منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة (1)
الموضوع: أصول العقيدة (1)
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 187
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 11-Jan-2013 الساعة : 04:26 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 25 ]-

الموضوعية في البحث عن الدين الحق

ويحسن بكل مَن يهمّه الوصول للحقيقة، والنظر في أدلتها وحججها، بموضوعية كاملة، وتجرد عن التراكمات والمسلمات الموروثة، أن يستعين على ذلك بأمور:

احتمال الخطأ مِن كلِّ أحد

الأول: أن يضع في حسابه مِن أول الأمر احتمال الخطأ في كل عقيدةٍ تُفْرَض مهما كان لها مِن أتباع، لأنّ الناس لم تختلف في عقائدها نتيجة اختلاف مستوياتها العرقية أو الفكرية أو الثقافية أو غيرها، بل كثير من العقائد المختلفة حدّ التقاطع والتناقض قد حصل لكل منها أتباع مِن ذوي المستويات العالية في المعرفة والثقافة من مختلف القوميات والأقطار، حيث يكشف ذلك عن أن الخطأ في العقيدة متوقع مِن كل أحد.
ولا ينبغي أن يجرّ حسن الظن بالأتباع للبناء على صحة عقيدتهم الدينية، واستبعاد الخطأ عليهم مهما كان شأنهم،بل ينبغي أولاً النظر في أصول العقيدة، وفي أدلتها بموضوعية كاملة، حتى إذا اتضح حالها يُحْكَم على أتباعها بما يناسبها مِن خطأ أو صواب، وهدى أو ضلال، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : "اعْرِفِ الحَقَّ تعْرف أهْلَه"(1)
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أنساب الأشراف 3: 35 في وقعة الجمل، وص:64 مقتل الزبير بن العوام / تفسير القرطبي 1: 340 في تفسير قوله تعالى: ((ولا تلبسوا الحق بالباطل)) من سورة البقرة آية:42 / فيض القدير شرح الجامع الصغير 1: 210، 4: 17 / تاريخ اليعقوبي 2: 210 في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب / أبجد العلوم 1: 126. الإعلام الثامن في آداب المتعلم والمعلم في الجمل السابعة.
-[ 26 ]-
وقال الحارث بن حوت لأمير المؤمنين (عليه السلام) :
أتراني أظنّ أصحاب الجمل كانوا على ضلالة؟!
فقال (عليه السلام) : "يا حارث إنك نَظَرْتَ تحتك ولم تنظر فوْقك فحِرْتَ، إنّك لم تَعْرفِ الحقَّ فتَعْرف أهْلَه، ولم تعْرفِ الباطلَ فتعْرف مَنْ أَتَاه" (1).

تحديد دلالة الدليل

الثاني: أنّ كلّ دليلٍ يطّلع عليه الباحثُ، قد أُقِيمَ على قضية دينية حساسة يُقِرُّ بها، أو ينكرها، فلْيَفْرِض أنّ نَظِيرَه قد أُقِيم على قضية أخرى غير حساسة، أو حساسة باتجاه معاكس لاتجاه القضية التي استدل عليها بذلك الدليل، فإنْ رآه صالحاً لأنْ يُثْبِت تلك القضيةَ الأخرى فهو صالحٌ لأنْ يُثْبِت القضيةَ التي استدل عليها به، وإنْ لم يره صالحاً لذلك فهو غير صالح لأنْ يثبت تلك الحقيقة، لأنّ اختلاف الأمْر المُسْتَدَلّ عليه لا أثر له في قوة الدليل وضعفه.
غاية الأمْر أنه قد يكون مُعارَضاً في بعض الحالات دون غيرها. وهذا أمر آخر يقتضي البحث في مشكلة المعارضة، ولا أثر له في صلوح الدليل بنفسه للاستدلال وعدمه.
فمثلاً إذا ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث في حق بعض الصحابة - ممّن احتدم الخلاف فيه بين المسلمين - مادح له أو قادح فيه، وأراد الباحث أن يعرف مدى دلالة ذلك الحديث، فلْيَفْرض أنّ نظير الحديث المذكور قد
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 4: 63 واللفظ له / تاريخ اليعقوبي 2: 210 في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
-[ 27 ]-
ورد عن النبي موسى (عليه السلام) في حق بعض أصحابه ممّن لا يهمنا أمره، أو ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه في حق شخص آخر مِن صحابته تتبناه طائفة مناقضة للطائفة التي تتبنى الشخص الذي تناوله الحديث المذكور.
حيث يسهل عليه حينئذٍ تحديد دلالة ذلك الحديث بموضوعية كاملة بعيداً عن التعصب والتعسف.

