العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المواضيع

 

إصولية الإمامة عند الشيعة

>/

حوار هادئ بين موالي ومخالف

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

- الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا

بعد أن إنتهيت من العدد المتكلم ، عن مبدء التشيع وبينت بأن خط التشيع هو خط أهل البيت وهو الخط الإسلامي الصحيح وقلت بأن ما عند الشيعة هو الأمر الذي عبدنا به الشارع المقدس بالأدلة الشرعية ، وعلى هذا فلابد وأن أبين المسائل الخلافية بيننا وبين غيرنا من المذاهب ومن هذه المسائل مسألة أصولية الإمامة وما هو الدليل عليها ؟.

 


 

المخالف : هل الإمامة من أصول الدين ؟.

 

الموالي : أقول نعم هي من الأصول ولكن هل هي من أصول الدين أو أصول المذهب.

 


 

المخالف : لماذا هذا التفريق بين أصول الدين وأصول المذهب ؟.

 

الموالي : هذا التفريق وضعه علماء المذهب لأجل الآخرين فإن الأكثر ربما لم يصله الدليل أو أنه وصله ولم يقتنع به فلا نريد أن نحمله تبعات ترك الإعتقاد بالإمامة للوازم الخطرة المترتبة على هذه المسألة ومن هنا قلنا إنها من أصول المذهب فنحن قد وصلنا الدليل وهو واضح لنا كل الوضوح.

 


 

المخالف : وما هي تلك الأدلة ؟.

 

الموالي : أقول إن الإمامة من الأصول كما إن النبوة من الأصول فكذلك الإمامة ، لأن الغرض الذي من أجله أرسلت الرسل والأنبياء حسب قاعدة اللطف ، وهى أن الله عز وجل خلق الخلائق من أجل هدف وهو الوصول للكمالات والابتعاد ، عن الأنحراف وبما إن مرحلة وجود الأنبياء متقطعة وغير مستمرة والمدة بين كل نبي وآخر فترة طويلة وإذا علمنا بأن النبي محمد بن عبد الله (ص) هو خاتم الأنبياء والرسل فلابد في هذه الفترة من إتمام الغرض وهو الوصول إلى الكمالات والابتعاد ، عن الأنحراف وهذا الغرض لا يحصل إلاّ بقيادة مختارة من الله سبحانه وتعالى وعارفة بما يريد الله ومعصومة من الزلل.

 


 

المخالف : سؤال آخر : لماذا هذه الشروط الثلاثة ( الاختيار من الله وكونه معصوما ً عارفاًً بالأحكام ) ؟.

 

الموالي : أقول لو رجعنا إلى الأعراف البشرية فإننا نجد أن كل حاكم لأي قطر ودولة علي وجه الأرض فإنه من أجل تنظيم دولته ، حكومة وشعباً فإنه يسن ويشرع مجموعة من القوانين والتشريعات ملزمة ينبغي على أتباعه إتباع تلك التشريعات وبما إن الشعب لا يمكنه أن يتصل بالحاكم ليتعرف على هذه القوانين والتشريعات فإن الحاكم في هذه الحالة يختار من شعبه الشخص الجدير الفاهم لتوصيل هذه التشريعات للشعب ولا يوكل الأمر لأي واحد من أبناء الشعب.

 


 

المخالف : عرفنا لماذا الاختيار ولكن لماذا  العصمة والمعرفة؟؟.

 

الموالي : أقول عرفنا الهدف فلو فرضنا أن هذا الشخص المعين جاهل أو حتى عارف ولكن معرفة إجتهاده جزئية فعلى هذا فسوف يعطي العباد مجموعة من الأحكام الخاطئة غير الصحيحة فبدلا من أن يوصلهم بالله فسوف يبعدهم ، عن المطالب الإلهية فينتفي الغرض الذي من أجله يتم إرسال الرسل ، وكذلك القول في العصمة فإذا فرضنا أنه غير معصوم فاحتمال إتباعه للشيطان والهوى أمر واقع فلو حصل شئ من هذا فهل يجب على العباد إتباعه أو مخالفته؟ فإتباعه في مثل هذا لا يجوز من باب لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ومخالفته يولد انشقاق في الأمة فماذا نفعل؟ وعليه: قلنا بالعصمة دفعا لهذه الأمور.

 


 

المخالف : هناسؤال : وهو في هذا الزمان الذي تقولوا بأن الإمام المعين هو المهدي ولكنه غير موجود ولا يمكنه أن يوصل الأحكام إلى الأمة فماذا تقولون في الجواب ؟.

 

الموالي : أقول أنه عندما نصل إلى الإمام الثاني عشر سوف نبين ذلك ولكن وباختصار أقول بأن الأنتفاع من الإمام لم يعدم نهائياًَ فنحن

نعتقد بوجوده ومشاركته للأمة ولكن لا نعرفه بشخصه فهو له وجود وحضور بين الأمة نعم حرمنا من فوائده المطلقة وهذا من باب العقاب لنا من قبل السماء لأننا نحن الذين تسببنا في هذه الغيبة وهذا الأمر قد حصل في الأمم السابقة حيث غاب عنهم أنبياءهم في بعض الفترات عقوبة لهم.

 


 

المخالف : لماذا أنتم دون غيركم من المذاهب تقولون بأصولية الإمامة ؟.

 

الموالي : أقول نعم نحن تميزنا ، عن غيرنا بهذا القول لأجل الدليل الذي مر عليك عقلاًً وبقى أن نثبته كتاباًً وسنة ولكن لو تركنا القول الذي تميزنا به ، عن غيرنا ورجعنا إلى مجال العمل والتطبيق فإنناسوف نجد كل المذاهب تتعامل مع الإمامة معاملة خاصة غير تلك المعاملة المختصة بالفروع فعلى سبيل المثال لو صار إختلاف في ثبوت الهلال وعدمه ووجوب الجهاد وعدمه وحكم من يترك بعض الفروع فإنهم يرجعون هذا الإختلاف إلى الاجتهاد وأن الإختلاف حق مشروع إذا كان مرجعه إلى الاجتهاد ولكن هلم بنا لنقرأ كلامهم في الخروج على الحاكم أو عدم طاعته لترى كيف يتعاملون مع الإمامة فإنهم يقولون بوجوب طاعة الحاكم أو الخليفة طاعة مطلقة ولا يجوز مخالفته والرد عليه والخروج عنه والخارج عليه يجوز قتله إذا لم يرجع.

