![]() |
التحية في الإسـلام
التحية في الإسـلام ( الحلقة الأولى ) معنى التحية التحية في الإسلام هي (السلام) ، يقال: حيا يحيي تحية إذا سلم ، وهي كل قول يسرّ به الإنسان ، ومن التحية يقال : حياك الله ، أي جعل لك حياة ، وذلك إخبار بقصد الإنشاء أي الدعاء . ويقال : حيا فلان فلاناً تحية إذا قال له ذلك ، وأصل التحية من الحياة ثم جعل ذلك دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة ، أو سبب حياة إما في الدنيا وإما في الآخرة (راجع مفردات غريب القرآن، للراغب الأصفهاني: 140. ) . وفي (لسان العرب) : التحية في كلام العرب ما يحيي بعضهم بعضاً إذا تلاقوا ، وتحية الله التي جعلها في الدنيا والآخرة لمؤمني عباده إذا تلاقوا ودعا بعضهم لبعض بأجمع الدعاء أن يقولوا : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (لسان العرب: ج14 ص216 مادة (حيا). ). ويقابل التحية التسليم ، والأولى عادة تتعلق بالقادم ومستقبله ، والثانية تتعلق بالمسافر ومودعه ، فلكل منهما مصداق ، فالمار حينما يسلّم على المقيم في بلده يصطلح على هذا السلام بالتحية وهي تتم عادة بالمصافحة ، وأما السلام على الذي يريد سفرا يصطلح عليه بالتسليم ويتم عادة بالمعانقة والتوديع . مفهوم التحية ودلالاتها في الإسلام لما خلق الله سبحانه وتعالى الخلق جعلهم أمماً وشعوباً وقبائل ، فقال تعالى : ( يَـا أيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىَ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوَاْ إِنّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ( سورة الحجرات : 13. ). فالخلق مأمورون بالتعارف فيما بينهم ، ومن حكمة تصنيف البشرية إلى هذا التقسيم هو حصول التعارف فيما بينهم وهو أمر غير عسير ، فيبتدأ من الخلية الصغيرة وهي الأسرة ، ثم ينتقل إلى دائرة أوسع وهي القبيلة ، ثم إلى محيط جامع وهو المجتمع وهكذا ، وبهذا تسهل عملية التعارف فيما بين الأسر والقبائل والشعوب فيما بينه ا، ويستدل بالآية على لزوم تعارف الأمم والشعوب والقبائل كي يحصل التعاون والتواصل فيما بينها . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن من فائدة التعارف سيادة السلم والأمان بعد اختفاء مظاهر العدوان والاعتداء . وقد ابتدأت عملية التعارف بين الإنسان وأخيه الإنسان بالتحية وهي أول كلام يحصل في اللقاء وقد أراد الإسلام أن تكون نقطة الابتداء عنواناً للسلم والسلام ، فكانت التحية : (السلام عليكم) . فتحية السلام تعتبر أحد الدلائل الظاهرية والواقعية على السلم والسلام الاجتماعي الذي يدعو إليه الإسلام ، وقد ورد الحث عليها في أحاديث كثيرة وقد ذكرنا تفصيل الموضوع في ( الفقه : أحكام السلام ) ، وسنشير إلى بعضها لاقتضاء المقام . قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في دلالة التحية على السلام : ( السلام تحية لملتنا وأمان لذمتنا ) (مستدرك الوسائل: ج8 ص60 ح9670. ). وهذا يعني أن الإنسان المسلم حينما يحي الذميين كأنه يقول : أنتم في أمان وسلام على حياتكم . ... يتبع ... |
التحية في الإسـلام
التحية في الإسـلام ( الحلقة الثانية) التحية في الديانات السابقة عن وهب اليماني قال : لما أسجد الله عزوجل الملائكة لآدم (عليه السلام) وأبى إبليس أن يسجد قال لـه ربه عزوجل : ( فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ ، وَإِنّ عَلَيْكَ اللّعْنَةَ إِلَىَ يَوْمِ الدّينِ) (سورة الحجر: 34-35.) ، ثم قال عز وجل لآدم (عليه السلام) : يا آدم انطلق إلى هؤلاء الملأ من الملائكة فقل : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فلما رجع إلى ربه عز وجل قال له ربه تبارك وتعالى : هذه تحيتك وتحية ذريتك من بعدك فيما بينهم إلى يوم القيامة (علل الشرائع: ج1 ص102 ح1). ومما يؤكد قدم هذه التحية