![]() |
ابن عربي ليس بشيعي
ابن عربي ليس بشيعي السيد جعفر مرتضى العاملي بسم الله الرحمن الرحيم تقديم: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى قيام يوم الدين.وبعد.. فإن الذي دعانا إلى تأليف هذا الكتاب هو أنه قد وردتنا أسئلة عديدة عن حقيقة ما يقال عن تشيُّع محيي الدين ابن عربي، صاحب كتاب: «الفتوحات المكية» وكتاب «فصوص الحكم» وكتاب «الوصايا» وغير ذلك. وقد أجبنا عن بعض تلك الأسئلة بإيجاز واقتضاب، يظهر رغبتنا في تجنب الدخول في التفاصيل، التي قد تكون مملة، أو غير ضرورية.. ثم هي تظهر إيثارنا صرف وقتنا وجهدنا فيما هو أهم، ونفعه أعم.. غير أن إحساسنا بأن ثمة من تأثر بشائعة تشيُّع هذا الرجل، وأن ثمة استسلاماً ولو بصورة جزئية ومحدودة أمام بعض أفكاره التي يقرؤونها في كتبه، أو تلقى إليهم عنه، مع كون تلك الأفكار لا تنسجم مع مذهب أهل البيت عليهم السلام ومبانيه الحقة، لا من قريب ولا من بعيد.. إن إحساسنا هذا قد ساهم في تبلور شعور بضرورة أن نقوم بوضع حد لهذه الشائعة، وذلك بالرجوع إلى بعض أقاويل هذا الرجل، ووضعها أمام هؤلاء الناس الطيبين، ليروا بأم أعينهم حقيقة ما يعتقده هذا الرجل، وما يتبناه من مناهج واعتقادات، وما يظهر عليه من لمحات وسمات.. مع تأكيدنا على أن ما نورده في هذه الدراسة الموجزة، ما هو إلا غيض من فيض، مما يجده المتتبع لكلماته في سائر كتبه ومؤلفاته.. فإلى ما يلي من فصول، ونتوكل على خير مأمول ومسؤول.. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
تمهيد:
تمهيد:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله.. وبعد.. فإنه قد كان، ولا يزال، ثمة أناس يتظاهرون بالزهد، والإعراض عن الدنيا، ويدّعون لأنفسهم كرامات، بل ومعجزات، ويتفننون في إطلاق كلمات تعبر عن نظرتهم إلى الدنيا وزهدهم بها. وهي كلمات تعتمد في الأكثر على تنميق العبارات، والتصرف في الكلمات وتركيباتها، واشتقاقاتها، فتأتي بعض عباراتهم طريفة، وبديعة، ورنانة، في أحيان كثيرة، كما أنها قد تكون على درجة من السقوط والابتذال أحياناً أخرى، ولكن بعض العلماء تلقفوا كلماتهم تلك، وأخذوها بجدية وسلامة نية، وحاولوا أن يضعوها في سياق صحيح ومقبول.. وقد أثمرت جهود أساطين العلم في بلورة علم شريف متكامل، له أصوله، وفروعه، وضوابطه، وهو ما يعرف اليوم بعلم العرفان، الذي كان لجهابذة العلم الإيرانيين القدح المعلى، وقصب السبق في إنجازه، ورسم معالمه، وتحديد وضبط قواعده.. وكان ابن عربي هو أحد أركان الصوفية الذين كتبوا في التصوف والمتصوفة الشيء الكثير، وقد اشتملت كتاباته أحياناً على لمحات راقية في مضامينها إلى درجة تثير الإعجاب، ولكنه يتضاءل ويسفل في كتاباته أحياناً أخرى، ويخبط خبط عشواء، يصل إلى حد الابتذال.. إلى حد أنك تشعر: أنه مجرد رجل أمي، لم يمارس علماً، ولم يطلع على شيء من المعارف.. ولكن بعضاً نادراً من علمائنا الأبرار رضوان الله عليهم، قد أحسنوا به ظنونهم، واعتبروا تلك اللمحات الراقية، هي المعيار لكل ما صدر عنه، فسعوا بجدية وصدق، إلى رفع مستوى ما تسافل من أفكاره، وكلماته، وتمحلوا لها ضروباً من التأويل ـ وغضوا النظر عن كل السقطات، والهفوات، ترفعاً منهم، وسمواً، وشرفاً، ونبلاً.. مع ثباتهم على أصولهم المتينة، والتزامهم بمبادئهم القويمة.. أما جمهور علمائنا وفقهائنا، فإنهم قد أهملوا أمره، حين أخذوا عليه أموراً كثيرة تنافي أصول أو ضروريات الإسلام أحياناً، وأصول وضروريات التشيع أحياناً أخرى.. ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، أي عند إهمال هؤلاء، واعتناء أولئك، إذ قد كان ثمة أناس ممن قصر باعهم، وقل اطلاعهم، قد تخيلوا أن كل كلام صدر عن ابن عربي، يمثل خط التشيع، ويصب في الاتجاه الصحيح، وهو طريق الوصول إلى الله. وحيث إن هؤلاء ليس لديهم القدرة على تمييز الحق من الباطل، والصحيح من السقيم، فقد مست الحاجة إلى توضيح الحقيقة فيما يرتبط بدعوى تشيُّع ابن عربي، ليكون الناس على بينة من أمرهم، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة.. غير أننا قبل أن ندخل في التفاصيل نشير إلى أن محيي الدين ابن عربي المالكي المذهب، الصوفي الاتجاه، قد ألف كتباً عديدة، أشهرها كتاب «فصوص الحكم»، الذي ألفه بدمشق، وكتاب «الفتوحات المكية» الذي ألفه بمكة قبل ذلك.. وقد أودع في كتابيه هذين، وفي غيرهما فنوناً من الكلام الذي أعجب كثيرين من أهل التصوف من أهل السنة، واجتذب عدداً من العرفاء والمتصوفة من الشيعة الإمامية أيضاً.. وقد وجد بعض علماء العرفان من الشيعة، بعض اللمحات، التي هي شديدة الندرة في كلامه، دعتهم للاعتقاد بتشيُّع هذا الرجل.. رغم أن في مقابلها ما لا يكاد يحصر من دلائل التزامه بمذهب أهل السنة، بل وتعمقه فيه، وتعصبه له إلى أبعد الحدود.. مع أن تلك اللمحات التي وجدوها.. ليست فقط قابلة للتأويل، بل هي لا تحتاج إلى تأويل، من حيث إنها لا تخرج عن قواعد والتزامات أهل السنة أيضاً، كما أن عدداً منها، لا بد أن يعدَّ من الأدلة القاطعة على تسننه الشديد أيضاً.. غير أن حسن الظن، وطهر الروح لدى بعض هؤلاء الأخيار، قد دعاهم إلى التماس العذر لهذا الرجل، حتى فيما لا يعذر فيه أحد.. ثم إنهم قد ذكروا: أنه قد ذهب إلى تشيُّع ابن عربي: كل من المحدث النيسابوري، وابن فهد الحلي، والقاضي نور الله التستري، والشيخ البهائي، والفيض الكاشاني، والمجلسي الأول.. ([1]) . وأضاف بعضهم: السيد صالح الموسوي الخلخالي.. ولا نريد التحقيق في صحة نسبة هذا الرأي إلى هؤلاء العلماء، رغم أن للكلام فيه مجالاً،([2]) بل نحن ندخل في نفس الموضوع الذي نسب إليهم مباشرة، ونعلنها صريحة وواضحة من الآن: أننا لا نوافقهم على هذا الرأي المنسوب إليهم، بل نقول: إن هذا الرجل سُنيٌ متعصب، ومهتم بتشييد مباني مذهبه، وإثارة الشبهات حول صحة التشيُّع، ويسعى جاهداً لزعزعة مبانيه، وتشويه معالمه، كما سيتضح من هذه الدراسة، فإلى ما يلي من صفحات.. والحمد لله، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله.. ([1]) الروح المجرد ص326 ط سنة 1423هـ. ([2]) وقد أوجز بعض الأخوة أمر هذه النسبة إليهم على النحو التالي: أما بالنسبة للمجلسي الأول، فقد حاول المتصوفة اتهامه بما ذكر، فبرأه المجلسي الثاني رحمه الله، وكذبهم، فراجع رسالته في الاعتقادات. وأما البهائي، فإنه إنما يورد ما يستحسنه من كلمات، تتوافق مع أغراضه في تآليفه. كما أن بعض كلماته وأشعاره ربما أوهمت أن لديه ميلاً إلى طريقة أهل التصوف.. وليست نسبة التصوف إليه إلا مثل دعوى أهل السنة أنه منهم، حين رأوا مداراته لهم.. وأما بالنسبة للفيض، فإنه قد تنقل من حال إلى حال، من الفلسفة إلى التصوف، إلى الإخبارية، إلى طريقة الفقهاء. وقد هاجم المتصوفة وابن العربي بالذات، خصوصاً في موضوع: أنه لم يسأل ربه أن يعرفه إمام زمانه، فراجع أواخر كتاب بشارات الشيعة.. فقد اعتبر هذا خذلاناً من الله، وأن الشياطين قد استهوت ابن عربي ونسبه إلى سوء الأدب أيضاً, وغير ذلك.. وأما التستري، فقد كان متفانياً في حبه لأهل البيت عليهم السلام، حريصاً على إثبات تشيع كل من أثيرت شبهة حول تشيعه، وهذا ظاهر في كتابه: مجالس المؤمنين. وأما ابن فهد، فلا نعرف منشأ نسبة هذا الرأي إليه لننظر فيه. وما عدا هؤلاء فإن الأمر في شأنهم سهل.. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
المدخل
المدخل لقد وردتنا أسئلة عديدة عن تشيع محيي الدين ابن عربي، كان آخرها السؤال التالي:سؤال.. وجواب السؤال: بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ السيد المحقق / جعفر مرتضى العاملي... دامت بركاتك. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. كثيراً ما أقرأ في كتبنا عن الشيخ «محيي الدين ابن العربي» صاحب «الفتوحات المكية» وغيره من التآليف في العرفان النظري وغيره.. ولا يخفى ما للرجل من دور في تشييد هـذا العلم، وإليه ـ كمـا هو ملحوظ ـ يرجع أغلب العرفاء، إن لم يكن كلهم.. وقد قرأت للسيد الخميني رحمه الله تعالى في بعض كتبه، ربما في «جنود العقل والجهل» أو في تعليقه على «فصوص الحكم» وغيره من كتبه، يصفه بـ «الشيخ الكبير».. وجاء في كتاب «الروح المجرد»: «أنه لا يكون العارف عارفاً حتى يكون اثنا عشرياً».. ولكني أجده ـ أي ابن عربي ـ في الفتوحات حين يصف الوضوء يصفه كما هو وضوء السنة، وأيضاً حين التحدث عن حديث المعراج، وفي عدة موارد، مما ينم عن كونه ليس من الشيعة.. فهل نحمل هذا على سبيل التقية منه أم ماذا؟ أرجو أن تكون الإجابة مدعمة بالمصادر إن أمكن.. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الجواب:
الجواب:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.. بالنسبة لسؤالكم نقول: أولاً: إن وصف السيد الخميني قدس الله نفسه الزكية لابن عربي بالشيخ الكبير، إنما هو في سياق إطلاق اللقب العلمي عليه، إذ إن أي إنسان يكون له درجة من التقدم في علم من العلوم، كالطب، والرياضيات، والفلك، والنحو، والفلسفة، وما إلى ذلك، فإن العلماء يطلقون عليه ألقاباً تناسب موقعه العلمي، ويمدحونه على ما استطاع تحصيله من ذلك العلم، فيقولون لمن برع في الطب: إنه طبيب حاذق، وعالم علامة في الطب، بغض النظر عن انتمائه المذهبي، ـ أو التزامه الديني، أو سلوكه الاجتماعي، أو غير ذلك.. وقد وصف النبي صلى الله عليه وآله، كسرى: بعظيم الفرس ووصف قيصر بعظيم الروم.. وربما تكون الألقاب أكبر من الحقيقة، أي أنها تطلق على الأشخاص على سبيل المبالغة، بدافع التزلف، أو الحب الصادق، أو الانبهار بالشخص أو غير ذلك.. وبذلك يتضح: أن اطلاق العلماء الأتقياء للألقاب العلمية على انسان، حتى لو كان لايستحقها، لا يعني: أنه صحيح العقيدة، أو ملتزم بأحكام الشرع والدين، فضلاً عن أن يكون تقياً وورعاً.. كما أن ذلك لا يعني الموافقة على نحلته الدينية، والتزام واصفه بعقائده وآرائه. وقد رثى الشريف الرضي أبا إسحاق الصابي، المخالف له في الدين، بقصيدته التي أولها: أعلمت من حملوا على الأعــواد أرأيـت كيـف خبـا ضياء النادي جبل هوى لو خر في البحر اغتدى مـن وقعه مـتـتـابـع الإزبـاد ثانياً: إن آية الله العظمى السيد الخميني رحمه الله، قد كان بعيد النظر، سديد الرأي، وحين أرسل إلى غورباتشوف، رئيس ما كان يسمى بالإتحاد السوفياتي رسالة أشار فيها إلى ابن عربي.. فإن الظاهر: أنه رحمه الله قد لاحظ أن تلك المجتمعات كانت ولا تزال غارقة في الحياة المادية، حتى أصبحت المادة: عينها التي بها تبصر، وأذنها التي بها تسمع، وقلبها الذي ينبض، وهيمنت على فكرها وعقلها، الذي يدبر أمورها، ويهديها طريقها، وفي أجوائها نشأت عواطفها وأحاسيسها التي بها تعيش وتتعامل.. فأراد رضوان الله تعالى عليه، أن يوجه إلى الفكر المادي الذي هو مصدر اعتزاز تلك المجتمعات، والمرتكز لبناء الحياة فيها، صدمة في موقع ضعفه الحقيقي، لكي يضع أولئك الناس وجهاً لوجه مع ما يعانونه من فراغ روحي قاتل، لا بد أن ينتهي بهم لو استمر إلى الهاوية.. وقد كانت ولا تزال، تعيش في ما كان يسمى بالإتحاد السوفياتي عشرات الملايين من المسلمين المسحوقين، الذين ينتمون في أصولهم الدينية إلى طرق صوفية، تركت لها آثاراً في حياتهم، ولم تزل تراودهم ذكرياتها التي أصبحت شريدة وبعيدة.. فأطلق رحمه الله اسم «ابن عربي» الذي لمع في علم بعينه ـ ربما ـ ليثير في مسلمي تلك البلاد ـ وهم كثر ـ بعض الحنين إلى الإسلام، وإلى روحياته، وليواجه المتسلطين على الأمور، بحقيقة أن عليهم أن يفكروا بما هم بأمس الحاجة إلى أقل القليل منه، ليعالجوا به ظاهرة الفراغ الروحي الذي هو أساس بلائهم وشقائهم. وبذلك يكون رحمه الله قد وضعهم وجهاً لوجه، ومن أقرب طريق، أمام الحقيقة التي طالما غفلوا عنها، أو تهربوا من مواجهتها، أو أغراهم عنفوانهم، ودفعهم استكبارهم إلى محاربتها.. إنه رحمه الله، حين أطلق بعض الأسماء اللامعة في مجال العرفان، والتصوف السني، إنما أراد أن يواجههم في عمق وجدانهم، وإحساسهم الفطري، وفي النقطة الأضعف، والأشد تأثيراً، ويكون بذلك قد سدد ضربته القوية للفكر المادي في عمق، وفي صميم وجوده.. ولم يكن يريد أن يوجههم إلى اعتقادات «ابن عربي» ليأخذوها منه، ولا إلى مذهبه الفقهي، ليلتزموا به.. فإن السيد الخميني رحمه الله كان يعرف أن ابن عربي لم يكن في هذا وذاك، لا في العير، ولا في النفير، بين علماء الفقه والعقيدة.. بل إن أساتذة ابن عربي لا يحلمون ـ وإن كانوا يدعون لأنفسهم ما ليس لهم بحق ـ حتى بأن تذكر أسماؤهم في عداد تلامذة أساطين العلم في الشريعة والدين، وعمالقة الفكر في مجال العقيدة، من أهل المذهب الحق، فضلاً عن أن يعدُّوا من أقرانهم.. وعلى كل حال، فإن آية الله الخميني قد اقتدى بجده سيد الشهداء، حين دعا محاربيه، وهم أولئك المجرمون الأجلاف، إلى الرجوع عن غيهم، وذكَّرهم بشيم العرب، في محاولة منه لاستنهاض هممهم، وإثارة نخوتهم، فقال لهم: «ويحكم يا آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم، إن كنتم عرباً» ([3]). ثالثاً: لقد أظهرت سيرة ابن عربي: أنه لا يلتزم جانب الحق والصواب في العقيدة الصحيحة، ولا يلتزم ـ فيما يخبر عنه ـ بأحكام الشرع، وبمقتضيات الورع والتقوى، كما سنرى.. وأما أخذ بعض العلماء منه بعض ما سجله في دائرة علم التصوف والعرفان، وحتى دراسة بعضهم لكتبه، ومراجعة أقواله، فهو مثل أخذهم علم النحو من ابن مالك، والمبرد، وسيبويه، ومثل أخذهم علم الطب من اساطين هذا العلم في الشرق وفي الغرب.. على أنه قد ورد عن الأئمة الطاهرين عليهم السلام، قولهم: «إن الحكمة ضالة المؤمن، فاطلبوها ولو عند المشرك، تكونوا أحق بها وأهلها..» ([4]). وفي نص آخر: «إن الحكمة تكون في صدر المنافق، فتلجلج في صدره حتى تخرج، فتسكن في صدر المؤمن» وبمعنى هذا الحديث غيره..([5]). ونحن حين نستند إلى هذا الحديث أو غيره في هذا الأمر، فإنما نريد استفادة معناه العام، لبيان أن العلوم تؤخذ من كل أحد، ولسنا بصدد الحكم على ابن عربي بمضمون الرواية من جميع الجهات. في أجواء ابن عربي: وبعد، فإننا لكي نتمكن من أن نكون في موقع الإنصاف والأمانة والموضوعية، ومن إعطاء إجابة دقيقة حول ما يقال من تشيُّع ابن عربي، فإن البحث يفرض علينا الإقتراب، بل الدخول إلى أجواء هذا الرجل، لنقوم بدراسة مباشرة لأفكاره، ولنعرف من خلال الشواهد والمفردات والدلائل حقيقة ما يعتقده، وما يدعو إليه. وذلك يستدعي جهات من البحث والبيان، في ضمن أقسام، تتضمن عدة فصول: فالقسم الأول، بعنوان: أهل البيت والتشيع.. دفاعات واستدلالات.. والقسم الثاني، بعنوان: جنون العظمة.. والقسم الثالث، بعنوان: ابن عربي.. سني متعصب.. ([3]) راجع: بحار الأنوار ج45 ص51 واللهوف ص77 وفي ط أخرى ص106 والعوالم «الإمام الحسين عليه السلام» ص293 وغير ذلك.. ([4]) البحار ج75 ص34 وج2 ص97 وعن أخذ الحكمة من المنافق راجع: البحار ج2 ص99 وج78 ص307. ([5]) البحار ج2 ص99 و97 وشرح نهج البلاغة ج18 ص229. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
القسم الأول أهل البيت.. والتشيُّع دفاعات.. واستدلالات: وهو يشتمل على فصول: الفصل الأول: تشيُّع ابن عربي: دليل ونقد.. الفصل الثاني: من هم أهل البيت, وحقيقة عصمتهم.. الفصل الثالث: ما يذم به الشيعة.. الفصل الرابع: هكذا يدافعون عن ابن عربي.. الفصل الأول تشيُّع ابن عربي.. دليل ونقد.. قال الشيخ المفيد: «التشيع في أصل اللغة هو الإتِّباع على وجه التدين، والولاء للمتبوع على الإخلاص، قال الله تعالى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} ([6]). ففرق بينهما في الإسم بما أخبر به من فرق ما بينهما في الولاية والعداوة، وجعل موجب التشيع لأحدهما هو الولاء بصريح الذكر له في الكلام».. إلى أن قال: «.. فأما إذا أدخل فيه علامة التعريف، فهو على التخصيص لا محالة لأتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه، على سبيل الولاء والاعتقاد بإمامته بعد الرسول صلوات الله عليه وآله، بلا فصل. ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة، وجعله في الاعتقاد متبوعاً لهم غير تابع لأحد منهم على وجه الاقتداء..» ([7]). أي أن الحكم بالتشيع يحتاج إلى توفر أمرين، لا مجال للحكم على شخص بالتشيع إذا فقد أي منهما: أحدهما: أن يكون من أتباع الإمام علي عليه السلام على سبيل الولاء، والاعتقاد بإمامته بعد الرسول بلا فصل.. الثاني: نفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة. وهذا الركن الثاني هو الركن الأهم، إذ إن الولاية الحقيقية لا تتحقق إلا به، فإن إظهار المحبة، والولاء أمر شائع، وهو خفيف المؤونة، يبادر الناس لإظهاره لأدنى مناسبة، حتى من يعتقد بإمامة على أمير المؤمنين عليه السلام، أما رفض ولاية من استأثروا لأنفسهم بالخلافة، فهو الأصعب، والأشد. وهو الذي يميز الشيعي حقيقة عن غيره.. فهل كان ابن عربي مستجمعاً لهذين الركنين؟! ليمكن الحكم بتشيعه بالمعنى العام؟ أم أنه فاقد لهما أو لأحدهما؟! لكي لا يحكم عليه بذلك.. ونقصد بالمعنى العام، ما يشمل الإمامية والجارودية من الزيدية، والإسماعيلية أيضاً.. وأما التشيع بمعناه الأخص، وهو كونه إمامياً اثنا عشرياً، فله سمات، وعلامات، وخصوصيات أخرى أيضاً، لا بد من التأكد من توافرها في أي شخص ليحكم بكونه شيعياً إمامياً.. وعلى كل حال، فإن بيان حال ابن عربي، والتأكد من صحة نسبة التشيع إليه، هو ما سيتضح في الفصول التالية.. بداية وتوطئة: إن الذين قالوا عن ابن عربي: إنه شيعي يكتم تشيعه، قد استدلوا على مدَّعاهم هذا بعدة أمور، رأوا أنها مفيدة في إثباته، ونحن نوردها، وفقاً لما يستفاد من كلماتهم، ونسجل ملاحظاتنا عليها في ضمن المطالب التالية: استدلوا بما يلي: 1ـ الاجتهاد ومقلدة العلماء.. 2ـ أسعد الناس به أهل الكوفة.. 3ـ الخليفة الموعود.. نقلوا عن محيي الدين بن عربي عبارة، ذكروا أنها تدل على تشيعه، وصحة عقيدته، من عدة وجوه، وهذه العبارة هي التالية: «إن لله خليفة يخرج من عترة رسول الله صلى الله عليه وآله، من ولد فاطمة عليها السلام، يواطئ اسمه اسم رسول الله، جده الحسين بن علي عليه السلام، يبايع بين الركن والمقام. يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله في الخلق ـ بفتح الخاء ـ وينزل عنه في الخلق ـ بضم الخاء. أسعد الناس به أهل الكوفة، يعيش خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً. يضع الجزية، ويدعو إلى الله بالسيف، ويرفع المذاهب عن الأرض، فلا يبقى إلا الدين الخالص. أعداؤه مُقلِّدة العلماء، أهل الاجتهاد، ولِما يرونه يحكم بخلاف ما ذهب إليه أئمتهم، فيدخلون كرهاً تحت حكمه، خوفاً من سيفه. يفرح به عامة المسلمين أكثر من خواصهم. يبايعه العارفون من أهل الحقائق عن شهودٍ وكشفٍ بتعريفٍ إلهي. له رجال إلهيون، يقيمون دعوته وينصرونه. ولولا أن السيف بيده لأفتى الفقهاء بقتله. ولكن الله يُظهره بالسيف والكرم، فيطمعون، ويخافون، ويقبلون حكمه من غير إيمان، ويضمرون خلافه، ويعتقدون فيه إذا حكم فيهم بغير مذهب أئمتهم أنه على ضلالٍ في ذلك. لأنهم يعتقدون أن أهل الاجتهاد وزمانه قد انقطع، وما بقي مجتهد في العالم، وأن الله لا يُوجد بعد أئمتهم أحداً له درجة الاجتهاد. وأما من يدعي التعريف الإلهي بالأحكام الشرعية، فهو عندهم مجنون فاسد الخيال».. ([8]). انتهى.. حيث استدلوا على صحة عقيدته بالفقرات التالية: أولاً: استدلوا بقوله: «إن لله خليفة يخرج.. الخ»، إذ إن أهل السنة مع اعتقادهم بظهور المهدي الموعود، إلا أنهم يقولون: إنه سيولد. أما الاعتقاد بحياة ووجود الإمام المهدي فهو من مختصات الإمامية من الشيعة. ثانياً: استدلوا بقوله: «وأسعد الناس به أهل الكوفة»، حيث إن هذه العقيدة من مختصات الشيعة الإمامية أيضاً، فإنهم يقولون: إنه عليه السلام يخرج من مكة، ثم يقدم الكوفة، ويرسل الجيوش منها إلى سائر البلاد. ثالثاً: قالوا: إن التشنيعات الواردة في هذه الفقرة على مقلدة المجتهدين، تدل على أنه يشنع على أهل السنة، لأنهم هم الذين يقولون: إن الاجتهاد وزمانه قد انقطع.. ونقول: إن جميع ما ذكروه لا يصلح للإستدلال به على صحة عقيدة ابن عربي، وذلك لما يلي: أولاً: إن هناك جماعات من أهل السنة قد ألفوا كتباً في أحوال الأئمة الاثني عشر، مثل ابن الصباغ المالكي، والشبلنجي الشافعي، والشبراوي الشافعي، والفضل بن رزوبهان، وابن حجر الهيتمي، والقندوزي الحنفي.. وغيرهم كثير، فهل يمكن عد هؤلاء من الشيعة أيضاً؟! ثانياً: إنه لم يصرح بأن هذا الخليفة لله (وهو المهدي)، الذي يتحدث عنه: على قيد الحياة أو لا، بل ذكر أن لله خليفة، ولم يزد على ذلك.. فلماذا يتبرع المستدل بإضافة أنه «على قيد الحياة».. ثالثاً: ما معنى قوله: يعيش خمساً، أو سبعاً، أو تسعاً.. فهل يقصد: أن هذا هو تمام عمره الشريف؟ أم يقصد أنه يعيش بصفته حاكماً هذا المقدار من السنين؟ ولكن العبارة خانته، ولم يصلحها.. فإذا كان يقصد الشق الثاني، وأن العبارة قد خانته، فنقول: لماذا لم يصلحها له كشفه، خصوصاً وأنه يدعي ـ كما سيأتي ـ أنه قد كتب الفتوحات منقاداً فيه إلى الجبر الإلهي، وكانت مضامينه تملى على سبيل الإلهام، فيلقي إليه ما يشاء، ويمسك ما يشاء. كما سنشير إليه في فصل: مادح نفسه.. فكيف يخطئ هذا الإلهام الإلهي؟ ولماذا لم يلتفت هو إلى هذا الخطأ، فيراجع فيه ربه ليأذن له بإصلاحه؟ أو يصلحه هو بنفسه؟ أو يعتذر عن إصلاحه بعدم الإذن له فيه؟! رابعاً: إن ذهاب الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى الكوفة بعد ظهوره، وإرسال جيوشه إلى سائر البلاد، ليس من اعتقادات الشيعة، وإنما هو مجرد رواية وردت في كتبهم، كسائر الروايات. كما أنها قد وردت في كتب أهل السنة أيضاً.. ([9]). فلماذا لا ينسبه إليهم من أجل ذلك؟!!. أو فليحكم بتشيع جميع أهل السنة، لأنهم قد رووا هذه الرواية في كتبهم!!.. خامساً: بالنسبة لمهاجمته للقائلين بانقطاع الاجتهاد، نقول: أ ـ إن ذلك لا يدل على تشيعه، حتى لو تفرد هو بهذا النقد لهم.. لأن فتح باب الاجتهاد وسدِّه، لا ينافي شيئاً من عقائد الشيعة، فلا يدل مثلاً على أحقية من غصب الخلافة.. ب ـ إنه ليس هو الوحيد من علماء أهل السنة الذي أعلن بنقد هذا الموضوع، ورفضه جملة وتفصيلاً.. فقد ذكر الشيخ آقا بزرك الطهراني رحمه الله: أن هناك من كان يدعو إلى فتح باب الاجتهاد، ويعترض على سده منذ القرون التي أعلن فيها انسداد بابه حتى يومنا هذا، أمثال: أبي الفتح الشهرستاني المتوفى سنة 548 هـ . وأبي إسحاق الشاطبي المتوفى سنة 790 هـ . والسيوطي المتوفى سنة 911 هـ . وقد ألف السيوطي رسالة سماها: «الرد على من أخلد إلى الأرض، وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض» وقدم لهذا الرسالة بقوله: «إن الناس قد غلب عليهم الجهل، وعمهم، وأعماهم حب العناد، وأصمهم. فاستعظموا دعوى الاجتهاد، وعدوه منكراً بين العباد. ولم يشعر هؤلاء الجهلة: أن الاجتهاد فرض من فروض الكفايات في كل عصر، وواجب على أهل كل زمان، أن يقوم به طائفة في كل قطر» ([10]). وقال الشوكاني: «ومن حصر فضل الله على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة على من تقدم عصره، فقد تجرأ على الله عز وجل، ثم على شريعته الموضوعة لكل عباده، ثم على عباده الذين تعبدهم الله بالكتاب والسنة». هذا بالإضافة إلى غير هؤلاء من العلماء الكبار، الذين كانوا يدعون إلى فتح باب الاجتهاد، ويقفون أمام غلقه. وقد استمر هذا الصمود أمام غلق باب الاجتهاد إلى القرون المتأخرة، حيث اعترض على هذا الاغلاق أيضاً أمثال: جمال الدين الأفغاني. والشيخ محمد عبده. ومحمد رشيد رضا ([11]). والسيد سابق ([12]). وغيرهم.. سادساً: بالنسبة لما ذكره عن خليفة الله نقول: إنه حتى لو كان يقصد به الإمام المهدي عليه السلام، وأنه حي فعلاً، وأنه ابن الإمام العسكري عليه السلام.. فإن ذلك لا يدل أيضاً على تشيعه، وذلك لأن الحديث القائل: إنه يكون بعد النبي صلى الله عليه وآله اثنا عشر خليفة، أو أميراً، أو إماماً، كلهم من قريش، قد أحرج أهل السنة بدرجة كبيرة، حيث إنه مروي في أصح الكتب والمسانيد، وعلى رأسها كتب الصحاح عندهم، مثل البخاري، ومسلم، وأبي داود، ومسند أحمد بن حنبل، وغير ذلك كثير، بل ذكر في ينابيع المودة: أنه مروي عن بضعة وعشرين صحابياً.. وقد حير هذا الحديث علماء أهل السنة، وشرّقوا وغرّبوا في بيان المراد منه، فجاء أمثال ابن الصباغ المالكي، والشبلنجي الشافعي، والكنجي الشافعي، والقندوزي الحنفي، والشبرواي الشافعي، وابن روزبهان، والهيتمي و.. و.. وتكفلوا بحل الإشكال بطريقة تحفظ لهم تسننهم العميق، وعصبيتهم للخلفاء، وتدفع عنهم غائلة إلزام الشيعة لهم، فقالوا: نحن نقبل بتطبيق الحديث المذكور على الاثني عشر إماماً الذين يقول بهم الشيعة، والذين أولهم علي عليه السلام، وآخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه، ولكننا نفسر خلافتهم، وإمارتهم، وإمامتهم، بما يتناسب مع حفظ سائر الخصوصيات الاعتقادية لأهل السنة، خصوصاً بالنسبة لأبي بكر، وعمر، وعثمان، وغيرهم من الحاكمين.. فنقول: إن المراد بالخلافة هو الخلافة في التقوى، والصلاح، والكرامات، تماماً كما يعتقد أهل التصوف في أولياء الصوفية.. أو حتى أدنى من ذلك بمراتب.. أما الإمامة بمعناها الصحيح الذي يقول به الشيعة الإمامية، تبعاً لأئمتهم الطاهرين، وكذلك الإمامة بمعنى الحاكمية، فهي لأبي بكر، وعمر، وعثمان، و..و.. بل إن لهؤلاء مقام العصمة، وأعظم مراتب الكرامة عند الله، حتى إنه سيأتي أن أبا بكر يكون على العرش على يمين الله، وغير ذلك.. وماذا على أهل السنة لو قالوا لأنفسهم، إذا تم لهم ذلك: لا ضير علينا بعد اليوم، من تجويز كل فضيلة في حق أبي بكر، وعمر، وليتوسع الناس، وليترخصوا في هذا الأمر ما شاؤا، فقد حلت مشكلة ذلك الحديث المحرج، وقد أسكتنا الشيعة باعترافنا بصلاح أئمتهم، وباعطائهم درجة أولياء الصوفية، وتمكنا بذلك من حفظ كل خصوصياتنا الاعتقادية، وحفظ التسنن بمعناه الدقيق والعميق.. وابن عربي كما يظهر من كلماته الكثيرة جداً هو من هذا الفريق العريق في التسنن، الذين هم في الحقيقة، الأصلب في التسنن والأصعب.. والأبعد عن إمكانية اقناعهم بالحق.. إن نفس الباب الذي ذكر فيه ابن عربي تلك الفقرات، قد اشتمل على أمور تخالف عقيدة الشيعة، وأحاديثهم، مثل أن عيسى ينزل من السماء بالمنارة البيضاء بشرق دمشق، وأن المهدي هو الذي يصلي خلف عيسى.. ([13]) وغير ذلك.. 4ـ لا يعمل بالقياس: واستدلوا على تشيع ابن عربي، بأنه لا يعمل بالقياس، ولا يقول به.. ([14]) وغير الشيعة هم الذين يعملون بالقياس. ونقول: إن ذلك لا يدل على تشيعه أيضاً، وذلك للأمور التالية: أولاً: إن الشافعي، وآخرين من أئمة أهل السنة أيضاً، لا يعملون بالقياس، ولا يقولون به، فهل صار الشافعي شيعياً، فضلاً عن غيره؟! ثانياً: لنفترض: أن ابن عربي كان وحده الذي وافق الشيعة في رفض العمل بالقياس، فإن هذا لا يجعله في جملة «الشيعة»؟! فإن للتشيع عقائده، وأسسه، وأركانه.. وعلى رأسها رفض صحة خلافة أحد سوى أمير المؤمنين عليه السلام، واعتبار التعدي على السيدة الزهراء عليها السلام أمراً يوجب غضب الله ورسوله، ويَحْرِم فاعله من أي مقام. فضلاً عن أن يتصدى لمقام الخلافة والإمامة؟! ولم يكن ابن عربي ممن يرى ذلك في شأن من تعدى على السيدة الزهراء عليه السلام، واغتصب مقام الخلافة، كما ستظهره النصوص التي أوردناها في هذه الدراسة الموجزة إن شاء الله تعالى.. ثالثاً: إنهم ينسبون إلى ابن الجنيد الإسكافي، أنه كان يعمل بالقياس في الفقه أيضاً ([15])، فلو صح هذا الأمر عنه، فهل يجعله في جملة أهل السنة، ويخرجه عن مذهب التشيع؟!.. هذا إن لم نقل: إن القياس الذي عمل به ابن الجنيد، هو قياس الأولوية القطعية، الداخل في باب الظهورات، والذي من أمثلته قوله تعالى: {لاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ} ([16]) الدالة علىحرمة ضربهما.. ولعله قد اشتبه عليه الأمر أحياناً فتخيل ما هو ظني ـ بحسب الفهم النوعي ـ قطعياً، حين حصل له القطع الشخصي به. أو نقول: كما احتمله بعضهم: إنه كان يستعمل القياس في مناقضاته مع أهل السنة ليلزمهم بما يلزمون به أنفسهم ([17]). هذا وقد نسب العمل بالقياس، إلى الحسن بن علي ابن أبي عقيل أيضاً ([18]). فلعله بقي متأثراً بهم بهذا المقدار، ولعل الأمر بالنسبة إليه هو نفس ما قدمناه بالنسبة للإسكافي. وروي القول بالقياس عن الفضل بن شاذان، ويونس بن عبد الرحمان، وجماعة ([19]). رابعاً: قد أظهرت كلمات ابن عربي: أنه لا يرضى بالاعتراض على من يعمل بالقياس، ويعتبر العامل به عاملاً بشرع الله أيضاً.. وليس هذا هو رأي الشيعة في هذه المسألة.. وستأتي طائفة من عباراته الصريحة في ذلك في فصل: سمات ومناهج.. خامساً: إن ابن عربي حين استدل على ضرورة استبعاد القياس، قد وجه ما قد يدخل في عداد الإهانات لرسول الله صلى الله عليه وآله، حيث قال: «بل عاتبه سبحانه، لما حرم على نفسه باليمين في قصة عائشة وحفصة، بقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} ([20]).. وكان هذا مما أرته نفسه، فلو كان هذا الدين بالرأي، لكان رأي النبي أولى من رأي من ليس بمعصوم..». فإن كلامه هذا يتضمن تخطئة رسول الله صلى الله عليه وآله، واعتبار ما يفعله النبي صلى الله عليه وآله رأياً له، وليس بدلالة إلهية.. مع أن هذه الآية التي هي في صورة عتاب إلهي، إنما جاءت لتسجل غاية الثناء والمدح، والتكريم لرسول الله صلى الله عليه وآله، وقد أراد الله تعالى من خلالها أن يجعل الرسول لنا أسوة وقدوة في نفس فعله هذا.. إنه تعالى يقول: إن هاتين المرأتين اللتين تواجهان رسول الله صلى الله عليه وآله، بأعظم الأذى، قد تظاهرتا عليه صلى الله عليه وآله، إلى الحد الذي أوجب التدخل الإلهي، لفضح أمر المتظاهرتين، وإعلان: أن {اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} ([21]). والمتظاهرتان هما اللتان أفشتا سره، وتفننتا في الإضافة على هذا السر، والزيادة فيه، حتى عرف رسول الله صلى الله عليه وآله بعضه، وأعرض عن بعض.. واللافت هو: أنه صلى الله عليه وآله، إنما يلقى هذه المعاملة من امرأة، وممن هي زوجته، التي له حق القوامة عليها، وهو نبيها، وأولى بها من نفسها.. هذا النبي ـ برغم ذلك كله ـ يعاملها أحسن معاملة، ويكون موقفه منها ليس مجرد الصفح والعفو، بل يصل إلى حد أنه صلى الله عليه وآله يَحْرِم نفسه مما هو حلال له، لتبقى نفس تلك الزوجة المؤذية له، مرتاحة، ومسرورة، وإنما كان سرورها في محروميته وعذابه.. فالله تعالى يريد أن يظهر لنا هذا الخلق العظيم لرسول الله صلى الله عليه وآله، فيقول له على مسمع منا: «لماذا أنت حليم وكريم، وسموح ونبيل، إلى هذا الحد»؟! فهل من يكون حليماً، وكريماً، وصاحب نبل، وخلق رفيع، يكون قد ارتكب ذنباً بذلك؟! وهل يصح أن يعّد هذا النوع من الكلام معه لوماً له، وانتقاصاً لشأنه، وإنقاصاً من قدره ومقامه؟!.. حاشا وكلا!!.. بل هو غاية التكريم له، والثناء عليه، وهو إعلان بمقامه السامي، وتنويه عظيم به، وإظهار لمآثره الجليلة، لنجد نحن فيه الأسوة الحسنة الفضلى، والقدوة المثلى.. ولكن ابن عربي أراد أن يفسر كلام الله، بما يناقض المقصود الحقيقي، بل لقد وصل الأمر به إلى حد أن ينسب النقص والخلاف لرسول الله صلى الله عليه وآله!! 5ـ شعره في الوصية: واستدلوا على تشيع هذا الرجل بأشعاره التي يذكر فيها الوصية، وهي: وصّى الإله، ووصت رسله فـلـذا كـان التأسي بهم من أفضل العمل لولا الوصية كان الخلق في عمـه وبـالـوصية دام الملك في الـدول فاعمد إليها ولا تهمل طريـقتهــا إن الـوصية حكـم الله في الأزل ([22]) حيث قالوا: إن هذه الأبيات قد تضمنت تلويحاً بحسن طويته، وصفاء عقيدته. ونقول: أولاً: إنه إن كان يتحدث عن وصي الرسول صلى الله عليه وآله، فإنه لم يعين من هو هذا الوصي، فهل هو أبو بكر؟! أم هو علي؟! أم شخص ثالث سواهما؟! ثانياً: سلمنا أن المراد به الإمام علي عليه السلام، بقرينة أنه قد صرح بذلك في بعض مؤلفاته، حيث قال: «فلا الحق رضيها لنبيه، ولا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، رضيها لابنته ووصيه» ([23])..فإننا نقول: ولكن ليت شعري، ما هو مقصوده من كونه وصيا؟!، فإن ظاهر كلامه، بل صريحه، يتحدث في هذا المورد، عن أصل الوصية، التي هي مطلوبة للشارع من كل أحد، ولذلك قال مخاطباً سامعه وقارئه: «فاعمد إليها ولا تهمل طريقتها».. فإنه لا يريد أن يقول: إن على كل مسلم أن يوصي بالخلافة من بعده. وأما بالنسبة لوصف الإمام علي عليه السلام بالوصي في بعض مؤلفاته الأخرى، فإننا نقول: إنه ليس ثمة ما يثبت: أنه يقصد أيضاً الوصية في أمر الإمامة، أو الخلافة. ولذلك تجد أهل السنة لا ينكرون، بل هم يصرحون بكون علي عليه السلام هو الوصي لرسول الله صلى الله عليه وآله، ولكنهم يصححون خلافة أبي بكر وعمر أيضاً، باعتبار أن الوصاية لعلي ـ عندهم ـ إنما هي في الأمور المتعلقة بشخص النبي، كالديون، والودائع، وبعض ما يرتبط بالتعامل مع أبنائه، أو مع غيرهم، وما إلى ذلك.. ثالثاً: إنه هو نفسه يصرح بأنه لم يكن بين رسول الله صلى الله عليه وآله وبين أبي بكر رجل! ألا يدل ذلك على أنه يرى أبا بكر في المقام الأول بعد رسول الله صلى الله عليه وآله؟!. يضاف إلى ذلك: ما سوف نورده في هذه الدراسة، من نصوص فإنها تكفي لإظهار حقيقة اعتقاده في أبي بكر وعمر، وعائشة، وسائر المناوئين للإمام علي عليه السلام. الأمر الذي لا ينسجم مع اعتقاده بالوصاية لعلي في تولي أمور الناس بعده صلى الله عليه وآله، إلا إذا كان يرى الجمع بين الأضداد. رابعاً: إنه يصرح أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحداً بعده، فراجع.. ([24]). إلا أن يدعى أن مقصوده هو الخلافة الصوفية، ولكنه تأويل تحكمي تعسفي، يخالفه ظاهر كلامه.. والغريب في الأمر، أنهم يلجأون إلى كلام مبهم ومجمل، ويرون أن فيه تلويحاً أو دلالة على حسن طويته، ويتركون تصريحاته التي لا بد من عدها في ضد ذلك.. مع أنها لا مجال لتأويلها!! إن هذا لشيء عجاب؟!.. 6ـ حديث المنزلة: وقالوا: «لقد أومأ بدقة إلى حديث المنزلة، تحت عنوان «فص هاروني» من كتاب الفصوص، والعبارة هي قوله: «فص حكمة إمامية في كلمة هارونية». حيث دلت عبارته هذه ـ بزعمهم ـ على أمرين: أحدهما: أن ظاهر الكلمة يوهم: أن حكمة الطائفة الإمامية في الكلمة الهارونية، وهي حديث المنزلة، ولفظ أخلفني. ثانيهما: إنه أورد في عبارته المقام الهاروني صريحاً بلفظ «الإمامة»، ولم يبال بمخالفة علماء أهل السنة، وإنكارهم الخلافة الهارونية..» ([25]). ونقول: أولاً: إن هذا الإستدلال غريب أيضاً.. فإنه لم يورد في ذلك الفصل أي شيئ يشير إلى هذه التفاصيل التي ذكروها سوى هذا العنوان الآنف الذكر، فهو لم يشر إلى الإمام علي عليه السلام، ولا إلى حجة الوداع، ولا إلى حديث المنزلة، ولا لغير ذلك، مما يدل على أمر الإمامة، لا من قريب ولا من بعيد.. ثانياً: إن كلمة الإمامة تستعمل عند أهل السنة في معنى الخلافة أيضاً.. وأهل السنة ينكرون خلافة هارون لأخيه موسى، وصيرورته بذلك إماماً لقومه بعده.. بحجة أن النبي هارون عليه السلام، قد مات قبل النبي موسى عليه السلام، فلا معنى لأن يكون خليفة له من بعده.. ونقول لهم: إن المراد من حديث المنزلة هو إثبات المنزلة التي كانت لهارون النبي من النبي موسى عليهما السلام ـ إثباتها لأمير المؤمنين عليه السلام، فإذا ثبتت بقيت. ويكون للإمام علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله منزلة هارون من موسى ما دام الإمام علي عليه السلام حياً، حتى بعد وفاته صلى الله عليه وآله.. وليس المراد التشبيه بموسى وهارون من جميع الجهات، حتى في الحياة والممات، وحتى في مواجهة هارون لعبادة العجل الذي صنعه السامري لبني إسرائيل.. وما إلى ذلك.. ثالثاً: إنه إذا جاز أن يكون لهذا التلويح المدعى أي أثر في معرفة حقيقة اعتقاد ابن عربي، فلماذا لا يكون لتلك التصريحات التي وردت في هذه الدراسة، وهي تعد بالعشرات، بل بالمئات، دلالة على ضد ذلك؟!.. خصوصاً مع تصريحه بعدم استخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله لأحد من بعده، وغير ذلك مما سيأتي.. 