|
عضو مجتهد
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
زائر الأربعين
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
بتاريخ : 07-Feb-2013 الساعة : 03:03 PM

اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
-[ 87 ]-
المبحث الثاني
في أَمَد الرسالة
من الواضح إن النبوة لا تؤدي وظيفتها ولا تقوم بها الحجة على الناس إلا إذا بقيت معالمها، واتضحت رسالتها، وكان لها صوتٌ يُسْمَع.
أما إذا حُرِّفت رسالتها وخفَت صوتها، بحيث لا تُسْمَع على حقيقتها، فلا فائدة مِن بقاء صورة دعوتها، بل قد تكون وبالاً على المجتمع، حيث قد تستغل للظلم والإفساد باسم الدين. وحينئذٍ لابد مِن نبوةٍ أخرى تَحْمِل الرسالةَ الحقّة.
تجديد النبوة مع تطورات المجتمع
وكذا إذا اختلفت أوضاع المجتمع وتطور، بحيث تبدّلت المصالح والمفاسد، واحتاج الفرد والمجتمع لِنَظْم أمْرِه بوجْهٍ آخر غير ما تضمّنته الرسالة السابقة، حيث لابد أيضاً مِن تجديد النبوة والرسالة بما يناسب الأوضاع المستجدة، والحاجة الحادثة.
ومِن ثمّ بَشَّر الأنبياء والرسل السابقون (عليهم السلام) بأنبياء ورسل بعدهم يحملون رسالات جديدة ناسخة لرسالاتهم تَفِي بحاجة المجتمع، وتقوم
-[ 88 ]-
بها الحجة على الناس بعد انتهاء دور رسالاتهم، إما لضياع معالم تلك الرسالات وخفوت صوتها، أو لتبدُّل أوضاع المجتمع الإنساني، بحيث لا تَفِي رسالات تلك النبوات بصلاحه وسدّ حاجته، أو للأمرين معًا.
دعوة الإسلام ووقتها المناسب
وإذا أردنا أن نلقي نظرة فاحصة منصفة نرى أن دعوة الدين الإسلامي قد جاءت في الوقت المناسب، حيث لم يكن هناك دين سماوي ظاهر ناطق، ينهض بإصلاح المجتمع، وتقريبه من الله تعالى، ويؤدي دور الرسالة المطلوبة.
فإنّ أظهر دين سماوي معترف به حين ظهور الإسلام هما اليهودية والنصرانية، وقد لعبت بهما يد التحريف والتشويه، حتى مُسِخا وصارا ألعوبة بأيدي الناطقين الظاهرين مِن حَمَلَتهما، مِن أجل خدمة مصالحهم، مِن دون أن يَصْلُحا - بسبب ذلك - لهداية المجتمع الإنساني وتقريبه من الله تعالى، وإصلاحه في دينه ودنياه.
اليهودية والمسيحية
فالدين اليهودي قد تحوّل مِن دينٍ عامِّ الدعوة مُصْلحٍ للمجتمع إلى دينٍ قَوْمِيٍّ ضيِّق، يخدم جماعة قليلة من الناس ادّعت لنفسها أنها شعب الله المختار، ويسمح لها بارتكاب أنواع الجرائم، وسلوك كافة طرق الشرور من أجل نفوذها، وخدمة مصالحها، ومطامعها على حساب الآخرين.
-[ 89 ]-
أما الدين المسيحي فهو وإنْ بقي على عموميته إلا أنه تجرد عن عملية إصلاح المجتمع الإنساني ليقتصر على طقوس أو رهبانية مغرقة، غير صالحة للنزول إلى أرض الواقع، والتطبيق على المجتمع، مع إطلاق صلاحية الملوك والحكام، وإيكال أمر العامة لهم، يفعلون بهم ما أرادوا، ويعالجون مشاكلهم كيف شاؤوا، مِن دون رادع ولا وازع، بل مع إمضاء أعمالهم ومباركتها، كما قيل: "اعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" (1).
وكما جاء في العهد الجديد: "لتخضع كلّ نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله، حتى إنّ مَن يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله. والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة، فإنّ الحكام ليسوا خوفاً للأعمال الصالحة، بل للشريرة..." (2).
كل ذلك مع التحريف في العقيدة بنحْوٍ ينتهي للشرك.
فضلاً عن نسبة ما لا يليق كالرذائل والجرائم لله تعالى شأنه، ولملائكته المقربين، وأنبيائه المرسلين الناطقين عنه (صلوات الله عليهم).
وفي ذلك ظلم فظيع للحقيقة المقدسة. مع ما فيه من مخاطر على المجتمع الإنساني..
أولاً: لأنه يسقط حرمة الدين ورموزه في النفوس، ويحصل به المبررات والدوافع للكفر به والخروج عنه، والاستهانة بتعاليمه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إنجيل مرقس الإصحاح الثاني عشر: 17 / إنجيل متّى الإصحاح الثاني والعشرون: 22.
