![]() |
الامام السجاد ( ع ) نور مشرق في جبين الاسلام
الامام السجاد ( ع ) نور مشرق في جبين الاسلام
كنيته ، أبو محمد، ويكنّى بأبي الحسن أيضاً ، وبأبي القاسم . ولقبه : سيّد العابدين ، وزين العابدين ، والسجّاد ، وذو الثفنات ، وإنّما لقب بذلك لأنّ مواضع السجود منه كانت كثفنة البعير من كثرة سجوده عليه السلام . ولد صلوات الله عليه بالمدينة يوم الجمعة - ويقال : يوم الخميس - في النصف من جمادى الآخرة ، وقيل : لتسع خلون من شعبان سنة ثمان وثلاثين من الهجرة وقيل : سنة ستّ وثلاثين ، وقيل : سنة سبع وثلاثين واسم اُمّه شاه زنان ، وقيل : شهربانويه ، وكان أميرالمؤمنين عليهالسلام ولّى حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق فبعث إليه ببنتي يزدجرد ابن شهريار، فنحل ابنه الحسين عليه السلام إحداهما فأولدها زين العابدين عليه السلام ، ونحل الاُخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمد ابن أبي بكر، فهما ابنا خالة . وتوفّي عليه السلام يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرّم سنة خمس وتسعين من الهجرة، ودفن بالبقيع مع عمّه الحسن عليهما السلام . وكانت مدّة إمامته بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة ، وكان في أيّام إمامته بقيّة ملك يزيد بن معاوية، وملك معاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان ، وتوفّي عليه السلام في ملك الوليد بن عبدالملك . النص على إمامته: يعتبر النص على الإمام ضرورياً عند الشيعة الإمامية في تعيين الإمام، ونفي الريب عنه، وقد تواترت النصوص على إمامة الإمام زين العابدين (عليه السلام)، ونشير إلى بعضها: 1- إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) عين أوصياءه وخلفاءه الاثني عشر من بعده، وصرح بأسمائهم، ومنهم الإمام زين العابدين (عليه السلام) وقد تضافرت النصوص بذلك. منها ما رواه أبو خالد الكابلي عن علي بن الحسين أن أباه الحسين قال له: دخلت على رسول الله(صلى الله عليه وآله) فرايته مفكرا فقلت له: مالي أراك مفكرا؟ قال: إن الأمين جبرائيل أتاني وقال: العلي الأعلى يقرئك السلام ويقول قد قضت نبوتك واستكملت أيامك فاجعل الاسم الأعظم وآثار النبوة عند علي بن أبي طالب فإني لا اترك الأرض إلا وفيها عالم يعرف به طاعتي وولايتي وإني لم اقطع علم النبوة من الغيب من ذريتك كما لم اقطعها من ذريات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم ثم ذكر أسماء الأئمة القائمين بالأمر بعد علي بن أبي طالب وهم: الحسن والحسين أولهم ابنه علي وآخرهم الحجة بن الحسن. 2- إن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد نص على إمامة حفيده زين العابدين وذلك حينما حضرته الوفاة فقد أوصى إلى ابنه الزكي الإمام الحسن (عليه السلام) وعينه من بعده ودفع إليه مواريث الأنبياء، وأشهد على ذلك ولده الإمام الحسين ومحمد بن الحنفية وجميع أولاده ورؤساء شيعته وقال للحسين: إنك القائم بعد أخيك الحسن، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرك أن تدفع المواريث من بعدك إلى ولدك زين العابدين فإنه الحجة من بعدك، ثم أخذ بيد زين العابدين وكان طفلاً وقال له: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمرك أن توصي بالإمامة من بعدك إلى ولدك محمد الباقر واقرأه من رسول الله ومني السلام). 