![]() |
عِلّة نزول القرآن
علّة نزول القرآن باللغة العربية
قد يحتاج الجواب على هذا السؤال معرفة بعض الأمور التي أعتقد أنَّ لها ارتباطا بدرجة ما بهذا الموضوع الحسّاس الذي صار فيما بعد ميداناً للتلاعب في مشاعر الملايين من المسلمين عبر عصورهم ،من خلال المحاولات الجادة لتخريب عقائدهم التي نهضت بها أوّل الأمر الأجهزة الأموية وعلى نطاق واسع بعدما تمهَّدت لهم الساحة الإسلامية بسلسلة من الصراعات الدامية التي كان المحرّك الوحيد لها تقويض دعائم الدين الحنيف، فانبرت هذه الأجهزة إلى التفنن في تزييف وتحريف مفاهيم الإسلام ، لتتداولها على أنها تراث عربي . وقد استعانوا في إذكاء هذا الشعور في أذهان طوائف من المسلمين بالدخول إلى معرفة هذه المفاهيم لا من القرآن بوصفه خطاباً إلهياً للبشرية جمعاء ، ولا من السنّة النبوية المطهّرة من منبعها الصافيّ ؛وإنَّما من خلال التدوين الحكومي لوقائع التأريخ الإسلامي بنحو من السرد القصصي الذي شاع بشكل مخيف وصارت القضيّة التاريخية هي النافذة الواسعة لفهم الإسلام باعتبارها أمراً واقعاً لا ينكره أحد . فمن الأمور التي ترتبط بموضوع السؤال هو كون العرب في الجزيرة هم المكلفون بتلقي هذا القرآن العربي قبل غيرهم من الأقوام ،وسبب بزوغ فجر الإسلام في هذه البقعة دون غيرها . أما سبب نزول القرآن بهذا اللسان العربي ،فلأنَّ الوجود المعرفي الهائل في هذا القرآن لا يظهر للمكلّفين في هذه الأرض إلاّ بوساطة لغة تستوعبه بأيسر تفهيم وأليق عبارة إتماماً للحجّة عليهم ،وإبلاغاً للمعرفة إليهم ،إنقاذاً لهم من حيرة الجهالة. فأودع الله تعالى في مفردات اللغة العربية وتراكيبها طاقة دلالية متسعة ،وأفقاً بيانياً مترامياً متحركاً بعنفوان خلت منه اللغات الأخر ,ولعلَّ هذا هو السبب في إخفاق محاولات ترجمة النصوص القرآنيّة إلى لغات أعجميّة نهض بها علماء مستشرقون قال تعالى في سورة فصلت الآية44 : (ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياتُهُ أأعجمي وعربيٌّ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمى أولئك يُنادون من مكان بعيد ). أما فيما يتعلق بوجوب تلقي العرب في الجزيرة لهذا القرآن قبل غيرهم من الأقوام ،فلأنَّهم أرباب الفصاحة والبلاغة ، وأمراء البيان ، وصنّاع البديع ،على هذا فهم القادرون على تشخيص ما في كلام الخالق سبحانه من رصانة المباني ودقائق المعاني وطراوة البيان فهذا الوليد بن المغيرة المخزومي يعترف بهذه الحقيقة على الرغم عناده ومعاداته ؛فتراه يقول: يا عجباً لما يقول ابن أبي كبشة، فو الله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي جنون وإنّ قوله لمن كلام الله . ولذا نجد عتاتهم عرفوا –قبل غيرهم- ما في هذا القرآن من سحر لا يُضاهى، وغلبة لا تتناهى، فكان اللغو وسيلتهم للحؤول دون وصول صوته الأسماع ،وبلوغ رسالته الأصقاع، قال تعالى في الآية 26 من سورة فُصّلت:(وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون)تعبيراً عن عجزهم حِياله، وإعيائهم قِباله . لذا تجد أنّ الأمويين لعبوا على هذا الوتر دهراً طويلاً، وجعلوا هذه المزية تختصًّ بالعرب بما أنهم عربٌ وحسب، فأظهروا قصصاً نسجها القصّاصون لديهم تصوّر للناس قداستهم مع مماحلتهم أهل هذا الدين القيّم ،حتى كان ذلك توطئة لظهور(الفكرالقومي)الذي يدعو العرب إلى اعتناقه ديناً يدينون به بدلاً من الإسلام تدليساً وتعمية عليهم ،فصدّق مقالتهم المغفلون ،وانبرى لاعتناق فكرتهم الجاهلون ،وصار القرآن كتاباً من تراث العرب تتداوله أيدي الناس وأفواههم كما تتداول أشعار الجاهلية في المنتديات ! وأمّا سبب كون الجزيرة العربية محلاًّ لبزوغ فجر الإسلام، لخلوها من سيطرة إحدى الامبراطوريتين الساسانية والرومانية ،فلو كانت إحداهما هناك لتمكّنت من تقويض دعائم هذا الدين بداية ظهوره ،وما كانت الغلظة التي اتخذها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله مع المشركين فيهم بقادرة على نصرة هذا الدين . |
الساعة الآن »01:28 AM. |