منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة (1)
الموضوع: أصول العقيدة (1)
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 189
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 10-Jan-2013 الساعة : 08:37 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


وُضُوح حجّة الله تعالى على دِينه الحق

وعلى كل حال لازلنا نؤكد بإصرارٍ أنّ حجة الله تعالى هي الحجة الواضحة، وأنه لم يفرض دينه على عباده حتى أوصله إليهم بأدلة وافية تنتهي بالآخرة إلى الضرورات والوجدانيات الفطرية التي مَن تبصَّرَ بها ورعاها وَصَل للحقيقة، وأنّ مَن لم يصل إلى الحقيقة مِن ذوي الإدراك الكامل لابد أنْ يكون مُفرِّطاً في ذلك، ومغرّراً بنفسه، بنحْوٍ يأباه العقل السليم ويستهجنه، ولا يرى له فيه عذرًا.
ومِن ثم سبق منّا أهمية العقل في الدين، ولزوم متابعته فيه.

أسباب اختلاف الناس في أديانهم

وهنا قد يتساءل البعض عن سرّ اختلاف الناس في أديانهم هذا الاختلاف الشاسع، وأن هذا كيف يجتمع مع قوة أدلة الدين الحق، ووضوح حجته وبرهانه؟!
-[ 20 ]-
وإذا كان بعض الناس يتعمد مخالفة الحق الواضح عنادًا، أو لمصالح مادية، فإنّ أكثر الناس ليسوا كذلك، بل يتبنى كل فريق دينه وعقيدته عن قناعة وإخلاص، ويعمل عليه ويسعى في ترويجه، ويدافع عنه بإصرار قد يبلغ حد التضحية بكل غالٍ ونفيس. وما ذلك إلا لخفاء الحق عليه.
ولذا قد يذهب الذاهب إلى أنّ الحق ليس بذلك الوضوح، وأنّ كل صاحب دين وعقيدة معذور فيما يعتقد، إلا مَن تعمّد مخالفة الحق مع وضوحه عنده، عنادًا، أو لمصالح مادية أو غير ذلك، كما أشار إليه في قوله تعالى: ((وَمَا اختَلَفَ فِيهِ إلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعدِ مَا جَاءَتهُم البَيِّنَاتُ بَغياً بَينَهُم)) (1)، وهم أقل القليل.
وجواب ذلك: أنّ كثرة الخلاف في الحق لا تُنَافي وضوحَه، لا بمعنى وضوحه للمخالف فيه، بل بمعنى وضوحه في حدّ نفسه، بحيث لو أراد الإنسان الفحص عنه بالطرق العقلائية والنظر في أدلته، وتحكيم الوجدان فيه، لوصل إليه، وإنما لم يستوضحه المخالف لتفريطه في أمره، إما لعدم اهتمامه بالبحث والفحص، أو لوجود المانِع عنده مِن الاستجابة للأدلة - من مصالح مادية، أو تعصب، أو تقليد أعمى، أو غير ذلك - يَفْقِد الإنسان به رشدَه، ويعطل عقله، ويخرج بسببه عن الطرق العقلائية المعول عليها - عنده وعند جميع العقلاء - في عامّة الأمور.
ومِن أجل ذلك لا يكون معذوراً بين يدي الله تعالى، الذي فرض الحق، وأوضح حجته.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 213.
-[ 21 ]-

