لقد صار عمر حبيب الجماهير او الاغلبيه الساحقه من الجماهير المسلمه، ونتيجه مواجهاته قبض حزبه على مقاليد الامور، وتبعا لذلك قبضوا على المال والنفوذ والسلطه والاعلام، فنفخت كل الوسائل باهاب البطل، ومع الايام تكونت قناعه عامه اوجدتها وسائل الاعلام، بانه لو لم يكن محمدا هو النبى لكان عمر!! فالشيطان نفسه يكون جالسا مع محمد، فاذا اقبل عمر يفر الشيطان خوفا من عمر (417).
وبهرت الجماهير بالرجل، واخذ الرواه يتقربون الى الجماهير ويتصرفون بالوقائع والاحداث، او يختلقون وقائعا واحداثا يعطون فيها الرجل دائما دور البطوله، ولا يجدون حرجا لو اعطوا عمر دور البطوله حتى على الرسول نفسه!! بل وعلى مجريات الوحى، فقد روى البخارى فى صحيحه: (ان ازواج النبى كن يخرجن بالليل اذا تبزرن الى المناصح وهو صعيد افيح فكان عمر يقول للنبى: احجب نساءك، فلم يكن رسول اللّه يفعل، فخرجت سوده بنت زمعه زوج الرسول ليله من الليالى عشاء، فناداها عمر: الا قد عرفناك يا سوده!! حرصا من عمر لينزل الحجاب عندئذ انزل اللّه الحجاب) (418)! هذه الروايه رواها البخارى وروايات البخارى فى الصحه هى الاولى، وقد سقناها كمثل على طرق الرواه بدغدغه مشاعر الجموع المتيمه بهذا الرجل.
والسوال ما علاقه عمر بزوجات الرسول؟ وهل هو وصى على الرسول؟ وهل رسول اللّه قاصر؟ (حاشا للّه) وهل عمر اكثر غيره من الرسول؟ وهل هو اعرف بمواقع الخطا والصواب من رسول اللّه؟!! وهل يترقب الوحى الشريف اشارات عمر وتوجيهاته حتى يتنزل على رسول اللّه؟!
ان هذا لامر عجاب، ولكن الحب غير الواعى يعطل العقل، ويعمى، ويصم!
من هى الجموع التى ايدت عمر وحزبه؟ 1- بطون قريش كامله مهاجرها، وطليقها الا من عصم اللّه، او كان يطمح بالخلافه لنفسه، او يريد ان يدعم موقفه التفاوضى، ليحوز على نصيب من الملك.
2- المنافقون عن بكره ابيهم، اذ لم يرو راو قط ان منافقا من المنافقين قد عارض عمر او تخلف عن دعمه، او اعترض على ابى بكر، ووقفه المنافقين هذه لم تكن حبا بابى بكر، ولكن تعبيرا عن الاعجاب بمواقف عمر، وتعبيرا عن كراهيتهم للّه ولرسوله وكراهيتهم لولايه على واهل بيت النبوه!! لقد اختفت ظاهره النفاق تماما، فكان المنافقين كانوا ينتظرون موت رسول اللّه حتى يصلحوا انفسهم على يد عمر بن الخطاب قبل ان يرتد اليك طرفك!!
3- المرتزقه من الاعراب: (فى اللحظات الحاسمه فى سقيفه بنى ساعده اقبلت اسلم بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا ابا بكر) (419)، وفى روايه لابن الاثير: فجاءت اسلم فبايعت (420). (قال عمر فما ان رايت اسلم حتى ايقنت بالنصر)!! مع ان اسلم ليست من سكان المدينه، ولا من سكان المناطق التى حول المدينه!! لماذا جاءت اسلم يوم موت الرسول او بعد موته بقليل؟!! لماذا تبنت موقف عمر وابى بكر بدون مناقشه ولا طلب منها؟!! والاهم من ذلك كيف يجزم عمر بان اسلم معه ويتيقن من النصر عندما رآها؟!
الجواب المنطقى الوحيد عن كل هذه الاسئله، يكمن بوجود اتفاق، او تحالف سابق بين قياده البطون من جهه، وبين جموع اسلم من جهه اخرى! مما يعنى ان الاكثريه الساحقه من ابناء بطون قريش المهاجر منهم والطليق، بالاضافه الى جميع المنافقين، بالاضافه الى المرتزقه من الاعراب كاسلم، بالاضافه الى شانئى على بن ابى طالب من الانصار كمحمد بن سلمه، بالاضافه الى طلاب الدنيا والجاه من الانصار كبشير بن سعد، هولاء جميعا كانوا بمثابه فرق فى حزب واحد متفق على ضروره تنحيه الولايه والخلافه عن على بن ابى طالب خاصه، وعن اهل بيت النبوه عامه، وان هذا الحزب قد كان قائما حتى ورسول اللّه على قيد الحياه!
من هم الذين لم يكونوا مع الحزب؟ على العموم ونظريا وانسياقا مع التوجيهات النبويه المتواليه كان المهاجرون والانصار لا يشكون فى ان عليا هو ولى الامر من بعد النبى، وفى غياب على، وحضور قاده الحزب واركانه (قالت الانصار او قال بعض الانصار: لا نبايع الا عليا) (421) والزبير بن البكار فى الموفقيات ان المنذر بن الارثم قال: ما ندفع فضل من ذكرت، وان فيهم لرجل لو طلب هذا الامر ما نازعه احد -يعنى على بن ابى طالب-.
لقد كان هنالك شعور عام وقناعه تامه بان الولايه والخلافه والامامه من بعد النبى لعلى بن ابى طالب، وان لاهل بيت النبوه دورا مميزا فى قياده الامه من بعد النبى، ورساله معاويه لمحمد بن ابى بكر التى وثقناها قبل قليل تدل بوضوح على ذلك، انظر الى قول معاويه:
لقد كنا نرى حق ابن ابى طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا...
فكان ابوك وفاروقه اول من ابتزه حقه على ذلك اتسقا واتفقا.
لقد فوجىء الناس بانقلاب يقوم به حزب منظم، له قياده يمكنها ان تعرف ادق التفاصيل عن ما يقوله النبى فى بيته!
