![]() |
بحث في سورة التحريم
بسم الله الرّحمن الرّحيم .الحمد لله ربّ العالمين .
من خلال التأمّل في مجموع آيات سورة التحريم فإنّ الذهن ينصرف إلى أن القضيّة الأساس التي كانت سبباً لنزول هذه السورة المباركة وبهذه اللهجة الملفتة للنظر ،ليست كما يذكره المفسرون من أن السبب هو مشكلة أسرية تتعلق بحادثة العسل أو شيء آخر من هذا القبيل والمعبّر عنه في الآية الثانية من السورة (وإذ أسرّ النّبيّ إلى بعض أزواجه حديثاً)ممّا يكون مسوغاً كافياً للتهديد بالطلاق أضف إلى ذلك أن المتبادر من إيراد مادّة (نبأ) في هذه الحادثة أربع مرّات في الآية الثانية من هذه السورة يؤكد للمتدبّر أنّ القضية تتخطى بكثير خلافاً أسريّاً سببه حادثة من هذا النوع ،ذلك أن التأمل في الآيات التي ضمّت في مطاويها هذه المادة(نبأ) يفضي إلى الفهم أشياءَ خطيرة كان التعبير عنها بـ(النبأ) ما خلا بعض الآيات كآية سورة الحجرات التي وردت فيها هذه المادّة بنحو من التهكّم على(فاسق) ،أو ما جاء في الآية الثالثة والثلاثين من سورة الرعد عند قوله (أم تنبؤونه) تنديداً بالذين كفروا ؛بل لو يستقيم الذي ذكروه سبباً للنزول لوردت مادّة(خبر) بدلاً عنها، ثم ما أعقبه من تحذير للذين آمنوا من مغبّة العاقبة السيّئة ،كما جاء في الآية السادسة من السورة :(يا أيها الّذين آمنوا قو أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ... إلى آخرها)وما أعقب ذلك من تهديد عنيف للذين كفروا كما جاء في الآية السابعة ،ثم ما جاء في الآية التاسعة من السورة من أمرٍ لهذا النّبيّ (ص)بمجاهدة الكفّار والمنافقين والغلظة عليهم . ويتأكد هذا الفرض بعد ملاحظة لهجة الآية الرابعة من السورة التي تقول: (إن تتوبا فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإنّ اللهَ هو مولاه وجبريلُ وصالحُ المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهيراً) فإنه يصعب التصوّر أن السبب في كلّ هذا الوعيد والتنديد والتهديد هو ما ذكره الأعلام من أنّ القضية تتعلق بسبب لا ينهض أن يكون باعثاُ راجحاً على نزول السورة ، حتى وكأنّ النّبيّ الأعظم(ص) لا همّ له إلاّ مضغ العسل (أو غيره) ممّا يكون سبباً لنزول هذه السورة المباركة وبهذه اللهجة المتشددة –كما يُقال- ،ثم ليس أدلّ على وجوب التأمّل في السبب المذكور من منطوق الآية العاشرة منَ السورة التي تقول :(ضربَ اللهُ مثلاً للذين كفروا امرأتَ نوحٍ وامرأتَ لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يُغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين) .فلو قلنا باستقامة ما ذكروه سبباً للنزول فإن إيراد هذين المثلين التأريخيين لا تكون له مناسبة ، ولا سيّما بعد الوقوف على ما فعلته كلاَّ من امرأة نوح وامرأة لوط . على هذا فإننا نظنّ أن الموضوع ناظرٌ إلى قضيّة حسّاسة تمسّ مستقبل هذا الدين ،وهي بحق أكبر من قضية العسل أو نحوه، ممّا يصح أن تقاس بها قضيّتي امرأة نوح وامرأة لوط . والله العالم |
الساعة الآن »05:29 AM. |