 

- فمثلاًً نقرأ قول الشيخ سعد الدين ( في شرح العقائد النسفية : ص 180 و 181 ) يقول : وقد ظهر الفسق و إشتهر الجور في الأئمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدين ، والسلف كانوا ينقادون لهم ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهأولا يرون الخروج عليهم.

 

- ويقول الماوردي ( ففرض علينا طاعة أولى الأمر فينا وهم الأئمة المتآمرون علينا ) ( الأحكام السلطانية 5 ).

 

- ويقول إبن خلدون ( ويجب على الخلق جميعاًً طاعته لقوله تعالى وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( تاريخ إبن خلدون في المقدمة ج1 ص 342 ).

 

- ويقول أحمد بن حنبل ( السمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين ، البر والفاجر ومن ولى الخلافة فأجمع الناس ورضوا به ومن غلبهم بالسيف ، وسمى أمير المؤمنين ، والغزوماضي مع الأمراء إلى يوم القيامة ، البر والفاجر ، وإقامة الحدود إلى الأئمة ، وليس لأحد أن يطعن عليهم وينازعهم... إلخ ( تاريخ المذاهب الإسلامية : لأبي زهره ج2 ص 322 ).

 

- ويقول أيضاًً ومن خرج علي إمام من أئمة المسلمين وقد كان الناس قد إجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه من الوجوه ، كان بالرضاء أو الغلبة فقد شق الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار ، عن رسول الله (ص) فإن مات الخارج عليه ، مات ميتة جاهلية

( تاريخ المذاهب الإسلامية لأبي زهرة ج2 ص 321 ).

 

فلماذا لم يعامل معاملة المجتهد ونقول بأنه مأجور بدلاً أن نحكم عليه بالقتل وميتته ميتة جاهلية ألا إن تكون الإمامة تختلف ، عن الفروع وإنها ليست بفرع.

 

- ولقد قال : الأمام الأشعري من جمله : ما عليه أهل الحديث والسنة : ( ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام بر وفاجر ). إلى أن قال : ( ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح ، ولا يخرجوا عليهم بالسيف ، وأن لا يقاتلوا في الفتن ) ، ( مقالات الإسلاميين ص 323 ).

 

- وكذلك قال الإمام أبو اليسر محمد بن عبدالكريم البزودي الإمام ( إذا جارً أو فسق لا ينعزل عند أصحاب أبي حنيفة بأجمعهم وهو المذهب المرضي ) ، ( أصول الدين للإمام البزودي ط القاهرة ص 190-192 ).

 

- وقال : الأمام أبوبكر محمد بن الطيب الباقلاني ( وأصحاب الحديث : لا ينخلع بهذه الأمور ولا يجب الخروج عليه بل يجب وعظه وتخويفه وترك طاعته في شئ مما يدعوا إليه من معاصي الله إذ إحتجوا في ذلك بأخبار كثيرة متضافرة ، عن النبي (ص)  وعن أصحابه في وجوب طاعة الأئمة وإن جاروا واستأثروا بالأموال ) كتاب ( التمهيد للباقلأني ط القاهرة ص 186 ).

 

- وقال الشيخ نجم الدين أبي حفص عمر بن محمد النسفي في العقائد النسفية : ولا ينزل الإمام بالفسق والجور ويجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر وعلله الشارح التفتازاني بقوله : لأنه قد ظهر الفسق واشتهر الجور من الأئمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدين ، والسلف كانوا ينقادون لهم ويقيمون الجمع والأعياد بإذنهأولا يرون الخروج عليهم.( شرح العقائد النسفية ).

 

فمن أردا أن يتتبع كلمات الإعلام عند غيرنا يجد أن المسألة واضحة وأنهم يتعاملون مع الإمامة على أنها أمر غير شخصي اجتهادي وإنما هوأمر كلي إلهي لا يجوز الاجتهاد الأنفرادي فيه ومن فعل فلا يعذر وإنما يستتاب وإن رفض يقتل ويعتبرون ميتته ميتة جاهلية لأنه مات بغير إمام فتبين أن هذا القول ليس بقولنا فقط وسوف يتبين لك في المستقبل أكثر وأكثر حيث صرحوا بأن مسألة الإمامة مسألة إلهية التعيين وهو المصرح به عند الشيعة.

 


 

المخالف : ما هو دليلكم من الكتاب إن كان هناك دليل ؟.

 

الموالي : أقول لدينا أدله متعددة وللاختصار نأخذ بعضاًً منها :

 

الآية الأولى : قوله تعالى : وإذ قال : ربك للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال : إني أعلم مالاً تعلمون - ( البقرة : 30 ) ، والمستفاد من هذه مجموعة أمور هي :

 

الأمر الأول : أن الجعل من الله ومن مختصاته سبحانه وتعالى ومن شئونه حيث قال : سبحانه وتعالى : إني جاعل فنسب الجعل إليه سبحانه وتعالى وذلك لعلمه بالمصالح والمفاسد التي لا يدركها المخلوق وليس الإنسان ومن هنا نجد الرد منه سبحانه وتعالى على الملائكة إني أعلم ما لا تعلمون وعليه فأي إختيار من غير الله ومن دون الله يعتبر إختيار غير صحيح لعدم إدراك المخلوقين لخفايا الأمور.

 

الأمر الثاني : أن الجعل هذا مستمر على طول المسيرة وفي كل الأزمنة من آدم إلى يوم القيامة أستفيد هذا القول عقلاًً ولغة.

 

- أما من ناحية العقل فغرض المولى من جعل آدم على نبينا و(ع) لم يكن غرض محدود بفترة زمنية محددة وإنما غرضه سبحانه وتعالى : إن يجعل في الأرض خليفة ولا تخلوا الأرض من خليفة له طوال الفترة الزمنية الممتدة من آدم إلى يوم القيامة وآدم هو فرد من هذه الخلافة الطويلة فلو قلنا أنه مخصوصة بآدم الذي تواجد في فترة قصيرة وقصيرة جداًً من عمر الإنسانية فإنه لا يتحقق الهدف المراد، ولأجل تحقق الهدف فلابد من القول بإستمرار تواجد الخليفة المجعول والمعين من قبل المولى سبحانه وتعالى

 

- وأما لغوياً فلقد ذكر السيد الأستاذ الحيدري في كتابه ( مدخل إلى الإمامه ص 24 ) حيث قال : ما نصه أن هذا الخليفة أرضي ، وهو موجود في كل زمان ، والدال على ذلك قوله ( جاعل ) لأن الجملة الاسمية ، وكون الخبر على صيغة ( فاعل ) التي بمنزلة الفعل المضارع ، تفيد الدوام والإستمرار ، مضافاً إلى أن الجعل في اللغة ، كما يقول الراغب في المفردات ، له استعمالات متعددة ومنها تصيير الشيء على حالة دون حالة  ( المفردات في غريب القرآن ص 94 مادة جعل ).

