هل مات المحسن صغيراً؟!

   

صفحة :   

هل مات المحسن صغيراً؟!:

إن من الواضح: أن موضوع قتل المحسن سيحرج علماء وأعلام طائفة عظيمة من المسلمين تدين بالولاء لأولئك الذين كان لهم دور في ما جرى على الزهراء.

نعم سيحرجهم ذلك مع أتباعهم ومؤيديهم أولا وسيحرجهم ـ ثانيا ـ في مجالات الحجاج والاستدلال مع غيرهم.

فكان لا بد من أن يجدوا حلا لهذه المعضلة التي تواجههم.

فحاول بعضهم إنكار وجود المحسن من الأساس، قال عمر أبو النصر:

«اختلف المؤرخون في وجوده كما قدمنا ـ وإن كان اليعقوبي والمسعودي وغيرهما يؤكدون وجوده»([1]).

ثم يقول: «ينكر بعض المؤرخين وجود المحسن. ولكن غيرهم يثبته، كالمسعودي وأبو الفداء([2]). وقد تجد لذلك تلميحات قليلة ونادرة أخرى، لسنا في مجال ملاحقتها.

وحيث أن هذا الإنكار يعتبر مجازفة خطيرة، ولا يجد مبررات تكفي للاصرار عليه، كما أنه لا مجال لإنكار الهجوم على بيت الزهراء، ثم إخراج علي أمير المؤمنين من ذلك البيت بالعنف. لذا، فقد اتجهت الأنظار إلى محاولات من نوع آخر تهدف إلى إبعاد شبح العنف أو وسائله عن أن تنالها ذهنية الناس العاديين.

وكان من مفردات هذا الاتجاه سكوت فريق من الناس عن ذكر المحسن، مع إمكان الاعتذار عن هذا السكوت بأنه إنما يتصدى للحديث عمن عاش من أبناء علي وفاطمة «عليها السلام».

ولكن ذلك كله لما لم يكن كافيا في تحقيق النتائج المرجوة.

فإن وجود محسن في جملة أولاد الزهراء «عليها السلام»، كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار. وليس من السهل تجاهله، أو إنكاره، فقد لجأ البعض إلى إبعاد الشبهة عن أولئك الذين تسببوا في قتل هذا الجنين المظلوم. وتجرؤا على سيدة نساء العالمين. ولكن بطريقة ذكية، تحمل في طياتها إنكاراً مبطناً، وإبطالاً لمقولة حصول الإسقاط، من حيث نفي موضوعه.

فادعوا: أن محسنا قد ولد في عهد النبي «صلى الله عليه وآله»، فسماه النبي «صلى الله عليه وآله» «محسناً».

ويذكرون في كيفية ذلك ما من شأنه أن يلحق الاهانة بعلي «عليه السلام» حيث تظهر الرواية: إصرار علي «عليه السلام» ثلاث مرات على أن يسمي

المولود حربا، وإصرار الرسول «صلى الله عليه وآله» على خلافه..

حيث يراد الايحاء بأن علياً «عليه السلام» كان يعيش خلقية الرجل المحارب، فلا يفكر بما سوى ذلك. وتكون نتيجة ذلك بصورة ظاهرها العفوية هي أنه «عليه السلام» كان يقتل الناس في الحروب، لأن لديه شهوة قتل الناس.

فلم تكن القضية إذن، قضية تضحية، وفداء، واندفاع ديني، من منطق الاحساس بالتكليف الشرعي الإلهي، فحقد الناس على علي «عليه السلام» يصبح وجيها وفي محله..

ومهما يكن من أمر، فإن ابن شهر آشوب المازندراني اعتبر دعوى ولادة المحسن في زمان النبي «صلى الله عليه وآله» ـ سقطاً ـ صادرة من جماعة من السفساف حملهم على ابتكارها العناد، فهو يقول:

«وجماعة: من السفساف([3])، حملهم العناد على أن قالوا:

كان أبو بكر أشجع من علي.

وإن مرحبا قتله محمد بن مسلمة.

وإن ذا الثدية قتل بمصر.

وأن في أداء سورة براءة كان أبو بكر أميرا على علي، وربما قالوا: قرأها أنس بن مالك.

