منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - حقائق التوحيد في خطبة الزهراء
عرض مشاركة واحدة

مسكين مستكين
الصورة الرمزية مسكين مستكين
عضو مميز
رقم العضوية : 7148
الإنتساب : Dec 2009
الدولة : ارض عزيز الزهراء
المشاركات : 465
بمعدل : 0.08 يوميا
النقاط : 204
المستوى : مسكين مستكين is on a distinguished road

مسكين مستكين غير متواجد حالياً عرض البوم صور مسكين مستكين



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : مظلومية سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها"> مظلومية سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها
افتراضي حقائق التوحيد في خطبة الزهراء
قديم بتاريخ : 17-Jun-2011 الساعة : 11:50 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على فاطمة وابيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها بعدد ما احاط به علمك
واحصاه كتابك .
على حب سيدتي ومولاتي مطلع البدر والصديقة الكبرى وهيبة الفجر ومنتثر الازهار وتفاحة الفردوس الكوثر المظلومة المحزونة ام الحسن ( فاطمة التقية النقية الزهراء ) عليها افضل وأكمل وأنبل الصلاة والسلام .
بفاطمة قد تمسكنا وبالامها قد تشاركنا واضلاعها جرح بركان ومثل الضلوع تحركنا
==================

القسم الاول

بحث في حقائق التّوحيد وأسرار الشّهادة بالوحدانية من خلال الخطبة الغرّاء لمولاتنا فاطمة الزّهراء، صلوات الله عليها، قالت مولاتنا الزّهراء، صلوات الله عليها، في خطبتها الغرّاء:


(وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، كلمةً جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التّفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيئته).
هذه الكلمات تضمّنت معارف عجيبة، والمتأمل فيها يصل إلى أعماق الفكر التّوحيدي، على لسان الصّدّيقة الكبرى صلوات الله عليها.
هنا مقدّمة ينبغي الإشارة إليها قبل الورود في مطاوي البحث، المقدّمة هي: إنّ كلّ شيء مبتنٍ على الأصول والرّكائز والأسس، وبهذا يتضح متبنانا فيما يتعلّق بطرح الأبحاث العقائدية، والتّأكيد عليها تباعاً دون انقطاع وقدر المستطاع، إذاً،
الأساس لابدّ أن يستحكم، والقاعدة لابدّ أن تكون رصينة، حتّى يتمكّن الإنسان من طيّ مراحل التّفريع والبناء على ضوء تلك القواعد والاُسس.




الصفحة 36</b>
لاحظوا في خطب الأئمّة وأمّ الأئمّة، صلوات الله عليهم أجمعين، أنّهم يفتتحون خطبهم، كلماتهم، وبياناتهم بالأسرار المتعلّقة بأصول الإعتقاد، ثمّ يعرّجون على التّفريعات وما يتعلق بالأحكام الإجتماعية والأخلاقية والإقتصادية وما إلى ذلك من شؤون الحياة العامّة والخاصّة.
وبهذا يتضح بأنّ الصّديقة الكبرى (ع) أرادت أن تبين أنّ المنشأ لابدّ أن يكون رصيناً، والقاعدة محكمة، حتّى يكون الإنسان عقائدياً بمعنى الكلمة، لا تحرّكه الرّياح، ولا تزلّ أقدامه العواصف التي تسحق هذا المكان وذاك البلد وتلك الجماعة وغيرها، لقد أرادت الصّدّيقة الزّهراء (ع) أن تفتتح الحديث بالعقائد وتؤكد عليها، وهذا الشّيء الذي تؤكده سلام الله عليها، يعتبر الآن من أهمّ المطالب في الخطبة الغرّاء لفاطمة الزّهراء (ع).
ولهذا ألفِتُ النّظر إلى جملة جملة، بل كلمة كلمة من هذه العبارات الهامّة، حتى يتضح على أيّ استناد عقلي، وعلى أيّ استناد وجداني، يكون الإنسان موحداً، وهذه العبارات أطلق عليها عبارة التّوحيد الخالص الذي نطقت به الصّدّيقة الكبرى (ع).
تأمّلوا كلمات مولانا أمير المؤمنين (ع)، في كتاب نهج البلاغة فإنّه صلوات الله عليه ابتدأ كلامه بالأمور الإعتقادية وما يتعلق بها. وانظروا إلى خطبتها (ع)، عمّ تتحدث فاطمة (ع) فيها؟ ثمّ انتقل إلى كتاب الله، وانظر أوّل نجوم ونزول القرآن الكريم، إنه كان في المجال الإعتقادي. لمّا كان المصطفى (ص) في مكّة، كانت الآيات النّازلة عبارة عن آيات الإعتقاد، آيات الأصول، فيما يرتبط بالتّوحيد الخالص، وبالنّبوة، والإمامة، والمعاد وغيرها من أصول الإعتقاد ما يتعلق بها من الأسرار والنّكات الإعتقادية، ثمّ لمّا هاجر النّبيّ (ص) إلى المدينة
نزلت آيات الأحكام والتّفريعات والتّقنيات العامّة، المرتبطة بالصّلوات وغيرها، وانظر إلى زبور آل محمّد (الصّحيفة السّجادية) تجدها تبتدئ بحمد الله والثّناء عليه وتوحيده وتمام الإخلاص له، إذن فالأساس أوّلاً هو أصول الإعتقاد، ومن ثمّ تتوالى مفردات البناء، ولقد أرادت الزّهراء (ع) أن تجاري بكلماتها تراث الإسلام العظيم المتمثل بكتاب الله وسنّة رسوله