3- ونص الإمام الحسين على إمامة ولده زين العابدين (عليه السلام)، وعهد إليه بالإمامة من بعده، فقد روى الزهري قال: كنت عند الحسين بن علي إذ دخل علي بن الحسين الأًصغر - يعني زين العابدين - فدعاه الحسين وضمه إليه ضماً، وقبل ما بين عينيه، والتفت الزهري إلى الإمام الحسين فقال له: (يا ابن رسول الله إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فإلى من؟..). فقال الحسين: (علي ابني هذا هو الإمام أبو الأئمة..). ملامح عصر الامام السجاد ع: عاش الإمام زين العابدين(عليه السلام) أقسى فترة من الفترات التي مرّت على القادة من أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، لأنّه عاصر قمّة الإنحراف الذي بدأ بعد وفاة الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله). وذلك أنّ الانحراف في زمن الإمام زين العابدين(عليه السلام) قد أخذ شكلاً صريحاً، لا على مستوى المضمون فقط بل على مستوى الشعارات المطروحة أيضاً من قبل الحكّام في مجال العمل والتنفيذ، وانكشف واقع الحكّام لدى الجماهير المسلمة بعد مقتل الإمام الحسين(عليه السلام) ولم يبق ما يستر عورة حكمهم أمام الاُمّة التي خبرت واقعهم وحقيقتهم المزرية. وقد عاصر الإمام(عليه السلام) كلّ المحن والبلايا التي وقعت أيّام جدّه أمير المؤمنين علىّ(عليه السلام) إذ ولد قبل استشهاد الإمام علىّ(عليه السلام) وتفتحت عيناه وجَدّه(عليه السلام) في محنته في خط الجهاد مع الناكثين والقاسطين والمارقين، ومن ثمّ عاش مع عمّه الإمام الحسن(عليه السلام) في محنته مع معاوية وعُمّالهِ وعملائه، ومع أبيه الحسين(عليه السلام) وهو في محنته الفاجعة إلى أن استقلّ بالمحنة وجهاً لوجه، وقد وصلت به المحنة ذروتها عندما رأى جيوش بني اُميّة تدخل مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله) في المدينة وتربط خيولها في المسجد، هذا المسجد الذي كان منطلقاً للرسالة وأفكارها إلى العالم أجمع، وقد أصاب هذا المسجد في عهد الإمام زين العابدين(عليه السلام) كثير من الذلّ والهوان على يد الجيش الاُموي الذي أباح المدينة والمسجد معاً، وهتك حرمات النبىّ(صلى الله عليه وآله) فيهما جميعاً. وكان القتل هو أبسط الوسائل التي استعملت في ذلك العصر مع المعارضين، إذ كان التمثيل الانتقامي والصلب على الأشجار وتقطيع الأيدي والأرجل وألوان العقاب البدني لغة الحديث اليومي. وانغمس الاُمويون في الترف، وقد ذكر المؤرّخون نوادر كثيرة من ترفهم وتلاعبهم باقتصاد الاُمّة وثرواتها حتى بالغوا في هباتهم للشعراء وأجزلوا العطاء للمغنّين وسادت حياة اللهو والعبث والمجون في كثير من أنحاء العالم الإسلامي وخصوصاً في مكّة والمدينة، وعمدت السلطات الاُموية إلى إشاعة ذلك فيهما لإسقاط هيبتهما من نفوس المسلمين. لقد شاع الغناء في مدينة الرسول(صلى الله عليه وآله) بشكل يندى له جبين الإنسان المؤمن بالله وبرسوله، حتى صارت مركزاً له. قال أبو الفرج: إنّ الغناء في المدينة لا يُنكره عالمهم، ولا يدفعه عابدهم. أمّا الحياة العلمية في عصر الإمام زين العابدين(عليه السلام) فقد كانت مشلولةً بما حوته هذه الكلمة من معنى، إذ كان الخط السياسي الذي سارت عليه الدولة الاُموية منذ تأسيسها يرتكز على مجافاة العلم، وإقصاء الوعي والثقافة من حياة المسلمين، وجرّهم الى منحدر سحيق من الجهل; لأنّ بلورة الوعي العام وإشاعة العلم بين المسلمين كان يهدّد مصالحهم ودوام ملكهم القائم على استغلال الجهل والغفلة التي روّج لها من تقمّص الخلافة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله). لقد كان واضحاً في عصر الإمام السجاد (عليه السلام) مدى الخطورة والانهيار الذي بدأ يدبّ في أوصال الأمة المسلمة في كيانها ووجودها الاجتماعي، وذلك إثر الهجوم الواسع النطاق الذي أخذ (المفسدون) والطواغيت على عاتقهم القيام به. فقد بدأ هؤلاء يشيعون ويروجون الأفكار الهدامة، ويشجعون ألوان المجون والتحلل الأخلاقي، ويخترعون كلّ وسيلة لتدمير وتفكيك البنى الاجتماعية والأسريّة. يدلنا على ذلك، ويشهد عليه ما نقله أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني، وما أورده المسعودي في مروج الذهب، وكذلك كانت عمليات (الإفساد الرسمي) والحفلات الماجنة، وانتهاك الحرمات نهاراً جهاراً، ممّا ينبئ بعملية (إفساد منظّم) تقف وراءها مؤسسات الدولة. إن من يطّلع على مثل تلك الصور والأرقام يدرك ما كان يجري من (فسادٍ وإفساد) وعلى مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والأخلاقية. و إزاء ذلك ماذا يمكن أن يفعل (المرجع القائد) الإمام السجاد (عليه السلام) في وضع كانت السلطة ترصد فيه أية حركة أو تحرك؟ وكيف يستطيع أن يقوم بدوره بصفته (إمام الأمة)، والمسؤول الأول عن حماية الشريعة وأمن المجتمع المسلم؟ وقد فرضت عليه العزلة التامة، وأحيط بأجواء تحصى فيه الأنفاس، ويضطهد فيها الناس، ويؤخذون بالظنة والتهمة كما شدّ الرقباء، وراحت عيونهم تبحث عن كل من يتصل بالإمام (عليه السلام) من قريب أو بعيد. إن الوعي العميق بمثل هذه الظروف من جهة وبأهمية القيام بدورٍ شجاع وفاعلٍ وحتمية النهوض بمبادرة خلاقة، فضلاً عن (المسؤولية الرسالية)، كل ذلك دفع الإمام السجاد (عليه السلام) إلى التحرك الجاد والمناسب فشهر (سلاح الدعاء) في وجه الخصوم والأعداء ليكون بادئ ذي بدء (المصل المضاد) والتحصين الضروري، ولإنقاد ما يمكن إنقاذه، ثم لينطلق منه وبه لشنّ (الهجوم المضاد) ولقد كان هذا الاختيار موفقاً جداً. إن الإمام السجاد (عليه السلام) ينطلق في ذلك من وعي تام بأن التوعية الفكرية تبقى (باردة)، ولا تؤدي إلى (تفعيل) الحياة الثقافية والسياسية للأمة، وتحصين المسلمين ضد عوامل الهدم الفكري، والإفساد السياسي والأخلاقي. نعم إن التوعية الفكرية وحدها ما لم تمتزج بالنداوة الروحية وتنفعل بالحرارة العاطفية لا تثمر الثمرة المرجوة. ومن هنا رأى الإمام السجاد (عليه السلام) أن يتلقى المسلم التوعية الفكرية من خلال (المناجاة)، حيث يكون وجدان المسلم عادةً في (سخونة كافية) فتكون قادرة حينئذ على أن تأخذ مداها الكامل، وتترسخ في أعماق النفس وتستقر في صفحة الذهن. إن علينا هنا أن نتبين مدى ما حققه الإمام السجاد (عليه السلام) من ظفر ونجاح. وليس عسيراً أن نعثر على عشرات الشواهد التي تدلّنا على أن الأدعية السجادية صارت معشوقة ومتبناة من قبل قطاعات واسعة في الأمة. ونظرةً عاجلة على أسانيد الصحيفة ورواتها وحفظتها وتناقلها بأمانة ودقة، وبما لم يتوفر مثله للكثير من المأثورات تشير لنا تلك الحقيقة بوضوح وتؤكد مدى النجاح والظفر. ويظهر لنا وجه آخر في هذه القضية المهمة، وهو أن الإمام السجاد (عليه السلام) بحكم مسؤوليته الرسالية ولكونه المسؤول الأول في تلك الفترة عن الحفاظ على أصالة الفكر الإسلامي ونقائه ثم إيصاله إلى الأجيال اللاحقة سليماً معافىً من التشويش والتحريف وبعيداً عن أباطيل الخصوم وتشويهاتهم، سواء منهم من كان يكيد للإسلام (كالمنافقين) أم من كان يتربص الدوائر للانقضاض عليه. إن تلك المسؤولية حملته على استخدام هذه (الوسيلة) . على أنه يقتضي التنبيه أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من بعده وبالأخص ولده الإمام الباقر (عليه السلام)، ثم حفيده الإمام الصادق (عليه السلام) قد نهضا بدورهما الريادي والقيادي في مجال بث علوم أهل البيت (عليهم السلام) ونشر فقههم ومعارفهم بالوسائل المألوفة والمتاحة. إلا أنه مع ذلك كله حرصوا بدورهم على نقل وترويج أدعية الصحيفة السجادية، ودعوة شيعتهم ومريديهم إلى حفظها والاهتمام بها، لتبقى دائماً وأبداً في كل عصر تدلّهم فيه الخطوب، فيكون الفكر الإسلامي النقي الذي تحمله مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عرضةً للاضطهاد والتدمير تبقى تلك الصحيفة تحمل (الأمانة) وتصونها. واستناداً إلى هذا، فإنّ الرجوع إلى الصحيفة السجادية يعدّ رجوعاً إلى الينابيع الأصيلة والنقية. وإن البحث في مضامينها الراقية سواء في المجال الفكري والسياسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي، ومحاولة استكشاف المفاهيم. والنظريات والآراء الشديدة سيغني ولا شك مسيرة الفكر الإسلامي. وما أجمل أن نختم الحديث عن أدعية الإمام السجاد بمقطوعة رائعة من أدعيته التي تعلّم المؤمنين ـ كيف ينبغي الانقطاع إلى الله؟ والاستغناء عن الخلق والذلّة لهم! (اللهم إني أعتذر إليك من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره ومن معروف أسدي إليّ فلم أشكره، ومن مسيء اعتذر إليّ فلم أعذره، ومن ذي فاقة سلني فلم أوثره ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم أوفره ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره، ومن كل إثم عرض لي فلم أهجره) . نظرة على حيـــاة الامام زين العابدين ( ع ) وقد تميّزت حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام) بمظاهر فذّة، وهي وإن كانت متوفرة في حياة آبائه الطاهرين وأبنائه الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) إلاّ أنّها برزت في سيرته(عليه السلام) بشكل أكثر وضوحاً وأوسع دوراً، ممّا دعانا إلى تسليط الضوء عليها أشدّ من غيرها، وهي: أ ـ ظاهرة العبادة . ب ـ ظاهرة الدعاء. ج ـ ظاهرة البكاء . د ـ ظاهرة الإعتاق. فإذا سبرنا حياة الأئمّة (عليهم السلام) وجدناهم ـ كلّهم ـ يتميّزون في هذه المظاهر على أهل زمانهم، إلاّ أنّها في حياة الإمام زين العابدين(عليه السلام) تجلّت بقوة، حتى كان (عليه السلام) فريداً في كلّ منها. وقد أجمع معاصروا الإمام زين العابدين(عليه السلام) على أنّه كان من أعبد الناس وأكثرهم طاعة لله تعالى، ولم ير الناس مثله في عظيم إنابته وعبادته، وقد بهر بها المتّقون والصالحون، وحسبه أنّه وحده الذي قد لُقّب بزين العابدين وسيّد الساجدين في تأريخ الإسلام. عبادة الإمام :أمّا عبادته(عليه السلام) فكانت ناشئة عن إيمانه العميق بالله تعالى وكمال معرفته به، وقد عبده لا طمعاً في جنّته ولا خوفاً من ناره، وإنّما وجده أهلاً للعبادة فعبده، وشأنه في ذلك شأن جدّه أمير المؤمنين وسيّد العارفين وإمام المتّقين، وقد أعرب (عليه السلام) عن عظيم إخلاصه في عبادته بقوله: «إنّي أكره أن أعبد الله ولا غرض لي إلاّ ثوابه، فأكون كالعبد الطامع إن طمع عمل وإلاّ لم يعمل، وأكره أن أعبده لخوف عذابه، فأكون كالعبد السوء إن لم يخف لم يعمل...». وضوؤه : الوضوء هو نور وطهارة من الذنوب، والمقدمة الاولى للصلاة، وكان الإمام(عليه السلام) دوماً على طهارة، وقد تحدّث الرواة عن خشوعه لله في وضوئه، فقالوا: إنّه إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيجيبهم قائلاً: «أتدرون بين يدي مَن أقوم؟!» صلاته : أمّا الصلاة فمعراج المؤمن وقربان كلّ تقيّ كما في الحديث الشريف ، وكانت الصلاة من أهم الرغبات النفسية للإمام(عليه السلام) فقد اتّخذها معراجاً ترفعه إلى الله تعالى، وكانت تأخذه رعدة إذا أراد الشروع في الصلاة، فقيل له في ذلك فقال: «أتدرون بين يدي من أقوم، ومن اُناجي؟» ونعرض لبعض شؤونه في حال صلاته : أ ـ تطيّبه للصلاة: وكان الإمام إذا أراد الصلاة تطيّب من قارورة كان قد جعلها في مسجد صلاته. ب ـ لباسه في صلاته: وكان الإمام(عليه السلام) إذا أراد الصلاة لبس الصوف وأغلظ الثياب مبالغة منه في إذلال نفسه أمام الخالق العظيم. ج ـ خشوعه في صلاته : كانت صلاته تمثّل الانقطاع التامّ إلى الله جلّ جلاله والتجرّد من عالم المادّيات، فكان لا يحسّ بشيء من حوله، بل لا يحسّ بنفسه فيما تعلّق قلبه بالله تعالى، ووصفه الرواة في