7ـ مودة ذوي القربى: قد نسبوا إلى هذا الرجل قوله: رأيت ولائـي آل طــه وســيلة على رغم أهل البعد يورثنــي القربى فما طلب المبعوث أجراً على الهدى بتبليغه إلا الـمودة فـي الـقـربـى ([26]) وقد اعتبروا ذلك من دلائل تشيعه.. ونقول: أولاً: إن هذين البيتين لا يدلان على أكثر من إظهار الحب والولاء لأهل البيت عليهم السلام، ولا يدلان على الاعتقاد بإمامتهم. وقد مدح الشافعي أهل البيت عليهم السلام، والشافعي ليس من الشيعة قطعاً.. ومدحهم أيضاً وغالى فيهم ابن أبي الحديد المعتزلي، وهو ما فتئ يبذل جهده في نقض عقائد الشيعة، حتى إنه ليتشبث بما هو أوهى من بيت العنكبوت، فهل صار المعتزلي شيعياً، وكذلك كل من أظهر الولاء والحب لأهل البيت صلوات الله عليهم؟!.. ثم إن من المعلوم: أن إظهار الحب لهم عليهم السلام واجب على كل مسلم، بنص آية المودة وغيرها، فمن لا يواليهم لا يكون مسلماً بإجماع الأمة، لأنه يكون صريح المعاندة للقرآن الكريم.. ثانياً: لو كان هذان البيتان يدلان على التشيع بمعناه الاعتقادي والفقهي لدخلت في التشيع أمم عظيمة من الناس من أهل السنة الذين مدحوا أهل البيت عليهم السلام، مع أن منهم من هو من أشد الناس على شيعة أهل البيت، وأحرص الناس على نقض عقائدهم، مثل الفضل بن رزوبهان، وابن حجر الهيتمي.. بل يدخل فيهم من حارب أهل البيت عليهم السلام أنفسهم، فقد ورد في التاريخ: مدح عمرو بن العاص علياً، وورد أيضاً مدحه عليه السلام من قبل معاوية، وعمر بن الخطاب، وغير هؤلاء أيضاً.. ثالثاً: قد تقدم أن ابن عربي نفسه قد صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحداً.. ([27]) وأي تأويل لكلامه مرفوض، لأن سائر كلماته الصريحة تؤيد وتؤكد عدم تشيعه.. رابعاً: إننا نشك في صحة نسبة هذا الشعر لابن عربي، إذ قد قال الكنجي ما يلي: «وأنشد بعض مشايخنا، وهو محمد بن العربي، شيخ المحققين: رأيت ولائي آل طه وسيلة.. الخ..» ([28]). وقال ابن حجر الهيتمي: «وللشيخ الجليل شمس الدين ابن العربي: رأيت ولائي آل طه الخ..» ([29]). ونحن نسجل هنا الملاحظات التالية: أ ـ إننا لم نجد هذين البيتين فيما بين أيدينا من مؤلفات لابن عربي، رغم أنه قد ضمن كتبه الكثير من أشعاره.. ب ـ هناك اثنان باسم ابن عربي، وابن العربي.. أحدهما: القاضي محمد بن عبد الله، بن محمد المعافري، الأشبيلي، المالكي، أبو بكر ابن العربي. وهو من حفاظ الحديث، وهو صاحب كتاب العواصم من القواصم. وكتاب عارضة الأحوذي في شرح سنن الترمذي، وغير ذلك، وقد رحل إلى المشرق أيضاً، وتوفي سنة 543.. ([30]). الثاني: محمد بن علي، بن محمد ابن العربي، أبو بكر الحاتمي، الطائي الأندلسي، المعروف بمحيي الدين بن عربي، والملقب بالشيخ الأكبر. زار بلاد الشام، وبلاد الروم، والعراق، والحجاز، ومصر، وغيرها.. ويقول محمد قطة العدوي: إن أهل المشرق قد اصطلحوا على التعبير عن محيي بكلمة «ابن عربي» بدون ألف ولام، فرقاً بينه وبين القاضي ابن العربي.. ([31]). وبعدما تقدم نقول: إن الملاحظ هو: أن الكنجي الشافعي، وهو مشرقي، قد عبر بـ : «ابن العربي» وهذا هو نفس التعبير الذي ورد في الصواعق أيضاً.. فإذا صح ما قاله العدوي، فإن قائل هذين البيتين يكون هو ابن العربي، أي القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله، بن محمد المعافري، وليس محيي الدين محمد بن علي، ابن عربي الطائي.. ج ـ إن اللقب الذي أطلقه الهيتمي على قائل هذين البيتين هو «شمس الدين»، ومن الواضح أن لقب صاحب الفتوحات هو محيي الدين.. وهذه قرينة أخرى على أن المراد هو ابن عربي آخر، فإما أن يكون القاضي المعافري، وهو محمد ابن العربي، أو يكون شخصاً غير هذين الاثنين.. 8 ـ سلمان منا أهل البيت: استدلوا بما قاله في حق سلمان المحمدي (الفارسي)، وهو ما يلي: «هذا شهادة من النبي لسلمان الفارسي بالطهارة، وحفظ الآل، حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: سلمان منا أهل البيت. وشهد الله لهم بالتطهير، وذهاب الرجس عنهم. وإذا كان لا يضاف إليهم إلا مطهر مقدس، وحصلت له العناية الإلهية بمجرد الإضافة، فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم، وهم المطهرون، بل عين الطهارة». ونقول: إنه لا يصح الاستناد إلى هذا القول وأمثاله لإثبات تشيع هذا الرجل، وذلك لما يلي: أولاً: إن مدائحه لغير أهل البيت عليهم السلام، لا تقلُّ عن ذلك، إن لم تكن تزيد عليه.. بل هو يمدح نفسه، ويثبت لنفسه أموراً ومقامات عظيمة جداً. تفوق مقامات الأنبياء والأوصياء، كما أنه يمدح أولياء الصوفية، بما هو أعظم من ذلك بمراتب، أما مدحه لأبي بكر وعمر، وغيرهما.. فهو يتجاوز حدود الخيال. ثانياً: إنه كما أثبت لأهل البيت عليهم السلام صفة العصمة بهذه الآية، فإنه قد أثبت لعمر بن الخطاب صفة العصمة أيضاً، ولكن من دون أن يحتاج إلى آية أو إلى دليل يستند إليه في ذلك، وسنقرأ ذلك في الفصل الخاص بعمر بن الخطاب.. ثالثاً: إن العصمة لا تلازم الإمامة، وقد كان سلمان ـ حسبما ذكره ـ معصوماً، ولم يكن إماماً.. رابعاً: إنه يرى أن المراد بأهل البيت عليهم السلام جميع أولاد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام إلى يوم القيامة، ويُدْخِل فيهم جعفراً وسلمان الفارسي، مع أنهما ليسا من أولاد السيدة الزهراء عليها السلام. ثم هو يفرق بين آل وأهل، فيقول: إن آل البيت هم العلماء والصالحون من أمته، كما سيأتي.. وبذلك يكون قد خرب ـ بزعمه ـ عقيدة التشيع، أو هو على الأقل قد خرج عنها بنفس كلامه هذا، إذ أن الشيعة يعتقدون اختصاص أهل البيت بالنبي والزهراء والأئمة الطاهرين عليهم السلام.. خامساً: إنه يصرح بأن تطهير أهل البيت عليهم السلام، لا يمنع من صدور المعاصي الظاهرية منهم، مثل الكذب، والسرقة، والزنا، وغير ذلك.. فتجري عليهم الحدود، والأحكام في الدنيا، أما في الآخرة، فإن المعاصي لا تضرهم، ولا تنقص من مقامهم هناك.. 9ـ كتاب: دوازده إمام: إن البعض ينسب إلى ابن عربي كتاباً باسم: «دوازده إمام» أي «اثنا عشر إماماً»، وقد اعتبر هذا دليلاً على تشيع هذا الرجل ([32]). ونقول: أولاً: إن كثيرين غير ابن عربي أيضاً قد ألفوا كتباً في مناقب الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، مع أن أحداً لا يشك في أنهم من علماء أهل السنة، مثل الشبلنجي، وابن الصباغ، والشبراوي، والقندوزي، وابن طلحة، والكنجي، وغيرهم من علماء السنة. بل إن بعض من ألَّف في الأئمة الاثني عشر قد كان من المعلنين بعداء الشيعة، والجادين في إطفاء نور الله، والمحاربين لأولياء الله.. مثل ابن حجر الهيتمي صاحب الصواعق المحرقة، والفضل بن رزوبهان صاحب كتاب: إبطال نهج الباطل، الذي رد فيه على كتاب: نهج الحق.. ودلس فيه وكذب، وافترى ما شاءت له قريحته.. ثانياً: إن تأليف هذا النوع من الكتب حول أهل البيت عليهم السلام، وفي خصوص الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، إنما كان يهدف إلى الحفاظ على مذهب التسنن، كما أوضحناه فيما سبق. إذ الحديث الذي يثبت أن الأئمة اثنا عشر، قد أعجز أهل السنة، فتشبثوا بكل حشيش لكي يجيبوا عنه، وكان الحل لدى هؤلاء المتعصبين، هو القول بأن المراد به أئمة لهم مقام رفيع في الهداية والتقوى والعلم، والصلاح، شرط أن لا يبلغ الأمر إلى إعطائهم مقام الخلافة، والإمامة بمعناها الصحيح.. وبعد هذا فلا مانع من تطبيق الحديث على أئمة أهل البيت عليهم السلام.. ثالثاً: إنه يُشَكُّ في صحة نسبة الكتاب المذكور إلى ابن عربي، فقد قال المرحوم الشيخ آقا بزرك الطهراني ما يلي: «المناقب» مر بعنوان: «دوازده إمام»، منسوباً إلى محيي الدين بن العربي، ولعله من إنشاء العيّاني الخفري المذكور في ج9 ص777» ([33]). رابعاً: إنهم إذا كانوا يدَّعون أن ما ظهر من ابن عربي مما يدل على تسننه، وهو بهذه القوة والكثرة، والصراحة، إنما جاء على سبيل التقية.. أو أنه قد دس في كتبه.. فإننا نقول لهم: هل إن التقية تفرض أن تكون تأليفات هذا الرجل زاخرة بالشواهد والدلائل والمؤيدات للمذهب الذي لا يؤمن به، وأن تكون جميعها مبنية في مختلف فصولها، ومطالبها على قواعد المذهب السني، ومسوقة لتأكيده، وتشييده؟! وأية ضرورة تفرض عليه التصدي لأصل التأليف، إذا كانت جميع مؤلفاته سوف تكون في خدمة وتأكيد صحة مذهب لا يرى المؤلف صحته، ولا يعتقد به؟!.. ولماذا يستعمل التقية بهذا المستوى، وبمثل هذا الإغراق والاستغراق في جميع مؤلفاته، ثم ينسى التقية هنا، فيؤلف كتاباً في الأئمة الاثني عشر؟! وهو أمر قد يودي بحياته، لا سيما إذا كان عملاً متكاملاً، ومستقلاً، وظاهراً!! 10 ـ ذكر مناقب أهل البيت عليهم السلام: وقد استدلوا على تشيعه بذكره مناقب أهل البيت عليهم السلام في كتبه، فقد قال الطهراني: «بالرغم من أن كتب محيي الدين مشحونة بمناقب أهل البيت عليهم السلام، ككتاب: «محاضرة الأبرار، ومسامرة الأخيار»، إلا أن أساس مطالبه على أصول أهل السنة، كمثل هذا الفص الداودي الذي ذكره، أما في فتوحاته المكية، الذي ألفه في مكة، فليس فيه ما يوافق أصول السنة» ([34]). وأقول: أولاً: إن جميع ما ذكره في كتبه من مناقب العترة إذا كان أساسه هو أصول أهل السنة، فهو دليل على تسننه. لأن المائز بين التشيع والتسنن ليس هو رواية مناقبهم عليهم السلام، أو قبولها، أو إنكارها، بل هو القبول بأحقيتهم عليهم السلام بمقام الخلافة بعد رسول الله، وبطلان خلافة من تقدم عليهم.. ثانياً: إن قوله: إن كتاب الفتوحات لم يتضمن شيئاً يوافق أصول السنة.. لا يفيد في إثبات تشيعه. بل المفيد هو إثبات: أنه موافق لأصول مذهب الشيعة الإمامية، ليمكن الحكم بتشيع مؤلفه، حين تأليفه لذلك الكتاب على الأقل.. فإن كان قد ألف تلك الكتب الموافقة لأصول مذهب السنة بعد ذلك الكتاب، فيحكم بتسننه من أجل ذلك. وإن كان ذلك الكتاب هو آخر مؤلفاته، فإنه يحكم بتشيعه في آخر حياته. على فرض تضمن ذلك الكتاب أي شيء يدل على تشيعه.. ثالثاً: إنه ليس صحيحاً قوله: إنه ليس في كتاب الفتوحات ما يوافق أصول أهل السنة.. والصحيح هو أن كل ذلك الكتاب مبني على أصولهم في الاعتقادات، وفي الفقه، والتاريخ، والرجال، و.. و.. الخ.. وأدنى مراجعة له خير شاهد على ما نقول، وتتضمن دراستنا الموجزة هذه، عشرات الموارد من ذلك الكتاب بالذات، وكلها قد جاءت مبنية على أصول السنة.. رابعاً: إن ذكر مناقب أهل البيت عليهم السلام، في المواقع المناسبة، لهو مما يلتزم به كل مسلم، ولكن المهم هو التصريح بلوازم ومعاني تلك المناقب. وهو دلالتها على بطلان خلافة المتقدمين على الإمام علي عليه السلام، وعلى أنهم كانوا معتدين عليه، وغاصبين لحقه.. وقد ذكر مؤلفوا كتب الصحاح وغيرها، مثل صحيح مسلم، ومسند أحمد، وسنن ابن ماجة، وأبي داود، وصحيح البخاري، وغير ذلك.. الكثير من مناقبهم عليهم السلام، مع الالتزام الشديد منهم بأصول التسنن ومناهجه.. 11ـ علي إمام العالم: وقد استدلوا على تشيعه بكلمة نسبوها إليه، يصرح فيها ـ بحسب قولهم ـ بأن الإمام علياً عليه السلام: «إمام العالم». وقالوا: إن الفيض والشعراني يقولان: إن صاحب الفتوحات بعد أن ذكر أن نبينا صلى الله عليه وآله أول ظاهر في الوجود، قال: «وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب، إمام العالم، وسر الأنبياء أجمعين» ([35]). ونقول: أولاً: قد ذكرنا في فصل: «هكذا يدافعون عن ابن عربي»، تحت عنوان: «الدس في كتاب الفتوحات» وغيره: أن كتب ابن عربي قد تعرضت للدس والتحريف، فزادوا فيها ما يخالف مذهب أهل السنة، فإذا صح قولهم هذا، فلا بد أن تكون هذه الكلمة من أوضح مصاديق هذا المدسوس عليه.. لأن أهل السنة لا يرضون بمضمونها حتماً وجزماً، ويسعون إلى تكريس هذا الأمر في أبي بكر.. إلا إذا أريد منها معنى يتناسب مع اعتقاداتهم ومناهجهم. ثانياً: إن الشعراني وغيره يدَّعون: أنه قد زيد في كتاب الفتوحات المكية ما يخالف مذهب أهل السنة، ولا يدعون وجود نقيصة فيه. ورغم ذلك، فإن هذه العبارة المنسوبة إليه لا توجد في الفتوحات، وهذا معناه: أن التحريف بالنقيصة حاصل أيضاً.. والظاهر: أنها عبارة مستنبطة بصورة خاطئة سنشير إليها بعد صفحات يسيرة.. ثالثاً: إن ما ذكره ابن عربي حول أبي بكر، وعمر، وطلحة، والزبير، وعائشة، وحتى معاوية، والمتوكل، فضلاً عن الحجاج، لا يبقي مجالاً لاعتقاد: أنه يقصد بالإمامة للعالم هو الإمامة بمعناها الشيعي، بل هو ـ لو صحت نسبة هذه الكلمة إليه ـ يقصد إمامة لا تتعارض مع جلوس أبي بكر على العرش، ومع عصمة عمر، ومع تعظيم المتوكل، والحجاج، وما إلى ذلك.. رابعاً: قد ذكرنا: أنه قد صرح بأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف أحداً من بعده.. ([36])، وأن تأويل كلامه بإرادة الخلافة الصوفية، لا يصار إليه إلا بدليل. والدليل قائم على خلافه، كما أشرنا إليه غير مرة.. فإن صح أن يكون ابن عربي قد قال: إن علياً عليه السلام، إمام العالم، فلا بد أن لا يكون مقصوده الإمامة الدينية بالمعنى الشيعي، بل مراده إمامة صوفية ـ لا تصل إلى مستوى ما يدّعيه لنفسه ولغيره ممن يطلق عليهم اسم الأولياء ـ أو إمامة بمعناها اللغوي حيث يراد بها مجرد التعظيم، ولا تتعارض مع خلافة خلفائهم، بل تكون كإمامة الغزالي، والرازي، وما إلى ذلك.. وإنما قلنا: لا تصل إلى مستوى ما يدّعيه لنفسه ولغيره من أولياء الصوفية، لأنه يدّعي لنفسه درجات النبوة من دون تشريع، ويصر على ذلك أيما إصرار.. كما سنرى.. خامساً: من أين جاء القطيفي والفيض بعبارة «إمام العالم»، فإن الموجود في «الفتوحات المكية» غير ذلك، فقد قال ابن عربي: «قال تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} ([37])، فشبه نوره بالمصباح، فلم يكن أقرب إليه قبولاً في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وآله، المسماة بالعقل، فكان سيد العالم بأسره، وأول ظاهر في الوجود، فكان وجوده من ذلك النور الإلهي، ومن الهباء، والحقيقة الكلية وفي الهباء وجد عينه، وعين العالم من تجليه.. وأقرب الناس إليه، علي بن أبي طالب، وأسرار الأنبياء أجمعين..» ([38]). وليس في هذه عبارة: أن علياً «إمام العالم».. بل الموجود هو أن النبي صلى الله عليه وآله هو سيد العالم بأسره.. كما أن الشعراني قد نقل هذه الفقرة عن الفتوحات، ولم يذكر أن هذه الكلمة منسوبة إلى الإمام علي عليه السلام، وإن كانت عبارته تختلف عن عبارة الفتوحات أيضاً، فقد قال: «فكان صلى الله عليه [وآله] وسلم مبدأ ظهور العالم، وأول موجود. قال الشيخ محيي الدين. وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين.. ([39]). سادساً: وكما أنه ليس في هذه الفقرة: أن علياً عليه السلام إمام العالم. ليس فيها أيضاً: إنه الجامع لأسرار الأنبياء، بل فيها: إن القريب من النبي صلى الله عليه وآله هو علي وأسرار الأنبياء. وشتان ما بينهما.. سابعاً: أضف إلى ذلك: أن مجرد قرب علي عليه السلام من حيث الظهور في الوجود لا يعني أنه الأفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.. فإن النبي آدم عليه السلام كان أباً للبشر كلهم، ولم يكن أفضل من النبي إبراهيم، أو من نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وعلى النبي إبراهيم وآله.. ويضاف إلى ذلك: أن الأفضلية بعد رسول الله ـ بنظر ابن عربي ـ هي لأبي بكر، لأنه يصرح بأنه ليس بين النبي صلى الله عليه وآله وبين أبي بكر رجل، كما أن سائر ما ذكره عن أبي بكر مما سنورده في فصل مستقل يدل على أن مقصوده بالعبارة المشار إليها آنفاً هو قربه منه صلى الله عليه وآله من حيث النسب، لا الفضل.. وأخيراً نقول: إن الظاهر هو أنهم قد استنبطوا هذه الكلمة استنباطاً، فإن ابن عربي قد وصف النبي صلى الله عليه وآله بأنه سيد العالم بأسره، ثم قال: إن أقرب الناس إليه هو علي، فاستفادوا من قربه إليه إمامته وسيادته للعالم أيضاً مثله صلى الله عليه وآله.. مع أن استفادة ذلك غير ظاهرة، ولا صحيحة، فإنه إذا وصف النبي بالنبوة، فإن هذا الوصف لا يثبت لأقرب الناس إليه أيضاً.. 12ـ التنويه بحديث الغدير: وقد استدلوا أيضاً بكلام ابن عربي حول الغدير، فقالوا: «وقد أعرض في رسالته المشهودة عن ذكر إيمانه بإمامة الخلفاء، ونوه بلطف إلى وجوب الاعتقاد بالأمور الواقعة في يوم الغدير، ومن جملتها تعيين خلافة الأمير عليه السلام، حتى يصل إلى قوله: «ووقف في حجة وداعه على كل من حضر من أتباعه، فخطب وذكَّر، وخوف وحذَّر، ووعد وأوعد.. إلى أن قال: هل بلغت؟! فقالوا: بلغت يا رسول الله. فقال: اللهم اشهد» ([40]). ونقول: أولاً: قد يكون سبب إعراضه عن ذكر إيمانه بإمامة الخلفاء هو عدم وجود مناسبة تقتضي ذلك، لا لأجل وجود تحفظ لديه على إمامتهم. ثانياً: إن ذكر واقعة الغدير بكل دقائقها وتفاصيلها في كتاب لا يدل على التزام مؤلفه بمضمونها وفق التفسير الشيعي الإمامي لها. فإن كثيراً من علماء أهل السنة، قد أوردوها في كتبهم، وبقوا على تسننهم، وحاولوا تأويلها، والخروج من تبعات الالتزام بها.. وقد تقدم التصريح من قبل الراغبين بإثبات تشيع ابن عربي: بأنه قد شحن بعض كتبه بمناقب أهل البيت عليهم السلام، ولكن أساس مطالبه قد جرى وفق أصول أهل السنة.. ونحن نتيقن: أنه قد جرى في هذا المورد ـ أي في حديثه عن الغديرـ على نفس هذا النهج، وهو نهج التسنن أيضاً؟! وذلك لما نجده من دلائل وشواهد على تسننه، تعد بالمئات، وربما تزيد.. ثالثاً: هل صرح ابن عربي، وهو يتحدث عن قضية الغدير بالمضامين الصحيحة، الدالة على أمر الإمامة، فلم يتصرف بها بالحذف والتشويه؟!! ـ كما فعل بالنسبة لحديث الثقلين، وكما فعل في غيره؟!.. والجواب: إنه لم يفعل ذلك، ولم يصرح باسم علي عليه السلام، وأقحم في كلامه جملة لا ربط لها بموضوع الإمامة.. فراجع النص الذي ذكره المستدل آنفاً.. ويبقى السؤال حائراً وتائها، عن أنه، كيف رأوا خصوص تلك الإيحاءات الضعيفة والواهية كافية للدلالة على تشيعه؟ ولم يروا هذا الحشد العظيم، والكم الهائل مما هو صريح في رسوخ قدمه في التسنن؟!.. كافياً للتشكيك في دلالة وصحة تلك الشواهد الواهية والمريضة!! رابعاً: إنه هو نفسه ـ كما تقدم ـ قد صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله، لم يستخلف أحداً من بعده، فكيف تكون إشارته لحديث الغدير دللى الله عليه وآله، لم يستخلف أحداً من بعده، فراجع كلامه.. يد هؤلاء إثبات تشيعه استناداً إلى تلك يلاً على تشيعه؟! إلا أن يدعى أن مراده: أنه صلى الله عليه وآله لم يستخلف ولياً صوفياً، كما ألمحنا إليه وقلنا: إنه تأويل بارد، والمتاجرة به متاجرة بكاسد، والإعتماد عليه اعتماد على أمر فاسد. بعد ما أوردناه في هذه الدراسة من دلائل وشواهد، على أن ابن عربي، عن التشيع حائد، وبه زاهد. 13ـ يكني عن علي عليه السلام، بفلان: وقالوا: إن ابن عربي قال في معرفة أسرار {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.. وأسرار الفاتحة. «فالياء في الرحيم ترمز لليالي العشر، والنقتطتان الشفع، والألف الوتر.. والاسم الرحيم، مالكيته: الفجر. ومعناه الباطن الجبروتي: والليل إذا يسر، وهو الغيب الملكوتي. وترتيب النتقطتين الواحدة مما يلي الميم، والثانية مما يلي الألف: وجود العالم الذي بعث إليهم، والنقطة التي تليه (أي الميم) فلان.. والنقطة التي تلي الألف محمد..» ([41]). قالوا: أراد بفلان علياً عليه السلام، لأنه هو الذي يناسب التقية فيه.. ونقول: أولاً: إن النص الموجود في الفتوحات المكية ج1 ص110 ط دار صادر أوفست عن دار الكتب العربية الكبرى بمصر. هكذا: «والنقطة التي تليه أبو بكر رضي الله عنه الخ..». وليس هذا من موارد الدس المدعى، لأن الدس المدعى حصوله، إنما هو لما يخالف عقيدة أهل السنة فقط.. ثانياً: إن تقدير كلمة (علي) تأباه القرينة الموجودة في الكلام نفسه، فإن العبارة هكذا: «والنقطة التي تليه أبو بكر رضي الله عنه، والنقطة التي تلي الألف محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم. وقد تقببت الباء عليهما كالغار {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} ([42]).. فإنه واقف مع صدقه، ومحمد عليه السلام واقف مع الحق، في الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت، فهو الحكيم، كفعله يوم بدر في الدعاء والإلحاح، وأبو بكر عن ذلك صاح، فإن الحكيم يوفي المواطن حقها.. ولما لم يصح اجتماع صادقين معاً، لذلك لم يقم أبو بكر في حال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وثبت مع صدقه به.. فلو فقد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في ذلك الموطن، وحضره أبو بكر، لقام في ذلك المقام الذي أقيم فيه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، لأنه ليس ثم أعلى منه يحجبه عن ذلك، فهو صادق ذلك الوقت وحكيمه، وما سواه تحت حكمه.. فلما نظرت نقطة أبي بكر إلى الطالبين أسف عليه، فأظهر الشدة وغلب الصدق، وقال: {لاَ تَحْزَنْ} لأثر ذلك الأسف {إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} كما أخبرتنا!» ويستمر الكلام على هذا المنوال ومحوره، أبو بكر، لا الإمام علي عليه السلام، فراجع.. ([43]). فكيف يكون المراد من كلمة فلان هو علي، وليس أبا بكر؟! 14ـ بركة أهل البيت عليهم السلام: وقد يستدل على ذلك بأنه يرى: أن الموحدين لا يبقون في النار، ولو بقوا فيها لعادت عليهم برداً وسلاماً ببركة أهل البيت عليهم السلام.. ([44]). فهذا يدل أن قلبه مملوء بحب أهل البيت عليهم السلام، وعلى أنه يعتقد فيهم هذا المستوى من التأثير، حتى إن النار تكون برداً وسلاماً ببركتهم.. ونقول: أ ـ إنه يثبت لأبي بكر، وعمر، وسواهما، ولأولياء الصوفية بركات ومقامات أعظم. وبعضها لم يثبته لأهل البيت عليهم السلام ولا لغيرهم.. ب ـ إن حبه لأهل البيت عليهم السلام هو المفروض على كل مسلم بنص القرآن، ولكن، ليس هذا هو كل المطلوب، بل المطلوب هو أن يعتقد إمامتهم، وأن يصرح بعدم صحة إثبات الإمامة لغيرهم، ممن غصب هذا الحق منهم.. وليس في إثبات هذه البركات العظيمة لهم ما يدل على اعتقاده بهذا، أو بذاك.. ج ـ إن الشفاعة في يوم القيامة تكون لكل مؤمن، حتى إن المؤمن الواحد قد يشفع لأمم كبيرة، حتى لو كانت مثل قبيلتي ربيعة ومضر.. ولكن ذلك لا يعني ثبوت الإمامة لهذا الشافع. والسيدة الزهراء عليها السلام أيضاً، تشفع لشيعتها ومحبيها، مع أنها ليس لها مقام الإمامة الظاهرية، وإن كان لها مقام من نوع آخر، يقتضي شراكتها في حفظ الدين، وصيانة الأمة، وهدايتها، ورعايتها.. وقد ورد أيضاً في إمام الجماعة: أن أئمتكم شفعاؤكم.. والأحاديث في الشفاعة كثيرة ومتنوعة.. ([6]) الآية 15 من سورة القصص. ([7]) أوائل المقالات ص2 و3. ([8]) الروح المجرد ص319 ط سنة 1423 هـ عن كتاب «الأربعين» للشيخ البهائي ص312 و313 خاتمة الحديث رقم 36 عن الفتوحات لابن عربي، في الباب 366 ومجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري ج2 ص281 ط حجرية وقد ذكر الطهراني في الروح المجرد ص221: أن الظاهر هو أن الشيخ البهائي قد التقط فقرات هذه العبارة من كتاب الفتوحات المكية ج3 ص327 و336 ط دار الكتب العربية الكبرى مصر. ([9]) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد ج6 ص10 وينابيع المودة ج3 ص173 و214 = = و300 و399 و394. ([10]) وقد طبع هذا الكتاب مؤخراً في مصر نشر مكتبة الثقافة الدينية. ([11]) راجع فيما تقدم: تاريخ حصر الاجتهاد، للشيخ آقا بزرك الطهراني ص26 و27 و28، والاجتهاد والتجديد في التشريع الإسلامي ص74 و94 و356 و377 و390. ([12]) راجع: فقه السنة ص7 و14. ([13]) راجع: الفتوحات المكية ج3 ص327 ط دار صادرأفست عن دار الكتب العربية الكبرى بمصر. ([14]) راجع كتاب: شرح مناقب محيي الدين ابن عربي ص29 ـ 31 ط حجرية. ([15]) روضات الجنات ج6 ص145 والكنى والألقاب ص26 وراجع الفهرست للطوسي أيضاً. ([16]) الآية 23 من سورة الإسراء. ([17]) روضات الجنات ج6 ص147. ([18]) راجع: روضات الجنات ج6 ص145. ([19]) روضات الجنات ج6 ص148. ([20]) الآية 1 من سورة التحريم. ([21]) الآية 4 من سورة التحريم. ([22]) راجع: الروح المجرد ص327 الفتوحات المكية صدر الباب 560 ج4 ص444 ط دار صادر أفست عن طبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر، وروضات الجنات ج4 ص193طبعة حجرية عن كتاب الوصايا لابن عربي. ([23]) مجموعة رسائل ابن عربي ج1 ص142 و143 ط دار المحجة البيضاء سنة 1421 هـ بيروت ـ لبنان. ([24]) فصوص الحكم ص 163 ([25]) راجع: الروح المجرد ص330 ـ 332. ([26]) مجالس المؤمنين للقاضي التستري ج2 ص281 عن كتاب إحياء علوم الدين. ([27]) راجع: فصوص الحكم ص163. ([28]) كفاية الطالب ص313. ([29]) الصواعق المحرقة ص259 ط سنة 1403 هـ. ق. دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان. ([30]) راجع: الأعلام للزركلي ج6 ص230. ([31]) راجع: الفتوحات المكية ج4 ص554. ([32]) راجع: شرح مناقب محيي الدين ابن عربي ص37 ـ 48. ([33]) راجع: الذريعة ج22 ص317 و318. ([34]) الروح المجرد ص337. ([35]) الردود والنقود ص345 ط سنة 1423 هـ للشيخ إبراهيم آل عرفات القطيفي القريحي المتوفي أواسط القرن الثالث عشر.. وكلمات مكنونة ص181 وراجع اليواقيت والجواهر، للشعراني ج2 ص20 المبحث 32، والروح المجرد ص346. ([36]) راجع: فصوص الحكم ص163. ([37]) الآية 35 من سورة النور. ([38]) الفتوحات المكية ج1 ص119 ط دار صادر أفست عن دار الكتب العربية الكبرى بمصر. والردود والنقود ص345. ([39]) اليواقيت والجواهر ص339 ط دار إحياء التراث مؤسسة التاريخ العربي.. ([40]) الروح المجرد ص329. ([41]) راجع: كتاب الردود والنقود ص323. ([42]) الآية 40 من سورة التوبة. ([43]) الفتوحات المكية ط دار الكتب العربية الكبرى ج1 ص110. ([44]) الفتوحات المكية ج4 ص148 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
اخي الكريم الفاضل سلمت يداك وحفظ الله سماحة السيد جعفر وادام بركاته وحفظ كل علماؤنا العاملين الحمد لله الذي اكرمنا بمراجع على نهج سادتنا ينيرون لنا السبيل
موضوع اكثر من رائع ..رائع لي عودة لاكمله |
الفصل الثاني من هم أهل البيت عليهم السلام.. وحقيقة عصمتهم. بداية وتوطئة: إن أعظم وأهم ما يستدلون به على تشيع ابن عربي هو ما قاله حول آية التطهير، وما قاله بالنسبة لاعتبار سلمان المحمدي (الفارسي) من أهل البيت عليهم السلام. وحين نراجع كلماته هذه بالذات نجد أنه لم يكن بصدد إثبات العصمة لأهل البيت عليهم السلام، بقدر ما كان بصدد نفيها عنهم، وهو يمارس أعظم الكيد لإسقاط دلالة هذه الآية المباركة عن التأثير في تقوية عقيدة الشيعة، وذلك بتقديمه ادعاءين باطلين، يخالفان البداهة، ويضحكان حتى الثكلى. وهما: الأول: أن المقصود بأهل البيت ليس هو الأئمة الطاهرون، بل ما يعمُّ جعفراً وسلمان الفارسي، وجميع أولاد فاطمة إلى يوم القيامة. وهو أيضاً يسعى للتفريق بين أهل البيت وآل البيت، فيدعي: أن المراد بآل البيت هم جميع ذرية رسول الله إلى يوم القيامة، أو الصالحون من جميع الأمة.. أو.. أو.. مع حرص ظاهر على أن لا يتوهم أحد خلاف ذلك.. الثاني: إن آية التطهير لا تعصم عن ارتكاب المعاصي، حتى السرقة والزنا، وشرب الخمر، فيستحق فاعلها العقاب في الدنيا، لكنها لا أثر لها في الآخرة بل تكون مفغورة كذنوب أهل بدر.. حيث نسبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله قوله للبدريين: إفعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم. ولكنه في المقابل، يدعي العصمة الحقيقية لأصغر ولي من أولياء الصوفية، ويدعيها لعمر بن الخطاب.. بل هو يثبت لمناوئي أهل البيت أعظم مراتب الكرامة والطهارة.. والنصوص التي نوردها في هذا الفصل توضح هذه الحقيقة. نحاول أن نذكرها من دون تعليق، فنقول: معاصي المعصوم مغفورة: 1ـ قال: «اعلم: أن من عباد الله من يطلعهم الله على ما قدر عليهم من المعاصي، فيسارعون إليها من شدة حيائهم من الله، ليسارعوا بالتوبة، وتبقى خلف ظهورهم، ويستريحون من ظلمة شهودها. فإذا تابوا رأوها عادت حسنة، على قد ما تكون.. ومثل هذا لا يقدح في منزلته عند الله. فإن وقوع ذلك من مثل هؤلاء، لم يكن انتهاكاً للحرمة الإلهية، ولكن بنفوذ القضاء والقدر فيهم. وهو قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ([45]).. فسبقت المغفرة وقوع الذنب.. فهذه الآية قد يكون لها في حق المعصوم وجه: وهو أن يُسْتَر عن الذنوب، فتطلبه الذنوب فلا تصل إليه، فلا يقع منه ذنب أصلاً، فإنه مستور عنه.. أو يُستر عن العقوبة فلا تلحقه، فإن العقوبة ناظرة إلى محال الذنوب، فيستر الله من شاء من عباده، بمغفرته عن إيقاع العقوبة له، والمؤاخذة عليه. والأول أتم. فتقدمت المغفرة من قبل وقوع الذنب، فعلاً كان أو تركاً، فلا تقع منه إلا حسنة، يشهدها وحسنها. ومن عباد الله من لم يأت في نفس الأمر إلا ما أبيح له أن ياتيه، بالنظر إلى هذا الشخص على الخصوص.. وهذا هو الأقرب في أهل الله. فإنه قد ثبت في الشرع أن الله يقول للعبد، لحالة خاصة: «إفعل ما شئت، فقد غفرت لك» فهذا هو المباح، ومن أتي مباحاً لم يؤاخذه الله به، وإن كان في العموم في الظاهر معصية، فما هو عند الشرع في حق هذا الشخص، معصية. ومن هذا القبيل هي معاصي أهل البيت عند الله، قال عليه السلام في أهل بدر: «وما يدريكم! لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: افعلوا ما شئتم، فقد غفرت لكم».. وفي الحديث الثابت: «أن عبداً أذنب فيقول: رب اغفر لي. فيقول الله: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب. إلى أن قال: في الرابعة، أو في الثالثة: إفعل ما شئت فقد غفرت لك». فأباح له جميع ما كان قد حجره عليه، حتى لا يفعل إلا ما أبيح له فعله، فلا يجري له عند الله لسان ذنب، وإن كنا لجهلنا بمن هذه صفته وهذا حكمه عند الله أن نعرفه، فلا يقدح ذلك في منزلته عند الله.. فمن هذه حالته ما فعل إلا ما أبيح له فعله أو تركه.. فإن الحكم يترتب بجميع الأحوال. فحال أهل الكشف، على اختلاف أحوالهم، ما هو حال من ستر عنه حاله. فمن سوى بينهما فقد تعدى فيما حكم به.. ألا ترى «المضطر» ما حرمت الميتة عليه قط، متى وجد الإضطرار. وغير «المضطر» ما أحلت له الميتة قط؟ هذا ظاهر الشرع، فأحكام الشرائع مرتبة على الأحوال، ونحن، فيما جهلنا حاله، أن نحسن الظن به ما وجدنا لذلك سبيلاً..» ([46]) من هم آل البيت: 2ـ وقال: «واعلم أن آل الرجل في لغة العرب هم خاصته الأقربون إليه. وخاصة الأنبياء، وآلهم، هم الصالحون، العلماء بالله، والمؤمنون» ([47]). 3ـ وقال: «ومعلوم: أن آل إبراهيم، من النبيين والرسل (هم) الذين كانوا بعده، مثل إسحاق، ويعقوب، ويوسف، ومن انتسل منهم، من الأنبياء والرسل بالشرائع الظاهرة، الدالة على أن لهم النبوة عند الله. أراد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يلحق أمته، وهم آله العلماء الصالحون، ومنهم بمرتبة النبوة عند الله، وإن لم يشرعوا.. ولكن أبقى لهم من شرعه ضرباً من التشريع». إلى أن قال: «.. فقطعنا أن في هذه الأمة من لحقت درجته درجة الأنبياء في النبوة عند الله، لا في التشريع..». إلى أن قال: «فأكرم الله رسوله صلى الله عليه [وآله] وسلم بأن جعل آله شهداء على أمم الأنبياء، كما جعل الأنبياء شهداء على أممهم. ثم إنه خص هذه الأمة ـ أعني علماءها ـ بأن شرع لهم الاجتهاد في الأحكام، وقرر حكم ما أداه إليه اجتهادهم، وتعبدهم به، وتعبد من قلدهم به، كما كان حكم الشرايع للأنبياء ومقلديهم. ولم يكن مثل هذا لأمة نبي، ما لم يكن نبي بوحي منزل. فجعل الله وحي علماء هذه الأمة في اجتهادهم، كما قال لنبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ} ([48]).. فالمجتهد ما حكم إلا بما أراه الله في اجتهاده.. فهذه نفحات من نفحات التشريع، ما هو عين التشريع.. فلآل محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، وهم المؤمنون من أمته مرتبة النبوة عند الله، تظهر في الآخرة، وما لها حكم في الدنيا إلا هذا القدر من الاجتهاد المشروع لهم، فلم يجتهدوا في الدين والأحكام إلا بأمر مشروع من عند الله.. فإن اتفق أن يكون أحد من أهل البيت بهذه المثابة، من العلم والاجتهاد، ولهم هذه المرتبة ـ كالحسن، والحسين، وجعفر، وغيرهم ـ فقد جمعوا بين الأهل والآل.. فلا تتخيل أن آل محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، هم أهل بيته خاصة، ليس هذا عند العرب، وقد قال تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ}([49]) يريد خاصته»..([50]). عصمتهم.. لا تنافي إرتكابهم للكبائر: وحول عصمة أهل البيت عليهم السلام، وتطهيرهم بالآية، يقول: 4 ـ «فدخل الشرفاء، أولاد فاطمة [عليهم السلام] كلهم، ومن هو من أهل البيت [عليهم السلام]، مثل سلمان الفارسي إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهرون اختصاصاً من الله، وعناية بهم، لشرف محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، وعناية الله به. ولا يظهر حكم هذا الشرف لأهل البيت [عليهم السلام] إلا في الدار الآخرة، فإنهم يحشرون مغفوراً لهم، وأما في الدنيا، فمن أتى منهم حداً أقيم عليه، كالتائب إذا بلغ أمره، وقد زنى، أو سرق، أو شرب، أقيم عليه الحد مع تحقق المغفرة، كما عزروا أمثاله، ولا يجوز ذمه. وينبغي لكل مسلم مؤمن بالله وبما أنزله أن يصدق الله تعالى عليهم السلام في قوله: {لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}([51]).. فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل البيت [عليهم السلام]: أن الله قد عفا عنهم فيه، فلا ينبغي لمسلم أن يلحق المذمة بهم الخ..