وفوجىء الناس بالنجاحات المتتاليه لقياده هذا الحزب، خلال هذه الفتره كان النبى يموت وكان على بن ابى طالب واهل بيت النبوه وبنو هاشم مشغولين بمصابهم، ولم تكن للمومنين قياده، يمكن الرجوع اليها لمواجهه الانقلاب، فضلا عن ذلك فقد كان المومنون يعتقدون ان الحديث عن الخلافه سابق لاوانه، وان الاولى هو الشعور بالمصيبه والاسى لفقد رسول اللّه!! هذا المناخ مكن الانقلابيين من التحرك بسهوله وبدون عوائق تذكر، ومكنهم من القيام بهذا الانقلاب بمده خياليه تفوق التصور والتصديق، وبعد ان قبض الانقلابيون عمليا على مفاتيح الاحوال والنفوذ وملكوا السلطه، وشنوا هجوما على على بن ابى طالب وهو فى بيته، وهموا بان يحرقوا بيته عليه وعلى زوجته الزهراء وابنيه الحسن والحسين ومن معهم من آل محمد البيت، بدون رد فعل يذكر، ويفهمه الانقلابيون.
لم تعد من مصلحه احد ان يقاوم السلطه الجديده التى جاءت كثمره لهذا الانقلاب، وتسابق الاوس والخزرج الا القليل على رضا السلطه حتى تتساوى القبيلتان بالمواقع، ومن يعارض هذه السلطه لن تكون له مكانه اعظم من مكانه على بن ابى طالب، ومع هذا اقتادوه بالقوه، وهددوه بالقتل ان لم يبايع، ولن تكون لاى معارض مكانه فاطمه والحسن والحسين، ومع هذا فقد اوشكت السلطه ان تحرقهم وهم احياء، وصادرت السلطه كافه ممتلكاتهم، وكانت هذه رسائل ضمنيه من السلطه الجديده لمن تحدثه نفسه بالمعارضه، لذلك بهر الناس، ولبدوا حرصا على دمائهم واموالهم وذراريهم ومستقبلهم الذى صار رهينه بيد السلطه الجديده المتغلبه!
الفصل الثالث: وفاه الرسول وقيام دوله الخلافه التاريخيه (الامامه غير الشرعيه)
العلم اليقينى وكمال الدين وتمام النعمه الالهيه عاد النبى من حجه الوداع، وجمع الناس فى غدير خم لامر خطير وفى ذلك الاجتماع التاريخى الفريد من نوعه اعلن الرسول بامر من ربه (ان اتبع الا ما يوحى الى) «الانعام/50» ان الامام والولى والخليفه من بعد النبى هو على بن ابى طالب، فولايه على كولايه النبى، وولايه النبى كولايه اللّه.
وفى الاجتماع نفسه وفى الخطبه نفسها التى القاها رسول اللّه، اعلن، ان الاسلام من بعده يقوم على ركنين، ويستند الى ثقلين: الركن والثقل الاول هو القرآن الكريم وهو بمثابه قانون الامه النافذ فى كل زمان.
والركن والثقل الثانى هم اهل بيت النبوه عترته وهم بمثابه القياده والمرجعيه، والجهه التى تفهم القرآن فهما قائما على الجزم واليقين، وفى الاجتماع نفسه وفى ذات الخطبه: اكد النبى استحاله ادراك الامه للهدى او تجنبها للضلاله من بعده الا بالتمسك بالاثنين معا، وتحديدا: فان رسول قد بين بان الائمه من بعده اثنا عشر اماما، اولهم على وآخرهم المهدى.
ثم اشهد اللّه على الناس، وفى الاجتماع نفسه، اعلن الرسول انه قد خير فاختار، وانه بعد عودته للمدينه سيمرض سريعا وسيموت فى مرضه، وختم خطبته، ونزلت آيه الاكمال: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا) «المائده/3»، وعلم المسلمون علما يقينيا ان الامام والولى والخليفه من بعد النبى هو على بن ابى طالب، وتزاحم المسلمون على تقديم التهانى للامام ومن جملتهم عمر بن الخطاب واركان حزبه!.
التصميم على نقض الحكم، وتوقيت الانقلاب وتنفيذه عمر بن الخطاب واركان حزبه لا تستوعب عقولهم ان يجعل اللّه النبى من بنى هاشم، وان يجعل الخلفاء منهم، وان يحرم بطون قريش من هذين الشرفين معا، ولم يصدقوا ان اعلانات الرسول فى غدير خم كانت من عند اللّه ووحيه، انما اعتبروها مجرد آراء شخصيه لمحمد، وموده خاصه لاقاربه، لان محمد بشر، يتكلم فى الغضب والرضى ولا ينبغى ان يحمل كل كلامه على محمل الجد، فراى عمر بن الخطاب وحزبه: ان الراى الافضل والاصوب ان تكون النبوه لبنى هاشم ابدا لا يشاركهم فيها احد من بطون قريش، وان تكون الخلافه من بعد النبى لبطون قريش لا يشاركهم فيها هاشمى ابدا! (422)، وهذا يستدعى بالضروره تجاهل او الغاء القرارات التى اعلنها الرسول طوال حياته واجملها يوم غدير خم!! لذلك صمم عمر بن الخطاب وحزبه تصميما نهائيا على نقض الحكم فى الاسلام وحل عراه تماما واستفاد عمر وحزبه من اعلان غدير خم، وتفصيل ذلك انه لما اعلن الرسول انه بمجرد دعوته سيمرض وسيموت فى مرضه اراد عمر وحزبه ان يغتنموا فرصه مرض النبى، وفرصه موته لينفذوا انقلابهم على الشرعيه، ونقضهم للحكم، وكان الرسول قد حذر الامه من ذلك حيث قال:
(لينقض الاسلام عروه عروه، فكلما انتقضت عروه، ثبت الناس بالتى تليها، فاولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاه)، كما روى ذلك احمد، ىىىىوابن حيان فى صحيحه، والحاكم فى مستدركه (423).
مرض النبى واكتشافه الانقلاب عاد النبى من غدير خم ولم تمض الا ايام قليله حتى مرض.
كل شىء مرتب.
بين النبى وحذر.
الناس على المحجه لا يزيغ عنها الا هالك، احيط النبى علما بنوايا الانقلابيين، وانهم يعدون العده لنقض الحكم الالهى، وراى النبى ان الخطه المثلى لترشيد العاصفه وتفشيل الانقلاب تكمن بارسال اصحاب الخطر وقاده الحزب ورووس النفاق فى غزوه الى بلاد الروم لينتقموا من قتله زيد وجعفر واصحابهما فى موته، وراى الرسول ان يومر اسامه بن زيد على هذا الجيش، وامر الرسول بالتهيو والخروج، واعطى اسامه بن زيد تعليماته النهائيه، وانتدب النبى كل المهاجرين الاولين وهذا يشمل عمر وابا بكر وابا عبيده (424)... ثم اعلن الرسول ان لعنه اللّه ورسوله على كل من تخلف عن غزوه اسامه تجد اجماعا على ان الرسول قد عبا ابا بكر وعمر فى غزوه اسامه (425) وامر عليهم اسامه.