الصفحة 37</b>
وأهل بيته ()، كيف لا وهي سيّدة أهل البيت () وأصل عترة النّبيّ المصطفى (ص)، وهذا هو المطلب الذي أودّ أن أؤكّد عليه في هذا المجال.
قالت الزّهراء (ع): وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له: في هذه الكلمة أبحاث عميقة ودقيقة، ولكن بالمقدار المتيسر نشير إلى أهم نقطة، وهي بيان المراد بكلمة التّشهّد.
لمّا نقول أشهد أن لا إله إلاّ الله، ما معنى كلمة أشهد؟ فهذه الكلمة مرّة تنطلق عن الله تعالى: (((شَهِدَ اللهَ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُو وَالمَلائِكَةُ وَأُولُوا العِلمِ)))(1) ، ومرّة يكون نطق الشّهادة على لسان مظهر الشّهادة ومظهر التّوحيد، الأئمة صلوات الله عليهم، الذين بهم ـ كما في الزّيارة الرّجبية على لسان مولانا الحُجّة عجّل الله فرجه إذ يقول فيها: حتى ظهر لا إله إلاّ أنت ،(2) بعليّ وآل عليّ ـ ظهرت كلمة لا إله إلاّ الله، ولولاهم ما عرف الله، ولولاهم ما عبدالله، كما يقول الإمام الصادق (ع): بنا عرف الله وبنا عبد الله .(3)
إذاً الشّهادة تكون مرّة عن الله عزّ وجلّ: (شهد الله)، وأخرى تكون على لسان من ظهرت بهم كلمة التّوحيد، وأخرى على ألسنة غيرهم من الخلق، إذاً كلّ مفردة بحسب واقعها، وبحسب النّاطق بها.
ما معنى شهد الله؟
هذا يحتاج إلى بحث واسع وعريض، وكما أشرت وأؤكّد أنّ كلّ كلمة من كلمات فاطمة (ع) تحتاج إلى ليالٍ وأيام حتى نستحكم المراد، ونصل إلى عمق المطلوب.
إذاً لابدّ أن نلاحظ المراد من الشّهادة. (شهد الله)، المراد هنا بالشّهادة الموجودة في القرآن الكريم عبارة عن: البيان والإبراز والإظهار.
__________________________________________
1) آل عمران: 18.
2) إقبال الأعمال: 145، (مؤسسة الأعلمي ـ بيروت).
3) بحار الأنوار: 26/260 (دار إحياء التّراث العربي ـ بيروت).





