![]() |
لما قترن اسم المعصومة باسم فاطمة
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن أعدائهم .
لما قترن اسم المعصومة باسم فاطمة ويقترن هذا الاسم باسم فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام)، فيقال في الأعم الأغلب: فاطمة المعصومة، كما يقال عند ذكر أمّها الكبرى: فاطمة الزهراء (عليها السلام). وقد ورد هذا الاسم في رواية عن الرضا (عليه السلام) حيث قال: من زار المعصومة بقم كمن زارني. ولهذه التسمية من الدلالة ما لا يخفى، فإنها تدلّ على أنّ السيدة فاطمة (عليها السلام) قد بلغت من الكمال والنزاهة والفضل مرتبة شامخة حيث سمّاها الإمام (عليه السلام) بالمعصومة، والعصمة تعني الحفظ والوقاية، والمعصوم هو الممتنع عن جميع محارم الله تعالى، وهي لا تنافي الاختيار، فتكون مرتبة من الكمال لا تهمّ النفس معها بارتكاب المعصية فضلاً عن الإتيان بها مع القدرة عليها عمداً أو سهواً أو نسياناً، ولا يكون معها إخلال بواجب من الواجبات، بل ولا مخالفة الأولى كما في بعض المعصومين (عليهم السلام)، وليست هي أمراً ظاهراً وإنّما هي حالة خفيّة من حالات النفس، ويستدلّ عليها بالنص أو القرائن القطعية الدالّة على ثبوتها، كما أنّها أمر مشكك، أي ذات مراتب تتفاوت فيها القابليات والاستعدادات من شخص إلى آخر. وقد اتفقت كلمة الشيعة الإمامية على عصمة الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) والملائكة وبعض الأولياء، وأن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة الاثني عشر والصدّيقة الزهراء (عليها السلام) في أرقى درجات العصمة، فإنّهم بلغوا من العصمة مقاماً لا تصدر منهم معصية، ولا يتركون واجباً، ولا يبدر منهم ما كان على خلاف الأولى، وبذلك نطقت الأدلّة وقامت البراهين العقلية والنقلية كما هي مبثوثة في كتب الشيعة الإمامية الكلامية. ويتلوهم الأمثل فالأمثل بمقتضى تفاوت المراتب والمقامات. وعلى هذا فلا يبعد القول بأن السيدة فاطمة هي إحدى المعصومات وإن لم تبلغ درجة الصديقة الزهراء (عليها السلام)، أو أحد الأئمة (عليهم السلام). وقد ذكر بعض الباحثين عدّة قرائن تدلّ على ذلك ومنها: أولاً: ما ورد في الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) من أنّه قال: من زار المعصومة بقم كان كمن زارني. ومن المعلوم أن الإمام (عليه السلام) لا يلقي الكلام جزافاً، ولا يمكن أن تصدر منه مبالغة في القول في حق شخص من الأشخاص على خلاف الحقّ. ولم يكن اسم المعصومة يطلق على السيدة فاطمة في حياتها ليكون التعبير بالمعصومة عنواناً مشيراً، بل إن هذا التعبير منه (عليه السلام) صدر عنه بعد وفاتها (عليها السلام) وهو يدلّ على إثبات العصمة لهذه السيدة الجليلة لأنه بناء على أساس القاعدة المعروفة من أن تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعليّة، يصبح معنى الحديث هكذا: من زار المعصومة بقم كان كمن زارني لأنها معصومة. فإذا ثبت أن هذا الحديث صادر عنه (عليه السلام) فلا إشكال في دلالته على عصمتها (عليها السلام). وثانياً: بما ورد من الأحاديث الصحيحة المستفيضة الواردة في وجوب الجنّة لمن زار قبر هذه السيدة الجليلة. وإن كان لا ملازمة بين العصمة ووجوب الجنّة، ولكن لم يعهد في شأن غير المعصوم ذلك، حتى أن ثلاثة من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) يؤكدون على زيارتها. وسيأتي الحديث عن ذلك. وثالثاً: بشفاعتها الشاملة لجميع شيعة أهل البيت (عليهم السلام) .