([52]). خلاصة لما تقدم: وقد ظهر من النصوص المتقدمة أمور كثيرة، نكتفي منها بذكر ما يلي: أولاً: إنه يقول: إن المراد بأهل البيت عليهم السلام هم جميع أبناء فاطمة إلى يوم القيامة، ثم هو يدخل فيهم جعفراً وسلمان الفارسي، مع أنهما ليسا من أبنائها، ثم هو يفرق بين كلمتي أهل وآل.. ويقول: إن المراد بآل البيت عليهم السلام هم المؤمنون من أمته صلى الله عليه وآله كلها، تارة.. وأنهم العلماء والمخلصون تارة أخرى.. وأن أهل بيته من كان موصوفاً بصفته، تارة ثالثة..([53]). ثانياً: إنه يدعي: أن عصمة أهل البيت لا تمنع من صدور الكذب، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، وغير ذلك من الكبائر منهم.. ويقرر أنه لا بد في هذه الصورة من إقامة الحدود عليهم، ومجازاتهم في الدنيا.. ولكنها تكون ذنوباً مغفورة لهم في الآخرة.. ثالثاً: إنه كما يقول بعصمة الأئمة، فإنه يقول بعصمة الأولياء الذين يعتبرهم أنبياء أيضاً، وقد أشار إلى أنهم هم آل النبي.. ولكنه يطلق الكلام في حق عمر بن الخطاب، فيقول بعصمته، ولا يورد احتمالات ارتكابه لأي ذنب، كبيراً كان أم صغيراً.. مع أنه قد كان لعمر موقف معروف من النبي صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه، حيث قال عنه: إنه يهجر، أو غلبه الوجع..([54]). وله موقف وسلوك معروف أيضاً، تجاه السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، والاعتداء عليها بالضرب، ثم إسقاط جنينها، وغير ذلك.. وقد ماتت وهي مهاجرة له.. بالإضافة إلى مواقفه من الإمام علي عليه السلام، فإنه لم يشر إلى أي شيء من ذلك كله وسواه. مع أنه كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار.. تجاهل أهل البيت عليهم السلام: إنه برغم ما يدعونه من تشيع ابن عربي لأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، فإننا نقول: إن عد هذا الرجل ممن يتجاهل أهل البيت عليهم السلام في مؤلفاته أولى من عده من شيعتهم وأتباعهم، إذ لا مجال لمقايسة تعظيمه للمناوئين لأهل البيت عليهم السلام، الذي يصل إلى حد الغلو.. بما يذكره من كلمات متواضعة في حق أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم.. ومراجعة كتبه مثل «فصوص الحكم» و «الفتوحات المكية» تكفي لبيان إهماله الظاهر لذكرهم عليهم السلام، بالقياس إلى من عداهم.. بل هو قد ذكر أن أهل البيت بما فيهم علي، والحسن، والحسين، و.. عليهم السلام قد يرتكبون الزنا، والسرقة، وشرب الخمر، و.. و.. ولم يذكر أن ذلك ممكن في حق غيرهم من الخلفاء.. لمجرد رفع العتب: وبديهي أن الإهمال التام لذكر علي والحسن والحسين والزهراء عليهم السلام، غير مستساغ عند جميع المسلمين، فإنهم على رأس من يرى جميع المسلمين أن الله قد أوجب مودتهم، ومحبتهم.. فقد كان لا بد له ولغيره من ذكر هؤلاء في المواقع المقتضية لذلك، للخروج من حالة الإحراج في أمر ألزم به القرآن، وصرحت به الأحاديث المتواترة.. ولكن ابن عربي لم يهتم كثيراً لهذا الأمر، فأهمل ذكرهم.. إلى حد أنك لا تكاد تشعر بوجودهم، ولا بأي دور، أو مقام لهم صلوات الله عليهم فراجع موسوعته الأهم، وهي فتوحاته المكية، وفصوص الحكم، ورسائله، وغيرها، رغم أنك تجد إغراقاً، بل واستغراقاً في الثناء والتعظيم، لمن عداهم، وعاداهم.. وهو يبادر إلى تسطير الفضائل والكرامات والمقامات لمن خاصمهم وناواهم، بمناسبة وبدونها.. أما ذكر باقي الأئمة، مثل الإمام العسكري، والهادي، والجواد، والرضا، والكاظم، و.. صلوات الله وسلامه عليهم، فذلك ـ لو حصل ـ فسيكون نادرة الدهر، وغريبة العمر.. في سياق الانتقاص لأهل البيت عليهم السلام: وبعد أن عرفنا كيف أن ابن عربي قد حوَّل آية التطهير من فضيلة كبرى لأهل البيت عليهم السلام، إلى سبب ذم، ووسيلة انتقاص، فإننا نذكر ها هنا طائفة من كلامه الذي يرتبط بهم عليهم السلام. وقد ضمّنه بعض ما يمكن أن يدخل في دائرة الانتقاص لهم، والسعي لتصغير شأنهم، لكي يضاف إلى سائر النصوص التي تؤكد حقيقة أن هذا الرجل أبعد ما يكون عن التشيع، وعن رموزه، وأعلامه، فضلاً عن أن يلتزم بعقائده، أو بشرائعه وأحكامه.. فنقول: انتقاص مبطن للسيدة الزهراء عليها السلام: 6ـ قال ابن عربي: «ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: كمل من الرجال كثيرون، ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية»..([55]). 7ـ وقال: «كما قال في الكمال، فذكر أنه يكون أيضاً في النساء، وعيَّن منهن مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون..»([56]). 8 ـ وقال: «وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وآله، بالكمال لمريم وآسية..»([57]). فلو كان ابن عربي شيعياًَ لم يعتمد هنا على رواية البخاري، ومسلم، والترمذي، وابن ماجة، التي أريد منها الانتقاص من سيدة نساء العالمين بصورة مبطنة.. ثم يقرر على أساسها أن الكمال محصور بالسيدة مريم، وبآسية بنت مزاحم، ولا يشير بشيء، لا إلى السيدة خديجة، ولا إلى السيدة فاطمة الزهراء عليهما السلام. مع أن روايات أهل البيت عليهم السلام تؤكد على حقيقة أن أفضل نساء أهل الجنة أربع، هن: مريم، وآسية، وخديجة، وفاطمة.. وتؤكد النصوص المتواترة على أن فاطمة سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين. أما مريم فهي سيدة نساء عالمها فقط.. علي يحرش على فاطمة عليها السلام: 9ـ ويقول: «قدم علي من اليمن ببدن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، فوجد فاطمة ممن حلَّ، ولبست ثياباً صبيغاً، واكتحلت. فأنكر ذلك عليها، فقالت: إني أمرت بهذا. قال: فكان علي يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم محرّشاً على فاطمة للذي صنعت، مستفتياً رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فيما ذكرت عنه: فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها.. فقال: صَدَقَتْ، صَدَقَتْ.. الخ..» ([58]). حديث الثقلين عند ابن عربي: 10ـ ثم هو يروي حديث الثقلين بطريقة يتجاهل فيها أهل البيت عليهم السلام بالكلية، فهو يقول: إنه صلى الله عليه [وآله] وسلم خطب الناس بنمرة في عرفة، فكان مما قال: «.. وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده، إن اعتصمتم به: كتاب الله. وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت الخ»..([59]). فأين هم أهل البيت عليهم السلام في حديث الثقلين يا ترى؟!.. الإمام من غير أهل البيت عليهم السلام: وحين يتكلم عن الإمامة والإمام، يقرر أمرين: 11ـ أحدهما: أن النبيصلى الله عليه وآله لم ينص على الخليفة من بعده([60]). ولا تنفع احتمالات إرادته الإمامة الصوفية، بعد تضافر القرائن في مختلف كتبه على تسننه، وعلى شدته في ذلك، وعلى سعيه لإسقاط مقام أهل البيت عليهم السلام، ونقض فضائلهم.. والثاني: إنه يصرح بأن المطلوب في الإمام والحاكم هو اختيار من له أوصاف خاصة، وان الإختلاف يقع في تحديد الشخص، لا في أوصافه. 12ـ فهو يقول: «.. ولذلك يقع الاختلاف في الإمام المعين، لا في الوصف المتبين، فقلَّ خليفة تجمع القلوب عليه، ولاسيما إن اختل ما بين يديه، فقد صحت المبايعة للخليفة، وفاز بالرتبة الشريفة». وقال: «ولما كان الحق تعالى الإمام الأعلى، والمتبع الأول، قال: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}([61]).. ولا ينال هذا المقام الأَجْسَم، بعد النبي المصطفى الأعظم، إلا ختم الأولياء الأطول الأكرم، وإن لم يكن من بيت النبي، فقد شاركه في النسب العلوي. فهو راجع إلى بيته الأعلى، لا إلى بيته الأدنى..»([62]). وقوله: «وإن لم يكن من بيت النبي»، يشير إلى أن الإمام لا يجب أن يكون منتسباً إلى النبي صلى الله عليه وآله، ومن أهل بيته عليهم السلام مباشرة، باستثناء الإمام المهدي عليه السلام الذي يعتقد أهل السنة أنه من ذرية فاطمة عليها السلام.. فتراه يمهد لتصحيح خلافة أبي بكر بقوله: «ولا ينال هذا المقام الأجسم بعد النبي..». إلى أن قال: «ولكن لم يكن من بيت النبي.. الخ..». وهو سيصرح بذلك في نفس الكتاب بعد صفحات يسيرة..([63]). لم يسأل الله معرفة إمام زمانه: 13ـ وقال في الفتوحات: «إني لم أسأل الله أن يعرفني إمام زماني، ولو كنت سألته لعرفنيٍ». قال إسماعيل الخواجوئي والفيض الكاشاني: «فاعتبروا يا أولي الأبصار، فإنه لما استغنى عن هذه المعرفة، مع سماعه حديث: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، المشهور بين العلماء كافة، كيف خذله الله، وتركه نفسه، فاستهوته الشياطين»([64]). الجرأة على الإمام علي عليه السلام: 14ـ ويقول: «رأيت في المعراج درجة علي أسفل من درجة أبي بكر، وعمر، وعثمان. ورأيت أبا بكر في العرش. فلما رجعت قلت لعلي: كيف كنت تدّعي في الدنيا: أنك أفضل من هؤلاء، وقد رأيت أنك أسفل درجة منهم؟!»([65]). مراعاة الحكام في قضية الإمام المهدي؟!: وقد تكلم في كتابه: «عنقا مغرب، في ختم الأولياء، وشمس المغرب» عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.. ولكنه رغم أنه لم يخرج فيه عما يعتقده أهل السنة في هذا الأمر. فقد ادعى في أول كتابه: «أنه قد تردد في كتابة بعض موارده، مما كان يوضحه تارة، ويخفيه أخرى، ثم عاد وصمم على البوح بتلك الأسرار!! فهو يقول: 15ـ «.. لكني خفت من نزعة العدو والشيطان، أن يُصَرَّح بي في حضرة السلطان، فيقول علي ما لا أنويه، وأحصل من أجله في بيت التشويه، فسترت الشة بالعززان (كذا)، صيانة لهذا الجسمان، ثم رأيت ما أودع الحق من هذه الأسرار لديه، وتوكلت في إبرازه عليه، فجعلت هذا الكتاب لمعرفة هذين المقامين الخ..»([66]). ونقول: إننا بعد المراجعة وجدنا: أنه لم يذكر في هذا الكتاب ما يستحق أن يقال عنه: إنه من الأسرار، بل ذكر فيه ما يتوافق مع اعتقادات أهل السنة وحسب.. فإذا كانت الأسرار التي يخفيها خوفاً من السلطان، هي هذه.. فذلك يدل على أنه إنما كان يخشى من أن يفهم الحكام من حديثه حول الإمام المهدي: أنه يرى عدم شرعية حكوماتهم.. وأن أولئك الحكام من أهل الظلم والجور، لا سيما وأنه يستند إلى الحديث القائل: عن الإمام المهدي عليه السلام أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، بعدما ملئت ظلماً وجوراً([67]).. مع أنه لم يكن يقصد ـ حسب تصريحه ـ التعريض بأي شيء من هذا القبيل.. وهذا معناه: أن خوفه من السلطان ليس من أجل اتهامه بالتشيع أو نحوه.. إذ إن ما باح به في ذلك الكتاب، وفي جميع كتبه هو جوهر عقيدة أهل السنة، ومحض تقرير لمذاهبهم الفقهية، ولجميع توجهاتهم الإعتقادية، والثقافية وغيرها، فإذا خالفهم في شيء فإنما يخالفهم بما يدخل في دائرة الفكر الصوفي، لا في دائرة التشيع.. ([45]) الآية 2 من سورة الفتح. ([46]) الفتوحات المكية ج9 ص228 -230 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([47]) الفتوحات المكية ج8 ص175 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([48]) الآية 105 من سورة النساء. ([49]) الآية 46 من سورة غافر. ([50]) الفتوحات المكية ج8 ص177 ـ 180 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([51]) الآية 33 من سورة الأحزاب. ([52]) الفتوحات المكية ج3 ص230 و231 وراجع ص234 و235 و239 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([53]) الفتوحات المكية ج13 ص45 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([54]) الإيضاح ـ ص359، وتذكرة الخواص ـ ص62، وسر العالمين ـ ص21، وصحيح البخاري ـ ج3 ـ ص60 وج4 ـ ص5،133، وج1 ـ ص21،22 وج2 ـ ص115، والبداية والنهاية ـ ج5 ـ ص227،251، والبدء والتاريخ ـ ج5 ـ ص95، والملل والنحل ـ ج1 ـ ص22، والطبقات الكبرى ـ ج2 ـ ص244، وتاريخ الأمم والملوك ـ ج3 ـ ص192،193، والكامل في التاريخ ـ ج2 ـ ص320، وأنساب الأشراف ـ ج1 ـ ص562، وشرح النهج للمعتزلي ـ ج6 ـ ص51، وتاريخ الخميس ـ ج1 ـ ص164، وصحيح مسلم ـ ج5 ـ ص75، ومسند أحمد ـ ج1 ـ ص222، 336، 324، 32، 355، 62 وج3 ـ ص346، والسيرة الحلبية ـ ج3 ـ ص344، ونهج الحق 273. وراجع: حق اليقين ـ ج1 ـ ص181،182، ودلائل الصدق ـ ج3 ـ قسم1 ـ ص63 ـ 70، والصراط المستقيم ـ ج3 ـ ص3 ـ 7، والمراجعات ـ ص353، والنص والاجتهاد = = ص149 ـ 163، وتاريخ الإسلام ـ ج2 ـ ص384 ـ 383، والمصنف للصنعاني ـ ج6 ـ ص57 وج10 ـ ص361، وج5 ـ ص438، وعمدة القارئ ـ ج14 –ص398، وج2 ـ ص170 ـ 171، وج25 ـ ص76، والبحارج22 ـ ص498 ـ 468 ـ 472، وج36 ـ ص277، والإرشاد للمفيد ـ ص107. وراجع الغيبة للنعماني ـ ص81 ـ 82، وفتح الباري ـ ج8 ـ ص101 ـ 100 ـ 102 ـ 186 ـ 187 ـ والعبر وديوان المتبدأ والخبر ـ ج2 ـ قسم2 ـ ص62 واشار إليه في التراتيب الإدارية ـ ج2 ـ ص241، وإثبات الهداة ـ ج1 ـ ص657، وكشف المحجة ـ ص64، وبهج الصباغة ـ ج4 ـ ص245 ـ 381، والطرائف ـ ص432 ـ 433، وقاموس الرجال ـ ج7 ـ ص189 وج6 ـ ص398 ومناقب آل أبي طالب ـ ج1 ـ ص235 ـ 236، وراجع: كنز العمال ـ ج7 ـ ص170. ([55]) الفتوحات المكية ج12 ص269 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([56]) الفتوحات المكية ج13 ص583 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([57]) الفتوحات المكية ج10 ص349 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([58]) راجع: الفتوحات المكية ج10 ص213 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([59]) راجع: الفتوحات المكية ج10 ص215 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([60]) راجع: فصوص الحكم ص163. ([61]) الآية 10 من سورة الفتح. ([62]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص49. ([63]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص55. ([64]) راجع: بشارة الشيعة «مطبوع مع خمسة كتب» للفيض الكاشاني ص150 وروضات الجنات ج2 ص195. ([65]) منهاج البراعة ج13 ص378 و379 نقلاً عن ابن عربي. ([66]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص9. ([67]) الفتوحات المكية ج3 ص327 ط دار الكتب العلمية الكبرى بمصر. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الفصل الثالث ما يذم به الشيعة.. بداية: إن ابن عربي قد خص الشيعة بأوصاف، وأتحفهم بأوسمة مميزة، تعبر عن شعوره نحوهم، وعن القيمة التي لهم لديه، ونذكر في هذا الفصل النصوص التالية من دون أي تعليق.. «الرافضي» بصورة «كلب»: 1ـ قال عن الجماعة الذين يسميهم بالرجبيين: «وقد اجتمعنا برجل منهم في شهر رجب، وهو محبوس في بيته، قد حبسته هذه الحالة، وهو بائع للجزر والخضر العامة، غير أني سألته عن حالته، فأخبرني بكيفيتها على ما كان علمي منها، وكان يخبر بعجائب.. فسألته: هل يبقى لك علامة في شيء؟ قال: نعم، لي علامة من الله في الرافضة خاصة، أراهم في صورة الكلاب، لا يستترون عني أبداً. وقد رجع منهم على يده جماعة مستورون، لا يعرفهم أهل السنة، إلا أنهم منهم عدول. فدخلوا عليه، فأعرض عنهم، وأخبرهم بأمرهم، فرجعوا وتابوا، وشهدوا على أنفسهم بما أخبر عنهم، مما ليس عند أحد من غيرهم خبره»([68]). «الرافضي» بصورة «خنزير»: 2ـ وقال وهو يتحدث عن الرجبيين أيضاً: «لقيت واحداً منهم بدنيسير. من ديار بكر، ما رأيت منهم غيره، وكنت بالأشواق إلى رؤيتهم، ومنهم من يبقى عليه في سائر السنة أمر ما، مما كان يكاشف به في حاله في ردب، ومنهم من لا يبقى عليه شيء من ذلك. وكان هذا الذي رأيته (في دنيسير) قد أُبْقِي عليه كشف الروافض، من أهل الشيعة، سائر السَنَة. فكان يراهم خنازير. فيأتي الرجل المستور، الذي لا يُعرف منه هذا المذهب قط ـ وهو في نفسه مؤمن به، يدين به ربه ـ فإذا مرَّ عليه يراه في صورة خنزير، فيستدعيه، ويقول له: «تب إلى الله! فإنك شيعي رافضي». فيبقى الآخر متعجباً من ذلك. فإن تاب، وصدق في توبته، رآه إنساناً، وإن قال له بلسانه: «تبت!» وهو يضمر مذهبه ـ لا يزال يراه خنزيراً. فيقول له: «كذبت في قولك: تبت». وإذا صدق، يقول له: «صدقت».. فيعرف ذلك الرجل صدقه في كشفه. فيرجع عن مذهبه ذلك الرافضي..([69]). 3ـ وقد جرى لهذا مثل هذا مع رجلين عاقلين، من أهل العدالة من الشافعية، ما عرف منهما قط التشيع، ولم يكونا من بيت التشيع. غير أنهما أداهما إليه نظرهما. وكانا متمكنين من عقولهما، فلم يظهرا ذلك، وأصرا عليه بينهما وبين الله، فكانا يعتقدان السوء في أبي بكر وعمر، ويتغالون في علي. فلما مرا به، ودخلا عليه، أمر بإخراجهما من عنده. فإن الله كشف له عن بواطنهما في صورة خنازير، وهي العلامة التي جعل الله له في أهل هذا المذهب. وكانا قد علما من نفوسهما أن أحداً من أهل الأرض ما اطلع على حالهما. وكانا شاهدين عدلين، مشهورين بالسُّنة. فقالا له في ذلك. فقال: «أراكما خنزيرين، وهي علامة بيني وبين الله فيمن كان مذهبه هذا». فأضمرا التوبة في نفوسهما، فقال لهما: «إنكما الساعة قد رجعتما عن ذلك المذهب، فإني أراكما إنسانين» فتعجبا من ذلك، وتابا إلى الله..([70]). وبالمناسبة نقول: ذُكِر: أن بعض العلماء سئل عن قول ابن عربي حول رؤية الرافضة بصورة خنازير، فأجاب: إن هذا جار على قاعدة المؤمن مرآة أخيه، فإن المرآة تعكس حال من يمر أمامها، فيرى المار نفسه فيها، سواء أكان كلباً، أو خنزيراً، أو إنساناً، أو غير ذلك.. والظاهر: أن الشيخ قد رأى نفسه في المرآة، ولم ير الرافضي أصلاً!!.. خداع الشيطان للشيعة: 4ـ قال الحر العاملي عن ابن عربي: إنه يدعي في الفتوحات: أن الشيطان قد خدع الشيعة، خصوصاً الإمامية، بحب أهل البيت ليتجاوزوا الحد فيه، فأبغضوا بعض الصحابة، وسبوهم، وتوهموا أن أهل البيت يرضون بهذا..» ([71]). 5ـ ذكر الشيعة في جملة من ضل عن الطريق، وأضل..»([72]). ولعل الحر العاملي ناظر في هذين الموردين إلى عبارته التالية: الإمامية أهل بدع: 6ـ ويقول: «وعلى هذا جرى أهل البدع، والأهواء، فإن الشياطين ألقت إليهم أصلاً صحيحاً لا يشكون فيه، ثم طرأت عليهم التلبيسات من عدم الفهم، حتى ضلوا، فينسب ذلك إلى الشيطان بحكم الأصل، ولو علموا: أن الشيطان في تلك المسائل تلميذ له (أي لصاحب البدعة والهوى) يتعلم منه. وأكثر ما ظهر ذلك في الشيعة، ولا سيما في الإمامية منهم، فدخلت عليهم شياطين الجن أولاً بحب أهل البيت، واستفراغ الحب فيهم، ورأوا أن ذلك من أسنى القربات إلى الله، وكذلك هو لو وقفوا ولا يزيدون عليه. إلا أنهم تعدوا من حب أهل البيت إلى طريقين: منهم من تعدى إلى بغض الصحابة وسبهم، حيث لم يقدموهم، وتخيلوا أن أهل البيت أولى بهذه المناصب الدنيوية، فكان منهم ما قد عرف واستفاض. وطائفة زادت إلى سب الصحابة القدح في رسول الله صلى الله عليه وآله، وفي جبرئيل عليه السلام، وفي الله جل جلاله، حيث لم ينصوا على رتبتهم وتقديمهم في الخلافة للناس، حتى أنشد بعضهم: ما كان من بعث الأمين أميناً.. وهذا كله واقع من أصل صحيح ـ وهو حب أهل البيت ـ أنتج في نظرهم فاسداً، فضلوا وأضلوا.. فانظر ما أدى إليه الغلو في الدين، أخرجهم عن الحد، فانعكس أمرهم إلى الضد، قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ}([73])..»([74]). ([68]) محاضرة الأبرار، ومسامرة الأخيار ج1 ص245 و246 ط سنة 1324 هـ مطبعة السعادة بمصر. ([69]) الفتوحات المكية ج11 ص287 تحقيق عثمان يحيى وإبراهيم مدكور. ([70]) راجع: الفتوحات المكية ج11 ص287 و288 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([71]) الإثنا عشرية ص169/171. ([72]) الإثنا عشرية ص169/171. ([73]) الآية 77 من سورة المائدة. ([74]) الفتوحات المكية ج4 ص280 و281 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
بسم الله الرحمن الرحيم،
أقول، وأنا أقل العباد علماً وعملاً، أنه قد خفي عن المحقق والمدقق آية الله السيد جعفر مرتضى حفظه الله معنى هذه العبارة الصريحة بتشيع الشيخ ابن عربي قدس سره، وقد رد عليها السيد العاملي حفظه الله بردّ لا يوضح حقيقة مرامها، وهذا يبين عدم إلمام السيد حفظه الله بالمصطلحات الفلسفية، أو عدم التفاته إلى حقيقة معنى الكلام الوارد، وذلك على أحسن الظن .. قال السيد العاملي حفظه الله نقلاً عن الشيخ الأكبر قدس سره: " ... «فكان صلى الله عليه [وآله] وسلم مبدأ ظهور العالم، وأول موجود. قال الشيخ محيي الدين. وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين.. " إلى أن علّق السيد حفظه الله: "سابعاً: أضف إلى ذلك: أن مجرد قرب علي عليه السلام من حيث الظهور في الوجود لا يعني أنه الأفضل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله.. فإن النبي آدم عليه السلام كان أباً للبشر كلهم، ولم يكن أفضل من النبي إبراهيم، أو من نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وعلى النبي إبراهيم وآله.." أقول: كيف قد خفي على السيد حفظه الله أن كلام الشيخ الأكبر هنا في إطار إثبات قاعدة الإمكان الإشراف التي يعتقد بها الفلاسفة، وقد فهمها السيد حفظه الله على خلاف وجهها الصحيح، فوقع في خطىء فادح حين حللها، إذ أنها تثبت عكس ما ذهب إليه في تفسير كلام الشيخ الأكبر، والعجيب أنه قد غفل عن عبارات "مبدأ ظهور العالم" و "أول موجود" رغم أن الروايات الواردة عن أهل العصمة عليهم السلام مليئة ومستفيضة بهذا المعنى كما سيأتي لاحقاً، وقد أثبت السيد العاملي حفظه الله هذا المعتقد في الكثير من كتبه، وبيّن أن النبي صلى الله عليه وآله هو النور الأول، والأعجب أن السيد حفظه الله رغم تدققه في مباحثه، إلا أنه قد غفل أن هذا هو مراد الشيخ الأكبر قدس سره وذهب إلى تفسير كلامه بظهور الماهية لا بأصل الوجود. والكلام فيه اشكال وذلك لعدة أمور: توضيح مسألة قاعدة الإمكان الإشراف: يقول المولى محمد النراقي رضوان الله عليه (صاحب كتاب جامع السعادات) في كتابه الإلهي القيّم "اللمعات العشرية" ما يلي: المعروف من المعلم الاول ان الممكن الاشرف يجب ان يكون اقدم من الممكن الاخس في مراتب الوجود و ان الاخس اذا وجد لابد ان يكون الاشرف قد وجد قبله; و هذا اصل عظيم نافع في كثير من المباحث، منشعب من اصل امتناع صدور الكثرة عن الواحد; و يسمى بقاعدة «الامكان الاشرف» و قد استعملها الشيخ في ترتيب نظام الوجود و بيان سلسلة البدو و العود; و صاحب الاشراق في اثبات العقول و المثل النورية; و صاحب الشجرة الالهية في بعضالمباحث. و بالجملة: هي قاعدة مبرهنة مقبولة مسلمة عند القدماء و المتاخرين ... " انتهى النقل. خلاصة الأمر أن هذه القاعدة تتحدث عن الوجود، لا الماهية، وظهور الوجود لا يكون في عالم الأجسام، بل في عالم الأنوار، ولذلك ورد عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: أول ما خلق الله نور نبيك، وقد ثبت عند الشيعة أيضاً نقلاً عن الأئمة الأطهار عليهم السلام أن النور الثاني كان علياً عليه السلام، وهذا ما قصده الشيخ الأكبر قدس سره في كلامه، وعليه يكون مثال السيد العاملي حفظه الله وإشكاله على كلام الشيخ الأكبر بقوله "فإن النبي آدم عليه السلام كان أباً للبشر كلهم، ولم يكن أفضل من النبي إبراهيم، أو من نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وعلى النبي إبراهيم وآله" لا يصح، ولا علاقة بما ذكره بأصل الكلام لا من بعيد ولا من قريب، فإن السيد يتكلم عن ظهور آدم عليه السلام في النشأة الدنيوية، بينما كلام الشيخ الأكبر قدس سره في عالم الأنوار، والثابت عند الشيعة والعامة أن أول مخلوق في ذلك العالم هو النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، فلا أدري على أي أساس ربط السيد حفظه الله هذا الكلام بخلق النبي آدم عليه السلام إلى آخر ما ذكر حفظه الله. وبناءاً على هذه القاعدة، يوضح المولى النراقي قدس سره: "فيثبت ان وجود الممكن الاخس قبل الاشرف محال; فيمتنع ان يتخلف عن وجود الواجب الذي لايتصور اشرف منه وجود الممكن الاشرف و يجب ان يكون اقرب اليه و ان يكون الوسائط بينه و بين آخر المعلولات التي لااخس منه الاشرف; فالاشرف من مراتب العلل و المعلولات بان يصدر الاخس من الاشرف من دون جواز العكس الى آخر المراتب للادلة المذكورة. " ولعمري، إن هذا أوضح دليل على كون سائر الخلائق تستفيض نورانيتها ووجودها من الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على حد تعبير الشيخ الأكبر، فلا يكون هناك وجود أشرف منه صلوات الله عليه غير النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، ولذلك يكون "الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين"، وعليه تكون هذه العبارة هي الأصح، لا ما ذهب إليه السيد العاملي حفظه الله، وذلك موافقة للقاعدة الفلسفية التي لم يلتفت إليها السيد حفظه الله. وبهذا يسقط جميع ما حاول بيانه السيد حفظه الله من أن الشيخ الأكبر قدس سره يفضل أحداً على علي عليه السلام، أو أنه يذكر مقامات لغيره هي أعلى من مقامات الأمير صلوات الله عليه، إذ أنه -طبقاً للقاعدة الفلسفية التي يتبعها الشيخ الأكبر وأثبتها في نفس هذا الكلام المنقول عنه - يستفيض جميع الخلق من وجود الأمير صلوات الله عليه، فيكون بذلك أعلى منهم مرتبة وأفضل منهم منزلة. وهذه إشارة واضحة في كلام الشيخ الأكبر لبيان عقيدته الحقيقية بأمير المؤمنين عليه السلام. والله الموفق. |
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعل آبائه الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين السلام على الموالين المدافعين عن النبي الأعظم واله والأطهار صلوات الله عليهم أجمعين يقول مولانا الإمام أبي عبد الله الصادق صلوات الله عليه ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد رجلا يقول إنا أبغض محمد أو آل محمد ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا ... عجيب أمرك أيها الروح المجرد كيف غفلت عن نصب هذا الرجل لشيعة أهل البيت صلوات الله عليهم ... ولما أخلفت وعدك وتكلمت قبل أن ننتهي من كتاب هذا السني المتعصب مميت الدين ابن عربي ... نسألكم الدعاء اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة |
اقتباس:
بسم الله الرحمن الرحيم، أخي الفاضل خادم الزهراء عليها السلام، كانت هذه المشاركة التفاتة سريعة أحببت أن أكتبها لقربها من المقطع الوارد، ولكي لا ينسى ذهني العجوز عن ما أردت بيانه، وإن كان يضايقك هذا، فسألتزم الصمت كاملاً إلى أن تنتهي من الكتاب، ولنا كلام في معنى الناصبي إن شاء الله تعالى بعد ذلك. والله الموفق. |
اقتباس:
|
اقتباس:
بسم الله الرحمن الرحيم، أيها العزيز والحبيب، لا أدري لما أنت منزعج من النقاش .. فنحن نناقش بود وحب .. ومهما اختلفنا فإننا لا نصبح أعداء لمجرد اختلافنا في بعض الآراء .. وإلا لزم أن يكون جميع الناس أعداء بعضهم البعض لاستحالة موافقة آرائهم كلها مع آراء غيرهم .. ثم إني لا أمدح ولا أدافع عن ابن عربي لاعتقادي نصبه أو تسننه .. فأي عاقل ومنصف يفعل ذلك؟ أدافع عنه لاعتقادي أنه شيعي، لا غير ! ولو كان الرجل ناصبي حقاً فلعنة الله عليه، ولكني أعتقد عكس ذلك، ومدحي له لاعتقادي أنه يحمل خصلة التشيع .. فلا أدري سبب عصبيتك في هذا الموضوع وكأنك تقول أني أعتقد أنه نصابي وأحبه رغم كل ذلك .. على كل حال أخي العزيز، الكلام ليس كلامي، بل سأنقل لك كلام المراجع العظام، لكن بعد انتهائك من الموضوع كما طلبت متكرماً. والله الموفق. |
اقتباس:
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعل آبائه الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين السلام على الموالين المدافعين عن النبي الأعظم واله والأطهار صلوات الله عليهم أجمعين الأخ العزيز الروح المجرد من قال أنني منزعج من النقاش ؟... ومن قال لك أني أكلمك بعصبية ؟... حبيبي أختلف معك في ثمن صندويش الفلافل لكن فيما يخص أهل البيت صلوات الله عليهم لا تهاون وهل نسيت أن الراد عليهم كالراد على الله ؟... هناك من المراجع العظام والعلماء الأعلام من مدح هذا السني المتعصب مميت الدين ابن عربي لقراءة شيء منه ولم يقرأ له كل شيء ... وها هو المحقق الكبير يفحص ويبحث ويمحص ويأتي لك بحقيقة اعتقاد هذا الرجل ... لما هذا العناد ؟... والشيء الآخر ألم تعدني بأن تنتظر حتى أنتهي من طرح الكتاب ومن ثم نتحاور ؟... فلما هذا التشويش الآن ؟... نسألكم الدعاء اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة |
بسم الله الرحمن الرحيم،
خلاص حبيبي خادم، رح آكل صندويشة فلافل وانطرك حتى اتخلصsm34 |
الفصل الرابع هكذا يدافعون عن ابن عربي
الفصل الرابع هكذا يدافعون عن ابن عربي توطئة وتمهيد: قلنا: إن من يراجع كتب ابن عربي يجدها حافلة بالنصوص الكثيرة كثرة هائلة، والدالة على تسننه العميق، وتشدده في هذا التسنن، إلى حد أنه يحول السيئات إلى حسنات، بل هو يجعلها من أعظم الفضائل التي تنال بها أجلَّ المراتب وأعلاها، وأرقى المقامات، وأسماها، وأكرمها، وأسناها. ولعلنا نذكر بعضاً من ذلك في فصل مستقل، ولكننا نشير قبل ذلك إلى ما دافعوا به عنه، وذلك في المطالب التالية: الدس في كتاب الفتوحات: قال الطهراني: ذكر الشعراني في «مختصر الفتوحات» ما نصه: وقد توقفت حال الاختصار لكتاب «الفتوحات» في مواضع كثيرة منه، لم يظهر لي موافقتها لما عليه أهل السنة والجماعة، فحذفتها من هذا المختصر، وربما سهوت، فتبعت ما في الكتاب، كما وقع للبيضاوي مع الزمخشري([75]). ثم لم أزل كذلك، أظن أن المواضع التي حذفت ثابتة عن الشيخ محيي الدين، وقد حذفتها لعدم موافقتها مع العامة، حتى قدم علينا الأخ العالم الشريف شمس الدين السيد محمد بن السيد أبي الطيب المدني، المتوفي سنة 955، فذاكرته في ذلك، فأخرج إلي نسخة من الفتوحات، التي قابلها على النسخة التي عليها خط الشيخ محيي الدين نفسه بقونية، فلم أر فيها شيئاً مما توقفت فيه وحذفته.. فعلمت أن النسخ التي في مصر الآن كلها كتبت من النسخة التي دسوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة، كما وقع له ذلك في كتاب «الفصوص» وغيره..([76]). يشهد على هذا الكلام: أنه قد ذكر في هذه الطبعة من «الفتوحات»: أن إمام العصر هو من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.. مضافاً إلى ذلك: أن المحقق الفيض قد أورد في كتابه «كلمات مكنونة» في شأن أمير المؤمنين عليه السلام، نقلاً عن الفتوحات: أنه ذكر نبينا صلى الله عليه وآله، وأنه أول ظاهر في الوجود، قال: وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب، إمام العالم، وسر الأنبياء أجمعين([77]). بينما لا يوجد هذا المطلب في النسخة الحالية من الفتوحات. بيد أن الشعراني قد ذكرها في «اليواقيت» بهذه العبارة: وإيضاح ذلك: أن الله تبارك وتعالى لما أراد بدء ظهور العالم على حد ما سبق في علمه، انفعل العالم عن تلك الإرادة المقدسة بضرب من تجليات التنزيه إلى الحقيقة الكلية. فحدث الهباء، وهو بمنزلة طرح البناء الجص ليفتتح فيه من الأشكال والصور ما شاء. وهذا أول موجود في العالم. ثم إنه تعالى تجلى بنوره إلى ذلك الهباء، والعالم كله فيه بالقوة، فقبل منه كل شيء في ذلك الهباء على حسب قربه من النور، كقبول زوايا البيت نور السراج، فعلى حسب قربه من ذلك النور يشتد ضوءه وقبوله. ولم يكن أحد أقرب إليه من حقيقة محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، فكان أقرب قبولاً من جميع ما في ذلك الهباء. فكان صلى الله عليه [وآله] وسلم مبدأ ظهور العالم، وأول موجود. قال الشيخ محيي الدين: وكان أقرب الناس إليه في ذلك الهباء علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، الجامع لأسرار الأنبياء أجمعين. انتهى..([78]). (انتهى كلام الطهراني).. وقال الشعراني: «أخبرني العارف بالله تعالى، الشيخ أبو طاهر المزني الشاذلي (رضي الله عنه): أن جميع ما في كتب الشيخ محيي الدين، مما يخالف ظاهر الشريعة، مدسوس».. إلى أن قال: «فلهذا تتبعت المسائل التي أشاعها الحسدة عنه، وأجبت عنها، لأن كتبه المروية لنا عنه بالسند الصحيح ليس فيها ذلك»..([79]). ونقول: إن لنا مع هذا الكلام عدة وقفات، نقتصر منها على ما يلي: أولاً: إن قسماً كبيراً مما ذكرنا أنه يوضح لنا توجهات ابن عربي، وعقائده، ومذهبه، ليس مأخوذاً من كتاب الفتوحات، بل هو مأخوذ من كتاب «فصوص الحكم»، ومن كتاب «الوصايا»، ومن رسائله المختلفة.. وهو في حد نفسه كاف وواف في تبرئة ابن عربي من نسبة التشيع إليه، وإثبات أنه ملتزم بمذهب أهل السنة إلى حد التصلب والتعصب غير المبرر، خصوصاً حينما يصل الأمر إلى حد الخروج عن دائرة التوازن والصدق، في إعطاء المقامات لمن لا مبرر لنسبة أي شيء من ذلك إليهم.. ثانياً: لنفترض: أن كتاب الفتوحات قد حرف، وزيد عليه، ونقص منه، فمن الذي قال: إن يد التحريف، والزيادة أو النقيصة قد نالت خصوص المواضع التي تثبت تسننه، وتصلبه في نحلته التي ينتمي إليها.. أو نالت خصوص المواضع التي تثبت تشيعه.. وانتقاله عن مذهبه السابق إلى هذا المذهب الجديد.. إن إثبات ذلك يتوقف على اكتشاف وتحديد هوية ومذهب، وتوجهات من تولى تحريف ذلك الكتاب، ليمكن معرفة نوع التحريفات التي أعملها في كتابه، ولصالح من كانت تلك التحريفات؟.. فإنها إن كانت لا توافق مذهب الشعراني، وابن عربي، فليس بالضرورة أن تكون موافقة لمذهب الشيعة الإمامية.. ثالثاً: إنه إذا صح ما ذكروه، وإذا لم يمكن تحديد هوية من ارتكب جريمة التزوير، أو التحريف، وإذا كانت أغراض التحريف لا يمكن حصرها، فإن ذلك لا بد أن يستتبع سقوط جميع كتاب «الفتوحات» عن الاعتبار، ويستتبع أيضاً أن لا يصح نسبة شيء من مطالب الكتاب إلى ابن عربي على نحو الجزم والقطع. فلا يصح بعد هذا أن يتمسك لإثبات تشيعه بالفقرة التي نقلها الفيض والشعراني، وفيها: أن الإمام علياً عليه السلام كان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، والجامع لأسرار الأنبياء أجمعين.. رابعاً: إن الشعراني يدعي: أنه رأى في كتابه «الفتوحات المكية» ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة.. وكون علي عليه السلام إمام العالم، وسر الأنبياء أجمعين، مما يخالف عقائد أهل السنة، وهو مدسوس ـ عند الشعراني ـ في كتاب الفتوحات.. وقال: إنه ذاكر محمد بن أبي الطيب المدني، المتوفي سنة 955 في ذلك. قال: «فأخرج لي نسخة من الفتوحات، التي قابلها على النسخة التي عليها خط الشيخ محيي الدين نفسه بقونية، فلم أر فيها شيئاً مما توقفت فيه، وحذفته.. فعلمت أن النسخ التي في مصر الآن كلها كتبت من النسخة التي دسوا على الشيخ فيها ما يخالف عقائد أهل السنة والجماعة.. كما وقع ذلك في كتاب الفصوص وغيره» انتهى. وهذا معناه: أن كل ما يوافق مذهب الشيعة قد دس في كتاب الفتوحات، وكتاب فصوص الحكم وغيرهما، وليس العكس. واللافت هنا: أن ما ورد في كتاب الفتوحات، مما أزعج الشعراني، لا يشتمل على شيء من شأنه أن يحرج أهل السنة حسبما أوضحناه، إلا ما كان من خصوصيات مذهب التصوف، مثل قولهم بوحدة الوجود، أو بالحلول.. ونحو ذلك.. فلعل نكير الشعراني قد كان على هذا.. وما عدا ذلك، فإنه موافق لأهل السنة، فلا معنى للتوقف فيه إلا إن كان الشعراني ناصبياً، لا يطيق ذكر أهل البيت حتى في أدنى مستوى يذكرهم فيه أهل السنة، وليس هذا الأمر مما يعرف عنه، أو يعهد منه.. خامساً: حول ما ذكروه آنفاً من التحريف في نسبة إمام العصر، إلى الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، مع أن الصحيح أنه من ولد الحسين عليه السلام. نقول: إن سقوط النقط من تحت الياء يجعل رسم الخط متشابهاً بين الحسن والحسين.. سادساً: بالنسبة للكلمة المنسوبة إلى ابن عربي حول أن النبي صلى الله عليه وآله هو أول ظاهر في الوجود، وأقرب الناس إليه علي عليه السلام إمام العالم، وسر الأنبياء أجمعين، نقول: قد ذكرنا في فصل: تشيع ابن عربي دليل ونقد، ما يدل على أن ثمة شكوكاً كبيرة تحوم حول هذه الكلمة، وأن الظاهر هو أنهم قد استنتجوا ذلك من كلام ابن عربي، وأن هذه الاستفادة لم تكن موفقة.. فراجع جميع ما ذكرناه في ذلك الفصل، خصوصاً الفقرة التي بعنوان: «علي إمام العالم».. ([75]) يقول الشعراني في مقدمة «اليواقيت والجواهر» ص3 طبعة أولى، وص16 طبعة دار إحياء التراث العربي، ومؤسسة التاريخ العربي سنة 1423هـ بيروت ـ لبنان: «ثم اعلم يا أخي: أنني طالعت من كلام أهل الكشف ما لا يحصى من الرسائل، وما رأيت في عباراتهم أوسع من عبارة الشيخ الكامل المحقق، مربي العارفين، محيي الدين العربي رحمه الله، فلذلك شيدت هذا الكتاب بكلامه من الفتوحات وغيرها، دون كلام غيره من الصوفية. = = لكني رأيت في «الفتوحات» مواضع لم أفهمها، فذكرتها لينظر فيها علماء الإسلام، ويحقوا الحق، ويبطلوا الباطل إن وجدوه. فلا تظن يا أخي أني ذكرتها لكوني أعتقد بصحتها وأرضاها في عقيدتي، كما يقع فيه المتهورون في أعراض الناس، فيقولون: لولا أنه ارتضى ذلك الكلام، واعتقد بصحته ما ذكره في مؤلفه. معاذ الله أن أخالف جمهور المتكلمين، وأعتقد صحة كلام من خالفهم من بعض أهل الكشف الغير المعصوم. فإن في الحديث: يد الله مع الجماعة. ولذلك أقول غالباً عقب كلام أهل الكشف: «انتهى» ليشخص كلامه، فلا يمتزج مع بياني وعقيدتي. «انتهى». وقوله: ليشخص كلامه الخ.. غير موجود في طبعة بيروت. وقد لاحظنا بعض التصرفات الأخرى أيضاً. ([76]) «الفتوحات ج4 ص555. بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([77]) الروح المجرد ص333 في الطبعة الأولى، وفي هذه الطبعة ص346 نقلاً عن «كلمات مكنونة» للفيض ص181 الطبعة اتلحجرية. ([78]) الروح المجرد ص356 ـ 358. ([79]) اليواقيت والجواهر ص3 وحسب طبعة بيروت ص16 وراجع: لطائف المنن والأخلاق ص638 وكلاهما للشعراني. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الرافضي: إما كلب أو خنزير!! واللافت: أن بعض المدافعين عن هذا الرجل، قد حاول التخلص من ورطة رؤية الرافضي بصورة خنزير، بلطائف وظرائف لا تكاد تخطر على قلب بشر. بل إن الإنسان الأريب ليخجل من أن يحدث بها نفسه، فضلاً عن يوردها في كتابه كدليل يريد من خلاله إثبات مطلوبه!! ونحن نذكر من ذلك: ما كان الأجدر بنا أن نغض الطرف عنه، لولا أننا نخشى أن يثير ذلك شبهة لدى البعض، بأن يثور لديه احتمال أن يكون لبعض ما ذكره حظ من الصحة، أو نصيب من المعقولية، فنقول: إنه قد حاول الدفاع عن ابن عربي بالنسبة لكلامه هذا، من عدة وجوه، هي: 1 ـ الرافضة هم الخوارج!! قد زعم هذا المدافع عن ابن عربي: أن مراد ذلك الناصبي بالروافض، ليس هو الشيعة، لا عموماً، ولا خصوص الإمامية منهم، بل المراد هو الخوارج!.. واستدل على ذلك بقوله: «إنه يُشَاهَدُ في الكثير من عبارات العامة استخدامهم عبارة الروافض في خصوص الخوارج. لا في خصوص الشيعة، وهي حقيقة مشهودة لكل من يملك اطلاعاً على كتبهم في التاريخ والسير»([80]). ونقول: أولاً: ليتكرم علينا صاحب الفضيلة بشواهد من عبارات أهل السنة، قد أطلقوا فيها كلمة «الروافض» على الخوارج. إننا نطالبه بذلك، لأننا لم نسمع في كل ما مضى من حياتنا ـ ولو لمرة واحدة ـ أن أحداً أطلق كلمة الروافض على الخوارج، ولاسيما في خلال الست مئة سنة التي كانت قد مضت على ظهور الخوارج والروافض، من أول الإسلام إلى ظهور ابن عربي.. نعم.. قد يطلق على الخوارج ـ جهلاً ـ : أنهم شيعة..([81]). ولكن إطلاق هذه الكلمة عليهم إنما هو على اعتبار أنهم كانوا من الأتباع، والمشايعين للإمام علي عليه السلام ببيعتهم له.. ولكن لا يطلق عليهم أحد: أنهم روافض.. ثانياً: إنه زعم أن كثرة الخوارج في بلاد مراكش، والجزائر، وعدم شيوع التشيع في تلك البلاد، وكون أهل المغرب من المالكية، لابد أن ينتج أن يكون مراد أهل تلك البلاد من كلمة «الروافض»: هو الخوارج.. وهي نتيجة غريبة وعجيبة، وهي أشبه ما تكون بقول القائل: لو لم ينبح الكلب، لم تطلع الشمس.. أو إن الشمس قد كسفت بسبب أكل البطيخ، أو ما إلى ذلك.. بل الأنسب أن يقال: إن كثرة الخوارج في المحيط الذي نشأ فيه ابن عربي قد أوجب أن يتأثر بهم، وأن يزيد بغضه للإمام علي وأهل بيته عليهم السلام، وقد تجلى ذلك في إيراده أمثال هذه القضايا، وسعيه لرفع شأن مناوئ الإمام علي وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم، وتجاهل أهل البيت عليهم السلام، وإظهار احتمالات ارتكابهم الجرائم، والمآثم، والعظائم.. ثالثاً: إن كلمة الرافضي، إنما تطلق عند أهل السنة على من يبغض الشيخين، بسبب ما فعلاه بالسيدة الزهراء عليها السلام، والخوارج يتولون الشيخين، ويحبونهما ربما أشد من حب أهل السنة لهما، ويتبرؤون من الإمام علي عليه السلام، ومن عثمان. فلا نجد مبرراً لنعت الخوارج بالروافض أصلاً.. ([80]) راجع: الروح المجرد ص435. ([81]) راجع: أوائل المقالات ص3. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
2ـ ذكره لفضائل أهل البيت: قد ادعى هذا المدافع عن ابن عربي: أنه قد ورد في كتاب «المحاضرات» الكثير من الحكايات والشواهد التاريخية، التي يستحيل معها احتمال حمل لفظ «الروافض» على الشيعة. ثم ذكر من ذلك قول ابن عربي: لا كريم أكرم من آل محمد، كلهم كبير، ليس فيهم صغير.. وذكر من ذلك أيضاً: قول عمر بن عبد العزيز لبعض ولد الحسين: إني لأستحيي أن تقف على بابي، فلا يؤذن لك.. وذكر قصة سؤال معاوية لضرار بن ضمرة: أن يصف له علياً، فوصفه له بأنه شديد القوى، بعيد المدى، الخ..([82]). وقول أبي بكرة لمعاوية: اتق الله.. إلى آخر ما وعظه به.. وأورد رواية عن الإمام الصادق عليه السلام حول البدء بذكر الله سبحانه.. ورواية أخرى عنه عليه السلام في موعظة منه لسفيان الثوري.. ورواية أوردها مسلم بن الحجاج في صحيحه، عن رسول الله في ما كان يقوله صلى الله عليه وآله في السراء والضراء..([83]). ونقول: إننا لا ندري كيف دلت هذه الأحاديث على استحالة إرادة الشيعة من كلمة الروافض؟ وأي ربط لكل هذه الأقاويل، والروايات، والحكايات، بدلالة كلمة «الروافض» على معناها؟ فمن عرف شيئاً من ذلك فليدلنا عليه، وسنكون له من الشاكرين. وإيراد هذه الروايات هو نظير إيراده روايات عن الحلاج والبسطامي، وعن غيرهما.. 3ـ هل الرافضي كلب، أم خنزير؟: إنه تارة يقول: عن قضية رؤية الرافضة: أنهم رأوهم بصورة خنازير، وأخرى أنهم رأوهم بصورة كلاب.. فلاحظ النص المتقدم الذي يتحدث فيه عن الرجبيين في فصل: ما يذم به الشيعة، تحت عنوان: «الروافض كلاب!!».. ثم اعترضوا على من قال: إنهم خنازير.. ثم قالوا: «.. إن الكلب أقل سوءاً من الخنزير، فلماذا بدَّل الكلب بالخنزير، مع أنه إنما ينقل عن كتاب قد ذكر فيه خصوص الكلب؟!.»([84]). وهو كتاب محاضرة الأبرار.. ولم ينقل عن الفتوحات الذي ذكر أنه رآهم بصورة خنازير.. ونقول: 1ـ إن ابن عربي قد ذكر الكلب في كتاب «محاضرة الأبرار»، ولم يذكر الخنزير، وذكر الخنزير في الفتوحات، ولم يذكر الكلب، فالنتيجة في كلا الحالتين تبقى واحدة، وهي أن الرافضي لا يخرج عن دائرة الكلب والخنزير عند ابن عربي!!.. 2ـ هذا بالإضافة إلى أنه إن كانت القصة التي في الفتوحات هي نفس القصة التي نقلها في محاضراته، فيرد عليه أنه قد كذب في إحدى القصتين. وتبقى الأخرى حتى بالنسبة لمن هم على مذهب ابن عربي، موضع ريب شديد أيضاً، لأن من يُقْطَع بكذبه في واحدة، فلا يمكن الاطمينان إلى صدقه في الثانية. وإن كانت قصة أخرى، فذكره للقصتين يشير إلى أنه يهدف إلى إشاعة هذه الأباطيل، وتتبعها، وجمعها، وإذاعتها.. ابن عربي يحترم الشيعة الإمامية: وقد قالوا: إن ابن عربي يقدر ويحترم الشيعة الإمامية، وقد نوه كثيراً بأئمتهم في الموارد المختلفة، سواء في الفتوحات، أو في المحاضرات، فلا يصح نسبة العداء للإمامية إليه..([85]). ونقول: أولاً: إن هذا التنويه بالإمامية والاحترام والتقدير لهم لم نجد له أثراً في كتب ابن عربي.. بل وجدناه يقول: إن الشياطين قد ألقت إلى أهل البدع والأهواء، وخصوصاً الإمامية منهم، أصلاً صحيحاً، وهو محبة أهل البيت، ثم تعدوا ذلك إلى بعض التلبيسات الأخرى..([86]). ثانياً: إن نفس هذا المستدل يدعي: أن ابن عربي مستضعف، وأنه كان يعيش في المغرب، ولم يكن يعرف شيئاً عن الشيعة والتشيع، فضلاً عن الإمامية، فراجع كلامه..([87]). فإذا كان الأمر كذلك، فمن أين عرف بأمر خداع الشياطين للشيعة، وخصوصاً الإمامية منهم؟! وكيف نجمع بين ما زعمه من أمر الشياطين معهم، وبين احترامه وتقديره لهم.. ثالثاً: لو سلمنا أنه لا يعرفهم، فإن كتابه هذا قد وصله عن طريق الإلهام، وكتب مطالبه من دون اختيار منه ـ كما يزعم ـ فكيف أخطأ الإلهام الإلهي في هذا الأمر؟!.. ولماذا لم يكتشف أمر الشيعة بواسطة الكشف الذي يدّعيه؟! وإن لم يستطع ذلك، فكيف يطلق أحكامه عليهم قبل أن يعرف حالهم؟! ولماذا لم يطلب كتبهم، ليقرأها، وليعرف مقالاتهم؟! ولو لم يحصل على كتبهم، فلماذا لم يسأل علماء عصره عنهم، وعنها.. فإن ابن عربي قد ألف فتوحاته في مكة، لا في بلاد المغرب، فإن كان التعرف على أمر الشيعة يصعب عليه في المغرب، فهل يصعب في مكة؟! رابعاً: إن كتب الشيعة ومقالاتهم كانت معروفة وشائعة في بلاد المغرب، تماماً كما كانت الحال عليه في المشرق. وقد سجل ابن عبد ربه، وابن جزم، وابن عبد البر، والقاضي ابن العربي صاحب كتاب شرح الترمذي، وصاحب كتاب العواصم من القواصم، وكذلك ابن خلدون، وغيرهم من علماء تلك البلاد سجلوا في مؤلفاتهم، مثل العقد الفريد والمحلى، والفصل في الملل والأهواء والنحل، ومقدمة ابن خلدون وكتاب العبر، وكتاب العواصم من القواصم، ردودهم على الشيعة وعلى مقالاتهم بالتفصيل. وقد صرح التاريخ بأن ابن عربي قد قرأ كتب ابن حزم، ومن كتبه «الفصل في الملل، والأهواء والنحل».. قال ابن مسدي: إنه قال في إجازته ما معناه، أو نصه: إن محمد بن عبد الحق الأشبيلي قد حدثه: «بكتب الإمام أبي محمد علي بن أحمد بن حزم، عن أبي الحسن شريح بن محمد بن شريح عنه»([88]). وقال ابن مسدي أيضاً: «إنه كان ظاهري في المذهب في العبادات، باطني النظر في الاعتقادات»([89]).. على أن هذا الرجل قد طاف البلاد، ودخل مصر، وأقام بالحجاز مدة، ودخل بغداد، والموصل، وبلاد الروم..([90]). بل هو قد قدم بغداد مرتين، المرة الأولى في سنة 601 للهجرة، والثانية في سنة 608 للهجرة. والشيعة كانوا موجودين في بغداد، خصوصاً في منطقة الكرخ، فلماذا لم يتعرف عليهم عن قرب؟ ولم يسأل عنهم؟ وكيف لم يحدثه أهل بغداد عنهم بشيء؟ مع وجود حالة من العداء لهم، ومع أنهم كانوا يشنون عليهم الغارات، ويقتلونهم، ويسرقون بيوتهم في كل سنة مرتين على الأقل؛ الأولى في عاشوراء، والثانية في يوم الغدير، كما أوضحناه في كتابنا: «صراع الحرية في عصر الشيخ المفيد» فراجع.. أضف إلى ذلك: أن بلاد المغرب التي نشأ فيها ابن عربي قد فتحت على يد موسى بن نصير الشيعي، وكانت دعوات الشيعة شائعة فيها، وبقيت لها آثار ظاهرة على مدى القرون.. كما أن الدعوة الإسماعيلية التي انتهت بإنشاء دولة الفاطميين في مصر، لم يكن نشاطها بعيداً عن سائر بلاد المغرب.. ابن عربي يلجأ للتقية: وقالوا: في الاعتذار عن مدائحه لأهل السنة، وللشخصيات التي يقدسونها أو يحترمونها، وعن ذمه وتجريحه بالشيعة ـ قالوا ـ : إن ظروف التقية في الشام قد أجبرت الشيخ محيي الدين بن عربي على كتمان ولائه.. ونقول: أولاً: إنه قد ألف الفتوحات المكية المشحون بدلائل التسنن في مكة قبل أن يأتي إلى الشام.. فلماذا خص الحديث بالتقية في خصوص هذا البلد. أعني الشام دون غيره من البلاد التي حل فيها ابن عربي؟!. ثانياً: إنه إذا صح ما ذكره، فكيف لم يمارس التقية في الكتاب الذي نسبوه إليه، حول الأئمة الاثني عشر؟!.. ثالثاً: إنهم يدَّعون، كما ذكرنا آنفاً، أن كتبه مشحونة بمناقب أهل البيت عليهم السلام، ما عدا كتاب الفتوحات المكية. ورغم عدم صحة هذا الإدعاء نقول: لماذا شحن كتبه بمناقبهم، وأفرغ منها خصوص كتابه هذاِ.. بل هو قد ملأه، يما هو صريح في تسننه العميق والراسخ؟ رابعاً: إن ما ذكره في كتبه ليس مجرد كتمان ولاء، بل هو المبادرة الطوعية إلى تقرير أمور كثيرة جداً، ترسخ حقيقة التسنن، رغم أنه لم يكن بحاجة إلى ذكرها، والتنويه بها. وعلى فرض الحاجة إلى ذلك، فإن كيفية الحديث عنها، وطريقة التعاطي معها قد كانت فريدة، وغير سديدة، ولا رشيدة.. بل هي في أحيان كثيرة مجرد تمحلات تافهة، وبعيدة. والتقية إنما تفرض عليه السكوت، أو التصريح بأدنى المراتب التي يمكن بها دفع غائلة أهل البغي والباطل، ولا تفرض هذا القدر من الإصرار، ومن الإكثار من الكلام التسويقي لأمورٍ لا حقيقة لها، ولا لما يدعيه في تسويقها.. الروافض من الشيعة: وزعم البعض: أن ابن عربي قد ذكر وهو يتكلم عن رؤية الروافض بصورة خنازير: أن الروافض من الشيعة. وهذا يؤيد أن يكون مراده بالروافض هم الخوارج، لأن معنى هذه العبارة: أن الروافض هم طائفة انفصلت من الشيعة، واتبعت مذهب النصب والانحراف..([91]). ونقول: إن حبهم لابن عربي قد دعاهم إلى أن يجعلوا من نفس دليل إدانته دليلاً على صحة عقيدته!!.. فإن قوله: إن الروافض هم من الشيعة، صريح في أنه يعرف فرق الشيعة المختلفة، كالزيدية، والإسماعيلية، وغير ذلك.. ويعرف أن الروافض هم خصوص فرقة الإمامية، التي هي أهم الفرق، وأكثرها اتساعاً، وأصعبها مراساً في الدفاع عن الحق والدين.. فما معنى ادعاء: أن قوله: «الروافض من الشيعة» يدل على: أنه يقصد بالروافض النواصب.. وهل إذا قلت: إن الأحناف من أهل السنة يكون معناه: أن الأحناف فرقة منفصلة عن أهل السنة، ويصيرون من الشيعة؟! وإذا قلت الكاثوليك من المسيحيين، يصبح الكاثوليك فرقة منفصلة عن المسيحية، ومن أعدائها؟!.. وإذا قلت: إن بني عبد المطلب من بني هاشم، يصبح بنو عبد المطلب جماعة منفصلة عن الهاشميين، وتنصب العداوة لهم؟!!.. *([82]) راجع: قاموس الرجال ج5 ص149 عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة. ([83]) راجع: الروح المجرد ص436 حتى 440. ([84]) راجع: الروح المجرد ص434. ([85]) راجع: الروح المجرد ص429. ([86]) فراجع: الفتوحات المكية ج4 ص280 و281. ([87]) راجع: الروح المجرد ص435 و436. ([88]) راجع: الفتوحات المكية ج4 ص555 ط دار الكتب العلمية الكبرى بمصر. ([89]) راجع: الفتوحات المكية ج4 ص555 ط دار الكتب العلمية الكبرى بمصر. ([90]) راجع: الفتوحات المكية ج4 ص555. ([91]) راجع: الروح المجرد ص427. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
ابن عربي مستضعف
ابن عربي مستضعف: إن البعض يعترف: بأن ابن عربي قد ولد وعاش سُنيِّاً، وفي بيئة سُنِّية.. ولكنه ادعى أنه قد جاهد نفسه، فاكتشف الحقائق تدريجياً بالشهود والوجدان، وصار من مخلصي الموحدين، ومن الشيعة الذين يفدون أرواحهم في محبة أمير المؤمنين عليه السلام.. لكن التسمي باسم الشيعة، وإظهار البغض والعداء للخلفاء الغاصبين كان أمراً محالاً.. «والأمر إلى الآن كذلك، فلو أن أحداً وقف في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله، ونادى: أشهد أن علياً ولي الله، لسفكوا دمه، ولتناهبت القبائل والطوائف دمه ولحمه تبركاً، ولكنه لو وقف ساعة كاملة يتحدث في مدح عائشة لنثروا عليه الحلوى، واستقبلوه بالزغاريد والأهاليل الخ..». وبعد أن ادعى أيضاً: أن مكتبات أهل تلك البلاد كانت مليئة بكتب العامة، قال: «فلم يكن يوجد في جميع مدنهم، ولو كتاب شيعي واحد»([92]). وذكر أيضاً: أنه حين جرى الحديث أمام السيد الطباطبائي حول ما زعمه ابن عربي، من أن المتوكل من أولياء الله، قال الطهراني له: «إن علينا في أمثال هذا النمط من المطالب أن نعده في زمرة المستضعفين.. فضحك العلامة مستنكراً، وقال: أمحيي الدين من المستضعفين؟! فقال الطهراني: ما المانع من ذلك، فحين يكون مناط الاستضعاف عدم الوصول إلى متن الحقيقة، وواقع الأمر، مع كون الطالب في صدد الوصول إليها، فلا فرق بين عالم كبير، كمحيي الدين، وعامي..»([93]). ونقول: إن هذا الكلام وإن سلمنا بصحة بعض مقدماته، ولكنه غير دقيق في بعض مقدماته الأخرى، ولا ينتج تشيُّع ابن عربي، وذلك للأمور التالية: أولاً: قوله: «لم يكن يوجد في جميع مدنهم كتاب شيعي واحد»، لا يمكن قبوله إلا من عالم الغيب والشهادة تبارك وتعالى. ثانياً: إن مؤلفات علماء تلك البلاد مشحونة بذكر عقائد الشيعة، والسعي إلى إبطالها.. فراجع: مؤلفات ابن حزم الذي قرأ ابن عربي كتبه، وراجع: كتب ابن عبد ربه، وأبي عمر بن عبد البر، والقاضي أبي بكر ابن العربي، وغير هؤلاء كثيرون.. فكيف عرف هؤلاء بعقائد الشيعة، ودونوها في كتبهم وجهلها ابن عربي، إلى حد أنه أصبح يعد في جملة المستضعفين؟! ثالثاً: لا شك في أن ابن عربي كان ـ كغيره ـ يعرف: أن هناك طائفة من الناس يقال لهم: «الروافض»، وأنهم «إمامية». وقد تحدث عن أن بعض الصوفية من «الرجبيين» يرون «الرافضة» بصورة خنازير، أو كلاب.. وذكر أن الشيطان يأتيهم عن طريق حب أهل البيت عليهم السلام، وغير ذلك. كما أن ابن عربي قد سافر إلى البلاد المختلفة ومنها: مصر، والعراق، والموصل، والحجاز، والشام، وغيرها.. وعاش فيها سنين طويلة، وهاجس الخوف من الفكر الشيعي كان على درجة كبيرة من القوة والوضوح خصوصاً لدى علماء تلك البلاد، فلماذا لا يسأل عن هذه الفرقة «الرافضة»، وعن اعتقاداتها، وآرائها؟!.. وكيف لم يتفق له أن يعرف شيئاً عنها، لا في بغداد، ولا في غيرها؟! حتى انتهى به الأمر إلى هذا الإستضعاف الذي يأنف الناس العاديون من أن ينسبوا إليه، فضلاً عن أمثال ابن عربي. مع العلم بأن تسنن أهل السنة لا ينفصل عن مقارعة الشيعة، وخصوصاً الإمامية، الذين هم الرافضة، ولا يكف علماؤهم عن تداول آرائهم، والهجوم عليهم. وكتب العامة مليئة بما يثير الفضول، ويلهب المشاعر، ويستحث العقول لمعرفة شيء عن الشيعة والتشيع، وعن الرفض والرافضة.. رابعاً: إن من يعرف هذه التفاصيل الدقيقة عن مذهب التسنن، ويكتب الفتوحات المكية استظهاراً، بدون أن يراجع كتاباً في العقائد والفقه، والحديث، والتاريخ، وغير ذلك ـ كما يزعمون ـ لابد أن يمر عليه من خلال تحصيله لهذه المعارف الشيء الكثير عن الشيعة، وعن التشيع. ولو أنه قد حصل معارفه هذه عن طريق الكشف والعلم اللدني، فلماذا لم يحصِّل قليلاً من المعرفة بالشيعة عن هذا الطريق أيضاً. فما الذي أوجب أن يبقى في دائرة الجهل إلى حد الاستضعاف في أمر هذه الطائفة التي تشغل بال العالم السني من أقصاه إلى أقصاه، بسبب فكرها القوي، وحجتها البالغة؟! وهل يمكن أن يعد أمثاله من العلماء الواسعي الإطلاع إلى هذا الحد من المستضعفين؟! وماذا بقي لغيرهم من سائر الناس؟! وأفلا يحق للسيد الطباطبائي رحمه الله أن يضحك مستنكراً لمثل هذه الدعاوى؟! خامساً: لو قبلنا جدلاً: أن ابن عربي مستضعف، فإن هذا لا يجعله في جملة الشيعة، ولا يخرجه عن دائرة التسنن، حيث لا بد من ترتيب أحكامه عليه، ومعاملته على أساسه.. ولابد أن يكون مثله مثل المستضعفين في سائر الأديان.. فإن استضعاف المسيحي أو اليهودي لا يجعله في عداد المسلمين. سادساً: إذا كان شهوده قد أوصله إلى هذا الحد من التشيع، والحب للإمام علي عليه السلام، الذي أشار إليه المستدل، فلماذا لم يوصله إلى حقيقة أعداء علي، ومناوئيه؟! خصوصاً من هم مثل المتوكل، ومعاوية، والحجاج، و.. و..؟! وإذا كان قد عرفهم، وتحقق حالهم، فلماذا ملأ كتبه بكراماتهم، وشحنها بفضائلهم المزعومة؟! ولماذا أنكر استخلاف رسول الله صلى الله عليه وآله لأحد حتى لعلي عليه السلام، من بعده؟!.. ولماذا لم يعرف ما جرى على السيدة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، من ظلم واضطهاد؟! ولماذا؟! ولماذا؟!.. وإذا كان قد كشف ذلك كله بالشهود والوجدان، فلماذا أيضاً لم يكتشف إمامة وحقيقة أهل البيت عليهم السلام الثابتة بالأحاديث الصحيحة والمتواترة؟!.. ولماذا عمم المراد بأهل البيت ليشمل جعفراً وسلمان الفارسي، وغيرهما، ولم يكتشف أنهم هم أهل الكساء؟! ويلحق بهم باقي الأئمة الطاهرين. بل إن ذلك لا يحتاج لا إلى شهود ولا إلى وجدان، ولا يحتاج فيه إلى كتب الشيعة، فإن كتب السنة التي قرأها، أو قرئت عليه، خير شاهد ودليل على ذلك. وأخيراً.. لماذا لم يكتشف بكشفه ووجدانه حقيقة الشيعة، وأنهم ليسوا كلاباً ولا خنازير، بل هم خيرة أهل الإيمان، وهم عز الإسلام. وقد ذكرنا في فقرة: مدائحه لنفسه. ما يكفي لإقامة الحجة عليه، لو كان صادقاً فيما يدعيه.. سابعاً: إن هذا المستدل يريد أن يدعي علينا: أن ما نطلبه من ابن عربي، هو أن يتحدى أهل السنة في مقدساتهم، وأن يعلن بسب خلفائهم، وقد أورد مثال من ينادي في شوارع المدينة بالشهادة بالولاية لعلي عليه السلام، للتدليل على ما يرمي إليه.. والحقيقة هي أنه يعلم أن هذا ليس هو المطلوب لنا ولا لغيرنا، بل المطلوب ـ لو كان موقف ابن عربي يرتكز إلى التقية ـ هو ادنى حدّ من المداراة للآخرين التي تدفع شرَّهم عنه، وأن لا يبادر بمناسبة وغير مناسبة إلى اقتراح الفضائل لمناوئيهم، وإعلان أمور ليس لها أي أساس من الصحة، وإلى أن يسجل عدم وصاية النبي للإمام علي عليه السلام، وإلى أن يذكر رؤية العرفاء للشيعة بصورة خنازير. وأن يكون كل همه في جميع كتبه منصرفاً إلى تدعيم، وترسيخ مذهب يدعون أنه لا يراه حقاً، ولا يؤمن به. ويتأكد هذا المطلوب، ويصبح أكثر إلحاحاً بملاحظة: أن كتابه مجرد كتاب تربية روحية، وتصوف، ودعوة إلى الزهد، ولا يطالبه أحد لو سكت عن مثل هذه الأمور التي جعلها كل همه، واساس رسالته التبشيرية. فإن عقلاء أهل السنة إنما يغضبون إذا تجرأ المتجرئ على أعيان مذهبهم، من دون حق. ولا يغضبون من بيان الحق بالدليل، إذا كان ذلك بالكلمة الرضية والصحيحة، والصريحة، والصادقة.. كما أنهم لا يغضبون لو سكت الإنسان عن التعرض لأي شيء، ولأجل ذلك لا نجدهم يطلبون من الطبيب، أو النحوي أن يكتب فضائل أبي بكر أو عمر في كتابه في الطب، أو في علم النحو مثلاً، ولا يفرضون على عالم الفيزياء مثل ذلك.. فاتضح أن سَوْق البحث حول هذا الأمر بهذا الاتجاه، قد كان غير منصف، ولا مقبول.. ([92]) الروح المجرد ص350. ([93]) راجع: الروح المجرد هامش ص420 وهامش ص367. |
عند الشهيد مطهري
ابن عربي.. عند الشهيد مطهري: وربما يتمسك البعض بما صدر من الشهيد مرتضى مطهري من تعظيم لشأن ابن عربي إلى حد: أنه اعتبره: «أعظم عرفاء الإسلام، فلم يصل أحد إلى ما وصل إليه، لا من قبله، ولا من بعده».. إلى أن قال: «إنه كان من عجائب الدهر، إنسان محير، ومدهش»..([94]). وقال عن كتابه: «فصوص الحكم»: «لعله لا يظهر في كل عصر أكثر من اثنين، أو ثلاثة، ممن يمكنهم أن يفهموه»([95]). والشهيد مطهري عالم عظيم، لا يلقي الكلام جزافاً، وبلا دليل. فإذا قبلنا كلامه، فإن علينا أن نقبل بأننا لم نفهم ما يرمي إليه ابن عربي في المواضع التي يظهر منها أنه ليس بشيعي. ونقول: أولاً: إن هذا الكلام إنما يصح بعد التسليم بتشيعه، وحيث لابد في هذه الحالة من يتمحض السعي باتجاه فهم سبب تصريحه بما يخالف مذهبه.. أما إذا كان أصل ابن عربي وفصله هو التسنن، وقد جاءت كتبه مرتكزة إلى أصول مذهبه المعروف عنه، ثم جاء من يريد أن يدعي خلاف ذلك، فإن طبيعة البحث تفرض التمسك بظواهر كلامه، ـ فكيف بصريحه ـ إلى أن يأتي الدليل القاطع، والبرهان الساطع على ضد ذلك.. وهذا هو المفقود حقاً في أمر النزاع في تشيع ابن عربي. ثانياً: إن كلام الشهيد مطهري لا يفيد في اثبات تشيع ابن عربي، حيث إنه لم يشر إلى ذلك، لا من قريب ولا من بعيد. لأنه قد كان بصدد الثناء عليه في خصوص علم التصوف والعرفان الصوفي، ولم يكن بصدد بيان مذهبه، ولا كان يريد بيان عيوبه.. فالإرتكاز إلى كلامه في هذا الأمر، ما هو إلا تحكم، واقتراح بلا مبرر. ثالثاً: إن كلام الشهيد مطهري لا يمكن قبوله من دون تمحيص علمي، إذ إن من يقرأ كلامه يتخيل: أن علماء الإسلام ليس لهم هَّم إلا حل رموز كتب ابن عربي، خصوصاً كتاب: «فصوص الحكم»، وأنهم قد اجتمعوا بقضهم وقضيضهم لمعالجة مبهماتها، وحل مشكلاتها، ثم ظهر عجزهم، وبانت خيبتهم. مع أن الحقيقة ليست كذلك، فإن من يظهرون الاهتمام بهذا العلم الذي لابن عربي، نوع معرفة أو درجة من البراعة فيه، هم أقل القليل من العلماء.. أما الذين يمارسونه بصورة جدية، ومقبولة، ومعقولة، فهم أفراد قلائل في كل زمان.. فإذا لم يفهم كتاب الفصوص إلا اثنان أو ثلاثة، في كل عصر، فإن ذلك هو الأمر الطبيعي بالنسبة إلى علم يقل المهتمون به، ويندر الذين يسعون إلى التعمق والتبحر فيه.. وإن كان يكثر المدّعون له، رغبة في الحصول على شرف الانتساب، دون بذل جهد في سبيل نيل حقائق ذلك العلم، وتحصيل دقائقه.. رابعاً: إن كلام الشهيد مطهري لا يفيد شيئاً في رفع إبهام أمر ابن عربي فيما يرتبط بحقيقة مذهبه الاعتقادي.. فإن عدم فهم الكثيرين لكلام هذا الرجل في الفصوص، ـ لو صح ـ فليس معناه: أن جميع ما أورده في ذلك الكتاب أو في غيره، غير مفهوم لهم أيضاً.. بل المراد: أن كثيراً من موارد ذلك الكتاب تبقى مبهمة على القارئ، غير المتخصص في ذلك العلم، مع قلة أولئك المتخصصين في خصوص العرفان الصوفي لدى أهل السنة.. فالإيهام إنما هو في موارد لا ترتبط بما يدل على حقيقة مذهبه الإعتقادي. ولم نجد أحداً قال: إن أياً من المفردات الصريحة في اعتقاده داخلة في دائرة ما يستعصي فهمه على العلماء؟! أو حتى على العامة من الناس، فضلاً عن الخاصة؟!.. بل الأمر على خلاف ذلك تماماً، فإنها قد جاءت في غاية الصراحة والوضوح حتى للجاهل غير العالم.. والنصوص التي أوردناها في هذه الدراسة لا شك في أنها خير شاهد على ذلك.. خامساً: إن الكلام إنما هو في حقيقة الأدلة والشواهد على تشيع هذا الرجل، وليس قول هذا أو ذاك من العلماء بالذي يصلح دليلاً على ذلك، ما دام أن العلماء، يتساوون في كونهم يتلمسون تلك الشواهد، وهاتيك الأدلة على هذا الأمر، إذ أن أحداً منهم لايدعي أنه قد عاش مع ابن عربي، وسمع منه، واطلع على دخيلة نفسه. فإذا كان قول الشهيد مطهري دليلاً على تشيعه، ـ مع كونه غير دال على ذلك ـ فليكن قول جميع الآخرين ممن هم فحول وأساطين العلم، مع وضوحه وصراحته، ومع قرب مأخذه، الدليل الأقوى على ذلك. لمن ألقى السمع وهو شهيد.. ([94]) العرفان ص74 تأليف الشهيد مرتضى المطهري ط بيروت سنة 1413 هـ ([95]) العرفان ص75 تأليف الشهيد مرتضى المطهري ط بيروت سنة 1413 هـ يتبع>>> نسألكم الدعاء |
القسم الثاني الفصل الأول جنون العظمة.. وهو يشتمل على فصلين: الفصل الأول: مادح نفسه يقرؤك السلام.. الفصل الثاني: الأولياء والأقطاب.. أنبياء لا أرباب.. مادح نفسه يقرؤك السلام.. أدلة وشواهد: إننا نذكر في هذا الفصل، وفي ما يلي من فصول شواهد وأموراً تدل على أن ابن عربي مجانب للصواب في اعتقاداته، وللصدق في ادعاءاته، ونخصص هذا الفصل لإيراد بعض ما مدح به نفسه، وما ادعاه لها من مقامات، مما لو أردنا استقصاءه في مؤلفاته لبلغ مجلداً ضخماً، يثير دهشة القارئ، ويزيد من إعجابه بقدرة هذا الرجل على التخيل، وسوف تدهشه تهويمات أوهامه، وسعة أحلامه، وجرأته على التبجح والإدعاء لمعجزة النبي ولمقامه.. فنقول، وعلى الله نتوكل، إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول.. إسراء ومعراج ابن عربي: 1ـ ادعى في فتوحاته: أنه أسري به إلى السماء تسع مرات..([96]). قال الحر العاملي: «ويظهر منه: أنه يدعي المزية والفضيلة على الرسول صلى الله عليه وآله»([97]).. ادعاء ختم الولاية لمنامٍ: 2ـ وقال الحر العاملي: إنه ادعى أنه خاتم الولاية لرؤيا رآها في منامه.. 3ـ قال شارح الفصوص: إنه بقي تسعة أشهر في الخلوة لم يأكل طعاماً، وبعدها بُشّر بأنه خاتم الولاية المحمدية، وقيل له: دليلك أن العلامة التي كانت بين كتفي الرسول الدالة على أنه خاتم النبوة، هي نفسها بين كتفيك، تدل على أنك خاتم الولاية..([98]). دعاوى علم الغيب: 4ـ قال الحر العاملي: ذكر في الفتوحات المكية أخباراً يحيلها العقل، ويجزم بكذبها، ويظهر منه دعوى علم الغيب، والجرأة على الإفتراء والكذب([99]).. ابن عربي ركن العالم: 5ـ ويقول عن نفسه: «فكنا [الأربعة الأركان] التي قام عليها شخص العالم والإنسان..»([100]). من الأوتاد وله ركن الحجر الأسود: 6ـ إنه يدعي لنفسه: أنه من الأوتاد الأربعة، وان له ركن الحجر الأسود([101]). كشف الحقائق له: 7ـ يدعي في عشرات الموارد أيضاً: أن الحقائق قد كشفت له.. فراجع كتابه الفتوحات المكية وغيره.. يتلقى معارفه من الروح الأمين: 8 ـ ومدائحه لنفسه في كتابه: «عنقاء مغرب»، كثيرة، ويذكر فيه أيضاً: أنه قد كتبه بأمر قد صدر له، وكانت تسميته بهذا الإسم بعد أخذ ورد، حتى لقد قال: «كل ما أبرزناه لعين الناقد البصير، إنما هو من تلقيات الروح الأمين الخ..». 9ـ وذكر أيضاً: أن كتاب عنقاء مغرب، قد أنزله الله عليه، وأبرزه للعباد على يديه..([102]). تأليف «فصوص الحكم» بأمر النبي صلى الله عليه وآله: 10ـ ادعى في فصوص الحكم: أن رسول الله صلى الله عليه وآله، هو الذي أمره به، وأنه إنما أودع فيه ما حده له..([103]). يؤلف «الفتوحات» بأمر ربه: 11ـ وقال: «فالله تعالى رتب على يدنا هذا الترتيب، فتركناه، ولم ندخل فيه برأينا، ولا بعقولنا. فالله يملي على القلوب بالإلهام جميع ما يسطره العالم في الوجود، فإن العالم كتاب مسطور إلهي»..([104]). 12ـ ويدعي في الفتوحات أيضاً أنه حين تكلم حول أوائل السور، فإنه إنما فعله عن أمر ربه، قال: «لا أتكلم إلا عن طريق الإذن، كما أني سأقف عند ما يُحَدُّ لي، فإن تأليفنا هذا وغيره لا يجري مجرى التواليف، ولا نجري منه نحن مجرى المؤلفين، فإن كل مؤلف إنما هو تحت اختياره، وإن كان مجبوراً في اختياره، أو تحت العلم الذي يبثه خاصة، فيلقي ما يشاء، ويمسك ما يشاء..»([105]). ولا بأس بمراجعة العبارة في المصدر إلى آخرها. وقد علق عليه القديحي، بعد أن أورد عبارته بتمامها، بقوله: «انظر إلى هذه الدعوى التي لا تتم إلا لنبي مرسل، فإن صريحها: أنه لا ينطق إلا عن وحي يوحى في قلبه، علمه شديد القوى. ومقتضاها الاستغناء عن مضامين القرآن والحديث، وإنما يجب عليه الإيمان بها كما آمن الرسول بالأنبياء، والرسل، وكتبهم الخ..»([106]). وقد ذكر ابن عربي نظير ذلك حين تكلم عن معاني (ألم ـ البقرة) وأنه لا يقيد مسألة عن هوى واختيار، إلا عن وحي من ربه وائتمار..([107]). الخضر عليه السلام، وابن عربي: 13ـ وهو يزعم أنه قد اجتمع مع الخضر عليه السلام أكثر من مرة..([108]). يرى الله في المنام: 14ـ ويزعم أنه قد رأى ربه في عالم الرؤيا، وهو يقول له: إنصح عبادي([109]). وقد تكررت رؤيته لربه في المنام في مناسبات عديدة، فراجع([110]). معرفته بالدقائق: 15ـ ويقول: «غير أن هنا دقيقة، لا يعلمها إلا أمثالنا»([111]). حالات الغيبوبة: 16ـ ويقول عن نفسه: «..وأما اعتبار المغمى عليه، فهو صاحب الحال، الذي أفناه الجلال، أو هيَّمه الجمال، فلا يعقل. فيكون الحق متوليه في تلك الغيبة في حسه، بما شاء أن يجريه عليه. وقد أقمت أنا في هذه الحالة مدة، ولم أُخِلَّ بشيء من حركات الصلاة الظاهرة بالجماعة، على أتم ما يمكن إماماً. ولا علم لي بشيء من هذا كله. فلما أفقت ورددت إلى حسي في عالم الشهادة، أعلمني الحاضرون: أنه ما فاتني شيء مما توجه علي من التكليف، كما توجه على العاقل الذاكر. ومن أهل طريقنا من لا تكون له هذه الحالة، وهي حالة شريفة، حيث لم يجر عليه لسان ذنب». ثم يذكر نظير ذلك للشبلي أيضاً([112]). لكنه لم يبين لنا ما حكم عباداته، وصلواته، وهو في تلك الحال، هل هو حكم من يدخل في إغماء أو غيبوبة، فيجب عليه إعادتها؟! أم هو حكم الإنسان الصاحي الذي لا يجب عليه شيء؟!.. وبأيٍ من هاتين المقولتين التزم؟! وريث النبي يرى من خلفه: 17ـ ثم هو يدّعي وراثة النبي صلى الله عليه وآله في حالاته النبوية، حتى إنه يرى من خلفه، فهو يقول: «ولما ورثته صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، كانت لي هذه الحالة، كنت أصلي بالناس في المسجد الأزهر، بمدينة فاس، فإذا أدخلت المحراب أرجع بذاتي كلها عيناً واحداً، فأرى من جميع جهاتي، كما أرى قبلتي، ولا يخفى علي الداخل ولا الخارج، ولا واحد من الجماعة، حتى إنه ربما يسهو من أدرك معي ركعة من الصلاة، فإذا سلمت، ورددت وجهي إلى الجماعة أدعو، أرى ذلك الرجل يجبر ما فاته، فيخل بركعة، فأقول: فاتك كذا وكذا. فيتم صلاته، ويتذكر، فلا يعرف الأشياء، ولا هذه الأحوال إلا من ذاقها. ومن كانت هذه حاله، فحيث كانت القبلة فهو مواجهها، هكذا ذقته نفسي، فلا ينبغي أن يصلى على الراحلة إلا صاحب هذا الحال»([113]). الخرس: 18ـ ويقول: «وكان لنا تلميذ، غير أنه لم يحفظ عليه الخرس، فلم يتحقق بحيوانيته. ولما أقامني الله هذا المقام، تحققت بحيوانيتي، فكنت أرى وأريد النطق بما أشاهده فلا أستطيع، فكنت لا أفرق بيني وبين الخرس الذين لا يتكلمون..»([114]). أشهده الله أعيان رسله: 19ـ وقال: «واعلم: أنه لما أطلعني الحق، وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام، وأنبياءه كلهم البشريين، من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين، في مشهد أُقِمْتُ فيه بقرطبة سنة ست وثمانين وخمسة مئة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام، فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم. ورأيته رجلاً ضخماً في الرجال، حسن الصورة، لطيف المحاورة، عارفاً بالأمور كاشفاً لها، ودليلي على كشفه لها قوله: {مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}([115])..». الملائكة أفضل من رسول الله صلى الله عليه وآله: 20ـ وقال: «وأما المسألة الطبولية، التي بين الناس، واختلافهم في فضل الملائكة على البشر، فإني سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في الواقعة، فقال لي: إن الملائكة أفضل. فقلت له: يا رسول الله، فإن سُئِلْت: ما الدليل على ذلك، فما أقول؟! فأشار إلي: أن قد علمتم أني أفضل الناس، وقد صح عندكم، وثبت ـ وهو صحيح ـ أني قلت عن الله تعالى، أنه قال: «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم». وكم من ذاكر لله تعالى ذكره في ملأ أنا فيهم، فذكره الله في ملأ خير من ذلك الملأ الذي أنا فيهم. فما سررت بشيء سروري بهذه المسألة الخ..»