![]() |
الايمان بالغيب للامام السيد موسى الصدر
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعل آبائه الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين الايمان بالغيب للامام السيد موسى الصدر بسم الله الرحمن الرحيم {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم يُنفقون. والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون}. هذه الآيات المباركة في بداية القرآن الكريم تحاول أن تضع خطة عامة للهداية الإلهية من خلال رسالة الإسلام، وتؤكد الخط الذي يقترح الإسلام سلوكه على الإنسان المسلم، هذه الخطة تعتمد على النقاط الخمس: الإيمان بالغيب. وإقامة الصلاة. والإنفاق مما رزقهم الله. والإيمان برسالة محمد وبرسالة الأنبياء الذين سبقوا محمداً (عليه وعليهم الصلاة والسلام). الإيمان بالمعاد والحساب والآخرة. أما النقطة الأولى: الإيمان بالغيب، فهي ضرورية في حياة الإنسان، فالإنسان عندما يعيش حياته المادية، ونحن نعلم أنّ كل شيء في العالم المادي نسبي ومتغير، والتغير من طبيعته عدم الإستقرار، والإنسان يحتاج في حياته الى الإستقرار، العلم مثلاً في تكامل دائم، والتكامل تغير بطبيعة الحال، فإذا اعتمد الإنسان في حياته على العلم، وآمن بالعلم، واستند الى العلم دون سواه يشعر كما يتحرك العلم، يشعر هو أيضاً بالتحرك والتزلزل، فلا يمكنه أن يعتمد ويثق الى شيء واحد، حيث أنّ ما اكتشف حول هذا الشيء في هذا اليوم قد لا يكون صحيحاً في الغد، وما لا يكون صحيحاً في هذا اليوم قد يصبح صحيحاً في غد، فلا يمكنه أن يثق بشيء ثقة مطلقة، ولا يمكنه أن يرفض شيئاً رفضاً مطلقاً، وهكذا الصناعة والتكنولوجيا والتنظيمات البشرية، بل وهكذا الأنظمة الإجتماعية والإقتصادية والقوانين الوضعية كلها، حيث أنها من إنتاج الفكر البشري بما في ذلك الفلسفة وكل أفكار الإنسان، إنتاج الفكر الإنساني والتجارب الإنسانية، كل هذه الأشياء متكاملة، فهي متغيرة ومتزلزلة ولا يمكن أن تكون سنداً وثقة وتطميناً للإنسان في حياته، الإنسان يحتاج حاجة ملحة الى الإتصال بشيء ثابت حتى يستقر وحتى ينطلق في حياته فيحرك الحياة. لا نقول إنّ الإنسان يحتاج الى جمود وسكون، بل نقول الإنسان يحتاج الى أن يعتمد أساساً ثابتاً ثم يستعمل العلم وسائر الإنتاجات البشرية استعمالاً متطوراً، فكما لا يمكن للعلم والصناعة والأنظمة المتنوعة أن تقوم مقام الإيمان بالله، لا يمكن أيضاً للإيمان بالله المطلق أن يقوم مقام العلم والصناعة والعلاج والأنظمة، فالإنسان يبدأ في حياته من نقطة ثابتة، أما النقاط المتغيرة فهي تبدأ من الإنسان، لا أنّ الإنسان يبدأ منها، ففقدان الإيمان بالغيب في حياة الإنسان يكوّن له قلقاً دائماً، ويقول القرآن الكريم: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28). وهكذا نجد أنّ الإنسان عندما يفقد الإيمان بالغيب يشعر بالقلق، خاصة عندما يكثر التطور، يتسرع في التكامل يزداد قلقاً كل يوم أكثر من يوم آخر، وفي عصرنا هذا حيث تشتد سرعة التطور، يحتاج الإنسان الى الإيمان بالمطلق بصورة أقوى وأشد. هذا في الأساس أمام في الفصول وفي النتائج فنحن نعتقد أنّ الإيمان بالقيم وبالمطلقات، الإيمان بالصدق، الإيمان بالوفاء، الإيمان بالعدل، الإيمان بكل قيمة لا يمكن أن ينفصل عن الإيمان بالغيب، فإذا كان الإحساس البشري معزولاً عن الإيمان بالغيب لا يمكن أن يدرك الإيمان بالقيم وبالمثل المطلقة. وهنا المحنة الكبرى. عندما يفقد الإنسان الإيمان بالقيم المطلقة فلن تكون هناك صداقة ولا عداوة، ولا صدق ولا حق، بل هناك المصلحة، وهناك الأنانية، فيصبح كل إنسان إلهاً في زعمه، غريباً في حياته، منفصلاً عن بني نوعه، شريكاً معهم في المصالح فيتحول العالم الى شركات لا الى وحدات، وهذا هو الإنفصال العميق بين أبناء المجتمع بعضهم مع بعض، وبين الأجيال المتتالية البشرية بعضها مع بعض، فالإيمان بالغيب ميزة الدين ضرورية، وضروري في حياة الإنسان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نسألكم الدعاء اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة |
الإيمان بالغيب (2) للامام السيد موسى الصدر
