![]() |
مختارات من كتاب الومضات
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم ((أوثق عرى الإيمان)) إن من أوثق عرى الإيمان هو ( الحـبّ ) الذي تبتـني عليه هذه العلاقة المقدسة بين العبد وربه ..ولا ينقدح هذا الحب في القلب إلا بعد انحسار جميع ( الحجب ) في النفس ، ولا تمنح هذه الجوهرة - التي لا أغلي منها في عالم الوجود - إلا للنفوس التي أحرزت أعلى درجات القابلية لتلقّي هذه الجوهرة النفيسة ..وإن هذا الحب بعد اكتمال مقدماته ، يستشعره القلب بين الفترة والفترة ، فيكون بمثابة النور الذي كلما أضاء للإنسان مشى في الطريق ..ويستمر العبد في سيره التكاملي - بمعونة الحق - إلى أن يستوعب ذلك الحب جميع ( أركان ) القلب ، فلا حب إلا لله أو لمن له فيه نصيب ..ولو أمضى العبد كل حياته - بالمجاهدة المضنية - ليمتلك هذه الجوهرة قبيل رحيله من الدنيا ، لكان ممن ختم حياته بالسعادة العظمى ، ولاستقبل المولى بثمرة الوجود ، وهدف الخلقة ، أولئك الأقلون عددا ، الأعظمون أجرا ، لا ينصب لهم ديوان ولا كتاب. http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((أولم يكف بربك)) إن العبد لو استحضر - بكل وجوده - مضمون هذه الآية في حياته لانقلبت نظرته إلى الحياة وما فيها ، واستشعر تلك الهيمنة العظمى والرقابة الدقيقة لعالم الغيب على كل حركاته وسكناته ، بما يمنعه من الذهول عن الحق المتعال ، فضلاً عن مخالفته وهي قوله تعالى : { أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد }.. فكم فيها من العتاب البليغ ، وذلك بالتعبير بـ ( أولم يكف ) ، بمعنى أنه لو لم نستحضر إلا هذه الصفة في الرب الخبير ، لكفى بذلك ردعاً للعباد ..وعليه فلو اعتقد العبد بإحاطة المولى عزّ ذكره بكل عناصر الوجود ، لأورثه هذا الاعتقاد إحساساً بالرهبة والمراقبة المتصلة ، إضافةً إلى الإحساس بالسكينة والاطمئنان ، لعلمه بأن كل ما يجري في حقه وحق عالم الوجود ، إنما هو بعلمه ورأفته . http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((تسبيح من في الوجود)) إن من موجبات ( الإقلاع ) عن المعصية ، هو إحساس العبد بأن كل ما حوله يسبح بحمدالله تعالى: إما بلسان حاله ، أو بلسان مقاله ..فإنه عندما يعصي الحق على فراشه بعيداً عن أعين الناظرين ، فإنما هو يتمرد في وسط ( يضجّ ) بالتسبيح ، بأرضه وسقفه وجداره وما فيه من أثاث ومتاع ، وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : { أما يستحي أحدكم أن يغني على دابته ، وهي تسبح } البحار-ج76ص291 ..فما هي نظرة الملائكة الموكلة بالحساب وهم يرون هذا الموجود ( الشاذ ) في عالم الوجود ؟!..والأنكى من ذلك كله أنه يرتكب الجريمة بما هو مسبحٌ للحق ، كالقاتل بسلاح يسبح الحق كباقي موجودات هذا الكون الفسيح ، وكالظالم بعصا تسبّح بحمد الحق ، يضرب به عبداً يسبح بحمد الحق أيضاً . http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((النظرة إلى الخلق)) لو اعتقد العبد اعتقادا راسخا أن الخلق ( عيال ) الله تعالى - ومنهم أهله وعياله - لانقلبت لديه موازين التعامل معهم رأسا على عقب ، فيمتلك بذلك قدرة ( مضاعفة ) على تحمّل الأذى منهم ، لعلمه أن ذلك كله بعين المولى تعالى الذي يرعى عياله بعد خلقه لهم ..