الصفحة 38</b>
يعني، أظهرت أنّه لا إله إلاّ الله، شهد: يعني، بيّن وأظهر وأبرز ،(1) والبيان يحتاج إلى واسطة، والإظهار يحتاج إلى مظهر، ومن هنا يتم الجمع بين حقيقة المعنى في الشّهادة لله عزّ وجلّ على نفسه بأنّه لا إله إلاّ هو، وبين ما ورد في الزّيارة الرّجبية على لسان مولانا المعصوم مولانا الحُجّة عجّل الله فرجه قال: حتى ظهر لا إله إلاّ أنت، إذاً قوله تعالى: (شهد الله) أي أظهر، فبأيّ شيء أظهر؟ اله لا يد له ولا شبه له بالجوارح العارضة على الخلائق، وليس له حواس، حاشا لله أن يوصف بوصف. إذاً بأي شيء أظهر؟ بأي شيء بيّن؟ مثلاً عندما تريد أن تكتب شيئاً كتابة معينة، تحتاج إلى ورقة وقلم حتى تُظهر المراد، إذاً لابدّ من واسطة، ولابدّ من آلة يفاض عليها، وبها يظهر الشّيء.
ومن هنا يتضح أنّ الشّهادة لله ظهرت بهم صلوات الله عليهم أجمعين، ولهذا يروي الكثير من علماء أهل السّنّة: إذا برز عليّ بن أبي طالب (ع)، ونظر إليه النّاظر قال: لا إله إلاّ الله، وإذا وجّه سيفه على هؤلاء الذين وقفوا أمامه، قالوا: لا إله إلاّ الله، وإذا نزل ميدان الوغى وساحات القتال ونظروا إليه صاحوا: لا إله إلاّ الله، وكما تقول الصّدّيقة الكبرى، صلوات الله عليها، في خطبتها: (قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ ـ أي عليّ (ع) ـ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويُخمد
لهبها بسيفه) فهذا الذي لا ينكفئ حتى يطأ بأخمص قدمه صماخ المشركين، إذا نظروا إليه صاحوا: لا إله إلاّ الله، وهذا يفسّر لك حقيقة أنّ ظهور التوحيد بهم صلوات الله عليهم.
ثمّ مرّة أخرى تكون الشّهادة على لسان الصّدّيقة (ع)، وهنا الشّهادة على غير المعنى الذي نحن عليه حتى نصل إلى المقصود من كلمتها التي تعكس آيات خزائن الغيب،
__________________________________________
1) انظر لسان العرب: 7/222 (مادة شهد).





الصفحة 39</b>
وآيات عرش الله، وآيات الإسم المخزون المكنون، لمّا تخطب وتقول: أشهد، الكلمة على لسان الزّهراء هذه المرّة، فما المراد من هذه الكلمة؟ نوضح الأمر برويّة ونقول:
إنّ المعنى الذي عليه سائر الخلق، أنا وأنت عندما نقول: أشهد، يقولون: المراد بها أعلم، ولهذا لا يصح أن نقول: أُقر أن لا إله إلاّ الله، مع أنّ الإقرار درجة عالية من الإذعان، ولا يجوز لك أن تقول: أعترف أن لا إله إلاّ الله، فلو أتى بها الإنسان خصوصاً في الصّلاة، بطلت الصّلاة، بل لابدّ من كلمة أشهد، ذلك لأنّ أشهد أعلى درجات الإدراك، وأعلى درجات التّصور والتّصديق لمضمون ما يرد بعد الشّهادة، والمضمون هو لا إله إلاّ الله.
وعليه فعبارة الشّهادة على ألسنتنا عبارة عن العلم والإدراك التّامّين، ندرك بوجداننا، بفطرتنا، بعقولنا، بواقعنا، أن لا إله إلاّ الله.
وأمّا على لسان الزّهراء (ع)، فهل أشهد بمعنى الإدراك؟ وهي فوق الإدراك. هل بمعنى التّصور؟ وهي فوق التّصور؛ لأنّ هؤلاء هم خاصّة خلق الله، وممّن اصطفاهم الله، فلابدّ أن يكونوا في أعلى درجات الكمال، إذاً كلمة أشهد على لسانها () تعني أنّه لا إله إلاّ بنا، نحن الذين نشهد أن لا إله إلاّ الله، وهذه هي أتمّ المعاني التي يمكن إبرازها.
وأسفاً! لم تعط هذه الخطبة الغرّاء حقّها في تاريخنا، إذ أنّ هناك نوعاً من
التّسامح أو الغفلة أو التّساهل من كبيرنا وصغيرنا، رغم أنّ البعض قد تصدّى لشرحها وبيانها، ولكن لم يوفوا حقّها! إذ كلّ كلمة منها تحتاج إلى وقفة وتأمل، فمرّة أتعامل مع كلمة تفوّه بها إنسان عادي، ومرّة تكون الكلمة منطلقة من وليّ اصطفاه الله من دون الخلائق، فيكون لها عمق ويكون لها ميزان.
إذاً شهادتها عبارة عن أنّها هي المَظْهر للتوحيد، وأنّها هي الموحّد الواقعي، والموحّد الخالص لله، ولا تجد توحيداً صحيحاً إلاّ عند الإمامية الذين هم على الحقّ ومع الحقّ، ينطلقون منه وإليه، هذا هو الأمر الذي لا غبار عليه.