الواردة اتخاذها من قبل الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) تحية لهم ، ففي القرآن الحكيم تحية بعض الأنبياء السابقين هي السلام ، مثل : قوله سبحانه : (قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ) (سورة هود: 69. ). وقوله تعالى : (سَلاَمٌ عَلَىَ إِلْ يَاسِينَ) (سورة الصافات: 130. ). ومنها قول عيسى (عليه السلام) في الآية المباركة : (وَالسّلاَمُ عَلَيّ يَوْمَ وُلِدْتّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) (سورة مريم: 33. ) . التحية في القرآن ورد لفظ التحية والتي يراد منه معنى السلام في بعض الآيات القرآنية ، ومنها الآية المباركة: (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ) ( سورة النساء: 86.). والآية : (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلّمُواْ عَلَىَ أَنفُسِكُمْ تَحِيّةً مّنْ عِندِ اللّهِ مُبَارَكَةً طَيّبَةً) (سورة النور: 61. ). وقال سبحانه في قضية مشهورة : (وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىَ إِلَيْكُمُ السّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً) (سورة النساء: 94) ، أي حياكم بتحية السلام . ومن أدل هذه الآيات المتقدمة على التحية : (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ) (سورة النساء: 86. ) ، ومعناها أن الله تعالى أمر المسلمين برد التحية ـ والتي هي السلام ـ بمثلها أو أحسن منها . ذكر علي بن إبراهيم (رحمه الله) في تفسيره عن الصادقين ( أن المراد بالتحية في الآية السلام وغيره من البر ) . روي أن رجلاً دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : السلام عليك ! فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (وعليك السلام ورحمة الله) . فجاءه آخر وسلم عليه فقال : السلام عليك ورحمة الله ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته». فجاءه آخر فقال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «وعليك السلام ورحمة الله وبركاته». فقيل : يا رسول الله زدت للأول والثاني في التحية ولم تزد للثالث ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إنه لم يبق لي من التحية شيئاً فرددت عليه مثله) ( بحار الأنوار: ج81 ص274. ). ومن الآيات القرآنية التي تحدثت عن موضوع التحية والسلام قوله تعالى : (يَـا أيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتّىَ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَىَ أَهْلِهَا) (سورة النور: 27. ) ، فالدخول في بيوت الناس بلا استئذان غير جائز وهذا تكريم كبير للإنسان واحترام لحقوقه الفردية . وقال سبحانه : (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ، إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ) (سورة الذاريات: 24-25. ). ... يتبع ... |
التحية في الإسـلام
التحية في الإسـلام ( الحلقة الثالثة) آداب التحية ذكرت الآية المباركة : (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ) (سورة النساء: 86. ) صورتين للرد : الأولى : هي الرد بأحسن منها وذلك إن كان المحيي مسلماً ، سواء كان مؤمناً أو غيره . ومثالها ما ورد عن ابن عباس قا ل: إذا قال المسلم : (السلام عليكم) ، فقلت : (وعليكم السلام ورحمة الله)، وإذا قال : (السلام عليكم ورحمة الله) ، فقلت : (وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته) فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى السلام . وفي هذه الحالة يعرف أن الإنسان المسلم يمكن أن يعبر عما في مشاعره وأحاسيسه بمختلف كلمات التحية (السلام) وألفاظها كي يسرّ به الإنسان فهي قابلة لزيادة الإنشاء في كلماتها . والصورة الثانية : (أَوْ رُدّوهَآ) وهي التحية التي يحي بها المسلم أو