بل يزداد ( حـبّه ) ورأفته لهم ، زائدا عن مقتضى العلاقة البشرية المتعارفة بين المخلوقين ..كما ( يبارك ) المولى فيمن يحيط به من عياله ، ويجعلهم قرة عين له كما ذكر القرآن الكريم ، إكراماً لقصده في إكرام من هم عيال الله تعالى ، وأحب الخلق إليه - كما روي - من نفع عيال الله ، أو أدخل على أهل بيت سروراً ..وقد روى عن النبي (ص) أنه قال : { أقربكم مني مجلساً يوم القيامة ، أحسنكم أخلاقاً وخيركم لأهله…وأنا ألطفكم بأهلي }البحار-ج71ص387. http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((وجه الرب)) لو مال العبد بوجهه عن المولى ، لمال المولى بوجهه عنه ، كما ذكره السجاد (ع) عند ذكره لحقيقة الوقوف بين يدي الجبار ( البحار-ج46ص34 )..فلو استحضر العبد - هذه الحقيقة - في كل مراحل حياته ، لكان ذلك كافيا ( لردعه ) عن كثير من الأمور ، خوفا من الوقوع في جزاء ذلك الشرط وما أثقله من جزاء !..وإذا مال المولى بوجهه عن العبد ، فإن استرجاع التفاتة المولى مرة أخرى يحتاج إلى جهد جهيد ..فالأولى بذي اللب ( ترك ) ما يوجب ميل وجه المولى ، بدلا من ( طلب ) الالتفات بعد الميل ..ويترقى الإنسان في سلم التكامل إلى مرحلة يرى فيها جهدا مرهقا في أن يميل بوجهه إلى غير الحق تبارك وتعالى ، بل يصل الأمر في المعصوم إلى استحالة ذلك ، بما لا يتنافى مع الاختيار المصحح للمدح والجزاء. http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif (( الإحساس بالمعيّـة الإلهية)) لو تعمق في نفس الإنسان الإحساس بالمعـيّة الإلهية - المطردة في كل الحالات - لما انتابه شعور بالوحدة والوحشة أبدا ، بل ينعكس الأمر إلى أن يعيش الوحشة مع ما سوى الحق ، خوفا من صدهم إياه عن الأنس بالحق ..وهذا هو الدافع الخفي لاعتزال بعضهم عن الخلق ، وإن كان الأجدر بهم ( تاسيًا ) بمواليهم ، الاستقامة في عدم إلتفات الباطن إلى ما سوى الحق ، مع اشتغال الظاهر بهم ..وبما أن الإنسان يعيش الوحدة في بعض ساعات الدنيا ، وفي كل ساعات ما بعد الدنيا ، فالأجدر به أن يحقق في نفسه هذا الشعور ( بالمعية ) الإلهية ، لئلا يعيش الشعور بالوحدة القاتلة ، وخاصة فيما بعد الحياة الدنيا - الذي تعظم فيه الوحشة - إلى يوم لقاء الله تعالى. http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((تزاحم الخواطر)) إن من الملفت حقا تزاحم الخواطر بشكل كثيف حال الصلوات ، مما يكشف عن تكاتف قوى الشر من الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء ، في صرف المصلي عن مواجهة المولى جل ذكره ..وليعلم أن ما كان من الخواطر ( غير اختياري ) تقتحم النفس اقتحاما ، فذلك مما لا ( يخشى ) من إفساده ، وذلك كمن يصلي في السوق ويمر عليه في كل لحظة من يحرم النظر إليه ..فالموجب للإفساد هو متابعة الصور الذهنية الفاسدة ( بالاختيار ) ..ولطالما أمكن للمصلي قطع هذه الصور التي تصد عن ذكر الحق - ولو في أبعاض صلاته - ولكن يهمل أمرها طوعا ، فتكون صلاته ساحة لكل فكر وهمّ ، إلا محادثة المولى عز وجل ..