صفحة : 174-179   

الإبتداع الغبي:

وقالوا عن سنة 389 هـ: «وفيها أرادت الشيعة أن يصنعوا ما كانوا يصنعونه من الزينة يوم غدير خم، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، فيما يزعمونه، فقاتلهم جهلة آخرون من المنتسبين إلى السنّة؛ فادعوا: أنّه في مثل هذا اليوم حصر النبي «صلى الله عليه وآله» وأبو بكر في الغار، فامتنعوا من ذلك»([1]).

واستمر أهل السنّة يعملون هذا العيد المزعوم دهراً طويلاً. وقد أظهروا فيه الزينة، ونصب القباب، وإيقاد النيران الخ..([2]).

ونقول:

1 ـ إن الشيعة لم يبتدعوا هذا الأمر من عند أنفسهم، وإنما عملوا بقناعاتهم، وبما ثبت لديهم أنه من الدين، فهل الذي يعمل بقناعاته الإيمانية، التي يستند فيها إلى الدليل والبرهان القاطع يعتبر جاهلاً؟!..

2 ـ وهل يصح مساواة من يعمل بما ثبت لديه بالدليل بالذي يعتدي عليه من غير حق، وبدون وجه شرعي، وإنما لمجرد البغي عليه، والتجبر فيه، والتحكم به، انطلاقاً من العصبية والهوى؟!

3 ـ وإذا كان هذا الرجل قد اعترف بأن المعتدين على الشيعة جهلة من حيث إن هؤلاء المعتدين هم أهل نحلته، وهو أعرف الناس بهم، فمن أين علم أن الآخرين جهلة أيضاً، ولماذا يتهمهم بما لا يحق له اتهامهم به؟!

4 ـ ولماذا لا يردع عقلاء أهل السنة جهلاءهم المعتدين عن عدوانهم؟!

5 ـ وما هو المبرر لاختراع عيد جديد لم نجد من علمائهم أية إدانة له، أو اعتراض عليه، رغم اعترافه بأنه بدعة، والبدعة لا يصح ترويجها، ورغم أنهم حنابلة XE "حنابلة:جماعات"  يتشددون في مثل هذا الأمر إلى حد تكفير فاعله ولا سيما إذا أصر عليه؟! ولا أقل من أنهم يرون ذلك خروجاً عن حدود الشرع والدين، فلا بد لهم من النهي عن المنكر..

فكيف إذا استمر هذا العيد بينهم دهراً طويلاً، كما صرحوا به أنفسهم، دونما مانع أو رادع؟!

6 ـ واللافت هنا: أن علماءهم ينسبون هذا العيد إلى العوام، ويتحاشون التعبير بكلمة عيد، وينأون بأنفسهم عن توصيفه بالبدعة، فيقولون: عمل عوام السنة XE "السنة:جماعات"  يوم سرور، وكأن الأسماء تغير الواقع وتلغيه.

ولكن ما أسرعهم إلى وصم الآخرين الذين يخالفونهم في الإجتهاد والرأي ـ ولو كانوا من أهل السنة بالكفر ـ والشرك، وما إلى ذلك، لأتفه الأسباب، وأوهى العلل..

7 ـ والأدهى من ذلك كله.. : أن عيدهم هذا قد ارتكز على تزوير عظيم وظالم، لتاريخٍ بريء من هذا الأمر، براءة الذئب من دم يوسف ، ولا علاقة له بموضوع الغدير والإمامة والبيعة، حيث الزموا أنفسهم بأن يجعلوا يوم الثامن عشر من ذي الحجة هو عيد الهجرة المرتبطة بالنبي «صلى الله عليه وآله»، وحصره بالغار! في حين أن الأمة بأسرها مجمعة على أن ذلك قد حصل في شهر ربيع الأول..

فلماذا لم يلفت علماؤهم نظرهم إلى هذا الخطأ الفادح والمعيب؟!

وإن كان علماؤهم يوافقونهم على ذلك، ولم يلتفتوا إلى هذا الخطأ فعلى الإسلام السلام..

8 ـ على أننا لا ندري لماذا اعتبروا يوم حصر النبي «صلى الله عليه وآله» في الغار يوم سرور وفرح؟! ولم لا يكون سائر ما جرى على النبي أعياداً، وايام فرح وسرور؟! مثل يوم قلع باب خيبر، ويوم فتح مكة ، ويوم قتل عمرو بن عبد ود ، وسائر أيام النصر أعياداً..

9 ـ إذا كان حصر النبي في الغار من موجبات السرور والفرح عند هؤلاء، فهل لنا أن نتوقع أن يتخذوا يوم وفاة رسول الله «صلى الله عليه وآله» يوم عيد أيضاً؟!.. تماماً كما اعتبروا يوم عاشوراء يوم توسعة على العيال، ولبس الجديد، وما إلى ذلك؟!


([1]) راجع: البداية والنهاية ج11 ص325 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج11 ص373 والمنتظـم ج7 ص206 وشذرات الـذهـب ج3 ص130 والخطط = = المقريزية ج1 ص389 والكامل في التاريخ ج9 ص155 وذيل تجارب الأمم لأبي شجاع ج3 ص339 ـ 340 ونهاية الإرب ج1 ص185.

([2]) راجع: البداية والنهاية ج11 ص325 ـ 326 وشذرات الذهب ج3 ص130 والمنتظم ج7 ص206 والكامل في التاريخ ج9 ص155 وتاريخ الإسلام للذهبي (حوادث سنة 380 ـ 400ﻫـ) ص25 وعن تاريخ كزيده ص148 وذيل تجارب الأمم للوزير أبي شجاع ج3 ص339 ـ 340.

 
   
 
 

موقع الميزان