([116]). كنز الكعبة وصل إليه بسبب بينه وبين الله: 21ـ وقال: «واعلم أن الله تعالى أودع الكعبة كنزاً، أراد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يخرجه، فينفقه، ثم بدا له في ذلك أمر آخر لمصلحة رآها. ثم أراد عمر بعدُ أن يخرجه، فامتنع، اقتداء برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فهو فيه إلى الآن.. وأما أنا فسيق لي منه لوح من ذهب، جيء به إلي، وأنا بتونس، سنة ثمان وتسعين وخمس مئة، فيه شق، وغلظه إصبع، عرضه شبر، وطوله شبر أو أزيد، مكتوب فيه بقلم لا أعرفه. وذلك لسبب طرأ بيني وبين الله. فسألت الله أن يرده إلى موضعه، أدباً مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. ولو أخرجته إلى الناس لثارت فتنة عمياء، فتركته أيضاً لهذه المصلحة، فإنه صلى الله عليه [وآله] وسلم ما تركه سدى، وإنما تركه ليخرجه القائم بأمر الله في آخر الزمان، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً الخ..»([117]). فقه الرضيعة ونطقها: 22ـ ويقول: «واتفق لي مع بنت كانت لي ترضع، يكون عمرها دون السنة، فقلت لها: يا بنية ـ فأصغت إلي ـ، ما تقولين في رجل جامع امرأته، فلم ينزل، ما يجب عليه؟ فقالت: يجب عليه الغسل. فغشي على جدتها من نطقها. هذا شهدته بنفسي..»([118]). بحر المعارف في صدره: 23ـ ويقول: «ولما رأيت الله تعالى قد فتح إلى قلبي باب الحكمة، وأجرى فيه بحارها، وسبح سري في سبحها، حتى إني والله، لأنظر إلى معظم البحر، إذا اشتدت عليه الرياح الزعازع، فعلا موجه، وارتفع دربه. ثم انظر إلى تموّج بحر المعارف والأسرار في صدري، فأجد معظم ذلك البحر بما وصفناه، من تلاطم الأمواج، ساكناً لا حراك به، عند تموج بحر العلم في صدري، واصطفاقه، لاسيما في مكة المشرفة، فداخلني من ذلك رعب شديد، وجزع عظيم، وخوف متلف، فعزمت على قطع الميعاد، وأن لا أقعد للناس. فأُمِرْتُ بالقعود والنصيحة للحق، قسراً، وحتماً واجباً، فقعدت الخ..»([119]). قال بعض الإخوة ـ جاداً أو مازحاً ـ : لربما يكون لكلامه حقيقة، بأن يكون بعض شياطين الجن قد أمره بذلك!! ولعله هو الذي زين له وأراه بحر المعارف في صدره!! واحد عصره: 24ـ وقد كُتِبَ على باب مدخل سرداب قبر محيي الدين ابن العربي بيت من الشعر، يمدح فيه ابن عربي نفسه، فيقول: ولكـل عصر واحـد يسمـو بـه وأنـا لباقـي العصر ذاك الـواحـد وقد كان يمكن أن يُعَدُّ هذا من خيالات الشعراء، ولكننا بعد أن قرأنا ما قرأناه، عرفنا: أنه قاصد لما يقول، مريد لصريح دلالته اللفظية.مع أن واحد العصر، هو صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، دون سواه، وقد خزي وخسئ من يدعي غير ذلك.. اشتراكه مع النبي صلى الله عليه وآله في الحكم: وقال وهو يتحدث عن مقامٍ شهده في عالم المثال في حضرة الجلال، وأنه رأى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، والصديق على يمينه صلى الله عليه وآله، والفاروق على يساره.. و.. و.. قال: 25ـ «فالتفت السيد الأعلى، والمورد العذب الأحلى، والنور الأكشف الأجل، فرآني وراء الختم، لاشتراك بيني وبينه في الحكم. فقال له السيد: هذا عديلك، وابنك، وخليلك» الخ..([120]). حضرة العزة للصوفية: 26ـ ويقول: ونحن لنا حضرة العزة، وهي لنا السادسة والعشرون، غير أن هذه الحضرة العزية التي لنا متفاضلة بيننا الخ..»([121]). ابن عربي أعلى من النبي صلى الله عليه وآله مقاماً: 27ـ ونقل القيصري في شرح الفص الشيثي عن ابن عربي: أنه قال في فتوحاته: «أنه رأى حائطاً من ذهب وفضة، وقد تحمل إلا موضع لبنتين، إحداهما من فضة، والأخرى من ذهب، فانطبع موضع تلك اللبنتين. قال: «وأنا لا أشك أنني أنا الرائي، ولا أشك أني أنا المنطبع موضعهما، وبي كمل الحائط، ثم عُبِّرت الرؤيا بانختام الولاية به»([122]). وسيأتي في الفصل التالي عن كتاب الفصوص، الفص الشيثي قوله: إن النبي يرى أن الحائط ينقص لبنة واحدة، وخاتم الأنبياء يراه ينقص لبنتين، إحداهما من ذهب، والأخرى من فضة.. وأنه يرى نفسه تنطبع موضع تينك اللبنتين فيكمل الحائط.. وهذا معناه: أنه يرى نفسه فوق النبي صلى الله عليه وآله.. 28ـ وقال في الفتوحات: «.. ونحن زدنا مع الإيمان بالأخبار الكشف، فقد سمعنا (رأينا خ ل) الأحجار تذكر الله، رؤية عين، بلسان نَطِق، تسمعه آذاننا منها، وتخاطبنا مخاطبة العارفين بجلال الله، مما ليس يدركه كل إنسان»([123]). 29ـ وله مدائح أخرى لنفسه، لا مجال لتتبعها. فراجع على سبيل المثال كتابه: «الفتوحات المكية »([124]). ففيه وفي غيره الشيء الكثير، والكثير جداً. ([96]) راجع: كتاب الإسرا إلى مقام الإسرى ط سنة 1367هـ ضمن رسائل ابن عربي. ([97]) الإثنا عشرية ص169/170. ([98]) الموارد المتقدمة ذكرها الحر العاملي في كتاب: الإثنا عشرية ص169/170. ([99]) الإثنا عشرية ص169/170. ([100]) الفتوحات المكية ج1 ص72 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([101]) راجع: الفتوحات المكية ج2 ص401 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([102]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص17 و20 و21. ([103]) فصوص الحكم ص47 و48 و56 و57. ([104]) راجع: الفتوحات المكية ج13 ص450 و451 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([105]) الفتوحات المكية ج1 ص264 و265 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى، وراجع: الردود والنقود ص149 و150. ([106]) راجع: الردود والنقود ص150 و151. ([107]) راجع: الردود والنقود ص170 و171. ([108]) الفتوحات المكية ج3 ص181 و182 و183 و184 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([109]) الفتوحات المكية ج5 ص156 و157 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([110]) الفتوحات المكية ج9 ص106 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([111]) فصوص الحكم ص162. ([112]) الفتوحات المكية ج7 ص187 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([113]) الفتوحات المكية ج7 ص267 و268 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([114]) الروح المجرد ص319 ط سنة 1423 هـ عن كتاب الأربعين للشيخ البهائي، خاتمة الحديث السادس والثلاثين ص312 و313 عن الفتوحات المكية لابن عربي في = = الباب 366. ومجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري ج2 ص281 الطبعة الحجرية. وقد ذكر الطهراني في الروح المجرد ص221: أن الظاهر هو أن هذه العبارة التي ذكرنا قد التقطها الشيخ البهائي من كلمات ابن عربي وليست هي عين عبارته.. فراجع: الفتوحات المكية ط دار الكتب العربية الكبرى ـ بمصر ج3 ص327 و336. ([115]) الآيتين 56 و 57 من سورة هود. ([116]) الفتوحات المكية ج12 ص210 و211 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([117]) راجع: الفتوحات المكية ج10 ص58 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([118]) راجع: الفتوحات المكية ج10 ص79 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([119]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص123. ([120]) الفتوحات المكية ج1 ص44 و45 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([121]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص352. ([122]) منهاج البراعة ج13 ص269. ([123]) راجع الفتوحات المكية ط دار الكتب العلمية الكبرى ج1 ص147. ([124]) الفتوحات المكية ج10 ص452 و453 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الفصل الثاني معجزات أولياء الصوفية:الأولياء والأقطاب.. أنبياء لا أرباب.. قد ذكرنا في هذه الدراسة، أوأشرنا إلى نصوص قد صرحت بأن محيي الدين ابن عربي يدّعي لأولياء الصوفية مقام النبوة، ولكن من دون تشريع، كما أنه يدعي لهم من الكرامات والأفعال العجيبة التي تصل إلى حد الإعجاز الشيء الكثير..([125]). ونحن نعلم: أن سياسة جعل البدائل وتكثيرهم، توجب إضعاف بل إسقاط، المقامات المعنوية، والحط من الكرامات، فتكثير المراجع مثلاً يوجب ضعف أو سقوط مقام المرجعية في النفوس.. وتكثير ادعاء المقامات لكثير من الأشخاص، يجعل هذا الأمر موهوناً ومبتذلاً. ويتضاءل الإحساس بقيمة، وتفرد، وامتياز الأنبياء والأولياء الحقيقيين، كما أن تكثير المزارات والمقامات، من شأنه أن يضعف القيمة المعنوية التي تليق بمقامات ومشاهد أهل البيت عليهم السلام.. كما أن شيوع ادعاء الكرامات والمعجزات يجعل موضوع الكرامة والمعجزة أمراً مبتذلاً وموهوناً، يتداوله الناس فيما بينهم، كما يتداولون طعامهم وشرابهم.. وتسقط بذلك قيمة النبوات ويصبح رسول الله الذي هو علة وجود العالم، والنبي الخاتم بمثابة واحدٍ من أولياء الصوفية، وتزول مرتبته صلى الله عليه وآله، ومراتب سائر الأنبياء من النفوس، وتتضاءل قداستهم، ولا تبقى أية ميزة لهم.. كما ويصبح أهل الإمامة العظمى، وآيات الله الكبرى، كسائر الناس، لا يصل أعظمهم، وأكرمهم، إلى أدنى مرتبة يصل إليها أي ولي من أولياء الصوفية المنتشرين في طول البلاد وعرضها.. وتضيع الإمامة، ومعانيها، في خضم هذا البحر المتلاطم من الدعاوى العريضة، وليس ثمة أية ضابطة أو علامة يعرف بها الصادق من الكاذب، والولي من الشقي، وأهل الإيمان من أولياء الشيطان.. ولعل هذا التضييع الذي يتكفل به هذا الأسلوب الذكي، لم يكن بالأمر العفوي، بل كان هناك من يرغب بإشاعته واستمراره وتوسعته فهو مقيد لكثير من طلاب اللبانات في الحياة الدنيا حيث أنه أمر، له في جميع فئات وطبقات الناس الطالب والراغب، ما دام أنه سبيل سهل لادِّعاء هذه المقامات المغرية، ونيل درجات خيالية من التقديس، من دون أن يحتاج إلى بذل جهد، أو مال، أو غير ذلك.. ولو أننا لم نستطع أن نستيقن أن هناك من شجع هذا الاتجاه ونماه، ورعاه وغذاه، فلا أقل، من أن ذلك لم يزعج أحداً من أهل الدنيا، بل هو قد نال رضاهم، بل وإعجابهم في كثير من الأحيان.. وما دمنا بصدد الإشارة إلى فقرات يسيرة تعطي المنحى العام للمتصوفة فيما يضفونه على أنفسهم من هالات التقديس، واختراع الكرامات، حيث يظهرون التنكر للذات، والزهد في الدنيا، مع أن جوهر هذا السلوك هو التسويق للأشخاص، والمزيد من التسلط على الناس، واستئسار عقولهم، ونيل أعلى درجات الكرامة لدى البسطاء منهم، واستحداث مواقع في وجدانهم البريء، تقوم على الإيحاء والادعاء للمقامات، وللتصرفات، وللمعجزات، والكرامات. فكان أن اخترعوا لهم سلاسل مقامات، هياكل موهومة، ومراتب، وألقاب، وطبقات غير مفهومة، تتجلى بوضوح فيما ذكره محيي الدين بن عربي في كتابه: «الفتوحات المكية» حول طبقات الأولياء، وأسمائهم، ومراتبهم، وأعدادهم، ومواصفاتهم، وهي لا تعدو أن تكون مجرد ترتيبات اقتراحية، واصطلاحات ذوقية، ليس عليها دليل، وليس لهم إلى إثباتها سبيل، لا من آية، ولا من أثر عن سيد الخلق، وأفضل الكائنات والبشر، محمد وآله الأئمة الميامين الغرر.. ونذكر هنا مفردات يسيرة من بحر عجاج، متلاطم الأمواج، من الادعاءات العريضة للكرامات، والمعجزات، والتصرفات مما زخرت به كتب ومؤلفات ابن عربي، فنقول: ([125]) راجع على سبيل المثال: مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص320 و321 والفتوحات المكية. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
استغناء المتصوفة عن المعصوم: الأولياء فوق الأنبياء: إن ما يدعيه الصوفية من نيل المعارف عن طريق الكشف، قد أفسح المجال أمام ادعاء الاستغناء عن المعصوم، ثم هو قد مكنهم من ادّعاء نيل العلوم والمعارف، التي قد لا يصل إليها ملك مقرب، ولا نبي مرسل.. 1ـ قال ابن عربي: «فمنا من جهل في علمه، فقال: «والعجز عن درك الإدراك إدراك، ومنا من علم، فلم يقل مثل هذا، وهو أعلى القول، بل أعطاه العلم السكوت ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالم بالله، وليس هذا إلا لخاتم الرسل، وخاتم الأولياء. وما رآه أحد من الأنبياء والرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى إن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء. فإن الرسالة والنبوة، أعني نبوة التشريع ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً. فالمرسلون كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟ وإن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه، ولا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل، كما أنه من وجه يكون أعلى.. وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، وفي تأبير النخل. فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شيء، وفي كل مرتبة، وإنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله، هنالك مطلبهم.. وأما حوادث الأكوان، فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.. ولما مثل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم النبوة بالحائط من اللبن، وقد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه [وآله] وسلم تلك اللبنة. وأما خاتم الأولياء، فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ويرى في الحائط موضع لبنتين. واللبن من ذهب وفضة، فيرى اللبنتين اللتين تنقص الحائط عنهما، وتكمل بهما: لبنة ذهب، ولبنة فضة، فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين فيكمل الحائط.. والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر، وهو موضع اللبنة الفضة، وهو ظاهره، وما يتبعه فيه من الأحكام. كما هو آخذ عن الله في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا، وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك، الذي يوحي به إلى الرسول.. فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شيء. فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي، ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: كنت نبياً وآدم بين الماء والطين. وغيره من الأنبياء ما كان نبياً إلا حين بعث.. وكذلك خاتم الأولياء كان ولياً وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان ولياً إلا بعد تحصيله شرائط الولاية الخ..»([126]). 2ـ وبعد أن ذكر انقطاع نبوة التشريع، قال: «إلا أن الله لطف بعباده، فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها، وأبقى لهم التشريع في الاجتهاد في ثبوت الأحكام، وأبقى لهم الوراثة في التشريع، فقال: العلماء ورثة الأنبياء، وما ثم ميراث في ذلك إلا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرعوه.. فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع، فمن حيث هو ولي وعارف. ولهذا مقامه من حيث هو عالم أتم وأكمل من حيث هو رسول، أو ذو تشريع وشرع. فإذا سمعت أحداً من أهل الله يقول، أو ينقل إليك عنه أنه قال: الولاية أعلى من النبوة، فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه. أو يقول: إن الولي فوق النبي والرسول، فإنه يعني بذلك في شخص واحد، وهو أن الرسول عليه السلام من حيث هو ولي أتم من حيث هو نبي رسول، لا أن الولي التابع له أعلى منه..»([127]). 3ـ إلى أن يقول: «إن الشرع تكليف بأعمال مخصوصة، أو نهي عن أفعال مخصوصة، ومحلها هذه الدار، فهي منقطعة. والولاية ليست كذلك، إذ لو انقطعت لانقطعت من حيث هي، كما انقطعت الرسالة من حيث هي، وإذا انقطعت من حيث هي لم يبق لها اسم. والولي اسم باق لله تعالى، فهو لعبيده تخلقاً وتحققاً، وتعلقاً، فقوله للعزير: لئن لم تنته عن السؤال عن ماهية الله لأمحون اسمك من ديوان النبوة، فيأتيك الأمر على الكشف بالتجلي..». 4ـ إلى أن قال: «إذ النبوة والرسالة خصوص رتبة في الولاية، على بعض ما تحوي عليه الولاية من المراتب الخ..»([128]). وتصريحاته بثبوت النبوة العامة للأولياء، وأنها لم تنقطع. والذي انقطع هو نبوة التشريع، كثيرة وغزيرة([129]). خلفاء الرسل: 5ـ ويقول: «ولهذا مات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ولم ينص بخلافة عنه إلى أحد، ولا عينه، لعلمه أن في أمته من يأخذ الخلافة عن ربه، فيكون خليفة عن الله مع الموافقة في الحكم المشروع، فلما علم صلى الله عليه [وآله] وسلم ذلك لم يحجز الأمر، فلله خلفاء في خلقه يأخذون من معدن الرسول والرسل الخ..»([130]). عبدة العجل، عبدة لله تعالى: 6ـ وعن عبدة العجل في زمن النبي موسى عليه السلام، يقول: «فكان موسى أعلم بالأمر من هارون، لأنه علم ما عبده أصحاب العجل، لعلمه بأن الله قد قضى أن لا يعبد إلا إياه، وما حكم الله بشيء إلا وقع..». العجل بعض المجالي الإلهية: 7ـ إلى أن قال: «أنظر إلى إلهك» فسماه إلهاً بطريق التنبيه وللتعليم، لما علم أنه بعض المجالي الإلهية([131]). خاتم الأولياء.. هو خاتم النبوة المطلقة: 8 ـ وقال: «وأما ختم الولاية المحمدية، فهي لرجل من العرب، من أكرمها أصلاً ويداً، وهو في زماننا اليوم موجود عرفت به سنة خمس وتسعين وثمان مئة، ورأيت العلامة التي قد أخفاها الحق فيه عن عيون عباده، وكشفها لي بمدينة فاس، حتى رأيت خاتم الولاية منه، وهو خاتم النبوة المطلقة، لا يعلمه كثير من الناس. وقد ابتلاه الله بأهل الإنكار عليه، فيما يتحقق به من الحق في سره من العلم به. وكما أن الله ختم بمحمد صلى الله عليه [وآله] وسلم نبوة الشرايع، كذلك ختم الله بالختم المحمدي الولاية التي تحصل من الورث المحمدي، لا التي تحصل من سائر الأنبياء، فإن من الأولياء من يرث إبراهيم وموسى وعيسى، فهؤلاء يوجدون بعد هذا الختم المحمدي..»([132]). خاتم الأولياء، ليس هو المهدي: 9ـ ويقول: «استحق أن يكون لولايته الخاصة ختم يواطئ اسمه اسمه صلى الله عليه [وآله] وسلم، ويجوز خلفه، وما هو بالمهدي المسمى، المعروف بالمنتظر، فإن ذلك من سلالته وعترته، والختم ليس من سلالته الحسية، ولكنه من سلالة أعراقه وأخلاقه صلى الله عليه [وآله] وسلم»..([133]). الكفار هم الأولياء: 10ـ وفي كلام له حول «الأولياء في صفة الأعداء» يقول: «انظر كيف أخفى سبحانه أولياءه في صفة أعدائه؟ وذلك أنه لما أبدع الأمناء من اسمه اللطيف، وتجلى لهم في اسمه الجميل، فأحبوه تعالى.. والغيرة من صفات المحبة، في المحبوب والمحب، بوجهين مختلفين. فستروا محبته تعالى غيرة منهم عليه، كالشبلي وأمثاله، وسترهم الحق بهذه الغيرة عن أن يُعرفوا. فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ}([134]).. أي ستروا ما بدا لهم في مشاهدتهم من أسرار الوصلة، فقال: لا بد من أن أحجبكم عن ذاتي بصفاتي. فتاهوا كذلك فما استعدوا. فأنذرتهم على ألسنة أنبيائي الرسل، في ذلك العالم، فما عرفوا: لأنهم في عين الجمع، وخاطبهم الحق من عين التفرقة، وهم ما عرفوا عالم التفصيل، فلم يستعدوا. وكان الحب قد استولى على قلوبهم سلطانه، غيرة من الحق في ذلك الوقت. فأخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، روحاً وقرآناً، بالسبب الذي أصمهم عن إجابة ما دعاهم إليه، فقال: {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ}([135]).. فلم يسمعها غيره، {وَعَلَى سَمْعِهِمْ}.. فلا يسمعون سوى كلامه على ألسنة العالم، فيشهدونه في العالم متكلماً بلغاتهم: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}.. من سناه ـ إذ هو النور ـ وبهائه، إذ له الجلال والهيبة: يريد الصفة التي تجلى لهم فيها المتقدمة.. فأبقاهم الحق غرقى في بحور اللذات بمشاهدة الذات، فقال لهم: لا بد لكم من {عَذَابٌ عظِيمٌ} فما فهموا ما العذاب، لاتحاد الصفة عندهم. فأوجد لهم الحق عالم الكون والفساد، وحينئذ علمهم «جميع الأسماء»، وأنزلهم على العرش الرحماني، وفيه عذابهم، وقد كانوا مخبوئين عنده في خزائن غيوبه، فلما أبصرتهم الملائكة خرت سجوداً لهم، فعلَّموهم الأسماء.. فأما أبو يزيد، فلم يستطع الاستواء، ولا أطاق العذاب، فصعق من حينه. فقال تعالى: «ردوا علي حبيبي، فإنه لا صبر له عني». فحجب بالشوق والمخاطبة. وبقي للكفار، فنزلوا من العرش إلى الكرسي. فبدت لهم القدمان، فنزلوا عليهما في «الثلث الباقي من ليلة» هذه النشأة الجسمية..». 11ـ وقال: «إن أبا يزيد نفخ في النملة التي قتلها فحييت، فكان عيسوي المشهد»([136]). وكتاب تذكرة الأولياء مشحون بما يدعون من كرامات ومعجزات للصوفية.. فمن أراد المزيد الذي لا يكاد يحصره عدّ، أو ينتهي إلى حد، فعليه بمراجعة ذلك الكتاب وغيره.. ([126]) فصوص الحكم ص62 و63 و64 ([127]) فصوص الحكم ص135 ([128]) فصوص الحكم ص136. ([129]) الفتوحات المكية: ج12 ص147 و148 و149 و185 و186 و317 و318 و336 و337 و338 و339 و340 و341 و342 و344 و345 و424 و425. وج11 ص251 حتى ص255 و358 و391 و398 وج10 ص119 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([130]) فصوص الحكم ص163. ([131]) راجع فصوص الحكم ص192. ([132]) راجع: الفتوحات المكية ج12 ص121 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([133]) راجع: الفتوحات المكية ج12 ص128 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([134]) الآية 6 من سورة البقرة. ([135]) الآية 7 من سورة البقرة. ([136]) فصوص الحكم ص142. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
القسم الثالث ابن عربي.. سني متعصب.. وهو يشتمل على سبعة فصول: الفصل الأول: سمات ومناهج.. الفصل الثاني: نبذة من عقائده.. الفصل الثالث: أئمته.. ومقاماتهم؟! الفصل الرابع: مقامات أبي بكر.. الفصل الخامس: عمر بن الخطاب الولي المعصوم.. الفصل السادس: شخصيات يعظمها إلى حد التقديس الفصل السابع: قبائح أم مدائح.. الفصل الأول سمات ومناهج.. بداية: وبعد، فإن من يراجع حياة ابن عربي يجد: أن منهجه غريب عن منهج الشيعة والتشيع، وعن كل ما قرره أهل البيت عليهم السلام، وأن سمات التسنن العميق ظاهرة عليه في مختلف المجالات التي تصدى للحديث عنها.. ونحن نورد في هذا الفصل «متفرقات» من هذه السمات، ونماذج من تلك المناهج، تؤكد هذه الحقيقة، فنقول: دعاء ختم صحيح البخاري: 1ـ قال في الدعاء في الباب الأخير من «الفتوحات»: «اللهم اسمعنا خيراً، وأطلعنا خيراً! ورزقنا الله العافية، وأدامها لنا، وجمع الله قلوبنا على التقوى، ووفقنا لما يحب ويرضى! {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}([137]).. ثم يقول: «.. هذا الدعاء سمعته من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في المنام، يدعو به بعد فراغ القارئ عليه من كتاب «صحيح البخاري»، وذلك سنة تسع وتسعين وخمسمائة، بمكة، بين باب الحزَّورة وباب أجياد، يقرؤه الرجل الصالح محمد بن خالد الصدفي التلمساني، وهو الذي كان يقرأ علينا كتاب «الإحياء» لأبي حامد الغزالي»([138]). وضوء ابن عربي: 2ـ ولسنا بحاجة إلى الإشارة إلى أن كل أحد يعرف الفرق بين وضوء أهل السنة، ووضوء الشيعة، وأن الشيعة لا يغسلون أرجلهم فيه، وإنما يمسحون ظاهرها من رؤوس الأصابع إلى الكعبين، كما أنهم لا يمسحون حول آذانهم.. ولكن وضوء ابن عربي لا يشبه وضوء الشيعة، بل هو عين وضوء أهل السنة، فهو يغسل الرجلين، ويرى عدم الاكتفاء بمسح مقدم الرأس، بل يضيف إليه المسح حول الأذنين أيضاً، فراجع..([139]). لا يقول بالقياس، لكنه يجيز الحكم به: 3 ـ وقال: «وأما القياس فمختلف في اتخاذه دليلاً وأصلاً، فإن له وجهاً في المعقول، ففي مواضع تظهر قوة الأخذ به على تركه، وفي مواضع لا يظهر ذلك. ومع هذا فما هو دليل مقطوع به، فأشبه أخبار الآحاد، فإن الاتفاق واقع على الأخذ به، مع كونه لا يفيد العلم. وهو أي العلم أصل من أصول إثبات الأحكام، فليكن القياس مثله، إذا كان جلياً لا يرتاب فيه. وعندنا، وإن لم أقل به في حقي، فإني أجيز الحكم به ممن أداه اجتهاده إلى إثباته، أخطأ في ذلك أم أصاب، فإن الشارع أثبت حكم المجتهد، وإن أخطأ، وأنه مأجور.. فلولا أن المجتهد استند إلى دليل في إثبات القياس، من كتاب، أو سنَّة، وإجماع، أو من كل أصل منها، لما حل له أن يحكم به.. بل ربما يكون في حكم النظر عند المنصف القياس الجلي أقوى في الدلالة على الحكم من خبر الواحد الصحيح..»([140]). إلى أن قال: «ونحن نقطع أنه لا بد فيها (أي في هذه المسألة الفرعية) من حكم إلهي مشروع، وقد انسد الطرق، فلجأنا إلى الأصل، وهو النظر العقلي، واتخذنا قواعد إثبات هذا الأصل، كتاباً وسنة، فنظرنا في ذلك، فأثبتنا القياس أصلاً من أصول أدلة الأحكام، بهذا القدر من النظر العقلي. حيث كان له حكم في الأصول، فقسنا مسكوتاً عنه على منطوق به لعلة معقولة، لا يبعد أن تكون مقصودة للشارع، تجمع بينهما في مواضع الضرورة، إذا لم نجد فيه نصاً معيناً. فهذا مذهبنا في هذه المسألة». ثم بدأ يتكلم حول تخطئة مثبت القياس، وأن هذه التخطئة خطأ لا يصح..([141]). فهو قد قال هذا، رغم أنه قد صرح بأنه لا يقول بالقياس، لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر به؟!..([142]). فتجده يصعد، ويصوب، ويتذاكى، ويتذبذب، ويسعى للتوفيق بين رفضه للعمل بالقياس، وبين حفظ مقام القياس، ومقام القائلين به، وتأكيد حجية أحكامهم به، ومعذوريتهم فيها.. 4ـ ويقول معقباً على جمع النبي صلى الله عليه وآله بين المغرب والعشاء في المزدلفة، وبين الظهر والعشاء في عرفة: «.. فإن الله قد علم من عباده: أنهم بعد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يتخذون القياس أصلاً فيما لا يجدون فيه نصاً من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، فوفق رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى الجمع في هذا اليوم بتقديم صلاة العصر، وتأخير صلاة المغرب، ليقيس مثبتوا القياس التأخير لهذا التأخير، والتقديم لهذا التقديم.. وقد قرر الشارع حكم المجتهد أنه حكم مشروع، فإثبات المجتهد القياس أصلاً في الشرع، بما أعطاه دليله، ونظره واجتهاده، حكم شرعي، لا ينبغي أن يرد عليه من ليس القياس من مذهبه. وإن كان لا يقول به، فإن الشارع قد قرره حكماً في حق من أعطاه اجتهاده ذلك. فمن تعرض للرد عليه، فقد تعرض للرد على حكم أثبته الشارع. وكذلك صاحب القياس، إن رد على حكم الظاهري الخ..»([143]). العمل بخبر شارب الخمر، في إفاقته: 5ـ وهو يجوّز أخذ الخبر من الفاسق، حتى من شارب الخمر، إذا حدَّث في حال إفاقته..([144]). الإجماع هو إجماع الصحابة لا غير: 6ـ ويقول: «الإجماع هو إجماع الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لا غير، وما عدا عصرهم فليس بإجماع يحكم به»([145]). النبي بشر، لا يتبع إلا إذا أمر: 7ـ وهو لا يرى لزوم اتباع النبي صلى الله عليه وآله، إلا إذا أمر بذلك، قال: «فإنه عليه السلام بشر، يتحرك كما يتحرك البشر، ويرضى كما يرضى البشر، ويغضب كما يغضب البشر، فلا يلزمنا اتباعه في أفعاله إلا إن أمر بذلك»([146]). البدع سنن مشروعة: 8 ـ وهو يصرح بأن البدع التي شرعها غير رسول الله صلى الله عليه وآله، هي سنن مشروعة. وكأنه من أجل أن يصحح بدعة التراويح، وغيرها، فهو يقول: «هي على قسمين: سنة أمر بها الرسول، وحرض عليها، أو فعلها بنفسه، وخيّر أمته في فعلها، وسنة ابتدعها واحد من الأمة، فاتبع فيها، فله أجرها، وأجر من عمل بها»..([147]). الإستحسان: 9ـ وحول مشروعية الاستحسان يقول: «أما السنن التي هي الشرائع المستحسنة بعد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فهو الاستحسان عند الفقهاء الذي قال فيه الشافعي رحمه الله: من استحسن فقد شرع، فأخذها الفقهاء منه على جهة الذم، وهو رضي الله عنه نطق بحقيقة مشروعة، لم تفهم عنه، فإنه..». إلى أن قال: «.. فمن استحسن ـ أي من سن سنة حسنة ـ فقد شرع. ويا عجباً من عدم فهم الناس كلام الشافعي في هذا..»([148]). صلاته على جميع الصحابة: 10ـ كانت آخر عبارة له في الفتوحات المكية هي التالية: «وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين». ومن الواضح: أن الشيعي إنما يصلي على العدول من الصحابة، وهم قليلون، وليس من بينهم من حارب الإمام علياً عليه السلام، أو اغتصب حقه، فلا يترضى مثلاً على طلحة، والزبير، ومعاوية، وغيرهم ممن حارب الإمام علياً عليه السلام، ولا على من نفَّر الناقة برسول الله صلى الله عليه وآله يوم العقبة، ولا على عبد الله بن أبي، والحكم بن أبي العاص، وغيرهم.. وغيرهم.. غيرة النبي صلى الله عليه وآله: 11ـ ويقول عن يوم العيد: «وفي هذا اليوم لعبت الأحابشة في مسجد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، وهو واقف ينظر إليهم، وعائشة رضي الله عنها خلفه صلى الله عليه [وآله] وسلم..»([149]). فهل ترى هذا الفعل يليق برسول الله صلى الله عليه وآله، ولو من الناحية الاجتماعية، بغض النظر عن موضوع الغيرة. ورسول الله صلى الله عليه وآله أغير البشر؟ ثم إنه هل كان مسجد الرسول موضعاً للعب الأحابشة؟!.. الغناء في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله: 12ـ قال ابن عربي: «وفي هذا اليوم دخل بيت رسول الله صلى الله عليه [وآله] مغنيتان، فغنتا في بيت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ورسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يسمع. ولما أراد أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حين دخل، أن يغيِّر عليهما، قال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: دعهما يا أبا بكر، فإنه يوم عيد»([150]). شرك أبي طالب: 13ـ ويقول: «أمر النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بغسل عمه أبي طالب، وهو مشرك»([151]). ولا ندري كيف!! ولماذا يأمر صلى الله عليه وآله بغسل المشرك؟!! 14ـ وذكر حديث صحيح مسلم بن الحجاج، عن العباس، عن النبي صلى الله عليه وآله: «أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وإن في قدميه لنعلين يغلي منهما دماغه».. ثم عقب ذلك بقوله: «فانظر كيف كان له قدم صدق في محبته، وقبول أمره، ولكنه انتقل فيه الخوف من الخلق، والرجاء لهم، فظهرت حقيقته له بعد الموت، بنعلين من النار.. وأما الحكمة في كونهما يغلي منهما دماغه، فلأن في الصحيح: «ألا أخبركم برأس الأمر وعموده، وذروة سنامه؟: الجهاد في سبيل الله.. ومن المعلوم: أن أبا طالب كان أشد الناس جهاداً عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ولكنه لم يتدين بدينه، خشية من السبّة، فكان خوفه لغير الله سبباً لإحباط جهاده، وإفساده.. وهكذا تكون حقيقة خوفه لغير الله، وهي نعله في النار، سبباً لإذابة دماغه، وهو لهب رأسه، وإحباطه بالإذابة والإفساد..([152]). 15ـ وقال حول نزول آية: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء}([153])، «.. ولو كان للهمة أثر ولا بد، لم يكن أحد أكمل من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ولا أعلى ولا أقوى همة منه، وما أثرت في إسلام أبي طالب عمه. وفيه نزلت الآية التي ذكرناها الخ..»([154]). تأبير النخل، والنزول على الماء في بدر: 16ـ ويقول حول أن الشارع قرر حكم المجتهد، فليس لغيره الذي يراه مخطئاً إزالة حكم اجتهاده: «أصل هذا الباب في قبول الكامل ما يشير به الأنقص، في المسألة التي هي أعلم بها منه، حديث تأبير النخل، وقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم لأصحابه: أنتم أعلم بمصالح دنياكم. ورجع إلى قولهم. وكذلك رجوعه صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى قولهم يوم بدر في نزوله على الماء..»([155]). عدالة أهل المذاهب: 17ـ ويقول: «ليس للشافعي مثلاً إذا كان حاكماً أن يرد شهادة الحنفي، إذا كان عدلاً، مع اعتقاده تحليل النبيذ. ويحده عليه إن شربه الحنفي. لكونه حاكماً يرى تحريمه لدليله، فيجب عليه إقامة الحد.. وكالحنفي إذا كان حاكماً، وقد رأى شافعياً تزوج بابنته المخلوقة من ماء الزنا منه، ويشهد عنده، فلا يرد شهادته، إذا كان عدلاً. ويفرق بينه وبين زوجته التي هي ابنته لصلبه، المخلوقة من ماء الزنا، لكونه حاكماً ذا سلطان، فإنه صاحب الوقت»([156]). حول الصحابة: ومن الأمور التي يصر عليها أهل السنة، حكمهم على الصحابة كلهم بأنهم عدول، وأنه لايصح التعرض لأي منهم في شيء مما صدر منه، حتى لو خرج أحدهم على إمام زمانه، وقاد الجيوش، وخاض الحروب، وقتل بسبب ذلك عشرات الألوف.. وها هو ابن عربي يقرر نفس هذا المبدأ بصورة قاطعة وقوية، حيث يوجب الإمتناع عن أي مساس بأي واحد من الصحابة. ويعلن سخطه على من يسب حتى بعض الصحابة، متجاهلاً حقيقة الجرائم التي صدرت عن ذلك البعض، مثل قتل المؤمنين، والخروج على إمام زمانه.. 18ـ قال: «فوالله يا وليي، لقد قرع سمع أخيك سب عيسى عليه السلام، وسب بعض الصحابة الكرام الخ..»([157]). 19ـ وقال وهو يتحدث عن عثمان، ومعاوية، وما أحدثاه في صلاة العيد: «فالظن بهم (الصحابة) جميل رضي الله عنهم، ولا سبيل إلى تجريحهم، وإن تكلم بعضهم في بعض، فلهم ذلك، وليس لنا الخوض فيما شجر بينهم، فإنهم أهل علم واجتهاد، وهم حديثو عهد بنبوة. وهم مأجورون في كل ما صدر منهم عن اجتهاد، سواء أخطأوا أم أصابوا»([158]). 20ـ وقد تقدم في فصل: «شخصيات يقدسها»، ما يشير إلى ذلك أيضاً، فراجع ما ورد تحت عنوان: دفاعه عن معاوية في بدعته.. 21ـ وتقدم آنفاً تحت عنوان: «تعظيم أهل البدع»: أن الظن في الصحابة جميل، ولا سبيل إلى تجريحهم، وإن تكلم بعضهم في بعض، فلهم ذلك، وليس لنا الخوض فيما شجر بينهم الخ.. أهل السنة هم أهل الحق: 22ـ وقال مصرحاً بأن مذهب أهل السنة هو المذهب الحق، «وهو أن ينسب إلى هذه الذات: أنها قادرة على الإيجاد عند أهل السنة، أهل الحق..»([159]). فمن يرى أن أهل السنة هم أهل الحق، لايكون شيعياً، كما هو معلوم. نسبة كلام علي عليه السلام إلى غيره!! ثم إنه ينسب كلام أمير المؤمنين عليه السلام إلى غيره، في العديد من المواضع.. 23ـ ويذكر على سبيل المثال قوله: قال الصديق رضي الله عنه: ما رأيت شيئاً، إلا رأيت الله قبله.. وقال الفاروق رضي الله عنه: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله معه.. وروى عن عثمان رضي الله عنه: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله بعده.. ومنهم قال: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله عنده.. الخ..([160]). 24ـ وفي مثال آخر نجده ينسب إلى عمر بن الخطاب، أنه هو الذي يقول: «لو كشف الغطاء، ما ازددت يقيناً»([161]). مع أن هذا من كلام الإمام علي عليه السلام أيضاً([162]). ولكنه يبهم هذا الأمر في موضع آخر، ولا يصرح باسم أحد، فهو يقول مخاطباً نفسه: «ألم تري إلى الذي قال: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً؟! لعظيم الكشف»([163]). وتتبع كتبه يظهر الكثير من الموارد المشابهة.. أسانيد روايات أهل السنة: 25ـ كما أنه يعتبر أن ما يرويه البخاري ثابت، ويعتبر رواة السند بما فيهم أبو هريرة وأضرابه، ثقاة([164]). لا يشير إلى كتب الشيعة بشيء: 26ـ وبعد، فإن جميع كتاب الفتوحات المكية مبني على روايات كتب الصحاح، وغيرها من كتب السنة، ولا تجده يشير إلى كتاب الكافي، ولا إلى غيره من كتب الشيعة، ولا يستدل على ما يراه حكماً شرعياً، بأي شيء مما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، باستثناء ما رواه أهل السنة عن الإمام علي عليه السلام.. بدعة صيام عاشوراء: 27ـ ثم هو قد حكم باستحباب صيام يوم عاشوراء، وأصر عليه، في أكثر من مورد، وقد ذكر ما ورد فيه من أخبارهم([165]). فراجع. من وافق ليلة القدر سقطت له المحرمات: 28ـ ويقول: «فيكون من قام ليلة القدر، فوافقها فقد ستر عنه خطاب التحريم، وأبيح له شرعاً، فما تصرف إلا في مباح، فإن الله لا يأمر بالفحشاء، الخ..»