اللهم صل على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها اللهم واشفي قلب الزهراء صلوات الله عليها بظهور وليك الحجة بن الحسن صلوات الله عليه وعل آبائه الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم {ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم يُنفقون. والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. والذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون}. هذه المبادئ الخمسة، التي يذكرها القرآن الكريم في سورة البقرة، ويفسر بها: المتقين، والذين على هدى من ربهم، والمفلحين أيضاً. نريد أن نتحدث عن هذه المبادئ الخمسة، التي فيها حقيقة التقوى، والهداية، والفلاح، في منطق القرآن. ما هي هذه المبادئ الخمسة؟ - {الذين يؤمنون بالغيب}. الإيمان بالغيب أولاً. - إقامة الصلاة، ثانياً. - الإنفاق مما رزقناهم، ثالثاً. - الإيمان بما أُنزل الى محمد والى الرسل جميعاً، رابعاً. - واليقين بالآخرة، أخيراً. الإيمان بالغيب، المبدأ الأول، هو في الحقيقة، ركن الدين الأساس. فهناك فرق بين الدين وبين العلم، وإن انسجما واتفقا وتعاونا. وهناك فرق بين الدين والفلسفة. وهناك فرق بين الدين والتكنولوجيا مثلاً. وهناك فرق بين الدين وعلم الأخلاق. فالدين طابعه الأساس أنه غيبي، وأنه جاء من الغيب. الإيمان بالغيب مبدأ الدين الأول، وحتى أصول الدين وفروعه، فمهما كان الدين علمياً، ومنطقياً، ومتطوراً، وقريباً لعقول الإنسان فهو محتفظ بغيبية مبادئه وأحكامه، من أصول وفروع. والسبب في ذلك أنّ الإيمان بالغيب هو المبدأ الوحيد الذي يجعل الإنسان مستقراً في حياته، دون سواه. فالإعتماد على العلم أو على الفلسفة، أو على الصناعة، أو على الأخلاق، أو على التجارب، أو على أي شيء يكون هو من صنع البشر. الإعتماد عليه لا يؤدي الى الراحة والركون والإستقرار. والسبب في ذلك، أنّ منتجات البشر، من علم أو ثقافة أو فلسفة أو فن، هي غير متكاملة بطبيعة الحال، الإنسان في تكامل دائم، وعلمه وصناعته وأخلاقه وتجاربه تزداد وتكتمل يوماً بعد يوم. ومعنى التكامل، التزلزل، وعدم الإستقرار. لأننا حينما نجد اليوم علاجاً لمرض، أو سبباً لمسبّب، أو طريقاً لاكتشاف أو وسيلة لحل معضلة إجتماعية، أو نظاماً لإصلاح شؤوننا الإقتصادية والإجتماعية. كل ما نجده اليوم كاملاً لا نشك بأننا سوف نصل غداً الى شيء جديد حول هذا الشيء، أو حول أمثاله. وهذا يعني أنّ إيماننا واطمئناننا ويقيننا بهذه الأمور، العلمية والفنية والفلسفية والقانونية، إيمان نسبي، نعتمد عليه لأنّ هذا العلاج أفضل ما وصل إليه البشر في تجاربه الى الآن. أما أنّ البشر سوف يكتشف غداً ما هو أكمل منه، وما هو أفضل منه، فلا. وربما هذا الشيء الذي نجده اليوم مفيداً، لعلنا نجد غداً فيه ما يضرنا. وهذا طبيعة جميع الإنتاجات البشرية. فإذاً، الإنسان إذا يريد أن يعتمد على منتجاته، على مصنوعاته اعتماداً مطلقاً، فهذا غير ممكن. وهذا بتعبير ديني عبادة الأصنام. لا يقوم شيء من هذه الأشياء مقام الله. الإطمئنان، والإعتماد ممكن فقط على المطلق الذي هو دائم، وثابت، وشامل، وخالد، وهذا هو الله فقط. يقول القرآن الكريم: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} (الرعد: 28). ولا شك أنّ الإنسان حينما يشعر أنه مستظهر بالغيب، مطمئن الى الله ، مستنده الى المطلق، يشعر بقوة، ويستعمل العلم، والصناعة، والنظام الإجتماعي والإقتصادي، والفلسفة، والفن، والتجارب الأخرى، يستعملها كمخلوقات وكآلات. يدخل في الحياة باطمئنان واستقرار. وهذا من الناحية التربوية، ذو أثر كبير بالغ، ولا يمكن للإنسان أن يجعل محل الله، محل المطلق، الأمور النسبية. ومن هنا نصل الى مبدأ، أنّ العلم، والصناعة، والتجارب البشرية مهما تكاملت، فلا يمكن لها أن تقوم مقام الله في نفس الإنسان. فالله من وراء قلب الإنسان، والعلم من الإنسان، والى الحياة. فالإنسان هو واقف بين الله، وبين مخلوقات الإنسان. الإنسان مخلوق لله، وله مخلوقات وتجارب. الله له مكانة في حياة الإنسان، لا يمكن أن يقوم مقام هذه المكانة شيء آخر. وإذا أراد الإنسان، أن يجعل العلم، أو الصناعة، أو النظام، أو التجربة، محل الله، فهو يعيش في قلق دائم. تلك الحالة النفسية التي يعيشها الإنسان المعاصر، ويستحق أن يخاطب بقوله تعالى: {أتعبدون ما تنحتون} (الصافات: 95). لأنّ الإنسان هو الذي ينحت العلم، والفلسفة، والتجربة، بينما هو مخلوق لله. فإذاً، الإيمان بالغيب يلعب في حياة الإنسان دوراً رئيسياً، لا يمكن أن يُستغنى عنه. والسلام عليكم. نسألكم الدعاء اللهم اجعلنا من شيعة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها ولا تفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة |
الساعة الآن »03:05 AM. |