يا هشام أوحى الله تعالى الى داود ((
)) يا داود حذّر، وأنذر أصحابك عن حبّ الشهوات، فإنّ المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عنّي.
يا هشام ايّاك والكبر على أوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك الله، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك. وكن في الدنيا كساكن دار ليست له ، انّما ينتظر الرحيل.
يا هشام مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة. ومشاورة العاقل الناصح يُمنٌ وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإيّاك والخلاف فإنّ في ذلك العطب.
يا هشام ايّاك ومخالطة الناس والانس بهم إلاّ أن تجد منهم عاقلا ومأموناً فآنس به واهرب من سايرهم كهربك من السباع الضارية. وينبغي للعاقل اذا عمل عملا أن يستحيي من الله. واذا تفردّ له بالنعم ان يشارك في عمله أحداً غيره. واذا مرّ بك أمران لا تدري أيهما خيرٌ وأصوب، فانظر أيهما أقرب الى هواك فخالفه، فانّ كثير الصواب في مخالفةهواك. وايّاك أن تغلب الحكمة وتضعها في أهل الجهالة قال هشام: فقلت له : فان وجدت رجلا طالباً له غير أن عقله لا يتّسع لضبط ما القي اليه ؟
قال ((
)) : فتلطّف له بالنصيحة، فإن ضاق قلبه ] فـ [ـلا تعرضنّ نفسك للفتنة، واحذر ردّ المتكبرين، فانّ العلم يُذِلُّ على أن يملى على من لا يفيق قلت: فان لم أجد من يعقل السؤال عنها؟ قال ((
)) : فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الردّ. واعلم انّ الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده. ولم يؤمنّ الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده.ولم يفرّح المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته، فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودّد الى من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذى فيه ، وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه .
يا هشام من أحبّ الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه وما أوتي عبدٌ علماً فازداد للدنيا حباً إلاّ ازداد من الله بعداً وازداد الله عليه غضباً.
يا هشام انّ العاقل اللّبيب من ترك ما لا طاقة له به، وأكثر الصواب في خلاف الهوى. ومن طال أمله ساء عمله.
يا هشام لو رأيت مسير الأجل لالهاك عن الأمل.
يا هشام ايّاك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس . وأمت الطمع من المخلوقين، فانّ الطمع مفتاح للذل واختلاس العقل واخلاق المروات. وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم، وعليك بالاعتصام بربّك والتوكل عليه. وجاهد نفسك لتردّها عن هواها، فإنّه واجب عليك كجهاد عدوّك.
قال هشام : فقلت له فأَيّ الاعداء أوجبهم مجاهدة ؟ قال ((
)) : أقربهم اليك وأعداهم لك وأضرّهم بك وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك شخصاً مع دنوه منك، ومن يحرّض أعداءك عليك وهو ابليس الموكّل بوسواس القلوب فله فلتشتد عداوتك ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنّه أضعف منك ركناً في قوّته وأقلّ منك ضرراً في كثرة شرّه. إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت الىصراط مسقيم.
يا هشام من أكرمه الله بثلاث فقد لطف به: عقل يكفيه مؤونة هواه وعلم يكفيه مؤونة جهله وغنى يكفيه مخافة الفقر.
يا هشام احذر هذه الدنيا واحذر أهلها، فانّ الناس فيها على أربعة أصناف: رجل متردّ معانق لهواه. ومتعلم متقرّى كلما ازداد علماً ازداد كبراً، يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه، وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحبّ أن يعظّم ويوفّر. وذيبصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به، فهو عاجزٌ أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرفـ ] ـه [ فهو محزون مغموم بذلك، فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلا.
يا هشام اعرف العقل وجنده، والجهل وجنده تكن من المهتدين، قال هشام: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلاّ ما عرّفتنا.
يا هشام انّ الله خلق العقل وهو أوّل خلق خلقه الله من الروحانيّين عن يمين العرش من نوره فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له: أقبل فأقبل. فقال الله جلّ وعزّ: خلقتك خلقاً (عظيماً) وكرّمتك على جميع خلقي. ثم خلق الجهل من البحر الاجاج الظلماني، فقال له: أدبر، فأدبر ثم قال له: أقبل ،فلم يقبل فقال له: استكبرت فلعنه، ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً، فلمّا رأى الجهل ما كرّم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة، فقال الجهل: يا ربّ هذا خلق مثلي خلقته و كرّمته وقوّيته وأنا ضده ولا قوّة لى به أعطني من الجند مثل ما
أعطيته فقال تبارك وتعالى، نعم ، فان عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي، فقال: قد رضيت. فأعطاه الله خمسة وسبعين جنداً فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين جنداً: الخير وهو وزير العقل وجعل ضدّه الشر وهو وزير الجهل.
الإيمان،الكفر.التصديق،التكذيب.الاخلاص،النفاق.
الرجاء، القنوط. العدل، الجور. الرضى، السخط.
الشكر، الكفران. اليأس، الطمع. التوكل، الحرص.
الرأفة، الغلظة.العلم،الجهل. العفة، التهتك.
الزهد، الرغبة. الرفق، الخرق. الرهبة، الجرأة.
التواضع،الكبر. التؤدة، العجلة. الحلم، السفه.
الصمت، الهذر. الاستسلام، الاستكبار. التسليم،التجبر.
العفو، الحقد. الرحمة، القسوة. اليقين، الشك.
الصبر، الجزع. الصفح، الانتقام. الغنى، الفقر.
التفكّر، السهو. الحفظ، النسيان. التواصل، القطيعة.
القناعة،الشره. المؤاساة، المنع. المودة، العداوة.
الوفاء، الغدر. الطاعة، المعصية. الخضوع، التطاول.
السلامة، البلاء. الفهم، الغباوة. المعرفة، الانكار.
المداراة، المكاشفة. سلامة الغيب، المماكرة. الكتمان، الافشاء.
البرّ، العقوق. الحقيقة، التسويف. المعروف، المنكر.
التقية، الاذاعة. الانصاف، الظلم. التقى، الحسد.
النظافة، القذر. الحياء، القحة. القصد، الاسراف.
الراحة،التعب.السهولة، الصعوبة. العافية، البلوى.
القوام، المكاثرة. الحكمة، الهوى. الوقار، الخفة.
السعادة، الشقاء. التوبة، الاصرار. المحافظة، التهاون.
الدعاء، الاستنكاف. النشاط، الكسل. الفرح، الحزن.
الالفة،الفرقة.السخاء،البخل. الخشوع، العجب.
صون الحديث النميمة. الاستغفار، الاغترار. الكياسة، الحمق.
يا هشام لا تُجمعُ هذه الخصال إلاّ لنبيّ أو وصيّ أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان . وأما ساير ذلك من المؤمنين فإنّ أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل. فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء((
)) وفّقنا الله وإيّاكم لطاعته.
انتهــى