منتديات موقع الميزان

منتديات موقع الميزان (http://www.mezan.net/vb/index.php)
-   ميزان قضايا الساعة (http://www.mezan.net/vb/forumdisplay.php?f=224)
-   -   عشر سنوات على غياب الرئيس حافظ الأسد (http://www.mezan.net/vb/showthread.php?t=18579)

خادم الزهراء 21-Jun-2010 05:16 PM

عشر سنوات على غياب الرئيس حافظ الأسد
 
شهادة من التاريخ ومن الذاكرة

لؤي توفيق حسن(*)
حافظ الأسد رجل زمانه. بل لعله من الذين صنعوا زمانهم. بقدر ما اجهتدوا في صناعة مستقبلهم. وفقاً للقاعدة الذهبية: "إن لله رجالاً إذا أرادوا أراد".
إذ من كان يتصور أن يخترق الصفوف هذا الشاب الاتي من أعماق الريف في أعالي جبال اللاذقية. المنحدر من أسرة فقيرة... من كان يتصور أن يصبح رئيساً لبلاده. وليس كأي رئيسٍ مرَّ في تاريخها؟.


أو من كان يظن بأن الضابط المُسرح حافظ الأسد والمحكوم بالسجن أعقاب "ثورة حلب" ضد الانفصال عام 1962 سيصبح هو فيما بعد شراع السفينة وربانها.
وهل من كان يتخيل بأن هذا الطيار قائد قاعدة الضمير عقب الثامن من آذار. سيحلق بعد سنوات بسوريا فتصبح به ومعه الرقم الصعب في المنطقة وليدخل بعدها التاريخ من أوسع أبوابه واحداً من عظماء امتنا العربية.
قبل حافظ الأسد لم تكن سوريا هي التي تصنع سياسة المنطقة. فجاء الصراع عليها بالنظر لموقفها الجيواستراتيجي وحسب. وعلى قاعدة: "إن من يقود الشرق الأوسط لا بد له من السيطرة على سوريا".
أما مع حافظ الأسد فقد بات لأول مرة الصراع هو مع سوريا بالذات. بوصفها قطب الرحى في صناعة سياسة المنطقة. والرقم الصعب الذي يستحيل تجاوزه.
I- حركة التصحيح
لقد جاءت الوقائع لتثبيت بأن "حركة التصحيح" التي قادها الأسد لا تقع في خانة (الانقلابات العسكرية) التي شهدتها سوريا على مدى عقدين من الزمن تقريباً. فهذه الحركة لم تأت وحسب تلبية لنبض الشارع. بل نستطيع القول بأنه لولاها لاضحى ما جرى في آذار/ مارس عام 1963 واحداً من الانقلابات العسكرية التي شهدتها سوريا لا أكثر.
فلقد أعادت هذه "الحركة التصحيحية" لثورة 8 آذار شرعيتها الثورية. وتحديدا فيما انتظرته الجماهير منها: الوحدة. وبناء المجتع الاشتراكي. وبالفعل فقد نقل حافظ الأسد "الوحده" من شعار إلى واقع ملموس حين بادر ساعياً إليها فكانت ثمرة جهده: "اتحاد الجمهوريات العربية" الذي ضم مصر وليبيا إلى جانب سوريا.
لم يكن هذا الاتحاد مجرد شكل وحسب. وإنما تكوين حقيقي حي. له مضامينه من مؤسسات دستورية، وأخرى اقتصادية. ما زال بعضها القليل مستمر حتى الآن. بالرغم من انفراط عقده بعد زيارة السادات إلى القدس.
ونذكر أنه في إطار هذا الاتحاد جرى الاستعداد لحرب تشرين / أكتوبر التحريرية. وتحت راية علمه خاض الجيشين المصري والسوري معاركهم المشرفة ليزرعوه على الضفة الشرقية لقناة السويس، وعلى قمة جبل الشيخ.