حال صلاته، فقالوا: كان إذا قام إلى الصلاة غشي لونه بلون آخر، وكانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله، وكان يقف في صلاته موقف العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، وكان يصلّي صلاة مودِّع يرى أنّه لا يصلّي بعدها أبداً وتحدّث الإمام الباقر(عليه السلام) عن خشوع أبيه في صلاته فقال: «كان عليّ بن الحسين إذا قام في الصلاة كأنـّه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلاّ ما حركت الريح منه» ونقل أبان بن تغلب إلى الإمام الصادق(عليه السلام) صلاة جدّه الإمام السجاد(عليه السلام) فقال له: إنّي رأيت عليّ بن الحسين إذا قام في الصلاة غشي لونه بلون آخر، فقال له الإمام الصادق(عليه السلام): «والله إنّ عليّ بن الحسين كان يعرف الذي يقوم بين يديه...» وكان من مظاهر خشوعه في صلاته أنّه إذا سجد لا يرفع رأسه حتى يرفض عرقاًأو كأنّه غمس في الماء من كثرة دموعه وبكائه ونقل عن أبي حمزة الثمالي أنّه رأى الإمام قد صلّى فسقط الرداء عن أحد منكبيه فلم يسوّه فسأله أبو حمزة عن ذلك فقال له: «ويحك، أتدري بين يدي مَنْ كنتُ؟ إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه. هـ ـ كثرة سجوده : إنّ أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو في حال سجوده كما في الحديث الشريف، وكان الإمام(عليه السلام) كثير السجود لله تعالى خضوعاً وتذلّلاً له، وروي: أنّه خرج مرّةً إلى الصحراء فتبعه مولىً له فوجده ساجداً على حجارة خشنة، فأحصى عليه ألف مرّة يقول: «لا إله إلاّ الله حقّاً حقّاً، لا إله إلاّ الله تعبّداً ورقّاً، لا إله إلاّ الله إيماناً وصدقاً. وكان يسجد سجدة الشكر، ويقول فيها مئة مرّة: «الحمد لله شكراً»، ثمّ يقول: «يا ذا المنّ الذي لا ينقطع أبداً، ولا يحصيه غيره عدداً، ويا ذا الجود الذي لا ينفد أبداً، يا كريم، يا كريم» ويتضرّع بعد ذلك ويذكر حاجته. ـ صومـه : وقضى الإمام معظم أيام حياته صائماً، وقد قالت جاريته حينما سئلت عن عبادته: «ما قدّمتُ له طعاماً في نهار قطّ» وقد أحبَّ الصومَ وحثَّ عليه إذ قال (عليه السلام): «إنّ الله تعالى وكّل ملائكة بالصائمين. وكان(عليه السلام) لا يفطر إلاّ في يوم العيدين وغيرهما ممّا كان له عذر. وكان له شأن خاص في شهر رمضان، أنّه لم يترك نوعاً من أنواع البِرّ والخير إلاّ أتى به، وكان لا يتكلم إلاّ بالتسبيح والإستغفار والتكبير، وإذا أفطر قال: «اللّهم إن شئت أن تفعل فعلت» وكان(عليه السلام) يستقبل شهر رمضان بشوق ورغبة لانّه ربيع الأبرار، وكان يدعو لدى دخول شهر الله تعالى بدعاء نقتطف منه بعض الفقرات، قال(عليه السلام) : «الحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من أهله ; لنكون لإحسانه من الشاكرين، وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين. والحمد لله الذي حبانا بدينه، واختصّنا بملّته، وسَبَّلَنا في سُبُلِ إحسانه، لنسلكها بمنّه إلى رضوانه... والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهره شهر رمضان شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر القيام... وكان الإمام زين العابدين(عليه السلام) في كلّ يوم من أيام شهر رمضان يأمر بذبح شاة وطبخها... فإذا نضجت يقول: «هاتوا القصاع» ويأمر بأن يُفرَّق على الفقراء والأرامل والأيتام حتى يأتي على آخر القدور ولا يبقي شيئاً لإفطاره، وكان يفطر على خبز وتمر. ومن مَبَرّات الإمام(عليه السلام) في شهر رمضان المبارك كثرة عتقه وتحرير أرقّائه من رقّ العبودية، على أنهم كانوا يعيشون في ظلاله محترمين، فكان يعاملهم كأبنائه، وكان(عليه السلام) لا يعاقب أمةً ولا عبداً إذا اقترفا ذنباً، وإنّما كان يسجّل اليوم الذي أذنبوا فيه، فإذا كان آخر شهر رمضان جمعهم وأظهر الكتاب الذي سجّل فيه ذنوبهم، ويقول: حجّه (عليه السلام) :«ارفعوا أصواتكم وقولوا: يا عليّ بن الحسين! إنّ ربّك قد أحصى عليك كلّ ما عملتَ، كما أحصيت علينا ما عملناه، ولديه كتاب ينطق بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيت إلاّ أحصاها، وتجد كلّ ما عملت لديه حاضراً، كما وجدنا كلّ ما عملنا لديك حاضراً، فاعف واصفح، كما ترجو من المليك العفو، وكما تحبّ أن يعفو المليك عنك، فاعف عنّا تجده عَفُوّاً، وبك رحيماً ولك غفوراً، ولا يظلم ربّك أحداً... كما لديك كتاب ينطق بالحقّ علينا، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ممّا أتيناه إلاّ أحصاها، فاذكر يا عليّ بن الحسين ذلّ مقامك بين يدي ربّك الحَكَم العدل الذي لا يظلم مثقال حبّة من خردل، ويأتي بها يوم القيامة، وكفى بالله حسيباً وشهيداً، فاعف واصفح يعف عنك المليك ويصفح، فإنّه يقول: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم) وكان يلقّنهم بتلك الكلمات التي تمثّل انقطاعه التامّ إلى الله تعالى واعتصامه به، وهو واقف يبكي من خشيته تعالى. وكان يحثّ على الحج والعمرة بقوله: حجّوا واعتمروا تصح أجسادكم، وتتّسع أرزاقكم، ويصلح إيمانكم، وتكفوا مؤونة الناس ومؤونة عيالكم» وقال(عليه السلام): «الحاج مغفور له، وموجوب له الجنّة، ومستأنف به العمل، ومحفوظ في أهله وماله» وقال(عليه السلام): «الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة» رسالة الحقوق ودور الامام السجاد ع في بناء المجتمع الاسلامي : تكفّلت رسالة الحقوق تنظيم أنواع العلاقات الفردية والاجتماعية للإنسان في هذه الحياة بنحو يحقّق للفرد والمجتمع سلامة العلاقات، ويجمع لهما عوامل الاستقرار والرقيّ والازدهار « لقد نظر الإمام الحكيم (عليه السلام) بعمق وشمول للإنسان، ودرس جميع أبعاد حياته وعلاقاته مع خالقه ونفسه واُسرته ومجتمعه وحكومته ومعلّمه » وكلّ من يرتبط به أدنى ارتباط. ويمكن أن نقول: إنّ تنظيم العلاقات الاجتماعية على أساس تعيين مجموعة الحقوق بشكل دقيق هو الرصيد الأول للنظام الاجتماعي الإسلامي، وهو المبنى المعقول للتشريعات الإسلامية عامّة، فإنّ الذي يفهم بعمق هذه الرسالة ويدرس بدقّة حقوق الخالق وحقوق المخلوقين بعضهم تجاه بعض يتسنّى له أن يفهم أسرار التشريع الإسلامي وفلسفة الأحكام التي جاءت بها الشريعة الإسلامية لتنظيم حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً. إنّ العدالة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الإدارية لن تتحقّق ما لم يُطبّق نظام الحقوق بشكل دقيق أوّلاً، وتنظّم الأحكام والتشريعات على أساس تلك الحقوق، وفيما نعلم أنّ الإمام(عليه السلام) قد سبق العلماء والقانونيين جميعاً في دنيا الإسلام بل في دنيا الإنسان في هذا المضمار الذي على أساسه ترتكز اُصول الأخلاق والتربية ونظم الاجتماع. وقد كتب الإمام زين العابدين(عليه السلام) هذه الرسالة العظيمة واتحف بها بعض أصحابه، ورواها العالم الكبير ثقة الإسلام ثابت بن أبي صفيّة المعروف بأبي حمزة الثمالي تلميذ الإمام(عليه السلام) كما رواها عنه بسنده المحدّث الصدوق في كتابه «الخصال» وثقة الإسلام الكليني في «الكافي» والحسن بن عليّ بن الحسين بن شعبة الحرّاني في «تحف العقول» وهي من المصادر القديمة الموثوقة. والإمام(عليه السلام) قبل بيانه للحقوق يشير إلى أنّ هناك حقوقاً محيطةً بالإنسان، ولا بد له من معرفتها، ثمّ يبيّن أكبر الحقوق وهو ما يرتبط بالله سبحانه بالنسبة لعبده، ثمّ يفرّع عليها حقوق الإنسان المفروضة من الله تجاه نفس الإنسان، فيبيّن أنواع علاقة الإنسان بنفسه من خلال المنظار الآلهي، ثمّ ينتهي