عرض مشاركة واحدة

mahdi_2000
الصورة الرمزية mahdi_2000
عضو نشيط

رقم العضوية : 4531
الإنتساب : Apr 2009
الدولة : ولاية علي ع
المشاركات : 195
بمعدل : 0.03 يوميا
النقاط : 201
المستوى : mahdi_2000 is on a distinguished road

mahdi_2000 غير متواجد حالياً عرض البوم صور mahdi_2000



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان مصباح الهدى وسفينة النجاة ( عاشوراء ) ميزان مصباح الهدى وسفينة النجاة ( عاشوراء )
Unhappy أحياء عاشوراء وإحياؤها إحياء للإنسان
قديم بتاريخ : 13-Dec-2011 الساعة : 09:14 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


أحياء عاشوراء وإحياؤها
إحياء للإنسان




احمرّت جلودهم ظمأ ودماً .. قطّعتهم الرماح والسيوف .. بدّدت أجسادهم وقع حوافر الخيول .. عفّرت خدودهم الأتربة والرمال .. وطوى التاريخ صفحتهم سنين طوال ، لكنَّهم ظلوا أحياء ، ووهبوا للناس الحياة .

َمنْ هؤلاء غير شهداء عاشوراء .. أحياء عاشوراء .

إذاً هكذا هم الشهداء ، يُقتلون ليهبوا لنا الحياة ، فاستحقّوا أن يكونوا أحياءً عند ربهم يرزقون ، واستحقّوا أن يكونوا أحياءً عندنا أبداً ما بقينا وبقي الليل والنهار ، فكان إحياء عاشوراء إحياء لنا وحياة لهم ؛ جزاء ما قدَّموه .

ولا عجب أن تقتحم عاشوراء كلّ هذا الطود المتراكم من السنين ، وتعْبُر حدودها الضيّقة إلى رحاب عالمية فسحة ، تحمل مفاهيم فكرية معقَّدة ومتغيِّرة ومختلفة ؛ فهذا مرجعه إلى مجموعة السمات والخصائص التي امتازت بها عاشوراء والتي جعلت منها يوماً نادراً في تاريخ البشرية .

فالسمة الأولى : كون عاشوراء نهضة وثورة إصلاحيّة وليست انقلابيّة ، والثورة من أكثر حلول التغيير جذرية وسرعة وقوة في التأثير ، شبيهة بالنواة في صغر حجمها ، لكنّها عندما تنفجّر تصدر طاقة تفوق أضعاف حجمها ؛ لذا فإنّ الطاقة التي تصدرها الثورة تقتحم حدود زمانها ومكانها إلى زمان ومكان آخر وأفسح تؤثِّر عليهما ، وتغيِّر من مسار ومفاهيم شعوب ذلك الزمان وذلك المكان .

لذا كان على البعض أن يفهم أنّه لا يوجد تصدير ثورة ، وإنّما هي حالة طبيعة في الثورة بأن تمتد خارج إطارها ؛ فهي لا تعترف بحدود الزمان وحدود الجغرافيا التي رسمها الإنسان لنفسه ، بل هي لا تعترف أيضاً بالاتجاهات الفكرية والدينية المختلفة ، وغير المتناغمة معها .

فالثورة الحسينيّة أثّرت على الكثير من المسيحيِّين والهندوسيِّين أمثال : غاندي ، كما أنّ الثورة الخمينيّة في عصرنا الحديث ألقت بظلالها على الشيعة والسنّة على حدٍ سواء ، وكما هي أيضاً ثورة يوليو جمال عبد الناصر ، والثورة البلشفية الروسية ، والثورة الفرنسية التي غيّرت الكثير من اتجاهات البشرية الفكرية والسياسية ؛ لذا كان ينبغي على مَن يحاسب إيران بحجة تصدير الثورة أن يحاسب فرنسا أيضاً ؛ لأنّ ثورتها لم تلتزم حدودها الجغرافية , ولم تمر عبر النقاط الجمركية !

السمة الثانية : أنّ عاشوراء وإن كانت نهضة من أجل الدفاع عن قيم الدين وثوابته ، لكنّ الإمام الحسين (عليه السّلام) كشف في خطابه العاشورائي بأنّ ما نحن مقدمين عليه إنّما هو نابع ومتناغم أيضاً مع صميم الفطرة الإنسانيّة الداعية إلى رفض كافة أنواع الاستبداد السياسي . فخاطب (عليه السّلام) الأعداء قائلاً : (( ... إن لم يكن لكم دين , وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم )) .

من هنا كانت عاشوراء ملهِمة ومؤثِّرة للكثير من الثوَّار والشعوب بمختلف توجُّهاتهم الفكرية ، حتى قال غاندي : لقد طالعتُ بدقة حياة الإمام الحسين ، شهيد الإسلام الكبير ، ودقَّقتُ النظر في صفحات كربلاء ، واتضّح لي أنّ الهند إذا أرادت إحراز النصر فلا بدّ لها من اقتفاء سيرة الحسين .

