الصفحة 186
بذلك يشبه القرآن وتركيب (ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي) خاص لوصيته للأمة بالقرآن والعترة، لم يستعمله صلى الله عليه وآله في غيرهما أبدا كما أن تعبير (إني تارك فيكم الثقلين).. لم يستعمله في غيرهما أبدا. ولذلك عندما قال لهم في مرض وفاته: إيتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. فهمت قريش أنه يريد أن يلزم المسلمين بإطاعة الأئمة من عترته بشكل مكتوب، فرفضت ذلك بصراحة ووقاحة! وقد روى البخاري هذه الحادثة في ستة أماكن من صحيحه!! وروت مصادرهم أن عمر افتخر في خلافته، بأنه بمساعدة قريش حال دون كتابة ذلك الكتاب(1)!! وعليه فإن ورود هذا التركيب في أكثر رواياتهم لخطب حجة الوداع للقرآن وحده دون العترة، يخالف الأسلوب النبوي، وتعبيره المبتكر في الوصية بهما معا خاصة وأن الترمذي وغيره رووهما معا! والنتيجة: أن بشارة النبي (ص) لأمته في حجة الوداع بالأئمة الاثني عشر، ووصيته بالثقلين، وجعله عترته الطاهرين عليا وفاطمة والحسن والحسين عدلا للقرآن في وجوب الأتباع، أمر ثابت في مصادر جميع المسلمين.. لا ينكره إلا من يريد أن يتعصب لقبيلة قريش، في مقابل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله.

ثالثا: حاولوا تحريف الحديث، كما في صحيح مسلم، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي يقول: أخبرنا المطين، حدثنا نصر بن عبد الرحمن، حدثنا زيد بن الحسن، عن معروف، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "يا أيها الناس إني فرط لكم وأنتم واردون علي الحوض، وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب سبب طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا". الجواب: ان هذا الحديث بنفس السند، أي عن طريق نصر بن عبد الرحمن عن زيد بن الحسن عن معروف عن أبي الطفيل عن حذيفة، فبنفس السند وبنفس

____________

1- أخرج ابن سعد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان يقول: يوم الخميس، وما ادراك ما يوم الخميس قال: وكأني أنظر إلى دموع ابن عباس على خده كأنها اللؤلؤ قال: قال رسول الله (ص): إئتوني بالكتف والدواة، أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا. قال فقالوا: إنما يهجر رسول الله (ص) ابن سعد: الطبقات 2 ق 2 / 37 ط ليدن. ونحوه في سر العالمين للغزالي وكشف ما في الدارين مخطوط الورقة السادسة فهرست دار الكتب المصرية 1 / 316 و مسند أحمد: 3 / 346 ط مصرونحوه في النهاية في غريب الحديث: 5 / 246وغيرها كثير.


الصفحة 187
اللفظ موجود في المصادر فنص الحديث عن واحد منها، عن نوادر الأصول للحكيم الترمذي ففيه: إني فرطكم على الحوض وإني سائلكم حين تردون علي عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فاستمسكوا به ولا تضلوا ولا تبدلوا، وعترتي أهل بيتي، فإني قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض(1). فهذا كتاب نوادر الأصول، وهذا كتاب تاريخ بغداد، وكلاهما موجودان بين أيدي الناس، وهل المتصرف بالحديث هو الخطيب نفسه أو النساخ أو الناشرون؟ الله أعلم, ثم ان نفس الحدبث الذي حرفوه فيه لفظ الثقلين ولفظ اني سائلكم عنهما ففي اول الحديث الضمير مثنى يعني ثقلين لا واحد وانما بتروا اخره لكن اول الحديث كافي للدلالة على الوصية بالثقلين ونرجعة لغيره من المصادر ليتبين لانا الثقل الثاني فالتحريف لم يضر الا صاحبه يوم يلقى ما حرفت يداه فيلقى مذموما مدحورا.

رابعا: يعارضون حديث الثقلين بأشياء، أهمها: حديث الاقتداء بالشيخين، وأي حديث هذا؟ إنهم يروونه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه قال: إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر.

هذا الحديث موجود في بعض كتبهم، فإذا كان حديث الثقلين أي الوصية بالكتاب والعترة، دالا على وجوب الاقتداء بالقرآن والعترة، فهذا الحديث يدل على وجوب الاقتداء بالشيخين، إذن يقع التعارض بين الحديثين.

والجواب: ان الرجلين لا يخلوا من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مختلفين، والدليل على اختلافهما: أن أبا بكر سبى أهل الردة، وردهم عمر أحرارا, وأشار عمر على أبي بكر بعزل خالد وبقتله بمالك بن نويرة، فأبى أبو بكر عليه وحرم عمر المتعة، ولم يفعل ذلك أبو بكر, ووضع عمر ديوان العطية، ولم يفعله أبو بكر, واستخلف أبو بكر، ولم يفعل ذلك عمر, ولهذا نظائر كثيرة, وهما ليس معصومين بل قد اشرنا الى الكثير من جهلهم بالسنة وبكتاب الله فكيف يقتدى بمن هو جاهل في دبنه كما اشرنا الى ذلك؟؟!! قال الغزالي: (قد ذهب قوم إلى أن مذهب الصحابي

____________

1- نوادر الأصول: 68.