([166]). ([137]) الآية 286 من سورة البقرة. ([138]) الفتوحات المكية ج4 ص552 ط دار الكتب العربية الكبرى بمصر والوصايا ص274 و275 والروح المجرد ص352 و353. ([139]) راجع: مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص305 وراجع: الفتوحات المكية حين يتحدث عن أسرار الطهارة في السفر الخامس ط سنة 1977 المكتبة العربية القاهرة.. ([140]) الفتوحات المكية ج13 ص445 و446 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([141]) الفتوحات المكية ج13 ص448 و449 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([142]) راجع: الفتوحات المكية ج13 ص462 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([143]) الفتوحات المكية ج7 ص137 و138 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([144]) راجع: الفتوحات المكية ج13 ص453 و454 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([145]) راجع: الفتوحات المكية ج13 ص460 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([146]) راجع: الفتوحات المكية ج13 ص463 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([147]) راجع: الفتوحات المكية ج3 ص389 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([148]) راجع: الفتوحات المكية ج13 ص491 و492 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([149]) الفتوحات المكية ج7 ص461 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([150]) الفتوحات المكية ج7 ص461 و462 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([151]) الفتوحات المكية ج7 ص477 و478 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([152]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص438 و439 و440. ([153]) الآية 56 من سورة القصص. ([154]) فصوص الحكم ص130 ([155]) الفتوحات المكية ج7 ص490 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([156]) الفتوحات المكية ج7 ص489 و490 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. وراجع فصوص الحكم ص63 و206 و207. ([157]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص152 و153. ([158]) الفتوحات المكية ج7 ص458 و459 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([159]) الفتوحات المكية ج3 ص107 ([160]) كتاب الأعلام بإشارات أهل الإلهام ص2 رسائل ابن عربي.. وراجع: الفتوحات ج6 ص234 وج8 ص451 وج9 ص128 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([161]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص205. ([162]) راجع: المناقب لابن شهر آشوب ج1 ص317 ومنتهى المطلب ج3 ص44 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص159 ومصادر ذلك كثيرة جداً. ([163]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص141. ([164]) الفتوحات المكية ج9 ص152 و153. ([165]) راجع: الفتوحات المكية ج9 ص233 و300 و302 و303 و305 و306 و307 و308 و309 و310. ([166]) الفتوحات المكية ج4 ص451 يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الفصل الثاني نبذة من عقائده.. من عقائده: وبعد.. فإن هذا الرجل لم يزل يؤكد على تسننه، ليس فقط بما يورده من فضائل وكرامات، ويمنحه من ألقاب ومقامات، لأناس لا يرى لهم الشيعة شيئاً من ذلك.. وليس فقط أيضاً بما يصرح به من اتهامات للشيعة. وبما يقوم به من محاولات للتشكيك بمعتقداتهم. وبما يلهج به من مواقف يتبناها، وعقائد يلتزم بها ولا يتخطاها.. وحيث إن ما سجله وصرح به في كتبه كثير، فلا بد من الاكتفاء ببعض منه لنقدمه كنموذج ومثال، لا على سبيل الاستقصاء لما سجله من أقوال.. ونذكر من عقائده التي لا تنسجم مع دعوى تشيعه، الموراد التالية: خلق النبي آدم عليه السلام: 1ـ إنه يقول: «لما أمر الله تعالى بقبض القبضة التي خلق منها آدم عليه السلام، فهبط ملك الموت لذلك. وكان إبليس في الأرض، قد استخلفه الله تعالى فيها مع جملة من الملائكة، وقد مكث زماناً طويلاً يعبد الله. فقبض ملك الموت القبضة من سائر الأرض. وكان إبليس يطؤها بقدمه. فلما عجنت طينة آدم، وصورته من تلك الطينة، جاء خلق النفس من التراب الذي وطأه إبليس من قدمه. وخلق القلب من التراب الذي لم يطأه إبليس، فاكتسبت النفس ما فيها من الخبث، والأوصاف المذمومة من ملامسة وطأة قدم إبليس. ومن هنا جعلت النفس مأوى الشهوات، وعيشه وسلطانه عليه، لوطئه لها. ومن هنا جعل إبليس التكبر على آدم.. الخ..»([167]). تعدد القدماء: 2ـ وذكر أيضاً: أنه لا يستحيل في العقل وجود قديم وليس بإله، فإن لم يمكن فمن طريق السمع لا غير([168]).. ومن المعلوم أن هذا ليس من عقائد الشيعة.. 3ـ ويقول القديحي: في مسألة علم الله بما سواه: إن ابن عربي يقول بتعدد القدماء كما صرح به في موضعه.. 4ـ وقال: «وظاهره هنا جعل هذه الصورة عين ذات الباري، لأنها علمه بنا. وقد قال: إن علمه به الذي هو عين ذاته عين علمه بنا. وهو إفصاح بمذهب أن الأشياء في ذات الله بنحو أشرف: أو هو قول باتحاد العلم والعالم والمعلوم، فإن ما سواه طبق معلومه لا عين معلومه تعالى. كما أن علمه بنفسه يتحد العلم والعالم والمعلوم، لا فرق بين علمه بنفسه وعلمه بنا، كما صرح به..»([169]). الجبر.. والكسب: 5ـ وقال: «فما في الوجود طاعة ولا عصيان، ولا ربح ولا خسران.. ولا.. ولا.. إلا وهو مراد للحق تعالى. وكيف لا يكون مراداً له، وهو أوجده الخ..» إلى أن قال: «فالكفر والإيمان، والطاعة والعصيان، بمشيئته، وحكمته، وإرادته»([170]). 6ـ ويقول: «وليس بيد العبد فيه (أي في التصرف) شيء. وإنما العبد مصرَّف، فهو بحسب ما يقام فيه، ويراد به. وما الإنسان في تركه وعدم تركه للشيء، فعل. بل هو مجبور في اختياره، إذا كان مؤمناً، فإنا قيدنا «الغضب» أن يكون لله، وأما الغضب لغير الله، فالطبع البشري يقتضي الغضب والرضا، يقول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: إنما أنا بشر، أغضب كما يغضب البشر، وأرضى كما يرضى البشر الخ..»([171]). 7ـ وقال: «إن من عباد الله من يطلعهم الله على ما قدر عليهم من المعاصي، فيسارعون إليها من شدة حيائهم من الله، ليسارعوا بالتوبة، وتبقى خلف ظهورهم، ويستريحون من ظلمة شهودها، فإن تابوا عادت حسنة، على قدر ما تكون..([172]). وقال ابن عربي: «لم تتعلق قدرته تعالى بإيجاد شيء حتى أراده الخ»([173]). وقد علق عليه الشيخ إبراهيم بن مهدي آل عرفات القطيفي القديحي بقوله: «هذا هو مذهب الأشعري، من توارد القدرة والإرادة، وتوافقهما، وتكافئهما، لا تزيد إحداهما على الأخرى، ولا تنقص عنها، فكل موطن تناولته القدرة تناولته الإرادة، وكل موضع تعلقت به الإرادة تعلقت به القدرة، فهما متلازمتان لا انفكاك لإحداهما عن الأخرى.. فإن قيل لهم: يلزمكم إرادة الشرور والمعاصي.. قالوا في ميدان المجادلة مرة: كذلك الله ربنا، إذ يستحيل على ربنا المختار المتمكن من ترك ذلك الفعل أن يفعل ما لا يريده، ويقع في ملكه ما لا يريده.. وقالوا مرة: إن كونهما شروراً أو معاصي ليس عينها، بل هو حكم الله فيهما، وحكم الله في الأشياء غير مخلوق. وما لم يجر عليه الخلق لا يكون مراداً، بل المخلوق المراد المتعلق للقدرة إنما هو الأعيان.. 8 ـ وقال: «لما كانت الإرادة تتعلق بمرادها حقيقة، ولم يكن القدرة الحادثة مثلها، لاختلال في الطريقة، فذلك هو الكسب، فكسب العبد، وقدر الرب الخ..»([174]). 9ـ وقال: «الكسب تعلق إرادة الممكن بفعل مَّا دون غيره، فيوجد الاقتدار الإلهي عند هذا التعلق، فيسمى ذلك كسباً للممكن..»([175]). 10ـ وله تصريحات أخرى حول قبوله بنظرية الكسب في أفعال العباد([176]). فليراجعها من أراد.. ونظرية الكسب هي مقولة الأشعري المرفوضة عند الشيعة الإمامية كما هو معلوم لدى كل أحد، فراجع.. 11ـ ويقول: «لما اقتحم آدم وإبليس المعصية، هذا بترك ما أمر به، وذاك بفعل ما نهي عنه، جمع بينهما القدر إذ قدر، لأنه تعالى أمر وأراد خلاف ما أمر، فما وهبه الأمر سلبته الإرادة.. الخ..»([177]). 12ـ وقال حول قوله تعالى: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ}([178]): «لأنك أنت القائل، ومن قال أمراً، فقد علم ما قال»([179]). ونقول: إن القول بوحدة الوجود الذي يذهب إليه ابن عربي يضطره إلى القول بالجبر، فإن الخلق إذا كان عين الحق تعالى حتى ان فرعون كان من تجلياته تعالى، فيكون جميع ما يصدر منه مستنداً إلى الله سبحانه.. ([167]) شجرة الكون ص82 و83. ([168]) الفتوحات المكية ج1 ص201. ([169]) الردود والنقود ص346. ([170]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص301 وراجع ص302. ([171]) الفتوحات المكية ج5 ص272 ([172]) الفتوحات المكية ج9 ص228 و229 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى، وستأتي هذه العبارة بتمامها في فصل من هم أهل البيت وحقيقة عصمتهم.. ([173]) الردود والنقود ص94. ([174]) الردود والنقود ص103. ([175]) الردود والنقود ص110. ([176]) الفتوحات المكية ج1 ص182 و191 وج10 ص242 و243. ([177]) شجرة الكون ص80. ([178]) الآية 116 من سورة المائدة. ([179]) راجع: فصوص الحكم ص146. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
معنى وحدة الوجود: 13ـ قال ابن عربي في الفص اللقماني: «إن الله لطيف، فمن لطفه ولطافته أنه في الشيء المسمى كذا المحدود بكذا عين ذلك الشيء، حتى لا يقال فيه إلا ما يدل عليه اسمه بالتواطؤ والاصطلاح، فيقال: هذا سماء، وأرض، وصخرة، وشجرة، وحيوان، وملك، ورزق، وطعام، والعين واحدة من كل شيء، وفيه تقول الأشاعرة: إن العالم كله متماثل بالجوهر، فهو جوهر واحد. فهو عين قولنا: العين واحدة الخ..»([180]). فرعون عين الحق تعالى: 14ـ وقال في الفص الموسوي: «إن فرعون عين الحق قد ظهر بهذه الصورة. وهذه عبارته: «فصح قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى}، وإن كان عين الحق، فالصورة لفرعون، فقطع الأيدي والأرجل بعين حق في صورة باطل، لنيل مراتب لا تنال إلا بذلك الفعل»([181]). وقال في أول الفتوحات: «سبحان من أظهر الأشياء، وهو عينها». والكلام في هذا الموضوع طويل ومتشعب، وقد حاولوا أن يؤولوا كلام ابن عربي بتأويلات لا تتناسب مع صراحة كلامه.. ولا نريد أن ندخل في هذا الأمر حتى لا يتخذوا تلك التأويلات ذريعة لإنكار الواضحات، فيما يرتبط بتشيع هذا الرجل. فإن هناك من يحاول: أن يتخذ من الشبهة وسيلة تعميةٍ على البديهيات، فيلجأ إلى تعظيم الأمر وتهويله، ثم يصدر حكماً عاماً ببطلان سائر الأدلة، من دون أن يكلف نفسه عناء عرضها ومحاكمتها، والدلالة على مواضع الخلل فيها، الأمر الذي يحمل معه أسوأ أنواع الخداع، والخيانة للحق والحقيقة.. تكليف ما لا يطاق: 15ـ وقال: إن تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً، وادعى أنه قد عاين ذلك مشاهدة ونقلاً..([182]). معاقبة البريء وعقائد أخرى: 16ـ وقال: إن معاقبة البريء ليست ظلماً، وأنه يصح نسبة ذلك إلى الله، لأنه هو المالك الحقيقي..([183]). وذكر الشيخ إبراهيم القديحي بعض عقائد ابن عربي في كتابه الفتوحات، فقال: «منها تأويل العذاب بالعذاب.. والكفر بسر الإسلام.. وانخراط فرعون وهامان في المسلمين المؤمنين.. والقول بوحدة الوجود.. أعني وحدة الموجود.. بل إن العابد عين المعبود.. وإن لذات أهل النار في النار، إذا استمر الخلود لا تنقص عن لذات نعيم أهل الجنة في الجنة..([184]). التحسين والتقبيح شرعيان: 17ـ وقال: إن التحسين والتقبيح ثابتان في الشرع فقط..([185]). الحكمة الإلهية: 18ـ وقال: لا يجب على الله رعاية الأصلح..([186]). التجسيم الإسرائيلي: 19ـ وهو يتحدث عن العرش والكرسي، والقدمين، في أكثر من مورد..([187]). 20ـ وكذلك الحال بالنسبة لحديث: كلتا يديه يمين([188]). تبارك وتعالى.. 21ـ وحديث خلق الله آدم على صورته، تبارك وتعالى..([189]). وحديث خلق حواء من ضلع آدم..([190]) وهو مأخوذ من التوراة.. 22ـ وحديث: إن الجبار يضع قدمه في النار.. ويحاول تأويله والخروج من حالة الإحراج.. 23ـ ويعتبر حديث: رأيت ربي في أحسن صورة.. صحيحاً.. 24ـ ويذكر أيضاً حديث أن ضرس الكافر في النار مثل أحد، وكثافة جلده أربعون ذراعاً بذراع الجبار، وغير ذلك..([191]). 25ـ ويذكر ما صح عن رسول الله من الأخبار التي وصف فيها ربه: من الفرح، والضحك، والتعجب، والتبشبش، والغضب، والتردد، والكراهة، والمحبة، والشوق.. وإن ذلك مما يجب الإيمان والتصديق به..([192]). «إن الشارع ما أنكر إطلاقها في جناب الحق: من استواء، ونزول، ومعية، وضحك، وفرح، وتبشبش، وتعجب، الخ..»([193]). 26ـ وقال: «القدم صفة إلهية، وصف الحق بها نفسه و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}([194]).. الخ([195]). إسلام شيطان النبي صلى الله عليه وآله: 27-وهو يقبل بالحديث المزعوم عن أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وآله شيطان قد أعانه الله عليه فأسلم..([196]). ([180]) فصوص الحكم ص188. ([181]) فصوص الحكم ص211. ([182]) الفتوحات المكية ج1 ص183. ([183]) الفتوحات المكية ج1 ص183. ([184]) الردود والنقود ص98. ([185]) الفتوحات المكية ج1 ص183 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى، والردود والنقود ص104. ([186]) الفتوحات المكية ج1 ص183 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى، والردود والنقود ص104. ([187]) الفتوحات المكية ج2 ص362 وغيرها.. تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([188]) فصوص الحكم ص144 والفتوحات المكية ج11 ص184 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([189]) فصوص الحكم ص199 والفتوحات المكية ج11 ص258 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ومجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص399 و400. ([190]) الردود والنقود ص362. ([191]) الفتوحات المكية ج2 ص114 ـ 117 وراجع: ج4 ص400 و401 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([192]) الفتوحات المكية ج3 ص251 وج1 ص190 وج7 ص199 وج13 ص129 و130 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى والردود والنقود ص109. ([193]) الفتوحات المكية ج3 ص253 حتى ص255 وج4 ص225 وراجع ج1 ص190 وج7 ص199 وج13 ص129 و130 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([194]) الآية 11 من سورة الشورى. ([195]) الفتوحات المكية ج10 ص156 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([196]) الردود والنقود ص393 و394. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الهرولة الإلهية: 28ـ بل هو يصدق بالحديث الذي ينسب الهرولة إلى الله عز وجل، ثم يقرر: أن المراد هو إثبات هذه الصفة له حسب ما يليق بجلاله، لأنه المجهول الذي لا يعرف. 29ـ وقال: «وأما معقولية الهرولة، فما خاطب الله أهل اللسان إلا بما يعقلونه. فالهرولة معقولة، وصورة النسبة مجهولة، وكذلك جميع ما وصف الله به نفسه مما توصف به المحدثات»([197]). وهذا الكلام هو نفس ما يقوله أئمة العقائد، من حشوية أهل السنة والوهابية.. نزول الله إلى السماء الدنيا: 30ـ وهو أيضاً يصدق بالحديث القائل: إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا في كل ليلة، في الثلث الباقي من الليل([198]). مع أن أهل البيت عليهم السلام قد أعلنوا بالإنكار على الذين يسوِّقون لهذا الحديث، وبينوا: أنهم قد حرفوا الكلام عن مواضعه، فقد روي أنه قيل للإمام الرضا عليه السلام: ما تقول في الحديث الذي يروي الناس عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال: إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا؟ فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين للكلم عن مواضعه، والله، ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك. إنما قال صلى الله عليه وآله: إن الله تعالى ينزل ملكاً إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير، وليلة الجمعة في أول الليل، فيأمره فينادي: هل من سائل، فأعطيه؟ هل من تائب فأتوب عليه.. إلى أن قال: فلا يزال ينادي هذا إلى أن يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من ملكوت السماء..([199]). وفي الاحتجاج عن الإمام الكاظم عليه السلام قال في هذا الحديث: إن الله لا ينزل، ولا يحتاج إلى أن ينزل الخ..([200]). والحديث طويل أبطل فيه عليه السلام تحريفهم هذا بالدليل العقلي.. الأولياء يشاهدون الملك: 31ـ إنه يدعي أن أنبياء الأولياء يشاهدون الملك عند الإلقاء على حقيقة الرسول([201]). الكذبات الثلاث للنبي إبراهيم عليه السلام: 32ـ وهناك كلامه حول ما يرويه أهل السنة من كذبات النبي إبراهيم الثلاث،([202]) وغير ذلك مما يتعلق بمعاصي الأنبياء، التي ينسبونها إليهم، وحاشاهم صلوات الله على نبينا وآله، وعليهم. رؤية الله في الآخرة: 33ـ ويذكر أن الله تعالى يتجلى في يوم القيامة للخلائق، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. هذا نحن منتظرون حتى يأتينا ربنا.. فيقول لهم جل وعلا: هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيتحول لهم في الصورة التي عرفوه فيها بتلك العلامة، فيقولون: أنت ربنا.. فيأمرهم تعالى بالسجود، فلا يبقى من كان يسجد لله إلا وسجد، ومن كان يسجد اتقاء ورياء جعل الله ظهره طبقة نحاس، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، وذلك قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ}([203])..»([204]). 34ـ وعلى كل حال، فإنه قد تحدث في أكثر من مورد عن رؤية الله تعالى في الآخرة، وذكر تفاصيل عجيبة وغريبة في ذلك([205]). فراجع.. وهذا ليس من عقائد الشيعة كما هو معلوم.. نعيم من لم يعمل خيراً قط: 35ـ ثم إنه يستدل على أن أهل التوحيد العقلي الذين لم يعملوا خيراً قط يُنَعَّمُون، بحديث عثمان المروي في صحاح أهل السنة..([206]). إعجابه بإسرائيليات السبتي: 36ـ ويقول: إن أحمد السبتي، ابن أمير المؤمنين هارون الرشيد ـ على حد تعبيره ـ كان يصوم ستة أيام، ويشتغل بالعبادة فيها، فإذا كان يوم السبت احترف فيما يأكله بقية الأسبوع. فقال له: «لم خصصت يوم السبت بعمل الحرفة، فقال: لأن الله سبحانه ابتدأ خلقنا يوم الأحد، وانتهى الفراغ منه في يوم الجمعة، فجعلت تلك الأيام لي عبادة لله تعالى، لا اشتغل فيها بما فيه حظ لنفسي، فاحترفت في طلب ما أتقوت به في تلك الأيام. هكذا كل جمعة، فإنه سبحانه نظر إلى ما خلق في يوم السبت، فاستلقى، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وقال: أنا الملك، لظهور الملك، ولهذا أسمي يوم السبت، والسبت هو الراحة. ولهذا أخبر الله تعالى: أنه ما مسه من لغوب فيما خلقه.. واللغوب هو الإعياء، فهي راحة لا عن إعياء، كما هي في حقنا.. فتعجبت من فطنته، وقصده، فسألته: من كان قطب الزمان في وقتك؟ فقال: أنا. ثم ودعني وانصرف»([207]). وقد مر معنا في بعض فصول هذه الدراسة، أنه يعتبر أحمد السبتي من أصحاب المقامات وقد لاحظنا هنا: أنه تعجب من فطنته!!.. لروايته الإسرائيليات الباطلة.. ونحن بدورنا نتعجب من اعتباره ذلك من الفطنة!!.. ملاحظة: هناك اثنان من أعلام المتصوفة باسم أحمد السبتي، أحدهما: ابن هارون الرشيد العباسي، المتوفي سنة 184 للهجرة، أي قبل وفاة أبيه هارون. والآخر أحمد السبتي، الذي كان في آخر المئة السادسة بمراكش، وينسب إليه علم الزايرجة، الذي هو من القوانين الصناعية، لاستخراج الغيوب([208]). والظاهر: أن ابن عربي يتحدث عن الأول كما يظهر من سياق كلامه، ووصفه له، وتصريحه باسم أبيه. إلا أن يكون هناك شخص ثالث بهذا الإسم، وهذا ما لا نعرفه نحن. ولا يساعد عليه ظاهر بل صريح كلامه.. لا خلود في النار، بل فيها النعيم: 37ـ ويقول: «ولا بد لأهل النار من فضل الله ورحمته في نفس النار، بعد انقضاء مدة موازنة أزمان العمل، فيفقدون الإحساس بالآلام في نفس النار، لأنهم ليسوا بخارجين من النار، فلا يموتون فيها ولا يحيون، فتتخدر جوارحهم بإزالة الروح الحساس منها.. وثمة طائفة يعطيهم الله بعد موازنة المدد بين العذاب والعمل نعيماً خيالياً، مثل ما يراه النائم وجلده، كما قال تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ}([209]).. هو كما قلنا: خدرها. فزمان النضج والتبديل يفقدون الآلام، لأنه إذا انقضى زمان الإنضاج خمدت النار في حقهم، فيكونون في النار كالأمة التي دخلتها، وليست من أهلها، فأماتهم الله فيها إماتة، فلا يحسون بما تفعله النار في أبدانهم.. الحديث بكماله ذكره مسلم في صحيحه وهذا من فضل الله ورحمته..»([210]). ويبقى السؤال الذي يلح بطلب الإجابة قائماً، وهو: أنه لماذايقضي الله عليهم بعدم الخروج من النار إذا كانوا لا يستحقون البقاء فيها؟!.. وإذا كان بقاؤهم باختيارهم وإصرارهم، فما هي مبررات هذا الاختيار، وذلك الإصرار؟! وهل يبقون في النار قهراً، وجبراً، وقسراً عن إرادة الله، تبارك وتعالى؟! وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يكون التخفيف عنهم؟! وإذا كان الخدر هو بسبب التخفيف بصورة طبيعية، فلماذا لا يكون سبباً لذلك قبل حصول الموازنة؟! إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي تحتاج إلى جواب.. 38ـ ويقول: «الذي يليق بالآخرة إنما هو الخروج من النار، فلا يبقى في النار موحد، ممن بعث إليه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. ولا أحد ممن بعث إليه يبقى شقياً، ولو بقي في النار، فإنها ترجع عليه برداً وسلاماً من بركة أهل البيت»([211]). 39ـ وقال: «وأما أهل النار فمآلهم إلى النعيم، ولكن في النار، إذ لا بد لصورة النار بعد انتهاء مدة العقاب، أن تكون برداً وسلاماً على من فيها، وهذا نعيمهم. فنعيم أهل النار بعد استيفاء الحقوق نعيم خليل الله حين ألقي في النار، فإنه عليه السلام تعذب برؤيتها، وبما تعوّد في علمه وتقرر الخ..»([212]). 40ـ وقال: «إن صاحب السجلات لا يدخل النار، مع أنه من أهل الكبائر، إذ ليس معه سوى قول: لا إله إلا الله، في طول إسلامه مدة حياته في الدنيا»([213]). توحيد المشرك ونعيمه: 41ـ ويقول: «لولا النص الوارد في المشرك، وفي من سن الشرك لعمت الشفاعة كل من أقر بالوجود، ولم يوحد، فإن المشرك له ضرب من التوحيد، أعني توحيد المرتبة الإلهية العظمى، فإن المشرك جعل الشريك شفيعاً عند الله. يقولون: {هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ}([214])، كما قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}([215]).. فوحد هذا المشرك الله في عظمته، وليست للشريك عنده هذه المرتبة، إذ لو كانت له ما اتخذه شفيعاً. والشفيع لا يكون حاكماً.. فلهم (أي للمشركين) رائحة من التوحيد. وبهذه الرائحة من التوحيد ـ وإن لم يخرجوا من النار ـ لا يبعد أن يجعل الله لهم فيها نوعاً من النعيم، في الأسباب المقرونة بها الآلام. وأدنى ما يكون من تنعيمهم أن يجعل المقرور في الحرور، ونقيضه ـ الذي هو المحرور ـ يجعل في الزمهرير، حتى يجد كل واحد منهما بعض لذة، كما كانت لهم هنا بعض رائحة من التوحيد..». إلى أن قال: «وما ورد نص يحول بيننا وبين ما ذكرناه من الحكم، فبقي الإمكان على أصله في هذه المسألة. وفي الشريعة ما يعضده، من قوله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}([216]).. وقوله: «رحمتي سبقت غضبي»([217])».. ([197]) الفتوحات المكية ج5 ص237 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([198]) الفتوحات المكية ج4 ص195 وج6 ص117 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. وفصوص الحكم ص111. ومجموعة رسائل ابن عربي (المجوعة الثالثة) ص334. ([199]) راجع: كتاب التوحيد للصدوق ص176 والبحار ج3 ص314 عنه وعن الأمالي وعيون أخبار الرضا. ([200]) راجع: الاحتجاج ج2 ص327 والبحار ج3 ص311 والتوحيد ص183 ح18 والكافي ج1 ص125. ([201]) راجع: الفتوحات المكية ج2 ص358/359/360 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([202]) الفتوحات المكية ج4 ص459 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([203]) الآية 42 من سورة القلم. ([204]) الفتوحات المكية ج4 ص462 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([205]) راجع: فصوص الحكم ص87 و184 والفتوحات المكية ج1 ص223 وج5 ص78 ـ 83 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. وكتاب الجلالة ص8 و9 في جملة رسائل ابن عربي، ومجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص396 و397. ([206]) الفتوحات المكية ج4 ص463 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([207]) الفتوحات المكية ج9 ص226 و227 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([208]) راجع: الكنى والألقاب ج2 ص306. ([209]) الآية 56 من سورة النساء. ([210]) الفتوحات المكية ج4 ص403 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([211]) الفتوحات المكية ج13 ص148 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([212]) فصوص الحكم ص169. ([213]) الفتوحات المكية ج8 ص108 وج4 ص470 وراجع: ج7 ص392 و393 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([214]) الآية 18 من سورة يونس. ([215]) الآية 3 من سورة الزمر. ([216]) الآية 156 من سورة الأعراف. ([217]) الفتوحات المكية ج8 ص99 و100 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
إيمان فرعون وهو الطاهر المطهر: 42ـ وقال: «فقالت لفرعون في حق موسى: إنه «قرة عين لي ولك»، فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها كما قلنا. وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهراً مطهراً، ليس فيه شيء من الخبث، لأنه قبضه عند إيمانه، قبل أن يكتسب شيئاً من الآثام، والإسلام يجب ما قبله.. وجعله آية على عنايته سبحانه من شاء، حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.. فلو كان فرعون ممن يئس ما بادر إلى الإيمان، فكان موسى كما قالت امرأة فرعون فيه: إنه قرة عين لي ولك، عسى أن ينفعنا، وكذلك وقع، فإن الله نفعهما به عليه السلام»([218]). ونقول: إن هذا يخالف ما دل على أن الإسلام حين رؤية البأس لا ينفع، مع أن الله قد أنكر عليه إيمانه حال غرقه، فقال: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}([219]).. وقال تعالى أيضاً: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ، فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}([220]).. ورواياتنا عن أئمتنا عليهم السلام قد دلت على ذلك أيضاً.. وفي الآيات تصريح بأن فرعون ومن معه أئمة يدعون إلى النار، وأنه تعالى قد اتبعهم في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة هم من المقبوحين.. فما معنى الحكم بإيمانه، وأنه طاهر مطهر؟! المؤمن مأجور في عين عصيانه: 43ـ ويقول: «فالإيمان أصل، والعمل فرع لهذا الأصل بلا شك. ولهذا لا تخلص للمؤمن معصية أصلاً، من غير أن تخالطها طاعة، فالمخلط هو المؤمن العاصي، فإن المؤمن إذا عصى في أمر ما، فهو مؤمن بأن ذلك الأمر معصية، والإيمان واجب، فقد أتى واجباً، فالمؤمن مأجور في عين عصيانه، والإيمان أقوى من المعصية»([221]). ([218]) فصوص الحكم ص201. ([219]) الآية 91 من سورة يونس. ([220]) الآيتين 84 و 85 من سورة غافر. ([221]) الفتوحات المكية ج8 ص232 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
سهو النبي صلى الله عليه وآله، وقصوره: 44ـ ويقول: «وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ففي زمانه إذا رأى منه الصاحب أمراً قد قرر خلافه ـ والإنسان صاحب غفلات ـ فينبه الصاحب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم حتى يرى: هل فعله بالقصد، فيكون حكماً مشروعاً، أو فعله عن نسيان فيرجع عنه. فهذا من النصح لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، مثل سهوه في الصلاة، فالواجب عليه في الرباعية أن يصليها أربعاً، فسلم على اثنتين. فهذه نصيحة لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فرجع وأتم صلاته، وسجد سجدتي السهو. وكان ما قد روي في ذلك وأمثال هذا.. ولهذا أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم بمشاورة أصحابه فيما لم يوح إليه فيه، فإذا شاورهم تعين عليهم أن ينصحوه فيما شاورهم فيه على قدر علمهم، وما يقتضيه نظرهم في ذلك أنه مصلحة، فينصحونه في ذلك، كنزوله يوم بدر على غير ماء، فنصحوه، وأمروه أن يكون الماء في حيزه صلى الله عليه [وآله] وسلم، ففعل. ونصحه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قتل أسارى بدر حين أشار بذلك..»([222]). 45ـ وقال: «وأما ما رويناه مما أوحى الله به إليه([223]): لئن لم تنته لأمحون اسمك من ديوان النبوة»، أي أرفع عنك طريق الخبر، وأعطيك الأمور على التجلي، والتجلي لا يكون إلا بما أنت عليه من الاستعداد، الذي به يقع الإدراك الذوقي، فتعلم أنك ما أدركت إلا بحسب استعدادك الخ..»([224]). النبي صلى الله عليه وآله لم يستخلف: 46ـ يقول: «مات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ولم ينص بخلافة عنه إلى أحد، ولا عيَّنه، لعلمه الخ..»([225]). الله كتب التوراة بيده: 47ـ ويقول: «وخص موسى بالكلام والتوراة، من حيث إن الله كتبها بيده، قبل أن يخلق آدم بأربع آلاف سنة»..([226]). الكعبة، وبيت المقدس: 48ـ وقال: «لأن البيت الذي هو الكعبة قد حاز الأولية، وبين الأقصى وبينه أربعون سنة. وهو حد زمان التيه لقوم موسى عن دخول المسجد الأقصى الخ» ([227]). وهذا الكلام من إلقاءات علماء اليهود، وإلا، فإن الكعبة قد بناها نبي الله آدم عليه السلام، ثم جدد بناءها نبي الله إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه.. أما بيت المقدس، فكان ابتداء أمره بعد آلاف السنين، على يد آل داود.. تخطئة رسول الله صلى الله عليه وآله: 49ـ وقال: «.. وقال له: لما دعا على رعل وذكوان، وعصية: إن الله لم يبعثك سباباً، ولا لعاناً، وإنما بعثك رحمة للعالمين، ولم يبعثك عذاباً الخ..»([228]). أضاف في نص آخر قوله: «أي لا تطرد عن رحمتي من بعثتك إليه، وإن كان كافراً، وإنما بعثتك رحمة الخ..»([229]). ونقول: إن في هذا انتقاصاً واضح من مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، حيث نسب إليه أنه قد تصرف بطريقة خاطئة، أوجبت التدخل الإلهي، لمنعه من الإستمرار في ذلك، مع توضيح الأمر له، وتعريفه بأنه قد سار في الإتجاه غير الصحيح. ختم الولاية المحمدية: 50ـ وذكر أيضاً: أن ختم الولاية المحمدية قد ولد في زمانه، وأنه لا ولي بعده، كما أنه لا نبي بعد محمد..([230]). مع أن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو صاحب الولاية المحمدية بجميع معانيها منذ غيبته وإلى يوم القيامة، وكل من يدعي غير ذلك، فهو كذاب، مفتر، صاد عن سبيل الله.. عصمة أولياء الصوفية: 51ـ هذا كله عدا عن أنه يدعي العصمة للولي، ويسميها بالحفظ، ولا يسميها بالعصمة، تأدباً مع الأنبياء..([231]) فراجع كلامه.. الشيطان المارد والأولياء: 52ـ ويقول: «فيأتي (الشيطان المارد) إلى الولي، فما يلقي إليه إلا فعل الطاعات، وينوعه فيها، ويخرجه من طاعة إلى طاعة أعلى، فلا يرى الولي أثراً لهوى نفس، فيبادر إلى فعلها، ويقنع الشيطان المارد منه بهذا الأخذ عنه على جهالة، فلو كان الولي على بينة من ربه في ذلك لكان أولى.. فالشيطان لا يقدر أن يقدح في علم التجلي الإلهي بوجه من الوجوه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في حق شيطانه، أعنى قرينه الموكل: إن الله أعانه عليه فأسلم، أي انقاد إليه فلا يأمره إلا بخير..»([232]). الأنبياء يفتنون بعد الموت: 53ـ ويقول: «إن الأنبياء تفتن في الممات، كما يفتن المؤمنون»([233]). الإستدلال بفعل ابن عمر: النجاة بالاقتداء بالفاسق: ومن ميزات مذهب الشيعة الإمامية حكمهم بعدم صحة الإئتمام بالفاسق، والقول بالجواز إنما هو في مذاهب أهل السنة، وابن عربي يلتزم بما عند أهل نحلته، فهو يقول: 54ـ «فلما رأينا أولياء الله يأتمون به (أي بالفاسق)، وينفعهم ذلك عند الله، ويكون هذا الإقتداء سبباً في نجاتهم، صحت إمامته. وقد صلى عبد الله بن عمر خلف الحجاج، وكان من الفساق بلا خلاف المتأولين بخلاف. فكل من آمن بالله، وقال بتوحيد الله في ألوهيته، فالله أجل أن يسمى هذا فاسقاً حقيقة مطلقاً، وإن سمي لغة، لخروجه عن أمر معين، وإن قل. والمعاصي لا تؤثر في الإمامة ما دام صاحبها لا يسمى كافراً»([234]). نسيان النبي صلى الله عليه وآله وحفظ أُبي: 55ـ ويقول: «وقد سأل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم عن أبيّ حين ارتج عليه، يقول له: لِم لَم تفتح علي، لأن أبياً كان حافظاً للقرآن الخ..»([235]). ولسنا بحاجة إلى لفت نظر القارئ الكريم إلى أنه لا معنى لأن يحفظ أبي، وينسى رسول الله صلى الله عليه وآله، وهو النبي المعصوم عن السهو والخطأ والنسيان، كما هو المذهب الحق.. إبراهيم عليه السلام أفضل من نبينا صلى الله عليه وآله: 56ـ ويقول عن الحديث الذي يقول: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآله إبراهيم: «يظهر من هذا الحديث فضل إبراهيم على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، إذ طلب من الله أن يصلي عليه مثل الصلاة على إبراهيم»([236]). ونقول: إننا لا ندري كيف ظهرت له أفضلية إبراهيم على رسول الله صلى الله عليه وآله من هذا، فإن كون الصلاة عليهما متماثلة لا يدل على أفضلية هذا على ذاك، ولا على العكس، بل تستفاد الأفضلية لأي منهما من دليل آخر.. على أننا كنا نتوقع أن تؤدي به الطريقة التي مارسها إلى أن يستنتج التساوي بينهما.. صلوات الله وسلامه عليهما وعلى آلهما.. لا أن يكون نبي الله إبراهيم عليه السلام، هو الأفضل، فإن هذه المقدمات لا توصل إلى تلك النتيجة.. ([222]) الوصايا ص65 و66 ([223]) الضمير يرجع إلى عزير عليه السلام. ([224]) فصوص الحكم ص234 وراجع: الفتوحات المكية ج12 ص130 والتهديد قد كان لنبي الله عزير لكثرة سؤاله عن القدر. ([225]) فصوص الحكم ص163. ([226]) راجع: الفتوحات المكية ج12 ص140 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى والردود والنقود ص354. ([227]) راجع: الفتوحات المكية ج1 ص132 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([228]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص145. ([229]) راجع: الفتوحات المكية ج5 ص272 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([230]) الفتوحات المكية ج3 ص177. ([231]) راجع: الفتوحات المكية ج7 ص440 ـ 443 وج10 ص56 و57. ([232]) الفتوحات المكية ج7 ص442 و443 ([233]) الفتوحات المكية ج7 ص471 ([234]) الفتوحات المكية ج6 ص425. ([235]) الفتوحات المكية ج6 ص446. ([236]) الفتوحات المكية ج8 ص174 يتبع>>> نسألكم الدعاء |
اشكركم على هذا الموضوع والبحث الرائع ..