الانقلابيون يكتشفون خطه النبى اكتشف عمر واولياوه مغزى خطه النبى، لذلك اخذوا يبثون الاراجيف وينشرون الدعايات ويثبطون الناس عن الخروج لانهم موقنون ان النبى سيموت سريعا فى غيابهم ان غزوا، وان الامامه والولايه ستنتقل فى غيابهم بيسر وسهوله الى على بن ابى طالب وهذا معناه فشل خطتهم، لذلك استماتوا حتى لا يخرجوا، ولكى لا يخرج الناس، وشككوا بسلامه وصواب وحكمه الرسول لاختيار اسامه بن زيد!! اذ كيف يامر فتى كاسامه على كبار المهاجرين والانصار، لان الجميع يرفضون هذا القرار، ومن الطبيعى ان ينقل قرار الرفض هذا عمر بن الخطاب، وغضب الرسول وقام عن فراش المرض معصوب الراس وصعد المنبر ودافع عن قراره وامر الناس بالخروج (426) وعلى الرغم من خروج الرسول معصوب الراس، ومن حضه المتوالى على تسيير بعث اسامه الا ان عمر وحزبه لم يقتنعوا باهليه اسامه للاماره وتابعوا تثبيطهم للناس، والدليل على ذلك انه بعد موت النبى ونجاح الانقلاب طلب عمر بن الخطاب من الخليفه الجديد ان يعزل اسامه لعدم اهليته للاماره، وحرصا من الخليفه الجديد على الظهور بمظهر المطيع لرسول اللّه وثب على عمر بن الخطاب واخذ بلحيته قائلا له: (ثكلتك امك وعدمتك يا ابن الخطاب استعمله رسول اللّه وتامرنى ان انزعه) (427).
وهذا دليل قاطع بان عمر هو الذى قاد حمله ىىىىتثبيط الناس عن الخروج، وحمله التشكيك بسلامه وصواب قرار رسول اللّه بتامير اسامه، وهو الذى نجح بتثبيط الناس وفق اساليبه المعروفه: المزايده والاثاره، والتشكيك، وهكذا نجح الانقلابيون، واجهضوا خطه الرسول لافشال الانقلاب.
النبى يضع خطه جديده لقد علم الانقلابيون، ان النبى مشرف على الموت، وانه قد حدد ساعه معينه لكتابه توجيهاته النهائيه كما يفعل قاده الامم والشعوب، وارباب الاسر وكبار الشخصيات، وكما فعل ابو بكر وعمر نفسه وهما على فراش الموت فى ما بعد، وكما فعل كل الخلفاء التاريخيين من بعدهما.
وقدر عمر بن الخطاب وقاده الانقلاب ان النبى اذا نجح بكتابه وتوثيق توجيهاته النهائيه خطيا، ووقع عليها فسيودى ذلك حتما الى فشل الانقلاب، لذلك استمات عمر بن الخطاب واركان حزبه ليحولوا بين الرسول وبين كتابه توجيهاته النهائيه.
الانقلابيون يجهضون خطه النبى من الذى اخبر عمر واركان حزبه عن موعد كتابه النبى لتوجيهاته النهائيه وعن مضمون هذه التوجيهات؟ فصلنا الاجابه عن هذا السوال فى البحوث السابقه وقلنا: ان الذى اخبرهم بموعد كتابه النبى لتوجيهاته النهائيه وبمضمون هذه التوجيهات قطعا هى السيده عائشه ام المومنين، وليس من المستبعد ان حفصه ام المومنين قد شاركتها بذلك.
اذ الثابت ان رسول اللّه قد مرض فى بيت عائشه، والثابت ان الرسول قد خطب يوما واشار الى مسكن عائشه فقال: (هاهنا الفتنه.
وكررها ثلاثه: من حيث يطلع قرن الشيطان) (428).
وجاء فى باب (ما جاء فى ازواج الرسول) من صحيح البخارى:
(ان رسول اللّه قد خرج من بيت عائشه، فقال راس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان).
ومن الثابت ان السيده عائشه كانت تحقد على الامام على ولا تطيق ان تلفظ اسمه، وهذا واضح من مجموعه من الروايات (429)، ثم ان على بن ابى طالب هو الخليفه الوحيد الذى خرجت عليه ام المومنين ونبحتها كلاب الحواب، وركبت جملها عسكر، بدعوى المطالبه بدم عثمان، مع انها هى نفسها التى افتت بقتل عثمان (430)، ولما قتل عثمان كانت تتصور ان الخلافه ستوول لابن عمها طلحه (431)، ولما علمت ان الناس بايعوا عليا صعقت وقالت ليت السماء قد انطبقت على الارض، ولما علمت بموت على بن ابى طالب سجدت للّه شكرا، كانت تكره عليا وفاطمه وولديها الحسن والحسين، ولم لا؟ فعائشه وحفصه هما اللتان تظاهرتا على رسول اللّه (432)، وطلب اللّه منهما ان تتوبا (433) وبهما ضرب اللّه مثلا امراه نوح وامراه لوط (434).
ثم ان عائشه وحفصه صاحبتا مصلحه فابواهما يتراسان الحزب ثم المكانه التى تمتعتا بها فى عصر ابى بكر وعمر، لقد كان قول عائشه امر عند عمر، وقد وثقنا ذلك فى الصفحات السابقه من هذا الكتاب.
ومع ان عائشه وحفصه من زوجات الرسول، فقد كان عمر يعطى كل واحده من زوجات الرسول عشره آلاف بينما يعطى كل واحده منهما اثنا عشر الفا، كل هذه الاسباب مجتمعه توكد بان السيدتين كانتا ضالعتين فى الانقلاب، وعضويين فى الحزب، وهما اللتان نقلتا موعد ومضمون توجيهات النبى النهائيه ومضمونها.
الانقلابيون يقتحمون منزل النبى فى الوقت المحدد لكتابه توجيهاته النهائيه، كان النبى يجلس مع اصفيائه الذين اختارهم ليشهدوا كتابه توجيهاته تلك، وقد احضروا الكتف والدواه، وينتظرون رسول اللّه يشرع باملاء توجيهاته النهائيه بهذا الوقت بالذات اقتحم عمر بن الخطاب وقاده حزبه منزل رسول اللّه ودخلوا فجاه وجلسوا، وقد اجمعوا كيدهم، ورتبوا امرهم، فوجىء النبى واصفياوه، بكثره العدد، وفى الوقت الذى جاء به عمر واركان حزبه!! ولكن مثل النبى لا ينثنى عن عزمه، ومع ذلك فالنبى يجلس فى بيته لا فى بيت عمر، ولا فى بيوت اركان حزبه، وعلى فراش مملوك له، وليس مملوكا لعمر ولا لاركان حزبه، ثم ان النبى ما زال نبيا ورسولا وقائدا للامه، ولم تسلب منه صلاحياته ولا اختصاصاته ثم ان النبى انسان مريض مشرف على الموت ومن حقه ان يقول ما يشاء لذلك قال لاصفيائه الذين احضرهم بما مضمونه: (قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا).