الصفحة 188
حجة مطلقا، وقوم إلى أنه حجة إن خالف القياس، وقوم إلى أن الحجة في قول أبي بكر وعمر خاصة لقوله: اقتدوا بالذين من بعدي، وقوم إلى أن الحجة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا والكل باطل عندنا(1)). فالإمام الغزالي بهذا قد رمىبحجية أقوالهم في مزبلة الباطل.

خامسا: عندهم حديث يروونه يقول بوجوب الأخذ والتمسك بالكتاب والسنة (كتاب الله وسنتي) بدل عترتي. إذن يقع التعارض بين الحديثين.

والجواب:

1- ان حديث كتاب الله وسنتي هو حديث مرسل وضعيف وغير مسند في الموطا وغيره، مع العلم أن كل أحاديث الموطأ مسندة.

2- لم يخرجه الصحاح ولا اصل له فيها، بينما حديث كتاب الله وعترتي هو حديث صحيح ومتواتر أخرجته الصحاح.

3- قول عمر بن الخطاب: حسبنا كتاب الله ولا حاجة لنا بسنتك. وإذا كان عمر قد قال بمحضر النبي حسبنا كتاب الله. أخرجه كل صحاح أهل السنة بما فيهم البخاري ومسلم، فإذا كان النبي قد قال: تركت فيكم كتاب الله وسنتي، فعمر قال لا نريد سنتك. وأبو بكر أكد على تنفيذ رأي صاحبه فقال عندا أصبح خليفة: لا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه(2). ان الشيخين واتباعهم قوم تركوا سنة نبيهم ونبذوها وراء ظهورهم، وأحلوا محلها بدعا ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، ثم يسمون أنفسهم وأتباعهم أهل السنة والجماعة!!!.

4- إن صح حديث (كتاب الله وسنتي) فهو صحيح في معناه، لأن معنى العترة بقوله صلى الله عليه وآله في حديث الثقلين المتقدم هو الرجوع إلى أهل بيتي ليعلموكم سنتي، أو لينقلوا إليكم الأحاديث الصحيحة لأنهم منزهون عن الكذب وإن الله سبحانه عصمهم بآية التطهير. ولكي يفسروا لكم معانيها ومقاصدها، لأن كتاب

____________

1- المستصفى في علم الأصول للإمام الغزالي 1: 260.

2- تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 3.


الصفحة 189
الله وحده لا يكفي للهداية فكم من فرقة تحتج بكتاب الله وهي في الضلالة كما ورد ذلك عن رسول الله عندما قال: (كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه). فكتاب الله صامت، وحمال أوجه، وفيه المحكم والمتشابه ولا بد لفهمه من الرجوع إلى الراسخين في العلم حسب التعبير القرآني وإلى أهل البيت حسب التفسير النبوي.

اذن لم يبقى أمامنا إلا ضمانة واحدة تمنع الأمة من الاختلاف، وهي حديث متواتر عن (صلى الله عليه وآله) وقد روته كتب الحديث السنية، والصحاح الستة ما عدا البخاري وهو قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): " إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، فإن العليم الخبير، أنبئني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض". كما في رواية أحمد بن حنبل وغيره، ولا مناص لمؤمن يريد الإسلام الذي أمر الله به ورسوله (صلى الله عليه وآله) غير هذا الطريق، وهو طريق أهل البيت المطهرين في القرآن الكريم من الرجس والمعاصي وكفى دجلا ونفاقا، ومراوغة عن الحق، إلى متى هذا التنكر؟!! والحق واضحة آياته، ظاهرة بيناته، وقد أقيمت الحجة، بأن لا دين من غير الكتاب والعترة الطاهرة من آل محمد (صلى الله عليه وآله).

سادسا: ابن تيمية، يكذب هذا الحديث.

والجواب: ان طريق ابن تيمية دائما سهل وهذا هو دأب شيخ إسلامهم في قبال أحاديث إمامة أمير المؤمنين ومناقب أهل البيت (عليهم السلام), ونعم الحكم الله بين ابن تيمية وأمثاله وبين أهل البيت. وجوابه دائما نرجعه الى كتب امام اهل الحديث احمد بن حنبل والى الصحاح والمسانيد والسنن فان ما يستجيب لقومه فلا يمسكه الا المولى تعالى عندما يكون الخصيم وهو حسبنا ونعم الوكيل وسيعلم أي الذين ينكرون فضائل اهل البيت أي منقلب ينقلبون.