ولهذا يصفه الحديث قائلا: { وإن منها لما تلف كما يلف الثوب الخَلِق ، فيضرب بها وجه صاحبها }البحارج84ص316. http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((ساعات الفراغ)) تمر على الإنسان ساعات كثيرة من الفراغ الذي يتخلل النشاط اليومي ، ولو عُدّت هذه الساعات لمثلّت مساحة كبيرة من ساعات عمره ..فالمؤمن الفطن لا بد وان يكون لديه ما يملأ هذا الفراغ: إما بقراءة نافعة ، أو سير هادف في الآفاق ، أو قضاء حاجة لمؤمن مكروب ، أو ترويح للنفس حلال ..وإن من الأمور التي يحرم منها غير المؤمن ، هو العيش في عالم التفكر ( والتدبر ) الذي قد يستغرق ساعات عند أهله ، يناجي المولى فيها بقلبه ، كما قد يشير إليه الحديث الشريف: { وكلّمهم في ذات عقولهم }..فيسيح في تلك الساعة بقلبه ، سياحة تدرك لذتها ولا يوصف كنهها ..وهي سياحة لا تحتاج إلى بذل مال ولا صرف جهد ، ومتيسرة لصاحبها كلما أراد في ليل أو نهار بتيسير من الحق المتعال ..ومن مواطن هذه السياحة المقدسة ( أعقاب ) الصلوات و( جوف ) الليل ، وهي سياحة لا تدرك بالوصف بل تنال بالمعاينة. http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((هدر العمر بالنوم)) إن النوم من الروافد الأصلية التي ( تستنـزف ) نبع الحياة ..ومن هنا ينبغي السيطرة على هذا الرافد ، لئلا يهدر رأسمال العبد فيما لا ضرورة له ..ولذا ينبغي التحكم في أول النوم وآخره ، ووقته المناسب ، وتحاشي ما يوجب ثقله ..والملفت في هذا المجال أن الإنسان كثيرا ما يسترسل في نومه الكاذب ، إذ حاجة بدنه الحقيقية للنوم اقل من نومه الفعلي ..فلو ( غالب ) نفسه وطرد عن نفسه الكسل ، وهجر الفراش كما يعبر القران الكريم: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع }، فانه سيوفّر على نفسه - ساعات كثيرة - فيما هو خير له و أبقى ..وقد روي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : { من كثر في ليله نومه ، فاته من العمل ما لا يستدركه في يومه}و{ بئس الغريم النوم ، يفني قصير العمر ، ويفوّت كثير الأجر }. http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((افتراض حلول الموت)) يحسن بالعبد بين فترة وأخرى ( افتراض ) حلول الموت به على حين غفلة ، ليرى مدى ( استعداده ) لمواجهة هذا المصير الذي لا يُستثنى منه أحدٌ من الخلق ، وتتأكد هذه الحاجة لمن بلغ من العمر مبلغاً ، أو ألـمّت به عارضة يخشى معها الرحيل على عجل ..والمطلوب من العبد في مثل تلك المراجعة ، هو تصفية حقوق الخلق ، والإنابة إلى الخالق ، والتفكير فيما ينبغي له بعد الموت ، من موجبات الأجر الجاري الذي لا ينقطع بانقطاع الحياة ..ومع الإخلال بما ذكر ، فإن على العبد أن يوطّن نفسه على التصفية قبل الموت في سكراته ، وبعد الموت في برزخه ، وهو ما يعبر عنه الإمام الهادي (ع) بـ ( الحمّام ) ، وذلك عندما دخل على مريضٍ وهو يجزع فقال له: { إذا اتسخت وتقذّرت وتأذيت من كثرة القذر والوسخ عليك ، وأصابك قروح وجرب ، وعلمت أن الغسل في الحمام يزيل ذلك كله ، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك؟.. أوَ تكره أن تدخله فيبقى ذلك عليك ؟.. فقال بلى يا ابن رسول الله ، فقال(ع): هو ذلك الحمام ، هو آخر ما بقي من تمحيص ذنوبك ، وتنقيتك من سيئاتك }البحار-ج6ص156..