![]() |
الطفلة والشيخ (في ذكرى رحيل المرجع المقدس الميرزا التبريزي) .
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ++++++++++++++++++++++++++++ دخل الشيخ الثمانيني مع جمهرة من أتباعه ومحبيه إلى الفضاء الطاهر ، يحمل منديله القماشي ، وتربع على الأرض ، يستمع إلى مجلس العزاء . كان متعباً عوارض السقم بادية على وجهه ، وكذلك على مشيته البطيئة ، ورغم الازدحام وتهافت المحبين عليه ، كان وجهه ينم على شرود غريب ، يحسبه الناظر شروداً ، وكنت وأنا أتفرس في قسماته المتغضنة أتوقعه أنه إبحار وتحليق ، نأى بهذا الشيخ الجليل عن كل الضجيج والضوضاء المحيط بزيارته الفريدة . وعندما بدأ مجلس العزاء انهمرت دموع الشيخ وكأن شيئاً أعاده إلينا ، أو ذهب به إلى مطرح آخر من مطارح الملكوت . وكفكف الشيخ دموعه بمنديله ، لكن منديله لم يعد يقوى على ذلك فترك دموعه مرسلة . كان يبكي بكاء الطفل الصغير الفاقد لأمه ، بكاء الغريب الباحث عن حنان أهله ، بكاء العليل المتحرق للشفاء . وانتهى المجلس وقام الشيخ إلى الضريح وتمسك بالشباك ، وبكى وبكى وبكى . ثم التفت إلى الحاضرين وهو يشير إلى الضريح ويتمتم كلمات أضعفها المرض والبكاء : لكننا فهمنا منها أن هذه الطفلة المتوسدة في هذا القبر عظيمة عظيمة جداً تحدث عنها كلمات عديدة لم تصلنا منها لخفوت صوته سوى : طفلة مظلومة ، طفلة شهيدة ، طفلة عظيمة ، كان يناجيها وكأنها أمه الحنون ، ويناديها وكأنها والدته الرؤوم ، لم يكن شيخاً يحادث طفلة لم تتم الأربعة من سني عمرها ، بل طفلاً صغيراً يناغي سيدة جليلة . رحل الميرزا جواد التبريزي من أمام أعيننا وهو يودع سيدته الكبيرة ، السيدة رقية بنت الإمام الحسين (ع) ، غادرنا في زيارته الوحيدة ، ثم غادر الكون إلى الباري عز وجلَّ ، ولم يزل في خاطري صورة الطفل الباكي وهو يستصرخ سيدته المبجلة . علمنا الشيخ الجليل أن القدر ليس بالسنين فأين الثمانين من الأربعة ، لكن لدى أهل البيت كلنا أطفال صغار وعيال وايتام ، وكلهم صلوات الله عليهم وحتى صغارهم قامات شاهقة من الصعب علينا أن ندرك كنهها ، وما علينا إلا أن نستصغر أنفسنا أمامهم علنا نتنسم شيئاً من عبيرهم الطاهر ، وشذاهم السماوي الرباني . فسلام الله على مولاتنا السيدة رقية (ع) . وسلام الله على الشيخ الجليل الميرزا جواد التبريزي أعلى الله مقامه . ==================== صفوان لبيب بيضون في الذكرى الرابعة لرحيل المرجع آية الله العظمى الميرزا التبريزي قدس سره . |
الساعة الآن »09:07 PM. |