النتيجة ان حديث الثقلين صحيح ومتوتر وله قرائن كثيرة داخلية وخارجية من نفس الحديث وغيره كاية التطهير والولاية ووو.. كحديث السفينة والغدير والنجوم وو... ولا يمكن ان يصدق عاقل ان غيرهم هم الامان والقل الثاني وسفينة النجاة ووو... لما نقل لنا التاريخ عبر مصادر القوم ان السلف من الصحابة والتابعين اختلفوا وعارض

الصفحة 190
بعضهم بعضا بل اهم من ذلك ما سطره عن معركة الجمل والنهروان وصفين وكربلاء واختلافاتهم في اصول الدين وفروعه كثيرة، فأبو بكر كان لا يرى التفرقة في العطاء، بينما كان عمر يرى التفرقة,وكان عمر وعثمان وابن الزبير وغيرهم يرون حرمة نكاح المتعة وخالفوا النص في ذلك باعتراف عمر بقوله: (متعتان كانتا على عهد الرسول ص وهو يحرمهما ويعاقب عليهما)(1)، أما أبو بكر وعلي وابن عباس وجابر الأنصاري فلم يروا ذلك, وأبو بكر كان لا يرى توريث الأنبياء (عليهم السلام)، أما فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) فكانوا يرون توريثهم, وابن عمر كان يرى انه لا يجوز الخروج على الحاكم وإن كان جائرا، بينما كان الحسين (عليه السلام) يرى الخروج عليه وغير ذلك من الاختلافات بينهم فراجع(2).

____________

1- القول مستفيض عن عمر وقد نقله الإمام الرازي حول تفسير قوله تعالى: فمن تمتع بالعمرة إلى الحج. من سورة البقرة. ونقله أيضا في تفسير قوله عز من قائل: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن. من سورة النساء , و تفسير الرازي ج 2 / 167 و ج 3 / 201 و 202 ط 1، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 12 / 251 و 252 و ج 1 / 182، البيان والتبيان للجاحظ ج 2 / 223، أحكام القرآن للجصاص ج 1 / 342 و 345 و ج 2 / 184، تفسير القرطبي ج 2 / 270 وفي طبع آخر ج 2 / 39، المبسوط للسرخسي الحنفي باب القرآن من كتاب الحج وصححه ج، زاد المعاد لابن القيم ج 1 / 444 فقال ثبت عن عمر وفي طبع آخر ج 2 / 205 فصل إباحة متعة النساء، كنز العمال ج 8 / 293 و 294 ط 1، ضوء الشمس ج 2 / 94، سنن البيهقي ج 7 / 206، الغدير للأميني ج 6 / 211، المغني لابن قدامة ج 7 / 527، المحلي لابن حزم ج 7 / 107، شرح معاني الآثار باب مناسك الحج للطحاوي ص 374، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 200.

2- صحيح مسلم ج 4 / 46 , تفسير الآية 195 من سورة البقرة من المجمع " فمن تمتع بالعمرة إلى الحج " وأخرجه الإمام أحمد من حديث عمر في ص 50 وص 49 من الجزء الأول من مسنده ط 1 , سنن ابن ماجة ج 2 / 229 وفي طبع محمد فؤاد عبدا لباقي ج 2 / 992 ح 2979، صحيح مسلم ج 1 / 472، سنن البيهقي ج 5 / 20، سنن النسائي ج 5 / 153، تيسير الوصول ج 1 / 288، شرح الموطأ للزرقاني ج 2 / 179، سنن النسائي ج 2 / 16، تاريخ ابن كثير ج 5 / 109.صحيح مسلم ص 896 ح 157، مسند الطيالسي ج 2 / 70 ح 516، سنن ابن ماجة ص 692 ح 2979، كنز العمال ج 5 / 86 ط 1، مقدمة مرآة العقول ج 1 / 225، حلية الأولياء ج 5 / 205 , تاريخ الطبري: 1 / 357. 3 - رواه البلاذري في تاريخه الكبير ورجاله رجال الصحاح. وأخرجه ابن حجر في تهذيب التهذيب: 7 / 324 بالإسناد إلى أبي سعيد الخدري بطريق رجاله كلهم ثقات و الطبري في تاريخه: 11 / 357 , تاريخ الخطيب: 12 / 181. كنوز الحقائق، المناوي: ص 10. شرح النهج: 1 / 348. 4 - تاريخ ابن كثير: 8 / 131 قال: أخرجه أبو داود الطيالسي وابن عساكر , البخاري: كتاب المحاربين، باب رجم الحبلى من الزنى , أنساب الأشراف، البلاذري: ص 587 وحادثة التحريق فيما سبق ,الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية: ص 94.


الصفحة 191
واختلف الصحابة في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقال عمر وابن مسعود: تعتد بوضع الحمل. وقال علي وابن عباس: تعتد بأبعد الأجلين. وخالف ابن مسعود عمر في مئة مسألة واختلفوا في الخلافة كما هو معروف عن السقيفة وما صار فيها من نزاع بينهم وايضا خلافا للنبي ص بنص حديث الغدير.