 

- وهذا ما أكده جمله من المفسرين ، ( كالرازي في التفسير الكبير ج 2 ص 165 ) ، ( والآلوسي في روح المعاني ج1 ص 220 ) وعندما يقارن هذا الجعل بما يناظره من الموارد في القرآن الكريم نجد أنه يفيد معنى السنة الإلهية كقوله تعالى ( جعل لكم مما خلق ظلالاً ) - ( النحل / 81 ) و ( وجعل القمر فيهن نوراً ) - ( نوح / 16 ) ، ونحوها إنتهى كلامه دام ظله.

 

الأمر الثالث : الذي يستفاد من الآية أن هذا الخليفة من جنس الإنسان لكي يكون قدوة وأسوة لغيره لأنه لو كان من جنس آخر لما صلح لذلك ولسوف يحتج المخالف من البشر بأني لا أستطيع أن أقوم بما يقوم به هذا الخليفة للاختلاف بيننا في القدرات فمن هنا كان هذا الخليفة من صنف سنخ البشرية.

 

الأمر الرابع : المستفاد من الآية أن هذا الخليفة يتمتع بالصفتين اللتين ذكرتهما في بداية البحث إلاّ وهما العلمية والعصمة وذلك مستفاد من قوله تعالى ( وعلم آدم الأسماء كلها ) - ( البقرة / 31 ) ، وقوله تعالى ( يا آدم أنبئهم بأسمائهم ) - ( البقرة / 33 ) فمن هنا ثبت للملائكة أن هذا المخلوق يفضلهم بالعلم والواقعي وأنهم لا يصلون إلى مستواه وإدراكاته.

 

- ونستفيد العصمة من قوله تعالى : ( قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) - ( البقرة / 30 ) فإذا كان خوف الملائكة من الإفساد في الأرض ، والإفساد لا يكون إلاّ من الظلمة ولذلك قالوا : للمولى سبحانه وتعالى ( ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ) - ( البقرة / 30 ) ، أي أننا لو كنا نحن في هذا المنصب لن يحدث الفساد لأننا من الصالحين فكان الجواب منه سبحانه وتعالى لهم ( أني أعلم مالاً تعلمون ) - ( البقرة / 30 )  بتقدير أي تخافوا من هذا الأمر فأنا :أعلم بمن إجعله في هذا المنصب وأنه في أعلى درجات الإيمان.

 

الآية الثانية : قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرآهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قال :َ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً قال :َ وَمِن ذُرِيَّتِي قال :َ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّألمِينَ )

( البقرة / 124 ) ، فإننا نجد النقاط التي ذكرتها في الآية السابقة تتكرر هنا فنجد أن الجعل من الله سبحانه وتعالى فهوالذي جعل آدم (ع) وبقية الرسل والأنبياء وهو الذي جعل إبراهيم (ع) ولنفس الأسباب التي ذكرتها حول آدم (ع) وأننا نجد الإستمرار هنا أيضاًً بقوله سبحانه وتعالى ( إني جاعلك ) - ( البقرة / 124 ) حيث أن هذه الجملة تفيد الإستمرار ، وتتأكد هنا بدعاء إبراهيم (ع) حيث قال : ( ومن ذريتي ) -

( البقرة / 124 ) فلوأنه لم يعلأولم يعرف بإستمرارية النبوة والإمامة في الأرض لما طلب ذلك من الله.

 

- ونعلم أيضاًً بأن الله وعد باستجابة الدعاء من المؤمنين فلابد أنه إستجاب دعوة إبراهيم (ع) ولكن بقيد عدم إعطاء الإمامة للظلمة من ذريته وهنا يبرز شرط العصمة بوضوح تام، وعلى هذا يثبت لنا أن الجعل لا يكون من الناس وإنما يكون منه وحده سبحانه وتعالى.

 


 

المخالف : ولكن هذا الكلام يوقعكم في أشكال كبير وحاصله إنكم إذا تمسكتم بآيات الجعل هنا فإننا نجد آيات بهذا المعنى ولكن الجعل يختلف هنا لأن المجعول هوإماما ليس للمؤمنين وإنما أئمة يدعون إلى النار ؟. مثال على ذلك هذه الآيات : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون ) - ( القصص / 41 ).

 

الموالي : فأقول في الجواب على هذه المسألة يجب علينا أن نرجع للوراء نوعاً ما لنسأل هذا السؤال هل نجوّز الظلم على الله سبحانه وتعالى قطعاًً سوف يكون الجواب بالنفي أي بنفي الظلم عنه سبحانه وتعالى وإثبات العدل إليه جل وعلا وعلى هذا الجواب ، نسأل سؤال آخر وهو أن التعيين لمنصب النبوة والإمامة والخلافة من الله سبحانه وتعالى هل هذا التعيين بالاستحقاق أو بغير استحقاق.

 

وبمعنى أدق إن الذين أختارهم الله لهذه المهام هل أنهم يستحقون هذه المناصب أم لا فقطعاً الجواب سوف يكون نعم أنهأنالوا ذلك بالاستحقاق حيث أنهم ترفعوا ، عن حطام الدنيا وارتبطوا بالله. ذلك الارتباط الخاص الوثيق فكان حقهم وجزاءهم الطبيعي أن يجعلهم في هذه المواقع وإلاّ للزم الظلم عليه وهو مستحيل وكذلك في أئمة الظلال والظلم والجور فهم إختاروا واستحقوا هذا الموقع حيث أنهم إختاروا بإرادتهم السيئة هذا الطريق إلاّ وهو البعد ، عن الله سبحانه وتعالى وسنوا الظلم والجور في البلاد والعباد فجعلهم الله في هذا الموقع الاستحقاقي الذي اختاروه هم.

