هل للمحيط والبيئة تأثير في العصمة؟!

   

:   

هل للمحيط والبيئة تأثير في العصمة؟!:

وأما بالنسبة لما قيل عن تأثير البيئة والمحيط الإيماني في شخصية الزهراء «عليها السلام»، فإننا نقول فيه:

إن الزهراء النور التي خلقت من ثمر الجنة، وكانت تحدث أمها وهي في بطنها، قبل أن تولد. هي خيرة الله سبحانه، قد اصطفاها لتكون المعصومة([1]) الطاهرة، والصفوة الزاكية، قبل دخولها في هذه البيئة التي يتحدث البعض عنها على أنها هي السبب الرئيسي في ما للزهراء من مقامات وكرامات. وحديثه هذا يستبطن: أن الزهراء نفسها «عليها السلام» لو عاشت في بيئة أخرى ليست بيئة صلاح وخير وإيمان، فلسوف تطبعها بطابعها الخاص، فتكون المرأة الشريرة والمنحرفة، والعياذ بالله!! فهل هذا مقبول أو معقول؟!..

إننا نصر على أن المحيط الذي عاشت فيه الزهراء «عليها السلام»، لم يكن هو محض السبب في وصول الزهراء إلى مقام الكرامة والزلفى، ولا كان هو الذي صاغ وبلور شخصيتها الايمانية، وحقق عصمتها، وكمالها الإنساني، بل إن فطرتها السليمة، وروحها الصافية، وعقلها الراجح، وتوازنها في خصائصها وكمالاتها الإنسانية، ثم رعاية الله سبحانه لها، ومزيد لطفه بها، وتسديده وتوفيقه، وسعيها باختيارها إلى الحصول على المزيد من الخلوص والصفاء، والطهر، والوصول إلى درجات القرب والرضا، إن ذلك كله هو الذي أنتج شخصية الزهراء المعصومة والمطهرة.

فالعصمة لا تعني العجز عن فعل شيء، وإنما تعني القدرة والمعرفة، والاختيار الصالح، والإرادة القوية الفاعلة مع العقل الكبير، واللطف والرعاية والتسديد الإلهي. أما كبر السن أو صغره، أو مقدار النمو الجسدي، فليس هو المعيار في صفاء الروح، أو كمال الملكات، والخصال الإنسانية، ولا في فعلية التعقل، أو قوة العقل والإدراك، ولا في سعة المعرفة، واستحقاق منازل الكرامة، فقد آتى الله يحيى «عليه السلام» الحكم صبيا، كما أن عيسى «عليه السلام» قد تكلم في المهد:

﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا([2]).

ولم تكن الزهراء «عليها السلام» في أي وقت من الأوقات بعقلية طفل، ولا بمستوى ملكات وإدراكات وطموحات وليد.

وقد تكلم علي، والزهراء «عليهما السلام» حين ولادتهما، وحدثت الزهراء أمها قبل أن تولد.

وقد ذكرت لنا الروايات وكتب التاريخ وغيرها من مصادر الفريقين كثيراً من هذا وأمثاله مما يتعلق بأهل البيت «عليهم السلام». مما يدل على هذه الحقيقة فيهم وفيما «صلوات الله وسلامه عليهم وعليها»، وعلى شيعتها ومحبيها إلى يوم الدين.


 

([1]) العصمة في الأنبياء والأوصياء ثابتة بدليل العقل، لاقتضاء مقام النبوة والإمامة لها. ويؤيدها النقل، وقد يتعرض النقل أيضاً لبيان حدودها وآفاقها، وغير ذلك من خصوصيات.. أما عصمة الزهراء «عليها السلام»، فهي ثابتة بالنقل الصحيح الثابت عن الرسول «صلى الله عليه وآله»، وبنص القرآن الكريم، وهي من ضروريات المذهب وثوابته. وبديهي أن لا تعرف العصمة إلا بالنقل، لأن الأوامر والزواجر الإلهية لا تنحصر بأعمال الجوارح الظاهرية، بل تتعداها إلى القلب والنفس والروح، وإلى صياغة مواصفات الإنسان، ومشاعره وأحاسيسه، مثل الشجاعة والكرم والحسد، والحب والبغض، والإيمان والنفاق، والنوايا وغير ذلك مما لا سبيل لنا للاطلاع عليه بغير النقل عن المعصوم.

([2]) الآيات 20 ـ 22 من سورة مريم.

 
   
 
 

موقع الميزان