وما هذه الا قطرة من بحر اختلافات الصحابة في فهم الإسلام, فإذا كان جميع الصحابة حملة الدين إلينا ويجب علينا أن نفهم الإسلام كما فهموه، فعن أي صحابي نأخذ وقد اختلفوا في امور حدثت أمامهم, فبرأي من نأخذ في نكاح المتعة مثلا؟ برأي ابن الزبير، أم برأي ابن عباس ام عمر ام..؟! وبقول من نأخذ في توريث الأنبياء (عليهم السلام)، بقول علي وفاطمة (عليهما السلام)، أم بقول أبي بكر؟! وهكذا الكثير من الاختلافات، حتى أصبح لكل صحابي مذهب يخالف غيره من الصحابة, فإذا كان الله يريد لنا أن نفهم الإسلام كما فهمه الصحابة فارادته أمر باتباع الشئ ونقيضه في آن واحد- معاذ الله - كأن نقتدي بابن الزبير وعمر ونحرم نكاح المتعة، وفي نفس الوقت نقتدي بابن عباس ونحلل المتعة!! فهل رأيت أعجب من هذا؟! فأمر الله لنا باتباع الصحابة هو أمر بالمتناقضين وإننا لننزه رب العزة عن هذا التناقض فان الدين قد اكتمل وتمت البيعة في غدير خم كما بينا ذلك وهاهم السنة يقولوا باستحالة القول باتباع كل الصحابة كما صرح بذلك ابن حزم بقوله: فمن المحال أن يأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باتباع كل قائل من الصحابة.

كما يعترف أبو حامد الغزالي الملقب بحجة الإسلام بأن حديث الغدير كان تنصيبا لعلي خليفة على المسلمين قال: (ولكن أسفرت الحجة بوجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم غدير خم، باتفاق الجميع وهو يقول: " " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقال عمر بخ بخ لك يا أبا الحسن، اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. فهذا تسليم ورضا وتحكيم, ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة وحمل عود الخلافة وعقود البنود، وخفقان الهواء في قعقعة

الصفحة 192
الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار، سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون(1)).

وقال أحمد محمود صبحي: (لما كان أهل الظاهر والسلفيون يوالون معاوية فإنه لم يكن لديهم مفر عن اختيار: إما ترك هذه الموالاة، أو القدح بشتى الوسائل في الحديث، وبالرغم من أنه من المفروض أن تخضع العقائد للنصوص، إلا أن كثيرا من أصحاب المذاهب قد اخضعوا الأحاديث لأهوائهم ومذاهبهم).

وقال محمود أبو رية عن اختلاف صيغ التشهدات بين الصحابة: (تشهد ابن مسعود: في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: علمني رسول الله التشهد وكفي بكفه كما يعلمني السورة من القرآن: التحيات لله والصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله، واشهد أن محمدا عبده ورسوله. تشهد ابن عباس: روى مسلم وأصحاب السنن عن ابن عباس، كذلك روى الشافعي في الأم، قال: كان رسول الله يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فيقول قولوا: التحيات الصلوات الطيبات لله... الخ تشهد عمر بن الخطاب: روى مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عروة ابن الزبير عن عبد الرحمن بن عبدالقاري انه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يقول: التحيات الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله. ورواية السرخسي في المبسوط: التحيات الناميات الزاكيات المباركات الطيبات لله. تشهد أبي موسى الأشعري: روى مسلم وأبو داود أن التشهد عند أبي موسى: التحيات الطيبات والصلوات والملك لله. وقد ذكر أبو رية في كتاب (اضاء على السنة المحمدية) تسع صيغ للتشهدات, وقال بعد ذلك: هذه تشهدات تسع، وردت عن الصحابة وقد اختلفت الفاظها، ولو أنها من الأحاديث القولية التي رويت بمعنى لقلنا، عسى! ولكنها من الأعمال المتواترة التي كان يؤديها الصحابة مرات كثيرة كل يوم، وهم يعدون بعشرات الألوف. وذكر مالك في الموطأ (نحن نعلم أن التشهد الذي أنزل من عند الله بصيغة واحدة، ونعلم أن الصلاة عمود الدين، إذا صلحت صلح سائر عمل الإنسان وإذا

____________

1- سر العالمين، المقالة الرابعة.


الصفحة 193
فسدت فسد سائر عمله، وهي أول ما يحاسب عليها المرء يوم القيامة. فهل هذه التشهدات التي ذكرت أتى التشريع الإسلامي بها جميعا؟!! الجواب: لا، بل الإسلام جاء بصيغة تشهد موحدة، وهكذا سائر التشريعات فاذا كان هذا الاختلاف في عمل يمارسونه كل يوم خمس مرات، فما بالك بالأمور التي تحدث بالسنة مرة أو أكثر كالحج والصوم والتي ترك التفصيل فيها للسنة او الاشياء المستحدثة؟!!

