه بالغ امره.
ثم قال لى: ما جاءنا بك يا سفيان؟.
قلت: حبكم، والذى بعث محمدا للهدى ودين الحق.
قال: فابشر يا سفيان فانى سمعت عليا يقول: سمعت رسول اللّه(ص) يقول: يرد على الحوض اهل بيتى ومن احبهم من امتى كهاتين، يعنى السبابتين.
ولو شئت لقلت هاتين يعنى السبابه والوسطى، احداهما تفضل على الاخرى، ابشر يا سفيان فان الدنيا تسع البر والفاجر حتى يبعث اللّه امام الحق من آل محمد(ص)).
هذه هى رويه الامام الحسن سلام اللّه عليه لتطور الاوضاع فى الامه الاسلاميه، وانه سلام اللّه عليه لم يسلم الخلافه لمعاويه لانه يعده قياده شرعيه واجبه السمع والطاعه، وانما فى مواجهه ضروره قاهره املتها ضغوطات الواقع وتخاذل المتخاذلين كما املتها معرفته بما ستوول اليه الامور، وان القرار الذى اتخذه بايقاف القتال لم يتحول الى اقرار بشرعيه الغصب والعدوان، وها هو يرد على لسان ابن آكله الاكباد حين خطب خطبته الفاجره فى افتتاح دولته قائلا: (انى واللّه ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، انكم تفعلون ذلك وانما قاتلتكم لاتامر عليكم، وقد اعطانى اللّه ذلك وانتم كارهون).
فيرد عليه الامام الحسن(ع): (ان الخليفه من سار بكتاب اللّه وسنه نبيه وليس الخليفه من سار بالجور ذاك رجل ملك ملكا تمتع به قليلا ثم يتنخمه، تنقطع الذمه وتبقى تبعته وان ادرى لعله فتنه لكم ومتاع الى حين).
لقد كانت الامه فى حاجه الى هذا الخطاب الواعى من امام الحق الذى يشخص الواقع لا ان يصبح جزءا منه ومن ادواته، هذه هى مهمه العلماء، فاذا قام الائمه(ع) والعلماء من بعدهم بواجبهم بقيت التبعه على الذين خذلوا الحق، وايدوا الباطل.
لماذا اغفل الشيخ البخارى هذه الحقائق ولم يرو شيئا عنها؟.
لماذا لم يرو هولاء القوم شروط صلح الامام الحسن بن على مع معاويه، وهى شروط تنبه المسلمين انه مهما كانت ضغوط الواقع، وجبروت الفراعنه، فانه لا يمكن اسباغ الشرعيه على حكومات الجور والعدوان.
ونقرا هذه الشروط، كما رواها الشيخ الصدوق، قال: (بايع الحسن بن على، صلوات اللّه عليه، معاويه على ان لا يسميه امير المومنين، ولا يقيم عنده شهاده وعلى ان لا يتعقب على شيعه على شيئا، وعلى ان يفرق فى اولاد من قتل مع ابيه يوم الجمل ويوم صفين الف الف درهم).
انه وضع للقتال وليس تسليما للرقاب من غير قيد ولا شرط، انه رجل تملك ملكا تمتع به قليلا ثم (يتنخمه) تنقطع الذمه وتبقى التبعه.
لم يحدثنا التاريخ ان الحسن بن على(ع) سعى فى تثبيت ملك بنى اميه، وتوعد من خالفهم بالويل والثبور وعظائم الامور، وكيف يعقل ان ينتقل الحال بامام عظيم هو الحسن(ع) من قياده المواجهه ضد المد الاموى ليصبح ذيلا تابعا فى نظام يتخذ من السلطه هدفا لا وسيله لاقامه العدل، اننى اوقن ان الحديث عن السمع والطاعه فى مواجهه هذه الحكومات الجائره هو خلط مريب للاوراق، وكان الاولى بهولاء الرواه ان يتنزهوا عنه.
ثانيا.. حادثه استشهاد الامام الحسين بن على
واقعه اخرى هى خروج الامام الحسين(ع)، طالبا اصلاح احوال الامه المسلمه وآمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، وهو الامر الذى انتهى بشهادته واهل بيته فى كربلاء فى العاشر من شهر محرم الحرام عام (61ه/680م).
كما هو معروف فى جميع كتب التاريخ.
خرج الامام الحسين بن على بن ابى طالب(ع) مدافعا عن قيم الاسلام الحقيقى الذى حاول تيار الحقد الاموى ان يجرفه فى طريقه، لقد عمل الامويون ما فى وسعهم لسلب الامه حقها فى اختيار من يقودها فتصبح الخلافه ملكا وراثيا، وارادوا ان يسلبوا الامه عزها وكرامتها وشرفها الى الابد ليقودها سكير ينادم القرود ويعطل السنن، ويشرب الخمر.
وقد تصدى الامام الحسين(ع) لهذا العبء العظيم قائلا: (مثلى لا يبايع مثله)، وهذه كلمات ترسخ مبدا عظيما من الناحيه الشرعيه والدستوريه، وهو انه لا ينبغى ان يحكم الامه مثل هولاء الفساق، وواللّه ان الدول غير المسلمه ان تسامحت مع سلوكيات الاشخاص العاديين فانها لا تتسامح اطلاقا مع سلوكيات قادتها، ونحن اولى بالحق منهم.
(نحن اهل البيت اولى بولايه هذا الامر عليكم من هولاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان)، وهذه قاعده اخرى مكمله لما سبقها ومفادها انه لا يجوز ان يستمر فى حكم الامه من عرف بالجور والعدوان.