وما ان اتم النبى جملته حتى التفت عمر بن الخطاب الى الحاضرين متجاهلا النبى تماما فقال لهم: (ان النبى يهجر، ولا حاجه لنا بكتابه، حسبنا كتاب اللّه!) (435).
وما ان اتم عمر جملته حتى صاح اتباعه الذين احضرهم معه لهذه الغايه وبصوت واحد (القول ما قال عمر: ان النبى يهجر!! استفهموه ما باله اهجر)!
دهش اصفياء النبى واحتجوا، وكرر عمر قوله، وردد اتباعه واركان حزبه بصوت واحد قولهم، وكثر اللغط والاختلاف وارتفعت الاصوات.
الرسول يقول قربوا اكتب لكم كتابا، وعمر يقول: ان الرسول قد هجر، ولا حاجه لنا بكتابه، والقرآن يكفينا، واركان حزب عمر يرددون من خلفه، واصفياء النبى يحتجون وقد اخذهم العجب مما يجرى.
لفت هذا اللغط الغريب، والاختلاف، والضجيج انتباه النسوه فقلن من وراء الستر: (الا تسمعون رسول اللّه قربوا.. فاجابهن عمر انكن صويحبات يوسف.. فقال الرسول: دعوهن فانهن خير منكم) (436).
لم يبق ما يقال بعد ان اصر عمر واركان حزبه على ان الرسول يهجر، وبعد ان استماتوا حتى لا يكتب الرسول توجيهاته النهائيه.
فقال الرسول: دعونى فالذى انا فيه خير مما تدعونى اليه.
ثم قال: قوموا لا ينبغى عندى التنازع! (437)، لقد وصلتنا هذه الحقائق على الرغم من منع الخلفاء لروايه احاديث الرسول، وعلى الرغم من احراقهم للمكتوب منها، واولياء عمر واركان حزبه يعترفون بصمتها كلها، وهى بفضل اللّه كافيه للحكم على من نقضوا عرى الاسلام عروه عروه، بادئين بنقض الحكم او الاحكام المتعلقه بالقياده.
لما سمع عمر واركان حزبه قول الرسول (قوموا عنى)، ادركوا بانهم قد نجحوا بالحيلوله بين الرسول وبين كتابه ما اراد، ولان اصفياء النبى يطيعون رسول اللّه، قاموا.
عندئذ نهض عمر وتبعا لنهوضه، نهض اركان حزبه وغادروا جميعا الغرفه المقدسه وتركوا رسول اللّه كسير الخاطر يحيط به ابن عمه على بن ابى طالب، وولداه الحسن والحسين، واهل بيت النبوه، وبعد ساعات فارق النبى الحياه، وغابت شمس الاسلام وفجعت روح البشريه بابر ابنائها، بالوقت الذى كان عمر وحزبه فرحين بانتصارهم لانهم حالوا بين الرسول وبين كتابه ما اراد وتابعوا خططهم الراميه لنقض الحكم الالهى!
والسوال الذى يطرح فى هذا المقام هو:
لماذا استمات عمر وحزبه للحيلوله بين الرسول وبين كتابه ما اراد؟ لقد اعترف عمر فى ما بعد، بانه والحزب الذى كان يراسه قد صدوا النبى عن كتابه ما اراد حتى لا يجعل الامر من بعده لعلى بن ابى طالب!! (438).
حوادث مشابهه ومكر الليل والنهار مرض ابو بكر مرضا شديدا واشتد وجعه قبل ان يموت، فدعا عثمان قبيل وفاته بقليل ليكتب له توجيهاته النهائيه، فقال لعثمان اكتب.. ثم اغمى عليه من شده الوجع، وافاق ابو بكر من غيبوبته ثم كتب (انى قد وليت عليكم عمر..) (439)، وبعد ذلك جاء خادم ابو بكر ومعه التوجيهات النهائيه فكان عمر يقول اسمعوا واطيعوا قول خليفه رسول اللّه (440)..
وطعن عمر، ومرض مرضا شديدا، ومع هذا كتب توجيهاته النهائيه، وامر بضرب عنق كل من يخالفها (441).
لم تحدث زوبعه!! ولم يقل احد لابى بكر او لعمر: انت تهجر، ولم يقل احد لهما: لا حاجه لنا بوصيتك حسبنا القرآن! لم يكسر احد بخاطرهما، ولم يحل احد بينهم وبين كتابه ما ارادا، المسلمون فى حاله خشوع كان على رووسهم الطير!، يا ويحهم، لست ادرى كيف يسوغون ذلك؟! كيف يومن ابو بكر وعمر على كتابه ما يريدا ولا يومن رسول اللّه! لست ادرى ماذا بقى من اسلام القوم؟! ولكن الملك عقيم!
عمر واركان حزبه يتقاسمون الادوار كسر عمر واركان حزبه خاطر النبى الشريف، وخرجوا سعداء منتصرين لانهم حالوا بين الرسول وبين كتابه ما اراد، وايقنوا ان الرسول ميت بين لحظه واخرى، وانه لم يبق بينهم وبين الاستيلاء على السلطه الا قاب قوسين او ادنى، وان فرصتهم الذهبيه لتحقيق اهوائهم ونواياهم هى الفتره التى تمتد ما بين تجهيز الرسول ودفنه حيث يكون اهل بيت النبوه مشغولين بذلك، والاسد فى عرينه يدبر امر مواراه النبى فى ضريحه الاقدس، فاذا نجح عمر وحزبه بالاستيلاء عندئذ على السلطه فى غياب الاسد وشبيله واهل بيت النبوه، سيواجهون الامام على واهل بيت النبوه كسلطه قائمه، لانهم لو واجهوه كاشخاص او كانت هنالك فرصه متكافئه، فلا عمر، ولا اركان حزبه، ولا ساده البطون لهم القدره على الوقوف امام بيان الامام، او سطوته.