عن عدي بن حاتم (رضي الله عنه)، قال: (لما نزلت: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت له ذلك فقال: إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار(1)).

فهذا مثال واحد يدل على أن الصحابة لم يكونوا يفهمون المقصود الشرعي للآيات كما ينبغي، وفي هذا من الخطر على مقاصد الإسلام ما لا تحمد عقباه, فهذا الصحابي لو لم يراجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في معنى الآية لعلم الناس ما فهمه منها وينتشر بين الناس، وربما يصل لنا فهم عدي بن حاتم للآية! فالسلف الصالح قد لا يصيبون المقصود الشرعي من النص فكيف تريدون لنا أن نفهم الإسلام كفهمهم؟!! وكيف يختارهم الله جميعا ليوصلوا الإسلام للناس وهو يعلم أنهم ربما ينقلون حديثا في العقائد والتشريع بمعناه الذي فهموه وهو ليس المقصود الشرعي منه؟!

ويوم السقيفة معروف فقد وصل بالصحابة الحد الى ان هدد بعضهم الاخر بالقتل ان لم يبايع كما قيل لحباب بن المنذر البدوي مخالف تلك البيعة: إذن يقتلك الله. بعد ما حطم أنف الحباب وضرب يده, ونودي على سعد أمير الخزرج: اقتلوه قتله الله إنه منافق. وأخذ قيس بن سعد لحية عمر قائلا: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة. وقال الزبير وقد سل سيفه: لا أغمده حتى يبايع علي. وقال عمر: عليكم الكلب - يعني الزبير - فأخذ السيف من يده وضرب به على الحجر. ودافعوا مقدادا في صدره. وهجموا على دار النبوة، وكشفوا بيت فاطمة، وإخرجوا

____________

1- صحيح البخاري كتاب الصيام، باب قول الله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام الى الليل) , سنن الدارمي: 2 / 5 - 6. 2 , سنن ابن ماجة: 1 / باب 18، سنن أبي داود: كتاب العلم، باب فضل نشر العلم.


الصفحة 194
من كان فيه للبيعة عنوة, بعد ما أقبل عمر بقبس من نار إلى دار فاطمة وقال: لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقنها على من فيها. وخرجت بضعة المصطفى عن خدرها وهي تبكي وتنادي بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة وقيل للمام علي ع: بايع وإلا تقتل(1).

وفي رواية ابن عبد ربه: أن فاطمة قالت له: "يا ابن الخطاب، أجئتنا لتحرق دارنا؟ قال: نعم". وفي رواية زيد بن أسلم: أنها قالت: تحرق علي، وعلى ولدي؟ قال: إي والله، أو ليخرجن، وليبايعن. ثم إن القوم الذين كانوا مع عمر لما سمعوا صوتها وبكاءهاانصرف أكثرهم باكين، وبقي عمر وقوم معه، فأخرجوا عليا. حتى في رواية أكثرهم: أن عمر دخل البيت، وأخرج الزبير، ثم عليا واجتمع الناس ينظرون، وصرخت فاطمة وولولت، حتى خرجت إلى باب حجرتها، وقالت: ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت نبيكم. وقد ذكر الشهرستاني في كتاب الملل والنحل: أن النظام نقل: أن عمر ضرب بطن فاطمة ذلك اليوم، حتى ألقت المحسن من بطنها، وكان يصيح: أحرقوها بمن فيها(2) وقول علي ع: ان القوم استضعفون... الخ(3).

وقال عمر في خلافة أبي بكر: إنها كانت فلتة وقى الله شرها.وفي روايات: فلتة كفلتات الجاهلية فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه(4).

ان الخلافة عندنا ليست فلتة بعدالانباءات المتواصلة طيلة حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ابتداء بحديث الدار وختاما بالغدير وبعده طلب كتاب ليكتبه للناس لا يضلوا بعده

____________

1- الإمامة والسياسة 1: 13 أعلام النساء 3: 1206. الإمام على لعبد الفتاح عبد المقصود 1: 225.

2- الطبري 3 / 198، تاريخ أبي الفداء 2 / 64، العقد الفريد 5 / 12. أعلام النساء 4 / 114، تاريخ اليعقوبي 2 / 126، الفتوح، ابن اعثم 1 / 13. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 2 / 65.

3- الإمامة والسياسة: ج 1 ص وراجع: تلخيص الشافي: ج 2 ص 144 و 145. وأعلام النساء: ج 4 ص 114، ومصادر كثيرة أخرى نقلت ذلك عن ابن قتيبة، مثل تشييد المطاعن، وغيره.