هذا التأثّر والاقتفاء الذي يدعو إليه غاندي ، الهندوسي التوجُّه والفكر ، بلا شك سببه أنّ نهضة الإمام الحسين (عليه السّلام) كانت ذات خطاب فكري عام تفهمه كلُّ البشرية .

السمة الثالثة : صحيح أنّ هناك العديد من الثورات التي قامت ومجدّتها شعوبها سنين طوال ، لكنّها لم تحظَ من الاهتمام والانتشار والتعاطف كما حظيت به ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) . وحتى من ناحية الاستمرارية ؛ إذ إنّ هناك العديد من الثورات التي خَفَتَ صوتها وضعف تأثيرها ، بل واندثرت نهائياً مع تراكم السنين كما هو حال الثورة الروسيّة . وهذا بلا شك مرجعه إلى مدى متانة وقوة الأهداف الاستراتيجية التي تستند عليها الثورة ، فكانت أهداف الثورة الحسينيّة ذات ارتباط وثيق بالإسلام ، الدين الخاتم المحفوظ من قبل الله تعالى ، وكانت الثورة الحسينيّة إحدى الأدوات التي حفظ الله بها دينه ، فكان حري أن تُحفظ أيضاً تلك الثورة كما حُفظ القرآن الكريم وبقي .

لذا يقول الكاتب الانجليزي تشارلز ديكنز : إنْ كان الإمام الحسين قد حارب من أجل أهداف دنيوية ، فإنَّني لا أدرك لماذا اصطحب معه النساء والصبية والأطفال ؟ إذاً فالعقل يحكم أنّه ضحّى فقط لأجل الإسلام .

السمة الرابعة : من المهم ملاحظة عنصر القادة في جميع الثورات ، الذين غالباً ما يذاع صيتهم فور نجاح ثوراتهم ، في حين كان الإمام الحسين (عليه السّلام) ذا شخصية عظيمة وعريقة ومعروفة نَسَباً وتُقى . وشخصيته هي التي أضافت للثورة بُعداً وقيمة لا يمكن أن تضيفها شخصية اُخرى غيره . والشهادة التي نالها إنّما كانت جمالاً إلى ذلك الجمال ؛ وهذا ما يفسّر بقاء وامتداد ثورة الإمام الحسين (عليه السّلام) على الرغم من أنّها هُزمت عسكرياً ، لكن مكانة وعظمة الإمام الحسين (عليه السّلام) , وإخلاصه للهدف وتخطيطه المتقن جعلها تنتصر فكرياً ؛ ليأتي من بعده الثوَّار ويقتبسوا من ذلك الفكر المتوقِّد ويحقِّقوا به نصرهم العسكري .

والحقيقة أنَّنا حين نحيي عاشوراء نحيي في أنفسنا مجموعة من القيم والمفاهيم التي أحياها هؤلاء الأحياء الشهداء ، والتي نادراً ما تتكرَّر في تاريخ البشرية ، في ملحمة بطولية ثورية نهضوية وتغييريّة مثل ملحمة كربلاء . فعاشوراء تكتنز في ثناياها تعاليم متناغمة بين السلوك العملي والخطابي ، وهي بذلك تُلهم المستمعين إليها وتغذّيهم من مواقفها وقصصها الزاخرة .

فعاشوراء تُحيي في الإنسان مفهوم الحياة الصحيحة الكريمة ، القائمة على الحرية ورفض الاستبداد ، وعدم الاستسلام والرضوخ للمستبّدين ، أي ليس المهم فيها أن تحيا بقدر ما أنّ المهم فيها كيف تحيا فيها حياة الأحرار حتّى وإن كانت قيمة الحرية الوحيدة هي التضحية بالدم . فعبّر عن ذلك الإمام الحسين (عليه السّلام) بقوله : (( إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً )) .

ومن هذا المفهوم الكربلائي بالتحديد انطلق وانتصر (روح الله) ، حتّى قال : (كل ما لدينا من عاشوراء) . ومن هذا المفهوم انطلق وانتصر (نصر الله) , في حين أنّ الذين غابت عنهم تعاليم عاشوراء رفعوا شعار : (بدنا نعيش) ، بغضّ النظر إن كانت عيشتهم تلك عيشة الأحرار ، أو ما هو على الأرجح عيشة الأذلاّء العبيد للحاكم وإسرائيل وأمريكا .

يقول موريس دوكابري : يقال في مجالس العزاء : إنّ الحسين ضحّى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس ، ولحفظ حرمة الإسلام ، ولم يرضخ لتسلُّط ونزوات يزيد . إذاً تعالوا نتَّخذه لنا قدوة ؛ لنتخلَّص من نير الاستعمار ، وأن نفضّل الموت الكريم على الحياة الذليلة .

