عضو مميز
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
ناصر حيدر
المنتدى :
ميزان الكتب والمكتبات والأبحاث الدينية والعلمية
بتاريخ : 28-Mar-2012 الساعة : 03:20 PM

اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
(2)
مايقتضيه العدل في افعال العباد
لاجبر ولاتفويض
من مقتضيات العدل الالهي ان تكون افعال العباد اختيارية لهم غير مجبرين عليها , ولا فوض الله اليهم امرها , بل كما ورد عن اهل البيت في شان هذه المسألة التي شغلت بال الفلاسفة والمتكلمين من المسلمين ردحا طويلا من الزمن ( لاجبر ولاتفويض , ولكن امر بين امرين)( بحار الانوار المجلسي 5/17 ب 1 من ابواب العدل ح 27 , الكليني 1/ 160 باب الجبر والقدر والامر بين الامرين ح 13)
هذه الحقيقة التي بينها الائمة الطاهرون هي وسط بين القولين .
نظرية الامر بين الامرين
وحاصل هذه الحقيقة ان الافعال التي تصدر عن العبد هي فعل له , وصادرة منه , ومقصودة له , وتحت ارادته واختياره وقدرته,ولذلك ينسب الفعل له فيقال ( ضرب وقتل فلان فلانا) ( اكل فلان) وهكذا...
والله سبحانه وتعالى هو الذي ملكنا ومكننا من هذه القوة والقدرة والارادة والاختيار, لان الوجود والايجاد منه تعالى, ومنه تفيض كل القوى المودعة في الانسان, وهذا امر طبيعي وواضح في وجود الانسان وافعاله وضوح الشمس.
وبعبارة اخرى ان قانون العلية والمعلولية قائم حتى في هذا الامر , فان افعال العباد لابد في وجودها من علة تستند اليها , وتلك العلة هي ارادة العبد واختياره, فان للانسان وصفاته الذاتية واخلاقيلته وارادته واختياره اثرا في ذلك.
وهكذا اراد الله سبحانه بان يخلق الانسان فاعلا مختارا وله الحرية في اعماله.
بطلان القول بالجبر
الا ان هذا الاقدار والاختيار من الله للعبد لم يجعل الله جابرا للعباد على افعالهم, والا لما صح بيانه وامره لما يريد , ومعه ونهيه عما لايريد, ولابد من الامر والنهي منه تعالى, لتكون الحجة البالغة لله على العباد , وليتحرك العبد في اطار مايصلحه ويسعده.
وايضا لو لم يكن العمل فعل العبد ومنسوبا له لما صح لله تعالى ان يثيبه على الطاعة وان يعاقبه على المعصية, بل يستحيل على الله ذلك اذا كانت الطاعة والمعصية فعله سبحانه, وكان العبد مجبرا عليهما ولادخل له فيهما ابدا, لانه خلاف العدل.
ولقد فسر الشيخ المفيد ( الامر بين الامرين) بقوله
( ان الله تعالى اقدر الخلق على افعالهم, ومكنهم من اعمالهم , وحد لهم الحدود في ذلك, ورسم لهم الرسوم ونهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف, والوعد والوعيد, فلم يكن بتمكينهم من الاعمال مجبرا لهم عليها, ولم يفوض اليهم الاعمال , لمنعهم من اكثرها) ( تصحيح اعتقادات الامامية الشيخ المفيد ص 47)
وخلاصة القول اما ان نقول بان العبد مختار في افعاله ومنسوب اليه الفعل - اي هو الذي فعل- فلا بد من مدحه على الطاعة وذمه على المعصية, لان الفعل فعله والعمل عمله, ولاجبر من المولى ابداو وهذا هو العدل.
واما ان نقول بان الفعل هو فعل الله , وان العبد مثله مثل الالة الصماء , وحينئذ فلا معنى للثواب له على الطاعة ولامعنى للعقاب له على المعصية , وهذا هو الجبر , سبحانه اعز واكرم وارفع من ان يجبر العبد على الفعل ثم يعاقبه عليه.
بل القول بالجبر فيه ظلم لله سبحانه, لانه عبارة عن نسبة ماهو باطل اليه, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فانه سبحانه منزه عن كل ماهو قبيح وباطل.
بطلان القول بالتفويض
واما التفويض , فلا يعقل قبحا عن القول بالجبر , فان من ادعى- كما قال اليهود- انه تعالى فوض افعال العباد اليهم يتصرفون حسب مايريدون , ورفع قضاءه وتقديره وقدرته عن هذه الافعال , فقد ادعى باطلا, ونسب اليه العجز والنقص , وابطل امر الله ونهيه.
واوجه في بطلان هذا القول
اولا انه يلزم خروج الله عن سلطانه وتنازله عن ملكه
وثانيا يلزم ان يكون لله شركاء في الخلق والحكم, وهو ظلم كبير ( ان الشرك لظلم عظيم) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الاحاديث الواردة في بطلان التفويض والجبر
وقد اوضح الائمة الاطهار هذه المسألة بشكل يزيل الشك والشبهة عن النفوس والعقول ويجعلها تعيش حقيقة الواقع الذي اراده الله لنا.
وهذه جملة من الاحاديث الشريفة التي تؤكد هذا المعنى
فعن الامام الرضا انه قال ( خرج ابو حنيفة ذات يوم من عند الامام الصادق فاستقبله موسى بن جعفر فقال له ياغلام ممن المعصية؟
قال لاتخلو من ثلاثة,اما ان تكون من الله وليست منه - اي من العبد- فلا ينبغي للكريم ان يعذب عبد بما لم يكتسبه.