4- صحيح البخاري في باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت في الجزء الأخير، ج 10 ص 44، مسند أحمد 1 ص 55، تاريخ الطبري 3: 200، أنساب البلاذري 5 ص 15، سيرة ابن هشام 4 ص 338، تيسير الوصول 2 ص 42، 44، كامل ابن الأثير 2: 135، نهاية ابن الأثير 3: 238 الرياض النضرة 1: 161، تاريخ ابن كثير 5: 246، السيرة الحلبية 3: 388، 392، الصواعق المحرقة 5 و 8 وقال: سند صحيح، تمام المتون للصفدي ص 137، تاج العروس 1 ص 568 , تاريخ الطبري 3: 210 , الصواعق المحرقة ص 21 , مسند أحمد 1 ص 55.


الصفحة 195
ابدا فقالوا: ان الرجل ليهجر!!!! نبي معصوم يهذي في نظر عمر ام انها السياسة وحب السلطة كما عبر هو عن ذلك (ان الحكم عقيم) نعم، ما كان الله ليترك دينه لفهم الصحابة له، وإلا لتغيرت مضامين الإسلام، فلابد من القول أن الله اختار ثلة من السلف الصالح عندهم القدرة على فهم الإسلام وقد عبؤا تعبئة فكرية وروحية تؤهلهم لبيان الدين كما أنزله الله,، فالمفروض أن يؤخذ الإسلام عنهم ليكون النهج واحد لا تناقض فيه وعندهم المقدرة على فهم المقصود الشرعي من النص، أما أن نأخذ الإسلام عن آلاف الصحابة فهذا أمر مرفوض ببديهة العقل، ولو ألزمنا أنفسنا بذلك لوجب علينا فهم الإسلام بأكثر من سبعين مفهوما، كما هو عدد مذاهب الصحابة, وليس لنا إلا رسول واحد، وكتاب واحد، وجميع الأمة مأموره باتباع كتابه وسنة نبيه ولا فرق بين الصحابة ومن بعدهم في ذلك فكلهم مكلفون التكاليف الشرعية باتباع الكتاب والسنة، فمن قال أنه تقوم الحجة في دين الله بغير كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) وما يرجع إليهما فقد قال في دين الله بما لا يثبت، وأثبت في هذه الشريعة الإسلامية شرعا لم يأمر الله به وهذا أمر عظيم, فكيف لمدعي ان يدعي انه تبع للسلف الصالح أي الصحابة وهم متفرقون فيما بينهم والسلفيه يكفر بعضهم بعضا ولهم اقوال متعارضة ومتباينة كما بينا ذلك من كتبهم واقوالهم؟؟؟!!!!

اذن لا سبيل للنجاة الا بهدي أهل البيت وبالتعلم منهم وبالاقتداء بهم اذ هم الفرقة المنجية بدليل: (لن تضلوا ما ان تمسكتم بهما) وبدليل: (من ركبها نجى) وغير ذلك مما بينا وسنبين ونبثبت ما قلنا بالعقل والنقل ان شاء الله تعالى.


الصفحة 196

الدليل السادس عشر حديث السفينة

قال رسول الله ص: " أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له ".

أخرجه الحاكم عن أبي رض, وأخرجه الطبراني في الصغير والأوسط عن أبي سعيد(1).

وروى الخطيب الخوارزمي والحاكم عن أبي ذر وصححه بلفظ: " مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق"(2). وأخرجه الخطيب في تاريخه عن أنس, والبزار عن ابن عباس, وابن الزبير, وابن جرير، والطبراني عن أبي ذر وأبي سعيد الخدري, وأبو نعيم، وابن عبد البر، ومحب الدين الطبري, وآخرون(3).

وأشار إليه الإمام الشافعي بقوله المأثور عنه:

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم *** مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
ركبت على اسم الله في سفن النجا *** وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
وأمسكت حبل الله وهو ولائهم *** كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل(4)

وقال ابن حجر في صواعقه: جاء من طرق عديدة يقوي بعضها: بعضا " إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا - وفي رواية مسلم: ومن تخلف عنها غرق - وفي رواية: هلك وفي لفظ: ومن تخلف عنها هلك(5) - وإنما مثل أهل بيتي فيكم، مثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخله غفر له - وفي رواية غفر له الذنوب). وقال في موضع آخر: جاء من طرق كثيرة يقوي بعضها بعضا ": (مثل أهل بيتي -

____________

1- أخرجه في الأوسط وقال: وهذا هو الحديث 18 من الأربعين الخامسة والعشرين من الأربعين، أربعين للنبهاني ص 216 من كتابه الأربعين أربعين حديثا ".

2- المناقب: ص 252 , المستدرك 3 ص 151.

3- التاريخ: 1 ص 91.

4- شفة الصادي ص 24.

