![]() |
مناظرة الإمام الباقر ( عليه السلام ) مع الحروري المخالف
قال العلاّمة المجلسي عليه الرحمة : وجدت في بعض مؤلَّفات قدماء أصحابنا في الأخبار ما هذا لفظه : مناظرة الحروري والباقر ( عليه السلام ). قال الحروري : إن في أبي بكر أربع خصال استحقَّ بها الإمامة. قال الباقر ( عليه السلام ) : ما هنَّ ؟ قال : فإنّه أوَّل الصدّيقين ولا نعرفه حتى يقال : الصدّيق ، والثانية : صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآلهوسلم ) في الغار ، والثالثة : المتولّي أمر الصلاة ، والرابعة : ضجيعه في قبره. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : أخبرني عن هذه الخصال ، هنَّ لصاحبك بان بها من الناس أجمعين ؟ قال : نعم.
قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ويحك ! هذه الخصال تظنُّ أنَّهنَّ مناقب لصاحبك وهي (1) مثالب له. أمَّا قوله : كان صدّيقاً ، فاسألوه من سمَّاه بهذا الاسم ؟ قال الحروري : الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : اسأل الفقهاء هل أجمعوا على هذا من رواياتهم أن أبا بكر أول من آمن برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قالت الجماعة : اللهمَّ لا ، وقد روينا أن ذلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ). قال الحروري : أو ليس قد زعمتم أن علي بن أبي طالب لم يشرك بالله في وقت من الأوقات ؟ فإن كان ما رويتم حقّاً فأحرى أن يستحقَّ هذا الاسم. قالت الجماعة : أجل. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : يا حروري ! إن كان سُمِّي صاحبك صدّيقاً بهذه الخصلة فقد استحقَّها غيره قبله ، فيكون المخصوص بهذا الاسم دون أبي بكر ; إذ كان أوَّل المؤمنين من جاء بالصدق وهو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (2) ، وكان عليٌّ ( عليه السلام ) هو المصدِّق. فانقطع الحروري. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : وأمَّا ما ذكرت أنه صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الغار فذلك رذيلة لا فضيلة من وجوه : الأول : أنّا لا نجد له في الآية مدحاً أكثر من خروجه معه وصحبته له ، وقد أخبر الله في كتابه أن الصحبة قد يكون للكافر مع المؤمن ، حيث يقول : ( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ ) ، وقوله : ( أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة ) ، ولا مدح له في صحبته ; إذ لم يدفع عنه ضيماً ، ولم يحارب عنه عدوّاً. الثاني : قوله تعالى : ( لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) (3) ، وذلك يدلُّ على قلقه وضرعه ، وقلَّة صبره ، وخوفه على نفسه ، وعدم وثوقه بما وعده الله ورسوله من السلامة والظفر ، ولم يرض بمساواته للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى نهاه عن حاله. ثم إني أسألك عن حزنه هل كان رضاً لله تعالى أو سخطاً له ؟ فإن قلت : إنّه رضاً لله تعالى خصمت ; لأن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لا ينهى عن شيء لله فيه رضاً ، وإن قلت : إنّه سخط فما فضل من نهاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن سخط الله ؟ وذلك أنّه إن كان أصاب في حزنه فقد أخطأ من نهاه ، وحاشا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يكون قد أخطأ ، فلم يبق إلاَّ أن حزنه كان خطأ ، فنهاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن خطأه. الثالث : قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) تعريف لجاهل لم يعرف حقيقة ما يهم فيه (4) ، ولو لم يعرف النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فساد اعتقاده لم يحسن منه القول : ( إِنَّ اللّهَ مَعَنَا ) ، وأيضاً فإن الله تعالى مع الخلق كلِّهم ، حيث خلقهم ورزقهم ، وهم في علمه كما قال الله تعالى : ( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلاَثَة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَة إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ ) (5) ، فلا فضل لصاحبك في هذا الوجه. والرابع : قوله تعالى : ( فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُود لَّمْ تَرَوْهَا ) (1) فيمن نزلت ؟ قال : على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). قال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : فهل شاركه أبو بكر في السكينة ؟ قال الحروري : نعم. قال له أبو جعفر ( عليه السلام ) : كذبت ; لأنه لو كان شريكاً فيها لقال تعالى : عليهما ، فلمَّا قال : ( عليه ) دلَّ على اختصاصها بالنبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما خصَّه بالتأييد بالملائكة ; لأن التأييد بالملائكة لا يكون لغير النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالإجماع ، ولو كان أبو بكر ممن يستحقُّ المشاركة هنا لأشركه الله فيها كما أشرك فيها المؤمنين يوم حنين ، حيث يقول : ( ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (2) ممن يستحقُّ المشاركة ; لأنه لم يصبر مع النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) غير تسعة نفر : علي ( عليه السلام ) ، وستّة من بني هاشم ، وأبو دجانة الأنصاري ، وأيمن بن أم أيمن ، فبان بهذا أن أبا بكر لم يكن من المؤمنين ، ولو كان مؤمناً لأشركه مع النبيِّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في السكينة هنا ، كما أشرك فيها المؤمنين يوم حنين. فقال الحروري : قوما (3) فقد أخرجه من الإيمان. فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : ما أنا قلته ، وإنّما قاله الله تعالى في محكم كتابه. قالت الجماعة : خصمت يا حروري. والخطاب للحروري وجماعة الفقهاء الذين كانوا معه. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : وأمَّا قولك في الصلاة بالناس فإن أبا بكر قد خرج تحت يد أسامة بن زيد بأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بإجماع الأمَّة ، وكان أسامة قد عسكر على أميال من المدينة ، فكيف يتقدَّر أن يأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رجلا قد أخرجه تحت يد أسامة ، وجعل أسامة أميراً عليه أن يصلّي بالناس بالمدينة ؟! ولم يأمر النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بردِّ ذلك الجيش ، بل كان يقول : نفِّذوا جيش أسامة ، لعن الله من تأخَّر عنه (1). ثمَّ أنتم تقولون : إن أبا بكر لمَّا تقدَّم بالناس ، وكبَّر ، وسمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) التكبير خرج مسرعاً يتهادى (2) بين عليٍّ والفضل بن العباس ، وهو معصَّب الرأس ، ورجلاه يخطّان الأرض من الضعف قبل أن يركع بهم أبو بكر ، حتى جاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ونحَّاه عن المحراب ، فلو كان النبيُّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أمره بالصلاة لم يخرج إليه مسرعاً على ضعفه ذلك ، أن لا يتمَّ له ركوع ولا سجود ، فيكون ذلك حجّة له ، فدلَّ على أنه لم يكن أمره. والحديث الصحيح أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حال مرضه كان إذا حضر وقت الصلاة أتاه بلال ، فيقول : الصلاة يا رسول الله ، فإن قدر على الصلاة بنفسه تحامل وخرج ، وإلاّ أمر علياً ( عليه السلام ) يصلّي بالناس. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : الرابعة زعمت أنه ضجيعه في قبره قال : نعم. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : وأين قبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ قال الحروري : في بيته. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : أو ليس قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (1) ، فهل استأذنه في ذلك ؟ قال الحروري : نعم. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : كذبت ; لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سدَّ بابه عن المسجد وباب صاحبه عمر ، فقال عمر : يا رسول الله ! اترك لي كوّة أنظرك منها ، قال له : ( ولا مثل قلامة ظفر ) فأخرجهما وسدَّ أبوابهما ، فأقم البيِّنة على أنَّه أذن لهما في ذلك ، فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : بأيِّ وحي وبأيِّ نص ؟ قال : بما لا يدفع ; بميراث ابنتيهما. قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : أصبت ، أصبت يا حروري ! استحقّا بذلك تسعاً من ثمن ، وهو جزء من اثنين وسبعين جزءاً ; لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مات عن ابنته فاطمة ( عليها السلام ) وعن تسع نسوة ، وأنتم رويتم أن الأنبياء لا تورِّث. فانقطع الحروري |
كلامهم نور وحق سلام الله عليك ياسيدي وامامي محمد الباقر
لقد اخرس هذا المتبجح بأقواله فيكفينا فكرا اننا ننتسب لاهل بيت رسول الله الذين من تمسك بهم نجا ومن تخلف عنهم هلك وغرق شكرا لكم على هذه الاطروحة |
الساعة الآن »04:02 PM. |