منتديات موقع الميزان - عرض مشاركة واحدة - أصول العقيدة(3)في النبوة والرسالة
عرض مشاركة واحدة

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 189
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 4  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 11-Feb-2013 الساعة : 11:11 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 106 ]-

القسم الثاني
ما يشهد بإعجاز القرآن المجيد مع معرفة جهة الإعجاز

وهو أمور..

الأمر الأول
الإعجاز البلاغي

وذلك ما يحسّه القارئ وجداناً من روعة بيانه، وجمال أسلوبه، وارتفاع مستواه، ونفوذه في أعماق النفس، وطراوته وجِدَّته، مهما طال الزمان، واختلفت أساليب الكلام والبيان.
وهو بعد فوق كل كلام، حتى كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) في خطبهم وأحاديثهم، فإنه مهما ارتفع مستواه لا يبلغ شأو القرآن الكريم، ولا يصل إلى مستواه، بل ينفرد القرآن بالرفعة، وبخاصية يمتاز بها عن كلام البشر، وقد تقدم حديث أبي علي الجبائي مع ابن الراوندي حوله، ويأتي حديث الوليد بن المغيرة عنه.
وفي حديث إبراهيم بن العباس عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) : "أن رجلاً سأل أبا عبد الله (عليه السلام) : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس
-[ 107 ]-
إلا غضاضة؟ فقال: لأن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كل زمان جديد، وعند كل قوم غضّ إلى يوم القيامة" (1).
ونحوه حديث ابن السكيت عن الإمام الهادي (عليه السلام) (2).
أضف إلى ذلك أمرين:
الأول: علوّ مضامينه وشرفها وانسجامها مع العقل والفطرة. بحيث يتقبلها السامع ويتفاعل معها من دون كلفة.
الثاني: أنه يوحي بشيء مقوِّم لكيانه، لا يفارقه ولا يغفله من فاتحته إلى خاتمته، وهو أنه كلام الله تعالى في تعاليه ومالكيته، وقدرته وسيطرته، وجبروته وكبريائه، وقدرته وقاهريته، وعلمه وحكمته، وإنعامه وإفضاله.
وهو لا يغفل ذلك، ولا يتنازل عنه مهما اختلفت المقامات وتباينت المقاصد والمضامين التي يَطْرقها، من الثناء على الله تعالى وتمجيده، والحوار بينه وبين عباده - من أنبيائه وملائكته، وحتى المعاند له المتمرد عليه إبليس لعنه الله - وحديثه عنهم وحديثهم عنه، ووعده ووعيده، وإنذاره وتبشيره، وأمره ونهيه، وحكمه وقضائه، وإرشاداته وآدابه، وعفوه ورحمته، ونكاله ونقمته... إلى غير ذلك.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 92: 15.
(2) بحار الأنوار 92: 15.
-[ 108 ]-
وهذه الأمور بمجموعها أوجبت انهيار سامعيه به وتضاؤلهم أمامه، وشعورهم بعلوِّه وارتفاعه عن مستوى كلام البشر.
بل إذا بقي القارئ له على سجيته، وتحللت عنه عقد العناد والتعصب، أو التشكيك والتردد، تفاعل معه وانتقل به إلى عالم آخر غير ما يعهده من كلام البشر، وتجلى له أنه كلام الله جلّ شأنه، وكأنه يسمعه منه، أو ينظر إليه في كتابه، كل ذلك لأنه لا يليق إلا به سبحانه، ولا يصدر إلا منه جلّ شأنه.
ولعله إلى ذلك يشير الحديث عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (صلوات الله عليه) أنه قال: "لقد تجلى الله لخلقه في كلامه، ولكنهم لا يبصرون" (1).