5- المستدرك على الصحيحين ج 2 ص 373 وج 3 ص 163 وقال عنه: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، والمعجم الأوسط للطبراني ج 5 ص 355 وج 6 ص 85، والمعجم الكبير للطبراني ج 3 ص 45 وج 3 ص 46 وج 12 ص 34، ومسند الشهاب ج 2 ص 273 وج 2 ص 274، وحلية الأولياء ج 4 ص 306، وفضائل الصحابة ج 2 ص 785، أخبار مكة للفاكهي ج 3 ص 134.


الصفحة 197
وفي رواية: إنما مثل أهل بيتي - وفي أخرى: إن مثل أهل بيتي - وفي روايته: إلا إن أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح في قومه، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق - وفي رواية: من ركبها سلم، ومن تركها غرق - وإن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له(1)". ثم قال بعد أن أورد هذا الحديث وغيره من أمثاله: ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم صلى الله عليه وآله وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، وهلك في مفاوز الطغيان إلى أن قال: وجعل لهذه الأمة مودة أهل البيت سببا لها(2).

اقول ان صاحب الصاوعق من اكبر المخالفين لاهل البيت ع وهو يعلم ان مودتهم هي النجاة والامان من الهلاك!!! "كبر مقتا عند الله ان تقولون مالا تعملون " ولكن الله ينطقهم بالحق كما انطق اهل الكتاب بان يعلنوا بمولد النبي ونبوته ثم يكذبوه وهم يعلمون!!!, وهذا الحديث تشبيه لأهل البيت بسفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلف عنها هلك، ولا فرق حتى لو كان صحابي اذ القرابة لم تنفع كابن نوح، ولو أن رسول الله نادى: يا رب أصحابي أصحابي يجاب: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. كما يقول نوح: يا رب ابني، فيأتي الجواب: " إنه ليس من أهلك ". فتدور قضية النجاة من الهلكات مدار الكون مع أهل البيت، وأهل البيت وسيلة النجاة، وكل فعل من أفعالهم وكل حال من أحوالهم حجة، وهم القدوة والأسوة في جميع الأحوال والازمان.

ونقل الحاكم في المستدرك بسنده عن حنش الكناني قال: رأيت أبا ذر متعلق بباب الكعبة، وهو ينادي: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر، لقد سمعت رسول الله (ص) يقول: " مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق(3)". وقال الحاكم في ختام هذا الحديث: سند هذه الرواية صحيح.

____________

1- الصواعق المحرقة: 153.

2- الصواعق المحرقة: 152.

3- المستدرك للحاكم: ج 2 ص 343، الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 152، الجامع الصغير للسيوطي: ج 2 ص 533 ح 8162، مجمع الزوائد: ج 9 ص 168، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: ص 133 ح 175، تاريخ بغداد: ج 12 ص 91، نور الأبصار للشبلنجي: ص 126، إسعاف الراغبين: ص 120 (بهامش نور الأبصار).


الصفحة 198
والحديث واضح الدلالة على عصمتهم لأن التخلف عنهم هلاك ومتابعتهم نجاة, وللحديث قرائن اخرى كحديث النجوم وغيره مما يؤكد ان لا نجاة الا باتباع اهل البيت ع والاخذ عنهم فلظ التخلف عنهم جاء في كثير من الروايات انه سبب الهلاك وان التمسك بهم سبب النجاة.

نقل الحاكم أيضا عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس(1)".

وقال القندوزي الحنفي: وعن علي كرم الله وجهه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك بالعروة الوثقى ويعتصم بحبل الله المتين فليوالي عليا وليعاد عدوه وليأتم بالأئمة الهداة من ولده فإنهم خلفائي وأوصيائي وحجج الله على خلقه من بعدي وسادات أمتي وقواد الأتقياء إلى الجنة حزبهم حزبي وحزبي حزب الله، وحزب أعدائهم حزب الشيطان(2)".

كذلك في حديث الثقلين انه لا يضل من تمسك بهما ولا يهتدي إلى الله من ضل عن أحدهما (أي القران والعترة) وقد أمرنا صلى الله عليه وآله بأن نجعل اهل بيته منا مكان الرأس من الجسد. بل مكان العينين كما نقل غير واحد من الأعلام كالعلامة الصبان في إسعافه المطبوع في هامش نور الأبصار حيث قال ما هذا لفظه: وروى جماعة من أهل السنن عن عدة من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: " مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك " (قال) وفي رواية غرق (قال) وفي رواية أخرى زج في النار (قال) وفي أخرى عن أبي ذر زيادة وسمعته يقول: " اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد، ومكان العينين من الرأس " ونهى عن التقدم عليهم, والتقصير عنهم, ونص على أنهم القوامون على الدين، النافون عنه في

____________

1- المستدرك للحاكم: ج 3 ص 149، الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 152، وجاء في رواية أحمد بن حنبل في كتاب فضائل الصحابة: ج 2 ص 671 ح 1145: " فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض " وفي إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: ص 141.

2- ينابيع المودة ص 445 ط اسلامبول.