الحقيقة ان الكلام حول ابن عربي يدور في كونه اساساً مسلماً ام كافراً ملحداً .. وكفرياته معروفة في كتاباته ... تؤكد كفره وانحرافه وارتداده عن الاسلام . جزاكم الله خير الجزاء ... |
لا نصدق اليهود ولا نكذبهم: 57ـ ويقول: «وقالت اليهود: بل ذلك يوم السبت، فإن الله فرغ من الخلق يوم العروبة، واستراح يوم السبت، واستلقى على ظهره، ووضع إحدى رجليه على الأخرى، وقال: أنا الملك.. قال الله تعالى في مقابلة هذا الكلام: {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}([237]).. وتزعم اليهود: أن هذا مما نزل في التوراة، فلا نصدقهم في ذلك، ولا نكذبهم..»([238]). فهو يكذب اليهود استناداً إلى حديث مزعوم، مع أن الله تعالى قد حكم بتزويرهم، وبكذبهم على الله، بل ان نفس قوله تعالى {وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}([239]) تكذيب لهم، واعتراض على مقولاتهم الباطلة. نجاة اليهود والنصارى من أهل الفترة: 58ـ وهو يدعي أن من تهود في الفترة، أوتنصر، أو آمن بإبراهيم فهو ناج وسعيد([240]).. ولكن كيف يصح القول: بنجاة من تهود بعد بعثة النبي عيسى، ولم يؤمن بعيسى عليه السلام؟!.. إن الذي دعاه إلى هذا الرأي الفاسد هو اعتقاده: أن الأرض قد تخلو من رسول أو وصي.. قال الخطي القديحي: «ولهذا انتحلت هذه الطائفة مقام الوصي بادعاء الكشف عن الله، وقابلوهم في الأحكام والكرامات، وما دروا: أن الأرض لو عطل جيدها عن الحجة لساخت بأهلها، وبطل التكليف..»([241]). عيسى عليه السلام هو ختم الولاية العامة: 59ـ وقد ادعى أن ختم الولاية على الإطلاق هو عيسى عليه السلام، وأما ختم الولاية المحمدية، فهو لرجل من العرب، أكرمها أصلاً، وبدءاً.. وقال: إن ختم الولاية الخاصة له صلى الله عليه [وآله] وسلم، إنما تكون لرجل يواطئ اسمه اسمه، وما هو بالمهدي المسمى المعروف المنتظر، فذلك من عترته، وسلالته الحسِّية، والختم ليس من سلالته الحسِّية، ولكن من سلالة أعراقه وأخلاقه، وقد ذكر القيصري: أنه يقصد بذلك كله نفسه..([242]). وفي هذا رد على الله ورسوله، فإن الولاية إلى يوم القيامة منحصرة برسول الله صلى الله عليه وآله، وبالأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.. 60ـ ويذكر أن كذبات ابراهيم الثلاث قد أثرت عنده يوم القيامة فاستحى أن يطلب من الله فتح باب الشفاعة([243]). يتهم علياً عليه السلام بالكذب: 61ـ ويقول: إنه حين عرج إلى السماء، رأى علياً أسفل درجة من أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلما رجع قال لعلي: كيف كنت تدعي في الدنيا أنك أفضل من هؤلاء، وقد رأيت أنك أسفل درجة منهم..([244]). ([237]) الآية 91 من سورة الأنعام. ([238]) الفتوحات المكية ج7 ص98 و99 ([239]) الآية 91 من سورة الأنعام. ([240]) الردود والنقود ص406 و407. ([241]) الردود والنقود ص406 و407. ([242]) راجع: منهاج البراعة ج13 ص270. ([243]) راجع: الفتوحات المكية ج2 ص497 ط دار العلمية الكبرى بمصر. ([244]) منهاج البراعة ج13 ص378 و379. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الفصل الثالث أئمته.. ومقاماتهم؟! بداية: إن من خصوصيات مذهب التشيع قوله: إن الإمام علياً هو الإمام والخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن ذلك ثابت بالنص القاطع، والبرهان الساطع.. وإنكار صحة خلافة المتقدمين عليه، والغاصبين لحقه.. ولأجل ذلك: فإن الشيعة لا يعظِّمون من تعدى على الإمام علي عليه السلام في هذا الأمر، ويرونه مخالفاً للنص، ناقضاً للعقدة التي عقدها الله ورسوله، ويعتبرون أن من يعظم هؤلاء الناس، ومن ناصرهم وأعانهم، ويناصرهم ويدافع عنهم ليس شيعياً. وهذا أمر عقلي عقلائي، يدركه الناس، ويعرفونه، ويتوقعونه.. والأمر بالنسبة لابن عربي لا يشذ عن هذه الضابطة، وبالرجوع إلى كلماته، في مختلف مؤلفاته، نجد: أنه لم يزل يعظم المناوئين للإمام علي عليه السلام، مثل أبي بكر، وعمر، والمتوكل، وعائشة، وطلحة، والزبير، ومالك، والشافعي، وحتى الحجاج بن يوسف، وأمثال هؤلاء، في عشرات، بل في مئات الموارد.. وهو يذكر ذلك بمناسبة، وبدون مناسبة. وأما أهل البيت عليهم السلام فنادراً ما يأتي على ذكرهم، وإن ذَكَرَهم، فبصورة عابرة، أو تكاد، حتى إننا إذا أردنا مقايسة كلامه فيهم بكلامه في الإمام علي عليه السلام، فلا يعدو كونه بمثابة قطرة من بحر، أو غرفة من نهر. وليس هذا هو دأب الشيعة مع مناوئي أهل البيت، فإن لهم موقفاً معروفاً من هؤلاء، فهم لا يطرونهم ـ كما قلنا ـ بسبب ما ارتكبوه في حق السيدة فاطمة الزهراء، وعلي عليهما السلام. وبسبب أخذهم الخلافة غصباً، وبسبب جرأتهم على رسول الله صلى الله عليه وآله، وقولهم في الدين بآرائهم، وبسبب سياساتهم، ولغير ذلك من أمور.. فإذا أردنا معرفة حقيقة مذهب ابن عربي، فما علينا إلا أن نقرأ اليسير مما أوردناه في هذا الفصل من أقواله في خصوص الخلفاء أولاً، وسنجد أنه يعطيهم أعظم المقامات وأعلاها، وأجلها وأسناها.. غير اننا قبل أن ندخل في ذلك، نحب لفت نظر القارئ الكريم إلى أن ما ننقله عن ابن عربي من أول هذه الدراسة إلى آخرها قد اشتمل احياناً على عبارات يتعمد إبهامها، وتعميتها، لتكون مثار رهبة، وإعجاب لدى أمثاله من أهل التصوف. وقد أضربنا عن التعرض لبيان مقاصده منها، لئلا يطول بذلك الكتاب، مع عدم وجود ضرورة لذلك، ما دام أنه لا يعكر صفو صراحة النصوص في عقائده التي يتبناها ويجهد في الدفاع عنها وترسيخها، وهذا فقط هو ما يهمنا، بيانه وترتكز عليه مقاصد هذه الدراسة.. وفي جميع الأحوال، فإننا نذكر هنا طائفة من النصوص التي تتحدث عن مقامات مناوئي الإمام علي عليه السلام، وتظهر حقيقة اعتقاده بهم، ونظرته إليهم.. فنقول: الخلافة الظاهرة والباطنة لمن؟: 1ـ قال: «.. ولكن الأقطاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الإسم مطلقاً، من غير إضافة، لا يكون منهم في الزمان إلا واحد. وهو الغوث أيضاً. وهو من «المقربين». وهو سيد الجماعة في زمانه. ومنهم من يكون ظاهر الحكم، ويحوز الخلافة الظاهرة، كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام: كأبي بكر.. وعمر.. وعثمان.. وعلي.. والحسن.. ومعاوية بن يزيد.. وعمر بن عبد العزيز.. والمتوكل. ومنهم من له الخلافة الباطنة خاصة، ولا حكم له في الظاهر: كأحمد بن هرون الرشيد السبتي.. وكأبي يزيد البسطامي. وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر..»([245]). فهؤلاء هم أئمة ابن عربي، ويرى أن لهم الخلافة الظاهرة والباطنة، وهو لا يتورع عن أن يعد في جملتهم حتى المتوكل، الذي حرث قبر الإمام الحسين بن علي عليهما السلام.. وفعل بشيعة أهل البيت الأفاعيل.. المنورون في عهد النبي صلى الله عليه وآله: 2ـ إنه قد ذكر في رسالة له اسمها الأسفار: أن المنورين في زمن رسول الله كانوا قليلين جداً، مثل أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب..([246]). ([245]) راجع كتاب: الفتوحات المكية ج11 ص274 و275 تحقيق عثمان يحيى وإبراهيم مدكور.. وراجع: الإثنا عشرية للحر العاملي ص170 و171 وفيه: «معاوية، ويزيد، وعمر بن عبد العزيز الخ..». ([246]) راجع كتاب الأسفار ص8 يتبع>>> نسألكم الدعاء |
مقامات للخلفاء: 3ـ ويقول عن مشاهداته في عالم المثال، في حضرة الجلال: «ولمَّا شهدته صلى الله عليه [وآله] وسلم في ذلك العالم سيداً معصوم المقاصد، محفوظ المشاهد، منصوراً مؤيداً، وجميع الرسل بين يديه مصطفون، وأمته التي هي خير أمة عليه ملتفون، وملائكة التسخير من حول عرش مقامه حافون، والملائكة المولدة من الأعمال بين يديه صافون.. والصديق على يمينه الأنفس، والفاروق على يساره الأقدس، والختم بين يديه قد جثا، يخبره بحديث الأنثى، وعلي صلى الله عليه وسلم يترجم عن الختم بلسانه، وذو النورين مشتمل برداء حيائه، مقبل على شأنه.. فالتفت السيد الأعلى، والمورد العذب الأحلى، والنور الأكشف الأجلى، فرآني وراء الختم، لاشتراك بيني وبينه في الحكم، فقال له السيد: هذا عديلك وابنك وخليلك» الخ..»([247]). الخلفاء هم أصول الإسلام: 4ـ ويقول: «فكان أصل الأيدي خمسة أشياء، كل منها خمس، فالأصل الأول ما بني عليه، قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: بني الإسلام على خمس».. إلى أن قال: «والأصل الرابع: محمد رسول الله، والذي معه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. فهم خمسة برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم»([248]). أنوار الخلفاء في أصابع آدم عليه السلام: 5ـ ويقول: «واجعل أصابعك الخمس في عينيك. بمنزلة محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، والذين معه، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي. وأن آدم عليه السلام، لما خلق نور سيدنا محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم في جبينه كانت الملائكة تستقبله، وتسلم على نور محمد. وآدم عليه السلام لم يره. فقال: يا رب، أحب أن أنظر إلى نور ولدي محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم، فحوله إلى عضو من أعضائي لأراه. فحوله إلى سبابته في يده اليمنى، فنظر إليه يتلألأ في مسبحته فرفعها فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.. فلذلك سميت المسبحة. فقال: يا رب هل بقي في صلبي من هذا النور شيئ؟ قال: نعم. نور أصحابه، وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فجعل نور علي في إبهامه، ونور أبي بكر في الوسطى، ونور عمر في البنصر، ونور عثمان في الخنصر. وقيل: إنما جعلت في يدك لتقبض برؤوسهن على حب هؤلاء الخمسة، ولا تفرق بينهم وبين محمد. فإن الله جمع بينهم بقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ}([249]). ختم الأولياء، والصديق، والفاروق: 6ـ وبعد أن ذكر: أنه عند فراقه للشمس المغربية تلقاه الختم (أي النبي) برحيقه، «وأوضح لي التسنيم مزاج طريقه، فرأيت ختم أولياء الله حق، في مقعد الإمامة الإحاطية والصدق، فكشف لي عن سر محتده، وأمرت بتقبيل يده، ورأيته متدلياً على الصديق والفاروق، متدانياً من الصادق المصدوق، محاذياً له من جهة الأذن، قد ألقى السمع لتلقي الإذن الخ..»([250]). مشاهد للخلفاء: 7ـ ويقول: «فإن كنت في موقف أبي بكر الصديق، قلت: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله، فتكون ممن رآه قبل الزوال، فالحكم للماضي، وأنت بالحال في أول الشهر، وذلك اليوم هو أوله. وإن كنت عثماني المشهد، أو صاحب دليل فكرٍ، فتقول: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله بعده.. الخ..» ([251]). النبي صلى الله عليه وآله يبايع نفسه عن عثمان: 8 ـ ثم هو يذكر: أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قد بايع عن عثمان لنفسه، وكان عثمان غائباً، فجعل يده على يد نفسه([252]). عثمان أيضاً.. وشفاعة ابن عربي: 9ـ ويقول: «أرسل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عثمان رضي الله عنه آمراً بالكلام في المنام، بعدما وقعت شفاعتي على جماعتي، ونجا الكل من أسر الهلاك، وقرِّب المنبر الأسنى، وصعدت عليه الخ..»([253]). ([247]) الفتوحات المكية ج1 ص44 و45 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([248]) شجرة الكون ص72. ([249]) الآية 29 من سورة الفتح. وراجع: شجرة الكون ص75. ([250]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص16. ([251]) الفتوحات المكية ج9 ص128 بتحقيق إبراهيم مدكور، وعثمان يحيى. ([252]) راجع: الفتوحات المكية ج11 ص184 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([253]) الفتوحات المكية ج2 ص188 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الفصل الرابع مقامات أبي بكر.. بداية: قد ذكرنا في الفصل السابق طائفة من النصوص التي تبين بعض مقامات أبي بكر مما تشارك فيه مع غيره من الخلفاء، وغيرهم.. ونذكر في هذا الفصل طائفة أخرى تظهر لنا: أن أبا بكر يحتل المقام الأول عند ابن عربي، وأنه يقدسه أعظم تقديس، ويعظمه أجلَّ تعظيم. وسنرى أنه لا يتقيد بشيء محدد فيما يثبته له ولغيره، فقد يستشهد لذلك بحديث منسوب إلى النبي صلى الله عليه وآله، وقد يعتمد على منام، أو على قول صوفي مثله، أو على استحسان غير ظاهر الوجه، أوعلى ابتداع واقتراح فيه، وما إلى ذلك.. وقد تقدم في الفصل السابق وغيره بعض من ذلك، ونذكر هنا، من النصوص التي توضح مدى عظمة وحقيقة موقع أبي بكر عنده، ما يلي: أبو بكر من أهل الباطن: 1ـ قال: «وهذه الطائفة في الرجال قليلون، فإنه مقام ضيق جداً، يحتاج صاحبه إلى حضور دائم، وأكبر من كان فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ولهذا قال عمر رضي الله عنه في حرب اليمامة: فما هو إلا أن رأيت أن الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق. لمعرفة عمر باشتغال أبي بكر بباطنه..»([254]). الرب يصلي بصوت أبي بكر: 2ـ وقال: «رضي الله عن الصديق الأكبر، صاحب السر، العلم الأزهر، في قيامه على منبر الطرفاء، يوم الداهية الدهياء، بموت سيد الأنبياء، أمين الأمناء، وعلم الاهتداء، وقد ذهل من كان عندنا أقوى الأقوياء، فما ظنك بالضعفاء. وصار الرفيق الأسيف، على مذهب السيدة الحميراء([255])، لما كان يظهر عليه من شد التلهف والبكاء، فكان أضعفهم عيناً، وأقواهم في صميم السويداء، فقال: «من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فالله حي لا يموت». ثم تلا استشهاداً على مقالته الزهراء: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ}([256]).. إلى آخر الآية الغراء، ثم تلاها بقوله جل ثناؤه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}([257]).. ثم خاطب جميع الخصماء.. فهذه القوة الإلهية من زهده في القوت، وسوقه جميع ما ملكته يده لله ورسوله، فملكه مفاتيح التابوت. فمن غيرته عليه وأمانته، إخفاؤه إياه إلى يوم فقد صاحب رسالته، ففتح تابوت صدره، وأبدى مكنون سره، ونبه بعلمه على مكانته من الله وقدره.. وأقر له الفاروق بالشرح، لما بدت لعينه أعلام الفتح، ولم يزل الصديق مفتوحاً له قبل ذلك من حين ملك المفتاح، ورسم ديوان الممالك، وإنما كان ينتظر رحلة السيد صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى حضرة المحبوب، الرفيق الأعلى، المالك.. فحلاه بزينته، لما شاركه في نوره وطينته، ثم سلك في الهين واللين على مدرجته، لما دعى له أن يكون معه وفي درجته، ثم أبان له برهان الموافقة بما ذكره عن نفسه صلى الله عليه [وآله] وسلم وعنه إلى المقام من المسابقة.. فسبق النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم الصديق، ولذلك قيل له هناك.. قف إن ربك يصلي بصوت عتيق. فاستأنس وحن، من جهة إحساس البدن. وقد اتضحت أسرار، ولمعت في علية هذا الوجه بوارق الأنوار»([258]). ونقول: إننا نلاحظ: أنه لم يكتف بتمدّح وبتزيين ما صدر من أبي بكر بحق رسول الله صلى الله عليه وآله، فور استشهاده، من كلام قد جاء في منتهى القسوة والجفاء.. كما سنشير إليه في فصل قبائح أم مدائح، بل هو أضاف إليه: 1ـ إن الله خلق النبي صلى الله عليه وآله وأبا بكر من طينة واحدة وقد صرح بهذا الأمر في غير هذا المورد أيضاً. مع أن النبي صلى الله عليه وآله إنما قال ذلك لعلي عليه السلام. 2ـ والأعجب من ذلك، أنه زعم: أن الله يصلي، وأنه يصلي بصوت عتيق!! ولعل كلام ابن عربي هذا، يهدف إلى الإتيان بالنظير أو البديل للحديث الذي يقول: إن الله سبحانه قد كلم النبي صلى الله عليه وآله حين المعراج بصوت علي عليه السلام، تأنيساً له صلى الله عليه وآله. 3ـ إنه اعتبر أن إخبار أبي بكر بموت الرسول صلى الله عليه وآله، قد كان من الخوارق، وأنه من الأمور الغامضة التي كانت عنده.. مع أن هذا الأمر قد عرفه جميع الصحابة، ولم ينكره إلا عمر بن الخطاب لحاجة في نفسه، كسباً للوقت، وانتظاراً لوصول من يريد أن يستعين بهم على تحقيق غاياته، ونيل أمنياته.. مقام صوفي آخر لأبي بكر: 3ـ وقال أيضاً: «.. وقال: أبو بكر الصديق رضي الله عنه في هذا المقام، وكان من رجاله: «العجز عن درك الإدراك إدراك..»([259]). إنه رغم أننا نقول: مما لم نعثر على هذا الكلام منسوباً إلى أبي بكر، إلا عند ابن عربي، فإنه كلام غير دقيق، وغير صالح، فلاحظ المفردات وكيفية تركيبها.. فضل أبي بكر على لسان علي عليه السلام: 4ـ ثم إنه يروي عن الإمام علي عليه السلام: أنه قال: ما فضلكم أبو بكر بكثرة صلاة، ولا صيام، ولكن بشيء وقع (وقر) في صدره، ولم يبين ما ذاك الشيء، فكتمه عليه..([260]). أعلم الصحابة برسول الله صلى الله عليه وآله: 5ـ ويقول: إنه لما تلا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم سورة النصر «بكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه وحده، دون من كان في ذلك المجلس، وعلم أن الله تعالى قد نعى إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم نفسه، وهو كان أعلم الناس به، وأخذ الحاضرون يتعجبون من بكائه الخ..» ([261]). فضل عيسى عليه السلام على أبي بكر: 6ـ وقال وهو يتحدث عن ختم الأولياء بعيسى عليه السلام، وأن عيسى «هو أفضل هذه الأمة المحمدية، وقد نبه عليه الترمذي الحكيم في كتاب ختم الأولياء له، وشهد له بالفضيلة على أبي بكر الصديق، وغيره..»([262]). وواضح: أن نبينا وأئمتنا وولي العصر عجل الله تعالى فرجع الشريف، هم أفضل من النبي عيسى عليه السلام.. فلا يصح قوله: ان عيسى عليه السلام هو افضل هذه الأمة المحمدية.. أبو بكر يدخل الجنة من جميع أبوابها: 7ـ ويقول: «ولذلك لما ذكر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الثمانية الأبواب من الجنة أن يدخل من أيها شاء، قال أبو بكر: يا رسول الله، وما على الإنسان أن يدخل من الأبواب كلها؟! قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أرجو أن تكون منهم يا أبا بكر»([263]). ونقول: إن الدخول من جميع الأبواب إنما يصح لو كانت الأبواب في طول بعضها البعض.. وفيما عدا ذلك فإنه لا يمكن ذلك إلا بالدخول ثم الخروج والعود من الباب الثاني.. وهذا لعب لا يليق بأهل الجنة.. فلا بد من حمله: إما على دخول معنوي صوفي.. أو على أن جوابه صلى الله عليه وآله، قد جاء على سبيل السخرية، أو الدعابة.. فلا بد من دليل: يثبت حقيقة الوجه الذي جرى عليه الكلام!!.. تأويلات أبي بكر تصير حقائق: 8 ـ ثم هو يستشهد بالحديث الذي رووه، من رؤيا النبي صلى الله عليه وآله للظلة، وما يزعمونه، من أن أبا بكر قد أولها بالإسلام، قال: «وذلك كله يحقق أن حقائق الظل هي آيات الله وشرائعه الخ..»([264]). أبو بكر أفضل من عمر: 9ـ قال: «وبين حال أبي بكر الصديق (رضي الله تعالى عنه) حين جاء إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بجميع ماله، فقال له النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ قال: الله ورسوله. وجاء عمر بن الخطاب بنصف ماله، فقال: ما أبقيت لأهلك؟ قال: النصف، وتصدقت بالنصف. قال: ما بينكما كما بين كلمتكما..»([265]). التركيز على أبي بكر وصديقيته: 10ـ وبعدما تقدم: فإنك تجده يستشهد بكلام أبي بكر، ويصفه بالصديق في العديد من المواضع من كلامه..([266]). 11ـ وقال: «والصديقية لا ينالها إلا أهل الولاية، ومن كان له عند الله أزلاً سابق عناية». إلى أن قال: «كما أن الختم فوق الصديق، إذا كان الممهد للطريق، الذي مشى عليه عتيق.. فالختم نبوي المحتد، علوي([267]) المشهد، فلهذا جعلناه فوق الصديق، كما جعله الحق، فالآخذ نوره من مشكاة النبوية أكبر مما أخذه من مشكاة الصديقية الخ..»([268]). 12ـ وقال: «فخطب حميرة من عتيقه، وانتزعها من يدي صديقه»([269]). 13ـ وقال: «وهذا الحق قد انبلج صبحه فالزم، واقتد بالنبي، والصديق، إذ قال صلى الله عليه [وآله] وسلم: «لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك».. وهذا غاية الفخر، أو معرفة من وقف عند حجاب العز..»([270]). 14ـ وقال الصديق الأكبر: العجز عن درك الإدراك إدراك.. الخ..([271]). فهو يراه الصديق الأكبر، مع أن الإمام علياً عليه السلام قد كذب هذه المقولة بشدة.. حيث قال: «أنا الصديق الأكبر، وأنا فاروق هذه الأمة، لا يقولها بعدي إلا.. الخ..»([272]). الحضرات التي دخلها أبو بكر: 15ـ «واعلم يا بني، أن القلب إذا تحقق بالأسرار المكتتمة التي حصلت في منزل الأنبياء، أدخله الله سبحانه وتعالى من الحضرات الإلهية ستمائة حضرة، وستة وعشرين حضرة، إلا أبا بكر الصديق (رضي الله عنه)، فإنه أدخله الله سبحانه وتعالى في هذا المقام ستمائة حضرة وخمساً وعشرين حضرة. وأما السادسة والعشرون، فهي له حضرة العزة خاصة. ونحن لنا حضرة العزة، وهي لنا السادسة والعشرون، غير أن هذه الحضرة العزية التي لنا متفاضلة بيننا، وما بها على الكمال إلا الصديق الأكبر (رضي الله عنه)، ووجودها كمال في حقنا، أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم له في هذه الحضرة ستمائة حضرة وأربع وعشرون حضرة، ينقص عن الصديق بدرجة وهو الكمال في حقه. والخامسة والعشرون له حضرة القرب الكلي. وغيره من الأنبياء، ليس مثله في هذا المقام، أعطاه الله تعالى في كل حضرة سراً، لا يجده في حضرة أخرى، بعضها أرفع من بعض، على التفاضل الذي بين الحضرات..»([273]). ليس بين النبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر رجل: 16ـ وقال: «اعلموا: أن كثيراً من أهل طريقتنا، كأبي حامد الغزالي، وغيره، تخيل أنه ليس بين الصديقية والرسالة مقام، وأن من تخطى مقام الصديقين وقع في النبوة، وبابها مسدود عندنا دوننا، فلا سبيل إلى تخطيهم، لكن لنا المزاحمة معهم في صفهم، هذا غايتنا.. ولسنا نعني بالصديق، أبا بكر ولا عمر، ولا أحداً رضي الله عنهم، فإن أبا بكر من جملة أحواله كونه صديقاً، وقد شاركه في هذا المقام غيره من الصديقين، ولذلك قال تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ}([274]).. وقد فضل الصديق بسر وقر في صدره، أعطاه الله إياه، وشهد له به رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم.. فعندنا بين الصديقية والرسالة، مقام، وهذا هو المقام الذي ذكرناه، والذي أقول به. إنه ليس بين أبي بكر رضي الله عنه، وبين النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم رجل، ولا نذكر الصديقية. فأرفع الأولياء، أبو بكر رضي الله عنه، فاجتهدوا رضي الله عنكم في تحصيله. وأنا أنبهكم على العلامات التي تستدلون بها عليه، وذلك أنكم إذا أقمتم بشرائط الخلوة الخ..»([275]). 17ـ وفي نص آخر: «فليس بين أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم رجل، لأنه صاحب صديقية، وصاحب سر. فهو من كونه صاحب سر بين الصديقية ونبوة التشريع، ويشارك فيه، فلا يفضل عليه من يشاركه فيه، بل هو مساو له في حقيقيته»([276]). أبو بكر على العرش: 18ـ ادعى في فتوحاته: «أنه كان يرى في كل سماء واحداً من الأنبياء، إلى أن بلغ إلى العرش، فرأى أبا بكر على العرش»([277]).. الله يخاطب النبي صلى الله عليه وآله بصوت أبي بكر: 19ـ قال في الفتوحات المكية: «نودي عليه السلام في ليلة إسرائه في استيحاشه بلغة أبي بكر، فأنس بصوت أبي بكر..»([278]). ولا ندري إن كان هذا هو نفس الحديث الذي رووه، من أن ملكاً كان في المعراج يكلم النبي صلى الله عليه وآله بصوت أبي بكر([279]). مع أن الصحيح هو أنه قد كلمه بصوت علي عليه السلام، كما هو مروي حتى من طرق أهل السنة أيضاً([280]). أبو بكر والنبي صلى الله عليه وآله من طينة واحدة: 20ـ ويقول: «خلق رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأبو بكر من طينة واحدة، فسبق محمد، وصلى أبو بكر: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}([281]).. فكان كلامهما كلامه سبحانه..»([282]). خلَّة أبي بكر: 21ـ وقال: «ومنهم الأخلاء، ولا عدد يحصرهم، بل يكثرون ويقلون، قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}([283]).. وقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله» والمخاللة لا تصح إلا بين الله وبين عبده، وهو مقام الإتحاد الخ..». إلى أن قال: «فالمقام عظيم، وشأنه خطير»..([284]). 22ـ وقال وهو يتحدث عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله: «فقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم عند ذلك، لما حصلت له الإجابة من الله فيما دعوناه فيه لنبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم ـ يعني نفسه ـ خليل الله» الخ..([285]). أبو بكر وعائشة: 23ـ وحين ذم أهل زمانه، ذكر أن أنه ارتكز في ذلك إلى أصلين، هما رواية عن أبي بكر، ورواية عن عائشة، قال: «وروينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال يوم فتح مكة، في القرن الفاضل، لما فُقِد عقد من عنق بعض أهله، تأوَّه، وقال: ارتفعت الأمانة من بين الناس..». ثم يذكر رواية عائشة وهي تصب في هذا الإتجاه أيضاً، ويقول: إنها هي الأصل الثاني([286]). فأبو بكر يتهم الصحابة بالسرقة، وبعدم الأمانة، وهذا يسقط مقولة أهل السنة في عدالتهم.. ولم يلتفت ابن عربي إلى هذا، فاعتبر قوله وقول عائشة حجة وأصلاً يفترض فيه أن يلتزم به. ([254]) الفتوحات المكية ج3 ص307 و308 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى.. ([255]) أي من حيث ظهور الضعف عليه أمام المصيبة، لأن النساء يضعفن، ويغلب عليهن البكاء. ([256]) الآية 144 من سورة آل عمران. ([257]) الآية 30 من سورة الزمر. ([258]) مجموع رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص150 و151. ([259]) الفتوحات المكية ج4 ص217 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([260]) رسائل ابن عربي: كتاب الفناء ص3. ([261]) الفتوحات المكية ج3 ص157 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([262]) الفتوحات المكية ج3 ص175 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([263]) الفتوحات المكية ج5 ص67 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([264]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص398. ([265]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص529 وراجع الفتوحات المكية ج8 ص428 و429 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([266]) راجع: الفتوحات المكية ج2 ص85 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. وراجع كتاب الأسفار ص10 و11 في رسائل ابن العربي.. ([267]) بضم العين وسكون اللام على الظاهر. ([268]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة)ص18. ([269]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجوعة الثالثة) ص21. ([270]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعةالثالثة) ص26. ([271]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعةالثالثة) ص26. ([272]) راجع مصادر ذلك في: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ج4 ص45/49. ([273]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثالثة) ص352. ([274]) الآية 19 من سورة الحديد. ([275]) كتاب القربة ص6 رسائل ابن عربي والفتوحات المكية ج11 ص398 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([276]) الفتوحات المكية ج11 ص398 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى، وج2 ص25 ط دار الكتب العلمية الكبرى بمصر. ([277]) الإثنا عشرية ص169/171. ([278]) الفتوحات المكية ج1 ص359 بتحقيق عثمان يحيى، وإبراهيم مدكور.. ([279]) راجع المراهب اللدنية ج2 ص29/30 وراجع الدر المنثور ج4 ص155 و154. ([280]) راجع: المناقب للخوارزمي ص37 وينابيع المودة ص83. ([281]) الآية 40 من سورة التوبة. ([282]) الفتوحات المكية ج1 ص359 و360 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([283]) الآية 125 من سورة النساء. ([284]) راجع: الفتوحات المكية ج11 ص371 و374 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([285]) راجع: الفتوحات المكية ج10 ص442 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([286]) راجع مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص121. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الفصل الخامس عمر بن الخطاب الولي المعصوم.. بداية: قد ذكرنا في فصل: (من هم أئمته)، نصوصاً عن ابن عربي، قد أشرك فيها عمر بن الخطاب مع غيره في المقامات والكرامات.. فذكرها هناك أغنانا عن إعادتها هنا، غير أننا نذكر في هذا الفصل طائفة من النصوص التي خص فيها ابن عربي عمر بن الخطاب بأوسمة ومقامات رأى أنها تليق بشأنه، أو أنه ساقها له على سبيل التكريم، والتعظيم، والتفخيم، فنقول: قصة زريب: 1ـ ذكر أن زريب بن برثملا، كان وصي عيسى، وأنه أرسل إلى عمر بن الخطاب بكلام يفيد في تأكيد مقام عمر وعظمته.. ومع أنه يذكر أن سند هذه الرواية ضعيف، إلا أنه يعود فيؤكد صحتها عن طريق الكشف!!([287]). ولا أدري لماذا لم يصل به هذا الكشف إلى تعريفه بما ارتكبه عمر في حق الزهراء عليها السلام وإلى حقيقة ما ظلم به جميع أهل البيت عليهم السلام؟! وإلى أن الإمامة بعد النبي هي للإمام علي عليه السلام، لا لأبي بكر، ولا لغيره؟! وإلى سائر حقائق الدين والعقيدة الصحيحة؟! ولماذا بقي يلتزم بالعقائد التي اثبتت الأدلة القاطعة عدم صوابيتها؟!. عمر والحق: 2ـ وقال في سياق كلام له: «قال عليه السلام، ما ترك الحق لعمر من صديق»([288]). 3ـ وقال: «إلا أنه من التزم النصح قلّ أولياؤه، فإن الغالب على الناس اتباع الأهواء، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «ما ترك الحق لعمر من صديق»..([289]). قلب عمر لا تعلق له إلا بالله: 4ـ وقال: «وكان الحق صعب المرام، قوياً حمله على النفوس، لا تحمله ولا تقبله، بل تمجه وترده، لهذا قال صلى الله عليه [وآله] وسلم لعمر: ما ترك الحق لعمر من صديق. وصدق صلى الله عليه [وآله] وسلم يعني في الظاهر والباطن. أما في الظاهر فلعدم الإتصاف».. إلى أن قال: «وأما في الباطن، فما ترك الحق لعمر في قلبه من صديق، فما كان له تعلق إلا بالله..»([290]). مع أن الصحيح هو أن أبا ذر هو الذي قال: «ما ترك الحق لي من صديق»([291]) أو صديقاً. قال العجلوني: عن نسبة هذا القول إلى عمر: «قال النجم: هذا غير معروف في كتب الحديث في حق عمر، لا عنه، ولا عن غيره. وإنما روى ابن سعد في طبقاته: ان اباذر قال الخ..»([292]). عمر فقيه يشهد له الرسول صلى الله عليه وآله: 5ـ وقال: «وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كيف اجتنب طيب الطعام، وفهم من كلام الله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا}([293]).. أنه ينسحب([294]) على كل إنسان من مؤمن وكافر.. أترى يا نفس، هذا العارف الذي وسع عليه في الدنيا يكون أفقه من عمر بن الخطاب؟!، الذي وافق رأيه في الأحكام، وقد شهد له الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم: أنه ليس من الباطل في شيء..»([295]). ونقول: قد نسي ابن عربي: أن هذا الرأي من عمر يخالف القرآن الذي يقول: {كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} ([296]).. وأن عمر قد غلط في فهمه لمعنى الآية التي استشهد بها، حيث لا يغلط أحد، فإنها إنما تخاطب الكفار الذي استمتعوا بالطيبات في الدنيا ونسوا الآخرة.. قال تعالى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ}([297]).. إن عمر نفسه يقول: كل النساء أفقه من عمر، حتى ربات الجمال في خدورهن([298]).. وقد اظهر استدلاله بالآية الشريفة، صحة هذا الإعتراف العمري.. كما أنه قد أظهر في موارد كثيرة أنه لا يعرف أحكام الله، حتى ما كان منها بديهياً. فراجع الجزء السادس من كتاب الغدير للعلامة الأميني رحمه الله، فصل: نوادر الأثر في علم عمر.. عمر وأويس: 6ـ ثم هو يذكر الحديث الذي يزعمون أنه؛ عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حول شفاعة أويس في مثل ربيعة ومضر، ثم يقول راوياً لذلك عن النبي صلى الله عليه وآله: «.. يا عمر، ويا علي، إذا أنتما لقيتماه فاطلبا منه أن يستغفر لكما، يغفر لكما الله تعالى. قال: فمكثا يطلبانه عشر سنين، فلما كان آخر السنة التي هلك فيها عمر..». ثم ذكر لقاءهما بأويس، قال: «فاستوى أويس قائماً، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، ورحمة الله وبركاته، وأنت يا ابن أبي طالب. فجزاكما الله عن هذه الأمة خيراً الخ..»([299]). 7ـ ثم يورد قصة هرم بن حيان مع أويس، وأن أويساً القرني، أخبره بموت عمر بقوله: «يا ابن حيان، مات أبو بكر خليفة المسلمين، ومات أخي وصديقي، وصفيي عمر ـ واعمراه ـ الخ..»([300]). حسب الشيطان أن ينجو من عمر: 8 ـ ويقول: «هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الصلب، القوي، الذي ليس للشيطان عليه سبيل، حسب الشيطان أن ينجو منه، نزل القرآن موافقاً لحكمه، وأداه أن يقول: «لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً»([301]). ما يعرفه من إيمانه وعلمه، قد جمع بين العلم والعيان، وتبرز في صدر المشاهدة الأعيان، ليس أحد من وقته إلى يوم القيامة، يبرز أمامه، ولا يكون في حالة من الأحوال إمامه، قد اهتز لموعظة أويس القرني خير التابعين همه، وقال ما أداه إليه كشفه وعلمه المعصوم: ليت عمر لم تلده أمه الخ..» ([302]). ويلاحظ قوله: إنه ليس للشيطان سبيل على عمر بن الخطاب، في حين أن أبا بكر كان له شيطان يعتريه، حتى طلب من الناس: أن يقوِّموه إذا زاغ!! فهل عمر أفضل عنده من أبي بكر؟! عمر يحدثه الله: 9ـ وقال صلى الله عليه [وآله] وسلم في عمر: «إنه من المحدثين، إن يكن في هذه الأمة منهم أحد، وأريد حديثه تعالى مع أوليائه، لا مع الأنبياء والرسل، فإن الأذواق تختلف باختلاف المراتب..» ([303]). 10ـ وقال: «ومنهم رضي الله عنهم المحدثون، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه منهم، وكان في زماننا منهم أبو العباس الخشاب الخ..»([304]). ثم هو يعتبر أن المحدث نبي الأولياء..([305]). عمر محدث في قصة: يا سارية الجبل: 11ـ ويقول: «.. ومنها: أن يكون صاحب هذا المقام محدثاً، ولا يرى من يحدثه من جهة هذه الحضرة، فإن رآه فمن جهة حضرة تحققه بالبصر، فيلحقك السماع بدرجة المحدَّثين، ويهتف بك، وتسمع الخطاب، إما بديهاً، وإما جواباً عن سؤال منك، ورد السلام عليك.. وقد شاهدنا هذه الأمور كلها. وأخبرني غير واحد عن أبي العباس الخشاب رضي الله عنه (كذا): أنه كان محدثاً اشتهر عنه هذا.. ومن هذا الباب سماع سارية صوت عمر من المدينة، وبينهما أيام، فكل كرامة يكون خطاب فيها، فهي من هذا الباب..»([306]). ويلاحظ هنا: أنه قد ورد في بعض الأحاديث: أن علياً عليه السلام هو الذي مسح على عيني عمر، حتى رأى المسلمين في نهاوند، وقد كمن لهم عدوهم، ولم يكن لهم نجاة منه إلا بالإلتجاء إلى جبل هناك. فقال عمر لهم ذلك حينئذٍٍ([307]).. كن عُمَرِي الفعل: 12ـ وقال: «كن عمري الفعل، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «من خدعنا في الله انخدعنا له»..([308]). الدليل على عصمة عمر: 13ـ وقال: «من أقطاب هذا المقام عمر بن الخطاب، وأحمد بن حنبل، ولهذا قال صلى الله عليه [وآله] وسلم في عمر بن الخطاب، يذكر ما أعطاه الله من القوة: يا عمر، ما لقيك الشيطان في فج إلا سلك فجاً غير فجك». فدل هذا على عصمته، بشهادة المعصوم. وقد علمنا: أن الشيطان ما يسلك قط بنا إلا إلى الباطل، وهو غير فج عمر بن الخطاب. فما كان عمر يسلك الافجاج الحق بالنص، فكان ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، في جميع مسالكه، وللحق صولة»([309]). وقد تقدم: أن أبا بكر له شيطان يعتريه، ويخاف من الزيغ بسبب ذلك.. أما عمر فإن الشيطان يسلك غير فجه.. فكيف يكون ابو بكر مقدماً عنده على عمر يا ترى؟! كما أن من المعلوم: أن ادعاء عصمة عمر بن الخطاب مما لا يوافقه عليه أحد من أهل المذاهب.. علم عمر: 14ـ وقال: «ألا ترى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أتي في المنام بقدح لبن، «فشربته حتى خرج الري من أظافيري، ثم أعطيت فضلي عمر».. وقيل: ما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم. وما تركه لبناً على صورة ما رآه، لعلمه بموطن الرؤيا، وما تقتضيه من التعبير»([310]). ولا ندري أين كان عنه هذا العلم حين قال: كل الناس أفقه من عمر، حتى ربات الحجال في خدورهن؟! وأين كان علمه، وهو لم يزل يردد في أكثر من سبعين مورداً: لولا علي لهلك عمر؟!، أو نحو ذلك.. عمر يشاهد الربوبية: 15ـ وقال: «فشاهدوا الربوبية قبل كل شيء، ولهذا تأول صلى الله عليه وآله، اللبن لما شربه في النوم، وناول فضله عمر. قيل: ما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم..»([311]). عمر يجهز الجيش في الصلاة: 16ـ ويقول: «كما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجهز الجيش في الصلاة، فإن المؤمن الصادق ماله حديث إلا مع ربه، الخ..»([312]). إقتداء عمر بالرسول: 17ـ وقد تقدم قوله: «إن الله تعالى أودع الكعبة كنزاً، أراد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن يخرجه، فينفقه، ثم بدا له في ذلك أمر آخر لمصلحة رآها، ثم أراد عمر بعد أن يخرجه، فامتنع اقتداء برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم..»([313]). ([287]) الفتوحات المكية ج3 ص366 ـ 369 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([288]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص138. ([289]) الوصايا ص67. ([290]) الفتوحات المكية ج3 ص252 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([291]) راجع: الطبقات لابن سعد ج4 ص236 والبحار ج31 ص180 وشرح النهج ج3 ص58 والدر المنثور ج2 ص293 وغير ذلك. ([292]) كشف الخفاء ج2 ص183. ([293]) الآية 20 من سورة الأحقاف. ([294]) أقول: هذا التعبير مستحدث، ولا أظن ابن عربي قد قال ذلك، والله العالم.. ([295]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص141 و142. ([296]) الآية 57 من سورة البقرة. ([297]) الآية 20 من سورة الأحقاف. ([298]) راجع الغدير ج6 ص98. ([299]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص154 و155. ([300]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص157. ([301]) هذه الكلمة لأمير المؤمنين عليه السلام، وهو ينسبها لعمر بن الخطاب. ([302]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص205. ([303]) الفتوحات المكية ج12 ص322 ([304]) راجع: الفتوحات المكية ج11 ص374. ([305]) راجع: الفتوحات المكية ج12 ص236. ([306]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة اثالثة) ص197. ([307]) مدينة المعاجز ج2 ص15/18 والهداية الكبرى ص173. ([308]) الوصايا ص54. ([309]) الفتوحات المكية ج3 ص252 بتحقيق إبراهيم مدكور، وعثمان يحيى. ([310]) فصوص الحكم ص86 و87 وراجع ص159. ([311]) الفتوحات المكية ج1 ص257 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([312]) الفتوحات المكية ج7 ص162 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([313]) الفتوحات المكية ج1 ص58 بتحقيق إبراهيم مدكور، وعثمان يحيى. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الفصل السادس شخصيات يعظمها إلى حد التقديس بداية: إن تعظيم ابن عربي للشخصيات المناوئة لعلي، وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وعليهم، لا يقتصر على أولئك الذين غصبوا الخلافة منه عليه السلام في البداية، بل هو يمتد إلى كل من كان يكره علياً عليه السلام، ويعين عليه، ويقف في موقع المسيء لذريته، ولشيعته.. إنه يعظم تلك الشخصيات وينتحل لها مواصفات، ويطلق عليها أوصافاً وألقاباً، وينتحل لها مقامات مجيدة وفريدة، مع أنها ليست موالية لأهل البيت، إن لم تكن ممن ساعد وعاضد الآخرين ضدهم، أو هي على الأقل تسير في غير نهجهم عليهم السلام، وتوالي وتؤيد من لم يزل يقف في وجههم، وينكل بشيعتهم.. ونحن نذكر في هذا الفصل بعضاً مما قاله حول هؤلاء، الذين كانوا يسيرون في الإتجاه الآخر، أو أنهم على الأقل، لا يتولونهم، ولا يعترفون بإمامتهم، فنقول: الخلافة الباطنية والظاهرية للمتوكل: 1ـ قد ذكرنا فيما سبق: أنه يقول: إن ممن حاز الخلافة الظاهرية والباطنية: المتوكل العباسي ومعاوية بن يزيد، وعمر بن عبد العزيز.. و.. و..([314]). علوم أبي هريرة، ومقاماته: 2ـ وقال: «وشكا لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أبو هريرة: أنه ينسى ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم.. فقال له: يا أبا هريرة، أبسط رداءك.. فبسط أبو هريرة رداءه، فاغترف رسول الله غرفة من الهواء، وثلاث غرفات، فألقاها في رداء أبي هريرة، وقال له: ضم رداءك إلى صدرك. فضمه إلى صدره، فما نسي بعد ذلك شيئاً يسمعه، وهذا كله من هذا المقام..»([315]). عائشة ومصحفها: 3ـ ثم إنه يدعي أيضاً تبعاً لروايات أهل السنة: أن لعائشة مصحفاً خاصاً بها، وأن فيه زيادة ليست في مصاحف المسلمين، وهي أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.. «وقد أثبتتها عائشة أم المؤمنين في مصحفها بواو التوكيد، وهذا في المسألة من أعظم تأييد» ([316]). أما نحن فنعتقد: أنه لو صح أن عائشة قد أضافت في مصحفها كلمة: «وصلاة العصر» فإنها إنما فعلت ذلك على سبيل التفسير، لا على أنه من القرآن المنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله.. أو أنها أضافت إلى القرآن ما ليس منه، تحريفاً لكلام الله عن مواضعه.. الطيبات للطيبين نزلت في عائشة: 4ـ وقال: «وقد جعل الطيب تعالى، في هذا الالتحام النكاحي، في براءة عائشة، فقال: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ}([317])، فجعل روائحهم طيبة الخ..»([318]). صورة عائشة في سرقة حرير: 5ـ وقال: «ومقتد برسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لما رأى في المنام: أن جبرئيل عليه السلام أتاه بعائشة في سرقة حرير حمراء. وقال له: هذه زوجتك. فما قصها على أصحابه. قال: إن يكن من عند الله يمضه»..([319]). مالك بن أنس: 6ـ وقال: «ولهذا كان من علم مالك بن أنس، ودينه، وورعه: أنه إذا سئل عن مسألة في دين الله يقول: نزلت. فإن قيل له: نعم، أفتى. وإن قيل له: لم تنزل، لم يفت»([320]). الثناء على الحجاج: 7ـ إنه يثني ويترحم حتى على الحجاج بن يوسف، فيقول: «ولقد وفق الله الحجاج رحمه الله لرد البيت على ما كان عليه في زمان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، والخلفاء الراشدين، فإن عبد الله بن الزبير غيَّره، وأدخله في البيت، فأبى الله إلا ما هو الأمر عليه، وجهلوا حكمة الله فيه..»([321]). لمعاوية رأي في الفقه: 8 ـ بل هو يستشهد في فقهه بآراء معاوية، ويقول: في بعض موارد الزكاة: «.. وما خالف في ذلك أحد في الصدر الأول، فيما نقل إلينا إلا ابن عباس ومعاوية، لأنه لم يثبت عندهما حديث صحيح ثابت عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم»([322]). الفقه الروحاني لابن عمر: 9ـ ويقول: «فانظر إلى فقه عبد الله بن عمر رضي الله عنه، لما تحقق أن الله تعالى يريد التخفيف عن عبده بوضع شطر الصلاة عنه في السفر، ما رأى أن يتنفل، موافقة لمقصود الحق في ذلك، فهذا تفقه روحاني»([323]). والحقيقة هي أن ابن عمر قد أخذ في هذه المسألة بالفقه الشيعي، الذي خالفه أهل السنة، ولكنه ينسبه إلىابن عمر، ويعتبره تفقهاً روحانياً له.. 10ـ كما أنه في مسألة امامة الفاسق قد استدل بائتمام عبدالله بن عمر بالحجاج، فراجع فصل: نبذة من عقائده.. أبو عبيدة أمين هذه الأمة: 11ـ وقال: ومنهم رضي الله عنهم الأمناء، قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: إن لله أمناء، وقال في أبي عبيدة بن الجراح: «إنه أمين هذه الأمة»..([324]). مع أن أبا عبيدة كان من الرؤوس المدبرة والمؤثرة في إبعاد أمير المؤمنين علي عليه السلام عن الخلافة، وكان هو ثالث الرجلين في هذا الأمر بعد عمر، وأبي بكر.. أحمد بن حنبل، من أئمة الدين: 12ـ وهو يعتبر أحمد بن حنبل من أئمة الدين وحفاظ الشريعة، قال: «حكي أن أخت بشر الحافي سألت أحد أئمة الدين ـ هو أحمد بن حنبل ـ في الغزل الذي تغزله..». إلى أن قال: «فأفتاها الإمام المسؤول، وهو أحمد بن حنبل، وأثنى عليها بذلك»..([325]). ابن حنبل حافظ الشريعة والبطيخ: 13ـ ويقول: «لم يتسموا بأنبياء ولا برسل، وأخلصوا في اتباع آثارهم، قدماً بقدم، كما روي عن الإمام أحمد بن حنبل المتبع، المقتدي، سيد وقته في تركه أكل البطيخ، لأنه ما ثبت عنده كيف كان يأكله رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فدل ذلك على قوة اتباعه كيفيات أحوال الرسول في حركاته وسكناته، وجميع أفعاله وأحواله. وإنما عرف هذا منه، لأنه كان في مقام الوراثة في التبليغ والإرشاد، بالقول، والعمل، والحال، لأن ذلك أمكن في نفس السامع.. فهو ـ أي ابن حنبل ـ وأمثاله حفاظ الشريعة على هذه الأمة..»([326]). ونقول: إن قوله: لأن ذلك أمكن في نفس السامع قد يوحي بأنه إنما يفعل ذلك على سبيل التظاهر به للعوام، لا لأجل قوة الاتباع. ثم إن ذلك يوحي إلى العوام بأن ابن حنبل كان عارفاً بجميع كيفيات أكل النبي لجميع الفواكه، والخضار، والأغذية، وأن لديه روايات بذلك كله!!.. الزبير، وارث معجزات الرسول: 14ـ قال: «.. ومنهم ـ رضي الله عنهم ـ الحواريون. وهو واحد في كل زمان، لا يكون فيه اثنان. فإذا مات ذلك الواحد، أقيم غيره. وكان في زمان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ الزبير بن العوام، هو كان صاحب هذا المقام، مع كثرة أنصار الدين بالسيف. فالحواري (هو) من جمع في نصرة الدين بين السيف والحجة، فأُعْطِى العلم، والعبارة والحجة، وأُعْطِى السيف، والشجاعة والإقدام. ومقامه التحدي في إقامة الحجة على صحة الدين المشروع، كالمعجزة التي للنبي. فلا يقوم بعد رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ بدليله الذي يقيمه على صدقه فيما ادعاه، إلا حواريه. فهو يرث المعجزة، ولا يقيمها إلا على صدق نبيه ـ صلى الله عليه [وآله] وسلم..»([327]). ونقول: أين يكون الزبير من الإمام علي عليه السلام، في جهاده وشجاعته، وقوة حجته في نصرة هذا الدين؟!. وأين هي تلك الاحتجاجات التي أثرت عن الزبير؟ هل يستطيع ابن عربي أو غيره، أن يقدم لنا نموذجاً يحسن السكوت عليه منها؟! بل أي ميزة للزبير على أبي دجانة والمقداد، ليكون الزبير ناصراً للدين بسيفه دونهما، أو مجادلاً بالحق عن أهل الحق، بما جعل له امتيازاً عليهما أو على غيرهما من الصحابة المجاهدين الأخيار.. علماء بمنزلة الأنبياء: 15ـ ومن جملة الشواهد على عدم تشيع ابن عربي، أنه قد ذكر علماء الأمة الذين هم ـ عنده ـ كأنبياء بني إسرائيل، فقال: «كعلماء الصحابة، ومن نزل عنهم من التابعين، وأتباع التابعين.. كالثوري.. وابن عيينة.. وابن سيرين.. والحسن.. ومالك.. وابن أبي رباح.. وأبي حنيفة.. ومن نزل عنهم.. كالشافعي.. وابن حنبل.. ومن جرى مجرى هؤلاء إلى هلم جراً في حفظ الأحكام.. وطائفة أخرى من علماء هذه الأمة، يحفظون عليها أحوال الرسول، وأسرار علومه.. كعلي.. وابن عباس.. وسلمان.. وأبي هريرة.. وحذيفة.. ومن التابعين.. كالحسن البصري.. ومالك بن دينار.. وبنان الحمال.. وأيوب السختياني.. ومن نزل عنهم.. كشيبان الراعي.. وفرح الأسود المعمر.. والفضيل بن عياض.. وذي النون البصري.. (أو المصري).. ومن نزل عنهم.. كالجنيد.. والتستري.. ومن جرى مجرى هؤلاء السادة في حفظ الحال النبوي، والعلم المدني..»([328]). ولا نحتاج بعد هذا إلى أي تعليق أو إيضاح.. 16ـ وقد تقدم أنه يقول عن الشافعي: «إنه كان من الأربعة الأوتاد، وكأن قيامه بعلم الشرع حجبه عن أهل زمانه ومن بعده. روينا عن بعض الصالحين: أنه لقي الخضر، فقال له: ما تقول في الشافعي؟ فقال: هو من الأوتاد. فقال: فما تقول في أحمد بن حنبل؟ قال: رجل صديق. قال: فما تقول في بشر الحافي؟ قال: ما ترك بعده مثله. فهذه شهادة الخضر في الشافعي رحمه الله..»([329]). ([314]) الفتوحات المكية ج11 ص274 و275 بتحقيق إبراهيم مدكور، وعثمان يحيى وراجع: الاثنا عشرية ص170 و171. ([315]) الفتوحات المكية ج3 ص382 و384 بتحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([316]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص311. ([317]) الآية 26 من سورة النور. ([318]) فصوص الحكم ص221 ([319]) راجع: الفتوحات المكية ج10 ص ـ تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([320]) راجع: الفتوحات المكية ج13 ص468 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([321]) راجع: الفتوحات المكية ج10 ص329 و330 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([322]) الفتوحات المكية ج9 ص77 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([323]) الفتوحات المكية ج6 ص49 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([324]) راجع: الفتوحات المكية ج11 ص362 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([325]) الفتوحات المكية ج4 ص79 و80 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([326]) الفتوحات المكية ج4 ص83 و84 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([327]) الفتوحات المكية ج11 ص283 تحقيق عثمان يحيى وإبراهيم مدكور. ([328]) الفتوحات المكية ج2 ص361 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([329]) الفتوحات المكية ج13 ص491 و492 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
الفصل السابع قبائح أم مدائح.. توطئة: تقدمت في الفصول السابقة موارد ظهر منها: أن ابن عربي يتوسل حتى بما فيه وهن لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله، بهدف تعظيم أناس آخرين، أو لتأكيد اعتقاد، أو مفهوم خاطئ، أو فكرةٍ غريبة عن العقيدة الصحيحة، وعن الحديث، والتاريخ الصحيح.. وسوف نذكر هنا: نبذة أخرى مما يدخل في نطاق القبائح التي يسوّقها على أنها مدائح، فنقول: النبي صلى الله عليه وآله يدافع عائشة لأجل الطعام: 1ـ قال ابن عربي: «دعا بعض أصحاب النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى طعام. فقال له النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: أنا وهذه؟ وأشار إلى عائشة. فقال الرجل: لا. فأبى أن يجيب دعوته صلى الله عليه [وآله] وسلم، إلى أن أنعم له فيها أن تأتي معه. فأقبلا يتدافعان إلى منزل ذلك الرجل: النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وعائشة الخ..»([330]). ونقول: انظر إلى هذا الرجل كيف مدح عائشة بذم رسول الله صلى الله عليه وآله!! وإلا!! فما هذا الحب العارم منه لعائشة؟! وما هذا الإصرار منه على رجل في استضافة من لا يرغب في استضافته؟؟ وما هذا التدافع بين نبيٍ وزوجته؟ وهل يدافع نبي، الآخرين من أجل الطعام؟! وهل هذا مما يليق بالأنبياء؟! ولماذا لا يفسح المجال لها، ويؤثرها على نفسه؟ ألم يمدح الله تعالى الذين {يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}([331]). وهل يتناسب هذا التدافع مع إصراره على ذلك الرجل باستصحابها إلى ذلك الطعام؟! العلم المكنون لعائشة وحفصة: 2ـ انه يذكر: أنه سأل الثقة، من العلماء، عن الإمام المبين. فكان مما قاله له: «الذي ذكر الله في حق امرأتين من نساء رسول الله، ثم تلا: {إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}([332]).. فهذا أعجب من ذكر الجنود، فأسرار الله عجيبة.. فلما قال لي ذلك سألت الله: أن يطلعني على فائدة هذه المسألة، وما هذه التي جعل الله نفسه في مقابلتها، وجبريل، وصالح المؤمنين، والملائكة؟! فأُخبرت بها، ما سررت بشيء سروري بمعرفة ذلك، وعلمت لمن استندتا هاتان المرأتان، ومن يقويهما. ولولا ما ذكر الله نفسه في النصرة، ما استطاعت الملائكة، والمؤمنون مقاومتهما، وعلمت أنهما حصل لهما من العلم بالله، والتأثير في العالم ما أعطاهما هذه القوة، وهذا من العلم الذي كهيئة المكنون، فشكرت الله على ما أولى.. فما أظن أحداً من خلق الله استند إلى ما استند هاتان المرأتان.. يقول لوط عليه السلام: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}([333]).. فكان عنده الركن الشديد، ولم يكن يعرفه. فإن النبي قد شهد له بذلك، فقال: يرحم الله أخي لوطاً، لقد كان يأوي إلى ركن شديد.. وعرفتاه عائشة وحفصة، فلو علم الناس علم ما كانتا عليه لعرفوا معنى هذه الآية: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}([334]) ..»([335]). ونقول: انظر كيف يحول ابن عربي آياتٍ، ذمَّ الله تعالى فيها عائشة وحفصة على تظاهرهما على رسول الله صلى الله عليه وآله، حتى لقد ضرب الله لهما مثلاً بامرأتي نوح ولوط، الكافرتين ـ يحوله ـ إلى أعظم المدح والثناء. ويعتبر أن ما فعلتاه من أذى وتظاهر على رسول الله صلى الله عليه وآله من دلائل علمهما المكنون بالله تعالى، وأن علمهما هذا قد أعطاهما القدرة على التأثير في العالم إلى حد احتاج معه الرسول إلى الاستعانة بالله، وبالملائكة، وجبرئيل، وصالح المؤمنين.. مع أن الله تعالى قد نصر المؤمنين في بدر، وهم أذلة، ولم يزد على أن أيدهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوِّمين. فكان كيد من تظاهر على رسول الله أعظم خطراً عليه من خطر حرب أحد، والأحزاب، وحنين، و.. و.. ([330]) راجع: الفتوحات المكية ج11 ص120 و121 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى، وج1 ص734 ط دار الكتب العلمية الكبرى بمصر. ([331]) الآية 9 من سورة الحشر. ([332]) الآية 4 من سورة التحريم. ([333]) الآية 80 من سورة هود. ([334]) الآية 4 من سورة الأحزاب. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
دفاعه عن بدعة معاوية ومدحه له: 3ـ وحين أراد أن يصوَّب معاوية في ما أحدثه في صلاة العيد، وأنه قد فهم أن ذلك جائز له، قال: «وكذلك ما أحدثه معاوية كاتب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، وصهره، خال المؤمنين، فالظن بهم (الصحابة) جميل رضي الله عن جميعهم، ولا سبيل إلى تجريحهم، الخ..»([336]). الطعن المبطن برسول الله صلى الله عليه وآله: 4ـ وقال: «ورد في الحديث الصحيح: عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، أنه قال لبلال: يا بلال سبقتني إلى الجنة، فما وطئت منها موضعاً إلا سمعت خشخشة أمامي. فقال: يا رسول الله، ما أحدثت قط، إلا توضأت، ولا توضأت إلا صليت ركعتين.. فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: بهما([337]). ونقول: إن هذه الروايات، وأمثالها تشتمل على طعن مبطن بالرسول صلى الله عليه وآله، إلى حد أن انساناً عادياً، من سائر الناس، يسبقه إلى أعمال الخير في الدنيا، ويفوز بقصب السبق عليه في الآخرة.. فما هذا الرسول الذي يقصر في عمل الصالحات؟ ويجهل أو يغفل ـ على الأقل ـ عما ينال به المقامات؟!.. وهل أحد سواه علّم بلالاً أن يفعل ما فعل لينال ما نال؟!.. أم أن بلالاً قد وصل إلى ما وصل إليه عن طريق الصدفة، ومن دون تعليم ودلالة؟!. فلماذا لم يعلِّم الله تعالى رسوله هذا الأمر؟!، وترك معارفه ناقصة إلى هذا الحد؟! إننا لا ندري كيف نداوي هذه الجراح التي تنال مقام رسول الله صلى الله عليه وآله، من قِبَل أناس تفننوا في وضع الحديث عليه، تبعاً لأسلافهم الذين اضطر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى فضح أمرهم، حين خطب الناس، وقال: ألا وإنه قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب علي عامداً، فليتبوأ مقعده من النار أو نحو ذلك.. وقد أشار إلى ذلك أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة أيضاً. إهانات أبي بكر للرسول صلى الله عليه وآله: ومن الفضائح التي يجعلها مدائح، قوله: 5ـ «روينا بالسند الصحيح، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه، خرج حين توفي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، وعمر يكلم الناس، فقال: اجلس يا عمر.. فأبى عمر أن يجلس.. فقال: إجلس يا عمر.. فتشهد أبو بكر، ثم قال: أما بعد، فمن كان يعبد محمداً صلى الله عليه [وآله] وسلم، فإن محمداً قد مات، ومن كان منكم يعبد الله عز وجل، فإن الله حي لا يموت. ثم تلا قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}([338]).. فسكن جأشهم بالقرآن، وهو لم يزل ساكن القلب مع الرحمان» إلى أن قال: إن نفسه «.. قالت: لا والله يا وليي، إنما أنا بين فناء وبقاء، وتلاشي وانتعاش، وإقبال وإدبار، ووصول ورجوع، وما كنت فهمت قط هذا من هذا الكلام، والذي خرج من فم الصديق، حتى نبهتني عليه، ولا سمعته من أحد من أشياخنا ولا رأيته.. على أن ان بحثاً وأسراراً في الصحابة، وتعظيمهم ومكانتهم ما سُبِقْت إليها، ولا رأيت أحداً ممن لقيته من أصحابنا عثر ذلك، إلا أنهم يجمحون عليه، ويحومون حوله الخ..»([339]). ونقول: ألف: إن هذا المقطع الذي ذكرناه، قد تضمن كلاماً جافياً وقاسياً، خالياً من أي لياقة، يرتبط برسول الله صلى الله عليه وآله، حتى كأنك تشعر أنه يتكلم عن طاغية أو عن جبار، قد تخلص الناس منه، أو مدّع لمقام ليس له، قد غش الناس، واستحوذ عليهم حتى عبدوه.. وقد جاءت هذه الكلمات الجريئة في احرج اللحظات، وهي لحظات اللوعة، والحرقة، والحنان، والحنين، والأسى والحزن، لفقد من يفترض أن يكون أحب إليهم من آبائهم، وأزواجهم، وذرياتهم، وأنفسهم، ومن كل شيء. ب: كما أننا لاندري من أين جاء بفرضية وجود من يعبد محمداً. إلى حد أنه سوغ لنفسه أن يطلق هذه الفرضية في هذا الوقت بالذات، ويجعل من الذين يعبدون محمداً صلى الله عليه وآله.. فريقاً يقابل به من كان يعبد الله.. ج: إن أبابكر قد جاء بشيء لم يخف على أحد من الصحابة، ولا على غيرهم من البشر، وان عمر بن الخطاب قد ادعى خلافه، لحاجة في نفسه قضاها، فكيف يدعي ابن عربي: أن ابا بكر قد جاء بأمر غفل عنه غيره؟ وقد ألمحنا إلى ذلك في فصل سابق، حيث نقلنا هناك عبارة مشابهة لهذه.. د: إننا نقول: إن المشكلة تكمن في عدم التحلي بالمستوى المطلوب بالإيمان الصادق بنبوته صلى الله عليه وآله، وليست المشكلة في وجود عابد له صلى الله عليه وآله، ولأجل ذلك لم يحدثنا التاريخ بشيء يدل على وجود مغال فيه صلى الله عليه وآله، أو عابد له. ورغم ذلك كله، فإن ابن عربي لم يزل يعطي قائل هذه الكلمات بالذات الأوسمة، والمقامات لنفس مقولاته الجريئة هذه. ويجعله يرتفع بها لينال أعظم مراتب الزلفى عند الله!! نزول السكينة على أبي بكر: 6ـ ويقول: عن أبي بكر أيضاً: «رب عبد يخص بشهود المعية، ولا يتعدى ذلك منه إلى أتباعه، كقول موسى عليه السلام لبني إسرائيل: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}([340]). ورب عبد يتعدى منه نوره إلى أتباعه، فيشهدون به سر المعية، كقول سيدنا محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم: {إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}([341]).. ولم يقل: معي، لأنه أمدّ أبا بكر بنوره، فشهد سر المعية.. ومن هنا يفهم سر إنزال السكينة على أبي بكر رضي الله عنه، وإلا لم يثبت تحت أعباء هذا التجلي والشهود. وأين معية الربوبية في قصة موسى عليه السلام، من معية الإلهية في قصة نبينا صلى الله عليه [وآله] وسلم»..([342]). ونقول: انظر أيها القارئ العزيز كيف أنه بهذا البيان قد حوَّل ما فيه مؤاخذة لأبي بكر، ليصبح من أعظم فضائله ومقاماته.. وذلك بعد أن أفسد سياق الآية القرآنية، بدعوى أن السكينة إنما أنزلها الله على أبي بكر، رغم أن الضمير في الآية يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ إن التأييد الإلهي بالجنود إنما هو لرسوله، في قوله تعالى: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}([343]).. ثم إنه قد حاول تعمية الأمر في موضوع حزن أبي بكر، الذي دل على أن أبا بكر قد رأى الآيات التي هي واضحة الدلالة على أن الله يرعى نبيه، ويحفظه، حيث نسجت العنكبوت، ونبتت الشجرة، وباضت الحمامة الوحشية، وجلست على بيضها بباب الغار. ولكن ذلك كله لم يفد في طمأنة أبي بكر إلى لطف ورعاية الله سبحانه، وحفظه لنبيه!!! وأما الكلام عن أن الحزن إنما يكون على أمر قد فات ومضى، وليس المراد بالحزن الخوف مما يأتي من مصائب وبلايا ـ أما هذا ـ فلا نريد الدخول في تفاصيله، ولا حشد الشواهد له، تأييداً أو تفنيداً، رغم توقعاتنا: أنه سوف ينتهي بنا إلى نتيجة لا تصب في مصلحة أبي بكر. بقي أن نشير إلى ما ذكره ابن عربي عن المعية الالهية، فإن المعية بالنسبة لموسى قد جاءت من موقع الربوبية، لتيسر له صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا و آله سبيل الهداية.. التي كان يحتاج إليها.. ولكن ما يحتاج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله، في هذا الظرف الصعب هو المعية التي هي من مقتضيات مقام الألوهية، لأن ردَّ كيد أولئك العتاة الطغاة، إنما من موقع القادرية، والقاهرية، والعزة، والجبارية، والانتقام الإلهي.. مقارنة.. وعبرة: قد قلنا: إنه قد علم الخاص والعام: أن أبا بكر قد حزن في يوم الغار، رغم أنه كان في موضع الأمن والأمان، وكان يرى الآيات البينات الواحدة تلو الأخرى، تتظافر لتدل على أن الله تعالى يرعى نبيه، ويهيء له سبل النجاة من كيد أعدائه، بعد أن استنفد النبي صلى الله عليه وآله كل وسائله البشرية.. أما علي عليه السلام، فقد كان في موضع الخطر الأكيد والشديد، يواجه احتمالات القتل والتقطيع بالسيوف إرباً إرباً، بيد أعدائه الممتلئين حقداً وحنقاً وغيظاً ولم يكن هناك أية بادرة، أو اشارة مهما كانت إلى ما يخالف هذه التوقعات أو يؤثر على مستوى ودرجة صدقيتها.. ولكن الأمور تنقلب عند ابن عربي رأساً على عقب، فاستمع إليه واقرأ أقواله لتعرف كيف يصور هذه القضية: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}: قالها أبو بكر: 7ـ ويقول: «.. {وَالْفَجْر}([344]). ومعناه الباطن الجبروتي {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ}([345]). وهو الغيب الملكوتي، وترتيب النقطتين الواحدة مما تلي.. والثانية مما تلي الألف. والميم هو رمز وجود العالم الذي وجد فيهم. والنقطة التي تليه أي تلي الميم، أبو بكر رضي الله عنه. والنقطة التي تلي الألف محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم. وقد تقببت الياء عليهما، أي على النقطتين، أي على محمد وأبي بكر، كالغار، {إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}([346]) فإنه، أي أبو بكر، واقف مع صدقه. ومحمد عليه السلام واقف مع الحق، في الحال الذي هو عليه في ذلك الوقت.. فهو الحكم كفعله عليه السلام يوم بدر في الدعاء والإلحاح، وأبو بكر عن ذلك صاح، فإن الحكيم هو الذي يوفي المواطن حقها. ولما لم يصح اجتماع صادقين معاً، لذلك لم يقم أبو بكر في حال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، وثبت مع صدقه، فلو فقد النبي في ذلك الموطن، وحضره أبو بكر، لقام في ذلك المقام الذي أقيم فيه رسول الله، لأنه ليس ثم أعلى منه يحجبه عن ذلك، فهو رضي الله عنه صادق ذلك الوقت وحكيمه، وما سواه تحت حكمه.. فلما نظرت نقطة أبي بكر إلى الطالبين أثرهما، أسف عليه، أي على النبي، فأظهر الشدة، وغلب الصدق، وقال: {لاَ تَحْزَنْ} لأثر ذلك الأسف على النبي، {إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} كما أخبرتنا.. وإن جعل منازع: أن محمداً هو القائل لم نبال، لما كان مقامه صلى الله عليه [وآله] وسلم الجمع والتفرقة معاً، وعلم من أبي بكر الأسف، ونظر إلى الألف، فتأيد، وعلم أن أمره مستمر إلى يوم القيامة. قال: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}([347]).. وهذا أشرف مقام ينتهي إليه الذي هو تقدم الله عليك: «ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله»، شهود بكري، وراثة محمدية.. وخاطب الرسول الناس بـ «من عرف نفسه عرف ربه» وهو قوله يخبر عن ربه تعالى: {كَلاّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}([348]).. والمقالة عندنا إنما كانت لأبي بكر رضي الله عنه.. ويؤيدنا قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً. فالنبي ليس بمصاحب، وبعضهم أصحاب بعض، وهم له أنصار وأعوان، فافهم إشارتنا تهد إلى سواء السبيل»([349]).. فهل بعد هذا يمكن أن يدعي أحد أن ابن عربي شيعي، سواء بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم للتشيع؟! دفاع عن صلاة أبي بكر: ثم إنه يذكر صلاة أبي بكر بالناس في المرض الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم مبادرة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى عزله، ثم صلاته صلى الله عليه وآله بنفسه بالناس، برغم مرضه، ويقول: إنه لا يستبعد صحة التأويل الذي ذكره الطحاوي، من أن أبا بكر كان هو الإمام للناس بما فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله.. وإليك نص كلامه: 8 ـ «فكان الناس يقتدون بأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان أبو بكر يقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم. فقال الطحاوي: معنى الاقتداء هنا: أنه كان أبو بكر يخفف لأجل مرض رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم»([350]). مع أن الثابت أنه صلى الله قد عزله، وصلى هو بنفسه بالناس، وأهل التحقيق يعرفون ذلك. ومع أن من يخفف صلاته رحمة بالضعفاء خلفه، لا يقال إنه قد اقتدى بمن خلفه، وأئتم به.. تصحيح بدعة التثويب: 9ـ يقول عن التثويب، وهو قول: الصلاة خير من النوم، في صلاة الصبح: «وأما مذهبنا فإنا نقول به شرعاً، وإن كان من فعل عمر، فإن الشارع قرره بقوله: من سن سنة حسنة.. ولا نشك أنها حسنة ينبغي أن تعتبر شرعاً.. وهي بهذا الاعتبار من الأذان المسنون، إلا في مذهب من يقول: إن المسنون هو الذي فُعِل في زمان النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وعرفه، وقرره. أو يكون هو الذي سنه صلى الله عليه [وآله] وسلم»([351]). أبو بكر مجتهد في قتل مانعي الزكاة: 10ـ وهو يعتبر أن ما فعله أبو بكر بمانعي الزكاة، كان رأياً فقهياً له..([352]). مع أن هؤلاء إنما منعوا الزكاة عنه، لأنهم يعتقدون أنه غاصب لمقام الخلافة، ولا يجوز لهم، ولا تبرأ ذمتهم باعطاء هو زكاة أموالهم له.. اجتهاد عثمان ضد اجتهاد الرسول: 11ـ ذكر أن ثعلبة بن حاطب امتنع عن إعطاء الزكاة، فنزلت فيه آية: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}([353]).. فلما بلغ ثعلبة ذلك جاء بزكاته، فلم يأخذها منه رسول الله صلى الله عليه وآله، وكذلك أبو بكر، وعمر من بعده، ولكن عثمان أخذها منه، متأولاً: أنها حق الأصناف الذين أوجب الله لهم هذا القدر في عين هذا المال.. ثم قال: «وهذا الفعل من عثمان من جملة ما انتقد عليه، وينبغي أن لا ينتقد على المجتهد حكم ما أداه إليه اجتهاده، فإن الشرع قد قرر حكم المجتهد. ورسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ما نهى أحداً من أمرائه أن يأخذ من هذا الشخص صدقته، وقد ورد الأمر الإلهي بإيتاء الزكاة. وحُكْمُ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، في مثل هذا، قد يفارق حكم غيره، فإنه قد يختص رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بأمور لا تكون لغيره، لخصوص وصف، إما تقتضيه النبوة مطلقاً، أو نبوته صلى الله عليه [وآله] وسلم..». إلى أن قال: «فمن شاء وقف لوقوفه صلى الله عليه [وآله] وسلم، كأبي بكر، وعمر.. ومن شاء لم يقف كعثمان، لأمر الله بها». إلى أن قال تعقيباً على ذلك: «فساغ الإجتهاد، وراعى كل مجتهد الدليل الذي أداه إليه اجتهاده، فمن خطَّأ مجتهداً فما وفاه حقه. وإن المخطئ والمصيب منهم واحد لا بعينه»([354]). وسؤالنا: هل النبي صلى الله عليه وآله عن اجتهاد،؟! وهل يخطئ النبي صلى الله عليه وآله في اجتهاده؟! ومن هو المصيب؟ عثمان، أم رسول الله صلى الله عليه وآله؟!.. ([335]) الفتوحات المكية ج3 ص151 و152 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([336]) الفتوحات المكية ج7 ص458 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([337]) الفتوحات المكية ج5 ص64 وج11 ص382 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. وراجع رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص438. ([338]) الآية 144 من سورة آل عمران. ([339]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص130. ([340]) الآية 62 من سورة الشعراء. ([341]) الآية 40 من سورة التوبة. ([342]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الثانية) ص488 و489. ([343]) الآية 40 من سورة التوبة. ([344]) الآية 1 من سورة الفجر. ([345]) الآية 4 من سورة الفجر. ([346]) الآية 40 من سورة التوبة. ([347]) الآية 40 من سورة التوبة. ([348]) الآية 62 من سورة الشعراء. ([349]) الفتوحات المكية ج2 ص180 و181 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([350]) الفتوحات المكية ج7 ص151 و152 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([351]) الفتوحات المكية ج6 ص128 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([352]) الفتوحات المكية ج8 ص269 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([353]) الآية 77 من سورة التوبة. ([354]) الفتوحات المكية ج8 ص194 و195 تحقيق إبراهيم مدكور وعثمان يحيى. ([355]) الآية 230 من سورة البقرة. يتبع>>> نسألكم الدعاء |
تصويب عمر في ما أحدثه في الطلاق: 12ـ وقال: «وسألت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في تلك الرؤيا عن المطلقة بالثلاث في لفظ واحد، وهو أن يقول لها: أنت طالق ثلاثاً؟ فقال لي صلى الله عليه [وآله] وسلم: «هي ثلاث كما قال: [فـ] لا تحلُّ له [من بعد] حتى تنكح زوجاً غيره». فكنت أقول له: يا رسول الله! فإن قوماً من أهل العلم يجعلون ذلك طلقة واحدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أولئك حكموا بما وصل إليهم، وأصابوا. ففهمت من هذا تقرير حكم كل مجتهد، وأن كل مجتهد مصيب، فكنت أقول له: يا رسول الله، فما أريد في هذه المسألة إلا ما تحكم به أنت إذا استفتيت، وما لو وقع منك ما كنت تصنع؟ فقال: هي ثلاث كما قال: لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره. فرأيت شخصاً قد قام من آخر الناس، ورفع صوته وقال بسوء أدب، يخاطب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، يقول له: يا هذا ـ بهذا اللفظ ـ لا نحكِّمك بإمضاء الثلاث، ولا بتصويبك حكم أولئك الذين ردوها إلى واحدة! فاحمر وجه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم غضباً على ذلك المتكلم، ورفع صوته يصيح: هي ثلاث كما قال [تعالى]: {لاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}([355])، تستحلون الفروج؟! فما زال صلى الله عليه [وآله] وسلم يصيح بهذه الكلمات حتى أسمع من كان في الطواف من الناس، وذلك المتكلم يذوب ويضمحل حتى ما بقي منه على الأرض شيء. فكنت أسأل عنه: من هو هذا الذي أغضب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم؟ فيقال لي: هو إبليس لعنه الله. فاستيقظت..»([356]). ونقول: إن ابن عربي يريد بهذه الدعاوى: أولاً: أن يصوِّب ما جاء به عمر بن الخطاب من عند نفسه، فإنه هو الذي أمضى طلاق الثلاث على الناس. ثم هو يريد أن يجعل لهذا الفعل من جهة صلة بالرسول صلى الله عليه وآله، ولو في المنام.. ويخرجه عن كونه بدعة. ثانياً: إنه يريد أن يقرر مبدأ التصويب الباطل، الذي رفضه شيعة أهل البيت، استناداً إلى الأدلة النقلية والعقلية.. ثم إنه يتابع مدحه لعمر وعثمان، بما كان ينبغي ستره عليهما، لأنه يشتمل أمر مشين لهما، ومن ذلك: ألف: معصية عمر فضيلة له: 13ـ قد ذكر أن نفسه قد ضربت له مثلاً بعمر بن الخطاب، الذي روي عنه «بالسند المتصل إليه: أنه لما أسلم، قال له النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: يا عمر، استره. قال رضي الله عنه: «والذي بعثك بالحق لأعلننه، كما أعلنت الشرك»..([357]). فقد تضمن هذا الحديث الذي يريد أن يجعله من فضائل عمر، مخالفة صريحة من قبل عمر لأمر رسول الله، إذ إن الرسول يأمره بستر إسلامه ـ وعمر يحلف ليعلننه!!. فهل هو أشجع من رسول الله؟! أم أنه أعرف بالمصلحة منه؟! أم أن الله أوحى إليه بخطأ النبي في هذه الواقعة؟! ألا يخشى من أن يتسبب إعلانه لإسلامه بضرر على الإسلام، وعلى المسلمين؟! وأين كانت هذه الشجاعة عنه في بدر، وفي أحد، وخيبر، وحنين وو.. ولماذا يشجع هنا، ويفر هناك، تاركاً رسول الله صلى الله عليه وآله ليواجه خطر القتل؟! ب: عثمان الزاهد: 14ـ ثم إنه وهو يخاطب نفسه، ضرب لها مثلاً آخر بعثمان، فقال: «.. قلت: نعم، هذا عثمان بن عفان رضي الله عنه، روينا عنه بالسند الصحيح، عن شرحبيل بن مسلم: أن عثمان رضي الله عنه، كان يطعم الناس طعام الإمارة، ويدخل في بيته، فيأكل الخبز والزيت. ناشدتكِ الله، هل فعلتِِ هذا مع أصحابكِ قط، آثرتِهم باللطيف، واستأثرتهم بالخشن الخ..»([358]). وهذه المناشدة تعطينا: أنه لا يرى عثمان مستأثراً ببيت المال لنفسه، ولذويه، بل هو بكلامه هذا يجعله من أعظم الزاهدين. مع أننا قد ذكرنا في كتاب «مختصر مفيد» بعضاً من أفاعيل عثمان ببيت مال المسلمين، فراجع ذلك الكتاب حين الحديث عن جيش العسرة.. ج: محاولة الطعن بعلي عليه السلام: 15ـ ثم يسوق الكلام مع نفسه إلى أن يصل إلى علي أمير المؤمنين عليه السلام، فيحاول أن يدس في كلامه ما ينقص من قدره عليه السلام، ويثير حوله أكثر من شبهة وسؤال، وذلك حين يشير إلى قضية مكذوبة تتحدث عن تسبيح الحصى في كف النبيصلى الله عليه وآله، وعمر، وعثمان، وسكوته في كف علي.. فاستمع إليه، وهو يتابع مناشدته لنفسه، فيقول لها: «يا نفس هذا علي رضي الله عنه، على تمكنه فيما تدعينه من المقام والحال، قد علم المقام، وعمله، وأحكمه، ووفى الحقائق حقها على أتم الوجوه».. إلى أن قال: «انظري يا نفس إلى تمكنه في المعارف، وتبرزه في صدور المواقف، وضربه بيده إلى صدره، فيقول: إن ها هنا لعلوماً جمة، لو وجدت لها حملة».. إلى أن قال: «فلم يعْلَق بقلبه كون، ولم يحجبه ذلك كله عن تحققه في المشاهدة، بل ذلك تمكين على تمكين».. ثم ناشد نفسه، فقال لها: «هل صاحبت هذا الحال استصحاب هذا الإمام؟!». إلى أن قال: «ومن مثل علي، وهذا مقامه؟!، ومن يعادله وهذا كلامه؟!، لو لم ينبه لغفلتنا عن شرف منزلته إلا بسكوت الحصى في كفه، لكان ذلك تنبيهاً لكل قلب نبيه!!»([359]). ونقول: إذا كانت الحصى قد سبحت في كف رسول الله صلى الله عليه وآله، فلماذا سكتت في كف علي عليه السلام؟! فإن كان تسبيحها في يده صلى الله عليه وآله كرامة له، فإن سكوتها في يد علي عليه السلام يشير إلى ضد ذلك، وإن كان سكوتها في يد علي كرامة له، فكيف نفسر تسبيحها في يد رسول الله صلى الله عليه وآله.. فقاهة عمر: 16ـ قد تقدم في فصل: عمر بن الخطاب، الولي المعصوم: «تحت عنوان: عمر فقيه يشهد له الرسول صلى الله عليه وآله» أن عمر قد قد فسر قوله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} ([360]) تفسيراً خاطئاً.. ولكن ابن عربي قد جعل ذلك من فضائل عمر وكراماته، فراجع ما ذكرناه. خاتمة المطاف: واننا في الختام نعيد التأكيد على بضعة نقاط، هي التالية: 1 ـ هل كل ما تقدم كان تقية؟! وبعدما تقدم نقول: أولاً: إن ما ذكرناه في الفصول المتقدمة، على كثرته، وتنوعه، ما هو إلا غيض من فيض، مما جاء في مؤلفات محي الدين ابن عربي.. وكنا نستطيع: أن نذكر أضعاف ذلك، ولكننا أضربنا عنه خشية أن نكون قد اقترفنا بذلك جريمة اغتيال بغيض لوقت القارئ، وتسببنا بنفاد صبره، وتضييع جهده.. كما أن ذلك قد يكون غمطاً لحقه، إذا كان ممن تكفيه الإشارة، إذ لا تبقى هناك حاجة إلى حشد النصوص له بهذه الغزارة.. ثانياً: إن احتمال أن يكون ابن عربي قد استعمل التقية في جميع ذلك وسواه مما أضربنا عن ذكره، ما هو احتمال بارد ورأي فاسد، وتمحل غير وارد.. إذ إن ذلك يفقد كتبه مصداقيتها، خصوصاً إذا كان ثمة شك كبير في أن يكون مبرر للتقية بهذا المستوى في عصره، وفي المناطق التي عاش فيها، وهو الذي لم يكن ملزماً بالإقامة في بلد بعينه، وقد كان ينتقل من مكان إلى مكان، فهل كانت التقية مهيمنة عليه في هذه الأقطار جميعاً؟! وهل كان غير قادر على التحول عنها إلى مواضع لا يحتاج فيها إلى التقية؟ وإن كان عاجزاً عن ذلك، فلماذا قدر على التحول من بلاد المغرب إلى مكة وإلى الشام وبغداد، والموصل، ومصر، وغير ذلك.. وعجز عن مواصلة تحوله ليصل إلى بلاد الشيعة فيحل فيها، ويكتب فيها ما أحب، ويصرح بما يريد، تماماً كما حل في مكة، فكتب الفتوحات المكية، أو كما حل في الشام فكتب فصوص الحكم؟! ولماذا ـ لو كان شيعياً ـ يصر على العيش في بلاد السنة، التي لا يتمكن فيها من الجهر بعقائده، وممارسة عباداته، فليأت إلى بلاد أهل نحلته، ليعيش فيها، ويصرح في مؤلفاته بما يريد، تماماً كما هو حال سائر علماء الشيعة، الذين صرحوا في مؤلفاتهم بكل ما عندهم. ثالثاً: إذا كان الأمر كذلك حقاً، فلماذا ظهرت التقية بهذا الحجم، عند خصوص هذا المؤلف، دون غيره ممن عاصره، وعاش في نفس الظروف التي عاش فيها؟! رابعاً: إنه يذكر في حق الشيعة أموراً مخترعة ومصطنعة، لا يحتاج إليها لدفع شر الأعداء عنه، بل كان يكفيه أن يظهر رفضه لمقالة الشيعة، ثم يتجنب ذكرهم، ويهمل أمرهم. وليس ثمة ما يضطره إلى ادعاء رؤيتهم بصورة خنازير، ولا إلى غير ذلك مما ذكرنا طرفاً منه.. كما أنه يكفي في التقية في أمر الخلفاء: أن يظهر ما يقوله أهل السنة فيهم، فلا يطلب منه أهل السنة أن يترحم على الحجاج، ولا على أن يرفع المتوكل إلى درجة الأولياء، ولا أن يدعي أنه عرج به إلى السماء؛ فرأى أبا بكر على العرش.. إلى غير ذلك من أمور عجيبة وغريبة. إن ذلك كله لا تفرضه التقية عليه، بل لا يفرضه عليه سوء السريرة، وخبث الباطن.. خامساً: إن مدائحه العجيبة، والغريبة لنفسه، وما ادعاه من عروج متكرر، ومن أنه بقي في خلوته تسعة أشهر بلا طعام، وأنه هو خاتم الأولياء، كما كان النبي خاتم الأنبياء، وغير ذلك مما تقدم بعضه.. إن ذلك كله، لا تفرضه عليه تقية ولا غيرها!! بل هو مما يأباه له خلقه، فإن المؤمن الصادق ينزه نفسه عنه، وأهل الكرامات الحقيقيين، لا يتبجحون بكراماتهم، ولا يدلون على غيرهم بمقاماتهم، بل هم أكثر الناس تواضعاً، وأشدهم ابتعاداً عن الإدعاء والشهرة. سادساً: قد قلنا: إن من يراجع كتابه: «الفتوحات المكية» يجد أن قسماً منه مبني على تفاصيل فقهية، كثيرة ومتنوعة، لا تخرج عن دائرة فقه أهل السنة، وحديثهم، وأصولهم الاستنباطية، والرجالية، وغيرها.. رغم أن العلم الذي يتصدى لمعانيه ومراميه لا يتوقف على تبني، ولا على طرح تلك المسائل من الأساس.. فكيف تصح دعوى التقية في كل هذا البناء المتكامل، القائم على مسلمات ومناهج المذهب السني، في قواعده، وفي مناشئه، ومرتكزاته، وفي غاياته وفي كل تفاصيله العقائدية، والفقهية، والحديثية، والتاريخية، و.. و..؟!!. 2 ـ منشأ الشبهة: وبعد، فإنه ربما يكون السبب في وقوع بعض الأعلام في الشبهة حول ابن عربي، وحول المتصوفة بشكل عام، هو أنهم رأوهم يمدحون الإمام علي عليه السلام في كلامهم، فظنوا: أن ما يتظاهرون به من حب له عليه السلام، وما يمدحونه به، قد نشأ عن أن الحب قد أدى بهم إلى الدخول في التشيع.. وقد غفلوا عن أمور لها أهميتها البالغة في معرفة السبب في إظهار هذا الحب، وهي: الأول: لعل السبب في إظهارهم لهذا الحب هو سعيهم للتأثير على البسطاء والسذج من الشيعة لاجتذابهم إلى جانبهم. وقد كان من دأب هؤلاء أنهم يتقربون من كل طائفة بما تحب. فهم سنة مع أهل السنة. وهم يحبون الإمام علي عليه السلام مع الشيعة، وقد أخذوا عنه خرقة التصوف. وهم بالنسبة للسفهاء يدّعون مقامات الألوهية فضلاً عن مقام النبوة، كما أنهم يدّعون الخوارق والمعجزات لأنفسهم ويدّعون علم الغيب، ويسمونه بالكشف.. ويصدقهم الناس البسطاء في ذلك.. الثاني: إن إظهارهم لهذا الحب لا يتناقض مع عقائد أهل السنة، ولا يضر بما يعتقدونه في مسألة الخلافة، ولا مع غيرها من سائر اعتقاداتهم.. خصوصاً مع تصريحهم، ـ وخصوصاً ابن عربي ـ بعقائدهم المخالفة لعقائد أهل البيت وشيعتهم، ومع ما يصرح به من مقامات لمناوئي أهل البيت، وغير ذلك.. الثالث: إن من يدعي أن فرعون من أهل النجاة، ويرى في كل شيء أنه هو الله تعالى، بل هو يحب عبدة العجل، لأنه يرى أن عبادتهم للعجل، عين توحيدهم وإيمانهم، ان من يكون كذلك، فلابد أن يحب كل شيء، فيحب المؤمن والكافر، ويترحم على الحجاج، ويعظم المتوكل، ويحب عبدة العجل، ويعظم فرعون، وأبا سفيان ومعاوية ويزيد، وكل فاسق وفاجر، وشرير ومشرك، لأنهم جميعاً مجالي الحق. وقد اتحد الحق معهم، وإن اختلفت الأسماء الاصطلاحية، على حد تعبيرهم.. ويؤكد ذلك: قولهم بالجبر الإلهي، الذي يؤكد لهم أنه لا حيلة لهم فيما يصدر عنهم، ويقرر معذورية كل أهل الكفر والشرك والانحراف فيما هم فيه وعليه.. الرابع: إنه قد يكون لما يطلقونه من كلمات مستطرفة، وأقوال حكيمة، ومواعظ زهدية، درجة من التأثير على الناس العاديين.. مع أن كثيراً من تلك الأقوال مقتبسة من أقوال الأنبياء والأوصياء، وقد انتحلوه ونسبوه لأنفسهم.. علماً بأن أمثال هذه الأقوال مما يتداوله سائر أهل الملل والنحل، لأنها مما تتوافق عليه العقول، وينساق إليها الناس بفطرتهم، فإن العقلاء، يدركون مساوئ الظلم والحسد، والبغي، والبخل، وما إلى ذلك، ومحاسن الإحسان، والعدل، والصدق، والأمانة، و.. و.. 3 ـ حاجة الحكام لهؤلاء الناس: قلنا فيما سبق: إن الحكام كانوا بحاجة إلى أناس معروفين بالزهد، منسوبين إلى الكمال، والعبادة، ليعارضوا بهم الأئمة عليهم السلام، وليصغروا من شأنهم عليهم السلام.. فكان أن أظهروا تعظيم هؤلاء، واهتموا بشأنهم، وأطروهم، وأظهروا الاتعاظ بمواعظهم، مع علمهم بعدم لحوق أي ضرر بهم، وبحكومتهم من قبلهم.. بل هناك منافع كثيرة ومتنوعة، لاحاجة إلى بسط الكلام فيها. 4 ـ التصوف مطية العاجزين الطامحين: إن الطريق الذي سلكه هؤلاء يسهل سلوكه على كل أحد، ويسهل ادعاء الوصول فيه إلى الغايات والمقامات، من العالم والجاهل، ومن الكبير والصغير، ومن الذكي والغبي.. ولا يحتاج في ذلك إلى أي دليل، فإن دعوى الكشف والشهود والعلم اللدني تحل أعظم المشكلات، وتسهل كل عسير. وهذا الطريق هو مطية الطامحين العاجزين، والكسالى، حيث يحصلون من خلاله على ما يريدون بلا تعب ولا نصب، وبلا سهر، أو إجهاد فكر في الدراسة طيلة عشرات السنين، لمعرفة أحكام الله، وحقائق الدين، ومعاني آيات القرآن. وهو يفسح المجال لطلابه ليدعوا: أن أحدهم، حتى وهو يهذي، يكون في نفس هذيانه هذا أحكم الحكماء وأعلم العلماء، وليس لأحد أن يطالبه بدليل، أوبرهان، لأن الكشف هو عصى موسى، والوحي الإلهي الصادق.. 5 ـ الابتداع.. والتشريع: إنهم باختراعهم أوراداً، وأذكاراً، وصلوات، وعبادات، لم يأت بها كتاب، ولا سنة، يستطيعون أن يشغلوا الناس بها عن أهل البيت عليهم السلام، ويصرفوهم عنهم، كما أنهم بذلك ينزعون عن أنفسهم صفة التقليد، والحاجة إلى الأخذ من الغيره.. عصمنا الله من الزلل في الفكر، وفي القول، وفي العمل، إنه ولي قدير.. ([356]) راجع: الروح المجرد ص352 ـ 354 والفتوحات المكية ج4 ص552 ط دار الكتب العربية الكبرى بمصر وكتاب الوصايا لابن عربي ص274 و275. ([357]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص127. ([358]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص127. ([359]) مجموعة رسائل ابن عربي (المجموعة الأولى) ص128 و129 و130. ([360]) الآية 20 من سورة الأحقاف. يتيع>>> نسألكم الدعاء |
كلمة أخيرة:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.وبعد.. فإن ما قدمناه في هذه الدراسة ما هو إلا نبذة تكاد تكون يسيرة إذا قيست بمجموع ما سجله ابن عربي في كتبه من تصريحات ـ وما أكثرها ـ أو تلويحات، وإشارات لا مجال لعدها وحصرها.. تدل على المنحى الذي يتخذه ابن عربي لنفسه، ويدين به ربه في السر وفي العلن.. وليت شعري، إذا كان هذا الرجل قد ذكر في مؤلفاته هذا الكم الهائل ـ الذي ذكرنا في هذه الدراسة بعضاً منه، ـ من الدلائل الصريحة في تسننه، حتى إن ما يتعلق به من يدعي تشيعه ما هو إلا نزر يسير، لايكاد يظهر له أثر في هذا البحر العجاج، المتلاطم الأمواج؟!. إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يرضون ببعض ما ذكرناه لإثبات عكس ما يدعون، فيؤكدون على تسننه، بالاستناد إلى كل هذه الأدلة العالية جداً في مستوى الصراحة والجهر.. والقاطعة في هذا الأمر لكل عذر؟!. وكيف أبصروا خصوص تلك الإيحاءات الضعيفة والعليلة والواهية، ولم يروا بعين إنصافهم هذا القدر العظيم، والكم الهائل الصريح والواضح في مقابله؟! وما بالهم نظروا بعين كليلة في هذا الإتجاه.. وتركوا ما تريهم إياه العين الصحيحة بالاتجاه الآخر؟!.. وفي جميع الأحوال نقول: ان الحق أحق أن يتبع، ولابد للعاقل المنصف أن يكون من أهل الدليل وكيف ما مال يميل.. والحمد لله، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين. تم نسألكم الدعاء |
الساعة الآن »06:06 PM. |