[حسين نوح مشامع]

استعدادا لشهررمضان
كانا رفيقي عمل يذهبان ويعودان معا، مما جعل من حولهما يعتقد إنهما اخوين خرجا من بطن واحدة، لشدة التصاقهما.
بدخول شهر رمضان المبارك تغير نظام حياتهما، فأخذ كل منهما طريقه الخاص به، كنهر تحول لرافدين منفصلين.
فتحي يمضي بعض ليله في العبادة والتقرب لله، وصبحي يمضيه في اللهو واللعب. فتحي يكثر تواجده بين الحسينيات والمساجد، وصبحي ينتقل بين ديوانيات اللهو وجلسات الطرب.
تواعدا على أن ينقل كل منهما لصاحبه تجربته عن الليلة السابقة، عندما يلتقيان صباحا. خلال عملهما يقتطعان جزء من وقتهما ليلتقطا أنفاسهما، ويجلسا لبعضهما بعيدا عن زحمة الأوراق وتراكم العمل. فيستغرب كل منهما من كيفية قضاء صاحبه لليلته، رغم كونهما ينتميان لدين واحد، ويسكنان في محلة واحدة.
فتحي مغتبطا كأنه ولد من جديد، لقد أنهيت جزءا كاملا من القرآن الكريم، لم أكن لأكمله خلال شهور الماضية.
صبحي كطاووس ناشرا جناحيه، مستصغرا ما يقوم به صاحبه، كأنه صنع ما يفيد به البشرية: لقد غلبنا الفريق الآخر في البالوت، وجعلناهم يعترفون بهزيمتهم لأول مرة بعد مرور سنة.
اليوم ألاحق فتحي يصرح وهو يبتسم مبتهجا كأنه وجد درة ثمينة: تواجدت في محاضرة دينية استعرض خلالها الخطيب أهمية شهر رمضان وكيفية استغلاله بما يعود بالنفع والفائدة.
صبحي وهو يستهزئ مما يقوم به صاحبه، كأنه أحاط بما لم يحط به وجاءه من سبأ بنبأ عظيم: حضرت حفلة غنائية أحياها الكثير من المغنيين والمغنيات المشهورين.
واصلا طريقهما هكذا، حتى فاضت روحاهما كما تفيض بركة بمائها، ولم يعد لديهما الاستعداد لتحمل المزيد. فقررا بتر المسلسل وإيقاف العرض ومراجعة ألحسابات، لمواجهة بعضهما ليعلم كل منهما ما يدور في خلد رفيقه.
بدأ صبحي وعلى وجهه علامات الانزعاج والحدة، فاتحا عيناه على وسعهما مع احمرار وجنتاه، كجمل اعتدي عليه، فثار ينفخ غبار خياشيمه: إني لا استسيغ أسلوبك في الحياة، وشهررمضان بالنسبة لي شهر سهر ومرح، أما ما تقوم به فأراه تحجرا وانغلاقا.
رد فتحي ونفسه منشرحة مطمأنة، لوثوقه بصحة ما يقوم به: لا داعي لكل هذا التوتر والانزعاج، ولست مجبرا على تقبل أفكاري. لكن فليعرض كل منا مبدأه على الميزان، ليعلم إذا كان ما يقوم به صحيحا أو يجانب الصواب.
هاج صبحي لبرودة قلب صاحبه، وتعجب لوثوقه من نفسه: انك لمجنون وأي ميزان تقصد؟!
فأخذ فتحي بعرض أدلته واحد تلو الآخر: قال رسول الله(ص)(إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهاما لن تضلوا بعدي)، (علي مع القرآن والقرآن مع علي)، (علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار)، (علي قسيم الجنة والنار). فمن طابق اعتقاده وعمله قول الثقلين وتوجيهاتهم فهو مع الحق، ومن خالفه فهو الباطل.
أسقط في يد صبحي واستسلم بذكر اسم الأمام علي(ع)، ووضعت حربه أوزارها: كيف أقوم بما يتوجب علي عمله؟
قال فتحي مبتهجا فرحا بإعادة صاحبه لجادة الصواب: ابتداء لا تحمل نفسك ما لا طاقة لها به، ولا علم لها به، لأن لا تنفر منك كما تنفر الوحوش البرية من الناس. وإذا أقبلت فعليك بالنوافل والمستحبات، وإذا أدبرت فاكتفي بالواجب.
استرسل قائلا: الأعمال في شهر رمضان كثيرة ومتعددة، منها ما هو جماعي ومنها ما هو فردي، وعليك اختيار ما يناسب وقتك ومقدرتك على الاحتمال. كما أوصيك بتمرين نفسك على النوافل وقراءة القران والصيام وسماع المحاضرات قبل دخول رمضان، ليدخل عليك وأنت مستعدا لاستقباله بنفس راضية. بعد ذلك اليوم عادا يصلان ما كاد أن ينقطع.
بقلم: حسين نوح مشامع، القطيف، السعودية