الى أنواع العلاقة بين الإنسان وبيئته التي تشتمل على قيادة ومقودين ورعاة ورعية، مع بيانه لأنواع الأئمّة والمأمورين ودرجاتهم، ثمّ يبيّن سائر العلاقات مع الأرحام والاُسرة وأعضائها، ثمّ من تشتمل عليه الاُسرة من الموالي والجواري، ثمّ سائر ذوي الحقوق كالمؤذّن والإمام في الصلاة والجليس والشريك والغريم والخصم والمستشير والمشير والمستنصح والناصح والسائل والمسؤول والصغير والكبير.. حتى ينتهي إلى من يشترك مع الإنسان في دينه من بني الإنسان، ثمّ حقوق من يشترك مع الإنسان في الإنسانية وفي النظام السياسي الذي يخضع له وإن لم يكن من أهل ملّته ودينه. عرض موجز للحقوق : « اعلم، أنّ لله عزّوجلّ عليك حقوقاً محيطة بك في كلّ حركة تحرّكتها، أو سكنة سكنتها، أو حال حلتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلّبتها، أو آلة تصرّفت فيها، فأكبر حقوق الله تبارك وتعالى عليك ما أوجب عليك لنفسه من حقّه الذي هو أصل الحقوق، ثمّ ما أوجب الله عزوجل عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل عزّوجلّ للسانك عليك حقّاً، ولسمعك عليك حقّاً، ولبصرك عليك حقاً، وليدك عليك حقّاً، ولرجلك عليك حقّاً، ولبطنك عليك حقّاً، ولفرجك عليك حقاً، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال، ثمّ جعل عزّوجلّ لأفعالك عليك حقوقاً، فجعل لصلاتك عليك حقّاً، ولصومك عليك حقّاً، ولصدقتك عليك حقّاً، ولهديك عليك حقّاً، ولأفعالك عليك حقّاً. ثمّ تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، فأوجبها عليك حقوق أئمّتك، ثمّ حقوق رعيّتك، ثمّ حقوق رحمك، فهذه حقوق تتشعّب منها حقوق، فحقوق أئمّتك ثلاثة، أوجبها عليك حقّ سائسك بالسلطان، ثمّ حقّ سائسك بالعلم، ثمّ حقّ سائسك بالملك، وكلّ سائس إمام. وحقوق رعيتك ثلاثة، أوجبها عليك حقّ رعيتك بالسلطان، ثمّ حقّ رعيتك بالعلم، فإنّ الجاهل رعية العالم، ثمّ حقّ رعيّتك بالملك من الأزواج وما ملكت الأيمان، وحقوق رعيّتك كثيرة متّصلة بقدر اتّصال الرحم في القرابة، وأوجبها عليك حقّ اُمّك، ثمّ حقّ أبيك، ثمّ حقّ ولدك، ثمّ حقّ أخيك، ثمّ الأقرب فالأقرب والأولى فالأولى، ثمّ حقّ مولاك المنعم عليك، ثمّ حقّ مولاك الجارية نعمته عليك ، ثمّ حقّ ذوي المعروف لديك، ثمّ حقّ مؤذّنك لصلاتك، ثمّ حقّ إمامك في صلاتك، ثمّ حقّ جليسك، ثمّ حقّ جارك، ثمّ حقّ صاحبك، ثمّ حقّ شريكك، ثمّ حقّ مالك، ثمّ حقّ غريمك الذي تطالبه؟ ثمّ حقّ غريمك الذي يطالبك، ثمّ حقّ خليطك، ثمّ حقّ خصمك المدّعي عليك، ثمّ حقّ خصمك الذي تدّعي عليه، ثمّ حقّ مستشيرك، ثمّ حقّ المشير عليك، ثمّ حقّ مستنصحك، ثمّ حقّ الناصح لك، ثمّ حقّ من هو أكبر منك، ثمّ حقّ من هو أصغر منك، ثمّ حقّ سائلك، ثمّ حقّ من سألته، ثمّ حقّ من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل عن تعمّد أو غير تعمّد، ثمّ حقّ أهل ملّتك عليك، ثمّ حقّ أهل ذمّتك، ثمّ الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال وتصرّف الأسباب. فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه، ووفّقه لذلك وسدّده. شــــهادة الامام علي بن الحسين عليه السلام اغتياله بالسم: كان الإمام يتمتع بشعبية هائلة، فقد تحدث الناس - بإعجاب - عن علمه وفقهه وعبادته، وعجبت الأندية بالتحدث عن صبره، وسائر ملكاته، وقد احتل قلوب الناس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظى برؤيته، والسعيد من يتشرف بمقابلته والاستماع إلى حديثه، وقد شق ذلك على الأمويين، وأقضّ مضاجعهم وكان من أعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك، فقد روى الزهري أنه قال: (لا راحة لي، وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا) وأجمع