![]() |
عن الامام الصادق
الإغضاء عن الاخوان
إِن العصمة لا تكون في البشر كلّهم، فمَن الذي لا يخطأ ولا يسهو ولا يغفل ولا ينسى، فيستحيل أن تظفر بصديقٍ خالٍ من عيب أو رفيقٍ منزَّه عن سقطة، فمَن أراد الاكثار من الأصدقاء لا بدّ له من أن يتغاضى عن عيوبهم ويتغافل عن مساوئهم ومن هنا قال عليه السلام : وأنّى لك بأخيك كلّه أيّ الرجال المهذب(1) وقال : من لم يواخ من لا عيب فيه قلّ صديقه(2). واذا أراد المرء بقاء المودّة من أخيه فلا يستقص عليه كما قال عليه السلام : الاستقصاء فرقة(3) وكما قال : لا تفتّش الناس فتبقى بلا صديق(4). بل يجب على ذي الخبرة والتجارب أن يقنع من أخيه بما دون ذلك إِبقاءً للودّ، كما قال عليه السلام : ليس من الإنصاف مطالبة الاخوان بالإنصاف، ومَن لم يرض من صديقه إِلا بإيثاره على نفسه دام سخطه(5). نعم إِن العتاب لا يخدش في بقاء الاُلفة والوداد، بل ربّما جلا درَن الصدور، وأزاح الحقد الكامن في القلوب، إِلا أن يكثر فينعكس الحال فلذلك قال عليه السلام : من كثر تعتيبه قلّ صديقه، وقال : ومن عاتب على كلّ ذنب دام تعتيبه(6). ______________________________ (1) الوسائل، باب استحباب الإغضاء عن الاخوان : 8/458/1. (2) بحار الأنوار : 78/278. (3) بحار الأنوار : 78/253/109. (4) الوسائل، باب استحباب الاغضاء عن الإخوان : 8/458/2. (5) نفس المصدر : 8/458/3. (6) بحار الأنوار : 78/278. المشاورة إِن مَن يشاور ذوي البصائر تتجلّى له أوجه المداخل والمخارج، وينكشف له الحجاب عن سُبُل النجاح، وينحاد عن مزالق الأخطار، وقد كشف لنا أبو عبد اللّه عليه السلام عن هذه الحقيقة فقال : «لن يهلك امرؤ عن مشورة»(2) وأرشدنا الى المستشار في الغوامض من العوارض فقال : «ما يمنع أحدكم اذا ورد عليه ما لا قِبل له به أن يستشير رجلاً عاقلاً له دين وورع»(3). وزاد في شروط الاستشارة والمستشار فقال عليه السلام : إِن المشورة لا تكون إِلا بحدودها فمن عرفها بحدودها وإِلا كانت مضرَّتها على المستشير اكثر من منفعتها، فأوّلها أن يكون الذي تشاوره عاقلاً، والثانية أن يكون حُرّاً متديّناً، والثالثة أن يكون صديقاً مواخياً، والرابعة أن تطلعه على سرّك فيكون علمه به كعلمك بنفسك، ثمَّ يسرّ لك ويكتمه، فإنه اذا كان عاقلاً انتفعت بمشورته، ______________________________ (2) الوسائل، باب استحباب مشاورة أهل الرأي 8/424/4. (3) نفس المصدر، باب استحباب مشاورة التقيّ العاقل الورع : 8/426/7. الإكثار من الاخوان إِن المرء كثير بأخيه، لأنه عون في النوائب، ومُواسٍ في البأساء وأنيسٌ في الوحشة، وأليفٌ في الغربة، ومُشيرٌ عند الحيرة، ومسدّد عند السقطة، حافظْ عند الغيبة، الى ما يعجز القلم عن العدّ لفوائده، ولهذا أمر الصادق عليه السلام بالإكثار منهم، وأشار الى الجدوى من اتخاذهم، فقال عليه السلام : اكثر من الأصدقاء في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة، أمّا الدنيا فحوائج يقومون بها، وأمّا الآخرة فإن أهل جهنم قالوا : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم(1). ولعلّ قصده عليه السلام من النفع في الآخرة أن الصديق في اللّه صاحب العقل والدين لا يرشد صديقه إِلا إِلى صالح الدارين، فيستنقذه بالهداية والنُّصح من العطب، وأيّ نفع في الآخرة اكبر من هذا. أو لأنه يستفيد من دعائه لاُخراه كما قال في حديث آخر : استكثروا من الاخوان فإن لكلّ مؤمن دعوة مستجابة. أو لأنه يستشفع به كما قال عليه السلام : استكثروا من الاخوان فإن لكلّ مؤمن شفاعة، وقال عليه السلام : اكثروا من مؤاخاة المؤمنين فإن لهم عند اللّه يداً يكافيهم بها يوم القيامة(2). بل إِن الأخ المؤمن جدير بأن يجمع هذه الخلال كلّها في هذه الدانية وتلك الباقية. ______________________________ (1) الوسائل، باب استفادة الاخوان والأصدقاء : 8/407/5. (2) الوسائل : 8/408/7. |
الساعة الآن »12:13 PM. |