عبادة الأوثان في العصر الحاضر

ويتجلى لنا ذلك إذا نظرنا إلى حال الناس اليوم في بقاع الأرض المختلفة، حيث نرى منهم حتى الآن مَن يعتنق أدياناً ضرورية البطلان ظاهرة البشاعة، كعبادة الأوثان، ونسبة الإدراك والحول والقوة لها، مع أنها جمادات حادثة مصنوعة قطعًا، كما قال عزّ من قائل: ((إنَّ الَّذِينَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أمثَالُكُم فَادعُوهُم فَليَستَجِيبُوا لَكُم إن كُنتُم صَادِقِينَ* ألَهُم أرجُلٌ يَمشُونَ بِهَا أم لَهُم أيدٍ يَبطِشُونَ بِهَا أم لَهُم أعيُنٌ يُبصِرُونَ بِهَا أم لَهُم آذَانٌ يَسمَعُونَ بِهَا قُل ادعُوا شُرَكَاءَكُم ثُمَّ كِيدُونِي فَلاَ تُنظِرُون)) (1).
وترى هؤلاء يتمسكون بعقائدهم ويَجْرُون عليها، ويدافعون عنها، ويتعصبون لها، غافلين أو متغافلين عن واقعها المزري الشنيع.
وقد حدثنا بعض المؤمنين الثقات - والعُهْدَة عليه - قال: ذهبنا قبل مدة إلى اليابان مُوفَدِين مِن قِبَل الدولة في زيارة رسمية، وقد صحبنا هناك مضيف رسمي من قبل الحكومة اليابانية من أجل إطلاعنا على معالم البلد. وفي بعض الأيام بينما نحن في الشارع أواخر النهار قرب المغيب إذ انقطع السير وتوقفت السيارات، من أجل فسح المجال للإله المعبود عندهم. فمرّ علينا شابان وشابتان يحملون (مصطبة) عليها تمثال إنسان ضخم. فسألت المضيف عن ذلك. فقال: هذا المعبود يضيق صدره وينحبس طبعه في هذا الوقت حيث يقرب مغيب الشمس ونشرف على الظلام، فيتنقل به في
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأعراف آية: 194ـ195.
-[ 22 ]-
الشوارع من أجل النزهة به وإيناسه.
كما أخذنا المضيف إلى معبد فيه معبود لهم، وهو عبارة عن تمثال إنسان له ست عشرة يد يزعمون أن كل يد منها تدبر جهة من جهات الحياة من الرزق والصحة والحب وغيرها. وقد كان أمام وجهه كوة كأنه يشرف منها على الشارع، فذكر لنا المضيف أن مَن مرّ به من الناس صباحاً وقد عمل حسنة أنس وابتهج، ومَن مرّ به وقد عمل سوءاً استاء وانقبض، فقلت له: أهو هكذا حقيقة؟ فقال: هو هكذا سيكولوجيًّا.
وليس هذا لانحطاط هؤلاء عقليًّا، أو ضعف مستواهم الفكري والثقافي، بل لعدم اهتمامهم بالوصول للحقيقة، ورضاهم بما عندهم مِن الدين جموداً على التقاليد الموروثة. ولذا لمّا انصبّ اهتمامهم على الجوانب الماديَّة لم يرضوا بالجمود على الماضي، بل تحرّروا منه وحاولوا الوصول للأصلح الأنفع، حتى انتهوا إلى ما انتهوا إليه من الازدهار الاقتصادي والصحي وغيرهما من الجوانب المادية. ولو أنهم اهتموا بالدين والعقيدة كما اهتموا بالماديات لما صعب عليهم الوصول للحقيقة، لما سبق من وضوحها.
وكما أمكن للإنسان أن يعتنق الدين الباطل تقليداً أو تعصباً أو تسامحاً في طلب الحقيقة، ويغفل الضرورة على بطلانها، أمكن أن ينكر الحق تقليداً وتعصباً أو تسامحًا، ويغفل الضرورة على صحته.
-[ 23 ]-

مخالفة الدين الحق توجب الخروج عن البداهة

وحينما حدثنا الشخص المذكور بما سبق له في اليابان كان في غاية الاستغراب منه والاستبشاع له، فقلت له - نتيجة القناعات السابقة -: يا حاج ليس هذا غريباً ولا مختصاً بعبدة الأصنام، بل كل من لا يصل للحقيقة الكاملة ويخالفها لابد أن يصطدم في بعض مراحله ببداهة، ويخالف الوجدان بوجه مستبشع. وذكرنا له شواهد وأمثلة قد لا يحسن ذكرها الآن، وربما تتضح فيما بعد من حديثنا هذا.

صعوبة الموضوعية في البحث ليست عُذرًا

نعم نحن لا ننكر صعوبة الموضوعية في البحث والتجرد من المسلمات والتراكمات الموروثة، والتحرر من التقليد للآباء والأجداد، التي هي من أهم أسباب التعصب، وما يستتبعه من ضبابية تمنع من مصداقية الرؤية والوصول للحقيقة والإذعان بها،ولاسيما مع ما مُنِيَت به الحقيقة التي جعلها الله تعالى وفرضها - على طول الخط - مِن التعتيم عليها والتشنيع مِن قِبَل قِوَى الشرّ التي تراها خطراً يهدد مصالحها، وعائقاً دون إنفاذ مشاريعها الجهنمية.
إلا أنّ ذلك كله لا يصلح عذراً في الخروج عن الأدلة الواضحة والبراهين القاطعة التي تملكها الحقيقة المذكورة، والتي يقضي بمتابعتها والإذعان لها العقلُ السليمُ والوجدانُ بمرتكزاته التي أودعها الله سبحانه
-[ 24 ]-
وتعالى في الإنسان، وبها يحتج عليه.
ومِن هنا لا محيص للإنسان الذي يريد الأمانَ لنفسه وسلامتها من المخاطر والمهالك من أن يبحث عن الحقيقة، ويجهد في الوصول إليها، وينظر في أدلتها بموضوعية تامة وتجرد عن كل شائبة، ويحكم فيها عقله الذي هو الحجة الباطنة عليه من قبل الله تعالى، وهو المدار في ثوابه وعقابه، وسعادته وشقائه.
-[ 25 ]-


رد مع اقتباس