نعم ذكرت الشفاعة في شأن العالم والشهيد ونحوهما، ولكن لم يرد شمول الشفاعة وسعتها بحيث تشمل الجميع إلا في حقها وحق آبائها المعصومين، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم. رابعاً: الروايات المتواترة الواردة في فضل قم وقداسة أرضها ببركة قدوم هذه السيدة الجليلة، ولم يرد في شأن مدينة أخرى كما ورد في شأن مدينة قم، ومن الطبيعي أن قداسة هذه المدينة إنّما هي من أجل هذه السيدة الجليلة. خامساً: التعبير عن قم بأنّها حرم أهل البيت، وعش آل محمد (صلّى الله عليه وآله)، وغيرها من التعابير العالية التي لم يرد لها مثيل إلا في مواطن ومشاهد الأئمة. سادساً: الكرامات الباهرة لهذه السيدة الجليلة التي كانت ترى على مرّ القرون والأزمان، ولم يكن لأحد من أولاد الأئمة ذلك، إلا ما كان من أبي الفضل العباس (عليه السلام) الذي يقال بعصمته أيضاً. سابعاً: التعبيرات العالية الواردة، في زيارتها مثل: (فإن لك عند الله شأناً من الشأن) وحيث أن هذه الزيارة مرويّة عن الإمام الرضا (عليه السلام)، فإنّ هذه التعبيرات العالية الشأن لا تتناسب مع غير المعصوم. ثامناً: إخبار الإمام الصادق (عليه السلام) عن تشرّف هذه البقعة ـ مدينة قم ـ ببضعة من ولده موسى (عليه السلام)، وكان إخباره بذلك قبل ولادة موسى بن جعفر (عليهما السلام)، وهو يدلّ على مقامها العظيم، ومع هذا يؤكّد (عليه السلام) على أن جميع الشيعة يدخلون الجنة بشفاعتها، وذلك علامة على جلالة قدرها، الأمر الذي لم نقف عليه في شأن غير المعصوم. وعاشراً: مجيء الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام) لتجهيز ودفن هذه السيدة الجليلة دليل واضح على عصمتها، وذلك لأنّ من معتقدات الشيعة أن جنازة المعصوم لا يتولّى دفنها إلا المعصوم، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذي تولّى تجهيز فاطمة (عليها السلام) مع حضور أسماء، حتى أن الإمام الصادق (عليه السلام) رأى أن ذلك ثقل على المفضّل ـ الذي كان يحدّثه ـ فقال له (عليه السلام): لا تضيقنّ فإنّها صدّيقة، ولم يكن يغسلها إلا صدّيق، أما علمت أن مريم لم يغسّلها إلا عيسى. فقد ورد في أحكام غسل الميت أن الزوج أحق بتغسيل زوجته، وإن وجد المماثل، وأمّا الولد فلا يمكنه أن يغسل أمّه في حال الاختيار مع وجود المماثل، ولكن لما كانت مريم (عليها السلام) معصومة فلم يكن مناص إلا أن يتولى ولدها عيسى (عليه السلام) تغسيلها. ومن قوله (عليه السلام): (صديقة) يستفاد عصمة مريم (عليها السلام)، وقد ورد في القرى، الكريم التعبير عنه بذلك، وهكذا تولّى الإمام الرضا (عليه السلام) تغسيل أبيه، كما أن الإمام الجواد (عليه السلام) جاء من المدينة إلى خراسان، والإمام الهادي جاء من المدينة إلى بغداد، ومن قبلهما جاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) من السجن لتجهيز والده في كربلاء. والملفت للنظر أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) لما أراد أن يدفن أباه الحسين (عليه السلام)، وعلي الأكبر (عليه السلام)، وأبا الفضل العباس (عليه السلام)، لم يطلب العون من بني أسد، بل قام بذلك بنفسه، ولكن لمّا أراد أن يدفن الشهداء طلب منهم أن يحفروا حفرتين وأمرهم بدفن شهداء بني هاشم في واحدة، ودفن سائر الشهداء في الأخرى. وهذا بنفسه علامة على عصمة علي الأكبر وأبي الفضل العباس. وهكذا في تجهيز السيدة فاطمة، فإنّ حضور الإمامين الرضا والجواد (عليهما السلام) له معنى كبير، وهو شاهد حيّ على عصمة هذه السيدة الجليلة. فمع الالتفات إلى هذه الأمور فإذا ادّعى شخص أن السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) نالت مرتبة من العصمة فليس فيه انحراف في القول أو مجازفة في المقال، نعم هذه المرتبة من العصمة دون مرتبة المعصومين الأربعة عشر (عليهم السلام)، فإن أولي العزم من الأنبياء لم يبلغوا تلك المرتبة. وهناك تفاوت آخر، وهو أن العصمة في الأنبياء والأئمة أمر لازم لابدّ منه، وأمّا العصمة في هذه الشخصيات العالية فليست بلازمة. ولئن لم تكن معصومة بالمعنى الخاص للعصمة الخاصّة بالأئمة (عليهم السلام) والصديقة الزهراء (عليها السلام) إلا أن في التعبير عنها بالمعصومة إشعاراً ببلوغها مرتبة عالية من الطهارة والعفة والنزاهة والقداسة، ولا غرو فإنها تنحدر من بيت العصمة وتربّت على يد المعصوم، وكانت ابنة معصوم وأخت معصوم وعمّة معصوم. |
الساعة الآن »12:56 PM. |