 

مع ملاحظة : أن هناك في إختلاف في الجعلين وبين الجعلين حيث أن الجعل الأول هو جعل للأفراد من قبل ، فالله جعل هذا الفرد ممثلاًً له وخليفة عنه لقيادة العباد إلى الله وإلى السعادة وأما الجعل في أئمة الجور وأنهم أئمة لقيادة الناس إلى النار فإن المراد أن الله جعل مبدأ أولائك الأشخاص الظلمة طريق وسبب للدخول إلى النار وعليه فإن هؤلاء الظلمة أصبحوا قادة بهذا المبدأ الذي سنوه يقودون الناس به إلى الجحيم مع ترك الاختيار للبشرية في إختيار أي المبدأين مبدأ الخير الذي يدعوا إليه أهل الإصلاح ويوصل إلى الجنة والمبدأ الثاني مبدأ الشر الذي يدعوا إليه أهل الجور والظلم والفساد.

 

الآية الثالثة : قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فأن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، ذلك خير وأحسن تأويلا ) - ( النساء / 59 ).

 

فهذه الآية القرآنية الكريمة حسمت موضوع القيادة حيث جعلت الحاكمية بعيد ، عن الاختيار وأنه أمر لا يتعلق بالبشر وإنما هوأمر يتعلق بالمولى سبحانه وتعالى فهو الآمر وهذا الأمر لا يتعلق بمجموعة دون أخرى ، وإنما هوأمر عام مفروض على كل مؤمن وعلى مجموع الأمة ، وأن هذه الطاعة المفروضة طاعة مطلقة لا تختص بجهة دنيوية وإنما الأساس فيها الحاكمية والمرجعية الدينية حيث قال : سبحانه وتعالى : ( فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) - ( النساء / 59 ) ، فإننا نجد أن الله يربط الأمر المختلف فيه أمر له علاقة بالإيمان ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) - ( النساء / 59 ) ، فعدم الرد إلى الله والرسول وأولى الأمر يعتبر نقضاً للإيمان ، فإذا عدم الرد يعتبر خلل في العقيدة وفي الطاعة فلابد وأن يكون الإتباع والأنصياع لله وللرسول وأولي الأمر أكبر من مسألة فروع و إجتهاد.

 

حيث أننا نجد في آية أخرى أن أمر الرجوع للرسول (ص) ولأولى الأمر حيث يقول : سبحانه وتعالى : ( وإذ جاءهم أمر من إلا من أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهأولولا فضل الله عليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان إلاّ قليلاً ) - ( النساء / 83 ) ، فتبين لنا أن الإرجاع في كلا الآيتين هوإلى الرسول وإلى أولى الأمر وهذا يستبطن الإعتقاد بأن زمن أولى الأمر غير زمان الرسول ، وإلاّ ففي زمن الرسول فالرد إلى الرسول ولا يرد إلى غيره مهما كان. وعلى هذا فإنناسوف نستكشف من هاتين الآيتين ثلاث نقاط أي أن أولى الأمر يتمتعون بصفات ثلاث هي كما يلي :

 

الصفة الأولى : العصمة : حيث أنه طلب منا الطاعة المطلقة وعدم جواز المخالفة وهذا الأمر لا يتم إبدأًً إلاّ إذا قلنا بعصمة أولى الأمر وألا لو لم نقل بعصمتهم وقلنا بجواز المعصية عليهم فسوف تصبح الأمة بين خيارين لا ثالث لهما وهما : الطاعة أو المعصية.

 

وبمعنى أوضح أما إن نعصيهم وأإما إن نطيعهأولكن كلا هذين الخيارين قد نهانا الشارع عنهما لأن المخالفة لهم أمر يخالف الطاعة المطلقة حيث أننا أمرنا بطاعتهم طاعة مطلقة غير مقيدة بأي قيد كان فلا تجوز إذاً المخالفة وقد نهينا أيضاًً ، عن الركون للظلمة وعدم طاعة العاصي وعدم طاعة المكذب ولا المسرفين حيث قال : سبحانه وتعالى ( ولا تطع من أغفلنا قلبه ) - ( الكهف / 28 ) ، ( فلا تطع المكذبين ) - ( القلم / 8 ) ، ( ولا تطع منهم أثماً أو كفورا ) - ( الإنسان / 24 ) ، ( ولا تطع أمر المسرفين الذين يفسدون ولا يصلحون ) - ( الشعراء / 151 ، 152 ) ، ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ) - ( هود / 113 ) ، فلابد من القول بالعصمة ولا مجال لغير ذلك على الإطلاق وسوف يأتي مزيد من التفصيل عند الكلام حول العصمة.

 

الصفة الثانية : العالمية : أي كونهم علماء عارفين بالمسائل معرفة تامة ولأجل ذلك أمرناسبحانه وتعالى بالرجوع إليهم في ما نختلف فيه من المسائل مطلقاًًً أي في جميع الأمور وتكفل هو سبحانه وتعالى : إن أولي الأمر المذكورين سوف يبينون لكم ما إختلفتم فيه فلوأنهم جهال وغير ملمين بالعلوم كلها لما تم هذا الإرجاع المطلق إليهم.

 

الصفة الثالثة : الإستمرارية : من هذه الآيات يتضح الإستمرار لهؤلاء الأشخاص الذين هم أولى الأمر لأن الخطاب في كلا الآيتين غير مخصص بزمان وبأقوام وإنما هوأمر مطلق من عهد النبي (ص) إلى يوم القيامة فلو أننا نحن في هذا الزمان اختلفنا في شئ فالخطاب متوجه إلينا أن نرده إلى أولى الأمر لكي يبينوا لنا الأمر المختلف فيه وهذا يقتضي وجودهم في كل زمان ومكان لكي يتسنى للأمة من الرجوع إليهم وهذا ما سوف يتبين بوضوح تام عندما نتكلم ، عن الأخبار والروايات إنشاء الله تعالى.

 


 

المخالف : وهل هناك من دليل من السنة المطهرة ؟.

 

الموالي : نعم فلعل من أوضح الواضحات في المقام حديث الثقلين ، هذا الحديث المبارك وسوف أعود وإستدل بهذا الحديث أيضاًً مرة ثانية عندما أتكلم ، عن النص على الإمامة وفي من هي وسوف أطرحه هنا بشكل وبثوب وأطرحه هناك بثوب آخر مغاير.