فالأولي بالعبد أن يدخل الحمام بنفسه قبل الموت ، لئلا يجبر على دخولهـا بما فيها من ذل وقسر وطول مكث . http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((عظمة الخالق في النفس)) قد ورد في وصف المتقين أنه قد: { عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم }..فلنتصور عبدا وصل إلى هذه الرتبة المستلزمة لصغر ما سوى الحق في عينيه ، كيف يتعامل مع كل مفردات هذا الوجود ؟!..فإن صغر ما سوى الحق عنده ، يجعله لا ( يفرح ) بإقبال شئ عليه ، كما لا يأسى على فوات شئ منه ، كما لا ( يستهويه ) شئ من لذائذها ، ما دام ذلك كله صغيرا لا يستجلب نظره ، كالبالغ الذي يمر على ما يتسلى به الصغار غير مكترث بشيء من ذلك ..وفي المقابل فإن من صغُر الحق في نفسه ، فإنه ( يكبر ) كل شئ في عينه ، فاللذة العابرة يراها كاللذة الباقية ، والمتاع الصغير وكأنه منتهى الأماني لديه ، والخطب اليسير في ماله وبدنه كأنه بلاء عظيم لا زوال له ، وهكذا يعيش الضنك في العيش الذي ذكره القرآن الكريم ..وليعلم في هذا المجال أن كبر الدنيا في عين العبد ، تدل بالالتزام على صغر الحق المتعال في نفسه ، وفي ذلك دلالة على ( خطورة ) ما فيه العبد وإن ظن بنفسه خيرا . http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((كثرة الهموم)) إن كثرة الهموم والغموم تنشأ من تعدد مطالب العبد في الحياة الدنيا ، فكلما ( يـأس ) من تحقيق مأرب من مآربه ( انتابه ) همّ الفشل ، فإذا تعددت موارد الفشل تعددت موجبات الهموم ، وتبعاً لذلك تتكاثف الهموم على القلب بما تسلبه السلامة والاستقامة ..فلو نفى العبد عن قلبه الطموحات الزائفة ، وتضيّقت عنده دائرة المحبوبات ، واقتصرت همّته على ما يحسن الطمع فيه والطموح إليه ، ( قلّت ) عنده فرص الفشل ، وبالتالي نضبت روافد الهموم إلى قلبه ..وقد أشار أمير المؤمنين (ع) إلى هذه الحقيقة بقوله: { قد تخلّـى من الهموم إلا هما واحداً }البحار-ج2ص56..ومن هنا يعيش الأولياء حالة من ( النشاط ) والانبساط الذي يفقده - حتى المترفون - من أهل الدنيا ، وذلك لانصرافهم عما لا ينال ، وتوجّههم إلى ما يمكن أن ينال في كل آن ، وهو النظر إلى وجهه الكريم . http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/147.gif ((حقيقة الاسترجاع) إن حقيقة آية الاسترجاع: { إنا لله وإنا إليه راجعون }لو تعقلها العبد بكل وجوده ، لأزال عنه الهمّ الذي ينتابه عند المصيبة ..والسر في ذلك أن الآية تذكّره بمملوكية ( ذاتـه ) للحق ، فضلا عن ( عوارض ) وجوده ..وهذا الإحساس بدوره مانع من تحسّر العبد على تصرف المالك في ملكه - وإن كان بخلاف ميل ذلك العبد - إذ أنه أجنبي عن الملك قياسا إلى مالكه الحقيقي ..كما تذكره ( بحتميّة ) الرجوع إليه المستلزم ( للتعويض ) عما سلب منه وهو مقتضى كرمه وفضله ، وإن ذكرنا آنفا أن سلب الملك من شؤون المالك لا دخل لأحدٍ فيه ، كما يقال في الدعاء: { لاتضادّ في حكمك ولا تنازع في ملكك }..كل هذه الآثار مترتبة على وجدان هذه المعاني ، لا التلفظ بها مجردة عما ذكر . http://smileys.lail-alsahara.com/fawasil/165.gif ونسألكم الدعاء |
الساعة الآن »08:23 PM. |