الصفحة 40</b>
أشهد ـ كما تقول الزّهراء صلوات الله عليها ـ أنّ كلّ ما في حقيقة التّوحيد إنّما هي بنا قامت، وإلاّ كيف كانوا قبل الإسلام، وفي أي وضع كانوا من عبادات ومن صنميات ومن جاهليات؟ تصفّح أحوال العرب كيف كانوا قبل الإسلام؟ القرآن يبيّن ـ وكفى به كلاماً تامّاً ـ (((وَإِذا المَوؤدَةُ سُئِلَت * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلت)))(1) القرآن يبيّن لك مظهراً من المظاهر لا على التّعيين لكنه على أساس التّمثيل، حيث إنّ قتل النّفس وهي في بواكير حياتها يمثل منتهى الصّنمية ومظهراً من مظاهر التّخلّف والجاهلية.
ثمّ قالت (ع): وحده لا شريك له، هذه الكلمة تأكيد على أنّ التوحيد لابدّ أن يؤكّد بوحده لا شريك له، وهذه إشارة إلى الذّات الأقدس لا يمكن أن تكون لها شراكة على الإطلاق.
ثمّ قالت كلمة الشّهادة التّوحيدية: كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وهنا تقف العقول حيارى في بيان معنى جعل الإخلاص تأويلها.
من هذه الكلمة ننطلق إلى بحث عقائدي هامّ، فهذه الكلمة على غرار ما ورد من آيات في القرآن الكريم قال تعالى: (((وَمَا يُؤمنُ أَكثَرُهُم بِاللهِ إِلاَّ وَهُم
مُّشْرِكُونَ)))(2) يعني أن شريحة المؤمنين الذين هم الأغلبية من المؤمنين هم على الشّرك. وهناك مشكلة في نفوسهم، كيف يؤمنون، وكيف يشركون؟ ومن هنا يتضح المراد من خلال الكلمة العظيمة لمولاتنا فاطمة الزّهراء (ع).
إذ النّاس في قضية التّوحيد على اتجاهات وفرق، حتى أنّ الإتجاه الأكبر الموجود بين المسلمين ليس عل التّوحيد الخالص، لأنّه ينظر إلى الله تارة موصوفاً بالحركة، وأخرى
__________________________________________
1) التكوير: 8و9.
2) يوسف: 106.





الصفحة 41</b>
موصوفاً بالنّزول كما في مرويات كتب علماء العامّة، فقد جاء في بعضها: إنّ الله ينزل إلى السّماء الدّنيا .(1)
إذاً هناك وصف بالحركة ووصف بالنّزول، بالكيفية مثل: يطأ برجله نار جهنم، فتقول: قط قط كما في البخاري ،(2) وهذا خلاف التّوحيد الخالص. الزّهراء (ع) تريد أن تبيّن أنّ التّوحيد الخالص عندنا وعند من اتبعنا دون غيرهم، ونحن معاشر الإمامية نفتخر لأنّنا سلكنا طريقهم طريق الحقّ.
جعل الإخلاص تأويلها: تفسير ذلك على لسان الإمام علي (ع) في أوّل خطبة له؛ لأنّ كلماتهم بعضها من بعض، وكُلّهم أنوار، إذا نطق أوّلهم نطق آخرهم، وهكذا بالعكس، ذرية بعضها من بعض، فما تريد الزّهراء (ع) أن تقوله هو ما جاء على لسان أمير المؤمنين (ع) حيث يقول: أوّل الدّين معرفته، وكمال معرفته التّصديق به، وكمال التّصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصّفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ
موصوف أنّه غير الصّفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلى منه .(3)
هذا ما تريد قوله الزّهراء (ع) ـ نفي كلّ هذه الصّفات عنه ـ لأنّ الصّفة حادثة، ولأنّ الصّفة غير الموصوف، فعندما نقول إنّ زيداً قائم، القيام شيء، وزيد شيء آخر، وإن كان مندكاً معه، لأنّ القيام والعلم وما إلى ذلك صفات تعرض على ذات الإنسان، فإذا كانت الصّفات عارضة لا يمكن أن يوصف بها الله سبحانه.
__________________________________________
1) انظر: صحيح البخاري: 8/88 كتاب الدّعوات، صحيح مسلم: 6/37 باب صلاة اللّيل، مسند أحمد بن حنبل: 6/539 ح10317، سنن ابن ماجة: 2/161 ح1366، مسند أبي يعلى الموصلي: 6/263 ح7371 و5/363 ح6127، موطّأ مالك: 1/207 باب ما جاء في الدّعاء، كنز العمال: 3/467 ح7463 وغيرها.
2) صحيح البخاري: 8/168 (دار احياء التّراث العربي ـ بيروت).
3) نهج البلاغة: 13و14 (صبحي الصّالح ـ دار الأسوة).