 


 

المخالف : ما هو هذا الحديث ؟.

 

الموالي : ما عليك عزيزي إلاّ الأنتقاللهذا الرابط ستجد مصادر مستفيضة مروية ، عن طريق أهل السنة والجماعة.

 

الرابط :

http://www.radood.net/AhlAlBait/6Thqlain/Main3.htm

http://www.radod.net/AhlAlBait/6Thqlain/Main3.htm

 


 

المخالف : سؤال من فضلك : ما هو السؤال ؟ السؤال هو قبل البحث ، عن الاستدلال أقول على فرض صحة هذا الخبر فإنه يكون معارض لحديث آخر مفاده أن الرسول (ص) قال : إني مخلف فيكم الثقلين ، كتاب الله وسنتي. فما هو الجواب ؟.

 

الموالي : أقول : أولاًًً : إنه لا مجال هنا أن تقول على فرض صحة الخبر الأول الكتاب والعترة لأني بينت لك مصادره ومن صححه من العلماء وقبل الحكم بالمعارضة ينبغي علينا البحث في حديث كتاب الله وسنتي من الناحية السندية ومن ثم البحث في الدلالة ومن ثم المعارضة إن وجدت

 

- أما رواة الحديث فقد أخرجه جماعه من علماء إخوتنا أبناء المذاهب الأخرى ولكن بعد المتابعة والتدقيق تبين ضعف الطرق المذكورة وهى ثلاثة طرق وقد أغنانا السقاف ، عن المشكلة حيث أنه جزاه الله خيراًًً قام بمهمة البحث السندي.

 

- وها أنا ذا أثبته من كتاب ( وركبت السفينة لمروان خليفات ) الحديث تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا إبدأًً كتاب الله وسنتي غير صحيح نعم هو مشهور بين العامة ويكرره خطباء المساجد في خطبهأولكن هذا لا يعني صحته فرب مشهور لا أصل له وعلماء أهل السنة أنفسهم يطعنون به.

         

- وإذا نظرنا إلى متن الحديث وجدناه لا يستقيم ، فكيف يقول الرسول (ص) تركت فيكم.... كتاب الله وسنتي والسنة غير مجموعة ؟! وإذا قال النبي (ص) هذا فيستلزم حفظ السنة من الضياع كما هو حال القرآن ، ولكننا وجدنا أن الكثير من السنة اندرس وفي هذا خير دليل على أن النبي (ص) لم يقل الحديث السابق.. ونحن نترك الكلام لاثنين من علماء أهل السنة ، لنرى قيمة الحديث العلمية فلا عليك إلاّ الأنتقاللهذا الرابط : لترى سبب ضعف وسقوط حديث كتاب الله وسنتي.

 

الرابط:

http://www.radood.net/SRB/1Bhooth/2Wsunnaty.htm

http://www.radod.net/SRB/1Bhooth/2Wsunnaty.htm

 

- وبعد هذا التحقيق العلمي الرصين تبين أنه لا مقايسة بين الحديثين كتاب الله وعترتي وكتاب الله وسنتي وعلى هذا فلا مجال للمقارنة بين الحديثين على الإطلاق فأحدهما صحيح متواتر والآخر ضعيف مسروق ، ولكن على فرض التنزل نبحث في المتن ومفردات الحديث حيث أننا نجد في الحديث الأول الكتاب والعترة فالكتاب واضح والعترة أيضاًً كذلك وفي الحديث الثاني الكتاب والسنة فالكتاب واضح ولكن ما هى السنة ؟.

 

هل المقصود منها السنة الصادرة من النبي (ص) أم الواصلة حتى نتمسك بها كما أمرنا بذلك فإن قلت المراد السنة الصادرة فهى واضحة ولكن الطريق الموصل إليها ما هو هل هو طريق أهل البيت أو الأزواج أو الصحابة فتصبح المسألة خلافية فلا يمكن التمسك بشيء والوصول إليه ما لم نشخص الطريق الموصل إليه وإن قلنا بأن المراد من السنة هي السنة الواصلة إلينا فالخلاف هنا أكبر من الأول لأن المذاهب المعترف بها في زماننا هذا ما يقارب ثمانية مذاهب وكل مذهب له سنة يرجع إليها فبأي سنة نتمسك يا ترى ، ثم أننا نجد أن هناك مفرده من مفردات اللفظ تقول لن يفترقا ماذا يقصد بهذه الكلمة أليس معناه بأن الكتاب معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكذلك ينبغي أن تكون السنة وإلاّ لثبت الافتراق بينهما  ، بما إنه من المتفق عليه : أن كم غفير من السنة مكذوب فيه على رسول الله (ص) كما إن هناك افتراق آخر حيث نجد أن السنة تخالف الكتاب في بعض والكتاب يخالف السنة ففي هذه الحالة نأخذ بأي واحد منهما وعلى كلا الفرضين نكون قد تخلينا ، عن أحدهما أما ، عن الكتاب وأما ، عن السنة.

 

- وأما من ناحية الدلالة فما هو المراد أليس التمسك والإتباع فعلمنا في ما سبق أن السنة المراد التمسك بها غير واضح المراد منها ولكن هناك أشكال آخر مفاده أنَّ الكتاب صامت والسنة صامتة فالكتاب والسنة يحتاج إلى من يفسرهما فمن هو المفسر لهما ، لأن العمل والإتباع متوقف علي معرفة المعنى فإذا لم يعرف المعنى المراد منه فلن يتم الإتباع فمن هو المبين ؟ وهذا الأشكال لا يرد على الحديث وعترتي لأن العترة بشر لهم قدرة على البيان ومع كل ما تقدم من الأشكالات أقول أنه لا تعارض بينهما من ناحية الدلالة والمراد وإن كان هناك تعارض من ناحية الصدور ( أيهما الصادر من النبي (ص) ) تقول : كيف ذلك ؟!.

         

أقول : لقد ثبت حديث الكتاب والعترة وقد ثبت ، عن النبي (ص) قوله عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي وثبت بالدليل الصحيح القطعي أنّ خلفاء النبي (ص) هم إثنى عشر خليفة كما في البخاري ومسلم وسوف يأتي مزيد بيان حول الموضوع عند الكلام ، عن النص

على الإمامة وقد ثبت لدينا بأن الرسول (ص) قد أرجعنا إلى أهل البيت لأخذ العلم منهم وبالخصوص أمير المؤمنين (ع) فهذه بعض أقوال الرسول (ص) :

 

- قال رسول الله (ص) : إنا مدينة الحكمة وعلي بابها المصادر ( مناقب علي بن أبي طالب لإبن المغازلي الشافعي ص 86 ) و ( حديث 128 فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ص 26 ط مصر وص 59 ط أخرى ).

 

- وقال : الرسول (ص) علي باب علمي ومبين من بعدي لأمتي ما أرسلت به حبه إيمان وبغضه نفاق المصدر ( فتح الملك العلى بصحة حديث باب مدينة العلم علي ص 18 ط الأزهر ).

 

- وقال (ص) : أنت تبين لأمتي ما إختلفوا فيه من بعدي المصادر ( ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لإبن عساكر الشافعي ج 2 ص 488 حديث 1008 و 1009 ) و ( مقتل الحسين للخوارزمي الحنفي مج1 ص 86 ) و ( المناقب للخوارزمي ص 236 ) و ( كنوز الحقائق للمناوي ص 203 ط بولاق ) و ( ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 182 ط إسلامبول ) و ( منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص33 ).

 

- وقال : أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتي الباب المصادر ( ترجمة الإمام على من تاريخ دمشق لإبن عساكر الشافعي ج2 ص 464 حديث 984 و 985 و986 و987 و988 و989 ) وما فوق ،  ( شواهد التنزيل للحسكاني الحنفي ج1 ص 334 حديث 459 ) ، ( المستدرك للحاكم ج3 ص 126 و 127 ) وصححه ، ( وأسد الغابة ج 4 ص 22 ) ، ( ومناقب علي بن أبي طالب لإبن المغازلي الشافعي ص 80 حديث 120 و121. الخ ) ، ( كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 220 و221 الطبعة الحيدرية ) ، ( المناقب للخوارزمي الحنفي ص 40 ) ، ( نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 113 ) ، ( تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 170 ) ، ( اسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص 140 ط العثمانية ) ، ( تذكرت الخواص للسبط إبن الجوزي الحنفي ص 47 و 48 ) ، ( فيض القدير للشوكاني ج3 ص 46 ) ، ( الإستيعاب بهامش الإصابة ج3 ص 38 ) ، ( الميزان للذهبي ج1 ص415 والجزء 2 ص 251 ) ، وغيرها من المصادر.

 

وعلى هذا فيكون أخذ السنة بأمر من النبي (ص) : إن نأخذها من علي بن أبي طالب (ع) فإنتهى الخلاف والتناقض بين الحديثين ، فأصبح المرجع الكتاب والعترة ، وأما علم علي بن أبي طالب فسوف يأتي البيان عنه عند الكلام ، عن فضائل الصحابة.

 


 

المخالف : ماهو وجه الاستدلال ؟.

 

الموالي : على نقاط منها :

 

النقطة الأولى : أقول من المعلوم الواضح للأمة قاطبة أن قول النبي (ص) وحي من الله تعالى بقوله تعالى : ( وما ينطق ، عن الهوى إن هو ألاّ وحي يوحى ) - ( النجم / 2 ، 3 ) ، وعلى هذا تكون أوامر التعيين هوأمر إلهي أوصله النبي (ص) للأمة والتعيين هنا لشيئين الكتاب و العترة ، فإذا ً أمر تعيين المرجعية هوأمر إلهي ليس للبشرية فيه أي إختيار وإنما يجب على البشر الأنقياد والأنصياع لهذه الأوامر الصادرة من المولى بواسطة النبي الأكرم (ص).

 

النقطة الثانية :  عصمة المرجعية المطروحة ، فأن الكتاب واضح فيه العصمة بقوله تعالى : ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ) - ( فصلت / 42 ) ، هذا دليل عصمة الكتاب فكيف تكون عصمة العترة ، أقول تثبت عصمة العترة من جهتين :

 

الأولى :  أن النبي (ص) قال : لن يفترقا وبما إنه قد ثبتت عصمة الكتاب فلابد من ثبوت عصمة العترة لأن عدم عصمتهم وثبوت المعصية لهم فهذا هو افتراق بين الإثنين وبما إنه لا افتراق فلابد من القول بالعصمة فكما إن الكتاب معصوم فكذلك العترة معصومة.

 

الثانية :  لقد أ مرنا النبي (ص) بالتمسك مطلقاًًً في جميع الأحوال وضمن لمن تمسك بهما معاًً النجاح وعدم الظلال وهذا لا يتم إلاّ إذا افترضنا لهم العصمة وإلاّ لو افترضنا إمكان المعصية عليهم فلازم ذلك تقييد الرجوع أي إرجعوا إليهم في الطاعة وأما في المعصية فلا وكذلك تقييد عدم الظلال بحالة الطاعة دون المعصية وبما إنه لم يثبت لدينا أي تقييد ثبت لنا الرجوع المطلق ومن لوازمه العصمة.

 

النقطة الثالثة : ثبوت العلمية للعترة على نحو الإطلاق وأنهم أعلم من غيرهم وإلاّ لو كان هناك من هو أعلم منهم فإنه لا يلزم عليه الرجوع لمن هو دونه في العلم فإن هذا أمر قبيح بأن يرجع العالم للجاهل وبما إنه قد ثبت لدينا الإرجاع المطلق ، أي أنه يجب على كل أفراد الأمة الرجوع للكتاب و العترة فيثبت أعلميتهم المطلقة وإنها غير متجزئة وأنهم المصدر الوحيد لعلوم النبي (ص) ولا مصدر آخر مأمون على الأحكام الإلهية.

 

- هناسؤال قبل النقطة الرابعة ؟ وهو على هذا الكلام لا يوجد مصدر للكتاب والسنة النبوية إلاّ ، عن هذا الطريق فلازم ذلك أشكالين :

 

الأشكال الأول :  أن كل الأحكام التي بيد الصحابة باطلة وكذلك السنة المتواجدة لديهم.

 

الأشكال الثاني : يلزم من حصر التلقي ، عن العترة اختفاء كم كبير من السنة لعدم تواجد الإمام علي (ع) طوال الوقت مع النبي (ص) ففي فترة غيابه تغيب الأحكام التي لم يسمعها في غيابه فما هو الحل لديكم ؟.

 

الجواب :  أقول بأن الرواية تقول إرجعوا للكتاب والسنة ولماذا نرجع يا ترى ؟.

 

الجواب لكي تأخذوا منهم أحكامكم الواقعية فإذا ثبت أن الصحابي الفلأني قد نقل لنا حكماً صحيحاًً من النبي (ص) وأن ما قاله لم يخالف خط أهل البيت ففي هذه الحالة نرجع إليه ونأخذ من عنده ، أما لو لم يثبت وثاقته أو ثبت أنه مخالف لتعاليم أهل البيت الذين ثبت لنا وجوب إتباعهم وعدم وجب إتباع غيرهم فعند ذلك نترك الرأي المخالف لهم ونتمسك بهم دون غيرهم.

 

وأما بالنسبة للأشكال الثاني والذي هو أن تواجد الإمام غير مستمر مع الرسول (ص) ولازم صدور أحكام لم يطلع عليها الإمام علي (ع) وبالنتيجة ضياعها فهذا كلام غير صحيح ، لأن الأحكام الشرعية هي مجموعة أوامر إلهية صدرت من المولي إلى الرسول (ص) وهذه الأوامر بعينها نقلها الرسول (ص) للإمام علي (ع) تقول كيف ذلك ؟ أقول لقد ثبت لك فيما مضى إرجاع الرسول (ص) الأمة إلى علي (ع) بنحو مطلق

وقد اعتبره باب مدينة علمه ولا يكون كذلك إلاّ إذا كان الإمام علي (ع) مطلع على كل علوم النبي وقد مر عليك فيما مضى من نفس البحث.

 

قد يقول لكم قائل لماذا اقتصرتم بالأخذ ، عن أهل البيت ولم تأخذوا ، عن الصحابة ؟

أقول لقد بينت لك وأزيد هنا لقد ثبت لك أننا قد أمرنا من قبل الشارع المقدس بالأخذ ، عن أهل البيت وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) بنحو خاص وأما لماذا لم نأخذ ، عن الصحابة بنحو مطلق فلأسباب منها :

 

أولاًًً : لأنهم  غيروا الأحكام الشرعية فكيف أطمئن إلى أخذ أي حكم عنهم  ، ومن أين لكم أنهم قد غيروا الأحكام الشرعية ؟.

 

- أقول لقد أخرج ( البخاري في صحيحة الجزء الأول صفحة 133 كتاب مواقيت الصلاة وفضلها باب تضييع الصلاة ، عن وقتها ): ، عن الزهري : أنه قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ ، فقال : لا أعرف شيئاًً مما أدركت إلاّ هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت.

 

- وفي رواية أخرى في نفس المصدر قال : ما أعرف شيئاًً مما كان على عهد النبي (ص) قيل الصلاة ؟ ، قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها ؟.

وراجع المصادر التالية : ( سنن الترمذي الجزء الرابع ص 633 كتاب صفة القيامة والرقائق والورع ) ، ( ومسند أحمد بن حنبل الجزء الثالث ص 101 إلى 208 ) ، ( والموطأ ص 42 ).

 

- وفي ( مسند أحمد الجزء السادس ص 443 والجزء الخامس ص 195 ) ، عن أم الدرداء أنها قالت : دخل على أبو الدرداء وهو مغضب فقلت : من أغضبك ؟ ، قال : والله لا أعرف منهم من أمر محمد (ص) شيئاًً ألا إنهم يصلون جميعاًً.

 

ولعل هنالك رواية أخرى تقول لقد أخرج ( أحمد في مسنده الجزء الثالث ص 270 ) ، ( والبغوي في شرح السنة الجزء 14 ص 394 ) ، ( والبوصيري في مختصر الإتحاف الجزء الثاني ص 307 ) ، عن أنس قال : ما أعرف فيكم اليوم شيئاًً كنت أعهده على عهد رسول الله (ص) غير قولكم لا إله إلاّ الله ، قال : فقلت : يا أبا حمزة الصلاة ؟ ، قال : قد صليت حين تغرب الشمس أفكانت تلك صلاة رسول الله (ص).

 

ثانياً : والمتبع للأخبار النبوية يكشف أكثر من تغيير الأحكام وما هو الشيء الأكثر يا ترى ؟.

 

الجواب :  أقول أسمع ما يقول عنهم النبي (ص) فلقد قال (ص) يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلون ، عن الحوض فأقول يا رب أصحابي فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك أنهم إرتدوا على أدبارهم القهقرى. راجع ( البخاري الجزء الثامن ص 150 كتاب الرقاق باب الحوض ) و ( صحيح مسلم الجزء الرابع ص 1796 كتاب الفضائل باب رقم 9 ) و ( مسند أحمد الجزء الأول ص 384 ).

 

- وقوله (ص) : إني فرطكم على الحوض من مر عليّ شرب ومن شرب لم يظمأ إبدأًُ ، ثم قال ليردن عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ، قال أبو حازم : فسمعني النعمان إبن أبي عياش فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيها : فأقول أنهم مني فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول : سحقاً لمن غير بعدي. راجع ( البخاري الجزء الثامن ص 150 ) و ( صحيح مسلم الجزء الرابع ص 1793 ).

 

- وقال في تفسير إبن كثير :  وقد روى البخاري 6611 والنسائي 7158 وغيرهما من حديث جماعة منهم يونس ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وبن أبي عتيق ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد أن رسول الله (ص) قال : ما بعث الله من نبي ولا أستخلف من خليفة إلاّ كانت له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه والمعصوم من عصم الله وقد رواه الأوزاعي ومعاوية بن سلام ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعاً المصدر ( تفسير إبن كثير ج:1 ص:399 ).

 

- وقال في صحيح البخاري : 6773 - حدثنا : أصبغ أخبرنا : بن وهب أخبرني : يونس ، عن بن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي (ص) قال : ما بعث الله من نبي ولا إستخلف من خليفة إلاّ كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه فالمعصوم من عصم الله تعالى المصدر ( صحيح البخاري ج:6 ص:2632 ).

 

- وقال في صحيح إبن حبان : 6191 -  أخبرنا : عبد الله بن محمد بن سلم ، حدثنا : عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا : الوليد ، حدثنا : الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (ص) ما من نبي إلاّ وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه ، عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا فمن وقي شرها فقد وقي المصدر ( صحيح إبن حبان ج:14 ص:70 ).