ولكى يضمن عمر واركان حزبه نجاح الانقلاب:
1- وضع فرقه من حزبه قرب مسجد الرسول حيث يقع بيت النبى وحيث يوجد اهل بيت النبوه وعميدهم المشغولين بتجهيز النبى لمواراته فى ضريحه الاقدس، ومهمه هذه الفرقه من حزب عمر ان تراقب حركه على واهل بيت النبوه، فاذا اقبل الخليفه الجديد تستقبله، وتبادر الى مبايعته كان الامر عفوى وطبيعى، وقد اسند عمر مهمه قياده هذه الفرقه الى عثمان بن عفان المكلف بجمع الامويين واعدادهم لهذه الغايه، ليساعده سعد بن ابى وقاص المكلف بجمع قومه بنى زهره، حيث ذهب عبد الرحمن بن عوف مع عمر وبقى سعد، ولما اقبلت زفه الخليفه الجديد صاح عمر بن الخطاب بالجالسين حول المسجد، وهم فى اغلبيتهم من اعضاء الحزب قائلا: مالى اراكم حلقا شتى، قوموا فبايعوا ابا بكر، فقد بايعته وبايعه الانصار، فقام عثمان بن عفان ومن معه من بنى اميه فبايعوا، وقام سعد بن ابى وقاص ومن معه من بنى زهره فبايعوا (442).. وانت تلاحظ انه بمجرد ان قال عمر: قوموا فبايعوا، وبلا تردد وكان هنالك اتفاق مسبق، قام عمر والامويون فبايعوا، وقام سعد وبنو زهره فبايعوا، فهل يعقل ان يكون هذا وليد صدفه؟!
2- الفرقه الثانيه تتحرك فى اوساط الانصار وتختلق اجتماعا يضم جزءا من الانصار يشمل كافه المويدين لعمر وحزبه، واختلاق حوار ينتهى سريعا بمبايعه ابى بكر، ووقع اختيار هذا الفريق على سقيفه بنى ساعده لتكون محلا للاجتماع حيث يرقد فى جوارها سعد بن عباده سيد الخزرج مريضا وطريح الفراش، فاجتمع انصار عمر وحزبه فى السقيفه ثم دعوا سعد بن عباده ومن عنده من عواده فحمل سعد حملا لانه كان مريضا قبيل قدوم المهاجرين الثلاثه او الاربعه: عمر، وابو بكر، وابو عبيده، وهنالك من يضيف لهم عبد الرحمن بن عوف.
وقد اسند عمر قياده هذه الفرقه الى عويمه بن ساعده.
وما يدلنا على ذلك كلمه (ساعده) وسقيفه بنى ساعده رهط عويمه الاقربين، والمكانه التى كان يتمتع بها عويمه بن ساعده عند عمر، فعندما مات عويم وقف عمر على قبره وقال امام الناس: (لا يستطيع احد من اهل الارض ان يقول انا خير من صاحب هذا القبر) (443).
ويساعد عويم بن ساعده فى قياده هذه الفرقه محمد بن مسلمه المعروف بكراهيته للامام على، وبشير بن سعد، واسيد بن حضير، وزياد بن لبيد، وسلمه بن سلامه، وسلمه بن اسلم، وثابت بن قيس، ويبدو واضحا من سير الاحداث ان هذا النفر كان يكره الامام على واهل بيت النبوه، ويكره ولايتهم، والدليل على ذلك تبرعهم للاشتراك بالسريه المكلفه بحرق بيت على بن ابى طالب على من فيه كما نرى، ويلاحظ ان اكثريتهم الساحقه من الاوس.
وما يعنينا ان هذا الفريق قد نجح بايجاد مكان تنصيب الخليفه الجديد، وهو سقيفه بنى ساعده، ونجح باستقطاب عدد من الانصار لهذا الاجتماع ونجح بالتعاون مع المهاجرين الثلاثه او الاربعه بقياده زمام المبادره وتنصيب الخليفه.
3- فرقه تكون على مقربه من سقيفه بنى ساعده فاذا سمعت ان الخليفه قد بويع تتقدم وتتزاحم على بيعته وهم (اسلم)، قال الطبرى: (فاقبلت اسلم بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا ابا بكر، ويصف عمر تلك اللحظه بقوله: ما هو الا ان رايت اسلم فايقنت بالنصر) (444).
وقال ابن الاثير فى (الكامل فى التاريخ): (فجاءت اسلم فبايعت) (445) كيف يتيقن عمر بن الخطاب ان جمعا تضايق به السكك معه ويويده، ان لم يكن هنالك اتفاق مسبق!
زفه الخليفه الجديد خرج ابو بكر من سقيفه بنى ساعده حاكما (او خليفه جديدا) وخرج عمر، وابو عبيده، وسالم مولى ابى حذيفه، وعبد الرحمن بن عوف، كنواب للخليفه، وخرج الذين بايعوا ابا بكر كجيش منظم للخليفه، سار الخليفه بين نوابه وخلفه الذين بايعوه يزفونه زفا الى المسجد، وعند وصوله للمسجد استقبله عثمان بن عفان على راس الامويين فبايعوه، وسعد بن ابى وقاص على راس بنى زهره فبايعوه، وصعد الخليفه الجديد بعد تردد على منبر رسول اللّه فبايعه اعوانه ثانيه.
وبهر الناس من هول المفاجاه، ولما ايقنت الخزرج ان الاوس قد بايعوا بادروا الى المبايعه حتى لا ينال الاوس هذا الشرف وحدهم، وخطب الخليفه الجديد بعد البيعه خطبه موجزه جاء فيها بكل بساطه ووضوح (انى قد وليت عليكم ولست بخيركم...) (446).
هذا يعنى ان الخليفه يعلم ان فى الامه من هو خير منه وافضل، وايقن الناس ان الانقلاب قد نجح تماما، وان عمر وحزبه قد قبضوا على مقاليد الامور تماما فبايديهم مفاتيح الاموال، والنفوذ، وصارت السلطه لهم فمن ايدهم استفاد وادرك رزقه، واشركوه معهم ومن خالفهم خاب، وضيقوا عليه، وصارت معيشته ضنكا.
فبايعت الاوس والخزرج والمرتزقه من الاعراب ومنافقوا المدينه وما حولها بايعوا عن بكره ابيهم فلم يرو راو قط ان منافقا قد تخلف عن بيعه ابى بكر، وادى موقف المنافقين هذا الى اختفاء ظاهره النفاق، فلم يعد لهذا المصطلح وجود الا فى القرآن الكريم، وصار الولاء للسلطه او عدم الولاء هو الطريق الوحيد للتقدم والتاخر، والصعود والهبوط، بل للموت والحياه، وخضعت المدينه وما حولها للسلطه الجديده، وصار عمر واركان حزبه هم الرموز الحيه للمجتمع الجديد، لقد بهر الناس بقدره عمر واركان حزبه، وعبقريتهم الفائقه بالتخطيط، فقد استطاع عمر وحزبه ان يقهروا النبى نفسه، وان ينقضوا كلما بناه فى مجال الحكم.