أيضاً إنّ عاشوراء الحسين (عليه السّلام) أحيت في الإنسان مفهوم إمكانية التغيير ، فقط بتوفر العزيمة والإرادة ؛ سواء التغيير الفردي الذي جسّده الأنصار مثلاً في انتقال بعضهم من معسكر الأعداء إلى معسكر الإمام الحسين (عليه السّلام) ، أو التغيير الجماعي ، تغيير الاُمّة ، ذلك الذي جسّده الإمام الحسين (عليه السّلام) منذ انطلاقه من المدينة ومكّة ناحية كربلاء .

في حين كان يخشى ذلك الناس والصحابة في تلك المرحلة ، ممَّا جعلهم مكبَّلين وغير متصوِّرين لإمكانية الإصلاح ، فاستطاع الإمام (عليه السّلام) بثورته تلك كسر عقدة الخوف لدى الناس من بطش الطغاة ، بالضبط كما أنّ (حزب الله) استطاع أن يكسر عقدة الخوف والهزيمة من إسرائيل .

عاشوراء تُحيي في الإنسان وترسِّخ فيه مفهوم المشاركة ، خصوصاً بين الرجل والمرأة ؛ لأننا لا يمكننا للحظة أن نتصوَّر كربلاء من غير الحسين (عليه السّلام) , كما أنَّنا لا يمكننا أن نتصوَّر كربلاء من غير الحوراء زينب (عليها السّلام) . وهذا المفهوم بالتحديد ممَّا ينبغي قراءته واستيعابه بشكل جدِّي ، خصوصاً أنّ الدور الذي لعبته المرأة في كربلاء خطير وعظيم , وهذا يعني إمكانية الاعتماد عليها لتكون قائدة ومؤثّرة في الميادين الإنسانيّة المختلفة .

وفي عاشوراء يبرز بقوة مفهوم الحوار المنطقي الهادئ غير المتحامل ؛ سواء كان حوار الإمام الحسين (عليه السّلام) مع أنصاره والتشاور معهم ، أو حوار الإمام الحسين (عليه السّلام) مع أعدائه ، الذي يعكس مدى سلمية تلك الثورة التي خاضها ، وجعل أبواب الحوار مشرعة ما لم يعمل على إجهاضها الآخر ، وهذا ما فعله الاُمويّون حينما بدؤوا الإمام الحسين (عليه السّلام) بالقتال .

أمّا عن عاشوراء الأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانيّة فهي ممَّا يصعب حصرها ؛ إذ لا تخلو خطوة أو كلمة أو لحظة من لحظات ذلك اليوم إلاّ وكانت متوّجة ومحمَّلة بكم وافر من المواقف الأخلاقيّة التي تغذِّي روح الإنسان ؛ سواء داخل معسكر الإمام الحسين (عليه السّلام) ، أو من جهة تعامل الإمام الحسين (عليه السّلام) مع أعدائه . وبالمقابل الطريقة الخارجة عن إطار الإنسانيّة التي تعامل بها الاُمويّون مع الإمام الحسين وأهل بيته وأنصاره (عليهم السّلام) .

من هنا يحقّ لنا بفخر أن نستذكر عاشوراء دون الالتفات لِمَا يقوله السفهاء منّا ومن غيرنا ، كما هو حقّ لبقية شعوب الأرض أن تحيي وتستذكر وتقدِّس عظماءها وبالطريقة التي تراها ؛ لأنّ الاُمّة الواعية هي التي لا تتنازل عن تأريخها ، خصوصاً عندما يمسّ كرامتها وحريتها ، وعندما يرتبط الأمر بالدفاع عن فكرها الذي آمنت به عن وعي وإدراك ، فكيف وهي ترى أنّ عظيمها الإمام الحسين (عليه السّلام) لا يماثله في العظمة عظيم آخر .

يقول الهندي تاملاس توندون : هذه التضحيات الكبرى ـ من قبيل شهادة الإمام الحسين ـ رفعت مستوى الفكر البشري , وخليق بهذه الذكرى أن تبقى إلى الأبد ، وتُذكر على الدوام .

شهداء عاشوراء هاهم إلى اليوم أحياء ، نستذكرهم واحداً تلو الآخر في أيَّام إحياء عاشوراء ؛ لأنّ ذكراهم إحياءٌ للإنسان ، أيّ إنسان , ذلك الذي يترجم مفاهيم عاشوراء ويخرجها من إطارها التاريخي إلى واقعنا الحالي . وما تبيان مظلوميّة هؤلاء الأحياء الشهداء ، وشحذ العاطفة تجاههم ؛ الأمر الذي دعا إليه أئمة الهدى (عليهم السّلام) ، إلاّ لترسيخ مبادئهم الثورية ، وإحياء قيمهم ومفاهيمهم الفكريّة والدينيّة والأخلاقية في نفس كل إنسان .



مقالات عاشورية

نسئلكم دعاء



توقيع mahdi_2000




رد مع اقتباس