 

فبعد هذه الأقوال كيف يسوغ لي أن إرجع لمثل هؤلاء لأخذ شريعتي وديني منهم بشكل عام وسوف يأتي في المستقبل في الأعداد القادمة مجموعة من الأحكام المغيرة مع الدليل.

 

النقطة الرابعة :  الإستمرارية والدوام ، أي إستمرار وجود هذه القيادة إلى يوم القيامة تقول كيف ؟

 

أقول لك : ألم يقل النبي (ص) تمسكوا بهما وهذا خطاب للأمة من عصر النبي (ص) إلى يوم القيامة فلازم ذلك تواجد الكتاب والعترة في كل الأزمنة فلا يخل منها زمان ما من الأزمنة ولو خلا أي زمان منهما أو من أحدهما فلازم ذلك عدم توجه الخطاب لأهل ذلك الزمان ولا دليل لدينا على خروج أحد من هذا الخطاب ، هذا أولاًًً.

 

وثانياً قال (ص) : إنهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض فإذا افترضنا انفصال أوإنقطاع أهل البيت في أي فترة من الفترات فهذا هو افتراق لأحدهما ، عن الأخر بينما النبي (ص) : يقول : لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

 


 

المخالف : فهل هنالك من أقوال لبعض العلماء ؟.

 

الموالي : نعم فمثلاًً إبن حجر فقد قال : والحاصل أن الحث على التمسك بالكتاب والسنة وبالعلماء من أهل البيت ويستفاد من مجموع ذلك بقاء الأمور الثلاثة إلى قيام الساعة ، ( الصواعق المحرقة ص 180 ).

 

- وقال في موضع آخر وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم إنقطاع متأهل منهم  للتمسك به إلى يوم القيامة

كما إن الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أماناًً لأهل الأرض كما يأتي ، ويشهد لذلك الخبر السابق ( في كل خلف من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون ، عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله فإنظروا من تفدون ( الصواعق المحرقة ص 181 ).

 

- وقال : ( المناوي في كتاب فيض القدير الجزء الثالث ص 15 ) قال : الشريف هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلاًً للتمسك به من أهل البيت و العترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك بهم كما إن الكتاب كذلك ، فلذلك كانوا أماناًً لأهل الأرض ، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.

 

- و ( للمناوي في فيض القدير الجزء الثالث ص 14 ) كلمة جميلة جداًً وهى قوله : أن التمسك بأهل البيت واجب على الأمة وجوب الفرائض المؤكد التي لا عذر لأحد في تركها.

 

- وقال : ( إبن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة الجزء 18 ص 351 )  : كي لا يخلو الزمان ممن هو مهيمن لله تعالى على عباده ، ومسيطر عليهم وهذا يكاد يكون تصريح بمذهب الإمامية ألا إن أصحابنا يحملونه على أن المراد به الإبدأل.

 

- ويقول ( إبن حجر في فتح الباري في شرح صحيح البخاري الجزء الثاني ص 385 ) : وفي صلاة عيسى (ع) خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة.

 


 

المخالف : وهل هناك من أقوال وأخبار آخر ؟.

 

الموالي : عندنا مجموعة من الأخبار الصادرة من النبي (ص) والتي مفادها : أن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة ، راجع المصادر التالية : ( المعيار والموازنة ص 81 ) و ( عيون الأخبار ص 7 ) و ( تاريخ اليعقوبي الجزء الثاني ص 400 ) و ( تاريخ بغداد الجزء السادس ص 479 ) و ( فتح الباري بشرح صحيح البخاري الجزء السادس ص 270 والجزء الأول ص 274 ) و ( العقد الفريد ) وغيرها من المصادر.

 


 

المخالف : وهل هناك حديث واضح المعالم ؟

 

الموالي : أقول نعم أنه حديث من مات وليس في عنقه بيعة ، وما هو نص الحديث ؟ قول الحديث له ألفاظ متعددة منها :

 

- قوله (ص) من مات وليس في عنقه بيعة ما ت ميتة الجاهلية. المصادر ( صحيح مسلم الجزء الثالث ص 1478 كتاب الإمارة باب 13 ) و ( السنن الكبرى للبيهقي الجزء 8 ص 156 ) و ( مجمع الزوائد للهيثمي الجزء الخامس ص 218 ) و ( مشكاة المصابيح الجزء الثاني ص 1088 الحديث 3674 ) و ( سلسلة الأحاديث الصحيحة الجزء الثاني ص 715 للألباني ).

 

- ومنها قوله (ص) من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية المصادر ( مسند أحمد الجزء الرابع ص 96 ) و ( مجمع الزوائد للهيثمي الجزء 5 ص 218 ) و ( الإحسان بترتيب صحيح إبن حبان الجزء السابع ص 49 ) و ( مسند الطياليسي ص 259 ) و ( كنز العمال الجزء الأول ص 103 ) و ( كتاب السنة للألباني ص 489 حديث 1057 ) إسناده حسن ورجاله ثقة.

 

- وفي لفظ آخر قال (ص) من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية وفي آخر من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية. المصادر ( كنز العمال الجزء السادس ص 65 الحديث 14861 ) و ( كتاب السنة للشيباني ص 290 حديث 1058 ) و ( مسند أحمد الجزء الثالث ص 446 ) و ( المطالب العالية لإبن حجر العسقلاني الجزء الثاني ص 228 ).

 

فهل بعد هذا من أشكال على أصولية الإمامة وإستمراريتها وما سوف يقال : من أن إمامهم النبي محمد بن عبدالله (ص) أو أن إمامهم فهذا كلام لا يقبله حتى الأطفال لأن النبي (ص) والقرآن الكريم ليس فيهم تعدد حسب الأزمنة وإنما هما شئ واحد في كل الأزمنة بينما الإمام متغير فكل زمان له إمام غير الإمام المتقدم في الزمان الماضي وشكراً. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.

والحمدلله رب العالمين على نعمته التي أنعم بها علي ووفقني لإكمال هذا البحث.

 

أبو حسام خليفة بن عبيد الكلباني العماني

حرر بتاريخ 25 رجب 1424 الموافق 22 سبتمبر 2003 م

 

العودة لصفحة البداية

العودة لفهرس المواضيع