الصفحة 199
كل خلف من هذه الأمة تحريف الضالين, وقد أعلن صلى الله عليه وآله: بأن معرفتهم براءة من النار وحبهم جواز على الصراط، والولاية لهم أمان من العذاب, وأن الأعمال الصالحة لا تقبل الا بولايتهم عليهم السلام(1). ولهم فضائل كثيرة تؤهلهم لان يكونوا سفينة النجاة منها ماذكرنا ومنها ماياتي ان شاء الله تعالى:

قيل للخليل بن أحمد: ما الدليل على أن عليا - عليه السلام - إمام الكل في الكل؟ قال: احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل. وقيل له: ما تقول في علي بن أبي طالب - ع-؟ فقال: ما أقول في حق امرئ كتمت مناقبه أولياؤه خوفا وأعداؤه حسدا ثم ظهر من بين الكتمانين ما ملأ الخافقي(2).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن التي غرس ربي قضبانها بيده، فليتوال عليا من بعدي، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي(3)".

ان هذه دلالة واضحة على عصمتهم من الخطأ فهل هناك أوضح من قوله صلى الله عليه وآله وسلم (خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي) وأصرح من قوله (فليقتد بأهل بيتي)؟ وذلك لأن طينته معصومة فتجب عصمتهم لأنه لو لم يكونوا معصومين لوقع منهم الخطأ،

____________

1- اشارة الى احاديث تتضمن ذلك في المصادر التالية: الامام أبي بكر العلوي في الباب 5 من رشفة الصادي. وابن حجر حيث تكلم في تفسير الآية الرابعة من الباب 11 من صواعقه , مجمع الزوائد ج 9 / 163، ينابيع المودة للقندوزي ص 41 و 353 ط الحيدرية وص 37 و 296 ط اسلامبول، الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 60، الغدير ج 1 / 34 و ج 3 / 80، كنز العمال ج 1 / 168 ط 2، أسد الغابة ج 3 / 137، عبقات الأنوار قسم حديث الثقلين ج 1 / 184 و ج 2 / 49 و ابن حجر في ص 92 وص 148 ط المحمدية، ينابيع المودة للقندوزي ص 226 و 326 - 327 ط الحيدرية وص 191 و 271 و 273 و 297 ط اسلامبول، ذخائر العقبى ص 17 المعيار والموازنة للاسكافي ص 204. 864 الاتحاف للشبراوي ص 4، ينابيع المودة للقندوزي ص 24 و 286 و 314.

2- سفينة البحار ج 1، ص 426.

3- منتخب كنز العمال المطبوع بهامش مسند أحمد ج 5 ص 94 وقريبا منه في حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج 1 ص 86.


الصفحة 200
فيجب الاقتداء بهم في الأمر بالخطأ ولا شئ من الخطأ يجوز الاقتداء به، ولما ثبت وجوب الاقتداء بهم مطلقا ثبت أنهم معصومون من الخطأ.

وعن ابن عباس في حديث عن النبي صلى الله عليه وآله: لو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار. أخرجه الحاكم وصححه والذهبي في تلخيصه. وأخرج الطبراني في الأوسط من طريق أبي ليلى عن الإمام السبط الشهيد عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلا بمعرفة حقنا(1).

وأخرج الحافظ السمان في أماليه بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله: لو أن عبدا عبد الله سبعة آلاف سنة وهو عمر الدنيا ثم أتى الله عز وجل يبغض علي بن طالب جاهدا لحقه ناكثا لولايته لأتعس الله خيره وجدع أنفه. وذكره القرشي في شمس الأخبار. وأخرج الخوارزمي في " المناقب " عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي: يا علي؟ لو أن عبدا عبد الله عز وجل مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ومد في عمره حتى حج ألف عام على قدميه، ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوما، ثم لم يوالك يا علي؟ لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها(2).

عن أم سلمة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: يا أم سلمة أتعرفينه؟! قلت: نعم هذا علي بن أبي طالب. قال: صدقت سجيته سجيتي ودمه دمي وهو عيبة علمي فاسمعي واشهدي لو أن عبدا من عباد الله عز وجل عبد الله ألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله عز وجل مبغضا لعلي بن أبي طالب وعترتي أكبه الله تعالى على منخره يوم القيامة في نار جهنم. أخرجه الحافظ الكنجي بإسناده من طريق الحافظ أبي الفضل السلامي ثم قال: هذا حديث سنده مشهور عند أهل النقل. وأخرج ابن عساكر في تاريخه مسندا عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث: يا علي؟

____________

1- المستدرك: 3\149 , مجمع الزوائد الهيثمي: ص 172، وابن حجر في " الصواعق "، ومحمد سليمان محفوظ في " أعجب ما رأيت " 1 ص 8. والنبهاني في " الشرف المؤبد " ص 96 والحضرمي في " رشفة الصادي " ص 43.

2- المناقب للخوارزمي: ص 39.