(2) رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية الإصحاح الثالث عشر: 1ـ4.
-[ 90 ]-
وثانياً: لأنه يحقق المبررات للجريمة والمشجعات عليها، لأن رموز الدين قدوة طبيعية للمتدينين، يهتدون بهديهم، ويقتفون أثرهم، ويحتجون بسيرتهم.
وكذلك الحال في التشريع، حيث أوكل للكنيسة، حتى أنّ لها أن تشرع ما أرادت، وتغير ما أرادت، وتحذف من كتب الدين ما أرادت. مِن دون أنْ يبقى الدين حقّاً ثابتاً من الله تعالى، لا يقبل التغيير والتبديل. وبذلك يكون الدين ألعوبة بأيدي مجموعة قليلة تتحكم به كما تشاء.
ونتيجة لما سبق ضاعت معالم الدين الحق الذي شرعه الله، وحمله رسوله الكريم، وانقلبت من تعاليم إلهية إلى تعاليم وضعية بشرية تافهة.
الكلام حول التوراة والإنجيل
وأما التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب والتعاليم الدينية التي تحمل أصول الدينين المذكورين - وهما اليهودية والمسيحية - وتعاليمهما الحقة، فهي إمّا أن تكون قد رُفعت، لعدم وجود مَن هو أهل لحملها، أو أنها قد أخفيت عند الخاصة، لئلا يطلع عليها عامة الناس، ويعرفون عوارهم وانحرافهم عن الدين الحقيقي.
ولم يظهر من كتب الدينين المذكورين إلا كتب محرفة، سميت بأسماء تلك الكتب، وليست منها في شيء.
ولا يعلم متى كتبت، وكيف كتبت. وقد ملئت بالتناقضات والخرافات، والمناكير والمخزيات، التي لا تتناسب مع جلال الله تعالى
-[ 91 ]-
وكماله، وقدسية رسله وأنبيائه وملائكته وأوليائه، وتعاليمهم الحقة، مدعاة للتقزز والسخرية، لا يقرها عقل ولا وجدان.
بل تقوم بها الحجة للناظر فيها على تحريفها واختلاقها، وأنها لا تصلح لهداية البشرية وإنقاذها من ظلمات الجهل والضلال، وإصلاحها وإبعادها عن الشرور والفساد.
هذا هو الواقع القائم منذ عصر الفترة التي ظهرت فيها دعوة الإسلام، إلا أن التطورات والمضاعفات جعلته يتجلى بوضوح في عصورنا هذه، بحيث لا يقبل التشكيك، فضلاً عن الإنكار.
تهيُّؤ الناس لسماع دعوة الإسلام
وذلك بطبعه يجعل الناس في فراغ عقائدي، بحيث يكونون مهيئين لسماع الدعوة الجديدة، والنظر في حجتها، والتوجه لتعاليمها، وإدراك إيجابياتها، وتقبلها نتيجة ذلك.
بل يجعل ذوي العقل والرشد منهم في حالة الانتظار لدين جديد، والطلب له والبحث عنه.
وبذلك يظهر أن دعوة الإسلام قد جاءت في وقتها المناسب، بلحاظ الحاجة للنبوة التي تحمل رسالة السماء، لتهدي المجتمع الإنساني في تلك الظلمات، وتصلحه وتقوّمه، وتحكم علاقته بالله تعالى، وفي الظرف المناسب لسماعها وتقبلها.
-[ 92 ]-
اليهودية والمسيحية ليستا خاتمتين للأديان
ولاسيما وأنّ كلّاً مِن الدينين السماويين السابقين لم يتضمن أنه الدين الخاتم، بل بشّرا معاً برسول ودين ينقذ الله تعالى الناس به من ظلمات الضلال والشرّ والفساد، ويوصلهم به إلى شاطئ الهدى والرشاد.
وذلك مما يسهل عملية البحث عن الحقيقة، والنظر في حجة الدين الجديد بعد سماع صوته وظهور دعوته.
وأولى بذلك الشعوب التي لم تعتنق ديناً سماويًّا، كالشعوب الوثنية التي ظهرت فيها دعوة الإسلام، والشعوب المجوسية. فإن تفاهة عقائده، ومجانبتها للفطرة، يجعلها أكثر تهيؤاً لسماع دعوة الدين الجديد، والنظر في حجته، والتفاعل معها إذا تمّت ونهضت بإثباته.
انتشار الإسلام
وهو ما حصل فعلاً في دين الإسلام العظيم، حيث انتشر في فترة قصيرة انتشاراً لا مثيل له، ودخل الناس فيه أفواجًا، على تقصيرٍ في كثيرٍ مِن حَمَلَتِه، وسلبيات كثيرة فيهم، استوعبها بحقّه ووضوح حجته، وتكامل دعوته، وموافقتها للفطرة. ولولا السلبيات المذكورة لطبق الأرض في عصوره الأولى. ولله أمر هو بالغه.