قصة الوليد بن المغيرة مع القرآن المجيد

وقد رووا أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له: اقرأ عليّ. فقرأ عليه: ((إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإحسَانِ وَإيتَاءِ ذِي القُربَى وَيَنهَى عَن الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ)) (2). فقال: أعد. فأعاد. فقال: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق. وما يقول هذا بشر" (3).
كما روي أن الوليد المذكور كان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الأشعار، فما اختاره من الشعر كان مختار، فسألوه عن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 92: 107 باب: فضل التدبر في القرآن.
(2) سورة النحل آية: 90.
(3) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 112.
-[ 109 ]-
القرآن أسحر هو، أم كهانة، أم خطب؟
فدنا من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في الحجر فقال: يا محمد، أنشدني من شعرك. فقال: ما هو شعر، ولكن كلام الله الذي بعث أنبياءه ورسله. فقال: اتل عليّ منه.
فقرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ)) فلما سمع الرحمن استهزأ، فقال: تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن؟! قال: لا، ولكني أدعو إلى الله، وهو الرحمن الرحيم.
ثم قرأ (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((حم* تَنزِيلٌ مِن الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ* كِتَابٌ فُصِّلَت آيَاتُهُ قُرآناً عَرَبِيّاً لِقَومٍ يَعلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً فَأعرَضَ أكثَرُهُم فَهُم لاَ يَسمَعُونَ* وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أكِنَّةٍ مِمَّا تَدعُونَا إلَيهِ وَفِي آذَانِنَا وَقرٌ وَمِن بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٌ فَاعمَل إنَّنَا عَامِلُونَ* قُل إنَّمَا أنَا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحَى إلَيَّ أنَّمَا إلَهُكُم إلَهٌ وَاحِدٌ فَاستَقِيمُوا إلَيهِ وَاستَغفِرُوهُ وَوَيلٌ لِلمُشرِكِينَ* الَّذِينَ لاَ يُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم كَافِرُونَ* إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم أجرٌ غَيرُ مَمنُونٍ* قُل أئِنَّكُم لَتَكفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرضَ فِي يَومَينِ وَتَجعَلُونَ لَهُ أندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أقوَاتَهَا فِي أربَعَةِ أيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ* ثُمَّ استَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأرضِ اِئتِيَا طَوعاً أو كَرهاً قَالَتَا أتَينَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَومَينِ وَأوحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أمرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفظاً ذَلِكَ تَقدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ* فَإن أعرَضُوا فَقُل أنذَرتُكُم صَاعِقَةً مِثلَ
-[ 110 ]-
صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ)) (1).
فلما انتهى (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ذلك وسمعه الوليد اقشعر جلده، وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته، ثم قام ومضى إلى بيته، ولم يرجع إلى قريش. فغمّهم ذلك وخافوا إسلامه. وحينما راجعه أبو جهل قال: إني على دين قومي وآبائي، ولكني سمعت كلاماً صعباً تقشعرّ منه الجلود. قال أبو جهل: أشعر هو؟ قال: ما هو بشعر. قال: فخطب هي؟ قال: لا. وإن الخطب كلام متصل، وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضًا، له طلاوة. ثم قال في اليوم الثاني: قولوا: هو سحر، فإنه أخذ بقلوب الناس (2).

موْقف قريش مِن تأثُّر الناس بالقرآن

ولذلك كان تأثيره سريعاً ظاهراً في سامعيه، حتى خشيت قريش أن يغلبوا به على أمرهم، فحاولت منع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من مخالطة الناس، خوفاً من أن يقرأ القرآن الشريف عليهم ويحدثهم فيأخذ بقلوبهم ويؤمنوا به.
ومن الطريف في ذلك ما روي في لقاء الأنصار معه. فقد ذكروا أن أسعد بن زرارة وذكوان من الخزرج ذهبا إلى مكة معتمرين يسألان قريش الحلف على الأوس. وكان أسعد صديقاً لعتبة بن ربيعة، فذكر له ذلك، فردّ عليه عتبة بأنهم مشغولون عن ذلك بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه قد سفّه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شبابنا، وفرّق جماعتنا.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة فصلت آية: 1ـ13.
(2) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 110ـ112.
-[ 111 ]-
وكان أسعد وذكوان وجميع الأوس والخزرج قد سمعوا من اليهود الذين عندهم أن هذا أوان نبي يخرج بمكة، يكون مهاجره بالمدينة، لنقتلنكم به يا معشر العرب. فلما سمع أسعد كلام عتبة وقع في قلبه أنه هو الذي سمعه من اليهود. قال: فأين هو؟ فقال: هو جالس في الحجر.
ثم قال له: فلا تسمع منه ولا تكلمه، فإنه ساحر يسحرك بكلامه. فقال له أسعد: فكيف أصنع وأنا معتمر لابد لي أن أطوف بالبيت؟ قال: ضع في أذنيك القطن، فدخل أسعد المسجد وقد حشا أذنيه قطنًا، فطاف بالبيت فنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجازه. فلما كان في الشوط الثاني قال في نفسه: ما أجد أجهل مني، أيكون مثل هذا الحديث بمكة، ولا نعرفه حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم؟!
ثم رمى بالقطن وأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال له: أنعم صباحًا. فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأسه إليه، وقال: قد أبدلنا الله به ما هو أحسن من هذا تحية أهل الجنّة: السلام عليكم. فقال له أسعد: إن عهدك بهذا قريب. إلى ما تدعو يا محمد؟
قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأدعوكم: ((ألاَّ تُشرِكُوا بِهِ شَيئاً وَبِالوَالِدَينِ إحسَاناً وَلاَ تَقتُلُوا أولاَدَكُم مِن إملاَقٍ نَحنُ نَرزُقُكُم وَإيَّاهُم وَلاَ تَقرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقتُلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بِالحَقِّ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ* وَلاَ تَقرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلاَّ بِالَّتِي هِيَ أحسَنُ حَتَّى يَبلُغَ أشُدَّهُ وَأوفُوا الكَيلَ وَالمِيزَانَ بِالقِسطِ
-[ 112 ]-
لا نُكَلِّفُ نَفساً إلاَّ وُسعَهَا وَإذَا قُلتُم فَاعدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُربَى وَبِعَهدِ اللهِ أوفُوا ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ)) (1). فلما سمع أسعد هذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأنك رسول الله (2).
ويؤكد هذا الوجه في إعجاز القرآن الشريف أمور:

تعدُّد أساليب القرآن المجيد

أولها: أن القرآن الكريم لو كان بأسلوب واحد فربما يتوهم المتوهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد خصّ ذلك الأسلوب للقرآن وانتهج أسلوباً آخر في بقية كلامه الذي ينسب له.
لكن القرآن المجيد بأساليب مختلفة، فإن لم تكن لكل سورة أسلوبها المستقل بها فلا أقل من تعدد أساليبه في مجاميع من السور متقاربة، فأسلوب مثل سور البقرة وآل عمران والمائدة والأنعام والأعراف غير أسلوب مثل سور الأنبياء والمؤمنون والشعراء والصافات، وهما مباينان لأسلوب مثل سور الإسراء والأحزاب والفتح، وهي مباينة لأسلوب مثل سور الدخان والواقعة والقلم... إلى غير ذلك.
بل ربما كانت السورة الواحدة تجري على أكثر من أسلوب واحد. وربما اتضح انفراد بعض السور بأسلوبها، كسور محمد والقمر والرحمن وغيرها.
ومع كل ذلك فأسلوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كلامه وخطبه على رفعته
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنعام آية: 151ـ152.
(2) إعلام الورى بأعلام الهدى 1: 136ـ138.
-[ 113 ]-
وجماله لا يشاكل شيئاً من تلك الأساليب ولا يناسبها، كما يظهر بأدنى ملاحظة.
ومن غير الممكن عادة أن يكون القرآن بتلك الأساليب المختلفة، من إنشائه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يحسنها كلها، إلا أنه لا يصادف أن يقع شيء من كلامه الآخر على بعض تلك الأساليب، أو على ما يماثلها في الرفعة.

نزولُه مُتَفرِّقاً في مناسبات غير منضبطة

ثانيها: أن القرآن المجيد لم يكن كتاباً مجموعاً قبل أن يعلن به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ليتيسر التروِّي في إنشائه وتعديله وتنسيقه في مدة طويلة قبل إظهاره، بل نزل نجوماً متفرقة في مناسبات مختلفة.
وكثيراً ما يكون تبعاً لأحداث مستجدة غير متوقعة، كبعض تحديات أهل الكتاب والمشركين، وبعض تصرفات المؤمنين أو المنافقين، وواقعة بدر وأحد والأحزاب وغير ذلك. فتميُّزُه مع كل ذلك بهذا النحو شاهد بصدوره ممّن لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء، ولا يحتاج في فعله إلى إعمال رويّة وطول فكر ونظر.

تكْرار الفكرة الواحدة بعروض مختلفة

ثالثها: أن القرآن الكريم كثيراً ما يكرر ذكر الفكرة الواحدة في مواضع مختلفة، إلا أنه يختلف في أسلوب عرضها، وكيفية طرحها، والتركيز على الجهات المثيرة فيها، بما يناسب قوة السيطرة على البيان، وسعة الأفق، بوجه
-[ 114 ]-
ملفت لنظر المتبصر.
وهذه الوجوه الثلاثة وإن لم يصلح كل منها لإثبات إعجاز القرآن المجيد، إلا أنها بمجموعها تؤكد الوجه المتقدم في إعجازه، وهو إعجازه في الأسلوب.
والظاهر أن الوجه المذكور في إعجاز القرآن المجيد كان أهم الوجوه وأقواها تأثيرًا، وبه فرض القرآن على أرض الواقع، وكان له الفتح العظيم، حيث يدركه كل أحد بسليقته وفطرته، بلا حاجة إلى روية وحساب، وإعمال نظر، ونحو ذلك مما ينفرد به الخاصة.
بل يمكننا أن نتعرف على أهمية هذا الوجه من قوة تأثيره، خصوصاً في محيط جزيرة العرب حين نزول القرآن المجيد، حيث كان للفصاحة والبلاغة سوق رائج، وكان التفاخر والتسابق فيهما سمة بارزة فيه.
ومن هنا كان المناسب التبصر فيه، والرعاية له، وملاحظة شواهده ومؤيداته.
-[ 115 ]-


رد مع اقتباس