غيره بمثل ما حياه به. وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : « إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم » ( بحار الأنوار: ج81 ص274.). وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : « دخل يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعائشة عنده فقال : السام عليكم ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : عليك ، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك ، فرد عليه كما رد على صاحبه ، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك فرد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما رد على صاحبه ، فغضبت عائشة فقالت : عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود ، يا إخوة القردة والخنازير ! فقال لها رسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : « يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء ، إن الرفق لم يوضع على شيء قط إلا زانه ولم يرفع عنه قط إلا شانه » . قال : قالت : يا رسول الله أما سمعت إلى قولهم السام عليكم ؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : بلى أما سمعت ما رددت عليهم ، قلت : عليكم ، فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا السلام عليكم وإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك » (بحار الأنوار: ج16 ص258. ) . ... يتبع ... |
التحية في الإسـلام
التحية في الإسـلام ( الحلقة الرابعة) دلالات التحية وغاياتها كان العرب في الجاهلية إذا أقبلوا سلموا ، فإذا لم يسلم الوارد كان معناه أنه يريد بالحاضرين سوء ، وكذلك إذا سلّم ولم يجب كان معنى ذلك إنهم يريدون غدراً بالآتي . والتحية في الإسلام تعني السلم والسلام ، وهي عنوان الأمان وهي التي تؤمن الإنسان من روعته في مواطن الخوف ، وهناك مواطن ثلاثة شديدة يمر بها الإنسان في حياته يطلب السلام والأمان كي يتجاوزها بسلم وسلام . الأول : عند مجيئه إلى عالم الدنيا ومفارقة ذلك العالم الصغير ، فعندها يكون بكاؤه لمفارقة ذلك المكان ولدخوله في هذا العالم الغريب . والثاني : عند الممات وما يجده من سكرات الموت ، وفراقه المسكن والوطن ، والأهل والأحبة ، ومجاورة الأموات . والثالث : عند الحشر وما يكون من أهوال يوم القيامة . فيطلب السلام الذي هو عنوان الأمان من الآلام والأهوال في هذه الأحوال الثلاثة . وقد سلم الله تعالى على النبي يحيى (عليه السلام) في هذه المواطن الثلاثة وكذلك أخبر النبي عيسى (عليه السلام) أن الله تعالى قد سلمه وآمنه فيها ، فعن ياسر الخادم قال : سمعت الرضا (عليه السلام) يقول : « إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد فيخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا ، وقد سلم الله على يحيى في هذه المواطن الثلاثة وآمن روعته فقال : (وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً) (سورة مريم: 15. ) وقد سلم عيسى بن مريم (عليه السلام) على نفسه في هذه المواطن الثلاثة فقال : ( وَالسّلاَمُ عَلَيّ يَوْمَ وُلِدْتّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً) (سورة مريم: 33. ) » (بحار الأنوار: 6 ص158 ح18. ). ولما في التحية من الدلالات العظيمة على الأمن والسلام جاء التأكيد عليها في القرآن والسنة النبوية وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام) ، فبها يؤمّن الداخل في سلامه الحاضرين عندما يقبل عليهم ، وهي من علامة الأخيار ومن محاسن الأبرار ودالة على الخلق الكريم والصفات الحميدة ، وهذه هي جملة من عناوين لأحاديث وردت في التحية والسلام : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : » إن أبخل الناس من بخل بالسلام « (مستدرك الوسائل: ج8 ص358 