وأن «محسناً» ولدته فاطمة في زمن النبي سقطاً..

وإن النبي..

إلى أن قال: ومن ركب الباطل زلت قدمه: ﴿وَزَيَّنَ لَهُمَ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا([4]) وجماعة جاهروهم بالعداوة»([5]).

وهكذا.. يتضح: أن هؤلاء قد حاولوا أن يجمعوا بين مقولة كون المحسن سقطا، وبين كون الآخرين فوق الشبهات، وأتقى وأجل من أن يرتكبوا جريمة كهذه. فقرروا: أن هذا المولود سقط بلا شك، ولكنه سقط في زمن رسول الله «صلى الله عليه وآله»..

ثم جاءت الرواية الصحيحة السند ـ عندهم ـ لتؤكد هذا المعنى، وتقول:

روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده، ورواه غيره بسند صحيح([6])، قال:

حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هاني بن هاني، عن علي، قال:

«لما ولد الحسن سميته حرباً، فجاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟!

قال: قلت: حرباً.

قال: بل هو حسن.

فلما ولد الحسين سميته حرباً، فجاء رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فقال:

أروني ابني ما سميتموه؟!

قال: قلت: حرباً.

قال: بل هو حسين.

فلما ولد الثالث سميته حرباً.

فجاء النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال: أروني ابني، ما سميتموه؟!

قلت: حرباً.

قال: بل هو محسن.

ثم قال: سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر: وشبير، ومشبر([7]).


 

([1]) فاطمة بنت رسول الله محمد «صلى الله عليه وآله»: ص 94 (ط بيروت).

([2]) المصدر السابق: هامش ص 93.

([3]) السفاسف جمع سفساف، وهو الرديء.

([4]) الآية 38 من سورة العنكبوت.

([5]) مناقب آل أبي طالب: ج 1 ص 16.

([6]) أي صحيح وفق معايير أهل السنة. راجع: شرح المواهب للزرقاني ج 4 ص 239.

([7]) مسند الإمام أحمد ج 1 ص 98، و 118 وتاريخ دمشق: (ترجمة الإمام الحسين بتحقيق المحمودي) ص 18، والسنن الكبرى: ج 6 ص 166، و ج 7 ص 63، وتهذيب تاريخ دمشق: ج 4 ص 204، عن أحمد، والطبراني، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن حبان، والحاكم، والدولابي، والأدب المفرد: ص 121، وأسد الغابة: ج 2 ص 18، و ج 4 ص 308، والإصابة: ج 3 ص 471، والمعجم الكبير للطبراني: ج 3 ص 28 و 96 و 97 والذرية الطاهرة: ص 97، والاستيعاب: (مطبوع بهامش الإصابة)، ج 1 ص 369. ونهاية الإرب: 18 ص 213، والرياض المستطابة: ص 293، وتاريخ الخميس: ج 1 ص 418، ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد)، ج 5 ص 108، ومختصر تاريخ دمشق: ج 7 ص 7 و 117، ومستدرك الحاكم: ج 3 ص 165 و 166، ومجمع الزوائد: ج 8 ص 52، عن البزار والطبراني، في الكبير وأحمد، وقال: رجال أحمد والبزار رجال الصحيح غير هاني بن هاني، وهو ثقة. وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع بهامش المستدرك) وصححه وذخائر العقبى: ص 119 عن أحمد، وأبي حاتم، وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج 3 ص 144، وراجع هوامشه، والتبيين في أنساب القرشيين: ص 133، و 192، وكفاية الطالب: ص 208، وتذكرة الخواص: ص 193، وشرح المواهب للزرقاني: ج 4 ص 339، والبداية والنهاية: ج 7 ص 332 وتاج العروس: ج 3 ص 389، وعن كنز العمال: ج 6 ص 221. وترجمة الإمام الحسن «عليه السلام» » من القسم غير المطبوع من الطبقات الكبرى لابن سعد »: ص 34، والاحسان في تقريب صحيح ابن حبان: ج 15 ص 410، وكشف الأستار عن مسند البزار: ج 2 ص 216، وموارد الظمآن: ص 551، عن السيرة الحلبية: ج 3 ص 292.

 
   
 
 

موقع الميزان