لقد أراد الأسد بهذا الاتحاد دفن جريمة الانفصال في 28 أيلول/ سبتمبر 1961, وليجعل منه نواةً حقيقية لارساء وحدة عربية. لكن السادات أراده مجرد وسيلة لربط سوريا بخطة الاستسلامي كما تبين فيما بعد. وذلك عندما جاء إليها ليقنع رئيسها بالانضمام إلى ما اسماه "مسيرة السلام!" . وهذا قبيل زيارته المشؤومة إلى القدس.
وعندما ارتفع علم "اتحاد الجمهوريات العربية" في مطار بن غوربون . أبت دمشق أن تحتضنه . فعادت ليس إلى علمها الأسبق بعيد الاستقلال – بنجومه الثلاث الحمراء – وإنما إلى راية الوحدة.. علم "الجمهورية العربية المتحدة" بنجمتيه الخضراوتين رمزاً للإقليمين الشمالي والجنوبي. وفي إشارتين لا تخفى دلالاتهما: الأولى أن الانفصال لم يكن خياراً سورياً كما يزعم المتآمرين أو الحاقدين من مزوري التاريخ.والثانية ان الأجدر بحمل راية الحرية والعزة القومية وراية عبد الناصر هو حافظ الأسد بالذات.
أما الشق الثاني أي بناء المجتمع الاشتراكي. فحسب الانجازات تتكلم عنه في كل ميدان من ميادين العمل والحياة. ولولا هذا القطاع العام الذي شيّده حافظ الأسد لما أمكن لسوريا الصمود في وجه الحصار الاقتصادي الذي فرضه الغرب عليها. ولما أمكن تحقيق الأمن الغذائي المحصن بآليات اقتصادية يستحيل معها على القطاع الخاص السيطرة على مفاصل السوق. هذا من دون موقف عدائي حيال هذا الأخير يلغي إمكانية مشاركته في بناء الاقتصاد الوطني.
II- الأسد والرئاسة
بعد انسحاب مصر من ساحة الصراع وما تسببه من خلل في موازين القوى سارع حافظ الأسد لتعويضه ساعياً للوحده بين سوريا والعراق. متجاوزاً ما كان من خلافات فرقت بين البعث هنا,وهناك. وبالفعل فقد عقد عام 1979 مع العراق ما عُرف بـ "ميثاق العمل القومي" كمقدمة لوحدة القطرين. وقد جرى البحث في كل تفاصيلها. ومنها توزع المهمات وفيه تنازل الأسد عن رئاسة جمهورية دولة الوحدة إلى الرئيس العراقي أحمد حسن البكر. مسألة لا يقدم عليها إلا الكبار الكبارالذين لا يرون في المناصب غايةً بقدر ما هي وسيلة لخدمة أهداف الأمة.


كان يمكن لهذه الوحدة لو أبصرت النور أن تغير على المدى المتوسط خريطة المنطقة فضلاً عن مسار الأحداث بحيث كان من المستحيل معها أن نرى العراق محتلاً، والقدس تتهود. والضفة مرتعاً للاستيطان الصهيوني، وغزة محاصرة. لكن الأيام أثبتت فيما بعد أن أصابع الغرب كانت في قلب عملية إجهاض الوحدة السورية – العراقية. مستغلة حماقة صدام حسين. فجرى الاطاحة بالبكر ثم لتكتمل بعدها حلقات المؤامرة بتحويل وجهة الجيش العراقي من الغرب حيث فلسطين ليتجه نحو الشرق في حربٍ مع الثورة الإسلامية الإيرانية!!.
III- استراتيجي بارع
كان حافظ الأسد يتحلى بثلاثة مزايا جوهرية جعلته استراتيجياً من طراز رفيع.
موهبته الاستشرافية في قراءة التحولات. ظهر هذا – كمثال – في إدراكه قبل سنوات بأن مسار الأحداث – سيؤل إلى إنهيار "الإتحاد السوفيتي" ومعه "حلف وارسو". وقد ألمح إلى ذلك بعد زيارته عام 85 إلى موسكو في خطاب القاه مشيراً إلى أن العالم قادم على "زلزال كبير ...". أما الكثيرون فلم يفهموا آنذاك المقصود من هذا.
قدرته على مراكمة عناصر القوة. تجلى هذا في تحالفه مع الثورة الإيرانية. وفي فتح الطريق باتجاه الحوار مع تركيا ومن موقع القوي الممسك بالأوراق. نعم هذه حقيقة لا يعرف دقائقها إلا المطلع على الملف التركي.
براعته في تحويل الخسارة إلى انتصار بدا ذلك في حدِّه من تداعيات اتفاقيات "كمب ديفيد" وبدا أكثر وضوحاً بعد اجتياح اسرائيل للبنان عام 1982 الذي انقلب إلى هزيمة موصوفة لها بعد 18 سنة. وفي إشارة واضحة لظهور حقائق جديدة صنعها صبر الأسد وشجاعته بحيث لم تعد معها نظرية كسنجر واقعية: "لا حرب بلا مصر ولا سلام بغير سوريا". ليصبح البديل : (لا سلام بغير سوريا ... والحرب بلا مصر). وهي حقيقة تزداد رسوخاً يوماً بعد يوم.
وبقدر ما كان الرجل بارعاً في الستراتيجيا. فإنه كان بالقدر ذاته على المستوى التكتيكي. يعرف كيف يوظفه لبلوغ الأهداف. أو التخفيف من الخسائر بحدٍ أدنى. وهذا ما فعله بالضبط خلال أزمة الخليج الأولى. أما إذا اضطر فإنه لن يتوان عن مواجهة العواصف كتلك التي هبت عليه أثر وقوفه في وجه اتفاقيات كمب ديفيد. بعضها جاء من الداخل كما نعرف. والبعض من الخارج. وكان الأسد حيالها كما وصفه الجواهري:
يا رابطَ الجأش يا ثبتاً بمستعرٍ تآخيا في شبوبٍ منه والتصق
IV – رؤيته الثاقبة