ح9661. ). وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : » لكل داخل دهشة فابدءوا بالسلام « (غرر الحكم ودرر الكلم: ص435 ح9947. ). وقال (عليه السلام) : » سنة الأخيار لين الكلام وإفشاء السلام « (غرر الحكم ودرر الكلم: ص435 ح9945. ). وقال (عليه السلام) : » أفشوا السلام في العالم وردوا التحية على أهلها بأحسن منها « (مستدرك الوسائل: ج8 ص371 ح9703. ). وقال (عليه السلام) : « عود لسانك لين الكلام وبذل السلام يكثر محبوك ويقل مبغضوك » (غرر الحكم ودرر الكلم: ص435 ح9946. ). وقال (عليه السلام) : » إن بذل التحية من محاسن الأخلاق ، التحية من حسن الأخلاق والسجية « (غرر الحكم ودرر الكلم: ص435 ح9943. ). وقال (عليه السلام) : » طلاقة الوجه بالبشر والعطية وفعل البر وبذل التحية داع إلى محبة البرية « (مستدرك الوسائل: ج8 ص454. ). وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : » إن الله يحب إطعام الطعام وإفشاء السلام « (وسائل الشيعة: ج24 ص287 ح30564. ). وقال الإمام الصادق (عليه السلام) : » من التواضع أن تسلم على من لقيت « (الكافي: ج2 ص646 ح12. ). ... يتبع ... |
التحية في الإسـلام
التحية في الإسـلام ( الحلقة الخامسة) أصول التحية وآدابها وقواعدها وهناك أصول وقواعد وآداب للتحية والسلام ينبغي مراعاتها ، ومنها : 1: البدء بالسلام ينبغي للإنسان حينما يلتقي بأحد ـ وقبل أن يكلّم ـ أن يبدأه بتحية السلام ، فعن الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) أنّه قال له رجل ابتداء : كيف أنت عافاك الله ؟ فقال (عليه السلام) له : » السلام قبل الكلام عافاك الله « . ثم قال (عليه السلام) : » لا تأذنوا لأحد حتى يسلم « (مستدرك الوسائل: ج8 ص358 ح9659. ). وسبب ذلك : أن السلام أمـان ، ولا كلام إلا بعد الأمان ، وقد ورد في الأحاديث الحث على لزوم السلام قبل الكلام بل وقبل الطعام أيضاً ، فقال (عليه السلام) : « لا تدع إلى طعامك أحداً حتى يسلّم » (وسائل الشيعة: ج12 ص57 ح15636. ). 2: المصافحة ومن تمام التحية في آدابها أن يتبع السلام بالمصافحة ، فإن المصافحة من السنة وفيها ثواب كثير وتوجب غفران الذنوب ، فعن أبي عمامة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : « تحياتكم بينكم بالمصافحة » (بحار الأنوار: ج3 ص42 ح44. ) . وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : » إذا تلاقى الرجلان فتصافحا تحاتت ذنوبهما وكان أقربهما إلى الله سبحانه أكثرهما بشراً لصاحبه « (مستدرك الوسائل: ج9 ص63 ح10210. ). وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال : » إن المؤمنين إذا التقيا وتصافحا أدخل الله يده بين أيديهما فصافح أشدهما حباً لصاحبه « (الكافي: ج2 ص179. ). وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : » إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فيقبل الله عليهما بوجهه ويتحات الذنوب عنهما حتى يفترقا « (كشف الغمة: ج2 ص198. ). 3: المعانقة والتقبيل ثم تأتي بعد المصافحة المعانقة والتقبيل وهما من موجبات المحبة ومصاديقها ، فعن عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) : » أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقه كتب الله له بكل خطوة حسنة ، ومحيت عنه سيئة ، ورفعت له درجة ، فإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء ، فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه ثم باهى بهما الملائكة .. « (الكافي: ج2 ص183 باب المعانقة ح1. ). وقد ذكرنا فيما تقدم أن الذي يريد سفراً لم يتم التسليم عليه عادة إلا بالمعانقة والتوديع . وقد عاب بعض هذه المعانقة باعتبارها من فعل الأعاجم فرد ذلك الأئمة (عليهم السلام) بما صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه) لما قدم من الحبشة ، فعن ابن بسطام قال كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فأتى رجل فقال : جعلت فداك إني رجل من أهل الجبل وربما لقيت رجلاً من إخواني فالتزمته فيعيب علي بعض الناس ويقولون هذه من فعل الأعاجم وأهل الشرك ، فقال (عليه السلام) : » ولم ذاك فقد التزم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعفراً وقبل بين عينيه « (بحار الانوار: ج73 ص42. ). وأما التقبيل فموضعه نور الجبهة أي في أثر السجود على الجبهة ، فعن يونس بن ظبيان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : » إن لكم لنوراً تعرفون به في الدنيا حتى أن أحدكم إذا لقي أخاه قبله في موضع النور من جبهته « (الكافي: ج2 ص185. ). وأما مواضع تقبيل ذات المحرم فورد عن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : » إذا قبل أحدكم ذات محرم قد حاضت ، أخته أو عمته أو خالته فليقبل بين عينيها ورأسها وليكف عن خدها وعن فيها « (بحار الأنوار: ج73 ص42 ح43. ). ... يتبع ... |
التحية في الإسـلام
التحية في الإسـلام ( الحلقة السادسة ) أصول التحية وآدابها وقواعدها وهناك أصول وقواعد وآداب للتحية والسلام ينبغي مراعاتها ، ومنها : 4 : تقبيل اليد والقيام للقادم من الأمور المتعلقة بالتحية تقبيل اليد والقيام للقادم ، وقد اختلف في تفسير الروايات الواردة فيها ، فأما عن تقبيل اليد فقد ورد عن رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « لا يقبل رأس أحد ولا يده إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من أريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) » ( الكافي:ج2 ص185. ). ولا شك أن قولـه (عليه السلام) : « أو من أريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) » : يشمل الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) إذ لا فرق بين الإمام علي (عليه السلام) ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا من جهة الوحي قال تعالى في آية المباهلة : (فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (سورة آل عمران: 61. ) ، وقال عز وجل في آية التطهير : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيــراً) (سورة الأحزاب: 33. ). وكذلك يشمل ذريتهم ، وقد نقل العلامة المجلسي (رحمه الله) عن بعض المحققين قوله : ( لعل المراد بمن أريد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأئمة المعصومون (عليهم السلام) كما يستفاد من الحديث الآتي ويحتمل شمول الحكم العلماء بالله وبأمر الله مع العاملين بعلمهم والهادين للناس ممن وافق قولـه فعله لأن العلماء الحق ورثة الأنبياء (عليهم السلام) فلا يبعد دخولهم فيمن يراد به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) . وهذا الرأي هو الصحيح وينطبق في عصرنا الحاضر على الفقهاء ومراجع التقليد لأنهم نواب الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ولا شك أنهم العلماء بالله وبأمر الله والهادين للناس . فإذا جرت العادة في زمان معين على هذا الأمر وهو تقبيل يد العالم وأريد به احترامه وتقديره وتعظيمه فهي جائزة بل مستحبة وذلك لشمولها بعموم الآية (ذَلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (سورة الحج: 32. ) ، و( ذَلِكَ وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَاتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لّهُ عِندَ رَبّهِ ) (سورة الحج: 30. ). وأما عن القيام فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : « من أحب أن يتمثل له الناس أو الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار » (مستدرك الوسائل: ج9 ص65. ) ، وهذا الحديث ليس فيه شاهد لما نحن فيه وذلك لأمور : 1: المقصود من هذا الحديث هو ما تصنعه الجبابرة من إلزامهم الناس بالقيام في حال قعودهم إلى أن ينقضي مجلسهم ، ولا ينطبق على هذا القيام المتعلق بالتحية المخصوص والقصير زمانه . وإن قيل : إن الحديث يشمل هؤلاء الذين اضطروا للوقوف من قبل الجبابرة وهو نهي لهم عن هذا العمل . قلنا : إن دفع الضرر عن النفس واجب ، فالمتجبر الذي يؤاخذ من لا يقوم لـه بالعقوبة يمكن للشخص القيام ولا حرج عليه في ذلك لأجل دفع الإهانة والأذى عنه . 2: لقد صح أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقوم إجلالاً لفاطمة (ع) ، وقام أيضاً إلى جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) لما قدم من الحبشة وقال للأنصار : قوموا إلى سيدكم ، ونقل أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قام لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحاً بقدومه (راجع مستدرك الوسائل: ج9 ص159 ح10551. ). فعلى هذا يجوز القيام والتعظيم بانحناء قليل وشبهه ، وربما لزم ذلك إذا أدى تركه إلى التباغض والتقاطع أو إهانة المؤمن . وقد نقل أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكره أن يقام لـه . قال أبو عبد الله (عليه السلام) : « إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج ذات يوم من بعض حجراته إذا قوم من أصحابه مجتمعون فلما بصروا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قاموا ، قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اقعدوا ولا تفعلوا كما يفعل الأعاجم تعظيما ولكن اجلسوا وتفسحوا في مجلسكم وتوقروا أجلس إليكم إن شاء الله » (مستدرك الوسائل: ج9 ص65 ح10216. ). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : « لا تقوموا كما يقوم الأعاجم بعضهم لبعض ولا بأس أن يتحلحلَ عن مكانه » (وسائل الشيعة: ج12 ص227 ح16158. ). وهذا محمول على تواضعه (صلى الله عليه وآله وسلم) لله وتخفيفه على أصحابه . ... يتبع ... |
((( الســـــــــلام عليكم ))) سلمت يداك موضوع جدا رائع , ويا ريت تزيدنا بعد
|
التحية في الإسـلام
التحية في الإسـلام ( الحلقة السابعة ) أصول التحية وآدابها وقواعدها وهناك أصول وقواعد وآداب للتحية والسلام ينبغي مراعاتها ، ومنها : 5 : المساواة في التحية ومن آداب التحية ، عدم التمييز في التحية في بعض الموارد كباب القضاء ، قال علي (عليه السلام) في كتابه لمالك الأشتر : « ألِنْ لهم جانبك وآسِ بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية حتى لايطمع العظماء من حيفك ولا ييأس الضعفاء من عدلك » ( تحف العقول: ص176. ). وهذا لا يعني أن تكون المساواة في التحية مطلقاً هي الأصل ، بل هناك موارد ربما يحبذ أن يميز بها لمقام أو لمناسبة أو غيرها من هذه الأمور . 6: عدم خص الظالمين بالتحية ومن آداب التحية وقواعدها ، أن لا يحيي بها الظالمين ، لأن التحية دالة على الأمان والسلام ، والظالم يلزم أن لا يؤمن ، ولذا حينما أدخل مسلم بن عقيل (عليه السلام) وهو أسير على عبيد الله لم يسلّم عليه ، فقال لـه الحرسي : سلم على الأمير ، فقال لـه : اسكت ، ويحك والله ما هو لي بأمير (بحار الأنوار: ج44 ص357. ) . ... يتبع ... |
التحية في الإسـلام ( الحلقة الثامنة ) أنواع التحية واختلاف صيغها تختلف التحية من مورد لآخر حسب المحيا بها ، وعلى سبيل المثال تحية الصحابة للإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لم تقتصر على السلام وإنما كانت تلحق بإمرة المؤمنين ، فعن عمران بن حصين الخزاعي : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر فلاناً وفلاناً أن يسلما على علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين ، فقالا : من الله ومن رسوله ؟ فقال : من الله ومن رسوله ، ثم أمر حذيفة وسلمان فسلما ثم أمر المقداد فسلم ، وأمر بريدة أخي ـ وكان أخاه لأمه ـ فقال : إنكم سألتموني من وليكم بعدي وقد أخبرتكم به وأخذت عليكم الميثاق ، كما أخذ الله تعالى على بني آدم (أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىَ) (سورة الأعراف: 172. ) وأيم الله لئن نقضتموها لتكفرون » (اليقين، السيد ابن طاووس الحسني: ص388. ). ومن ذلك ما ورد في قصة يهودي أتى أبا بكر ثم عمر وسألهما عن أموال أبيه وقد مات ولم يعلمه بها، فأوجع ضرباً ، فأتى علياً (عليه السلام) فسلم عليه بإمرة المؤمنين ، فقيل لِمَ لم تسلم عليهما مثله ؟ فقال : والله ما سميته حتى وجدته في كتب آبائي في التوراة ، ثم سأله عن كنوز أبيه فقال : خذ ألواحاً وصر بها إلى وادي برهوت بحضرموت فإذا وصلت وكان عند الغروب وجدت عند القبور غرابين فاهتف باسم أبيك وقل أنا رسول وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فاسأله واكتب ما يخبرك ، ففعل فوجد كما قال فأخبره بموضع المال فرجع فنبشه وأوقر منه عيراً وأتى به علياً (عليه السلام) وأسلم وأقر لـه بالوصية والإمرة والأخوة (204الصراط المستقيم: ج1 ص106. ). وهناك آداب وسنن لتحية المعصومين (عليهم السلام) والمساجد وهي مذكورة في كتب الأدعية والزيارات ومنها : ما ورد عن عبد الله بن سنان قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : كيف التسليم على أهل القبور ؟ فقال (عليه السلام) : نعم تقول : « السلام على أهل الديار من المسلمين والمؤمنين أنتم لنا فرط ونحن إن شاء الله بكم لاحقون » (الكافي: ج3 ص229. ). ومنها : استحباب صلاة التحية وهي ركعتان عند الضرائح المقدسة والمساجد قبل الجلوس . والمسلم مكلف ـ وهو يناجي ربه في صلاته ـ أن لا ينسى التسليم على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى نفسه وعلى عباد الله الصـالحين . ... يتبع ... |
التحية في الإسـلام ( الحلقة التاسعة) أحكام التحية وهناك بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالتحية ، يستدل عليها بهذه الآية : (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ حَسِيباً) (سورة النساء: 86. ) كوجوب رد المصلي عليها . وهناك تفصيل مذكور في الفقه . ويكره أيضاً استخدام المصطلحات المتعارفة في اللقاء إن لم تتضمن تحية السلام ، فقد ورد عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن جده علي بن الحسين (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) : « أنه كان يكره أن يقول الرجل للرجل حياك الله ثم يسكت حتى يتبعها بالسلام » (الجعفريات: ص174. ). التحية في واقعنا المعاصر كلما تقدم الزمان يزداد تعلق الإنسان بحياته المادية بسبب هذا التطور الهائل الإيجابي والسلبي في آن واحد ، ولاشك أن استخدام المسلمين لكل ما أنتجته الدول الغربية من هذه التكنولوجيا والصناعات المتطورة يجعل حياتهم مادية في بعض الجوانب ، بحيث لا تختلف عن مجتمعات الدول الغربية ، ومن هنا يتطلب من الإنسان المسلم التفكير في سلبيات ما يستخدمه في حياته كي لا تطغى المادية على الجانب الروحي والمعنوي ، ومن أمثلة ذلك ما يسمى بـ (الأنترفون) وهو الجهاز الحاكي الذي يوضع على الباب ، ولا شك أن لـه محسنات وإيجابيات ولكن إلى جانب هذا فيه مساوئ على المعنويات ، فكان في السابق حينما يأتي الضيف ويطرق الباب يخرج إليه صاحب المنزل فيراه ويحيه ويرحب به ويحدثه مشافهة ، أما اليوم فتتم محادثته عبر الجهاز الحاكي فيخسر فيها اللقاء . وإذا لم يحصل بينهما لقاء فلم ينظر الأول في وجه صاحبه ثم لم تحصل بينهما مصافحة ، وبهذا قد حرما الأجر والثواب المترتب على اللقاء والنظر والمصافحة والتقبيل والمعانقة ، فقد جاء في الرواية عن عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( قالا : « أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقه كتب الله لـه بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت لـه درجة فإذا طرق الباب فتحت لـه أبواب السماء فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه ثم باهى بهما الملائكة فيقول : انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا فيّ ، حق عليّ ألا أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف فإذا انصرف شيعه ملائكة عدد نفسه وخطاه كلامه يحفظونه عن بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل فإن مات فيما بينهما أعفي من الحساب ، وإن كان المزور يعرف من حق الزائر ما عرفه الزائر من حق المزور كان لـه مثل أجره » (الكافي: ج2 ص183 ح1. ). والمقصود من (عارفاً بحقه) هو أن يعلم فضله ولزوم إعطاء حقه في الزيارة والرعاية والاحترام والإكرام ، ومعنى (فتح أبواب السماء) إما كناية عن نزول الرحمة عليه أو استجابة دعائه ، والمقصود من (إقباله تعالى عليهما بوجهه) كناية عن غاية رضاه عنهما أو توجيه رحمته البالغة إليهما . وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : « إن المؤمن إذا لقي أخاه وتصافحا لم تزل الذنوب تتحات عنهما ما داما متصافحين كتحات الورق عن الشجر ، فإذا افترقا ، قال ملكاهما : جزاكما الله خيراً عن أنفسكما ، فإن التزم كل واحد منهما صاحبه ناداهما مناد : طوبى لكما وحسن مآب ، وطوبى شجرة في الجنة أصلها في دار أمير المؤمنين (عليه السلام) وفرعها في منازل أهل الجنة ، فإذا افترقا ناداهما ملكان كريمان : أبشراً يا ولي الله بكرامة الله والجنة من ورائكما » (بحار الأنوار: ج73 ص41 ح41. ). وعن رفاعة قال : سمعته (عليه السلام) يقول : « مصافحة المؤمن أفضل من مصافحة الملائكة » (الكافي: ج2 ص183 ح21. ). ومعنى ذلك أن مصافحة المؤمنين أفضل من مصافحة الملكين ، أو مصافحة المؤمن مع المؤمن أفضل من مصافحته مع الملائكة لو تيسرت لـه ، وفي الحديث دلالة على أن المؤمن الكامل أفضل من الملك . ولهذا تجد الظواهر المادية التي يمر بها الإنسان المسلم في حياته قد طغت على سلوكه وتفكيره ومن هنا أصبحت أغلب مجتمعاتنا الإسلامية في سلوكها بهذا المجال لا تختلف عن المجتمعات الغربية ، إذ لا ترى للتحية أثراً في أوساطهم إلا للذي يعرفه ، بل أصبح في بعض الدول الإسلامية أن الذي يسلّم ينظر لـه نظرة سيئة فيعتبر من الذين يطلبون العطاء والصدقة . والحال أنها تعتبر من أهم الروابط الاجتماعية والإيمانية . بل كثيراً ما تسمع الكلام فقط فلا يسبق السلام ولا تتبعه تحية ، والحق أن الذي يبدأ بالكلام ينبغي أن لا يجاب وهذا ما نصت عليه أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) فعن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : « من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه » ( وسائل الشيعة: ج12 ص56 ح15636.). وكانت هذه سيرة الأوائل فلا إجابة لمن يبتدأ بالكلام ولم يسلم ، وهذا ما نراه في رواية جابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله عليه) حيث قال : كنت أنا ومعاوية بن أبي سفيان بالشام ، فبينا نحن ذات يوم إذ نظرنا إلى شيخ وهو مقبل من صدر البرية من ناحية العراق ، فقال معاوية : عرجوا بنا إلى هذا الشيخ لنسأله من أين أقبل وإلى أين يريد ؟ وكان مع معاوية أبو الأعور السلمي وولدا معاوية خالد ويزيد ، وعمرو بن العاص . قال : فعرجنا إليه فقال له معاوية : من أين أقبلت يا شيخ وإلى أين تريد ؟ فلم يجبه الشيخ ، فقال له عمرو بن العاص : لما لا تجيب أمير المؤمنين ؟ فقال الشيخ : إن الله جعل التحية غير هذه ، فقال معاوية : صدقت يا شيخ أصبت وأخطأنا وأحسنت وأسأنا ، السلام عليك يا شيخ ، فقال الشيخ : وعليك السلام ... (بحار الأنوار: ج33 ص247 ح523. ). ... يتبع ... |
الساعة الآن »05:04 PM. |