واما ان تكون من الله عز وجل ومن العبد , فلا ينبغي للشريك القوي ان يظلم الشريك الضعيف.
واما ان تكون من العبد , وهي منه, فان عاقبه الله فبذنبه, وان عفا عنه, فبكرمه وجوده) (بحار الانوار المجلسي 5/4 ب 1 من ابواب العدل ح2)
وفي حديث اخر , ان ابا جعفر الباقر قال للحسن البصري ( اياك ان تقول بالتفويض , فان الله عزوجل لم يفوض الامر الى خلقه وهنا منه وضعفا, ولا اجبرهم على معاصيه ظلما) ( بحار الانوار 5/17 الباب السابق ح 26 )
وعن المفضل , عن ابي عبد الله الصادق قال
( لاجبر ولا تفويض , ولكن الامر بين امرين. قال قلت ما امر بين امرين ؟ قال مثل ذلك مثل رجل رايته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته, ففعل تلك المعصية, فليس حيث لم يقبل منك فتركته, كنت انت الذي امرته بالمعصية) ( المصدر السابق ح 27 الكافي الكليني 1/ 160 باب الجبر والقدر والامر بين امرين ح 13)
توضيحات
الجبر والتفويض يستلزمان نسبة الظلم والعجز الى الله
من يقول بالجبر بمعنى ان الله تعالى امرنا بالمعصية وعاقبنا عليها, فقد ظلم الله بذلك, حيث جعل المعصية منه تعالىو والله يقول ( ولايظلم ربك احدا) ( ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد) ( ان الله لايظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون)
والله يكذب من يقول بالجبر, حيث يقول ( بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) ( ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما )
ومن قال بالتفويض فقد نسب الى الله العجز, واوجب على الله قبول كل ما عملوا من خير أو شر, وابطل امر الله تعالى ونهيه بذلك, وكانوا شركاء لله في ذلك , للاهمال الذي وقع منه , تعالى الله عن ذلك كله علوا كبيرا.
بل الله سبحانه له الامر والقوة والقدرة والتدبير, والسلطان المطلق في كل شيء , خلق الخلق فامرهم بطاعته , ونهاهم عن معصيته, واحتج عليهم برسله , وقطع عذرهم بكتبه, ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون , ويستوجبون بطاعتهم الثواب , وبمعصيتهم العقاب .
فالعبد هو الذي يفعل العمل الصالح الذي امره الله به, ويرتكب العمل السيء الذي نهاه عنه , بالقدرة والاختيار يعمل الخير الذي امر الله به, ويعمل الشر الذي نهاه عنه.
والله سبحانه ماامره بسيء الا وهو يعلم انه يستطيع فعله , وما نهاه عن شيء الا وهو يعلم انه يستطيع تركه , لانه ليس من صفته تعالى الظلم والجور, ولا العبث وتكليف العباد بما لايطيقون .
هذه حقيقة افعال العباد
الله سبحانه لايفعل القبيح
اتضح مما سبق بطلان مايقال من انه يجوز على الله سبحانه فعل القبيح , أو ان الله سبحانه مريدا لما يجري في هذا الوجود من ظلم وجور واعتداء وقتل, وسلب ونهب , وتشريد ومعاصي, وشرور ومفاسد, وغير ذلك من القبائح والمفاسد والشرور, او ان الكفر انما فعله الكافر بارادة الله سبحانه.
هذه الاقوال ليست باطلة فحسب, بل هي كفر ايضا, اذ يلزم منها ان يكون العاصي مطيعا لله في عصيانه, والظالم مطيعا لله في ظلمه, والكافر مطيع له بكفره, وهكذا...
فيكون الله تعالى اسمه- حيث نهى عن الظلم والمعصية- قد نهى عما يريد واراد مانهى عنه, وهذا الامر لايمكن ان يصدر من البشر العاديين , فكيف يصدر عن الله تعالى, الخالق العليم, القدير الحكيم.
واي رب يفعل هذا القول ان تكون له الايات الواردة في القران الكريم التي تدل على تنزيه الله سبحانه عما هو قبيح وظلم , والتي قرأت بعضها في اول البحث, كلها على خلاف الواقع, ان هذا لظلم عظيم لله , نبرأ منه ويبرأ منه كل مسلم, ولا يقول به الا كل افاك مهين
الخلاصة
ان افعال العباد اختيارية غير مجبرين عليها ولا مفوضين فيها, وانما هم يتصرفون وبوجدون اعمالهم وافعالهم بمحض اختيارهم بقوة الله ومشيئته, الا ان الاقدار منه تعالى لايستدعي الجبر , لانه اثابهم واعقبهم الحسنى والاجرعليها, ولامعنى للثواب والعقاب مع الجبر.
وكذلك لم يفوض الله سبحانه لهم الامور , لانه تعالى منعهم عما هو شر وفاسد, وعاقبهم على مايتصرفونه على خلاف مراده وامره, ولامعنى للعقاب ولا للامر اذا كان التفويض موجودا , وهذا معنى ماورد عن اهل البيت ( لاجبر ولا تفويض , ولكن الامر بين امرين)
(3)
مايقتضيه العدل في القضاء والقدر
|