الصفحة 42</b>
إذاً الله الذّات الأقدس، لا يوصف بوصف على الإطلاق، وإنّما يعرف بمظاهره وتراجمة وحيه والسّنة إرادته وآثاره من الخلائق، فبهم تكون المؤشرات إليه جلّ وعلا.
إذاً الزّهراء (ع) تريد أن تقول: وكمال الإخلاص، أن ننفي الصّفة عنه، كلمةً جعل الإخلاص تأويلها، أي نفي الصّفات عنه تعالى. تأويلها: يعني مآل التّوحيد له نفي الصّفة عن الله عزّ وجلّ، وما تراه من أوصاف القرآن الكريم إنّما هي بلحاظ أوليائه وسفرائه الذين اصطفاهم على خلائقه، وأما هو سبحانه فهو فوق الصّفات وفوق المؤشرات والإشارات، هذه كُلّها عبارات، فهل بالعبارات تريد معرفة الله؟! الرّوح الآن لا تعرف كنهها وحقيقتها، قال تعالى: (((يَسئَلُونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحِ مِن أَمرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلمِ إلاَّ قَلِيلاً)))(1) وكذلك كنه العقل، ولذلك لم يتوصل الفارابي وامثاله إلى معرفة كنه الشّيء، واترفوا بعجزهم، هذا أمر فيه الطّلب مردود، والباب مسدود تماماً، فالإنسان يجب أن يرجع إلى أهل العلم ليعرف الحقّ، قال تعالى: (((ولو ردّوه إلى الرّسول وإلى أولي الأمر
منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم))) .(2)
وضمن القلوب موصولها، وأنار في التّفكر معقولها:
التّوحيد على قسمين: ـ
1- توحيد فطري.
2- توحيد نظري.
أمّا التّوحيد الفطري: فهو ما فطر عليه الإنسان في معرفة الله، وأنّه لا إله إلاّ هو، لكن الحجب نتيجة الأفكار الفاسدة، والمعتقدات الباطلة، فهذه هي التي تضع الغشاوة، وتجعل الإنسان يشتبه في تعيين الأشياء، وإلاّ فهو موحّد بذاته وفطرته.
__________________________________________
1) الإسراء: 85.
2) النّساء: 83.





الصفحة 43</b>
وضمن القلوب، أي قلوب الخلائق، موصولها، بمعنى أنّ ما من قلب إلاّ وهو بذاته يعترف ويتوصّل إلى حقيقة أن لا إله إلاّ الله.
لذلك إذا وقع في بحر أو ما أشبه يصيح: لا إله إلاّ الله حتى لو كان مشركاً تراه يعترف بالتّوحيد، وهذا ينطلق من باب التّوحيد الفطري الذي تشير إليه الزّهراء (ع).
وضمن القلوب، والمراد هنا بتضمين القلوب، يعني، ذات ووجدان وفطرة الإنسان، ضمنها الوصول إلى إله إلاّ الله.
وأنا في التّفكّر معقولها: وهذا الذي اصطلحنا عليه بالتّوحيد النّظري بمعنى أنّ العقول لو توجّهت إلى الله عزّوجلّ، ورأت آثاره وعظمته في كلّ دقائق الكون، وتفكّرت في كلّ أشياء الكون، من الذّرّة وحقيقة الذّرّة لتوصّلت إلى حقيقة التّوحيد، والعلماء إلى الآن عندما يعرّفون الذّرّة فإنّهم يقولون: إنّها تتكون من نواة تحتوي على بروتونات ونيوترونات وتدور حولها الإلكترونات، فعندما يسأل عن حقيقة هذه الإلكترونات مثلاً، لا تجد من يعرّف حقيقتها، ربما يعرّفونها تعريفاً
لفظياً فقط. إنّها حقائق مجهولة، فكيف بالمجرات فإنّ حول هذه الشّمس شموساً، وبين كلّ شمس وشمس ما شاء الله من المسافة، فالكون في التّصور والتّعقل، وأنت تريد معرفة الله بالألفاظ؟!
الممتنع من الأبصار رؤيته: ما هذا التّدرّج العجيب الدّقيق؟!
ابتدأت بالبصر: الممتنع من الأبصار رؤيته، ثمّ ذكرت الألسن: ومن الألسن صفته، ثمّ الأوهام: ومن الأوهام كيفيته، معنى ذلك أنّ البصر له بُعْد معين محدود، ثمّ تنتقل إلى ما هو أوسع من البصر وهو اللّسان، لأنّ اللّسان قادر على وصف ما يراه وما لا يراه، ثمّ انتقلت إلى الأبعد وهي الأوهام التي بها تحصل إدراك الجزئيات، حتى بهذا المقدار من الوهم والخيال لا يمكنك أن تصف الله سبحانه، إذ كُلّما ميزتموه بأوهامكم في أدقّ معانيه، فهو



الصفحة 44</b>
مردود عليكم مخلوق مثلكم، يعني أي شيء تتصور بخصوص ذاته تعالى فهو شرك، الزّهراء (ع) تريد أن تقول: ـ قف بين يدي الله وأنت منقطع، ومصدّق بأنّ هناك قوّة تحيط بكلّ شيء، ولهذا فإنّ القرآن الكريم يقول: (((وَمَا يُؤمِنُ أكثَرُهُم بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشرِكُونَ)))(1) . لماذا؟ لانّ الإنسان قد يتصور أنّ الله يوجد في الجهة، أو أنّ له يداً يرفعها، أو غير ذلك من الأشياء تعالى الله عن كلّ شيء، فهو سبحانه أقرب إلينا ن كلّ شيء، عظمة الله لا يمكن أن يدركها ويتصورها عقلك. حار العلماء في معرفة أسرار النّجوم والكواكب، وأنت تريد معرفة من أحاط بكلّ شيء؟!
الزّهراء، صلوات الله عليها، تخاطب الخلق، تقول لهم هذه عقائدكم، وهذه كُلّها تحمل بيانات تعريضية، يعني تريد أن تقول إنّ أكثركم يشرك، وهو ليس على التّوحيد الخالص.
الممتنع من الأبصار رؤيته ومن الألسن صفته: مهما تملك من قدرة
فلن تصل باللّسان إلى صفته سبحانه، فكلّ ما تملكه من طاقات وقدرات، فهي محدودة، والإنسان يبقى محدوداً في كلّ شيء، فكيف يحيط المحدود باللامحدود؟! الإنسان متناهٍ، فكيف يحيط المتناهي باللامتناهي؟! لا يمكن أن يصل إلى تلكم القدرة التي حار فيها كلّ شيء، فسلّم لها وأذعن (((وإِن مِّن شَيءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم))) .(2)
ومن الأوهام كيفيته: الأوهام: هي القدرة التّخيلية، تريد أن تقول () حتى بهذا المقدار من القدرة التّخيلية لا يمكن أن تصف الله، ولا أن تصل إلى معرفة ذاته، تعالى الله عمّا يصفون، فما عليك إلا أن تستسلم إلى الحقّ.
__________________________________________
1) يوسف: 106.
2) الإسراء: 44.





الصفحة 45</b>
ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها: يعني لا توجد تشكيلة سابقة، وعلى ضوء تلك التّشكيلة وعلى حذوها يصنع، وإنّما كوّنها بقدرته وذرأها بمشيئته.





أسرار الخطبة الغراء
لمولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السّلام)
تأليف
سماحة العلامة الدکتور الشيخ عبد الکريم العقيلي دام ظله
نسالكم الدعاء



توقيع مسكين مستكين




رد مع اقتباس