كان من الطبيعي أن تترافق مع تلك المزايا الفذة للرجل رؤيته الثاقبة على الفصل بين ما هو هامشي وما هو موضوعي. تبدا ذلك في إدراكه لفداحة الأخطار التي ارتكبها البعض بعد الثامن من آذار في تغليبهم للخلاف الذي وقع بين البعثيين والناصرين على جذر القضية التي تجمعهما. وجعلتهما في سفينة واحدة. يستهدفها العدو الواحد للمشروع القومي العربي. وانطلاقاً من هذا الوعي بادر الأسد عند إمساكه بزمام السلطة إلى دعوة اللاجئين إلى مصر من السورين الناصرين للعودة إلى حضن وطنهم. وكانت عودةً كريمة. فتح فيها الاسد قلبه لهم وأحاطهم برعايته. ومن هؤلاء أَبي بالذات.
V – الجانب الإنساني
أما الجانب الإنساني من شخصية الأسد وسجاياها فاروي فيها قصتين عشتهما وكنت شاهداً عليهما لأنهما تتصلان بوالدي بالذات. الأولى تدل على وفاء الأسد لعلاقاته القديمة مع كل من عرفهم. وكان والدي واحداً منهم حيث جمعتهما "ثورة حلب" ضد الانفصال – (نيسان 1962) - . وشاءت الصدفة أن يُحالا إلى المحكمة التي عقدها الانفصاليون بقرار اتهامي واحدٍ لكونهما من عداد المدنين حيث الأسد يومها ضابطاً مُسرحاً. فيما والدي مديراً لإذاعة حلب. وعملياً والمدني الوحيد المشارك في الثورة. فكان نصيبه الإعدام لولم تنقذه العناية الآلهية ويفرُّ إلى لبنان ومنه إلى مصر.
بالرغم من مضي سنوات وتغير الأحوال بقى الأسد يتذكر هذا ويبعث للوالد بتحياته مع العديدين وبعضهم ما زال حيّاً يرزق. وعلى خلفية هذه الرعاية، عاد الوالد ليكتب البرامج والتعليقات السياسية ويقدمها من إذاعة دمشق. وكانت غير خاضعة للرقابة. إلاّ أن غياب الرقابة هذا أوجد مفارقة طريفة. وهي ما كانت لتكون بهذا الوصف مع رجلٍ آخر غير حافظ الأسد الذي كان رحباً رحابةً واسعةً لا تأتي إلا من الكبار.
جاء ذلك في برنامج "وراء العدو". والزمن يوم الإعلان عن توقيع اتفاقية فصل القوات بين مصر واسرائيل. على إثر هذا أُعلن في دمشق عن اجتماع للجبهة الوطنية التقدمية للتداول في شأن الاتفاقية المذكورة. وموعده في اليوم التالي. غير أن الوالد بادر إلى مهاجمة الاتفاقية في برنامجه المذكور، دون أن ينتظر القرار السياسي الرسمي يقيناً منه بأن ما سيقوله ينسجم مع نَفَسْ سوريا السياسي. لكن الأمر يظل من الوجهة المهنية خطأ كبير. حتى إذا جاء اليوم التالي وصدرت الصحف اللبنانية حاملةً الخبر وإحداها بالمانشيت العريض: "راديو دمشق يهاجم اتفاقية فصل القوات". اتصل الأسد بالمرحوم أحمد اسكندر وزير الإعلام الأسبق مستفهماً عن صحة ما نشر. فقام هذا بتحري الأمر.


يقول وهو يروي القصة. كاد قلبي أن يتوقف وأنا أتحدث إلى الرئيس وقلت له: "سيدي.. نعم الخبر صحيح. وقد جاء في برنامج توفيق حسن". فطلب الأسد منه أن يقرأ الفقرة ذات الصلة بالموضوع. وما أن أنتهى منها الوزير اسكندر حتى ضحك الرئيس ضحكة مسموعة ثم قال: "سبقنا توفيق وسرق الكاميرا منا . على كل حال بلغه تحياتي".
هذه سجايا لا يختص بها إلا العظماء، الذين يعرفون حق الرجال، ويعرفون فنّ قيادتهم حتى سيّرتهم الأقدار للزعامة. بل وصناعة التاريخ.
لقد تمثل الأسد في علاقاته الإنسانية قول الرسول (ص): "إن الله ليسأل عن صحبة ساعة". وعليه فإنه بقدر ما كان وفياً للمخلصين له فإنه كان يترفق إذا ما لجأ إلى عزل أحدهم جراء خطأ ارتكبه بحقه. حريصاً على إبقاء كرامته عزيزة الجانب.
عندما نذكر حافظ الأسد يتبادر إلى وعينا دائماً قول المتنبي:
وأشرفُ أهل الأرض من جَلَّ غايةً وذاك الذي يجتاح هول المشاكلِ

المصدر جريدة الإنتقاد : http://www.alintiqad.com/essaydetail...d=33832&cid=76


الساعة الآن »12:26 PM.

المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc