![]() |
ثورة اجتماعية(03) العطاء
ثورة اجتماعية(03) العطاء
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)) الحجرات10. وقالَ رسولُ اللهِ(ص): ((لا فرق بين عربي و لا أعجمي و لا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى)) وقال الإمام علي(ع) ((لو كان المال مالي لسويت بينهم كيف وإن المال مال الله وهم عياله(( في لقائنا الثالث حول الجانب الاجتماعي في ثورة الحسين(ع)، كانت ابنتي العزيزة في شوق كبير لسماع بقية البحث، كما الأرض العطشى التي تنتظر هطول الأمطار عليها لتبعث فيها الحياة من جديد. فسبقتني بالقول قبل أن ابدأ حديثي: لقد كان حديثنا في الجلسة السابقة - أبي الغالي - حول التسابق والتصارع والمشاجرة بين المسلمين للوصول إلى الحكم، والآثار التي خلفها ذلك النزاع من تفكك أواصر العلاقة في ما بينهم. ثم استدركت معتذرة بعد تقبيل رأسي ويدي: تفضل يا والدي العزيز، لقد كنت أحاول أن إريك مدى اهتمامي بموضوعنا، ولا أنكر مدى احتياجي لمعرفة هذا الجانب الاجتماعي من ثورة الحسين(ع) الذي قل التطرق إليه. أردت أن اخفف عنها ما الم بها من انزعاج فقلت: لا عليك يا ابنتي العزيزة: هكذا يجب أن نكون منفتحي العقول والقلوب تواقين للعلم والمعرفة، وهذا ما يشجع الباحثين والمحققين على مضاعفة جهودهم. فتبسمت مبتهجة على الإطراء، كأنها نالت جائزة استحقتها على حسن أدائها. ثم عدت لإكمال حديثي: اتفقنا سابقا أن يكون حديثنا في هذا اللقاء حول الإسفين الثاني الذي وسع هوة الشقاق والنزاع بين المسلمين. فعادة مرة أخرى لمقاطعتي بقولها: آسفة يا والدي - لكن قبل دخولنا في عمق الموضوع وتشعب علي الأمور وأنسى ما بدئنا به: ما هو العمل الذي قام به الحسين(ع) في ثورته لإعادة المسلمين إلى منبع رسالة النبي(ص) الصافي، في مقابل الصراع على السلطة. قلت لها: سؤال جيد تستحقين عليه التقدير والاحترام. ولتفتح عقلها على مصراعيه لمزيد من التساؤلات، قلت: هكذا أفضل ليكون كلامنا مترابطا ومتسقا. خلال رحلته من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ثم إلى العراق كان عليه السلام واضحا صريحا في كلامه واضحا في أفعاله، لم تخالف أعماله أقواله قيد أنملة. وكان يبين لمن تبعه غايته من خروجه، وأنه لم يخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا، وإنما خرج لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله(ص)، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. لذا فهم من حوله أن خروجه لم يكن لطلب ملك ولا لتشييد سلطان، ولن يجدوا من خروجهم معه أموال كثيرة ولا ثروات طائلة، ولا مناصب مرموقة ولا قوة اجتماعية. لذا انسحبوا من بين يديه وتركوه مع خلص أصحابه وأهل بيته. وهنا عدت للإكمال كلامي عن الإسفين الثاني الذي دق في نعش العلاقات الاجتماعية بين المسلمين، إلا وهو توزيع العطاء بينهم. حيث اتبع الخليفة عمر بن الخطاب نظاما جديدا لم يكن المسلمون عهدوه من قبل، لا من الرسول(ص) ولا من أبي بكر. فلقد مايز عمر في العطاء بين المسلمين. ففضل المهاجرين السابقين على كافة المهاجرين، وفضل مهاجري قريش على غيرهم من المهاجرين، وفضل المهاجرين على الأنصار، وفضل قبيلة الأوس على الخزرج، وفضل قبيلة ربيعة على مضر، وفضل العرب على العجم، وفضل الأحرار على الموالي. هنا استوقفتني ابنتي لتعلق على كلامي قائلة: إذا قريش تكون قد خرجت بنصيب الأسد، لمجرد كونها قريش؟! أجبتها مؤكدا: وهذه كانت النتيجة الفعلية، خلافا لما قرره الله ورسوله. ثم عادت لتسأل: وما هي نتيجة هذا العمل - يا أبي -؟ لقد وضع هذا المبدأ أساس تكون الطبقية في المجتمع الإسلامي، وجعل الميزة الدينية سببا للتفوق المادي. وكان سببا للصراع بين القبائل العربية. وأساس أول صراع عنصري بين العرب وغيرهم من المسلمين. وهذا مما أجج الصراع والفتنة بين المسلمين، حتى سرت روح التحزب والانقسام في المجتمع المدينة، التي لاحظها عمر وحذر منها. هنا عادت ابنتي لتسأل: وما هو السبب الثالث الذي مزق أخوة المسلمين وفرق وحدتهم؟! يكفيك ما علمته اليوم, فلقد وصلنا إلى المدرسة وعليك بالترجل، ونؤجل الكلام إلى لقاء قادم بعون الله تعالى، أكون قد جهزت نفسي لجولة جديدة. بقلم: حسين نوح مشامع |
الساعة الآن »07:15 PM. |