|
عضو مجتهد
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
زائر الأربعين
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
بتاريخ : 01-Feb-2013 الساعة : 09:40 AM

اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
-[ 73 ]-
الفصل الثاني
في نَفْي الشَّرِيك
ونعني به أنّ هذا الخالِق الواحِد لا شريك له.
وقد سبق أنّ ذلك مُقْتَضى الفطرة، وأنه الذي تبنَّاه دينُ الإسلام العظيم، فيُثْبِته جميعُ ما يُثبِت الإسلامَ.
الاستدلال على توحيد الله تعالى ونَفْي الشريك له
ومع ذلك فيدل عليه ما سبق مِن أنّ واجب الوجود الأزلي لابد أن يكون مُسْتَغْنِياً عن كلّ شيء، فإنّ ذلك يَقْضِي بوِحْدته.
إذْ لو تَعَدَّدَ (الخالِق الواجِبُ) فالأطرافُ كما تَشْتَرِك في جِهَةٍ واحدة اقْتَضَت وجوبَ وجودِها، كذلك هي تَمْتَاز فيما بينها بمُمَيِّزات تُقَوِّم كلّاً منها، وتكون حُدُوداً له يُبَاين بها الآخَر، وتلْك الحدود زائِدَةٌ عن تلك الجهة المشتركة الواجبة الوجود، وحيث كان المَحْدُودُ مُحْتاجاً إلى حدوده - لِتَقَوُّمِه بها - كان كلُّ طرفٍ محتاجاً إلى الحدّ الزائد عن الجهة الواجبة الوجود، فيُنَافِي(هذا الاحتياجُ) ما تَقَدَّم مِن أنّ الأزلي الواجب الوجود لابد أن يكون مستغنياً عن غيره.
-[ 74 ]-
وعلى ذلك يكون فَرْضُ الحَدِّ له - بِمُقْتَضَى تَعَدُّدِه - مُسْتَلْزِماً لِحاجته ولِحُدُوثه، ومُنَافِياً لأزليته ووجوب وجوده.
وببيان آخر نقول: تَعَدُّد واجبِ الوجود بحيث يكون اثنين - مثلاً - مُسْتلزِمٌ لاشتراكهما في شيءٍ اقتضى وجوبَ وجودِهما، و(مستلزمٌ لـِ)امْتِيَازِ كلٍّ منهما عن الآخر بشيء زائد على ذلك، ولولاه لَمَا تَعَدَّد.
ولنفْرِض واجبَي الوجود (أ)، (ب) وجهة الاشتراك بينهما (ج)، وما به امْتِيَاز (أ)هو (د)، وما به امتياز (ب)هو (ه). وعلى ذلك فـ (أ) عبارة عن (ج د)، و (ب) عبارة عن (ج ه). وحيث كان المُرَكَّبُ محتاجاً إلى أجزائه يكون (أ) محتاجاً إلى (ج) و (د)، و (ب) محتاجاً إلى (ج) و (ه). وحاجةُ كلٍّ منهما إلى جُزْئَيْه تُنَافِي وجوبَ وجودِه أزليًّا.
وبذلك يظهر أنّ واجب الوجود لا يكون متعددًا، كما لا يكون واحداً مُرَكَّبًا، لاحْتِيَاج المركَّب إلى جُزْئَيْه، بل لابد أنْ يكون بَسِيطاً مِن جميع الجهات.
وإلى هذا يشير أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة له، حيث يقول: "ومَن حَدَّه فقد عَدَّه، ومَن عَدّه فقد أَبْطَلَ أَزَلَه" (1).
وقد تكرر ذلك في أحاديثه (عليه السلام) وأحاديث الأئمة من ولده (عليهم السلام)، واستفاضت بِنَفْي التركيب والحدود له جلّ شأنه.
ويؤكد التوحيدَ أمورٌ أُشيرَ إليها في الكتاب المجيد وكلام المعصومين (صلوات الله عليهم)..
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 2: 40.
-[ 75 ]-
الاستدلال على التوحيد بإحْكام الصنع وتناسقه
الأول: إحكام الصنع وتناسقه، فكلُّ شيء قد وضع في موضعه المناسب، وصنع وفق نظام متكامل لا نشز فيه ولا تنافر، من دون أن يؤثر بعضها على بعض، ويضرّ به ويفسده، بل كثيراً ما يكون بقاء بعضها وصلاحه موقوفاً على بقاء الآخر، حيث يُنَاسِب ذلك وحدةَ العقل الخالق للكون على سعته، ولِمَا فيه من موجودات لا تحصى، وإحاطته بالكل وتدبيره لها وفق النظام المذكور الذي به صلاحه.
أما لو تعدَّدَ العقلُ المدبر لكان لكلِّ عقلٍ نظامُه الذي يخترعه، فلا تتناسق الأنظمة، بل يصطدم بعضها ببعض، ويؤول الأمر للفساد، كما قال عزّ من قائل: ((لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبحَانَ اللهِ رَبِّ العَرشِ عَمَّا يَصِفُونَ)) (1).
لو تعددت الآلهة لحصل صراع بينهم
الثاني: أنّ طبيعة الأقوياء المتناظرين التغالب بينهم والتناحر من أجل أن يقهر بعضهم بعضاً ويعلو بعضهم على بعض، فلو تعددت الآلهة لحصل ذلك بينهم، وظهرت آثاره في الكون الذي هو موضع الصراع بينهم.
