![]() |
المخطوفة
المخطوفة
خرجت من بيت ذويها، لشراء بعض الحاجيات. وذلك من دكان البقالة القريب من بيتها، وفي حيها المتناهي في القدم، الذي لا يزال يعبق برائحة الأجداد وطيبتهم. لم تكن تلك أول مرة، فقد تعودت ذلك منذ صغرها. وأهلها كانوا مطمأنين عليها، لكونها بين أهلها وأقاربها. لكن خروجها هذه المرة، بعد سقوط قرص الشمس مودعة النهار، ومستعدة لاستقبال الليل البهيم. وفي ذلك اليوم الذي غاب عنه قمره - وأفل نوره، ولم تضاء فيه مصابيح الطرقات. وكان الآباء حين ذهابهم لأداء الصلاة، يتلمسون الجدران من حولهم خوف التعثر. وخفت وطأت الأرجل في الطرقات الضيقة، إلا عند الحاجات الضرورية، معتمدين على الأنوار الضعيفة الخارجة من بين ثقوب الجدران. وانهمكت الأمهات، في التحضير لوجبة العشاء. تأخرت على غير عادتها، فاستبطئها أهلها فأرسلوا من يبحث عنها. سألوا العامل، فذكر لهم أنها تركت دكانه مباشرة، بعد شرائها ما جاءت من اجله. جابوا الطرقات، رغم عن الظلمة التي كانت تحاول إعاقتهم. ورغم انف الشيطان، الذي كان يشجعهم على التسويف، وترك الأمر حتى خروج ضوء النهار. لكن حرارة الأبوة، ومعزة الأبناء، لم تمكنهم من الركون إليه. كما أن خوفهم من حدوث ما لا يحمد عقباه، جعلهم يحثون الخطى. فلم يتركوا مكانا تعودت الذهاب إليه، إلا فتشوه. قلبوا حجرة نومها، رأس على عقب. نقبوا خلال حاجاتها الشخصية، واستخرجوها قطعة - قطعة. على أمل أن يجدوا خيطا، يقودهم إليها. لم يجدوا مفرا من الاستفسار من صديقاتها، ومن تعودت مرافقتهم، مع تخوفهم من الفضيحة. لم يتركوا الأقارب، ولم يستثنوا الأباعد، مع التأكيد عليهم ضرورة التكتم على خبرها. ولكن الكل بنفس واحد ينفي علمه بها، ويستنكر اختفائها. كأنها قطعة ملح ذائبة، في كأس ماء. أو أنها كشفت عن باطن الأرض، واختفت فيها. لم يسبق لها القيام بمثل ذلك، ولم يعرف عنها أي سلوك شائن، يدل على سوء خلقها، أو سوء تربيتها. سرى خبرها من داخل الحي إلى نواحي القرية، انتشار النار في الهشيم. ومنه إلى كامل قرى المنطقة. عندها كانت حديث الرجال في نواديهم - وفي نشرة أخبارهم. وغدت علك النساء في مجالسهن - وعبر وكالات أنبائهن. صاروا يألفون حولها القصص، وينتجون من مصيبتها الأفلام، كل حسب فكره وخلفيته الثقافية. ولكن البعض كان أكثر إنسانية، وأكثر تقديرا للموقف. فحاول الوقوف إلى جانبهم، والتخفيف عنهم. باحثا معهم عن الداء، ويجتهد في وصف الدواء. وآخرون أحبوا كيل اللوم لهم، على تركها تخرج وحدها، وعدم تكليف إخوتها الأولاد بمصاحبتها. والحالمون منهم نسجوا لها القصص الخيالية والغرامية، كان نهايتها الهروب مع الحبيب. رجما بالغيب، وظنا بالإثم. وهناك من عزى الأمر إلى قضايا انتقامية، ورد الصاع صاعين. بعد فترة من البحث المضني - والتنقيب الدءوب، ذكرت لهم أحد صديقات الدراسة، حلم روته لها قبل أيام من اختفائها. ولكنهم حاولوا عدم الاهتمام به - أو الالتفات إليه - أو إعطاءه كبير أهمية. عندما لم يكن لهم سبيل آخر، ونفذت منهم كل الحيل، آخذوا تلك الرؤية على محمل الجد. فلجؤا إلى السلطات الأمنية، لمتساعدهم في العثور على عزيزتهم، وتخليصها سالمة من بين أيدي مختطفيها. بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية |
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمدوعجل فرجهم نسال الله بحق محمد وال محمد ان تقر اعين ذويها برجوعها سالمة |
|
الساعة الآن »03:26 AM. |