7 ـ السيد ابن طاووس (ت 664هـ):
ويحتج العالم العابد الزاهد صاحب الكرامات الباهرة
السيد رضي الدين علي بن طاووس على أهل المذاهب الأخرى بما جرى على
الزهراء «عليها السلام»، ويروي لهم رواياتهم التي أثبتوها في مصادرهم ـ
حسبما أشرنا إليه في مواضعه ـ فكان مما ألزمهم به قوله:
«وقد تقدم ذكر بعض ذلك من صحاحهم عند ذكر تأخرهم مع علي
«عليه السلام» عن بيعة أبي بكر، وعند ذكر اجتماعهم، لما أراد أبو بكر
وعمر تحريق علي والعباس بالنار»([1]).
ويقول:
«ومن طرائف الأحاديث المذكورة ما ذكره الطبري، والواقدي،
وصاحب الغرر المقدم ذكرهم من القصد إلى بيت فاطمة، وعلي، والحسن
والحسين «عليهم السلام» بالاحراق. أين هذه الأفعال المنكرة من تلك
الوصايا المتكررة من نبيهم محمد «صلى الله عليه وآله»..»([2]).
إلى أن قال:
ومن أطرف الطرائف قصدهم لإحراق علي والعباس بالنار في
قوله:
«فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهما، وقد كان في
البيت فاطمة».
وفي رواية أخرى:
أنه كان معهم في البيت الزبير، والحسن، والحسين «عليهما السلام»،
وجماعة من بني هاشم، لأجل تأخرهم عن بيعة أبي بكر، وطعنهم فيها.
أما ينظر أهل العقول الصحيحة من المسلمين: أن محمدا
«صلى الله عليه وآله» كان أفضل الخلائق عندهم، ونبوته أهم النبوات،
ومبايعته أوجب المبايعات. ومع هذا فإنه بعث إلى قوم يعبدون الأصنام
والأحجار، وغيرهم من أصناف الملحدين والكفار، وما سمعناه أنه استحل،
ولا استجاز، ولا رضي أن يأمر بإحراق من تأخر عن نبوته وبيعته.
فكيف بلغت العداوة لأهل بيته والحسد لهم، والاهمال
لوصيته بهم إلى أن يواجهوا ويتهددوا أن يحرقوا بالنار؟!
وقد شهدت العقول أن بيعته كانت على هذه الصفات، وأن
إكراه الناس عليها بخلاف الشرائع والنبوات، والعادات».
ثم يذكر رواية ابن مسعود قال:
«كنا مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» فمررنا بقرية
نمل، فأحرقت، فقال النبي: لا ينبغي لبشر أن يعذب بعذاب الله تعالى.
«قال عبد المحمود»: وكيف كان أهل بيت النبوة أهون من
النمل؟!
وكيف ذكروا: أنهم يعذبونهم بعذاب الله تعالى من الحريق
بالنار؟! والله، إن هذه الأمور من أعظم عجائب الدهور»([3]).
وقال «رحمه الله»: «..فأما علي «عليه السلام»، فقد عرفت
ما جرى عليه من الدفع عن خلافته ومنزلته. وما بلغوا إليه من القصد
لإحراقه بالنار، وكسر حرمته»([4]).
وقال السيد ابن طاووس أيضاً:
«أقول: وما كفاه ذلك حتى بعث عمر إلى باب أبيك علي وأمك
فاطمة وعندهما العباس وجماعة من بني هاشم، وهم مشغولون بموت جدك محمد
«صلى الله عليه وآله» والمأتم، فأمر أن يحرقوا بالنار إن لم يخرجوا
للبيعة على ما ذكره صاحب كتاب العقد في الجزء الرابع منه وجماعة ممن لا
يتهم في روايتهم. وهو شيء لم يبلغه إليه أحد فيما أعلم قبله ولا بعده
من الأنبياء والأوصياء، ولا الملوك المعروفين بالقسوة والجفاء، ولا
ملوك الكفار، أنهم بعثوا من يحرقوا الذين تأخروا عن بيعتهم بحريق
النار، مضافا إلى تهديد القتل والضرب.
أقول:
ولا بلغنا أن أحدا من الملوك كان لهم نبي أو ملك، كان لهم سلطان قد
أغناهم بعد الفقر وخلصهم من الذل والضر، ودلهم على سعادة الدنيا
والآخرة، وفتح عليهم بنبوته بلاد الجبابرة، ثم مات وخلف فيهم بنتا
واحدة من ظهره، وقال لهم: «إنها سيدة نساء العالمين» وطفلين معها منها
لهما دون سبع سنين أو قريب من ذلك، فتكون مجازات ذلك النبي أو الملك من
رعيته أنهم ينفدون نارا ليحرقوا ولديه، ونفس ابنته، وهما في مقام روحه
ومهجته»([5]).
وقال أيضا وهو يحتج على الآخرين:
«وذكر الواقدي: أن عمر جاء إلى علي في عصابة منهم أسيد
بن الحصين (الصحيح: حضير)، وسلمة بن سلامة الأشهلي، فقال: أخرجوا، أو
لنحرقنها عليكم..»([6]).
([3])
الطرائف: ص 245 و 246.
([5])
كشف المحجة: ص 120 و 121.
([6])
الطرائف: ص 238 و 239 وإحقاق الحق للتستري: ج 2 ص 370.
|