لا داعي لأي تغيير

   

:   

لا داعي لأي تغيير:

وبعد.. فقد نجد البعض يقترح:

أن في تمهيد الكتاب بعض الحدة، فلو أمكن تخفيفها في الطبعات التالية للكتاب؟

ونقول:

إن تمهيد الكتاب إنما هو إجابات على مقولات أطلقها البعض في سياق إقناع الناس بآرائه حول قضية الزهراء «عليها السلام».

وقد جاء الجواب عن هذه المقولات علميا واضحا وصريحا، ولم نجد ضرورة للتعمية على القارئ الكريم، بعد أن كانت هذه المقولات قد نشرت وأذيعت عبر أجهزة الإعلام. ولا نجد في هذا التمهيد أي سباب لأحد. اللهم إلا إذا كانت الحقيقة العلمية تمثل صدمة لهم، ويعتبرون الجهر بها أو الإجابة عنها سبابا وشتما.

ولماذا جاز لذلك البعض أن يعترض على كل علماء الأمة، من أول الإسلام إلى يومنا هذا ويجرح فيهم، وينال منهم؟

ثم جاز له أن يواصل اتهام العلماء المخلصين بالتخلف وبسوء الفهم، وبالعقد النفسية، وبالعمالة للمخابرات، أو الوقوع تحت تأثيرها، وبأنهم بلا دين، وما إلى ذلك مما حفل به قاموسه؟.

ولم يجز للآخرين أن يجهروا ـ جوابا على ذلك ـ بالحقيقة العلمية المبددة لكل شكوكهم وأوهامهم، وأن يوقفوهم على أخطائهم في حق هذا الدين بصورة صريحة وواضحة؟!.

أليس ذلك البعض هو الذي تحدث عن هذه الأساليب على أنها أساليب الكفار في مواجهة النبي «صلى الله عليه وآله» والمؤمنين؟ فهو يقول:

«فقد نحتاج إلى أن نتعلم من هذا الموقف: كيف نواجه الاتهامات التي تتحرك بها حرب الأعصاب التي يوجهها أعداء الله إلى العاملين في سبيله: من السخرية، والاستهزاء، والاتهامات بالرجعية، والتأخر، والتخلف، والبعد عن ركب الحضارة، ومستوى العصر، إلى غير ذلك من الكلمات غير المسؤولة التي تتمثل بتهمة العمالة للأجنبي، أو السير في ركابه، مما يراد منه تحطيم أعصابنا لننسحب من خط العمل، ونترك الدعوة إلى الله..»([1]).

ويقول أيضاً:

«إننا نجد إلى جانب المفردات الدينية من كفر وزندقة وهرطقة كلمات كالرجعية والخيانة، والعمالة، والسقوط، وما إلى ذلك، مما جعلنا نستهلك جماع القاموس المتوافر حتى أصبحنا نفزع إلى قاموس المفردات الأجنبية من إنكليزية وفرنسية ككلمة نازي، فاشي، توتاليتاري، وما أشبه ذلك. لذلك بت أتصور أن الحدة التي يعيشها الإنسان الديني المسلم في الشرق، هي الحدة نفسها التي يعيشها الإنسان العلماني في هذا الشرق، لا سيما ما يتصل بالمفردات التي تدور حول موضوعات عامة كالتقدمية والرجعية أو الكلمات التي تدور حول المسائل السياسية المباشرة.

من خلال ذلك نفهم أن هذه الظاهرة ليست ظاهرة دينية محضة بما هو المضمون الديني في العمق، وإن كان له دور في ذلك، ولكنها ظاهرة تتصل بالحالة الانفعالية الشرقية التي استطاعت الماركسية أن تزيدها عمقا، من خلال الأسلوب الماركسي في مواجهة الفكر المضاد أو الإنسان المضاد.

وإنني أزعم بأن الإسلاميين عندما لجأوا إلى بعض الأساليب الحادة فإنهم كانوا في المسألة السياسية، يختزنون الأسلوب الماركسي في ممارستهم للإسلام»([2]).

وبعدما تقدم نقول:

إننا لا ندري كيف جاءت هذه الكلمات لتجعلنا أمام سؤال حرج، عن وجه الحكمة في أن يمارس بعض المؤمنين ضد بعضهم، الأساليب التي يمارسها أعداء الله ضد المؤمنين؟!

وقبل أن أختم كلامي هنا، فإنني أذكر القارئ الكريم بأمور ثلاثة:

الأول: أنني أعده بأن يشهد من جديد هجمة شرسة علينا فيها الكثير من الشتائم، والاتهامات، وإثارة الأجواء وتعبئة النفوس ضدنا بحجة أن ثمة تجريحاً بشخص فلان من الناس، وبحجة أن الطرح لم يكن علمياً ولا موضوعياً.

الثاني: ستجدهم يتمسكون بأمور صغيرة وجانبية للتعمية على الموضوعات الحساسة والهامة وتمييع القضايا.

الثالث: أنهم سيعتبرون هذا الدفاع المشروع عن الحق والحقيقة إثارة للفتنة من جانب واحد، علما بأننا لم نتعرض إلى مقولاته الكثيرة في مختلف قضايا الدين والإيمان وهي حساسة وخطيرة كما المحنا إليه. ولسوف لن يتذكروا الإثارات المتتابعة وبمزيد من الإصرار من قبله والتحدي لعلماء الأمة ومراجعها لتلك القضايا الحساسة والهامة. التي أشرنا إليها أكثر من مرة، وإن غدا لناضره لقريب.

عصمنا الله من الزلل في الفكر والقول والعمل.

نسأل الله سبحانه أن يجمعنا على الخير والهدى والصلاح وهو حسبنا ونعم الوكيل.

27 ربيع الثاني 1418 ه‍. الموافق 31 آب 1997 م.

جعفر مرتضى العاملي

مأساة الزهراء شبهات.. وردود

 

الجزء الأول

سماحة العلامة المحقق

السيد جعفر مرتضى العاملي


 

([1]) رسالة التآخي: رقم 1 من دروس السيرة النبوية. في ذكر المولد: ص22 و 23.

([2]) المرشد: العددان 3 ـ 4 ص198 و 199.

 
   
 
 

موقع الميزان