واخذ الناس يترقبون وينتظرون بفارغ الصبر المواجهه بين على بن ابى طالب الامام الشرعى واهل بيته من جهه، وبين الحاكم الجديد واعوانه من جهه اخرى، كانت الجموع تعلم ان امكانيات الامام على كانت محدوده، وانه يواجه واقعا لا قدره له على تغييره، ولكن الجموع متيمه بالمفاجات وتريد للاحداث ان تستمر حتى ترى من يغلب، فتسلمه امرها او تدعه يقودها بلا عناء، لقد سئمت الجموع الحركه، وهامت بالصوره.
القرارات الاليمه لان عليا بن ابى طالب واهل بيت النبوه كانوا مشغولين بتجهيز النبى ومواراته فى ضريحه المقدس، وكان من المتعذر عليهم من جميع الوجوه ان يتركوا النبى جثه لم تدفن ويخرجون لينازعوا الناس سلطانه، ولان على بن ابى طالب يعلم كما يعلم عامه المسلمون وخاصتهم انه الامام المعين شرعا لخلافه النبى، فمن الطبيعى ان لا يبايع، ومن الطبيعى ان يعتبر السلطه الجديده سلطه غير شرعيه وغاصبه.
لذلك قعد فى بيته ينتظر اكتمال دوره الحدث، كانت السلطه تعلم انها غاصبه، ولكن عزاءها انها تواجه على واهل بيت النبوه بامر واقع، وبجماهير عريضه تويدها، وبمصالح كبرى تتعارض مع ولايه على واهل بيت النبوه.
وكانت السلطه تعلم ان الرعيه تنتظر صراعها مع الولى واهل بيت النبوه، فان نجحت السلطه باخضاع على واهل بيت النبوه فسيستمر ولاء الرعيه للسلطه الجديده، وان لم تنجح السلطه فان ما بناه الانقلابيون سيتهدم، وستوالى الرعيه الغالب كائنا من كان، ولا فرق عندها بين على وابى بكر هذه هى الحاله النفسيه التى وصلت اليها الامه نتيجه لدعايات عمر وحزبه واراجيفهم على رسول اللّه! ومن هنا وجدت السلطه نفسها مضطره لان تظهر اشد انواع الحزم والجبروت والنار ضد على خاصه وضد اهل بيت النبوه عامه.
القرار الاول: حرق على بن ابى طالب وفاطمه بنت النبى والحسن والحسين وآل محمد وهم احياء دفن على بن ابى طالب واهل بيت النبوه رسول اللّه، وعادوا الى بيت على وقد انهتكم المصيبه، فجلسوا وعندهم بعض المعزيين كسلمان الفارسى، والبراء بن عازب، وابو ذر الغفارى والمقداد بن الاسود، وابى بن كعب، وعمار بن ياسر يخففون عنهم ويشاركونهم المصاب كما جرت العاده، لان عمر وابا بكر وحزبهما وعائشه لم يشهدوا تغسيل الرسول ولا تجهيزه ولا دفنه.
فقد كانوا مشغولين بمتاعب الانقلاب (447)، واذا كان ابو بكر وعمر ومن سار بركابهما لم يستشهدوا دفن الرسول، فمن باب اولى ان لا يشهدوا الغسل والتكفين.
اما عائشه فقد اعلنت: (ما علمنا بدفن رسول اللّه حتى سمعنا صوت المساحى ليله الثلاثاء فى السحر) (448).
(... فلم يدفن -رسول اللّه- حتى كانت العتمه ولم يله الا اقاربه، ولقد سمعت بنو غنم صريف المساحى حين حفر لرسول اللّه وانهم لفى بيوتهم) (449).
ومن الطبيعى ان يعود الذين اشتركوا فى دفن النبى مع على واهل بيت النبوه ويجلسوا معهم هكذا جرت العاده فى الجاهليه والاسلام.
لقد اقعدتهم المصيبه بوفاه النبى، بالدرجه الاولى اما عمر بن الخطاب واركان حزبه فقد فسروا الامر تفسيرا آخر، قال عمر فى ما بعد: (وانه كان من خبرنا حين توفى نبينا ان عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا فى بيت فاطمه) (450).
فابو بكر وعمر كانوا يرون ان من واجب على واهل بيت النبوه بعد ان شاهدوا نجاح الانقلاب ان يبادروا على الفور بتهنئه الانقلابيين ومباركتهم، وان يتجاهلوا ان الانقلابيين قد غصبوهم حقهم بالولايه والامامه من بعد النبى!
وكان عمر وحزبه يرون ان تهنئتهم بالفوز اولى واحرى من مشاركه اهل بيت النبوه مصابهم بوفاه النبى، فما كان ينبغى للزبير ولا لمن معهم ان ينشغلوا بالعزاء عن التهنئه بالحكم الجديد والبيعه!
لذلك كله غضب ابو بكر غضبا شديدا وقال لنائبه عمر: (آتنى به باعنف العنف) يقصد عليا (451) وطلب ابو بكر من عمر ان يخرج الجميع من بيت فاطمه وان ابو، امره بقتالهم (452)، وجهز عمر بن الخطاب سريه لهذه الغايه فيها عبد الرحمن بن عوف وخالد بن الوليد، واسيد بن حضير ولفيف من المهاجرين والانصار.
فقرر عمر بن الخطاب ان يحرق الدار على من فيها.
وفيها فاطمه وعلى والحسن والحسين وآل محمد والمعزين!
توجهت السريه المكلفه بحرق بيت فاطمه بنت محمد، على من فيه، او يخرجوا صاغرين لمبايعه الحاكم الجديد، واعلان تاييدهم للانقلاب بدون قيد ولا شرط.
جمعوا الحطب، ووضعوه حول بيت فاطمه بنت محمد رسول اللّه، وجاء عمر بن الخطاب ومعه قبس من النار ليحرق الدار على من فيها!! لفتت تحركات قائد السريه انتباه من فى الدار وخرجت فاطمه بنت محمد، ورات الحطب وقد احاط ببيتها، ورات عمر بن الخطاب يبرق ويرعد ومعه قبس النار! وكله عزم وتصميم على احراق البيت على من فيه!! فخاطبته مندهشه (يا ابن الخطاب اجئت لتحرق دارنا؟! وباعصاب بارده وهادئه اجابها عمر بن الخطاب: نعم، او تدخلوا فى ما دخلت فيه الامه (453)، فتلقته فاطمه على الباب، فقالت: فاطمه يا ابن الخطاب اتراك محرقا على بابى! قال عمر: نعم (454).
