![]() |
خطبة الزهراء "ع" للأنصار وجواب أبي بكر
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم . ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار ، فقالت : « يا معشر الفتية ، وأعضاد الملّة ، وحَضَنة الإسلام ، ما هذه الغَميزة في حقّي ، والسِّنة عن ظلامتي؟! أما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي يقول : المرء يحفظ في ولده؟ سرعان ما أحدثتم ، وعجلان ذا إهالة ولكم طاقة بما أُحاول ، وقوة على ما أطلب وأُزاول . أتقولون مات محمد ، لعمري فخطب جليل ، استوسع وهيه ، واستنهر فتقه ، وانفتق رتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، وكسفت الشمس والقمر ، وانتثرت النجوم لمصيبته ، وأكدت الآمال ، وخشعت الجبال ، وأضيع الحريم ، وأُذيلت الحرمة عند مماته ، فتلك والله النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى التي لا مثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة ، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه في أفنيتكم في ممساكم ومصبحكم ، هتافاً وصراخاً ، وتلاوةً وألحاناً ، ولقبله ما حلّ بأنبياء الله ورسله ، حكم فصل ، وقضاء حتم ( وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين) . أيهاً بني قَيْلة ، أأهضم تراث أبي؟! وأنتم بمرأى مني ومسمع ، ومنتدى ومجمع ، تلبسكم الدعوة ، وتشملكم الخبرة ، وأنتم ذوو العدد والعدّة ، والأداة والقوة ، وعندكم السلاح والجُنّة ، توافيكم الدعوة فلا تجيبون ، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون ، وأنتم موصوفون بالكفاح ، معروفون بالخير والصلاح ، والنُّخبة التي انتُخبت ، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت . قاتلتم العرب ، وتحمّلتم الكدّ والتعب ، وناطحتم الاُمم ، وكافحتم البُهم ، فلا نبرح ولا تبرحون ، نأمركم فتأتمرون ، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام ، ودرّ حَلَب الأيام ، وخضعت نُعَرة الشرك ، وسكنت فورة الإفك ، وخمدت نيران الكفر ، وهدأت دعوة الهَرج ، واستوسق نظام الدين ، فأنّى جرتم بعد البيان ، وأسررتم بعد الاعلان ، ونكصتم بعد الإقدام ، وأشركتم بعد الإيمان ( ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهمّوا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين ) . ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وأبعدتم من هو أحقّ بالبسط والقبض ، وركنتم إلى الدَّعَة ، ونجوتم من الضيق بالسعة ، فمججتم ما وعيتم ، ودسعتم الذي تسوّغتم ( فان تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فانّ الله لغني حميد ) . ألا وقد قلت ما قلت على معرفةٍ مني بالخذلة التي خامرتكم ، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم ، ولكنّها فيضة النفس ونفثة الغيظ ، وخور القَنَا ، وبثّة الصدر ، وتَقدِمة الحُجّة . فدونكموها فاحتقبوها دَبِرة الظهر ، نَقِبة الخُفّ ، باقية العار ، موسومة بغضب الله وشنار الأبد ، موصولة بنار الله الموقدة ، التي تطّلع على الأفئدة ، فبعين الله ما تفعلون ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) وأنا ابنة نذيرٍ لكم بين يدي عذاب شديد ، فاعملوا إنا عاملون ، وانتظروا إنا منتظرون » . http://www.mezan.net/forum/imotion/dam.gif ياابنة رسول الله ، لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفاً كريماً ، رؤوفاً رحيماً ، وعلى الكافرين عذاباً أليماً ، وعقاباً عظيماً ، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء ، وأخاً لبعلك دون الأخلاّء ، آثره على كلّ حميم ، وساعده في كلّ أمرٍ جسيم ، لا يحبّكم إلاّ كل سعيد ، ولا يبغضكم إلاّ كلّ شقيّ ، فأنتم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطيبون ، والخيرة المنتجبون ، على الخير أدلّتنا ، وإلى الجنة مسالكنا ، وأنتِ يا خيرة النساء ، وابنة خير الأنبياء ، صادقةٌ في قولك ، سابقة ٌفي وفور عقلك ، غير مردودةٍ عن حقّك ، ولا مصدودة عن دقك . والله ما عدوت رأي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا عملت إلاّ بإذنه ، وإن الرائد لا يكذب أهله ، فإنّي أُشهد الله ، وكفى به شهيداً أنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : « نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة ، ولا داراً ولا عقاراً ، وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة ، وما لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه » . . وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح ، يقاتل به المسلمون ، ويجاهدون الكفار ، ويجالدون المَرَدَة الفُجّار ، وذلك باجماع من المسلمين ، لم أتفرد به وحدي ، ولم استبدّ بما كان الرأي فيه عندي ، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك ، لا تزوى عنك ، ولا تُدّخر دونك ، وأنت سيدة أُمّة أبيك ، والشجرة الطيبة لبنيك ، لا يدفع ما لكِ من فضلك ، ولا يوضع من فرعك وأصلك ، وحكمك نافذ فيما ملكت يداي ، فهل ترين أني أُخالف في ذلك أباك صلى الله عليه وآله وسلم ؟ http://www.mezan.net/forum/imotion/dam.gif :« سبحان الله! ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كتاب الله صادفاً ، ولا لاَحكامه مخالفاً ، بل كان يتّبع أثره ، ويقفو سوره ، أفتجمعون على الغدر اعتلالاً عليه بالزور؟! وهذا بعد وفاته ، شبيه بما بُغي له من الغوائل في حياته . هذا كتاب الله حَكَماً عدلاً ، وناطقاً فصلاً ، يقول : ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) ويقول : ( وورث سليمان داود ) الأقساط ، وشرّع من الفرائض والميراث ، وأباح من حظّ الذُّكران والإناث ، ما أزاح علّة المبطلين ، وأزال التظنّي والشُّبهات في الغابرين ، كلا ( بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون ) » . |
الساعة الآن »09:55 AM. |