كما قال جلّ شأنه: ((بَل أتَينَاهُم بِالحَقِّ وَإنَّهُم لَكَاذِبُونَ* مَا اتَّخَذَ اللهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِن إلَهٍ إذاً لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء آية: 22.
-[ 76 ]-
سُبحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ* عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ)) (1). مع أن ذلك لم يحصل، بل تجري أنظمة الكون متناسقة لا اضطراب فيها.
لو كان لله شريك لدعا إلى نفسه
الثالث: أنه لو كان لله تعالى شأنه شريك لدعا إلى نفسه، وأرسل رسلاً تنبئ عنه وتدعوا إليه، وتعرّف الناس به وتبلغهم دينه وأمره ونهيه، ولدعمهم بالآيات والبينات، والحجج الواضحة الشاهدة بصدقهم، كما فعل الله عزّ وجلّ ذلك، إظهاراً للحقيقة، ليؤدى العباد حقه، كما قال عزّ من قائل: ((وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنهُم مِن رِزقٍ وَمَا أُرِيدُ أن يُطعِمُونِ* إنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ)) (2).
ولاسيما مع ما هو المعلوم مِن دعوى الرسل توحيد الله عزّ وجلّ، فكان المناسبُ لغيره - لو كان له وجود - إرسالَ الرسل مِن قِبَلِه، للردع عن ذلك، بياناً للحقيقة، ورَفْعاً للَّبْس والتغرير فيه، وليؤدي الناس حقه. مع أنّ ذلك لم يحصل.
وإنما ادعى طوائف مِن الناس تعددَ الآلهة تفسيراً لوضع الكون مِن عند أنفسهم، مِن دون أن يدّعوا الرسالة عن غير الله تعالى، ويقيموا الحجة البيّنة على صدقهم. وكلّ ما وصل مِن دعاواهم مردود عليهم، لفقْده الدليل والحجة. بل هو مِن الوهن ومخالفة العقل بحدٍّ يصل إلى البشاعة والسخف والاستهجان والسخرية.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المؤمنون آية: 90ـ92.
(2) سورة الذاريات آية: 56ـ58.
-[ 77 ]-
قال أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في وصيته العظيمة للإمام الحسن (عليه السلام) : "واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيتَ آثارَ ملْكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته. ولكنه إله واحد - كما وصف نفسه - لا يضادّه في ملكه أحد، ولا يزول أبدًا، ولم يزل، أوّلٌ قبل الأشياء بلا أوَّليّة، وآخرٌ بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تَثْبُت ربوبيّتُه بإحاطة قلب أو بصر" (1).
وفي جميع ما تقدم بلاغ وكفاية في الاستدلال على التوحيد وإثباته لا يبقى معه مجال لتوقف العاقل المنصف فيه، فضلاً عن إنكاره له.
بقي في المقام أمران:
الأول: أن ما سبق إنما هو نفي الشريك المستقل عن الله عز وجل والمستغني بوجوده عنه. وهناك بعض الأديان التي تبتني على وجود الشريك له تعالى مِن خلقه، سواءً كان عاقلاً، كما قد يُدَّعَى في عيسى (عليه السلام)، أم صامتًا، كالأصنام وعجل السامري في بني إسرائيل.
وهي واضحة البطلان، بل السُّخْف، إذ لا معنى لأن يخلق الله سبحانه مَن يشاركه في ملكه، أو يساويه في حقِّه على عبيده، بحيث يستحق أن يُعْبَد معه، قال الله تعالى: ((ضَرَبَ لَكُم مَثَلاً مِن أنفُسِكُم هَل لَكُم مِن مَا مَلَكَت أيمَانُكُم مِن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقنَاكُم فَأنتُم فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُم كَخِيفَتِكُم أنفُسَكُم كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ يَعقِلُونَ)) (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) نهج البلاغة 3: 44.
(2) سورة الروم آية: 28.
-[ 78 ]-
ما يجب الاعتقاد به هو التوحيد فقط
الثاني: أنّ الذي يجب الإقرار به على كلِّ حال والاعتقاد به مِن كلِّ مكلف هو التوحيد فقط، ولو مع الغفلة عمّا زاد عليه، كما هو مُقْتَضَى اقْتِصَار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة للدِّين على ذلك.
نعم يجب على المُلْتَفِت الاعْتِقادُ بكمال الله تعالى المُطْلَق، في علْمه وحكمته، ولطفه، ورحمته، وعدله، وقدرته... إلى غير ذلك، لأنّ ذلك مِن ضَرُورِيّات الدين، التي أكَّدَت عليها الآياتُ الكريمة، والأحاديث الشريفة، واقْتَضَتْها المُرْتَكَزَاتُ العقلية والدينية.
ولعله إلى ذلك يرجع ما في بعض النصوص في بيان أدْنى المعرفة، ففي حديث الفتح بن يزيد عن أبي الحسن (عليه السلام) :
"سألته عن أدنى المعرفة. فقال:
الإقْرَار بأنه لا إله غيره، ولا شبه له ولا نظير، وأنه قديم مُثْبَت موجود غيْر فَقِيد، وأنه ليس كمثله شيء" (1).
وقريب منه غيره (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 86.
(2) الكافي 1: 86 / وبحار الأنوار 3: 267ـ 269.
|
|
|
|
|