ثم هو يسند هذه المره الى رسول اللّه(ص): (ايها الناس، ان رسول اللّه(ص) قال: من راى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللّه ناكثا لعهد اللّه مخالفا لسنه رسول اللّه(ص) يعمل فى عباد اللّه بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على اللّه ان يدخله مدخله، الا وان هولاء قد لزموا طاعه الشيطان وتركوا طاعه الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستاثروا بالفىء واحلوا حرام اللّه، وحرموا حلاله وانا احق من غير)، لماذا لم يرو البخارى ومسلم هذا الحديث عن ابى عبداللّه(ع)؟، هل يشكون فى صدقه؟، اليس هذا الحديث احق بالروايه من قصه بيعه ابن عمر لعبد الملك بن مروان؟، ام ان روايه الحسين(ع) - وان صدق - لا تتوافق مع مذهبه ورويته وليذهب الصدق الى الجحيم.
كما روى ابن جرير الطبرى ان الامام الحسين بن على(ع) خطب فقال: (انه قد نزل من الامر ما قد ترون، وان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وادبر معروفها واستمرت جدا فلم يبق منها الا صبابه الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، الا ترون ان الحق لا يعمل به وان الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المومن فى لقاء اللّه محقا فانى لا ارى الموت الا شهاده ولا الحياه مع الظالمين الا برما).
اليست هذه الاموال والاعمال مواقف ودروس فى السياسه والاخلاق كان الاولى بمصنفى الاحاديث ان يعتنوا بها ويرووها، والا يضعوها فوق الرفوف كانهم لا يعلمون.
يروى البخارى ويكثر الروايه عن ابن عمر وابى هريره ولا يروى شيئا عن آل بيت النبوه اصحاب الكساء الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
(انما يريد اللّه ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) «الاحزاب/33».
وانه لحرى بالمسلم الواعى ان يكون دقيقا فى ما يقرا من احداث التاريخ، وان يميز بوعى، وبورع، وتقوى بين ائمه الهدى، وبين ائمه الضلال.
1 - ائمه الهدى لهم السمع والطاعه.
2 - ائمه الهدى لا يامرون بمعصيه.
3 - ائمه الهدى لا يكونون عبيدا لا لغيرهم، ولا لشهواتهم.
4 - ائمه الهدى لا ياكلون اموال الناس بالباطل.
5 - ائمه الهدى لا يقتلون الذين يامرون بالقسط والعدل من الناس.
اما ائمه الضلال فلا يتورعون عن ارتكاب الجرائم والمنكرات، ولا حتى عن اختراع ما لم نسمع به من قبل.
هذه الفروق نحن فى امس الحاجه لتمييزها وتبين معالمها، واذا كان استعراض النصوص السابقه قد كشف لنا عن حاله التخبط التى عانى منها بعض كتاب التاريخ واصحاب الفكر قديما وحديثا فى رويتهم لقضيه الامامه والسياسه، وهو ما كان عليهم تجنبه، او الخضوع فيه لاهواء الحاكمين من الطغاه فى تشويه احداث التاريخ وطمس حق آل بيت الرسول فى خلافه الرسول(ص).
خاتمه المطاف
ان نظره واحده الى الساحه الاسلاميه، فى حالتها الراهنه، تكفى للتدليل على صحه ما نقول، فقد اصبحت ساحه العلم بلا اسوار، فهى الان مستباحه لكل ناعق، فكل من اراد الدخول دخل وسمى نفسه عالما واتبعه شراذم من الناس:
وكلهم يدعى وصلا لليلى وليلى لا تقر لهم بذاك ان نظره الى مجموعه الاحاديث السابقه الوارده فى على وآل البيت(ع) وهى - ليست كل ما عندنا فما زال فى جعبتنا الكثير- تكشف عن صوره واضحه خاصه، اذا اضيفت اليها احاديث الائمه الاثنى عشر وهى ان القياده الطبيعيه للامه الاسلاميه تتمثل فى ائمه اهل البيت سفينه النجاه، الثقل الاصغر الذى ان تمسكنا به نجانا اللّه من خزى الدنيا وعذاب الاخره، وان الذين ينكرون هذه الحقيقه لا يملكون تصورا محددا يمكن تقديمه للامه الاسلاميه، بل كل ما يقدرون عليه هو الانكار والتشكيك، تاره يقولون: هذا الحديث ضعيف وتاره اخرى منكر، واعجب اشد العجب من اجماع اهل السنن جميعهم على روايه هذه الاحاديث ثم وقوفهم منها موقف اللاموقف، وفهمهم فيها هو اللافهم.
حتى تلك
الاحاديث
الواضحه فى دلالتها على حتميه اتباع العتره اتباعا
منهجيا
وقفوا منها ايضا اللاموقف فقد اثبتوها نصا، ولكنهم
لم يخرجوا
منها باى نتيجه، واعجب من هولاء اولئك الذين يصرون
الى
يومنا هذا على ترديد مقوله (عبداللّه بن سبا)، فهل
كان عبداللّه
بن سبا راوى حديث الثقلين؟، ام انه روى حديث خلفاء
الرسول
الاثنى عشر؟، ام انه هو الذى روى حديث آيه
التطهير؟، ام آيه
الموده فى القربى؟، اى منطق هذا يريد ان يسيطر على
عقول
الناس بارهابهم بان اصل هذا الكلام هو عبداللّه بن
سبا اليهودى
(ائتونى بكتاب اللّه من قبل هذا او اثاره من علم ان كنتم صادقين) «الاحقاف/4».