والى هذا اشار عروه بن الزبير فى معرض اعتذاره عن فعله اخيه عبداللّه عندما جمع الهاشميين وحصرهم فى الشعب، وجمع الحطب وهم باحراقهم ان لم يبايعوه) (455).
وهذه الواقعه من الامور المعروفه بالضروره، وقد اعجب بعض الشعراء ببطوله عمر، فقال حافظ ابراهيم شاعر النيل العظيم مادحا عمر:
(وقوله لعلى قالها عمر اكرم بسامعها اعظم بملقيها حرقت دارك لا ابقى عليك بها ان لم تبايع وبنت المصطفى فيها ما كان غير ابى حفص يفوه بها امام فارس عدنان وحاميها لما رات فاطمه بنت محمد ذلك طلبت من كل الموجودين فى بيتها الخروج من البيت وهددتهم قائله: (واللّه لتخرج، او لاكشفن شعرى ولاعجن الى اللّه فخرجوا وخرج من كان فى الدار) (456)، واخذت فاطمه تبكى وتصيح فنهنهت من الناس (457).
لماذا اصرت فاطمه على خروج من فى البيت؟ لو بقى على وسبطاه واهل بيت النبوه وآل محمد فى البيت، فلن يتوانى عمر وسريته لحظه واحده عن احراق البيت على من فيه، والقضاء التام على ذريه محمد!! وبعد ذلك تشرع وسائل الاعلام بقلب الحقائق وتشويهها فينكرون وجود على بن ابى طالب، وينكرون بطولاته، ويجعلونه اعلاميا مشركا كما جعلوا اباه!! ولقالوا: ان النبى لم تكن له ذريه الا غلامين من ابنته فاطمه احدهما حسن والاخر حسين، وان النبى كان يكرههما، لذلك اوصى لعمر بن الخطاب ان يحرقهما مع امهما وابيهما وهم احياء بنفس اليوم الذى يموت فيه رسول اللّه!!
ولان عمر بطل، ولا تاخذه فى اللّه لومه لائم، وعملا بوصيه النبى، وامتثالا لامر صاحبه رسول اللّه احرقهم احياء! وستقنع وسائل الاعلام والاموال والنفوذ المملوكه للسلطه الغالبه عامه الناس وخاصتهم بهذه الخزعبلات!! الم تقتنع العامه وما زالت مقتنعه للان بان ابا طالب مشرك ومات على الشرك!! بنفس الوقت الذى تعترف فيه العامه بانه حمى النبى، وحمى الاسلام فى مكه!
واحتجاج فاطمه وعلى بالقرآن او السنه مضيعه للوقت، وغير منطقى فما معنى ان تقول لعمر قال رسول اللّه (رضا فاطمه من رضاى)؟ او (فاطمه بضعه منى من آذاها فقد آذانى)؟ فما قيمه قول الرسول هذا عند عمر وحزبه طالما انهم قالوا له وهو حى، ووجها لوجه: (انت تهجر، ولا حاجه لنا بكتابه ولا بوصيتك، لان القرآن عندنا وهو يغنينا عنك يا محمد وعن وصاياك)! وقد وثقنا ذلك فى الصفحات السابقه من هذا الكتاب.
لذلك راى على وفاطمه واهل بيت النبوه ان الصبر اولى واحرى بهما.
وفى يوم من الايام ستنكشف خزعبلات اعلام الدوله واكاذيبها، وسيعرف الناس الحقيقه الشرعيه، واهل بيت النبوه وحدهم هم المنبع الوحيد بعد النبى لكافه الحقائق الشرعيه، فالقرآن ثقل وركن، واهل البيت الثقل والركن الاخر، فاعطاء الفرصه لعمر لحرق اهل بيت النبوه يعنى هدم الركن والثقل الثانى، واطلاق يد السلطه الانقلابيه فى ما تبقى من دين اللّه بلا حسيب ولا رقيب، لذلك خرج على وخرجت فاطمه، وخرج الحسن والحسين، وبخروجهما خرج آل محمد ومن عندهم من المعزين!
واقتادت السريه عليا الى الحاكم الجديد ليبايع او يقتل!
لولا لطف اللّه، وحكمه على وفاطمه، لمضى عمر بن الخطاب بخطته الراميه الى احراق البيت على اهل بيت النبوه وآل محمد جميعا بنفس اليوم الذى مات فيه محمد، لكن خرج الجميع، والقى القبض على على بن ابى طالب مصدر التهديد الوحيد لسلطه الانقلابيين، واوثقوه واقتادوه الى الحاكم الجديد، ليبايع وليعلن الطاعه (458) (اتى به الى ابى بكر) اى (اتى بعلى) وانظر الى قول عمر لعلى (انك لست متروكا حتى تبايع) مما يعنى بان السلطه اقتادت الامام على بالقوه والاكراه الى ابى بكر، وعلى هذا اجمع اهل بيت النبوه، ومعنى هذا انه كان مربوطا بالحبال!! قد يقال كيف يستطيع رجل مثل عمر ان يوثق عليا بن ابى طالب بالحبال مع ان على كان اقوى انسانا على وجه الارض ومع انه الاشجع؟!!
ان عمر بن الخطاب لا يستطيع بقوته الشخصيه ان يوثق بالحبال او ان يقود بالقوه غلاما، فلم يعرف طوال تاريخ النبوه ان قتل عمر بن الخطاب مشركا او جرحه او اسره، وقد فر فى احد وحنين، وكان مشهورا بالمزايده والاثاره، ولكنه لم يكن رجل قوه ولا رجل حرب، بمعنى ان عمر قد وضع عليا بالحبال وقاده بالقوه بفعل الجموع التى اسلمت قيادتها لعمر والانقلابيين، يجمع الرواه على ان اسلم مثلا (قد اقبلت حتى تضايق بهم السكك) فما الذى يمنع عمر من ان ياخذ اسلم كلها معه لجلب على بن ابى طالب مخفورا؟!! وما الذى يمنع عمر من ان ياخذ الاوس كلهم معه طالما ان شيخهم اسيد بن حضير يسير فى ركاب عمر؟! وما الذى يمنع عمر من ان يجيش كل بطون قريش ال23 معه طالما انها من حزبه؟!! وما الذى يمنع جموع المنافقين من ان تتبرع من تلقاء نفسها وتسير فى ركاب عمر وتتلذذ باذلال محمد واهل بيت محمد؟ لقد وجد عمر جموعا اعطت قيادتها وركبته على ظهورها وهى على استعداد للبطش الشديد بعلى واهل بيت محمد عند ادنى اشاره، وسلب بيوت آل محمد ونهبها قبل ان يرتد اليك طرفك.