لكنه وَعَد، ووعده الحق. قال عزّ من قائل: ((هُوَ الَّذِي أرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ)) (1).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة التوبة آية: 33.
-[ 93 ]-
وقال سبحانه: ((وَلَقَد كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أنَّ الأرضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ)) (1). والحمد لله رب العالمين.
وحيث انتهى الكلام في هذين الأمرين فاللازم علينا النظر في أدلة النبوة الخاتمة والرسالة المهيمنة، وهي نبوة سيدنا (محمد) (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورسالته، حيث لابد من إثباتها بأدلة كافية، وبراهين وافية، تقوم بها الحجة الواضحة على الناس ((لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ)) (2).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء آية: 105.
(2) سورة الأنفال آية: 42.
-[ 94 ]-
تَوْطِئَة
لقد سبق منّا في التمهيد التعرض إلى أهمية العقل في أمر الدين، ولزوم إعماله فيه بالوجه الذي يجري عليه العقلاء في سائر موارد البحث عن الحقيقة. وكما سبق في الأمر الثاني من المقدمة أن حجة الله سبحانه وتعالى تتم على المكلف بوصول الحقيقة له، وليس من حق المكلف حينئذٍ التحكم في طلب الحجج والأدلة.
ويجري ذلك في المقام، حيث لابد من النظر بموضوعية تامة لأدلة النبوة الخاتمة، حتى إذا تبين صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته لزم الاعتقاد بها والإذعان لها، بعيداً عن اللجاجة والمراء والتحكم.
وفي حديث أبي يعقوب البغدادي عن محاورة ابن السكيت مع الإمام أبي الحسن الهادي (عليه السلام) بعد أن أوضح الإمام (عليه السلام) مناسبة معاجز الأنبياء (صلوات الله عليهم) لأزمنتهم وظروف دعوتهم:
"فقال ابن السكيت: تالله ما رأيت مثلك قط. فما الحجة على الخلق اليوم؟ فقال (عليه السلام) : العقل يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه. قال: فقال ابن السكيت: هذا والله الجواب" (1).
إذا تقرر ذلك كله فشواهد صدْق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعواه النبوة والرسالة عن الله تعالى كثيرة، نذكرها في ضمن فصول..
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 25.
-[ 95 ]-
الفصل الأول
في القرآن المجيد
وهو المعجزة العظمى الخالدة، التي كان الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحتجان بها لتصديق الرسالة، ويتحدّيان بها الخصوم.
قال عزّ من قائل محتجًّا بالقرآن: ((وَقَالُوا لَولاَ أُنزِلَ عَلَيهِ آيَاتٌ مِن رَبِّهِ قُل إنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللهِ وَإنَّمَا أنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ* أوَلَـم يَكفِهِم أنَّا أنزَلنَا عَلَيكَ الكِتَابَ يُتلَى عَلَيهِم إنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحمَةً وَذِكرَى لِقَومٍ يُؤمِنُونَ)) (1).
وقال تعالى أيضاً: ((وَقَالُوا لَولاَ يَأتِينَا بِآيَةٍ مِن رَبِّهِ أوَلَم تَأتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولَى)) (2).
وقال جلّ شأنه متحدياً به: ((أم يَقُولُونَ افتَرَاهُ قُل فَأتُوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِثلِهِ مُفتَرَيَاتٍ وَادعُوا مَن استَطَعتُم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِينَ* فَإلَّم يَستَجِيبُوا لَكُم فَاعلَمُوا أنَّمَا أُنزِلَ بِعِلمِ اللهِ وَأن لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ فَهَل أنتُم مُسلِمُونَ)) (3).
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة العنكبوت آية: 50ـ51.
(2) سورة طه آية: 133.
(3) سورة هود آية: 13ـ14.
-[ 96 ]-
ثم شدد عزّ وجلّ في التحدي حين قال: ((أم يَقُولُونَ افتَرَاهُ قُل فَأتُوا بِسُورَةٍ مِثلِهِ وَادعُوا مَن استَطَعتُم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِينَ)) (1).
وقد أكد سبحانه ذلك حين قال: ((وَإن كُنتُم فِي رَيبٍ مِمَّا نَزَّلنَا عَلَى عَبدِنَا فَأتُوا بِسُورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعُوا شُهَدَاءَكُم مِن دُونِ اللهِ إن كُنتُم صَادِقِينَ* فَإن لَم تَفعَلُوا وَلَن تَفعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ أُعِدَّت لِلكَافِرِينَ)) (1). حيث قطع عليهم بالعجز الدائم.
وبلغ القمة في التحدي والتعجيز في قوله عزّ وجلّ: ((قُل لَئِن اجتَمَعَتِ الإنسُ وَالجِنُّ عَلَى أن يَأتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لاَ يَأتُونَ بِمِثلِهِ وَلَو كَانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهِيرا)) (3).
|
|
|
|
|