رأي هذا الخبيث الدنس على اغتيال الإمام حينما آل إليه الملك والسلطان، فبعث سماً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسه للإمام ونفذ عامله ذلك، وقد تفاعل السم في بدن الإمام، فأخذ يعاني أشد الآلام وأقساها، وبقي حفنة من الأيام على فراش المرض يبث شكواه إلى الله تعالى، ويدعو لنفسه بالمغفرة والرضوان، وقد تزاحم الناس على عيادته، وهو (عليه السلام) يحمد الله، ويثني عليه أحسن الثناء على ما رزقه من الشهادة على يد شر البرية. وصاياه لولده الباقر ع : وعهد الإمام زين العابدين إلى ولده الإمام محمد الباقر (عليهما السلام) بوصاياه، وكان مما أوصاه به ما يلي: 1- أنه أوصاه بناقته، فقال له: إني حججت على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها بسوط، فإذا نفقت فادفنها، لا تأكل لحمها السباع، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من نعم الجنة، وبارك في نسله ونفذ الإمام الباقر ذلك. 2- أنه أوصاه بهذه الوصية القيمة التي تكشف عن الجوانب المشرقة من نزعات أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال له: (يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، فقد قال لي: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله). 3- أنه أوصاه أن يتولى بنفسه غسله وتكفينه وسائر شؤونه حتى يواريه في مقره الأخير. وفاته (ع ) وثقل حال الإمام، واشتد به المرض، وأخذ يعاني آلاماً مرهقة، فقد تفاعل السم مع جميع أجزاء بدنه، وأخبر الإمام أهله أنه في غلس الليل البهيم سوف ينتقل إلى الفردوس الأعلى، وأغمي عليه ثلاث مرات، فلما أفاق قرأ سورة الفاتحة وسورة (إنا فتحنا) ثم قال (عليه السلام): (الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين). وارتفعت روحه العظيمة إلى خالقها كما ترتفع أرواح الأنبياء والمرسلين، تحفها بإجلال وإكبار ملائكة الله، وألطاف الله وتحياته. لقد سمت تلك الروح العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعبادتها وتجردها من كل نزعة من نزعات الهوى. وقام الإمام أبو جعفر الباقر بتجهيز جثمان أبيه، فغسل جسده الطاهر، وقد رأى الناس مواضع سجوده كأنها مبارك الإبل من كثرة سجوده لله تعالى، ونظروا إلى عاتقه كأنه مبارك الإبل، فسألوا الباقر عن ذلك، فقال أنه من أثر الجراب الذي كان يحمله على عاتقه، ويضع فيه الطعام، ويوزعه على الفقراء والمحرومين وبعد الفراغ من غسله أدرجه في أكفانه، وصلى عليه الصلاة المكتوبة. تشييعه: وجرى للإمام تشييع حافل لم تشهد يثرب له نظيراً فقد شيعه البر والفاجر، والتفت الجماهير حول النعش العظيم والهين جازعين في بكاء وخشوع، وإحساس عميق بالخسارة الكبرى، فقد فقدوا بموته الخير الكثير، وفقدوا تلك الروحانية التي لم يخلق لها مثيل لقد عقلت الألسنة، وطاشت العقول بموت الإمام، فازدحم أهالي يثرب على الجثمان المقدس فالسعيد من يحظى بحمله. وجيء بالجثمان الطاهر وسط هالة من التكبير والتحميد إلى بقيع الغرقد، فحفروا له قبراً بجوار قبر عمه الزكي الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنزل الإمام الباقر (عليه السلام) جثمان أبيه فواراه في مقره الأخير، وقد وارى معه العلم والبر والتقوى، ووارى معه روحانية الأنبياء والمتقين. وبعد الفراغ من دفنه هرع الناس نحو الإمام الباقر، وهم يرفعون إليه تعازيهم الحارة، ويشاركونه في لوعته وأساه، والإمام مع أخوته وسائر بني هاشم يشكرونهم على مشاركتهم في الخطب الفادح الجلل، والمصاب العظيم!!. فالسلام على الامام الصابر الامام السجاد يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا. خادم الزهراء ع جوار عقيلة بني هاشم الحوراء زينب ( ع) |
الساعة الآن »05:28 AM. |