ينبغي الاهتمام بوضوح الحجة لا بإقناع الخصم

الثالث: أن لا يهتم الباحث عند النظر في الأدلة بإقناع خصمه أو إسكاته بقدر اهتمامه بإدْلاء حجّته بين يدي الله عزّ وجلّ ((يَومَ تَأتِي كُلُّ نَفسٍ تُجَادِلُ عَن نَفسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفسٍ مَا عَمِلَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ)) (1)، حيث يقف بين يديه تعالى فرْداً لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرًّا، ولا يملك من وسائل السلامة إلا دليله وحجته.
وهو سبحانه اللطيف الخبير، لا يعجزه معرفة الدليل القويم من الدليل السقيم، ولا تنفع معه المكابرات والمغالطات، ثم هو الحاكم القاهر، والجازي بالعدل أفضل الثواب، أو أشد العقاب.
فإنّ ذلك يحمل الباحث على أن يُحْكِم أمْرَه، وينظر في الأدلة والحجج بعقله ووجدانه، مجرداً عن كل شائبة، ليكون دليلُه ركْنَه الوثيق وصمامَ الأمان له يوم العرض الأكبر.
وأما مَن لم يذعن بعْدُ بوجود الله عزّ وجلّ، وبوعده بالبعث
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة النحل آية: 111.
-[ 28 ]-
والحساب، والثواب والعقاب، فلا أقلّ في حقه مِن احتمال وجود الله عزّ وجل، ولا طريق له لإنكاره مِن دون نَظَرٍ في الأدلة، بل يقضي عقله بفطرته بالتحفظ والاحتياط في ذلك بالنظر في الأدلة بموضوعية كاملة، مِن دون لجاجة وعناد، ليأمن من الهلكة والخسران الدائم.
ولاسيما مع ما نبّه له الإمام الصادق (عليه السلام) في حديثه مع بعض الزنادقة، حيث قال له: "إنْ يكن الأمر كما تقول - وليس كما تقول - نجونا ونجوتَ، وإن كان الأمر كما نقول - وهو كما نقول - نجونا وهلكتَ" (1).
أما الاهتمام بإقناع الخصم فهو لا يضمن الوصولَ للحقيقة والخروجَ عن المسؤولية إِزَاءَها، لأنّ الخصم قد يكون من السذاجة بحيث يقتنع بأضعف الأدلة، وقد يكون من العناد والتعصب بحيث لا يقتنع بأقوى الأدلة، بل قد يحاول الالتفاف عليها إذا كان متمرساً في الخصام والجدل.
نعم بعد الوصول للحقيقة من طريق الاستدلال السليم والحجة الواضحة، وحصول القناعة بها نتيجة لذلك، يحسن الاهتمام بإقناع الخصم رغبة في هدايته، أو إسكاته دفْعاً لشره وتهريجه.
هذه نصيحتنا للباحث عن الحقائق الدينية، بل عن كل حقيقة. ونأمل به أن يرعاها في حديثنا هذا في مراحله المختلفة.
كما نبتهل إلى الله جلّ شأنه في أن يسددنا في ذلك، من أجل إيضاح الحقيقة لطالبها وإيصاله لها، وأن يبعدنا عن المغالطات والمكابرات، والمراء
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 3: 47.
-[ 29 ]-
والخصومات. إنه خير معين ودليل، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
وحيث انتهى الكلام في هذا التمهيد إلى أهمية العقل، ولزوم تحكيمه في الحقائق الدينية بموضوعية كاملة، فيقع الكلام في المقام في..
مقدمة يبحث فيها عن أمور تنفع في تحديد وظيفة المكلف إزاء الدين والنظر فيه.
ثم في مقاصد يبحث فيها عن أصول الدين التي يجب الاعتقاد بها، وعن أدلتها.
ثم في خاتمة يبحث فيها عن بعض الأمور المتعلقة بذلك، التي كثر الحديث حولها من الأولياء والخصوم، حتى قد تُسَاق شُبَهاً تمْنع مِن الركون لبعض الحقائق الدينية التي قامت الأدلة الواضحة عليها.
ونسأل الله سبحانه أن يعيننا على إنجاز ذلك وإكماله، على أفضل الوجوه وأتمها، بمنّه وجوده وكرمه.


رد مع اقتباس