بهذا المناخ ليس من الحكمه ان يحارب على بن ابى طالب لانه ليس معه الا اهل بيته وهو يظن بهم عن الردى كما قال، فانقاد للاعتقال انقيادا مشرفا، لان الانقلابيين يريدون ان يجرون الى معركه فاشله لخلق الفرصه امامهم لاباده اهل بيت محمد!
محاوله احراق منزل اهل بيت النبوه حقيقه لا يمكن انكارها شروع عمر بن الخطاب باحراق منزل اهل بيت النبوه حقيقه لا يمكن انكارها، فقد اجمعت الامه على صحه وقوع هذه الحادثه (459).
على بن ابى طالب يقف مكتوفا بين يدى الحاكم الجديد نجح عمر بن الخطاب والجيش الذى كان يقوده باعتقال على بن ابى طالب وربطه بالحبال فاقتادوه الى ابى بكر الحاكم الجديد ليقضى فيه بامره على حد تعبير عمر بن الخطاب اذ قال عمر لابى بكر: (الا تامر فيه بامرك؟) (460)، اوقف الامام بين يدى الحاكم الجديد وهو مربوط بالحبال.
وافتتح اللقاء عمر بن الخطاب قائلا مخاطبا عليا (انك لست متروكا حتى تبايع) (461) فاجابه الامام باعصاب هادئه امام الحاكم الجديد واركان دولته قائلا لعمر: (احلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم امره يردده عليك غدا) فالامام على يعرف بان ابا بكر سيستخلف من بعده عمر! وهذا ما حدث فعلا، وتجاهل الحاكم الجديد وعمر بن الخطاب ملاحظه الامام وقال له عمر بحزم بايع!!
ماذا يقول الامام؟ هل يحتج عليهم بالقرآن؟ فلديهم تفسيرهم الخاص للقرآن!! وهل يحتج عليهم بسنه الرسول؟!! وما قيمه سنه الرسول بالنسبه لشخصيه الرسول عندهم، لقد قال عمر للرسول شخصيا امام اركان حزبه: انت تهجر، ولسنا بحاجه الى وصيتك، وبنفس الجلسه قال اركان حزب عمر للرسول: انت تهجر، والقول ما قاله عمر!! واركان حزب عمر اليوم هم اركان دوله ابى بكر!! فما هى فائده الاحتجاج بسنه الرسول وحديثه امام اناس يقولون للرسول شخصيا: لسنا بحاجه لوصيتك لانك تهجر!
لذلك فكر الامام على بنقض الحجه التى قام على اساسها الانقلاب الجديد، فقال الامام باعصاب هادئه: (انا عبداللّه واخو رسوله، انا احق بهذا الامر منكم، لا ابايعكم فانتم اولى بالبيعه لى، اخذتم هذا الامر من الانصار، واحتججتم عليهم بالقرابه من رسول اللّه، وتاخذونه منا اهل البيت غصبا، الستم زعمتم للانصار انكم اولى بهذا الامر منهم لما كان محمد منكم، فاعطوكم المقاده وسلموا اليكم الاماره!! وانا احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار، نحن اولى برسول اللّه حيا وميتا، فانصفونا ان كنتم تومنون والا نبوءوا بالظلم وانتم تعلمون) (462).
ما قاله الامام افضل ما يمكن ان يقال، ان قول الامام بمثابه فتح حقيقى، لقد ابرز بوضوح ما اراد ابرازه ونسف حجه ابى بكر وعمر فى سقيفه بنى ساعده حيث قال عمر: (ان العرب لا ينبغى ان تولى هذا الامر الا من كانت النبوه فيهم.. من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن اولياوه وعشيرته الا مول بباطل او متجانف لاثم) (463).
وكان ابو بكر قد قال فى نفس الجلسه: (ونحن اولياوه وعشيرته واحق الناس بالامر من بعده..) (464).
صعق الحاضرون من هدوء اعصاب الامام وقوه حجته، فنهض ابو عبيده وقال مجيبا للامام: (يا ابا الحسن انك حديث السن وهولاء مشيخه قريش قومك.. فقال على: يا معشر المهاجرين اللّه اللّه لا تخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته الى دوركم، ولا تدفعوا اهله عن مقامه فى الناس وحقه، فواللّه يا معشر المهاجرين لنحن اهل البيت احق بهذا الامر منكم، ما كان فينا القارىء لكتاب اللّه، الفقيه فى دين اللّه، العالم بالسنه المصطلح بامر الرعيه، واللّه انه لفينا، فلا تتبعا الهدى فتزدادوا من الحق بعدا.
عندئذ قال بشير بن سعد وهو اول من بايع ابا بكر لو كان هذا الكلام سمعته منك الانصار يا على قبل بيعتها لابى بكر ما اختلف عليكم اثنان) (465).
راى عمر بن الخطاب انه ما جاء به على ليناقش، انما جاء به ليبايع فاراد عمر ان يضع حدا لهذا النقاش الذى لا معنى له فقال عمر لعلى بحزم: (بايع) فقال على: ان لم افعل فمه؟ يبدو ان عمر قد قال له: (اذا واللّه الذى لا اله الا هو نضرب عنقك) وكما ردد اركان حزب عمر فى حضره الرسول القول ما قال عمر: (انت تهجر) فلقد رددوا خلف عمر هذه المره قول عمر:
(اذا واللّه الذى لا اله الا هو نضرب عنقك) (466)!!، فقال عمر لابى بكر الا تامر فيه بامرك؟ ويبدو ان عمر اراد من ابى بكر ان يصدر قرارا بقتل الامام بعد ان صاح اركان الحزب (اذا واللّه الذى لا اله الا هو نضرب عنقك) فيحمل ابا بكر مسووليه القتل.
وفكر ابو بكر ثم قال لعلى: (فان لم تبايع فلا اكرهك) (467)، ويبدو ان ابا بكر قد امر بحل وثاق الامام مباشره فلحق على بقبر النبى يصيح ويبكى امام الجموع وينادى: (يا ابن ام ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى) (468) وهى نفس الايه التى وردت على لسان هارون لموسى (ولما رجع موسى الى قومه غضبان اسفا قال بئسما خلفتمونى من بعدى اعجلتم امر ربكم والقى الالواح واخذ براس اخيه يجره اليه قال ابن ام ان القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى فلا تشمت بى الاعداء ولا تجعلنى مع القوم الظالمين) «الاعراف/150» وليس من المستبعد ىىىىان الجموع قد تذكرت بان محمدا قد قال لعلى امامها:
(انت منى بمنزله هارون من موسى، الا انه لا نبى بعدى).