![]() |
لا تتركــوا ســعد الحريــري وحيــداً
لا تتركــوا ســعد الحريــري وحيــداً جريدة السفير : جهاد بزي في الحــوار الغــريب، «الجديد» ـ القديم، لم يكن السياسي جالساً في حضــرة محــقق. وارث أثقال الدم والمــال والزعامــة الشعبية والهتــافات والسلطة والعلاقات والأصدقاء والأعداء والمستشارين. بدا هشاً، خائفاً، وبحاجة إلى من يتعاطف معه.. إلى من يفهم مشاعره المتضاربة حول كل شيء، بسبب من أفكاره الكثيرة، لكن غير المتبلورة، حول أي شيء.. الى درجة التصحر.. كان الشيخ سعد الحريري، زعيم الاغلبية في المجلس النيابي حينها، والحديث العهد بالسياسة مع ذلك، بحاجة إلى شخص مجهول، كهذا المحقق، ليرتاح إليه ويسر بكل ما يعتمل في داخله، هكذا، كما هو، بلا أي ادعاء. فقط بما زوّده به فريقه من غل وحقد وما ورثه من حسابات مستمرة أو مؤجلة، لكأن منظومة ثأرية تتحدث وتحاكم في زمن محاكم التفتيش. بدا أن كل هم الشيخ الشاب، يقتصر على إثارة الانطباع الجيد والجميل عن نفسه. استخدم كل ما يملك، من «المعلومة»، إلى «التحليل»، إلى التعبير الصادق جداً عن نظرة شاب مثله، قُتل والده الزعيم، إلى الناس، وتصنيفه لهم، حيث لا أحد تقريباً، يمكن الوثوق به، إلا الموظف المخلص، الموالي، المتقبل له وحده، لمزاجه، في السياسة والأكل والشراب والعلاقات، في لبنان، كما في الصولات والجولات وما أدرانا بها، وخير نموذج لها يوم زار المغرب في عز تعذر وزارته الأولى في خريف العام 2009. أما البقية الباقية، فما ضمرت للرئيس الشهيد إلا السوء، وما أشهرت في وجهه إلا طلب المال منه، وما فعلت إلا الوشاية به، او الغيرة منه، أو التخطيط لإيذائه، أو استغلاله، حتى بدا رفيق الحريري رجلاً محاطاً من كل صوب بالذئاب، فلا صديق له، ولا من يحبه لذاته، لأخلاقه ولما عُرف عن كرمه ووفائه أو حتى عن أحلامه لبلده. نعم، لا أحد، بحسب الابن، أحب الأب وأخلص له. بدا رفيق الحريري الكبير، لا بل الكبير جدا، بحسب ابنه، ضعيفاً لا وسيلة لديه للدفاع عن نفسه إلا الرشى، تحيط به مجموعة من المنتفعين معظمها يدخل بيته ويتجسس عليه، وهو، بسيط بما يكفي لأن يثق بالجميع، هكذا، من دون مساءلة أو ملاحظة. سها عن بال الوارث لتلك الزعامة بالدم، أن رفيق الحريري بكّر في دخول معترك الشأن العام، وصاغ مشروعه السياسي الذي كان يبدأ في قريطم ولا تعود تشعباته تنتهي، بدءاً من سوريا وصولاً إلى الولايات المتحدة وما بينهما من عواصم شرقا وغربا. تدخل في باكستان وكان له من يتحمس له في العراق. راهن على الإصلاحيين في إيران.. أصبح رئيس دولة كبرى اسمه جاك شيراك أشبه بمعقب معاملات في مكتبه الباريسي. وهو، مثله مثل غيره، أخطأ كثيراً وأصاب كثيراً، غير أنه كان سياسياً مجرّباً ومصراً على ما يريد لنفسه كرجل مال وسياسة وسلطة وطموحات. في حديثه مع المحقق، أظهر الابن أنه لم يرث عن الأب إلا «الذئاب» التي كانت تحيط به وتنهشه. هؤلاء الذين في عينيه فاسدون ومشاريع خونة وطاعنو خناجر في الظهور. هؤلاء الذين، في رؤيته المبسطة للناس، يُختصرون بما يحدده لهم من نعوت: غبي. حقير. عاهر. سفاح. مقامر. كاتب تقارير. خائن أو مشروع خائن. مبتز. سيئ. أسوأ من فلان. يطعن في الظــهر. الحقير. باع ضميره. جاسوس. حفار قبور. هــؤلاء الذيــن يبدون، من حيث يجلس من فوق، صغاراً وتافــهين ومكشوفين ومسطحين، مع أنهم رؤســاء دول ونواب ووزراء وصحافيون وأمنيــون. هــؤلاء الذين ربما كان يدبدب صغيرا بين أقدامهــم أو كان يخطو خطواته الأولــى في اتجاهــهم، زعيــماً تنقصه، أول ما تنقصه، حكمة التواضع أو تواضع غير العارف. هذا كان قبل أن يصير رئيساً للحكومة. فإذا صار كذلك، هبطت عليه صورة جديدة له، هي صورة الرزين الهادئ المتفكر. ولن يمر وقت طويل قبل أن تعود إلى ما كان عليه صاحبها قبل الرئاسة التي ظلت فضفاضة عليه. في ذاك النقاش الذي من النادر أن يستمع اللبنانيون إلى مثله، رأى اللبنانيــون سعد الحريري كما هو، محدوداً بمنطق لون واحد وليس حتى بلونين: إن لم يكن كل النــاس أشراراً، فمعظمهم من طين شرير. هذا ما استمر الحريري يوحي به للمحقق. ابن الشهــيد كان ممســوكاً بهذا النوع من الرهاب فاستفــاض في تحليل لم يكن مضطراً إليه ولا يليق به أمام شخص مجهول تماماً. تحليل كان بلا أي طائــل. ومعلــومات معلبة بلا أي سياق، تُرمى جزافــاً وفي غير مواضعها، تستعجل حتى الخفة، سوق الاتهام ضد ســوريا وحلفــائها، فلا يعــتد بها. حتى اذا ما انتهت المقابلة معه، كانــت النتيجة جلسة طويلــة للنميمة، مسلية، غير أنها تترك شرخاً عميــقاً في صورة الزعيــم الذي لم يرسخ من كلامــه في الاذهان إلا فوقيــته وعمــق معرفته بالشــتائم الانكليــزية، هذه التــي يمكــن تحصيلها من مشاهدة أفــلام الاثارة الاميــركية، المسلية بدروها والتي لا تؤسس للغة زعيم، ولا لخامة زعامة. بمفعول رجعي، جاء التسجيل ليأخذ من رصيد يراكمه السياسي ببطء هائل. اعتذاره من «أصدقائه» ليس كافياً. ولا تبريره بأن كلامــه قيل في زمن آخر. لديه الآن الكثير من العمل ليزيل عن نفــسه ما أكــده عنها: لا يجــيد إلا النميمة، ولا يعرف عن الناس إلا سوء الظن بهــم، ولا يُتــرك وحده، بلا نص مكتوب له يمنعه، بالدرجــة الاولى، من إيذاء نفسه... ولو اقتضى الأمر تدريبا طويلا على «الحــركات» والكلمات والمعاني..و«الأوتوكيو». المصدر اضغط هنا |
الساعة الآن »12:11 PM. |